روآية : بيـــن الأمس واليـــــــــــوم .. للكــآتبة / # أنفاس_قطر # [ 1 ] .. من الجزء الأول الى الجزء الخامس والعشرين .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم دروب هذه الحياة المتشابكة والمتعرجة فوضى الأفعال والكلمات ثــم.. طريق اللا رجوع!!! قد تتصرف تصرفا ما.. ثم لا تستطيع التراجع عنه أو رأب صدعه أو قد تتفوه بكلمة ما.. ثم لا تستطيع درء أوجاعها وكبت سمومها فانتبه للقلوب التي ستطأها بقدمي أفعالك أو حروفك فالسنوات ستمر.. وستبقى أنت وماصدر عنك من قول أو فعل مشنوقين بين ماض لم ينته.. وحاضر مضطرب.. ومستقبل مجهول فهل أنت مستعد لكل هذا؟!!! قبل أربع سنوات... "تكفى يبه.. تكفى.. طالبك طلبة.. طالبك ماتخليها تدخل ذا الكلية" نبرة باردة صارمة تفيض صقيعا مدروسا: أظني إني عادني حي.. وشورها في يدي وأنا قلت لها إذا جابت ذا النسبة .. بأخليها تدخل اللي هي تبي ينهار على ركبتيه..وينكب على يد والده يقبلها.. ويهمس باستجداء موجع.. موجع حتى عنان السماء.. موجع حتى نهايات الوجع الموغلة في اليأس والألم والتشبث بمعاني رجولته البدوية الغالية: تكفى يبه لا تخليها تفضحنا.. تكفى.. والله ماعاد أطلب منك شيء في عمري كله بس لا تردني.. تكفى.. تكفى طالبك يبه.. طالبك طلبة يبه تكفى.. ما تهمك سمعتنا بين الناس؟!! والده ينتزع يده بحدة وهو يحترق ألما لهذا الجاثي المبعثر عند قدميه.. يود أن ينتزعه من الأرض ليزرعه بين النجوم.. أن يمحي نظرة الإنكسار الذابحة في عينيه فهو الذي علمه ألا ينكسر ولا ينحني ولا يتردد.. تركه جاثيا في مكانه وابتعد عنه ليهمس بثقة صارمة.. مرعبة.. نبرة من لا يهمه في الحياة سوى قناعاته هو: أنا ما يهمني حد وهي بتدخل اللي تبي ولا حدن بقاهرها وأنا رأسي يشم الهوا كسره.. كَــسَــرَه.. كَــــــــسَــــرَه!! كان الشرخ الأول.. والأضخم بينهما!! كان حدثا فارقا بين أحداث فارقة مرت.. وأحداث فارقة أخرى ستمر!! ولكنه كان وجعا صِرفا صافيا لكليهما وإن صرّح أحدهما بوجعه حتى البكاء وأنكره الآخر حتى النسيان!!! ************************ قبل واحد ثلاثين عاما عالم غير العالم ودنيا غير الدنيا وبشر غير البشر بحر ممتد.. وشاطئ عذب.. وأحلام تبدأ : لـتنمو.. أو لـتُـنحر!! يجلسان على بحر منطقة دخان.. شابان غضان.. للتو يعبران حاجز التاسعة عشر عاما يفرق بينهم الأصل والقبيلة ويجمع بينهما الفقر والصداقة والرجولة الكثير منها ثلاثتها كثيرٌ من الفقر وكثير من الصداقة وكثير من الرجولة!!! "زايد.. هونها وتهون يأخوك" " قهرتني ياخليفة.. قهرتني" خليفة بشبح ابتسامة: أبي أدري بس وش عايبك فيها..لسانها طويل يبتسم زايد وهو ينظر للأفق خلف البحر الرائق: مهرة ياخليفة مهرة.. مهرة محدن عسفها يبتسم خليفة: وانتي اللي تبّي تعسفها مع هالويه..؟؟!! زايد يلتفت له بحدة.. ويهمس بغضب خفيض: وش فيه وجهي يابو وجه أنت؟!! خليفة يهمس بنبرة حذر: تبي الصج وإلا ولد عمه؟!! زايد بغضب مكتوم: خليفوه خلصني قدام أعصب خليفة يبتسم وهو يلمس قفاه بحركة مقصودة: لا يأخوك كله ولا تعصب.. توني ماسلمت من تعصبيتك المرة اللي فاتت زايد بذات الغضب المكتوم: تبي تقعد تغزل فيها وأسكت لك خليفة يضحك ضحكته المجللة المغلفة بصفاء روح ما لوثتها المدنية: وأنا شعرفني إنها حبيبة القلب زايد بغضب أكبر: هي أو غيرها.. احشم الناس اللي أنت جايهم خليفة مازال يضحك ذات ضحكته التي تمنى زايد ألا تنطفئ من حياته يوما: وهي ليه ماتغطي ويهها مثل باقي حريمكم.. أعرفكم تغطونهم من 12 سنة.. هذي صارت بقرة وهي كاشفة ويهها وتدور ببخنقها زايد يلتفت ناحيته بحدة مهددة.. وخليفة يقفز ويبتعد عنه وهو يهمس بمرح: خلاص السموحة السموحة هدي هدي خل نتفاهم أنت الحين من جدك تبي تتزوج هالشمحوطة المزيونة اللي أطول منك يالقرد؟؟ زايد يحاول أن يهدأ: إيه.. وش فيها؟!! ولاعاد تقول المزيونة فقعت عيونك الثنتين وقرد في عينك.. الرجال مخابر مهوب مناظر وإلا يمكن بتقول لي مثل ماهي قالت لي.. إنه إبي كان راعي إبل عندهم قبل سنين.. وهي ماتزوج ولد الراعي خليفة يبتسم بخبث : يمكن.. ليش لأ؟!! زايد يعود للغضب الممزوج بكرامته المهانة هذه المرة: خليفة لا تقهرني مثلها.. أنت أكثر واحد عارف إنه إبي كان ضام حلالهم مع حلالنا.. يعني حن اللي متفضلين عليهم لأنه إبيها جابها على كبر..وماعنده غيرها ولا يقدر على الأبل.. فأبي مساعدة منه كان مخلي حلالهم مع حلالنا يعني سالفة الراعي ذي ما أدري من وين جابتها اللي ما تستحي؟؟ خليفة يهمس بهدوء يحاول به امتصاص غضب زايد: هذا أنت قلتها بنفسك.. يعني زود على أنها أنكرت فضلكم عليهم تسبك وتقول ياولد الراعي.. يعني خلتكم إنكم جنتو ترعون عندهم وجنها هي بنت الشيخ مع إن هذا موب صحيح والناس كلهم عارفين.. وش تبي فيها؟؟ هذي ناكرة يميل زايد بألم شفاف.. شفاف.. شفاف.. مغرق في الشفافية وكأنه يحدث نفسه المتيمة في هواها: كبرت قدام عيني.. وكل يوم يزيد غلاها.. لين ماعاد لغلاها محل أحبها ياخليفة.. أحـــبــهــا خليفة ببعض غضب: حبتك قرادة.. قول آمين.. خلها تولي زايد بذات الألم الشفاف: تدري ياخليفة: لو أنا أخطبها من إبيها.. صدقني بيوافق علي على طول.. إبيها شايل همها عدا أنه يعزني واجد تخيل إني تيك المرة يوم أنت شفتها ضربتها قدامه.. وهو ماقال شيء لأنه يدري إنها غلطانة بس أنا كنت أبي أشوف رأيها قبل.. هذي بنية يتيمة.. وماعندها أم ترد لها الشكيا ويمكن أحلامي صورت لي إنه يمكن في قلبها نفس اللي في قلبي صدمتني بقسوتها.. ما تخيلتها كذا خليفة يحاول أن يتكلم بمنطقية: زين خلنا من إنها تبيك أو ما تبيك أنت واحد طفران.. ماعندكم إلا ذا الابل اللي أصلا كلت اللي وراكم وجدامكم زايد بهدوء: جماعتنا كثير منهم مثلنا.. وش حن عايشين عليه إلا على ذا الابل؟!! خليفة ينظر للبعيد: والله يازايد أنت والابل.. مثلي أنا والبحر والسمج مالقينا فايدة.. لا تعليم تعلمنا ولا فلوس حصلنا ثم همس بما يفكر به منذ وقت وكان ينتظر الوقت المناسب لمصارحة زايد به: زايد امش معاي للدوحة الشباب هناك يقولون خير ربي.. الشغل وايد.. وفيه مدارس العصر الناس كلهم راحوا للدوحة ماعاد باقي الا احنا اللي ساكنين في مناطق برع (برا) الدوحة.. وش ناطرين؟؟ خل نشتغل الصبح وندرس العصر.. وبعدين احنا درسنا عند الكتاتيب ونعرف نقرأ ونكتب زين.. يعني بنطوف لنا كم صف زايد يهمس بخفوت كأنه يخاطب نفسه والفكرة تدخل إلى رأسه وتسيطر.. فلطالما كان ينفذ ما يقتنع به دون تردد: ليش لا..؟؟ بعد ذلك بشهرين بيت قديم مُستأجر فيما يعرف اليوم بمنطقة الأسواق بالقرب من سوق واقف يدخل بتثاقل كأن أقدامه مغروسة في الأرض ..يعاني نزعها.. ليعاود غرسها مرة أخرى.. يلقي غترته على السرير الحديدي المفرد ليلقي فوقه بأشلاء جسده الممزق ذهولا وألما أي هم هذا؟!! أي ألم يمزق روحه الشابة بمناجله المسمومة الصدئة؟!! خليفة الذي كان يكتب واجبه أزاح الدفتر جانبا وهمس لزايد بقلق: زايد أشفيك؟؟ زايد يــنـــزف.. يـــنـــزف.. يشعر أنه لابد أغرق الأرض بنزيف روحه همس وكأنه يتقيأ الوجع: مـزنـة...... تــزوجـت " آه يامزنة.. آآآآآآآه أما آن لك أن تقتربي مزنة ياحلمي الذي حلمت به حتى ملَّ الحلم مني يا أبجديات الحلم التي ماعرفتُ يوما سواها كيف استطعتِ أن تكوني قاسية هكذا.. ومتوحشة هكذا؟!! أ هان عليكِ قلب زايد المتيم؟!! أ هان عليكِ دمه المسفوح تحت قدميكِ؟!! أ هان عليكِ أن تبعثري ما بقي من روحه المعلقة بأهداب عينيك؟!! هل سيحبك هو كما أحبك أنا؟!! هل ستشرق شمسه مع ابتسامتكِ؟!! هل سيهذي باسمكِ كما أفعل؟!! هل ستغرد روحه إن وصلت همساتكِ إلى أطراف سمعه حتى لو من بعيد؟؟ تعبت من الآهات.. تعبت ماعادت آهات.. بل سهام تنغرز في روحي الثكلى لتبكي على مابقي من أطلالكِ وداعا يا حلمي.. وداعا وداعا يا مزنة !! " بعد أقل من عام زايد يأخذ خليفة من عمله على سيارته الجديدة GMC موديل 1980 خليفة يلتفت له وهو يهمس بحماس حقيقي: ها بشر؟؟.. وافقت عليك ؟؟ زايد يقلب شفتيه وهو يثبت يديه على المقود ويهمس بحياد: لا خليفة يهمس بغضب عميق: إش عندها ذي.. أرملة وعندها ولد.. لا وويه نحس بعد.. ريلها مات وهي حامل على شنو شايفه حالها؟؟!! أنت بس اللي معطيها ويه!! أنت الحين ماشاء الله وضعك صار زين واستأجرت بيت في الدوحة تزوج زايد.. تزوج شيختها اللي تسواها وانساها.. هي الخسرانة زايد يهمس بثبات وعيناه تبحران.. تبحران: ماحد عندي يسوى أم امهاب خليفة باستغراب: نعم؟؟ شنو اسم ولدها؟؟ زايد بهدوء موجوع: امهاب اللي المفروض يكون ولدي أنا.. مُهاب على قولت مدرسين العربي.. هي اللي اختارت ذا الاسم لولدها.. من يومها وهي غير وتفكيرها غير خليفة يبتسم: بصراحة اسم غريب وايد.. بس حلو ثم يردف في محاولة لإبعاد زايد عن أفكاره المرة: و على طاري مدرسين العربي.. ترا المدير يقول مستوانا متقدم وايد على مستوى اللي معنا نقدر ندرس سادس هالصيف ونطلع أول إعدادي مع فتح المدارس وندرس ثاني اعدادي الصيف الياي بعد عدة أشهر صفوف مدرسة قديمة.. كانت جديدة في حينه.. شباب صغار مثقلين بالحلم يجاورهم شيوخ مثقلين بالأمل.. وشتان بين حلم باللحاق بمستقبل قبل أن يمضي وأمل في تصحيح ماض مضى!! خليفة وزايد يجلسان متجاورين في انتظار المدرس..زايد يتنهد ويهمس بنبرة محايدة جافة كأرض بور: خليفة أنا خلاص بأتزوج خليفة يبتسم بسعادة حقيقية وهو يشعر بصدمة حقيقية "أ يعقل أن هذا المجنون قد شُفي من هوسه المستعصي المسمى مزنة؟!! " : وأخيرا خلصنا من خبال مزنة زايد بابتسامة هازئة مرة.. ابتسامة أشبه بالبكاء: ماخلصنا.. هي اللي خلصت مزنة تزوجت مرة ثانية..عيّت مني وخذت واحد مثل الأولي والله مايستاهلون ظفرها بس شأسوي.. مالي إلا القهر!! أنا خلاص ياخليفة بأعرس وأجيب لي بنت وأسميها مزنة.. أبي على الأقل أدعي اسمها في بيتي " هل هذا ما أردته يا مزنة؟!! هل هذا ما أردته؟!! تنتقلين من أحضان رجل لأحضان آخر لتتركي أحضاني تحتضن خيالا مرا شاردا يبعث برودة أشبه بصقيع الموت في أوصالي ثم لتسكن هذه الأحضان المنبوذة امرأة أخرى سواكِ يصبح أقصى أمنياتي أن تنجب هي لي مزنة.. صغيرة أهمس باسمكِ حين أناديها.. وأرى في أطيافها بعضا من أطيافكِ الهاربة" بعد ذلك بـ 8 سنوات وقبل 22 سنة من اليوم خليفة بابتسامة أخوية صافية: مبروك جاتك مزنة أخيرا عقب كسّاب وعلي زايد بفرحة حقيقية وروحه تغرد.. تغرد: الله يبارك فيك والله يافرحتي بذا البنت مثل فرحتي بعشر عيال بس تراني ما سميتها مزنة.. سميتها مُـزُون مابغيت أجرح مرتي إني أسمي بنتها على اسم اللي كنت أحبها حتى لو ماكانت تعرف ومن ناحية ثانية قلت إذا دلعتها بيكون نفس دلع مزنة أبرد قلبي شوي.. ولو أن قلبي عمره مابرد عــمـــره مــــابـــــرد ************************** قبل أربع سنوات من اليوم الدوحة منطقة رأس أبو عبود كلية قطر لعلوم الطيران مكتب رئيس الكلية تحديدا يجلس خلف مكتبه العريض بطلته المهيبة وهو يرتدي لباس الطيارين المعتاد رغم أنه توقف عن قيادة الطائرات منذ سنوات ولكنه تقليد برتوكول الطيران العتيد يقلب الأوراق أمامه ويعيد النظر للشابة الواقفة أمامه والتي لا يظهر أي شيء منها بتاتا وهي مغطاة بشكل كامل بالسواد وبالكاد تظهر رفات رموشها من خلف فتحات النقاب الضيقة يهمس باحترام ممزوج بالتهذيب والحنان الأبوي: يابنتي هالتخصص ما يناسبج أنا أقولها لج مثل بنتي الشابة بصوت خافت فيه رنة الحياء الطبيعية ولكن يصدر معه روح ثقتها الواثقة: هل معدلي ما يسمح؟؟ القائد يتنهد ويهتف وهو يعرف سبب سؤالها: لا.. وأنتي عارفة إنه معدلج أكثر مما يسمح بعد.. أعلى معدل بين كل الطلاب المتقدمين بنفس الثقة الخجولة: هل فشلت في أي من اختبارات القبول التحريرية أو العملية أو حتى اختبار قمرة القيادة؟؟ يبتسم القائد: يابنتي ليش تسألين أسئلة أنتي عارفة إجابتها؟؟ الشابة بثقة: وأنت ليش تبي تثنيني عن شيء أنا قررته خلاص؟؟ القائد بابتسامة أبوية: يا بنتي أنا في مجال الطيران لي أكثر من 25 سنة وأقول لج بكل صراحة وموضوعية إنه ما ينفع لمرة اطلاقا وخصوصا لما تكون وحدة مثلج الشابة تتنهد: أنا أعرف إنه فيه بنات قطريات في التخصص سابقيني.. وش معنى أنا؟؟ القائد تعب من الجدال معها ولكنه هتف بثقة: هم موب مثلج.. هم وضعهم غير.. حتى أشكالهم غير.. تسمح لهم بحرية حركة أكثر الشابة ببعض عتب: يعني عشان أنا منقبة؟؟ القائد بصراحة: ممكن يكون هذا أحد الأسباب.. الشيء الثاني أنتي معدلج عالي وايد.. وأنتي بنت زايد بن علي آل كسّاب الـ يعني يا بنتي ماشاء الله تبارك الله أبوج ريال معروف وخيره وايد يقدر يوديج أي ديرة تدرسين اللي تبين عدا إن معدلج إييب لج أحسن بعثة لو بغيتي مزون بثقة: وأنا ما أبي إلا ذا التخصص بعدها بساعة في أروقة الكلية مزون مع أخت صديقتها التي هي في السنة الثالثة من تخصص المراقبة الجوية والتي ساعدت مزون على انهاء إجراءاتها تهمس لمزون بحذر: مزون ترا للمرة الأخيرة أقول لج الفرصة قدامج تراجعين صدقيني ماراح يمشي حالج مع شروطج ما تبين تركبين مع الطيّار في القُمرة بروحج ولازم المساعد الثاني يكون مرة بعد وما تبين تسافرين لديرة غير الخليج ولا رحلة تضطرين تباتين فيها يعني من أساسها شروط كلها ما تنفع لوحدة تبي تصير كابتن طيران والكلية لولا واسطة أبوج الكبيرة ماكان قبلوج أساسا مع شروطج مزون تنظر للبعيد: أبي أسوق طيارة لو مرة وحدة في عمري.. بس مرة وعقبها أنا بأطلب العمل مع الطواقم الأرضية أو في عمل مكتبي لأني عارفة إنه مجال الطيران ما ينفع لوحدة مثلي لا شرعيا ولا اجتماعيا أبي بس أحقق أمنيتي بدون ما أرتكب أي ذنب أخت صديقتها بدهشة عميقة: تضيعين عمرج عشان أمنية غريبة مثل هذي؟!! مزون بشبح ابتسامة: مثل قصة البنفسجة الطموح لجبران خليل جبران.. تكفيني ساعة وحدة أحقق فيها طموحي غير بعيد منهما شابان يقفان يهمس احدهما للآخر بخفوت: أنت عارف البنت المنقبة بنت من؟؟ الشاب الآخر بعدم اهتمام: بصراحة هيئتها مهيب هيئة بنات الكلية بالمرة هي وش جايبها؟؟ الشاب الأول بهمس خافت: بنت زايد آل كسّاب لا وجايبة أعلى نسبة بين المتقدمين الجدد.. وتبي تخصص قائد جوي الشاب الآخر يلتفت للفتاة بحدة محرقة وهو ينظر لها نظرة تقيمية: من جدك؟؟ بنت زايد آل كسّاب ماغيره؟!! ثم أردف بغضب حقيقي: اللي ضاعت علوم العرب ومراجلهم؟!! الشاب الأول بشبح ابتسامة: يعني عشانها من جماعتك؟!! الشاب الآخر بغضب مكتوم: على شحم ومهوب شغلك ثم مشى باتجاهما وهو يجره معه ويهتف بصوت مسموع جمع فيه كل الاستهزاء والبرود رغم أنه كان يغلي كمرجل مشتعل تستعر ناره: اللي رخصوا الرياجيل إذا زايد آل كسّاب مخلي بنته تدرس مع الرياجيل عشان تدور عقبها من ديرة لديرة وش خلو لمضيعين أصلهم؟!! ياخسارة النقاب والأصل اللي ماعاد لهم معنى ولا حشمة!! حينها شهقت مزون بعنف وهي تلتصق بالحائط بينما أنعم عليها صاحب الكلمات المسمومة بنظرة احتقار تكاد تقسم أنها شعرت أنها شطرتها شطرين.. من صدرها حتى آخر سلسلة ظهرها.. شطران متهاويان وجعا وإهانة تجاوزها ..وهو يعلم أنها أصاب كرامتها في مقتل دون أن يهتم أو يرف له جفن ما يهمه أنه أشفى بعضا من غضبه وغيظه حين علم أن واحدة من بنات جماعته دخلت معه إلى ذات تخصصه المرفوض بشكل قاطع لأي امرأة همست أخت صديقتها بمساندة: ماعليج منه مزون.. هذا مُهاب معروف إنه مستحيل يخلي كلمة تقرقع ببلعومه مزون بصوت مختنق: بس هو ما يعرفني عشان يهيني كذا أشلون باستحمل منه كلمة ثانية يقطها علي الشابة الأخرى بذات المساندة: إن شاء الله ما تصدفينه مرة ثانية هذا الفصل آخر فصل له أصلا هو ترا كبير عن كل طلبة الكلية حتى طلاب سنة رابعة هو أكبر منهم بوايد لأنه تأخر ثلاث سنين قضاهم نقاهة من حادث تكسّر فيه تكسير وتوه رجع السنة اللي فاتت وخلاص هذا هو بيخلص ويروح ولكنها لم تكن المرة الوحيدة التي تخترق مسامعها كلماته المسنونة لم يتحادثا مطلقا وجها لوجه ولكنه لم يترك فرصة واحدة طوال فصله الدراسي الأخير لإسماعها كلمات مغموسة بالتحقير والاستهانة وأبشع أنواع الأهانة هكذا أراد الله أن يبتليها به أن تُجبر على سماعه وتجد نفسها عاجزة عن الرد أو حتى مجرد الشكوى ابتلعت الإهانة على مضض وروحها تذوي وجعا مرا فتجرع الإهانة دون القدرة أو الرغبة على الرد هو أشبه ما يكون بسم بطيء المفعول.. يقتلك شيئا شيئا وفي رحلة القتل هذه لابد أن تعاني أبشع الآلالم بصمت متوحش حتى تذهب روحك إلى الفناء.... الـــفــنـــاء!! كانت تلك الشهور هي الأسوأ في حياتها ضمن السنوات الأسوأ التي بدأت منذ ذاك الحين تمنت أن تقيم احتفالا حين تخرج مُهاب وغادر الكلية بعد أشهر قليلة ولكن الاحتفال يعني فرحا من نوع ما.. وهي فقدت الإحساس بطعم الفرح الحقيقي أصلا.. فلِـمَ الاحتفال؟!! ************************** اليوم.... ضحى يوم سبت الجو مشبع برطوبة خانقة شعرت بها وهي تخرج من باب المطبخ الخلفي وتنزل جلالها على وجهها رغم أنها تعلم يقينا أنه يستحيل أن تصل عين متلصصة إلى عمق منزلهم ولكنها اعتادت على هذا ومن ناحية أخرى لا تريد أن تسمع كلمة ما من والدها أو شقيقيها "آآآآآآه " تنهدت بوجع أي شقيقين؟؟!! قبل أربع سنوات كان لها أبوان وشقيق واحد.. ولكن الآن هناك أب وشقيق.. وثالث ماعادت تعرف له تسمية وصلت بعد عدة خطوات لمبتغاها فيلا صغيرة أنيقة تقبع خلف القصر الضخم ومعه في ذات السور دخلت دون أن تطرق الباب ألقت بجلالها على المقعد الأقرب للباب وهي تدلف للبهو البالغ الأناقة المؤثث بذوق أنثوي شديد الرقي عدلت من هيئتها في مرآة المدخل وملامحها الحزينة تنعكس على صفحة المرآة لتعكس ماهو أعمق وأكثف من جمال شديد التواضع يبدو لثقة صاحبته معدوما تماما تنهدت.. ثم رفعت صوتها وهي تنادي بحماس رقيق: خالتي خالتي عفرا خالتي وينش؟؟ خرجت عفراء من المطبخ وهي تجفف يديها وتهمس بحنان: تريقتي وإلا تريقين معي؟؟ مزون تحتضن خالتها بحب كبير وتهمس لها وهي تقبل أذنها: أنتي عارفة إنه ريوق السبت ماله حلا إلا معش ابتعدت مزون وهي تنظر لخالتها باستحسان: حلوة القصة عليش خالتو عفراء تعيد شعرها خلف أذنيها وتهمس بمرح حنون: أدري مزون تقلب شفتيها: عشتو.. صدقت أبلة عفرا العجوز عفراء بابتسامة: عجوز في عينش.. توني 37 سنة يا كابتن مزون مزون تضحك: ويعني 37 منتي بعجوز؟!! وبنتش اللي صار عمرها 19 نعطيها للجيران عشان ندس عمرش؟!! عفراء تدلف إلى المطبخ ومزنة خلفها وهي تبتسم وتجيب (بعيارة): لو أني عجوز ماكان يجيني خطّاب أصغر مني مزنة غمزت بعينها وهمست بخبث رقيق: وليش ما وافقتي على الخطيب اللي أصغر منش؟!! عفراء تصف أواني الفطور على الطاولة الصغيرة في زواية المطبخ وهي تهمس بذات المرح: لا تستعبطين شاب عمره 32 سنة يتزوج وحدة في عمري!!! هذا على فرق العمر اللي يبان على المرة ومايبان على الرجّال.. بعد عشر سنين عاده في عز شبابه وأنا بأكون خلاص أقول يا الله حسن الخاتمة هذا المسكين شيسوي.. يبي يتقرب من كسّاب ومالقى قدامه حد غير خالة كسّاب تنهدت مزون في داخلها بحسرة وأمران موجعان يتبادران لخاطرها أولهما كسّاب ذاته وثانيهما أنه صديق كسّاب سيخطب خالة كسّاب ولكن هي لم ولن يخطبها أحد فمن سيريد فتاة دميمة مثلها؟!! بل وعلى وشك استلام عملها في مجال قيادة الطائرات!! ولكن مزون حاولت تجاوز كل هذا.. فهذا الحزن وخصوصا مع ذكرى كسّاب ذاته شيء بات يتغلغل في روحها واُجبرت على التعايش معه لذا همست بمرح خبيث: زين ويوم إنش ما تبين اللي أصغر منش كان خذتي اللي أكبر منش عفراء أنزلت الصحن الأخير على الطاولة وجلست وهي تهمس بحرج: مزونتي قلبي.. كم مرة قلت لش لا عاد تفتحين ذا الموضوع مزون تمد يدها لكأس الكرك الذي صبته لها خالتها وترتشف منه وتهمس بهدوء: ولا عمرش اقنعتيني بأسبابش أنا بصراحة ما أشوف السبب اللي خلاش ترفضين إبي عقب ماتوفت أمي عفراء تقضم طرف قطعة الخبز وتهمس بمودة: خلاص هذا موضوع انتهى من سنين وأنا خلاص خلصت من العرس كله.. ما تزوجت وبنتي صغيرة أتزوج الحين عقب ماصارت هي عروس ثم أردفت بحزن عميق وكلمة عروس تقلب الكثير من المواجع: أنتي عارفة إنها كانت قبل مرضها ذا تخطب مني.. لكن الحين ؟!! الله يشفيها لي بس مزون أنزلت اللقمة التي كانت على وشك تناولها لأنها خشيت أن تغص بها وهي تهمس بحزن مختنق: خالتي والله حرام تخلين جميلة على ذا الحال سافري فيها مع كسّاب وإلا علي هذا هم اثنينتهم يحنون عليش عفراء تنهدت بحزن: يا قلبي يا مزون.. جميلة ما عاد هي بصغيرة.. صارت مرة ولا علي ولا كسّاب حلال عليها يكشفونها لو كان مرضها غير ذا المرض كان قلت عادي أنا معها لكن هي الحين حتى ما تقدر تغطي وجهها ولا حتى فيها حيل تغطي أي جزء ينكشف من جسمها الشيء الثاني.. أنا أملي بالله كبير إنها تتحسن إن شاء الله مزون تعلم أن هذه الأسباب وإن كانت من ضمن الأسباب إلا أنها ليست كلها!!.. لذا صمتت وهي تقف ثم تهمس بحنين: زين أنا بأروح أطل عليها.. بتوعى فيني؟!! عفراء وقفت معها: أصلا هي واعية.. أنا طليت عليها قبل شوي.. عصبت علي وعصبت عليها عشان الريوق الاثنتان تتجهان للأعلى ومزون تهمس: زين والجامعة بترجع الفصل الجاي وإلا لأ؟!! عفراء بألم عميق: قولي إن شاء الله.. مزون تحاول تغيير دفة الحديث من أجل الحزن الذي فاض من عيني خالتها: والمدرسة وش أخبارها؟؟ عفراء بسخرية مرة: لا تسألين لأنه هذي ماعادت دراسة ولا مدارس.. هذي مأساة من مآسي ذا الزمان خلينا من ذا الموضوع الغثيث الحين.. وصلنا غرفة جميلة ***************************** قلب الدوحة ذات ضحى السبت بالقرب من شارع حمد الكبير المعروف بـ"شارع البنوك" يوقف سيارته في موقفه الخاص ويصعد إلى مبنى شركته الصغيرة الأنيقة التي تحمل في كل جنباتها رائحة ذوقه وطرازه.. وحتى جموده!! يخلع نظارته الشمسية وهو يدلف من الباب الزجاجي الضخم لتبرز عيناه المتيقظتان كعيني والده تماما هاتان العينان هما الشيء الوحيد الذي ورثه من والده وفي بقية ملامحه كان شيئا مختلفا.. ملامح حادة مرسومة بدقة.. توحي بحنان مندثر أصبح ذكرى منقرضة جسد استثنائي التكوين بعضلات نافرة متحفزة تظهر بوضوح بارز تحت الانسياب الأنيق لثوبه الأبيض.. عضلات لم تكن موجودة مطلقا قبل أربع سنوات.. فلو لم يفرغ كل طاقة غضبه حينها في رفع الأثقال يوميا حتى كان يوشك على الانهيار من التعب في نهاية اليوم أو ربما كان انهار وقتها من الغضب والحقد والخزي والانكسار!!! ثم بعد ذلك بأشهر.. سفره الغامض الذي استغرق عاما.. عاد بعده بشهادة الماجستير وعاد كذلك -ويالا غرابة التغيير الجذري- ببنية جسدية مفرطة في القوة لدرجة مرعبة.. وروح مغرقة في القسوة لدرجة أكثر رعبا!! وصل لمكتبه ألقى سلاما باردا على سكرتيره ثم دلف إلى مكتبه لحق به سكرتيره وهو يضع ملف المراسلات أمامه ويهمس باحترام مهني: سكرتير عمي زايد اتصل ويقول عمي أبو كسّاب يبيك تمر عليه التفت له بحدة وهو ينظر له بقسوة متوحشة: نعم وش قلت؟؟ ابتلع السكرتير ريقه.. فهو يعرف هذه النظرة وليس مستعدا لتبعاتها التي يعرفها جيدا: فيه شيء طال عمرك؟! همس بنبرة محرقة: أظني في ذا الشركة مالك إلا عم واحد هو.. أنـــــا.. مفهوم؟!!! السكرتير يتراجع وهو يحاول الخروج بأقل الخسائر: أكيد طال عمرك.. أكيد خرج السكرتير بينما عاد هو لإرخاء جسده المتصلب الحالة التي لا بد أن تصيبه كلما سمع اسم والده لماذا رباه على كل هذا الاعتزاز والحمية والأنفه إن كان هو من سيكسره في النهاية؟؟ لـمـاذا؟!! لـــمـــاذا؟!! يحاول أن يتناسى الذكرى الموجعة التي تأبى الانزياح همسات الرجال المحتقرة في المجالس (هذا اللي أخته العوبا تدرس طيران) اضطراره لبدء حياة جديدة ابتعد فيها عن كل أصدقائه القدامى.. وأغرق نفسه في العمل حصر علاقاته في علاقات العمل فقط وغلف روحه بكل البرود والجمود الممكنين حتى يستطيع التعايش مع هذا الخزي الموجع كما يراه هو لولا خشيته من فضيحة أخرى أو كان ترك بيت والده وسكن في مكان آخر وهاهو يعيش معهم بالاسم فقط.. بينما هو بعيد.. بعيد بــــعـــــــيـــد جدا!!! أو..... ربما يظن نفسه كذلك!!! ************************ مزون تنزل الدرج وهي تمسح دموعا لا تريد أن تراها خالتها رغم أنها تطل على ابنة خالتها كل يوم ولكنها كانت تجدها غالبا نائمة اليوم كانت مستيقظة.... بدت لها غاية في الضعف وجهها الذي كان في مضى غاية في الرقة والعذوبة كان اليوم خاليا من الحياة وعظام خديها تكاد تبرز من وجنتيها عيناها غائرتان في فجوتين من هالات سوداء مرعبة أخفت حسنا كان لا يخفى.. شفتاها مشققتان جافتان على طرفيهما بقايا دم متخثر بعد أن كانتا أشبه في توردهما بفاكهة صيف ندية اخضرار عروقها كان يعبر بوضوح مساحات قاحلة من ضمور جسدها المتهالك فجوات كثيرة برزت في مفارق شعرها بعد أن تساقط الكثير من شعرها الذي كان رائعا بكثافته ونعومته مزون جلست في الصالة السفلية وهي تخفي آثار دموعها تبعتها خالتها بعد دقائق بعد معركة أخرى مع ابنتها جميلة جلست الخالة وهي تنتفض غضبا:جننتني.. جننتني.. مارضت تأكل شيء.. وفي الأخير غصبتها على لقمتين مزون بمساندة: هدي خالتي.. هدي.. أنتي عارفة إنها تصير عنيدة في موضوع الأكل انتقلت عفراء من النقيض للنقيض من الغضب العارم للحزن المقيم وهي تهمس بوجع مستشرٍ: مزون أنا صايرة عايشة في رعب إني بجي أصيحها يوم بألاقيها جثة أنا الحين ماعاد أقدر أنام وأنا كل شوي أحط يدي على قلبها عشان أتأكد من دقات قلبها وأحطها قدام خشمها عشان أتاكد إنها تتنفس انتفضت مزون بجزع: بسم الله عليها خالتي.. لا تفاولين عليها همست عفراء بألم عميق.. عميق: الله يخليها لي مزون تقترب من خالتها وتحتضن خصرها وهي تهمس بمرح مصطنع لإبعاد خالتها عن التفكير المؤلم: يعني أنا ما يخليني لش؟!! عفراء احتضنت مزون وهي تهمس بحنان: أنتي عارفة إنه كلكم أنتي وجميلة وكسّاب وعلي كلكم عيالي وغلاكم واحد مزون همست بخفوت وهي تبتعد عن خالتها قليلا: خالتي كسّاب أشلونه؟؟ ما يقول لش إنه يبي يتزوج؟؟ بأموت نفسي أشوف عياله هو بالذات عفراء ابتسمت وهي تقرص خدها بحنان: وعلي المسيكين.. ماتبين تشوفين عياله يعني؟!! مزون همست بألم: أقول يمكن كسّاب لو تزوج وجاب عيال.. يطلعون حنانه ويرجع كسّاب القديم يا الله يا خالتي وش كثر مشتاقة له أربع سنين مروا مايقول لي الا كلمتين كل كم شهر صمتت خالتها.. فهي في هذا الموضوع بالذات تقف على الحياد ولأسباب كثيرة!! أكملت مزون بذات الألم: الله يأخذ ذا الدراسة اللي بعدته عني والله لو دريت إن ذا كله بيصير إني ما أدخل ذا التخصص وليتني قعدت على اقتناعي حتى يالله يا خالتي وش كثر ندمانة !! خالتها بمؤازرة: خلاص يا بنتي اللي راح راح مزون بألم أكبر: أنتي عارفة ياخالتي إني بعد شهر واحد بس.. كنت أبي أطلع من الكلية عشان كسّاب واللي شفته صار له ما توقعت إن كسّاب بيتأثر بذا الطريقة.. قلت بيعند أسبوع وإلا أسبوعين ويتقبل الموضوع وتمشي السالفة ما توقعت حياتنا تتعقد كذا بسبت دراستي..جيت بأطلع عشانه لكن إبي حلف علي تدرين خالتي واحنا بزران كل طفل دايم يحلم حلم مجنون.. إنه بيكون رائد فضاء مثلا مشكلتي إني حلمت حلم غير معقول كان المفروض إنه ما يتحقق.. لكن لاني بنت زايد آل كسّاب.. الحلم تحقق جيت بأتراجع عنه.. زايد ما خلاني.. والله العظيم لو خيروني بين كسّاب وكل تخصصات الدنيا.. كفة كسّاب ترجح كسّاب ماكان إخي بس.. كان إبي وأمي من عقب ذا التخصص لا بارك الله فيه.. الكل تغير.. وحياتنا كلها تغيرت حينها ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل انخرطت في بكاء حاد موجع..فمشاعرها كانت مستنزفة تماما ابنة خالتها أولا..ثم موضوع كسّاب ثانياً خالتها انتفضت بجزع وهي تحتضنها بحنو وتهدئها: بس يا قلبي.. بس تراني ماني بمستحملة.. لا تبكين...أخورها الحين معش ***************************** قبل 17 عاما يجلس على سريرها منحنيا عليها بجذعه النحيل.. يمسح على رأسها الصغير الذي أرخته على ساقيه الهزيلتين اللتين تصلبتا من الألم لطول ما طواهما تحته تأخر الوقت.. ونامت الصغيرة.. والألم في ساقيه يتزايد ولكنه يتحامل على نفسه وهو يحاول احتمال الألم الذي يزيد عن طاقة احتمال طفل في الثانية عشرة بكثير كان لا يريد سحب قدميه من تحتها خوفا أن تصحو من نومها.. فهي نامت للتو بعد ساعات طويلة من البكاء والسؤال الذي لم يتوقف عن والدتها تطل عليهما بوجهها المتورم من البكاء وعينيها الذابلتين بعد أن ذهبت آخر المعزيات.. لينقلب إرهاق وجهها الحزين إلى صدمة ألم وهي تقترب من الجسدين الصغيرين: كساب حبيبي أنت على قعدتك ذي من عقب المغرب؟؟ كساب برجاء طفولي: تكفين خالتي قصري صوتش مابغت تنام.. قطعت قلبي من كثر ماسألت على أمي عفراء تمد يديها لترفع مزون عن ساقيه.. ويشير كساب الصغير بيديه لا: تكفين خالتي خليها.. إذا قامت وما لقتني بتبكي عفراء ترفعها بحنو وتضعها على سريرها وهي تهمس له بحنان موجوع: جعل مزون ما تذوق حزنك ياقلبي قوم يأمك تعشى وعقبه كلنا بنام عندها.. يحاول كساب الوقوف ليتهاوى ساقطا من ألم ساقيه المتصلبتين.. تنحني عليه عفراء بجزع لتجلس جواره على الأرض وهي تمسك به بحنو: وش فيك ؟؟ يهمس بألم وهو يحاول منع دموعه من الانحدار: أرجيلي توجعني.. حينها لم تستطع عفراء منع نفسها من الانفجار في بكاء جنائزي مكتوم وهي تحتضن كساب بكل قوتها فكساب بالذات طوال اليومين الماضيين كان هو من يثير أقسى أوجاعها.. بين إدعاء رجولة مبكرة وهو يتلقى مع والده التعازي في وفاة أمه وبين دور أمومة جديد وزعه بين علي ومزون وخصوصا مع مزون التي بدأ بقضاء أكثر وقته معها حين رأى سؤالها الدائم عن أمها وهو في كل هذا يستهلك طاقة جسده الصغير.. ويمنع نفسه من الانهيار في حزنه الطفولي اليائس كانت تعلم أنه أكثرهم حزنا وإن أخفى حزنه ودموعه.. فهو ابن وسمية البكر.. وللبكر دائما قربا خاصا من روح والدته.. وبينما خيط تواصل عصي على التفسير وهو كان من قضى معها الوقت الأطول.. وهو الأكبر سنا والاكثر استيعابا بين أشقائه.. يعرف معني اليتم وكيف ستكون الحياة مرة قاسية بدونها.. لذا هو من سيحس فعلا بمرارة فقدها وخلاء المكان والروح بعدها سالت دموعه بصمت في حضن خالته.. وشعرت عفراء أن البلل الذي بدا يغرق صدرها.. كما لو كان يغرق روحها في دوامات عاتية من حزن أسود سرمدي همست عفراء بحنو ذائب وهي تمسح على خصلات شعره الناعمة: أنا بأشلك حبيبي وأنزلك تحت تتعشا حينها تصلب جسده وهمس بصوت مبحوح حاول أن يخفي رنة البكاء فيه وهو يصرخ مستنكرا: تشليني؟؟ ليه أنا عويق؟؟ ثم أردف بثبات: دقيقة وأقوم معش.. بس ما أبي عشا أبي أروح أشوف عليان تعشى وإلا لأ همست عفراء بحنان: عليان تعشا وراح مع أبيك لغرفته.. وأنت لو ما تعشيت والله لا أزعل عليك ثم أردفت بحنان أرق وهي تنزل نقابها المرفوع فوق رأسها على وجهها: أمش أنا وياك نتعشى ونعشي جميلة.. خليتها تحت تبكي عند الخدامة ************************ سويسرا مدينة جنيف حيث المقر الدائم للأمم المتحدة توقيت أبكر بساعتين يصحو من نومه ويتجه للحمام ليغتسل ويتوضأ ليصلي ضحاه اليوم إجازة لكل منسوبي القنصلية وهو ومن ضمنهم ينظر في المرآة الطويلة لانعكاس صورته.. لوجهه الطفولي النحيل لطالما كان في شكله مناقضا لشكل كسّاب كان أطول من كسّاب وأنحف وأكثر وسامة..ولكن ملامحه فيها طفولة غريبة على عكس ملامح كسّاب المثقلة بالرجولة يبدو للرائي كما لو كان في السادسة عشرة مع عارضه الخفيف ونظرة البراءة المتلألة في عينيه الواسعتين رغم أنه يعبر أبواب السادسة والعشرين وعلى طرف الطباع كان دائما أكثر هدوءا واتزانا وعمقا من كسّاب المشتعل الصاخب كانا على طرفي نقيض شكلا ومضمونا حينما أنهى صلاته.. تناول هاتفه ليتصل حينما وصله الصوت الفخم على الطرف الثاني همس باحترام حماسي: حيا الله أبو كسّاب ها.. تجيني وإلا أجيك ذا الصيفية؟!!! ***************************** مزون تمد يدها لكأس الماء أمامها ترتشف منه وتهمس بشفافية: بس جد خالتي ماشاء الله عليه كسّاب شاب مثله وشركته مالها ثلاث سنين.. صارت محققة ذا النجاح كله.. وباعتماده على نفسه حينها ضحكت عفراء ضحكة قصيرة: ليه أنتي صدقتي التمثيلية ذي؟؟ مزون باستغراب: أي تمثيلية؟!! عفراء بابتسامة: أنه كسّاب حقق ذا النجاح كله بروحه بدون مساعدة مزون بتساؤل مدهوش: أجل؟؟ عفراء بذات الابتسامة: حبيبتي كسّاب نجح لأنه ولد زايد.. حتى لو كان يوم سوى شركته سواها من ورثه من أمه وماخذ من زايد ريال واحد فلمعلوماتش ولو ما كنتي تعرفين.. زايد كان يدفع من عنده الفرق عشان الشركات تعطي مشاريعها لشركة كسّاب اللي كانت شركة صغيرة جدا ومهيب معروفة حتى في المواد الأولية اللي كان يشتريها.. زايد يطلب منهم يعطونها كسّاب بأقل من سعرها وهو يدفع الباقي لحد ما وقفت شركة كسّاب على أرجيلها خلال فترة قياسية مستحيلة لولد في عمره وشركة في إمكانية شركته اللي كانت بدون امكانيات اساسا مزون بدهشة عميقة: وأنتي اشدراش؟؟ عفراء هزت كتفيها: لي مصادري.. والمهم إن كسّاب مايدري عن شيء من ذا الكلام ما نبي نكسر اعتزازه بنفسه وفرحته بنجاح شركته واعتماده على نفسه مزون بثقة رغم عجزها عن تصديق كل هذا: أكيد خالتي ثم اردفت بحنان عميق: فديت أبي ياناس.. نعنبو لايمني في حبه ثم أردفت بحماس: بس والله إن زايد مخ.. شوفي إبي مامعه إلا ثانوية وكسّاب معه ماجستير إدارة أعمال ومع كذا شوفي أشلون إبي حقق ذا النجاح كله باعتماده على روحه بس. عفراء تبتسم: إبيش ماشاء الله مخه نظيف.. وعنده حاسة اقتصادية عجيبة والشيء الثاني ترا إبيش يوم بدا شغله بدا برأس مال مهوب شوي يعني زايد باع أكثر نصيبه من إبل أبيه اللي كانت كلها من الابل الطيبة وجابت له مبلغ مهوب بسيط أبد ضحكت مزون: بس عقب سنين رجع واشتراهم.. ضحكت عفراء: البدوي أعز ماعليه حلاله.. غلاها من غلا عياله.. تدرين وسمية الله يرحمها كانت تقول إنه تيك السنين كان مثل اللي مضيع له شيء وفيه حزن لين رجعهم مزون بحنين وحزن: الله يرحم أمي.. مالحقت أعيش حنانها .. ثم أردفت بحب غامر وهي تضع رأسها على كتف خالتها: والله يخلي اللي ماخلتني أحس بغياب أمي وكانت هي أمي وأعز.. عفراء بتأثر: أنتو وصات وسمية الغالية لي.. والله لو تبون عيوني ماغلت عليكم.. مزق أجواء حديثهما المنسجم صراخ الخادمة من الأعلى: مـــامـــا مـــامـــا تعالي شوفي جميلة عفراء قفزت وهي تتعثر برعبها وجزعها على صغيرتها وهي تركض صاعدة للأعلى ومزون تجاوزتها لتركض أمامها حين دخلتا وجدتا الخادمة تحاول رفع جميلة عن أرضية الحمام حينها انخرطت عفراء في بكاء هستيري: شفتي يا مزون شفتي!! راحت ترجع اللقمتين اللي غصبتها عليهم شفتي!! شفتي!! تبي تموت ذا البنت!! تبي تموت مزون همست بتهدئة وثبات وهي تقترب من جميلة: هدي خالتي فديتش.. مافيها إلا العافية وأظني صرتي متعودة على كذا كانت مزون تحاول التجلد وهي تمسح وجه جميلة وتنظفه ثم تحملها بخفة كما لو كانت تحمل طفلا فكل ما بقي من عود جميلة الريان هو وزن طفل في السابعة من عمره حوالي 28 كيلوجراما مازالت في تناقص كل مابقي من ذلك الجمال الملائكي العذب هو خيال شاحب لمومياء توشك على مغادرة الحياة.. عروق بارزة وعظام ناحلة وجسد خالٍ من كل معالم الحياة مزون وضعت جميلة على سريرها ثم همست في أذنها: جميلة حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفي أمش جميلة أدارت جسدها الجاف كغصن ذاوٍ..وهي تهمس بصوتها المختنق الضعيف الذابل: تكفين مزون اخذي أمي وخلوني في حالي ************************* الدوحة منطقة الأبراج بالقرب من الكورنيش مقر مؤسسة ضخمة من أكبر مؤسسات قطر تضم تحت لوائها عدة شركات وتحتل بمجمل شركاتها برجا ضخما الطابق الأخير من البرج مكتبه الضخم البالغ أقصى حدود الفخامة والأناقة يراجع عدة أوراق أمامه.. بحسه المتيقظ دوما.. لا يمكن أن تفوته صغيرة ولا كبيرة.. ذكاءه الفطري متحفز دوما.. وهاهي شركاته تمر بمرحلتها الذهبية التي صنعها هو أولا وأخيرا طلته مهيبة رغم أنه للقصر أقرب.. وكأنه بهذا يلغي مقولة عاشت في الأذهان وتجذرت "الطول هيبة" غزت الشعيرات البيضاء رأسه ولكن عارضيه مازالا يقاومان الغزو الأبيض مع شدة سوادهما رن هاتفه.. رأى الاسم وابتسم...كم اشتاق لهذا الفتى الغائب!! مع علي يشعر براحة عميقة..فلهذا الفتى قدرة هائلة على الاحتواء معه لا يشعر بتحفز كسّاب ولا حزن مزون بات عاجزا عن تفهم الشابين اللذين يساكنونه...ويشتاق لهذا الساكن بعيدا عن حناياه يشتاق لعلي الذي كان يفهمه بدون لغة الكلمات الممجوجة حينما كان أولاده صغارا..كان ارتباط كسّاب ومزون ببعضهما أكبر بينما علي كان مرتبطا به هو..رغم مشاغل زايد المتعددة كان دائما ملتصقا به ومع ذلك كان علي بعد كل هذا من أصرَّ على الابتعاد والعمل في وزارة الخارجية رغم رفض زايد لعمله الذي أجبره على التنقل من بلد إلى بلد منذ التحاقه به منذ أربع سنوات "هل أردت أن تهرب من أحضاني يا علي؟!! أفقد الولدين وفي وقت واحد!! كسّاب فقدته وهو يسكن معي في بيت واحد..وعلي فقدته بالبعد وحتى مزون ماعادت مزونا..حزن عميق يغلف نظرة عينيها الغالية مابهم أولادي؟!! ما بهم؟!!" أشجانه طاردته مع اسم علي المضيء على الشاشة فتح الاتصال وهمس بصوته الثقيل العميق الموغل في الفخامة.. صوت من اعتاد أن يأمر فيُطاع: هلا والله إني صادق!! صوته المرح العميق: حيا الله أبو كسّاب.. تجيني ذا الصيفية وإلا أجيك؟!! ابتسم بذات الفخامة: إلا تجيني أنت و أنت سنافي ونشمي.. ولو أنك تخليني أكلم الوزارة كان ريحتك من ذا الشحططة من ديرة لديرة..وتقعد في الدوحة يبتسم علي: أنا مرتاح كذا تنهد زايد في أعماقه بحرارة لا يريد أن يستجديه.. رغم أنه يتمنى أن يستجديه..ويستجديه ويستجديه يستنزفه الاشتياق له فمهما يكن هو أب وهذا صغيره أتعبه هذا الاشتياق وهذا البعد الذي بات يحيط بروحه إحاطة السوار بالمعصم همس زايد بهدوء حازم: جعلك مرتاح دوم ثم أردف: وها متى جاينا إن شاء الله؟!! علي باحترام ودود: شهر شهرين.. في ذا الحروة زايد بجزع لم يظهر في صوته الثقيل: ياكبرها عند الله يأبيك..قد لي 3 شهور ما شفتك علي بمودة: سيّر عليّ جعلني فدا عينك زايد يتذكر شيئا ثم يهمس بحزم أبوي: أنا الأسبوع الجاي عندي سفرة لفرنسا تعال لي أنت هناك علي بحماس: من جدك؟!! أبشر.. أبشر أنا اللي باستقبلك في المطار.. بتلاقيني بايت في ديغول من قبلها بليلة زايد بذات الحزم الأبوي: لا لا تعطل شغلك.. تعال لي في الويكند حقك المهم أشوفك.. علي برجاء لطيف: يبه تكفى جيب مزون معك.. هي قالت لي أمس إنها خلصت امتحاناتها خلاص زايد يبتسم: أنت عارف إن مزون مستحيل تطلع من الدوحة وكسّاب وراها.. تقول أخاف يحتاج شيء علي بألم لم يظهر في صوته: ويعني لو أحتاج بيطلب منها أو من غيرها؟!! زايد بذات طريقة الرد ..الألم المختبئ خلف حزم صوته: المهم هي مرتاحة كذا *************************** بيت زايد آل كسّاب أروقة الطابق العلوي الشاسعة والممتدة الساعة الحادية عشرة ليلا تقف أمام باب غرفته منذ أكثر من عشر دقائق ليست المرة الأولى التي تدخل غرفته حتى تعاني هذا التردد الذي يقتلها فهي تدخل غرفته بشكل يومي فهي لا ترضى أن ترتبن الخادمات ملابسه أو ملابس علي أو والدها.. فهي من اعتادت على فعل هذه المهمة يوميا...ولكنها كانت ترتب في غرفة خاليا من حضوره مرت أشهر متطاولة لم يتبادلا فيها حوارا بالمعنى المفهوم للحوار فكيف بهذا الموضوع الذي جاءته به الليلة؟!! تنهدت بعمق وهي تستجمع كل قواها الخائرة وكل ثقتها التي توشك على الهرب خوفا من سطوة كسّاب كساب منذ مراهقته المبكرة وهو حاد الطباع وسريع الغضب.. ولكن شتان بين حدة الطباع مع طيبة قلبه البالغة سابقا.. وحدة الطباع مع شخصيته القاسية المتحفزة الجديدة التي برزت في السنوات الأخيرة طرقت الباب وصلها صوته الحازم فيه رنة غضب " نعم؟؟" ابتلعت ريقها وكانت على وشك الهرب من أمام الباب لولا أنها فُجعت بالباب يُفتح وكسّاب يقف أمامها في فرجة الباب المفتوح بكامل اتساعه لا ينكر أنه تفاجأ أن تكون هي الطارقة ولكن تفاجئه لم يظهر لصوته الحازم البارد: "نعم؟!!" مزون تبتلع ريقها: ممكن أتكلم معك شوي؟!! همس بذات الصوت البارد الحازم: آسف ماعندي وقت ثم أغلق الباب في وجهها بصوت مسموع.. وقفت مصدومة لثوانٍ.. ولكن صدمتها تبددت قسرا فليس هذا أسوأ ما قد يفعله تجاهها!! فطوال السنوات الماضية مارس ضدها صنوفا مختلفة من التجاهل الموجع وحين يقرر بعد أشهر أن يخترق أسوار التجاهل ليشعرها أنها قد تكون مخلوق مرئي يسكن على مقربة منه يكون اختراقه للتجاهل أكثر قسوة من تجاهله.. كلمات جارحة قاسية حادة وقصيرة.. لكن أثرها عميق.. متوحش.. وطويل.. طــويـــل !! تنهدت وهي تقوم بمحاولة جنونية لم تقم بمثلها مطلقا فالموضوع الذي تريد محادثته فيه لا يحتمل التأجيل لذا فتحت الباب ودلفت للداخل..ام تجده في الصالة حيث توقعت أن تجده فتجاوزت صالته لغرفة نومه بخطوات مترددة وجلة وهي تدفع كل القوة في عروقها المتهاوية وجلا كان يتمدد على سريره ويقرأ كتابا حين رأها دخلت.. قفز وهو يهتف بغضب حقيقي: أشلون تجرأين وتسوين كذا؟!! حاولت أن تهمس بهدوء واثق مصطنع: فيه موضوع مهم أبيك فيه كسّاب بذات الغضب المحرق: صدق مافي وجهش سحا بس وش نتوقع مع وحدة تدرس مع الرياجيل كتف بكتف؟!! وبكرة بتروح تهيت من ديرة لديرة.. إذا جا العيب من أهل العيب ما يكون عيب شهقت بعنف..شعرت أنها عاجزة عن التنفس.. كانت طعنته مؤلمة.. مؤلمة حقا!! تكاد تقسم أنها شعرت بملمس نصل طعنته وهي تخترق لحمها بقسوة ثم تشعر بدمها يفور ويتدفق لزجا ساخنا ملتهبا ولكنها لم تعلم أنه بطعنته آلم نفسه قبل أن يؤلمها.. ونصل طعنته انغرس في روحه المثقلة الموجوعة وكلماته جرحت رجولته قبل أن تمزق بقايا أنوثتها تنهدت بعمق موجوع.. التحسس من هذا الموضوع بات ترفا ماعاد يليق بها ولكن ماذا تفعل.. لا تستطيع منع نفسها من الاحساس بكل هذا الألم ولكن بما أنها الآن تتألم.. ويستحيل أن تتألم أكثر من هذا فلن تسمح له أن يثينها عما جاءت من أجله همست بهدوء كانت روحها تتمزق خلف متاريسه: ماني برادة عليك تدري ليش؟!! لأني شعرة من شعر وجهك هيني.. هيني مثل ماتبي.. لأنك بتهين نفسك معي أصابته في الصميم الـــصـــمـــيم هذا وهي لا تريد الرد عليه فكيف لو كانت سترد؟!! تقلصت قبضته التي كان يكورها ويعتصرها بينما أكملت مزون حديثها وهي تهمس بذات الثقة: أنا أدري إني ما أهمك في شيء..وأنا ماني بجاية عشان موضوع يخصني أنا جايه عشان خالتي عفرا..وأدري إن خالتي لها معزة كبيرة عندك قاطعها كسّاب بحدة: خالتي عفرا طيبة وبخير وتوني مكلمها ووريني عرض مقفاش الحين لم تهتم لطرده له وأكملت: وبنتها بعد طيبة وبخير؟!! بذات النبرة الحادة: والله بنتها اللي جابت ذا كله لنفسها شهقت مزون: يعني عاجبك حالها؟!! عاد كسّاب للجلوس على السرير وهو يهمس ببرود: على قولت الشوام.. اللي من إيده الله يزيده شهقت مزون بعنف أكبر: حرام عليك حينها التفت لها كسّاب بحدة: واللي تسويه هي في نفسها مهوب حرام تدرين بنت خالتش هذي لو ماتت بتكون من أهل جهنم والعياذ بالله انتفضت مزون بجزع كاسح: أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. استغفر ربك.. استغفر ربك كسّاب يرفع حاجبا وينزل الآخر: بنت خالتش لو ماتت بتكون منتحرة والمنتحر وش مصيره عند ربه؟!! مزون بدأ صوتها بالاهتزاز: حرام عليك.. هذي وحدة مريضة كسّاب بسخرية: مريضة؟؟ هذا والله مرض البطرة!! جميلة عشان الله رزقها شوي صحة وجمال.. ماقالت الحمدلله على النعمة.. تبطرت لو عرفت وش معنى إنها تشتهي الأكل ولا تلاقيه؟؟ لو عاشت في فقر وحاجة؟!! لو حتى بس شافت الأخبار وشافت الناس اللي عايشين في المجاعات كان عرفت قيمة النعمة اللي كانت فيها قبل تضيع من يدها مزون بصوت مختنق: حرام عليك كسّاب.. مرض فقدان الشهية مرض نفسي في المقام الأول كسّاب بذات السخرية:نفسي؟!! حلوة ذي!! وويش كان سبب المرض النفسي على قولتش في البداية؟!! لإنها كانت تبي تضعف مع أنها ما كانت متينة أساسا.. مزون بارتجاف: لا مهوب كذا ..وهذا مهوب موضوعنا.. أنت ماتبي تساعدها؟!! كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء لكن جميلة ما تستاهل وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا ماني بطايق شوفتش قدامي مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة: كـــسّـــاب تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي تكفى...تزوج جميلة.. تكفى #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم / الجزء الثاني كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء لكن جميلة ما تستاهل وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا ماني بطايق شوفتش قدامي مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة: كـــسّـــاب تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي تكفى...تزوج جميلة.. تكفى حينها التفت كسّاب لها بحدة.. وهو يقول لها بقسوة من بين أسنانه: نعم؟؟ عيدي ما سمعتش عدل تراجعت مزون خطوتين وهمست باختناق: تكفى كسّاب.. البنت بتموت وأنت عارف إن خالتي مستحية وماتبي تثقل على حد عدا أنها مستحرمة سفر جميلة مع حد منكم كسّاب تنهد بعمق في داخله ثم جلس على سريره وهمس ببرود: أظني الكلام بيننا انتهى وأتمنى ما تشرفيني بذا الزيارة مرة ثانية حينها جثت مزون على ركبتيها لتجلس على الأرض جواره وتناولت كفه تقبلها باستجداء محزن مهين كسّاب انتفض بعنف وهو ينتزع يده بحدة ويقف ليبتعد عنها وذكرى جلسة استجداء مريعة ومؤلمة كان هو بطلها قبل أربع سنوات تعود لذاكرته.. وكأن الذكرى المقيمة في خلايا ذاكرته غادرته أصلا!! بينما كانت مزون تهمس بوجع حقيقي ورجاء مثقل بالألم: تكفى كسّاب ماعرفنا لنا أم صدق إلا خالتي عفرا ولو صار لجميلة شيء خالتي بتموت من الحسرة تزوجها لو تبي تطلقها عقب ما تشافى كسّاب بذات النبرة الباردة المحايدة: زواج بنية الطلاق أنتي عارفة عدل إنه حرام والشيء الثاني جميلة طول عمري اعتبرها اختي الصغيرة ومستحيل أفكر فيها زوجة مزون بوجع: زين والحل؟؟ كسّاب يشعر بصداع فعلي وأعصابه على وشك الانفلات من تزايد الغضب.. الحالة التي لابد أن تصيبه كلما رآى مزون همس من بين أسنانه: الحل مهوب شغلش.. ويالله.. برا.. اطلعي برا مزون توجهت للخارج مجبرة.. تجر أذيال خيبتها وحزنها للباب ولكن قبل أن تخرج رأته يلتقط شيئا من جيب ثوبه المعلق ثم يخرج لشرفة غرفته عادت وتبعته وقلبها تتصاعد دقاته رعبا من المشهد الذي تتوقع أنها ستراه بعد أن لمحت الشيء الذي أخرجه من جيبه كانت عاجزة عن مجرد التصديق أ يعقل؟!! أ يــــعــــقـــل؟!!!! حين وصلت للشرفة وقفت أمام بابها ثم شهقت بكل الرعب: تدخن كسّاب؟؟ تدخن؟؟ من متى؟؟ وإبي يدري عنك؟؟ كسّاب تفاجأ برؤيتها.. لم يكن يريدها أن تراه بهذا المنظر رغم كل الألم الذي بعثته في حياته.. ورغم كثرة ما تبادلا الجرح ولكنه يبقى منظرا يكره الرجل الحر أن تراه محارمه "تلك الرفيعة اللعينة تنثر دخانها وتتمدد بين شفتيه!!" همس كسّاب بسخرية مرة وهو يلقي السيجارة على بلاط الشرفة ويدهسها بقدمه العارية دون أن يهتم باللهيب المحرق الذي انطفأ في باطن قدمه : الحين تبين إبي يحاسبني أنا الرجّال على أني أدخن وهو ما حاسب البنت اللي سوت أكثر من التدخين بواجد.. احنا بيت القيم عنده مقلوبة.. جات على التدخين يعني؟!! مزون امتلئت عيناها بالدموع: كسّاب حرام عليك اللي تسويه في نفسك أخرتها تدخين.. وش عندك بعد تبي توجعني فيه؟!! كسّاب يعطيها ظهره وهو يتسند على طرف حاجز الشرفة ويهمس ببرود قارس: وهو كل شيء في حياتنا كلنا لازم يتعلق فيش يعني؟؟!! مزون اطلعي برا.. وحياتي مالش دخل فيها إذا أنتي سويتي اللي في رأسش..تبيني أنا كسّاب ما أسوي اللي في راسي أدخن ما أدخن مهوب شغلش لو حتى شفتيني أحرق روحي بغاز.. مهوب شغلش ولا تدخلين خرجت وهي لا ترى طريقها من عينيها الغارقتين في طوفان من الدموع.. بينما هو زفر بحرارة لاهبة أحرقت صدره قبل تغادر روحه المثقلة بالغضب وهو يوجه للحاجز الحجري عدة لكمات فرغ فيها بعضا من غضبه.. ولم يشعر بنفسه إلا مع تصاعد الألم في كفيه ليتناول علبة السجائر ويقذف بها إلى أبعد مدى عبر الشرفة ليمنع نفسه من تناول سيجارة أخرى فهو منذ بدأ التدخين في ذلك التاريخ المشؤوم قبل أربع سنوات لم يكن يدخن إلا حينما يغضب.. ولا يتجاوز ما يدخنه سيجارة واحدة في اليوم.. وقد تمر أيام كثيرة لا يدخن مطلقا إن لم يعكر مزاجه شيء كان يستطيع تركها بسهولة.. ولكنه احتفظ بهذه العادة الرديئة حتى يحرق أعصاب والده فقط!! الذي كلما رأى السجائر معه غضب ليعنفه حينا.. ويعاتبه حينا آخر ليرد كسّاب عليه ببرود وقح: واحد أخته كابتن طيار.. وش تتوقع منه يسوي؟؟ بعد ذلك بساعة غرفة مزون مازالت مستمرة في بكاءها الهستيري فاليوم كان أكثر من احتمالها بكثير جميلة أولا ووضعها المتردي ثم حوار طويل مع كسّاب لأول مرة منذ سنوات ثم ختامها تدخين كسّاب أي نهار مريع هذا؟!! بل أي حياة مريعة هذه؟!! هاهي أنهت دراسة كرهتها .. وعلى وشك استلام عمل لا تعلم إن كانت ستكرهه أيضا ولكنها لا تستطيع التراجع فهي فقدت معنى الفرح في حياتها من أجل أن تحقق حلمها المجنون ماعاد للتراجع قيمة الآن.. عائلتها تغيرت قبل أربع سنوات.. تغيرت للأبد كلهم تغيروا.. وكانت هي السبب عناد كسّاب الموجوع المطعون في رجولته وثورة شبابه المعتزة في مقابل تشبث والدها بقراره الذي كانت هي من دفعته نحوه دفعا مع رفض علي الذي لم يكن راضيا مطلقا ولكنه آثر التعبير عن رأيه بهدوء ثم قرر الصمت والرحيل حان لها أن تحصد الحصاد المر.. بل هي ظلت تتجرع مرارة هذا الحصاد قبل أن ينضج حتى وهاهو نضج.. نضج تماما.. فلتتذوقه رويدا رويدا تشعر أن خلاياها تتمزق ألما وتصرخ يأسا فهي لم يكن لها أي حياة مطلقا بعيدا عن أسرتها.. هم محور تفكيرها وسعادتها الماضية والآن محور آلمها!!! فأي ألم هذا؟!! يحز في خلاياها وشرايينها وتلافيف عقلها الموجوع المثقل بالوجع والتفكير والهم الذي أضاف لعمرها سنوات كثيرة!! *************************** قبل أربع سنوات طرقات خافتة على باب مكتبه في بيته.. يرفع صوته بحنو وهو يتعرف الطارقة من رقة الطرقات: تعالي يأبيش.. ادخلي رغم أنه في داخله كان يتمنى ألا يراها الآن، فلديه من الهموم الكثير.. هموم ولدّها خبران قصما ظهره تماما.. خبران كانت هي سببهما!! تدخل بخطوات مترددة.. قلقة وهي تخفي وجهها المحمر عن مدى نظراته.. نظراته التي كانت على أوراق أمامه: اقعدي.. دقيقة وحدة وأفضي نفسي لش تجلس على المقعد المقابل وهي تدعك كفيها بتوتر.. وتمسح بشكل متكرر أنفها المتفجر احمرارا يرفع رأسه وهو يبتسم لتتحول ابتسامته لتجهم قلق وهو يقف ليتوجه ناحيتها ويرفع وجهها ويهمس بقلق مبطن بالتدليل: وأشفيش يأبيش؟؟ كنتي تبكين.. أفا ياذا العلم.. وش اللي مضايق حبيبة أبيها؟؟ لم يُحمل الأمر أكثر مما يحتمل.. فهي مدللة.. وكثيرا ما تستخدم دموعها للضغط عليه.. فهو يدلل وكساب كان يدلل.. وعلي يدلل.. وخالتها تدلل فكونها الأصغر التي لم تتمتع بحنان أمها..فجّر حنانهم كلهم عليها ولكن قلقه كله تفجر حين انفجرت في بكاء هستيري: ما أبي الكلية خلاص.. ما أبيها.. أبي أطلع.. تكفى يبه خلاص زايد يتنهد بحزم: والسبب؟؟ مزون بين عويلها: ما تشوف كسّاب أشلون تغير.. وأشلون يعاملني.. البيت ما يجيه إلا أخر الليل.. ولو شافني يصد ويقلب وجهه كنه شايف زبالة تكفى يبه.. خلاص ما أبيها.. زايد يتركها ويعود لمكتبه ليجلس ويقول بكل حزم: ماعاد هو بعلى كيفش تحملي نتيجة قراراتش.. قبل شهر يوم جيتيني.. وقلتي لي أبي طيران... قلت لش هذا تخصص ما يدخلونه بنات الحمايل ولا ينفع لش.. حاولت أقنعش بأي تخصص ثاني بس أنتي ما رضيتي كسّاب عصب وكسّر الدنيا.. وحتى علي بين لش إنه رافض نهائيا تدخلين ذا التخصص ومع كذا أصريتي.. وقعدتي تبكين عندي.. أنت وعدتني أنت وعدتني.. خليتي وعدي لش سيف على رقبتي زعلت خلق الله عشانش خليتيني قطيت وجهي عند الوزراء والشيوخ عشان أدخلش الكلية بشروطش وكل واحد منهم أكلمه يقول لي: يازايد من جدك تبي تدخل بنتك طيران لكني بديت رغبتش على كل شيء.. حتى على قناعاتي أنا ثم انفجر زايد وهو يقف بعنف و براكينه المكتومة منذ أكثر من شهر تثور وتثور: أثرش شايفة السالفة لعبة من ألعابش.. تلعبين فيها شوي وتقطينها تبين تراجعين الحين عشان كسّاب.. وينش منه وهو مرة يترجاش ومرة يعصب عليش مرة؟!! .. ماكسر خاطرش؟!!.. هان عليش تسوين فيه كذا؟؟.. وإلا يمكن قلتي لنفسش أنا دلوعتهم.. يوم ويومين وينسون كنش ما تعرفين كسّاب وعناده يعني... كسّاب لو مابعد دريتي سجل في جامعة في أمريكا خلاص.. وبيروح عقب شهر بالكثير وعلي طلب نقله لمكاتب التمثيل الدبلوماسي الخارجي خلاص يامزون اللي انكسر ما يتصلح...وطريقش بتكملينه لين آخره.. برضاش، غصبا عنش بتكملينه.. أنا ما خسرت ذا كله عشان لحظة طيش منش وعناد... مثل ما أتخذتي ذا القرار وأنتي تقولين مقتنعة... تحملي نتيجة اقتناعش.. ويا ويلش لو ما نجحتي وتفوقتي بعد.. والله لا تشوفين شيء عمرش ماشفتيه وإن قد تشوفين وجه زايد الثاني اللي مابعد شفتيه زايد أنهي سيل كلماته المتفجر.. وخرج.. كان يريد الاختلاء بنفسه.. لأول مرة ينفجر في صغيرته هكذا.. ولكنه وصل منتهاه.. بل أقصى منتهاه أ هكذا تفعل به.. وبإبنائه.. ثم تقول تراجعت.. لا أريد.. " ماعاد الأمر بيدك يا مزون.. ماعاد بيدك فكل شيء خرج عن السيطرة من أجل تحقيق رغبتك المجنونة حققيها إذن!! حققيها.. تذوقي ما كسرنا بقلوب أخوتكِ من أجله اجعلي تضحيتي بهم من أجلك تستحق" انهارت مزون في بكاء أعمق وكلمات والدها تنزل فوق رأسها كالصواعق... كيف تعيش من غيرهم.. كيف يرحلون ويتركونها.. كيف؟؟!! كيف تصمد من دون فوضاهم المرحة المليئة بالحياة حولها؟!! كيف تعيش دون عبق رجولتهم الحانية يحتويها؟! كيف ستعيش في هذا القصر الضخم مع الأطلال والخيالات الموحشة؟!! أ تهجر البيت لتسكن مع خالتها؟! وزايد ؟؟ زايد الذي ضحى بكل شيء من أجلها.. لمن تتركه؟؟ لمن؟؟ ستبقى من أجله.. ليتجرعا الحزن والوحدة سويا!! كان هذا قبل أربع سنوات.. وكم تغيرت خلال هذه السنوات الأربع من فتاة عنيدة مدللة خالية من الهم.. لأنثى مكسورة على كتفيها أطنان من الهموم.. قبل ذلك لم تكن حتى تلحظ تواضع جمالها.. كانت ترى نفسها جميلة فروحها محاطة بالاحتواء والود وكل ذلك كان ينعكس على نفسيتها وصفاء روحها ولكنها الآن أصبحت ترى نفسها خالية من أي حسن.. وكأن تمّزق روحها ويأس مشاعرها انعكس على صفحة وجهها البائس.. وكانت كلما ازدادت حزنا.. كلما ازدادت في دراستها تفوقا.. مثل بعض ممن يعانون من السمنة.. كلما إزداد تاثره من سمنته.. كلما ازداد أكله وكانه بذلك يعاقب نفسه.. وهي كانت تعاقب نفسها... كانت تدرس وهي تكره الكتب.. وتود لو تمزقها بأسنانها كانت تتدرب على قمرة القيادة وهي تود لو تحطم كل هذه الأزرار والأضاءات وتنتزع كل هذه الأسلاك كانت تؤدي الامتحانات كأفضل ما يكون وهي تشعر أنها على وشك التقيء على ورقة الامتحان " أ لم أضحي بالجميع من أجل هذه الدراسة التي أصبحت تثير غثياني؟!! إذن لأزدد غثيانا.. لأزدد غثيانا!!" ************************ اليوم التالي يوم أحد بيت آخر في الدوحة العصر في صالة البيت السفلية تجلس بعد أن صلت العصر قبل أكثر من نصف ساعة وأمامها قهوة وفوالة العصر المعتادة تحكم لف جلالها حول وجهها.. فهي وإن كانت لا تلبس برقعها في بيتها حين لا يكون عندها زائرات فإنها اعتادت ألا تكشف شعرها مطلقا ودائما جلالها ملفوف حول رأسها بإحكام رغم أنها وهي في الخامسة والأربعين مازال شعرها جميلا بلونه الكستنائي الذي ناسب الحناء التي لا تستغني عن وضعها ولم يكن شعرها هو الشيء الوحيد الذي مازال جميلا.. فهي بمجمل تفاصيلها مازالت رائعة الجمال ولكن لم يعد لملامحها ذات التحدي الموجع الذي كان يلسع القلوب ، فالأمومة ومرور السنوات أكسبا ملامحها رقة دافئة وإن كانت روح التحدي مازالت تقبع داخل تلك المهرة التي ما أخضعها رجل يوما حتى مع زواجها مرتين.. ولكن روح التحدي الشرسة الوثابة أورثتها مضاعفة أضعافا كثيرة لسواها!!!!! "يمه.. يمه.. شفتي جوالي؟!!" همست بهدوء وهي ترفع عينيها للشابة التي تنزل الدرج في غلالة جلابية من حرير سماوي: زين قولي السلام عليكم أول.. داخلة على مسلمين مهوب يهود ابتسمت الشابة وهي تصل وتطبع قبلتها على رأس والدتها وتهمس من قرب بصوتها الحريري ببحته المستحيلة: السلام على أحلى مزنة في تاريخ البشرية كان صوتها خليطا مستحيلا من برودة الفولاذ وقسوته.. ونعومة الحرير وانسيابيته.. صوت تعجز عن تصنيفه.. هل هو أشبه بتغريد العصافير؟!! أم بطبول الحرب؟!! ولكن المؤكد أن تأثيره هو خليط منهما.. سكون العصافير وتدمير الحروب حين تتكلم العيون والآذان تتجه فورا لهمسها وكأن به سحرا يجبر الآذان على البحث عنه للاستزادة منه.. أو الهرب منه!! همست مزنة بذات الهدوء: جوالش أنا خذته أكلم فيه امهاب.. عشان شحني فضا وحطيت تلفوني على الشاحن الشابة بعذوبة صوتها المستحيل: الجوال وراعيته فدوتن لعيون أم امهاب ابتسمت مزنة : ماذا بعندش وأنتي نازلة تصايحين كنش مفلوجة الشابة بابتسامة: خلاص عديها يا مزنة ثم أردفت وهي تتلفت: وين جدي.. مابعد جابه سليم من المسجد؟!! مزنة بحزم هادئ: جاء قبل شوي ودخل ينسدح الحين اقعدي خل أتكلم معش وعقب روحي جيبيه من غرفته الشابة تعقد حاجبيها مستفسرة: عسى ماشر؟؟ مزنة بذات الحزم الهادئ: الناس اللي يتنون ردنا.. وش أقول لهم؟؟ الشابة برنة سخرية: ليه أنتي مابعد رديتي عليهم؟!! مزنة بنبرة بها بعض غضب: ليه أنتي رديتي علي عشان أرد عليهم تقف وتهز كتفيها باستهزاء: طبعا مرفوض.. وخلني أروح أجيب جدي أحسن من ذا السيرة حينها وقفت مزنة وأمسكت عضد ابنتها بقوة وهمست بغضب حازم: اقعدي لين أكمل كلامي ياقليلة الحيا.. بتروحين وأنا عادني أحكي يا للي ما تستحين؟!! حينها التفتت الشابة لوالداتها بحدة ولهيب آسر يشتعل في موج العينين الأسطوريتين.. الليل الموغل في السواد والسحر والتعذيب.. الذي تقف أهدابها حوله كرماح متراصّة من سواد صقيل : أنا يمه اللي ما أستحي؟!! تنهدت مزنة وهي تحاول السيطرة على غضبها فهي تعرف أن ابنتها تشبهها ولو غضبت فيستحيل أن تكمل معها الحديث الذي لابد من انهاءه وبما أنها الأم ومن يجب أن يمسك بزمام الأمور خففت حدة صوتها وهي تدفع في صوتها بعض الحنان المدروس: يأمش ما يصير يشب شبيبش كل ما جبنا ذا الطاري اقعدي يأمش.. اقعدي الله يهداش تنهدت الشابة وهي تعاود الجلوس رغم أنها لا تريد الجلوس إطلاقا: يايمه قلت لش من أول يوم ما أبيه تنهدت مزنة: وأنا قلت لش فكري أجابت بنفاذ صبر: وأنا قلت لش ما أبي أفكر.. وحسبت الموضوع انتهى خلاص مزنة تعاود التنهد للمرة الالف حتى لا يتفجر غضبها الذي تحاول كتمه: أنتي يا بنتي ماعادش بصغيرة قدش بتكملين 26 سنة احمدي ربش عاده يجيش خطّاب.. حينها رفعت الشابة حاجبا وأنزلت الآخر وهي تهمس بغرور حقيقي غير مصطنع إطلاقا: هم اللي يحمدون ربهم إنه كان لهم شرف المحاولة يمه.. من هي مثلي المفروض تاخذ ملك.. مهوب ذا البزارين التافهين اللي الواحد منهم مايستاهل ظفر رجلي والدتها بغيظ: تراش مسختيها.. إذا على شوي الزين اللي عندش.. ترا المزايين واجد.. الشابة بسخرية: شوي الزين؟!!! ثم أردفت بثقة: يمه حلفتش بالله قد شفتي من هي أحلى مني في الحقيقة وإلا حتى في التلفزيون يمه ذا الزين كله حرام يضيع على واحد تافه إمعه أكيد الله سبحانه ماعطاني ذا الزين وذا الذكاء كله عبث.. أكيد له حكمة تنهدت مزنة للمرة المليون: يأمش الزين من زانت أفعاله والرجّال اللي جايش رجّال فيه خير.. نقيب في الجيش ومن ناس معروفين وعندهم خير ومهوب صغير في السن.. عدا الثلاثين الشابة بذات السخرية: يعني آخرته طار وإلا وقع جندي.. وخير ياطير 30 سنة؟!!.. بزر بعد ويوم إنه عاجبش كذا.. عطيه بنتش اللي ما منها فود مزنة بغضب: عيب عليش ذا الكلام وضحى مهيب بايرة..تقطين عليها اللي ماتبينهم.. بيجيها نصيبها..لكن أنتي الكبيرة وأم الرجّال جايتش أنتي على الوصف.. جعل أمحق وصف وزين ماعينا من وراه إلا يباس رأسش الشابة وقفت وهي تتنهد لتنهي الموضوع: يمه فديتش خلاص جعلني الأولة.. تأخرت على جدي ثم تركت والدتها غارقة في غضبها وابتعدت لناحية أخرى من البيت حتى وصلت لغرفة لها بابان باب لداخل البيت وباب يفتح على حوش المنزل من ناحية مجلس الرجال حركت مزلاجا يقفل الباب من ناحيتهم وفتحت الباب فتحة صغيرة جدا وهتفت بأمر حازم: سليم اطلع روح المجلس بقيت واقفة خارج الباب حتى سمعت صوت الباب الآخر يقفل حينها دخلت وأغلقت الباب المتوجه للخارج ثم توجهت لسرير جدها النائم جلست بجواره وهي تنظر لوجهه الأسمر المتغضن بحنان بالغ جدها هو الوحيد الذي يذيب خلايا قلبها.. معه تتحلل من عنادها وتسلطها وغرورها مدت يدها تمسح على جبينه المحفور بتجاعيد غائرة تتمنى لو أستطاعت أن تمسح هذه التجاعيد علها حين تمسحها تطيل في عمره فأكثر ما تخشاه في هذه الحياة أن تكون حياة خالية من وجود هذا الشيخ " ريحة يدش المعطرة ما تخفاني" همسه الموغل في الشيخوخة وصل طيات روحها قبل أن يصل أذنيها ابتسمت بحنان ومرح: ماشاء الله عليك يبه.. عديت التسعين.. وعادك تشم كذا ابتسم وهو يفتح عينيه الغائرتين في تجاويفهما ليكشف عن فم شبه خال من الأسنان: ول عليش.. كلمة نضول انحنت لتقبل يده الممددة على صدره وتهمس من قرب: جعل عمرك طويل.. وجعلني ما أذوق حزنك مد يده لتساعده على الجلوس وهو يهمس بما يشبه اليقين: اللي بتذوقينه يأبيش انتفضت بجزع حقيقي وهي تمد يدها لتعدل من جلوسه وتحتضن كتفيه ثم تقبل عضده وتهمس: تكفى ما تقول كذا.. ما تدري يمكن يكون عمرك أطول من عمري حينها كان هو من انتفض بجزع بعمق شيخوخته: جعل ربي ما يفجعني في حدن منكم.. مثلي يا أبيش يقول يالله حسن الخاتمة قد الموت أحسن لي من الحياة.. ماعاد باقن من صفتي حد.. (أي أن أبناء جيلي كلهم ماتوا) حينها ابتسمت بشفافية: لأنه أنت نادر يبه.. والنادر ما يقارن نفسه بصفته ولا غيرهم همس بهدوء عميق: ماعلى الموت نادر.. يضايقها هذا الموضوع كثيرا.. تكره مجرد التفكير فيه.. ولكنه بات موضوعه المفضل.. مشغول بالموت وانتظاره بل وتمنيه.. مشتاق للقاء ربه وإنهاء رحلة هذه الحياة التي طالت كثيرا.. ولكنها تريده جوارها.. ولا تعرف للحياة معنى بدونه.. هو الأحب إلى قلبها تحبه أكثر حتى من والدتها وأشقائها.. بل حبها له لا حدود له.. تفضله على كل شيء في العالم ومستعدة للتضحية بكل شيء وأي شيء من أجله وحده همست بشبح ابتسامة: أفا ياجابر تبي تروح ما زوجتني..لازم تزوجني أول.. همس بضعف باسم: والله يأبيش مابقى من هل ذا المقطر حد ماخطبش.. صبيهم وشيبتهم.. صاحيهم وخبلهم .. (المقطر: كلمة تستخدم لحي متجاور من الخيام) ابتسمت بعذوبة لتكشف الشفتان المتوردتان المثيرتان عن صف أسنان استثنائي في صفائه وصفوفه: شأسوي يبه لحد الحين ماجاء الرجّال اللي في بالي ابتسم الجد جابر ثم قال بجدية: أنتي يأبيش ما تأخذين رجّال.. تأخذين خروف قطبت حاجبيها بغضب عاتب: هذا قدري عندك يبه؟!!.. تزوجني خروف؟!! عاود الابتسام: يأبيش أنتي أصلا رجّال.. واللي مثلش مايقدر يعيش معها إلا خروف تعقد حبلها في رقبته وتقوده.. هذه المرة قطبت حاجبيها بحزن.. لو كان من قال لها هذا الكلام أحد سواه لم تكن لتقبل حتى حرفا واحدا.. وكانت أشعلتها حربا شعواء: كذا يبه.. هذا وأنت الغالي عندي!!! لم يعلق على كلامها.. بل واصل كلامه بنبرة منطقية: تدرين يأبيش.. أنتي كنش أمش.. من غير حقران في أبيش ولا في أب امهاب الله يرحمهم اثنينتهم.. لكن أمش كانت أرجل منهم.. والثنين كانت مزنة شايخة عليهم والواحد منهم مايقدر يخطي لها كلمة.. ولولا أنهم كذا أو ماكانوا صبروا عليها.. وأنتي مثلها .. اللي بتأخذينه إذا ماشختي عليه.. منتو بعايشين سوا قطبت جبينها: مابي واحد أشيخ عليه.. أبي لي رجّال صدق.. رجّال يهز المجالس وأمي لو كان لقت رجّال مثله ماكان عيّت منه..الله يرحم أبي وعمي أبو امهاب تناول غترته من جواره بيد مرتعشة ليضعها على رأسه ويلفها حول وجهه ويهمس بهدوء: أمش جاها الرجال اللي يهز المجالس بدل المرة مرتين وعيت منه.. وأنتي كنش إياها والرجّال اللي جايش ذا الحين مافيه قصور.. همست بغضب: يبه لا تقارنني كل شوي بأمي.. والرجّال اللي جايني ما أبيه.. مايملأ عيني.. مد يده يبحث عن عصاه ليتوكأ عليها وهمس بذات الهدوء العميق: وش اللي يملأ عينش يا بنت مزنة؟؟ همست وهي تمد يدها لتسنده وتقوده لصالة البيت ليتناول قهوته مع والدتها.. همست بما يشبه الحلم: أبي رجّال صدق.. رجّال بمعنى الكلمة ولو مالقيته الأحسن أقعد في بيت هلي ******************************* جامعة قطر بوابة كلية العلوم بنات الساعة الرابعة عصرا شابتان متسربلتان بالسواد تقفان قريبا من الباب من الداخل صبا المشاعر.. وحزن في القلب.. كلاهما تطوي حزنا ما في قلبها الغض!! حزن لم تكن هي سببه.. ولكنها نشأت فيه!! تحاول أن تنحيه في نقطة عميقة من أعمق خفاياها..تنساه أو تتناساه!! ولكنه لا يلبث أن يطل برأسه القميء!! تهمس أحداهما للأخرى: وضوّح من اللي بيجي يأخذش.. لو السواق بأروح معش تهمس وضحى بهدوء عذب: مالش لوا اشعيّع.. بيجيني تميم.. تبتسم شُعاع بخبث مرح: أحسن بأروح معش.. ماتقولين إن تميم يدور عروس.. هذا أنا موجودة.. خسارة يروح عليّ ذا المزيون نظرت وضحى لشعاع بشكل مباشر وهمست بنبرة عتب مقصودة: وأنتي جد بتوافقين على تميم؟؟ حينها ابتلعت شعاع ريقها بحرج: تميم من غير قصور فيه.. بس أنتي عارفة إني أمزح.. هزت وضحى كتفيها بألم: رجاءً شعاع.. تميم مهوب موضوع تمزحين فيه شعاع بحرج حقيقي: خلاص وضحى.. أنتي عارفة إنه تميم ولد خالي.. ومثل إخي وأنا ما أقصد شيء وضحى وهي تنظر لشيء غير مرئي: أو حتى تقصدين.. ما أقدر ألومش.. شعاع تحاول تغيير دفة الحديث والتغطية على حرجها: أشرايكم تسيرون علينا الليلة.. وضحى بشبح ابتسامة باهتة: ماله داعي.. أنتي عارفة إنه أختي وأختش ما يتواطنون.. والقعدة تصير مملة وأختش تحاول تستفز أختي شعاع بعتب: وأنتي ليش تحطينها برأس جوزا.. كأن أختش هي اللي ملاك ماتسوي شيء وضحى بذات الابتسامة الباهتة: صحيح أختي عيوبها واجد.. وأنا ما أدافع عنها لكن إذا جينا للحق.. تراها تكبر عقلها واجد على خبال أختش ترا أختي ما تنغلب في الكلام وسهل عليها تخلي جوزا ماتسوى بيزة.. بس هي تحشم عمتي شعاع بابتسامة: زين خلينا منهم.. جد وضحى وبدون زعل وبصراحة وبيني وبينش.. أنتي وأختش علاقتكم ببعض طبيعية.. مثل الخوات العاديات؟؟ هزت وضحى كتفيها وهمست بطبيعية: لا.. شعاع باستغراب: لا.. بكل بساطة..؟!! وضحى تبتسم: ليه أنتي شايفة (كاسرة) أخت عادية.. عشان تكون علاقتي فيها عادية؟؟ شعاع تبتسم: بصراحة كاسرة توصف بأي وصف إلا أنها عادية .. بداية من اسمها لشكلها لشخصيتها تدرين وأنا صغيرة كنت متوقعة إن كاسرة لما تكبر بتغير اسمها.. استغربت اعتزازها فيه وضحى بهمس: كاسرة اسمها لابسها تمام.. كاسرة وهي كاسرة.. أمي لما سمتها ذا الاسم كانت قاصدته تبيها تكون كاسرة في زينها وشخصيتها وياسبحان الله.. صارت اسم على مسمى شعاع بتساؤل: زين وليش علاقتش فيها غير عادية؟؟ وضحى تتنهد وهي تنظر للبعيد: احساس صعب إنك تكون موجود جنب شخص نوره يخليك غير مرئي.. يخليك مخلوق حقير جنبه.. مهما حاولت تبرز نفسك.. محاولاتك كلها تضيع شعاع تنتفض بجزع: وضحى أنتي مافيش قصور عشان تقللين من قدر نفسش وضحى تبتسم الابتسامة الباهتة اياها: زين أنا ماعلي قصور.. وكاسرة شتقولين عليها؟؟ شعاع بصراحة باسمة: كاسرة خليها برا المقارنات عشان ما نتحطم كلنا.. قارني نفسش فيني مثلا وانبسطي وضحى بشبح ابتسامة لا لون لها : بس المقارنات غصبن عني وعنش تحضر من وحن صغار والنسوان يقولون قدامي لأمي: أنتي اللي عندش من الزين كله عطيتيه كاسرة وزود.. ووضيحى ماخليتو لها شيء وحتى بعيد عن الشكل لو عزيت نفسي أنه أساسا مستحيل أي وحدة مهما كانت حلوة إنها تقارن نفسها في كاسرة كاسرة شخصيتها القوية ألغت وجودي .. أحيان كثيرة أحسهم ينسون أني في البيت في الوقت اللي هي لو غابت خمس دقايق يقلبون البيت عليها كم هو مر هذا الإحساس الذي تجرعته وضحى منذ طفولتها!! إحساسها أنها مخلوق زائد العدد في أسرتها.. مخلوق مجرد من الأهمية والمميزات شبح إنسان يعيش على أطراف حياتهم ورغم هذا لكنها لم تكن تكره كاسرة مطلقا.. بل كانت مولعة بها في ذاتها ولكن مرارة الإحساس جاءت لأنها أصبحت تشعر مع مرور السنوات أنها مخلوق هلامي بلا شخصية وفي الوقت الذي كانت كاسرة تزداد جمالا وتسلطا كانت هي تزداد بهوتا وضعفا وكأن كاسرة تمتص منها كل شيء.. تقتات منها لتبرز هي.. لذا كانت علاقتهما مرتبكة غريبة ملتبسة.. بالتأكيد الحب موجود بينهما لأن هذه هي الفطرة السوية .. ولكن للحب ألوان عجيبة مجهولة وعصية على الفهم والتفسير فكاسرة لا تفتأ تستهين بها وهي تتقبل الاستهانة بصمت.. لأنها تشعر أنها ليست ندا لكاسرة ولا بأي شكل من الأشكال تشعر أنها جوارها غير مرئية.. "فمن سيرى حصاة معتمة بجوار شمس شديدة الإشراق؟!!!" رغم أنها هذا غير صحيح.. غير صحيح!! فوضحى لها شخصية مثيرة لها اعتباريتها الكبيرة داخل أسرتها ولكن هي لا تشعر بذلك.. ووجود كاسرة جوارها يشعرها بالضآلة!! ************************** مزنة تتحادث في الهاتف وحرجها يتصاعد من الطرف الثاني بينما كاسرة تجلس بجوار جدها تسكب له القهوة وإبتسامة مرحة ترتسم بإثارة على شفتيها وهي ترى حرج والدتها من الطرف الآخر.. ومحاولتها لإيجاد أعذار ليست مطلقا الحقيقة أنهت مزنة اتصالها لتلتفت إلى كاسرة بغضب: عاجبش كذا؟؟ خليتني في نص هدومي من المرة.. فشلتيني فيها وهي تقول ولدي وش عيبه تردونه وأنا أتحجج لين عجزت.. كله من خبالش حينها انفجرت كاسرة في ضحكات عذبة: شكلش يمه كان تحفة.. بس احمدي ربش إنها اتصلت قبل تجي.. عشان ما تنحرجين منها فيس تو فيس مزنة بغيظ: أحر ماعندي أبرد ماعندها... والله إن الرجّال ماعليه كلام.. ضيعتيه من يدش كذا.. كاسرة مازالت تضحك: المركب اللي تودي.. حينها همس الجد بإبتسامة ولّدّها رنين ضحكات كاسرة التي تصب في روحه لتنبئه أن هذا العالم بخير ما دامت تعمره ضحكاتها الغالية: خليها يامزنة.. بنتي ذي مهرة.. والمهرة ما تغصب مزنة بغضب: ماحد مقوي رأسها إلا أنت.. كل ماجاها رجّال فيه خير عيت منه بدون سبب جابر بهدوء عميق: مثل ما قويت رأسش قدامها.. وافقتش يوم عيتي من زايد حينها ضحكت مزنة: يبه ما سجيت.. ياه يبه ذاك زمان مضى جابر بذات هدوءه العميق: والله يأبيش كل ما أشوفه إلى ذا الحين.. يطري علي أشلون أسود وجهه يوم رديته.. ما يستاهل أبو كسّاب من يرده.. أنا أشهد إنه قرم.. وإنه واصل.. ما يسج منا ياشيبانه حينها قاطعت كاسرة الحديث بإعجاب: بس يمه من جدش ومع احترامي لش.. فيه وحدة في كامل قواها العقلية.. تعيي من زايد آل كساب.. هذا مدرسة اقتصادية ذا الحين عــبــقـــري!! ابتسمت مزنة بروح خالية.. فما مضى مضى بالنسبة لها: يأمش زايد الله يهداه كان شديد بزيادة.. يوم كانوا جيراننا كان مجنني.. لا تطلعين.. لا تدخلين وحتى الضرب ضربني.. وأنا إبي اللي هو إبي عمره ما مد يده علي ثم أردفت بضحكة: لو أنا خذت زايد كان ذبحني .. أو أنا ذبحته همست كاسرة باستفسار: تعرفين مرته الحين؟؟ مزنة بتأثر: وسمية بنت محمد.. الله يرحمها ماتت شباب.. وخلت عيالها بزارين ثم أردفت بإعجاب: بس أنا أشهد إن خالتهم عفرا ماقصرت معهم.. حاضتهم كنهم عيالها.. (حاضى=أهتم بـ) ثم أكملت بتاثر: الله يشافي لها بنيتها.. عين ما ذكرت الله.. شفت بنتها مرة وحدة قبل سنتين في عرس.. وقلت لها: ماتزوجينا ذا المزيونة.. هي ضحكت يا حليلها وقالت: امهاب ما ينرد.. بس بنتي عادها صغيرة.. ثم أردفت كاسرة بخبث: زين وليش ما خطبتي له بنت زايد بنفسها.. ضحكت مزنة: تبين امهاب ينجلط.. من يوم دخلت بنت زايد كلية الطيران.. وهو مولع ومحترق من زايد وبنته.. بس بصراحة إن زايد استخف على ذا الخبال.. يفضح روحه كذا.. كاسرة بإعجاب عميق: إلا رجّال بمعنى الكلمة.. اللي هو مقتنع فيه يسويه وما عليه من حد.. خلها تدخل كلية الطيران.. وتحرق أعصاب ولدش إللي يحسب إن مافيه طيارين غيره... ***************************** إنه مساء الدوحة...نقرات ناعمة خافتة على الباب.. ثم تنهدت وضحى بألم وهي تتذكر وتضغط زرا بجوار الباب.. حينها فتح الباب لها شاب طويل قوي البنية وعلى وجهه الوسيم ترتسم ابتسامة دافئة حنونة وأشار لها أن تدخل بعلامة ترحيبية فهذا الزر عند بابه يشيع ضوءا في غرفته ليعلمه أن هناك من يطرق بابه أشارت له وهي تبتسم: ليش ماتعشيت؟؟ ابتسم وهو يشير لجسده القوي: لازمني حمية شوي.. زايد وزني حينها ضحكت وهي تشير وتهمس بصوت مسموع: إذا أنت زايد وزنك ..وش نقول على امهاب؟؟ حينها قاطعهما صوت قوي ومرح يدلف مع الباب المفتوح: سامع اسمي الله لا يبيح منكم حينها دخل ليغمر المكان بإشعاع حضوره المختلف كان أطول من تميم وأعرض ورغم أنه لم يكن وسيما بالمعنى المتعارف عليه ولكن له حضورا استثنائيا يوحي بالرهبة والحنان في ذات الوقت .. هاهو أصبح في الثلاثين: مسؤولياته تشغله عن كل شيء.. مسافر دائما ولكن أسرته ترتحل معه وفي ذاكرته منذ أن تحمل مسؤوليتها بعد وفاة زوج أمه قبل أكثر من خمسة عشر عاما وكانت حينها وضحى في عمر السابعة وتميم في التاسعة وكاسرة في الحادية عشرة ابتسمت وضحى: ماقلنا شيء غلط نقول تبي لك شوي ريجيم.. همست بالجملة وهي تشير بها في ذات الوقت هكذا اعتادت أن تتكلم في وجود تميم حتى لو لم تكن توجه الحديث له كانت تهتم كثيرا لإشراكه معهم.. لذا كانت من أصرت منذ بلغت الرابعة عشرة على تعلم لغة الإشارة على أصولها قد يكون جميع أهل البيت لديهم القدرة على التفاهم الجيد مع تميم.. لكن هي لديها قدرة على التحادث معه مطولا بلغته الخاصة فهي كانت من لاحظت أن تميما بدأ بالتباعد في عوالمه الخاصة لأنه لا يجد من يتحدث معه بعيدا عن المدرسة حينها أحبت أن تصنع شيئا لا تستطيع كاسرة التغلب عليها فيه وفي ذات الوقت تحتفظ بقرب تميم منها لذا تعلمت لغة الإشارة على يد معلمة خاصة وتعبت كثيرا وهي تتعلمها لتتفاهم مع تميم رغم أن تميما رفض بداية أن تتعلم هذه اللغة من أجله.. ولكنه فيما بعد قدّر كثيرا جميلها هذه وهو يجد من يستطيع أن يتحاور معه بطلاقة.. وبدأت وضحى تفكر جديا حين تنهي دراستها أن تعمل في مجال تعليم الصم والبكم.. "وضحى وتميم عالمان زاخران مثقلان بالعمق والغموض.. " تميم العالم المجهول المغلق على أفكاره.. أنهى الثانوية في مدرسة التربية السمعية بمجموع كبير ولكنه لم يستطع دخول الجامعة لأنه لا توجد هنا جامعة لمن هم في مثل حالته.. شكّل هذا الأمر له احباطا كبيرا وحزنا أكبر.. أن تعلم أنك قد تكون أفضل من مئات ممن دخلوا الجامعات ولكن لأنهم يمتلكون حاسة لا تمتلكها تكون فرصهم في الحياة والدراسة أفضل ولكن هذا الاحباط لم يوقفه..فبعد عدة أشهر بدأ تميم يعلم نفسه ذاتيا على تفكيك أجهزة الحاسوب مستعينا ببرامج للتعليم الذاتي على الانترنت هذا العالم جذبه وسحره.. مع هذه الحواسيب والبرمجيات لم يكن يحتاج للحديث أو لمن يسمعه تكفيه هذه العلاقة التي صنعها بأنامله الذهبية.. علاقة حساسة ثرية ومفعمة بالتفاهم والود وكأن هذه الأجهزة تستجيب لرقة أنامله.. لتفكك ماهو عصي منها وتصلح ما استعصى على الإصلاح وقبل عامين أنشأ محله الخاص.. وأصبحت له سمعته الرائعة في السوق ولأن هذا العصر هو عصر الحواسيب بالفعل.. فعمله كان مزدهرا حقا ومدخوله الشهري يتجاوز راتب وزيرين معا ولكن... هذه الروح الوثابة المسجونة بين أضلاع صدره كانت تتوق للانعتاق يشعر أن علاقته بالحواسيب باتت أقوى من علاقته بالبشر فهذه الآلات صامتة وحساسة.. مثله تماما ولكنه يتوق لروح إنسانية تحاوره وتتمازج معه.. تعايش معه همومه وأفكاره وآماله وطموحاته لـــــذا قرر أن يتزوج رغم صِغر سنه!! ليصتدم بمشكلة أخرى: "والـــدته!!" فهو يريد أن يتزوج من فتاة تكون بنفس حالته يريد شريكة يتفاهم معها بلغته التي يستطيع التعبير بها يريدها أن تكون لغتها أيضا حتى يكون تعبيرهما على ذات المستوى من العمق والإحساس لم يرد للمرأة التي تشاركه الحياة أن تشعره بالنقص وأنها تتفوق عليه وأنها حين تحادثه بالإشارة فهي تتنازل من عليائها لكي تصل لمستوى فكره كانت هذه الفكرة تؤذيه وتؤذي كرامته واعتزازه بذكائه وقدراته ولكن مزنة كانت ترفض فكرة بشكل قاطع أن يتزوج من بكماء صماء مثله!! فهي تفكر بالمرحلة الأبعد: "أحفادها!!" الأطفال حين ينشأون يتعلمون من أبويهم وتميم وزوجته المفترضة قد تحكم ظروفهما مستقبلا أن يعيشا في بيت مستقل فلو بكى الطفل من الذي سيسمعه ثم حين ينشأ.. كيف سيتعلم اللغة ؟؟ من أبوين أبكمين؟!! عدا أنها تخشى أن يكون للوراثة دورا فيؤدي ذلك إلى أطفال يعانون ذات الإعاقة وكانت تعلم يقينا أن ابنها مع إعاقته سيجد من هي صحيحة الحواس لتوافق عليه فهو شاب بكامل فتوته وصحته ووسامته ومقتدر جدا.. وتعلم أن نقطة الاقتدار وحدها تشكل إغراء يحسن فرصه في الزواج فلماذا يتزوج من بكماء صماء؟!!! *********************** بيت آخر في الدوحة بيت فاضل بن عبدالرحمن زوج أم عبدالرحمن عمة أبناء مزنة الطابق العلوي غرفة شُعاع وجه ودود حنون يطل مع الباب: بنات تبون شيء قدام أرقد؟؟ الصوتان معا: لا يمه فديتش.. ثم أردفت شعاع باحترام: حن أصلا يمه بعد شوي بنصلي قيامنا وبنام بعد ثم أردفت الأخرى بمرح: شفتي يمه الطردة المحترمة.. تبي تعلمني إني طولت السهرة عندها وأقوم أفارق أحسن ابتسمت أم عبدالرحمن: روحي لولدش يأمش لا يتوعا ويتروع وهو بروحه رفعت جوزاء جهازا في يدها أشبه بشاشة صغيرة وهمست برقة: الجهاز شغال عنده يمه حينها ضحكت شعاع: شيبه عمره ثلاث سنين وعادش حاطه جهاز البزارين عنده.. يا بنت الحلال غرفتش جنب غرفتي.. خلي الباب مفتوح وبنسمع صوته جوزاء باستنكار: يا سلام عليش عقب ما يقوم ويتروع بروحه.. لا أنا أحب أكون عنده أول ما يقوم شعاع بحنان: فديت روحه.. الدلوع حبيب خالته جوزاء همست بحنان مصفى: الله يخليه لي.. ماطلعت من الدنيا إلا بذا الولد شعاع باستفسار مُلح: جوزا أنتي توش صغيرة.. حرام عمرش 25 سنة بس.. بتقعدين على ذا الولد بس؟؟.. منتي بمتزوجه؟؟.. المرحوم له أكثر من ثلاث سنين من يوم توفى جوزاء باستنكار: لا إن شاء الله.. تبين عمام ولدي وجده يلاقون سبب يأخذونه مني.. شعاع بمنطقية مستنكرة: لا تصيرين غبية.. أنتي عارفة إنه الولد في حضانتش.. وحتى لو تزوجتي.. وأعمامه وجده رفضوا حضانتش له.. الحضانة بتكون لأمي مهوب لهم.. ثم غمزت بعينها: وإلا تزوجي عم ولدش اللي خطبش أكثر من مرة.. وحلي المسألة كلها جوزاء بغضب: تدرين.. أنتي الليلة مستخفة!! تبين أتزوج رجال متزوج وعنده عيال؟؟!! شعاع هزت كتفيها: بس أنا سامعة إنه مرته لها شهور زعلانة عند أهلها لو بترجع كانت رجعت من زمان جوزاء بنفاذ صبر: تكفين شعاع لا تدخلينا في ذا المواويل أنا أعرف صالح يحب مرته.. مهوب بس يحبها إلا يموت فيها وش صاير بينهم ما أدري.. بس أكيد بترجع...وأنا خلاص ما أبي أتزوج عقب عبدالله الله يرحمه.. ثم أردفت بوجع عميق كأنها تنتزع ذكرى أليمة من بئر وجع لا تنضب: كفاية اللي صار لي.. والله كفاية!! وانا خلاص مابي من ذا الدنيا شيء إلا أني أتفرغ لولدي ثم أردفت لتغيير الموضوع: وينه الدكتور عبدالرحمن.. وش فيه تأخر الليلة؟؟ ماعنده محاضرات بكرة؟؟ شعاع تبتسم: حلوة قلبت الموضوع ذي.. دكتور دحومي عند كابتن امهاب.. جوزاء بسخرية: أخيش هذا ما يمل.. يبي يكون قريب من ريحة حبيبة القلب يعني؟!! شعاع باستنكار: جوزا عيب عليش ذا الكلام.. أنتي عارفة إنه عبدالرحمن وامهاب ربع من يومهم بزارين وبعدي كاسرة عن الموضوع.. ترا شكلش يصير سخيف وأنتي يبين عليش غيرانة منها جوزاء باستنكار مشابه: أنا غيرانة منها؟!! شعاع بتأكيد مستفز: إيه غيرانة.. وإلا شتسمين الحركات البايخة اللي تسوينها كل ما تشوفينها جوزاء بغضب: أنا لا غيرانة يا شعاع هانم ولا شيء.. السبب الوحيد إن بنت خالش هذي تستفز الواحد وتطلعه من طوره بغرورها وبرودها شعاع تتنتهد: زين هي مغرورة وباردة.. أنتي كبري عقلش عليها الحين الناس صايرين يقولون إنها هي اللي مكبرة رأسها عليش جوزاء باستنكار أشد: أنا؟؟ أنا؟؟ شعاع بثقة حنونة: إيه أنتي.. أنا أدري إنه أطيب من قلبش مافيه.. بس لو تمسكين ذا اللسان شوي تكفين خلي كاسرة في حالها.. ومافيه داعي تخلين حزازيات بيننا وبين بيت خالي جوزاء وقفت وهي تقول بغضب هادر تنقلب فيه من النقيض للنقيض: إيه.. إيه!!! أنتي تبين الشيخ امهاب أخ عيال خالش وأخيش يبي الشيخة كاسرة.. وزيتنا في طحينا وأنا اللي صرت العزول اللي مخرب عليكم الجو ومسوي حزازيات شعاع وضعت يديها على رأسها استنكارا.. في الوقت الذي خرجت فيه جوزاء تنتفض غضبا وصفقت الباب خلفها بصوت مسموع ********************* تأخر الوقت لم يتبق جالسا سواهما في مجلس مُهاب.. رفيقا الطفولة والصبا والشباب.. وحتى الغربة لم تستطع مطلقا قطع تواصلهما حينما سافر عبدالرحمن للدراسة في بريطانيا.. حوّل مُهاب ما أستطاع من جدول رحلاته إلى مطارات لندن بين مطار هيثرو ومطار غاتويك لذا كان يراه بشكل شبه أسبوعي..فالصلة الروحية بينهما استعصت على كل شيء حتى حينما أراد عبدالرحمن كاسرة.. كان مُهاب هو أحد الأسباب الجوهرية للخطبة.. عبدالرحمن يعلم أن كاسرة رغم جمالها الموجع هي غير قابلة للاحتواء ويعلم أنها حين تتزوج ستعاني ليعاني معها مُهاب وربما كل أسرتها أراد أن يجنبهم جميعا هذا المصير..ولكن كاسرة أمعنت في رفضته ولعدة مرات لا ينكر أن ذكرى جمالها الفتي المراهق قبل أن تتغطى عنه مازال يسكن ويسكر ذاكرته ليبعث رعشة عميقة في أوصاله ولكنها سلطة الجمال فقط!! فلم يكن عبدالرحمن من يشغله مظهر المرأة عن جوهرها ولكن كاسرة كانت كاسرة بالفعل!! همس بهدوء حذر: ها امهاب وافقت كاسرة على الخطيب الجديد؟؟ مُهاب يقلب شفتيه: لا.. مثله مثل اللي قبله عبدالرحمن بذات الهدوء: وبما إنه خلاص الخطيب ورفضته كاسرة.. فهل لو رجعت وتقدمت بعد مرة... بترفضني؟؟ مُهاب بامتعاض: عبدالرحمن وش لك بذا السالفة كلها؟؟ ترا كاسرة هي الخسرانة.. المره اللي ما ترضى فيك، حظها مهوب حولها عبدالرحمن بهدوء عذب: أبي قربك ياسنايدي مُهاب بهدوء مدروس: تبي قربي؟؟ أظني عندي أخت غير كاسرة وأحسن منها #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث بعد عدة أيام جامعة قطر إحدى قاعات المحاضرات تدخل وضحى القاعة .. تجلس .. تخلع نقابها وتطويه جوارها لأن محاضرتها هذه عند دكتورة تجلس بجوارها فتاة منقبة يظهر بياضها الشديد المشرق من خلال فتحات النقاب ومن خلال أناملها الكريستالية الشفافة التي كانت تحركها برقة مرحة وهي تهمس بمرح طبيعي ينبع من طبيعتها: وضحى صدق الدكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟ وضحى بعدم اهتمام وهي تفتح دفتر محاضراتها لتسجل التاريخ: والله يقولون كذا الفتاة الآخرى بذات المرح: ياثقل الطينة.. ترا التكشير يجيب التجاعيد يالخبلة وضحى تترك القلم وتلتفت لها لتبتسم باصطناع ضحكة سخيفة: هذا أنا ابتسمت.. قومي فارقي لمحاضرتش يالأذوة.. وش جابش وراي؟؟ أنا أكيد أمي دعت علي عشان كذا تصاحبنا الفتاة بذات الابتسامة الشاسعة وهي تتجاهل عبارة وضحى: ليش ماقلتي لي إن دكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟ وضحى بهدوء نافذ مرح: سميروه يالدبة أنتي تعرفين عمتي وعيالها زين مازين.. وتدرين عندي ولد عمة اسمه عبدالرحمن.. وش تبين أقول لش بعد؟؟ هذا وأنتم أصلا كنتم مناسبينهم.. وولد عمش عبدالله الله يرحمه كان رجّال جوزا بنت عمتي سميرة بابتسامتها المرحة: بس مادريت إنه عبدالرحمن أخ اشعيع هو نفسه الدكتور عبدالرحمن.. وضحى بنفاذ صبر: هذا أنتي دريتي.. قومي فارقي الدكتورة بتجي الحين سميرة بحالمية مصطنعة: وه فديت قلبه بس.. يهوس يخبل طيّر برج من عقلي وأنا عقلي أصلا كل اللي فيه نص برج ثم أردفت بمرح: ما تبون عروس له؟؟ تكفين.. إكسبي أجر في وخيتش العانس وضحى بشبح ابتسامة خبيثة: والله هو يبي كاسرة.. تحبين تنافسينها؟؟ سميرة بضحكة مدوية: كاسرة مرة وحدة.. مهوب هين ذا الدكتور.. لا يأختي.. وين أنافس كاسرة.. زين الواحد يعرف حدوده ثم أردفت باهتمام وهي تتذكر شيئا: ترا جميلة تعبت زيادة ودخلت المستشفى قبل كم يوم.. أشرايش نروح نزورها؟؟ وضحى بحزن: والله مسكينة جميلة.. وش ذا المرض اللي مص عافيتها.. ياحرام ذاك العود الملفوف والوجه اللي ماينشبع من شوفته.. سميرة بذات الحزن: عين ماذكرت الله.. هاه تروحين معي؟؟.. فيه كم بنت متفقين نروح سوا هنا من الجامعة وضحى باهتمام: أستأذن أمي أول وأكيد بأروح معكم.. ثم أردفت بخفوت وهي تفتح الدفتر: يالله قومي الدكتورة جات ************************* إحدى هيئات الدولة مقر عمل كاسرة التي تُعد أصغر رئيس قسم في الهيئة وتولت هذا المنصب بطريقة استثنائية تجاوزت فيها عدة ترقيات.. فرئيس القسم ووكيله كلاهما أصيبا في رحلة عمل مشتركة ليترشح للمنصب عدة موظفين كانت كاسرة أفضلهم.. لتفوز هي بالمنصب.. في أحد مكاتب القسم الذي يتوزع بطريقة خاصة منفصلة ليعطي خصوصية للموظفين من الجنسين.. وخصوصا بعد تولي كاسرة لرئاسة القسم التي اهتمت بهذه الناحية كثيرا زميلان منكبان على إنهاء بعض المعاملات.. يرفع أحدهما رأسه ويهمس بضيق: ضيقت علينا ذا الكاسرة الله يضيق عليها.. الواحد مايشم حتى شوي هوا الآخر بدون أن يرفع رأسه: والله رئيسة القسم ما طلبت منك أكثر من الشغل اللي تاخذ راتبك عليه إشتغل وأنت ساكت.. الأول بغيظ: صدق حظها يفلق الحجر.. أصغر مني وتصير رئيستي.. كان المفروض إني اللي خذت المنصب الآخر وهو مازال منخرطا في عمله: والله مؤهلاتها أحسن من مؤهلاتك..وزود على كذا وش قرب وحدة متخرجة بامتياز بخريج مقبول مثلك السالفة موب صغر وكبر.. الأول بنبرة خبث: بس تدري.. والله الواحد يستغرب وحدة بذا الجمال اللي ما أنخلق مثله.. تكون مفترسة كذا.. الثاني يلقي بالقلم ويهمس باستنكار: استغفر ربك.. استغفر ربك.. وش تبي بالمستورة.. البنت ما يطلع منها حتى ظفر في الاجتماعات.. وعمرها ما خلت حد منا يدخل عليها إلا في وجود سكرتيراتها الثنتين.. فشلون تكلم على شكلها؟؟ الأول يهز كتفيه: والله سمعت.. ماجبت هالكلام من عندي.. الثاني: أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. وهل يكب الناس على وجووههم إلا حصائد ألسنتهم.. ليس كل ما يسمع يُقال.. الأول بذات الخبث: يعني أفهم من كذا إنك أنت بعد سمعت.. بس مسوي نفسك ما سمعت ثم أردف وهو يخفض صوته: يعني عمرك ما حاولت تتخيل هالغولة المرعبة أشلون الجمال يركب عليها الثاني يقف ليخرج وهو يهمس بغضب: أنت جمعت الشياطين كلهم فوق روسنا.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله منك ومن شرك ذات الوقت.. في مكتب كاسرة.. تحاول ألا يرتفع صوتها المشحون بالغضب: أشلون يمه تخلينها تروح مع بنات من الجامعة.. سايبة يعني وإلا مالها والي يعني ماكانت تقدر تنتظر للعصر تروح معي أو معش مزنة بحزم: كاسرة اقصري الحكي.. مري أختش في مستشفى حمد ورجعيها معش للبيت إذا طلعتي من دوامش وبس بدون كثرة حكي. كاسرة بذات الغضب: ياسلام.. وهذي صارت القضية.. اشلون تخلينها تروح من غير وحدة منا بس زين دواها عندي مزنة بحزم شديد: والله لو أدري إنش قلتي لها كلمة.. أنتي اللي دواش عندش بنتي وترخصت مني.. ورخصت لها.. وش حارق بصلتش أنتي؟؟ كاسرة بغضب متزايد: زين يمه زين.. إذا رجعت البيت تفاهمنا ***************************** ذات الوقت..كسّاب في مكتبه.. كان مستغرقا في تقليب أوراق أمامه.. دخل السكرتير وهمس بنبرة احترام تقليدية: العم منصور برا.. كسّاب رفع عينيه بغضب: أنت ماتفهم؟؟!!.. كم مرة قايل لك عمي منصور لا جا ما تخليه ينتظر برا.. تدخله على طول السكرتير بارتباك: والله قلت له.. بس هو أصر أني أقول لك أول كسّاب بذات الغضب: دخله لا بارك الله فيك دخل العم منصور اســـتــثــنــائــي اســـــتـــــثــــنـــائـــي استثنائي تماما.. تـــمــاما هذا العم منصور.. وإطلالة العم منصور .. وحضور العم منصور!! قائد .. قـــائــد فعلا... كما هو عمله.. وكما يوحي بفخامة مظهره الشديد الفخامة.. وانعكاس تأثير مخبره القيادي رجل اعتاد على القيادة!!! بل تشرب بها.. لتشع روح القيادة من جنباته !! وقف كسّاب ووجهه يتهلل وهو يتجه ناحية عمه بينما همس منصور بصوته الموغل في العمق والفخامة والرجولة: حرام عليك وش سويت في السكرتير.. طالع المسكين يتنافض كسّاب يبتسم: ألف مرة قايل له أنك لا جيت تدخل على طول منصور بابتسامة مشابهة: وأنا ألف مرة قلت لك أحب اللي يمشي على غيري يمشي علي حينها وصل كسّاب لعمه ليسلم عليه.. وينحني منصور من عليائه بطوله الفارع ليسلم على كسّاب ابتسم كسّاب بمرح غريب عليه.. مرح لا يحضر حتى يرى شخصين منصور أو علي: تدري ياعمي لولا فرق الـ14 سنة اللي بيننا وإلا والله ماعاد أقوم في وجهك.. تفشلني وأنت تدنق علي.. منصور بمرح شفيف: إذا أنت تقول كذا وفرق الطول بيني وبينك بسيط..أجل زايد المسكين وش يقول؟؟ كسّاب بمرح: شايل حسرته في قلبه.. شكلك ياعمي مصيت عافية جدتي.. عشان كذا ماعاد جابت حد عقبك منصور يبتسم: ول عليك ياولد.. تنّظل عمك؟؟ كسّاب بذات الابتسامة الدافئة: والله عمي مفشلني بذا الطول.. منصور بفخامة: أفا عليك ياولد.. عمك يعر الرياجيل مهوب في الطول بس (يعر: يهزم ويغلب) كسّاب بفخامة مشابهة: كفو يابو كسّاب.. منصور يجلس وهو يقول بمرح: ومن اللي قال لك باسمي كسّاب واثق الأخ من إني باسمي عليه؟!! كسّاب بابتسامة: زين أبو علي؟؟ منصور بهدوء مرح: ولا علي.. كسّاب بتساءل: أجل؟؟ منصور بثبات حميم: زايد.. كسّاب باستغراب مرح: غريبة مهوب عوايد.. منصور يبتسم: صحيح أنا وزايد نتناقر دايم.. بس أنت أكثر واحد تدري إن زايد غلاه عندي غير.. يمكن ما بيننا إلا سبع سنين.. بس زايد اعتبره أبي مهوب أخي الكبير بس.. ماعاش على أمي وأبي غيري أنا وياه كسّاب يعود للجلوس خلف مكتبه.. ويضغط الجرس للساعي ليحضر لهما قهوة ليقول بعدها بابتسامة: أنت الحين تزوج يالشيبة وعقب سمي الولد اللي تبيه ثم أردف بخبث مرح: أصلا يمكن لا تزوجت ماعاد تجيب عيال.. شيبت ياعمي!! منصور يضحك: شابت عظام عدوينك..ثم أردف بابتسامة: عادي.. استفزني مثل ما تبي ماني بمتهور وقايل لك بأتزوج بكرة وأوريك كسّاب باهتمام: جد عمي.. ما مليت من الوحدة في بيتك الكبير اللي مافيه إلا أنت والصبيان.. منصور بابتسامة: تعال اسكن عندي وونسني.. كسّاب يبتسم وهو يخفي خلف ابتسامته حزنه المتجذر: لو عليّ.. أنت عارف إنه ودي أسكن عندك من سنين.. خلها على الله ثم أردف لتغيير الموضوع: لك أكثر من عشر سنين من يوم طلقت مرتك رقم 3.. جرب رقم أربعة يمكن تضبط معك ذا المرة ضحك منصور: الله يرحمها أمك.. ذكرتني فيها وهي تحن علي أتزوج.. وعقبها خالتي الله يرحمها ياكثر ماحنت حنت علي خالتي أخر مرة وهي تقول: "الثالثة ثابتة يأمك.. أخر مرة.. " وماحد طلع عيني مثل الثالثة.. كسّاب يضحك: بعد ياعمي.. مرتك مهيب جندي عندك في الثكنة.. المرة تبي شوي حنية.. منصور ينزل حاجبا ويرفع الآخر: عشتو... شوفو اللي يتكلم عن الحنية بس.. وعلى العموم ياعمك.. خلاص الدور دورك أنا راحت علي.. مالي خلق على الحريم خلاص.. كسّاب مازال يضحك.. فحضور عمه بعث في روحه سعادة اختلسها في غفلة من أطنان ضيقه المتراكم: والله ياعمي مهوب ذنب حريمك إن الله خلقك طويل ومزيون وتلفت الانتباه.. يعني حق لهم يغارون.. وانت حتى الغيرة ماتبيهم يغارون منصور بغضب: تدري إنك سخيف ياولد أخي.. احشم عمك لا بارك الله في عدوينك.. ولا تسخف مشاكلي مع حريمي.. أنت عارف إن هذا مهوب الموضوع كسّاب يضحك: خلاص خلاص لا تحمق علينا ياحضرة العقيد منصور يتوجه لكسّاب بنظرة مباشرة كنظرته لمجندينه في الثكنة: أنت هاللفة كلها عشان تهرب من سالفة عرسك اللي أنت عارف إني جاي أكلمك فيها كسّاب يهز كتفيه: أنت عارف زين ياعمي إني ما أهرب من شيء السالفة كلها إني مالي خاطر في العرس الحين.. وأنا عارف إن أبي هو اللي دازك علي عقب ما تعب مني.. أبي ظنه إن العرس بيصلح حالي.. ما درى إن حالي ما تصلحه مرة ثم أردف بألم عميق من أعمق نقطه في روحه لم يظهر في نبرة صوته الباردة: وعلى العموم قل له يريح باله.. مافي داعي نفشل روحنا.. من الرجّال اللي فيه خير اللي بيزوج بنته لواحد أخته كابتن طيران؟!! وأنا مستحيل أتزوج إلا بنت رجّال فيه خير.. بنت الرخمة مالي حاجة فيها منصور انتفض بغضب: أخس واقطع ياولد.. وش ذا الحكي؟؟ كسّاب بهمس مهموم مغلف بالسخرية: عمي مافيه داعي نمثل على بعض.. أنت بروحك مستوجع من ذا الموضوع حتى لو أنكرت.. وإلا ناسي إنك كنت بتتذابح أنت وإبي على سبت ذا السالفة.. وعقب تقول لي: اخس واقطع ياولد !! **************************** مساء ذات اليوم مستشفى حمد العام إحدى غرفه تحيطان بسريرها وهما تنظران بألم لجسدها الذابل الموصل بأنابيب التغذية.. وطاقم التمريض يحقنونها بشكل مستمر بمنوم حتى لا تصحو وتنزع الأسلاك عن جسدها همست مزون بحنان: خالتي صار لش كم يوم غايبة عن المدرسة أنا ماعندي شيء.. روحي وأنا باقعد عندها عفراء تمسح بحنان على ذراع ابنتها الجاف المتخشب وتهمس بألم عميق: وش مدرسته؟؟ ما أقدر يامزون يأمش أخليها.. قلبي مهوب مرتاح وعلى العموم أنا قدمت على إجازة وأنا أدري إنش تنتظرين موعد المقابلة الشخصية مزون بانقباض يعيدها لمأساتها: تكفين لا تذكريني خالتي... متخوفة.. وقرفانة.. ثم أردفت بكره شديد: لا خالتي وتخيلي مثلا أرجع أقابل امهاب لسان الحية الله يقطعه ويقطع أيامه خالتها بطمأنة: مهوب لازم كل الطيارين يشوفون بعض.. مواعيد الرحلات متضاربة وإن شاء الله ما تصدفينه مزون برجاء عميق: الله يسمع منش ياخالتي.. الله يسمع منش.. أحس إني لو شفته عقب ذا السنين يمكن أسوي فيه شي وأطلع العذاب اللي شفته السنين اللي فاتت على رأسه عمري في حياتي ماحد ذلني مثله عفراء تبتسم بإرهاق: إنسي يا بنتي انسي.. الحقد ما يأكل في شيء كثر ما يأكل من روح صاحبه مزون تبتسم لتغير الموضوع: يا حليلهم صديقات جميلة اللي جاونا اليوم.. يجننون.. حبيتهم بصراحة عفراء بألم عميق: ياقلبي ياجميلة ولا درت عندهم.. كانت بتنبسط فيهم.. ما أقول إلا الله كريم مزون تحتضن كف خالتها: الله أكرم من كل شيء ياخالتي.. ورحمته وسعت كل شيء.. كل شيء عفراء بأمل عميق: الله كريم أملها شاسع.. فهذا القلب قلب أم.. الشيء الاكثر رحابة في كل الكون تقنع نفسها أن طفلتها بخير وأنها تتحسن.. وأنها ستعود لأحضانها وتحاول أن تتناسى بكل قوة الحقيقة التي تعلمها جيدا طفلتها تذوي.. تذوي!! تقترب من الموت بخطى حثيثة فهذا الجسد اليابس كأرض بور شققها الضمأ ينتظر لحظاته الأخيرة ماعاد به من ملامح الحياة سوى نفس ضعيف يتردد في صدرها يوشك على المغادرة وترك كل شيء خلفه صبا لم تعشه.. وأم نذرت حياتها لسواها.. وقلوب أثقلها الهم وذكريات لم تعطرها رائحة أب أثقلتها الأماني للقائه!! ********************** الوقت أصبح منتصف الليل ووضحى مستغرقة في طباعة بحث على الحاسوب.. تدخل عليها كاسرة.. لتتنهد وضحى بعمق.. فهي تعلم تماما ما الذي سيحدث الآن لذا همست برجاء عميق قبل أن تتكلم كاسرة: تكفين كاسرة عندي بحث لازم أخلصه وأسلمه بكرة كاسرة بنبرة هادئة صارمة: عندش دقيقة وحدة تسيفين شغلش.. قبل أطفي الكمبيوتر.. وضحى برجاء أعمق: تكفين كاسرة كاسرة وكأنها لم تستمع مطلقا لرجاءتها: قومي صلي قيامش الحين ثم نامي.. وكملي بعد صلاة الفجر مهوب مسموح لش تسهرين أكثر من كذا.. وضحى برجاء أخير مستجدي: تكفين كاسرة ماراح يجيني نوم وأنا ماكملت شغلي بترت جملتها وابتلعت ريقها وهي تردف وتنظر لنظرة كاسرة الباردة الصارمة: خلاص إن شاء الله إن شاء الله لا تعلم لِـمّ تمارس عليها كاسرة هذا التسلط؟!! خوفا عليها؟!! اهتماما بها؟!! أو مجرد اثبات لسلطتها المطلقة وأنه ليس هناك من يعارض قراراتها؟!! وتعلم أنها لابد أن تستجيب وخصوصا أن كاسرة سكتت على مضض على موضوع ذهابها اليوم مع صديقاتها لزيارة جميلة لأن والدتها أوقفتها عند حدها.. وهذا الشيء أغضب كاسرة لأبعد حد ولو أتاحت وضحى لكاسرة الفرصة الآن فهي لن تتوانى عن فتح الموضوع وتقليب الدفاتر وهي تعرف تماما كيف تُعنف بمهارة.. وخصوصا بعد أن أصبحت رئيسة قسم صُقلت هذه المهارة لأبعد حد.. تعرف كيف تجعل من أمامها يشعر بالذنب والضآلة من شدة كلماتها المُعنفة الـمُختارة بعناية!! لذا أطفئت وضحى حاسوبها وهي تستعد للصلاة ثم للتمدد وهي تعلم أنها لن تستطيع النوم.. ولكنها لابد أن تجبر نفسها وكل ما تستطيع فعله أن تكثر الدعوات أن يقرب الله الفجر شعور مر بالانهزام والخيبة يجتاح خلاياها.. قد يكون الموضوع بمجمله بسيطا.. ولكن مايبثه فيها من مشاعر معقدة مؤذية ليس بسيطا مطلقا.. مطلقا انقلبت على جنبها اليمين وهي تولي وجهها للقبلة لتسيل دمعة شفافة من بلور وألم!! ************************* قبل واحد وثلاثون عاما منطقة في غرب قطر... بيوت طين قديمة متلاصقة.. أجري على بعضها بعض التعديلات.. ليدخل إليها الحجر والتسليح وأسقف الألمنيوم فقدت بعضا من رونقها القديم وبعضا من روحها المثقلة بالأصالة.. ولكن رائحة العمق الإنساني مازالت تعبق بعطر شفيف صلت للتو صلاة الظهر بعد أن أنهت صنع غداء والدها مبكرا.. وهاهي تكنس (الحوش) تحت شمس لاهبة طرقات هادئة على الباب.. توجهت لفتح الباب لوالدها.. شرعت الباب على اتساعه لتقف في فرجته بخديها المحمرين في صفحة وجه ذي اسمرار لذيذ لوحته شمس لم تخجل من ملامسة هذا الحسن المهيب الذي بدأ ينضج للتو!! خصلات شعرها الفاتحة من أثر الحناء تطايرت في خصلات عنيدة أبت إلا أن تخرج من تحت أطراف (بخنقها) الذي أحاط باستدارة وجهها ومازال غبار الحوش عالقا بوجهها وببخنقها مختلطا بحبات عرق تساقطت على جبينها الأزهر وعينيها النجلاوين.. فوجئت بالطارق يوليها جنبه ليتأخر إلى طرف الباب ويستند إلى ضلفته الجانبية احتراما لأهل البيت أولا وثانيا حتى لا ينهار على الأرض ورؤيتها بهذه الصورة الموجعة الموغلة حسنا وألما حتى أقصى درجات التعذيب.. تغتال كل مشاعره وتهزه كزلزال لا حدود لقوته فهو كان منهكا من الشوق الذي أذاب مابقي من جَلده وصبره!! تماسك في ثوان ليهمس بصوت غاضب مبحوح يحاول فيه تهدئة وجيب قلبه الذي يكاد يقفز من بين جنبيه: كم مرة قايل لش لا تفتحين الباب لين تسألين من وعقب تفتحينه وأنتي مندسة وراه.. مهوب تشرعينه وتوقفين على طوره ياللي ما تستحين نعنبو دارش مافي وجهش سحا أنت!! أجابت في غيظ: وأنا شدراني إنه أنت.. أمك تقول إنك فارقت بتسكن في الدوحة.. وش ردك علينا؟؟!! زايد في غيظ أكبر: يعني إن غاب القطو العب يافار.. عشانش دارية إني ما انا موجود تخالفيني.. مزنة في غيظ أكبر وأكبر: على شنو أنت شايف حالك أخالفك وإلا ما أخالفك.. أظني اسمي مزنة بنت جابر.. مهوب مزنة بنت زايد زايد بغضب: سكري بابش عليش.. قدام أدخل وأوريش شغلش الحين وأنتظري علي كم شهر إذا ماجبتش لبيتي وأدبتش فذا الشنب مهوب على رجّال وأنا ولد إبي حينها أطلت مزون عبر الباب ووجهها محمر من الغضب: شوفوا من اللي يهدد؟؟ "ولد الراعي شبر القاع".. ثم أردفت وهي تلمس شعرها من خلف بخنقها: نجوم السما أقرب لك مني يا ولد الراعي ثم أغلقت عليها الباب رعبا وخوفا بسرعة قبل أن يقتحم زايد البيت عليها.. كما فعل قبل عدة أشهر وفي وجود والدها ليصفعها وأمام والدها ـــــــــــــــ نهار حار كان ذلك النهار.. بعد صلاة العصر.. للتو تعتاد على لبس البرقع الذي لبسته قبل عدة أشهر رضوخا لأوامر والدها.. طرقات حادة على الباب وصوت أنثوي يرتفع خلف الباب.. يهمس لها والدها وهو أمام قهوته: قومي البسي برقعش وافتحي لأم زايد شوفي وش تبي مزنة برجاء: يبه حر موت.. ماني فاتحة الباب كله.. بافتحه شوي وأوقف وراه وأشوف وش تبي والدها بحزم: زين إياني وإياش تطلعين رأسش مزنة قفزت وهي تعدل وضع بخنقها على رأسها.. وتفتح الباب قليلا وتهمس بمودة: ادخلي ياخالة.. أم زايد بمودة مماثلة: لا يامش هاش اخذي ذا العصيدة.. عادني بأروح أودي لأم ناصر قسمها مزنة بأريحية: خلاص عطيني حق أم ناصر وأنا بأكفيش.. أم زايد بمودة أكبر: لا جعل عيني ما تبكيش.. بأروح أتقهوى معها.. هاش اخذي وفي الوقت الذي كانت أم زايد تمد يدها للداخل أخرجت مزون رأسها لتتناول الصحن من أم زايد.. لم تتوقع أن يكون أمام بيتهم أي مار في هذا الوقت.. لتصدم بل تفجع أن زايدا ومعه رجل آخر يجلسان في دكة بيت أبي زايد المقابل لبيتهما.. تراجعت مزنة بسرعة لأنها شعرت أن دقات قلبها تصاعدت للحد الأعلى من نظرات الرجلين.. نظرات الغضب العارم في عيني زايد.. ونظرات الإعجاب في عيني الآخر كانت على وشك إغلاق الباب بسرعة ورعبها يتزايد.. لولا صدمتها المرة الفاجعة بالساعد الأسمر الذي امتد لمنعها من قفل الباب.. لم تحتج أن تعرف ساعد من هذا..ولا ماذا ينوي أن يفعل بها.. لأن نظرته التي تلتها قفزته السريعة ثم ركضه السريع اتجاهها.. أنبأتها أي مصير سيء مرعب ينتظرها رغم أنها في شخصيتها أبعد ما تكون عن الجبن ولكنها في تلك اللحظة شعرت أن قلبها توقف من الرعب وهي تركض باتجاه والدها ولكن زايدا وصلها قبل أن تصل إليه وتختبئ وراء ظهره.. ليمسكها من عضدها ويديرها ناحيته تكاد مزنة أن تقسم أن هذه اللحظة كانت كانت أكثر لحظات حياتها كلها رعبا شعرت كما لو أن الهواء سكن وتوقف عن المرور بينها وبين زايد.. كما لو كان هرب خوفا من زايد تاركا رئتيها تئنان من الضغط الناتج عن قلة ضخ الهواء وعينا زايد ترسلان لها شرارات من لهب مرعب شعرت بها تلسع وجهها وتحرق عينيها ويده التي تمسك بعضدها كما لو كانت وصلت لعمق عظمها لشدة الضغط والألم الذي شعرت به يتفجر في خلايا عضدها كل هذا الرعب ومازالت يده لم تصل خدها!!! .. ولكنها وصلت ختاما.. شعرت حينها كما لو أن رأسها يطن من قوة الصفعة.. وصفير مرعب يمزق أذنها اليسرى ألما قفز والدها بغضب كاسح ولكن زايد عاجله وهو يصرخ بغضب مشتعل: الحيوانة طالة مع الباب بدون برقع وشافوها الرياجيل اللي في دكتي عيني عينك رغم الألم الموجع الذي انتشر في روح جابر وهو يرى وحيدته تُصفع أمامه شعر كما لو كان يريد البكاء معها وهو يرى عينيها الغاليتين تتفجران بدموعها الأغلى ولكنه عاود الجلوس وهو يصطنع الثبات ويتناول فنجانه ويقول بحزم: حجت يمينك.. لو أنك ما ضربتها أنا كان ضربتها هذا وأنا ناهيها ألف مرة ما تطل من الباب ماعلى وجهها شيء حينها شعرت مزنة بقهرها يتزايد يتزايد ووالدها يخذلها بهذه الطريقة.. ليرتفع صوت نحيبها المفاجئ وهو تركض باتجاه غرفتها كانت المرة الوحيدة في مطلق حياة مزنة التي بكت فيها بهذه الطريقة الهستيرية المرة الوحيدة!!! ــــــــــــــ كما كانت صفعة زايد هي الصفعة الأولى والأخيرة في حياتها لذالم تسامح زايد مطلقا عليها.. قررت أن تجرحه!! تهينه!! أي شيء يبرد بعضا من نارها فيه!! وجاءها الانتقام سريعا.. بعدها بأيام.. ويالا جرأته !! جاءها ليخبرها بعشقه لها ورغبته في الزواج منه يصفعها بوحشية.. ليعود لها عاشقا يريدها أن تبادله العشق!! لذا كانت حكاية ابن الراعي الطفولية التي اخترعتها لا يهمها ان تكون قصة كاذبة المهم أن تؤلمه.. تؤلمه كما آلمها.. كما جرح كبرياءها الثمين كما تعلم أنه يتألم الآن وهو يقف خلف الباب يعتصر كفيه حتى لا يحطم الباب عليها وهي تقف وظهرها مسند للباب وتضم كفيها لصدرها الذي تمزقه مطارق دقاتها الصاخبة هلعا.. وتدعو الله أن يحضر والدها بسرعة فهو وإن كان لم يدافع عنها في المرة الأولى لأنه رآها مخطئة فهو يستحيل أن يسمح لزايد أن يمد يده عليها للمرة الثانية وهاهو زايد بالفعل يقف مسندا ظهره لحائط بيتهم غارقا في ألم عميق عميق عميق لا يهمه تهجمها الطفولي بقدر ما يؤلمه معرفته أن مشاعره المتجذرة التي تمزق صدره بلا رحمة بلا هوادة..لا صدى لها مطلقا في قلبها الغض *************************** قبل 38 سنة.. أول أيام عيد الفطر قصر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منطقة الريان مجلس الاستقبال كان الشيخ خليفة يستقبل أفواج المهنئين بالعيد وفي ليوان المجلس مجموعة من الأطفال الذين حضروا مع أبائهم وينتظرون دورهم للسلام على الشيخ (الليوان : بهو مفتوح يقوم على أعمدة) جلسا متجاورين مصادفة.. ولم يعلما أن هذه الصدفة شاء الله عز وجل أن ترسم تغييرا في مسار حياتهما لتربطهما معا وللأبد - شاسمك؟؟ - خليفة - زايد بعد عدة جمل حوارية - أنت ليش تحكي كذا؟؟ - وأنته ليش تتحجه جذيه؟؟ ضحكتان صافيتان محلقتان والروحان تتعانقان كالسحر تماما سحر إنساني خالص آلف بين قلوب تشابهت مضى وقت لم يكن له حساب ملموس في حساب الزمن.. حتى تلقيا أشارة والديهما للدخول سلما كما سمعا من والديهما عشرات المرات من نصائح مكررة حتى حفظاها.. فهذه مرتهما الأولى ولابد أن يثبتا أنهما رجلان يستحقان السلام على الشيخ حتى يضمنان حضورهما في عيد الأضحى أيضا خرجا وكل منهما يده في يد والده وكل منهما يشير للآخر بالتحية - يبه ماعليه أروح أسير على خليفة/ زايد في بيته؟؟ - ما يخالف.. مايخالف يصير خير *********************** يجلس في صدر مجلسه الضخم المفتوح على الشارع مباشرة بعد أن صلى المغرب يمرر يده على شعيرات عارضه.. مشغول بالتفكير والهم يكاد يموت قلقا على هذه الصبية التي أبلغته ابنته مزون أن وضعها الصحي يتدهور فهذه الصغيرة لها مكانة أثيرة وشاسعة في قلبه.. فهي تزاحم ابنته مزون على افتراش هذا القلب " كيف تركتها حتى وصلت لهذا الحد؟!!" "لكنك لم تراها.. وهم لم يخبروك بحقيقة تدهور صحتها" " لا تبحث لنفسك عن عذر يازايد.. لا عذر لك.. لا عذر لك" منذ دخول الصغيرة للمستشفى قبل أيام...ومعرفته عن تفاصيل وضعها الصحي المزري وهو مشغول بالتجهيز لسفرها.. الذي سيكون بعد يومين لن يستمع بعد الآن لعفراء..ولا لرفضها مادام الله قد وهبه الوسائل.. سيحارب حتى تبقى أنفاس جميلة تعطر الكون "فما فائدة كل أموال العالم إن كانت لن تنقذ ما تبقى من رائحة خليفة؟!!" *************************** قبل عشرين عاما "خليفة؟؟" "إيه خليفة... وش فيه؟" أم كسّاب بتردد: مافيه شيء والنعم.. بس أختي يتيمة وفي ذمتنا ويجيها خطاطيب واجد ماشاء الله ليش نزوجها حضري مهوب منا.. يبعدها عنا زايد بغضب عميق: ذا الحضري أطلق من شارب كل اللي خطبوها تراجعت أم كسّاب بوجل..بينما تنهد زايد وهو يزفر بعمق: أنتي عارفة إنه عفرا مثل أختي الصغيرة.. ومن يوم توفوا هلش في الحادث عقب عرسنا بكم شهر.. وهي في بيتنا ووالله إني مابي إلا مصلحتها ومستحيل نغصبها على شيء خليني بس أكلمها.. ومايصير إلا خير سكتت وسمية على مضض.. لم تكن تريده أن يكلم شقيقتها قبل أن تكلمها فهي تعلم مدى احترام عفراء الأسطوري له.. ويستحيل أن ترفض شيء هو مقتنع به كانت تتمنى أن تكلم أختها أولا.. لتسمع رأيها قبل أن تتأثر برأي زايد ولكن هذا لم يحدث.. لم يحدث..!! ظلت دائما تشعر بحسرة ما.. حسرة ولّدها التفكير المترسخ الذي عاشت به "ثنائية البدو والحضر الممقوتة" وخصوصا حين توفي خليفة بعد ذلك بأشهر قليلة.. تاركا أختها تحمل طفلا في أحشائها.. ذكرى ربطتها به.. وظلت وفية لها.. وشبابها الغض يذوي.. وزهرة سنين حياتها تتسرب على أطلال رجل لم تعرفه حقا ولكنها احترمته حتى التقديس.. احتراما لذكراه في عقل وقلب زايد.. كرهت أن تخدش أو تجرح هذه الذكرى المقدسة بزواجها مرة أخرى وكان هذا أيضا سببا ثانويا من ضمن أسباب جوهرية جعلتها ترفض الزواج من زايد نفسه بعد ذلك بعدة سنوات!!! **************************** قبل أكثر من 19 سنة مقبرة أبو هامور رائحة الموت تغمر الأجواء..رائحة ثقيلة خيمت على المكان.. خليط من الوجع الجارح والسكينة الهادرة الناس متجمهرون وهم يدخلون الجسد الملفوف بالبياض إلى اللحد صراخ يتعالى.. ورجل يحاول التفلت ليلقي بنفسه داخل القبر " بس يازايد.. بس.. فضحتنا.." يهمس في أذنه بصوت مكتوم وهو يكتفه بقوة وينحني عليه من أعلى "فكني يامنصور.. فكني ياخيك.. مابي حياة مافيها خليفة" صراخه المكلوم الموجوع يتعالى كان ينشج من أعماقه كأنه نشيج مذبوح في لحظاته الأخيرة.. مليء بالأنين.. مليء بالوجيعة.. مليء بالحسرة منصور مازال يكتفه وزايد يحاول التخلص ونشيجه يتعالى وهم يراهم يهيلون التراب على القبر.. وكأنهم مع كل كومة تراب يهيلونها على القبر.. يهيلون على روحه أطنان من الوحشة المعتمة يحاول التخلص.. يريد منعهم من طمر روحه تحت التراب.. يشعر أن هذا التراب ينسكب في رئتيه وأنه عاجز حتى عن مجرد التنفس.. يحاول التخلص للمرة الألف وهو يضرب بكوعيه في صدر منصور بكل قوته.. ولكن منصور لم يفلته مطلقا وهو يهمس في أذنه بصرامه: زايد طول عمرك رجّال.. خلك رجّال حتى يوم ماتوا أمي وأبي ماسويت كذا أطلب له الرحمة.. أطلب له الرحمة ************************** مازال زايد جالسا في مجلسه ينتظر آذان العشاء..والمجلس خال على غير العادة والهموم تتزاحم على كتفيه.. والذكريات المؤلمة تغتال ذاكرته.. لينتزعه من كل هذا رنين هاتفه نظر للاسم ورد بقلق: هلا أم جميلة جاءه صوت عفراء المرهق المبحوح: هلا بك أبو كسّاب زايد بقلق: بشريني من جميلة عفراء بذات الإرهاق: على حالها.. ثم أردفت بتردد: أبو كسّاب.. طلبتك.. قل تم زايد بحمية: أفا عليش يابنت محمد.. آمري لا تطلبين.. عفراء بهدوء حذر: أنا أبي أسفر جميلة.. بس تكفى تخليني أحجز.. أنت عارف إنه الخير واجد.. ورثي من هلي ثم ورثنا من خليفة وأنت أساسا ماتخلينا نصرف شيء.. طلبتك أبي أسفر جميلة أنا.. زايد بثقة بها بعض من غضب: مالش لوا يا بنت محمد.. أول شيء الحجز خلاص حجزت.. حتى جوازاتكم في السفارة الفرنسية عشان الفيزا.. وحجزت المصحة خلاص وبأسافر معكم أنا ومزون وبيستقبلنا علي هناك عفراء باستنكار خجول: بس يابو كسّاب زايد يقاطعها بنبرة غضب: بس ..بدون مرادد.. أنا أصلا غلطان من يوم طاوعتش وتأخرنا ذا كله.. لين تدهورت حالة البنت سكتت عفراء على مضض..وسكت هو على غضب كاسح متزايد خشي أن يفجره في عفراء فهو بالفعل غاضب من عفراء التي كان يلح عليها أن يسافروا بجميلة لكنها كانت ترفض بحجة أن وضع جميلة تحت السيطرة وهاهو الوضع خرج عن السيطرة.. خرج تماما بعد أن هدأت أعصابه.. قام بإجراء اتصال جديد..حالما أجاب الطرف الآخر بعد السلامات المعتادة همس زايد بثقة حانية: علي .. رحلتي اللي قلت لك عنها لفرنسا تقدمت شوي أنا جايك بعد يومين أنا وخالتك وأختك.. جميلة تعبانة شوي علي بثقة مثقلة بالغموض: أنا اصلا كنت أبي أتصل فيك.. أقول لك أنا جاي الليلة أبي أعقد على جميلة.. وأنا اللي بأسافر معها مافيه داعي تروحون كلكم إلا خالتي لو بغت تروح.. بكيفها #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم / الجزء الرابع الدوحة وقت ما بين منتصف الليل وقبل صلاة الفجر أرض المطار.. سخونة لزجة ولدتها رطوبة أثقلت الجو نزل عن سلم الطائرة ليلفح الهواء الساخن برودة وجهه استعاذ بالله من الشيطان وهو ينفض رأسه ويفتح أعلى قميصه عن عنقه النحيل بحثا عن بعض الهواء شعر كما لو أنه عاجز عن التنفس وكأن هذه الرطوبة ألتهمت كل الأوكسجين وامتصت مابقي من هواء رئيتيه مسح عرقا وهميا شعر به يعبر شعر حاجبيه ليغشى رموش عينيه واسم واحد يكتسح أفكاره "جـــــــمـــــيــــلــــــة!!!" لطالما بدت له جميلة أشبه ماتكون بلعبة جميلة.. رقيقة.. وهشة.. هشة جدا كلعبة كريستالية قابلة للعطب السريع!! ولطالما رآها أيضا طفلة!! في كل سفراته كانت هديتها دائما دمية.. كان يتعب كثيرا في انتقاء دمية مختلفة لها كل مرة يكاد يقسم أنها لابد ملئت غرفة كاملة من دماه التي أهداها لها هو!! ولم يتوقف عن إهدائها الدمى حتى بعد أن قالت له مزون وهي تتناول منه هدية جميلة قبل عامين لتعطيها لها: علي ترا جميلة صارت مره.. جيب لها شيء غير.. عبيت غرفتها ألعاب.. جيب لها شنطة.. عطور حينها ابتسم وهمس: هي تنبسط على العرايس والدباديب اللي أجيب لها أو لا؟؟ ابتسمت مزون: بصراحة تنبسط.. همس بدفء حنون: خلاص خليها تنبسط بعرايسها وخلي الشنط والعطور لش وها هي من لطالما أهداها العرائس ستصبح عروسه هو.. لا يعلم أي جنون أصابه حين أخبرته مزون قبل يومين بتدهور وضع جميلة واشتكت له خيبة أملها في كسّاب حين عرضت عليه أن يتزوج منها ولكنه رفض حينها صرخ بغضب مجنون: وليش تطلبين من كسّاب ومهوب مني؟؟ ولو كان وافق يتزوجها أنا وش كان بيصير فيني؟؟ مافكرتي فيني؟؟ مزون بدهشة عميقة وهي في استغراب أعمق لثورة علي الذي لطالما كان شديد التحكم في أعصابه: علي عمرك ماقلت أنك تبيها ولا بينت.. علي بذات الغضب: أبيها أو ما أبيها.. من حقي تشوروني.. وإلا حتى ذا الحق بتستكثرونه علي أنا جاي بكرة أو بعده.. ولا تقولين لأحد شيء لين أتصل في أبي.. لا يعلم ما الذي أصابه.. وأي تيارات مجنونة تتقاذفه؟!! تخيل نفسه يعود للدوحة وهي خالية من وجود جميلة؟؟ تخيل المكان كالحا خاليا من الحياة أي مكان سيكون لا تزينه ابتسامة جميلة؟!! أي سواد يعتصر بياض الطرقات؟!! وأي نسمات هذه التي ستجرؤ أن تهب وهي لا تحمل دفء عطرها؟!! بياض قلب طفلته!! وعبق عطر دميته!! بدت الحياة له حينها بلا طعم.. بلا نكهة.. بلا حياة!! ثم تخيل جميلة زوجة لكسّاب فشعر بنار تجتاح عروقه وتسمم دمه وتعتصر خلاياه في وجع غير مفهوم شديد القسوة.. أي مشاعر هذه التي تتقاذفه؟؟ أي مشاعر مجهولة المدارك والهوية؟؟ طوال عمره ومشاعره متذبذبة تربطه بجميلة.. يريد أن ينظر لها كأخت صغيرة ولكن داخله كان يرفض دائما أن تكون أختا له.. فما يشعر به ناحيتها مختلف تماما عما يشعر به ناحية مزون حتى وإن بقي يراها طفلة.. فهذه الطفلة هو من طلب أن تتغطى عنه حين بلغت الخامسة عشرة.. وثار غضبه حين علم أنها تتغطى عنه ولا تتغطى عن كسّاب.. نهرها أن الخطأ لا يتجزأ.. ولا يعلم حينها هل كان إدعاء للتعقل أو ببساطة هي الغيرة اشتعلت في داخله كاد يجن أنه حرم نفسه من رؤيتها بينما كسّاب يحضى بمتعة النظر إلى محياها بعدها حدثت حكاية مزون.. ليرتحل بوجيعته.. وترتحل جميلة وذكراها المبهمة معه يراها حين يعود بشكل متقطع.. مجرد تحية من بعيد.. ولكنه يعلم يقينا أنها بقيت رغم البعد.. قريبة.. قريبة جدا!! تنهد بعمق وهو ينفض أفكاره ليدخل مبنى المطار أنهى إجراءات دخوله بسرعة وجواز سفره الدبلوماسي يمنحه مزيدا من السرعة وجد كسّاب ينتظره في صالة الحقائب الداخلية.. لقاء مفعم بالكثير من المودة وكذا بالكثير من القلق والترقب غير المفهوم كلاهما يشعران بتوجس مموه غير محدد الملامح يشعران برائحة شيء مقلق يصطرخ في الأجواء وكلاهما أيضا يحاول طرد هذه الأفكار من مخيلته!! لم يكن مع علي سوى حقيبة صغيرة في يده لذا لم ينتظرا مزيدا من الوقت وهما يخرجان متوجهان لسيارة كسّاب المتوقفة في مواقف المطار استحكم الصمت بينهما للحظات ليهمس كسّاب بهدوء حذر وعيناه على الطريق: صدق علي أنت جاي تبي تملك على جميلة؟؟ علي يريح رأسه على طرف المقعد ويهمس بهدوءه العميق المعتاد: صحيح كسّاب بحذر ونبرة مقصودة: ومقتنع؟؟ علي يلتفت له بشكل مباشر ويهمس بثقة: لو مهوب مقتنع ماجيت عاني من جنيف.. كسّاب بنبرة مباشرة: وأسبابك؟؟ علي بهدوء: أحب أحتفظ فيها لنفسي كسّاب بحدة مباشرة تظهر فيها طبيعته الأصيلة وهو يحاول يوازن بين القيادة والغضب: تدس عليّ ياعليان؟؟ علي بذات هدوءه: كسّاب فيه أشياء أحيانا الواحد يحب يحتفظ فيها لنفسه.. احترم خصوصياتي مثل ما أنا طول عمري محترم خصوصياتكم كلكم كسّاب باستهزاء غاضب: قصدك سلبيتك اللي تبي تلبسها لبس كشخة اسمه "احترام خصوصيات الآخرين" علي يتنهد وهو يسند رأسه للزجاج: سمها مثل ما تبي كسّاب بذات النبرة الغاضبة: أبي أعرف أنت وش طينتك يابارد؟؟ علي بهمس واثق وهو يتنهد: نفس طينتك ياولد أمي وأبي كسّاب يتنهد وهو يحاول السيطرة على غضبه الذي ثار بدون سبب منطقي.. أو ربما كان له سبب!! : اسمعني ياعلي.. أقول لك قبل نجي للبيت.. لا تفكر يوم أنك تظلم جميلة أو تضيمها حسابك بيكون معي.. علي بذات الهدوء: كسّاب أنت أخر واحد يحق له يتكلم في هذي الحقوق وعلى العموم جميلة في عيوني.. وما أحتاج أني أخاف من تهديد حد عشان أحطها فوق رأسي على الأقل عشان خالتي عفرا اللي كانت أمنا أكثر من أمنا اللي يرحمها كسّاب يعاود التنهد مرة أخرى وهو يحاول السيطرة على أعصابه المتوترة يشعر بالندم العميق يتسلل لروحه أنه لم يوافق على اقتراح مزون الذي اقترحته عليه لعدة أسباب ليست جميلة من ضمنها!! السبب الأول والأهم هو شقيقه الأصغر.. علي فكسّاب متأكد أن عليا سيتزوج من جميلة مضطرا لذا رفض اخباره بالسبب لأن عليا لا يعرف الكذب.. وفي ذات الوقت لا يريد اخباره الحقيقة كما يظن كساب. لذا كسّاب كان يتمنى أن يجنب عليا هذا الزواج الذي قد يجلب له التعاسة " أنا تعيس تعيس.. وهذا الزواج التعيس لن يغير شيئا بالنسبة لي ولكن عليا كان يعيش بعيدا عن كل هذا الجو المشحون تمنيت أن أجنبه كل هذا.. تمنيت!! تمنيت أن أجنبه التعاسة مهما كانت قاهرة فأنا عظمي أقوى.. والمشاعر لا تهمني.. لكن هو حساس ورقيق من المؤكد إنه حلم في حياة رومانسية وقصة حب يعيشها مع من سيتزوجها والتي من المؤكد لن تكون جميلة " وإن كان السبب الأول هو خوفه على علي فالسبب الثاني هو خوفه منه.. يخشى ألا يكون علي على قدر المسئولية الملقاة على عاتقه أن يفشل في الخروج بجميلة من دائرة المرض بمشيئة الله لينعكس هذا الأمر بكل حزنه ومأساويته على خالته الغالية عفراء.. ويخشى أكثر من كل شيء أن يجتمع السببين تصاب جميلة بخطب ما لتصبح التعاسة هي مصير كل من علي وعفراء السبب الثالث الذي يحاول دفنه في قرارة نفسه.. لو أنه تزوج جميلة كان سيجد له منفذا من إلحاح والده المتكرر عليه أن يتزوج.. زوجة والسلام.. أمام الناس.. وأمام والده!! وليس في الأمر أنه مهتم لإلحاح والده.. ولكن لأن الإلحاح بدأ يتزايد كثيرا مؤخرا وبشكل مزعج!! فزايد مقتنع أن صلاح حال هذا الشاب غير المفهوم هو في الزواج.. ليثقل على كساب بالضغط المستمر الذي بدأ يُشعر كسّاب بالملل. يتنهد كسّاب وهو يهمس لعلي: وصلنا البيت.. توضأ للفجر ماعاد باقي على الصلاة شيء صمت لثوان ثم أردف: وأتمنى إنك تكون على قد قرارك.. ************************* قبل ذلك بساعات مستشفى حمد غرفة جميلة "مزون يا قلبي.. كلمي أبيش وروحي.. أدري أنش تبين تروحين تأكدين من ترتيب غرفة علي وأغراضه قبل يجي" مزون بحنين عميق: فديت قلبه.. مـــشـــتــــاقة له مووووت..ثلاث شهور ما شفته ثم قطعت حماسها وهي تردف بحذر: خالتي سألتي جميلة عن رأيها وإلا لأ؟؟ عفراء بإرهاق: الليلة بدوا يخففون لها المنومات.. بكرة الصبح إن شاء الله تكون واعية وبأقول لها إن شاء الله ثم أردفت بحزن : مع أني والله ماكنت أبيهم يتزوجون بذا الطريقة.. عيالي وأول فرحتي.. كنت أبي أسوي لهم عرس وأنبسط فيهم مزون بمرح مصطنع تحاول بواسطته تغيير الأجواء الكئيبة: مهوب لو متزوجة إبي.. كان من زمان هو مودي جميلة غصبا عنش.. وكان الحين محتفلين بزواج علي وجميلة مثل الناس عفراء ضربت خد مزون بخفة حانية: يا ملغش بس.. مملة كم مرة قلنا ذا الموضوع ممنوع النقاش فيه!! "لأنك لا تعلمين مزون.. لا تعلمين!! تمنيت لو أستطعت أن أتزوج زايد من أجلكم أنتم فقط!! لكن رؤيته أمامي ستعيد لي دائما ذكرى حسرات شقيقتي لا أستطيع أن أعيش ذات الحسرة التي عاشتها وسمية حتى ماتت وهي مازالت في عز صباها وسمية كانت جبارة.. لكن أنا لا.. لا.. لا أستطيع فهل يكتب لي ربي أن لا أعرف حب رجل حتى لو تزوجت مرتين خليفة رحل وأنا للتو أتعلم التعبير عن مشاعري رحل لتموت مشاعري في قلبي وزايد كان قلبه دوما لأخرى.. لم ولن أستطيع مسامحته على مافعله بقلب وسمية الطاهر حتى وإن كان لم يقصد حتى وإن كان لم يقصد!!!" **************************** قبل 18 عاما "هاتي الغزالة..حبيبة قلب خالتها.. ماحبيتها عدل.. مابعد برد خاطري" عفراء بود غامر: خالتها شكلها تعبانة.. خليها فديتش منش ثم أشرق وجهها بفرحة مفاجئة: وسوم لا تكونين حامل؟!! ابتسمت وسمية بإرهاق: أي حامل الله يهداش!! عفراء بابتسامة مشرقة: وش فيها؟؟ مزون صار عمرها 4 سنين.. وش تتنين بعد؟؟ وسمية بضيق: ما أدري عفراء حاسة إنه صحتي مهيب ذاك الزود..ما أبي أستعجل في الحمال لين أتأكد إن كل شيء عندي زين عفراء تحاول أن تحمي شقيقتها من مجرد الفكرة التي أثارت أقسى مخاوفها: وش ذا الكلام يا وسمية؟؟ مافيش إلا العافية.. توش 28 سنة وموسوسة كذا أجل لا صرتي 40 وش بتسوين؟؟!! وسمية بهدوء خائف شفاف: مهوب أنا وبس اللي ملاحظة ذا التعب.. حتى زايد ملاحظ.. وجنني يبي يوديني للمستشفى بس أنا خايفة ومتوترة وموسوسة على قولتش عفراء تحاول إدعاء المرح وإبعاد الفكرة المؤذية عن خيالها: يأختي يأختي من قدش أبو كساب خايف عليش.. وسمية بشفافية: فديت أبو كساب.. ليته بس صفا لي.. كان سويت على قولت خالد الفيصل: إذا صفا لك زمانك، علّ يا ضامي واشرب قبل لا يحوس الطين تاليها وكان علّيت وعلّيت .. لكن أنا شكلي بأموت ضامية ما ارتويت.. والطين حاس أولها وتاليها.. عفراء بصدمة وألم : وسمية وش ذا الكلام الشين والفال الأشين.. أبو كساب مضايقش بشي؟؟ وسمية تهمس بشفافية سماوية مثقلة يالشجن والوجع: فديت زايد ياعفراء.. جعل كل الرياجيل فدوتن له.. زايد طول عمره حاشمني.. يعزني ويحترمني.. بس.. بسس عفراء تستحثها للكلام: بس ويش؟؟ وش عندش؟؟ وسمية بذات الوجع الشفاف: بس عمره ما حبني.. من يوم خذته ولين الحين.. وظني لين يموت وهو قلبه لها حـــيــنــهـــا لم تستطع وسمية التماسك.. سالت دمعة طال أمد حبسها دمعة جرحت عفراء حتى النخاع.. قبل أن تنزل سهما من لهيب في روح وسمية المثقلة.. عفراء باستنكار: اللي قال لش ذا الكلام كذاب.. يبي يخرب عليش.. أبو كساب مستحيل يكون يحب وحدة عليش وسمية مسحت دمعتها الخائنة وهمست بسخرية مرة.. سخرية امرأة مجروحة تريد أن تسخر من نفسها كما سخرت منها وبها الحياة: ولو كان زايد هو اللي قال لي بنفسه.. يكون كذاب بعد.. حينها شعرت عفراء بفتور في عظامها.. وضعت كفيها فوق رأسها وخبئت وجهها بين ركبتيها وهمست بصوت مبحوح: مستحيل أبو كساب يجرحش كذا.. مستحيل يسويها لا تقولين إن أبو كساب كان قاسي وقذر لذا الدرجة معش.. تكفين لا تكسرين صورته الكبيرة في عيني.. ابتسمت وسمية بألم وهي تمسح رأس عفراء بحنو: زايد كبير وطول عمره كبير زايد بنفسه ما يدري إني أدري عفراء رفعت رأسها لتظهر عينيها المحمرتين وهمست بدهشة: أجل أشلون هو اللي قال لش؟؟ وسمية بوجع مستشر وكلماتها تمزق روحها.. أحرفها سكاكين تنغرز في حنجرتها.. وكأنها تبصق دما وألما مع عبراتها المسكوبة: يناديها يا عفرا.. كل ليلة يناديها.. ليتش تسمعينه بس أشلون يدعيها يون ياعفرا يون !!! اسمها كله ونين.. يشرق باسمها وهو راقد وأنا يا عفرا أكثر الليالي يحرم علي النوم.. أشلون أنام وأنا ادري إني نايمة جنبه لكن هي نايمة في قلبه ومتلحفة بروحه عشان كذا أطق لغرف عيالي .. إذا صحا من نومه وما لقاني.. جا يدورني أموت وهو يهمس لي بعتب: (يعني معقول النومة جنبي تضايق لذا الدرجة!! كل ليلة على ذا الموال) أدور ألف عذر.. إلا السبب الحقيقي.. ماحبيت أصغره في عين نفسه.. وحبيت أخدع نفسي إنه كفاية علي حبه وهو صاحي.. عفراء بصدمة كاسحة وغضب مكتوم: أشلون استحملتي؟؟ أشلون؟؟ أشلون ما انفجرتي فيه وعليه؟؟ وسمية بألم متحذر: وأيش راح أستفيد؟؟ الحين زايد مخبي مشاعره علي.. وعلى الأقل يمثل إنه يحبني.. وأنا مستمتعة بذا التمثيلية!! لكن لو قلت له إني عرفت.. شي حلو بيني وبينه بينكسر أنا أحب زايد ياعفراء فوق ما تتخيلين.. مستحيل أجرحه بذا الطريقة!! عفراء بغيظ: والشيخة ست الحسن وش اسمها.. جعل ربي يمحى اسمها من الدنيا وسمية بألم: لا تدعين.. واسمها مستحيل أقوله لأحد.. عفراء بذات الغيظ: زين نعرفها؟؟.. من جماعتنا؟؟.. من بعيد؟؟ وسمية بوجع: اسمها منتشر واجد عند جماعتنا.. لكن أني أعرف من هي بالضبط.. لا ما أعرف.. ثم أردفت بوجع أعمق: تدرين عفراء صرت أشوف في كل وحدة شايلة اسمها غريمتي عفراء باستجداء غاضب: تكفين وسمية قولي اسمها.. ودي أفلع وجه كل وحدة بذا الأسم وسمية بألم تجذر في روحها منذ سنوات وسنوات: اسمها بيروح معي لقبري.. وبيقعد في قلب زايد حتى بعد ما أروح "ماذا تريدين أن أقول لكِ يا عفراء؟؟ ماذا أقول؟؟ هل أخبرك أي امراة خانعة أنا؟؟ هل أخبركِ أني امراة بلا كرامة اكتفت بفتات مشاعر زايد التي منحها لي تكرماً؟!! هل أخبركِ كيف أذلني حب زايد حتى رضيت أن يسمي ابنتي باسم قريب من اسم حبيبته دون أن أعترض أو اشتكي حتى؟؟ هل أخبركِ أي ألم متوحش أشعر به حين يحتضنها ويهمس باسمها مُصغرا وأنا أعلم أن ذات اسم الدلال هذا قد يكون ناغى به حبيبته آلاف المرات ستعلمين حينها لماذا أكره أن ينادي أحدا ابنتي باسم تدليل؟؟ أشعر أن أي اسم تدليل سيقود إلى تلك الآخرى اللعينة سيوقظ الذكرى التي ما أنطفأت يوما من قلب زايد وأي ذكرى يا عفراء؟؟ وأي ذكرى؟؟ مرت السنوات وأنا أذوي وأذوي.. أزعم أن الأيام ستنسيه إياها لكن الأيام والأشهر والسنوات مرت وهو لم ينساها اثني عشر عاما مرت.. مافتر لسانه يوما واحدا عن مناداتها أي أفعى هذه التي غرست نابيها المسمومين في قلبه ليتنشر سمها في كل خلاياه وشرايينه بهذه الطريقة؟!! آه يا عفراء آه.. وألف آه" ***************************** اليوم التالي صبيحة سبت وجمر تحت الرماد!! غرفة وضحى كانت وضحى تنهي للتو صلاة الضحى وشرعت في ارتداء ملابسها للنزول للأسفل طرقات حازمة على الباب همست بهدوء: دقيقة ياللي عند الباب أنهت ارتداء ثيابها ثم فتحت.. ابتسمت ابتسامة شاسعة وهي ترا الطارق تعلقت بعنقه وهي تهمس بمرح: أنزل شوي يالزرافة خلني أحبك انحنى مُهاب قليلا ليقرب خده منها بينما همست وضحى بترحيب دافئ: الحمدلله على السلامة.. 3 أيام في رحلة وحدة.. طولت علينا مُهاب يتجاوزها ليجلس على سريرها وهو يهمس بهدوء حنون: عشان الرحلة هذي كانت تدشين لخط جديد قعدنا شوي في مكتبنا الجديد ثم أردف بنبرة مقصودة: وأخرتني ذا الرحلة شوي عن موضوع مهم هزت وضحى كفتيها وهي تجلس جواره متسائلة: خير إن شاء الله مُهاب بابتسامة: خطاطيب لش قفزت وضحى كالملدوغة وهي تتجه للنافذة وتنظر للخارج بتوتر في محاولة لمداراة خجلها وتوترها اقترب منها مُهاب ليضع كفه على كتفها بحنان: طالعيني وضحى.. استدارت وضحى دون أن تستطيع رفع نظرها إليه.. شدها مُهاب ليعاودان الجلوس وهمس لها بهدوء: اسمعيني.. أنا تو قلت لأمي.. بس حبيت أكلمش بنفسي وأسمع منش وترا عبدالرحمن بن فاضل ما ينرد شهقت وضحى بعنف والاسم يخترق طبلة أذنها والأحرف تخرج مبعثرة مبتورة من بين شفتيها اللتين انخطف لونهما فجأة: مـ ـن ؟؟ عـ عـ بـ د الرحمن؟؟ ولـ ـد عـ ـمـ ـتـ ـي ؟؟ ثم تنهدت بعمق وآلالاف الأفكار تضرب في رأسها كمطارق مجنونة.. لتقف بعدها وتبتعد وتهمس بنبرة متوترة مضطربة موغلة في حزن غير مفهوم: ويومن إنه ماينرد.. ليه ردته أختك بدل المرة عشر؟؟ مُهاب وصل لمربط الفرس الذي كان يخشاه.. لكنه تنهد وهو يجيب بثقة: هذاك موضوع وهذا موضوع حينها انفجرت وضحى بشكل مفاجئ غير مسبوق وغير متوقع: لا.. هم موضوع واحد ثم أردفت بحزن مرير وغضب عميق: ويا ترى أنت اللي عرضتني عليه تعويض له عن وجهه اللي طاح من كثر ماخطب كاسرة وردته؟؟ أو هو اللي خطبني بعد ما يأس من كاسرة.. وقال يالله ماحصلت لنا الزينة نأخذ أختها الشينة.. عشان يحر كاسرة؟؟ مُهاب تغير لون وجهه وبدا أنه يعاني غضبا يحاول كتمه: عيب عليش ذا الكلام يا وضحى وضحى تنتفض بعنف وتوشك على البكاء: إلا عيب عليك أنت ياولد أمي.. ترخصني كذا.. وترميني ذا الرمية آسفة امهاب.. وقول لعبدالرحمن: ماعندنا بنات للعرس.. وأعتقد عادي عنده.. تعود على الرفض.. ما أعتقد أنه بيأثر فيه عقب كفوف كاسرة له انتفض مُهاب.. أي مصيبة جلبها لنفسه.. لم يخطر له ولا حتى للحظة أن وضحى قد ترفض عبدالرحمن.. كيف يرد عبدالرحمن وهو من عرضها عليه صرخ مُهاب من بين أسنانه: مهوب على كيفش تصغريني قدام الرجّال.. بتأخذينه يعني بتأخذينه حينها انهارت وضحى في البكاء وهي تصرخ بين عويلها: إيه أنا اغصبني.. لأني الطوفة الهبيطة في ذا البيت.. الكل يدوس على رقبتي لكن كاسرة ما تقدر عليها.. سوو روحك الحين رجال علي واغصبني.. وليش ماغصبت كاسرة عليه.. يومن أنك رجال ما تبي شيء يصغرك قدام الرياجيل رجّال علي أنا بس... أوقف سيل كلماتها............. صفعة قوية ألقتها على السرير.. انتهت الصفعة والجميع وقفوا في ذهول.. مُهاب يحاول ألا ينظر إليها.. لأول مرة يفعلها ويمد يده على إحدى شقيقاته.. وتكون وضحى بالذات!! وضحى؟!! كاسرة استحقت الصفع مئات المرات ولم يصفعها... بينما هذه المسكينة لأول مرة تعبر عن رأيها وتصرخ.. فيكون احتوائه لثورتها : صفعة في ذات وقت الصفعة وصل الجمهور.. مزنة وكاسرة وصلتا ركضا على صراخ وضحى غير المعتاد.. ليفجعا بالمنظر مزنة بقيت واقفة غير مستوعبة.. بينما كاسرة انفجرت بانفعال وهي تقف أمام مُهاب: أشلون تتجرأ وتمد يدك عليها.. شايفها بهيمة.. بالطقاق بعبدالرحمن... هو العرس بالغصب فكان رده عليها كذلك صفعة ألقتها في حضن شقيقتها.. يا لغرابة البشر..؟!! منذ صفع وضحى وهو يشعر أن تكفيره عن صفعته لها هو صفعة لمن تسببت بكل ذلك.. لكاسرة وهاهي أتته بقدميها.. ربما كان ليصفعها بدون سبب.. ولكنها قدمت له السبب مهما كان واهيا مُهاب لم يسمح لهن بالمزيد.. يريد استغلال ذهول والدته قبل أن تنفجر هي الأخرى فانفجار والدته سيكون شيئا مرعبا هو غير مستعد له الآن مع كل هذا الندم والألم في روحه خرج.. ليتنفس... فهو يشعر أنه على وشك الانفجار من الغيظ والغضب.. من نفسه.. قبل أي شيء!! *************************** مجلس زايد آل كسّاب الصباح الباكر علي يجلس مع والده والإرهاق باد على محياه لأبعد حد.. لم ينم مطلقا منذ يومين.. جسده يكاد ينهار من التعب.. وعقله من التفكير يهمس بغموض: يبه متى بنملك؟؟ زايد بنبرة غامضة مقصودة: ملكة كذا على طول؟؟ علي باستغراب: وش نتنى؟؟ خالتي وموافقة.. وسفر جميلة بكرة ومن البارحة ماعاد عطوها منوم عشان تكون واعية. زايد ينظر له بنظرة مباشرة: وجميلة مالها أهل نرد لهم الشور؟؟ علي قفز بغضب: عسى تبي تكلم ولد أخ عمي خليفة الله يرحمه؟؟ زايد نظر له بغضب وهمس له بحدة: اقعد ياولد.. واحشم أبيك.. ثم أردف بثقة: وأكيد لازم أشور أحمد.. هذا ولد عمها.. واللي باقي من أهل أبيها علي بغضب عميق وضيق أعمق: الحين صاروا أهلها.. وينهم ذا السنين كلها؟؟!! زايد بصرامة: لا تظلم الناس يا أبيك.. أحمد طول عمره واصل.. وعلى طول ينشد عن جميلة.. وقبل توفى مرته كانت دايما تزور عفرا بس الحين ماعاد إلا هو وعياله الثلاثة.. تبيه يعني يقول خلوني أشوفها وهو مهوب حلال لها؟؟ ثم أردف بحنين عميق مؤلم وبهمس خافت: مافي طرف خليفة قاطع علي يحاول تجاوز ضيقه المتزايد بصورة غريبة.. فهو منذ وطئت قدماه الدوحة وشعور قلق مستنزف يجتاحه: يبه كذا بنتأخر في الموضوع!! زايد بهدوء وهو يتناول فنجان قهوته من المقهوي الذي يقف بدلة الرسلان: لا متأخرين ولا شيء.. أنا من البارحة أصلا كلمت أحمد.. وبنروح له في بيته بعد شوي ************************** في غرفته يجلس يشعر كما لو أن هموم الأرض كلها تجمعت لتتزاحم فوق كتفيه مشوش التفكير.. لأول مرة يشعر أنه عاجز عن التصرف المنطقي أو المناسب وأكثر ما يؤلمه...... وضحى كيف امتدت يده الضخمة لخدها الرقيق.. هذه النسمة الرقيقة التي اعتادت أن تمر مر السحاب الهادئ.. لا يريد إجبارها على شيء.. ولكن في ذات الوقت يستحيل أن يخبر عبدالرحمن برفضها أن ترفضه الشقيقتان على التوالي.. أمر لا يمكن احتماله لا يمكن أن يضع عبدالرحمن في هذا الموقف بل يستحيل أن يعرضه لهذه الإهانة!!! وآخر آخر آخر ماكان ينقصه في فوضى التفكير هذا.. هذا الإعصار الذي اقتحم غرفته!! " أنت أشلون تجرأ وتمد يدك علي؟!! يعني عشان اسمك أخينا الكبير شايف لنفسك ذا الحق؟!! وإلا يمكن عشان عارف إنه ماحد يقدر يوقف في وجهك ماورانا حد يردك لا تفرعنت علينا جدي وإلا تميم؟!! بس لا يا امهاب.. لا.. وأظني إنك تعرف كاسرة من هي أنا ما أبي لي ظهر رجّال أتحامى فيه.. وأقدر أوقف في وجهك.. وأحمي نفسي وأحمي أختي وضحى مستحيل أخليك تجبرها على شيء هي ما تبيه لو على قص ربي مُهاب يقف بحدة مرعبة ولون وجهه ينقلب من الغضب ولكن كاسرة لا تتأخر حتى خطوة وهي تقف أمامه بكل برود مُهاب يمسك كفيه ورا ظهره حتى لا يتهور للمرة الثانية ويهمس من بين أسنانه التي تكاد تتكسر لشدة ضغطه عليها: هذي أخرتها ياكاسرة.. تطولين لسانش على أخيش الكبير؟!! كاسرة انهدي الله يهد عدوينش ترا شياطين الدنيا كلها تنطط قدامي.. فروحي إذلفي واتقي شري كاسرة تقترب خطوة بعد وتهمس ببرود مستفز: ماني برايحة.. ورني وش تبي تسوي؟؟ مُهاب يزفر بحرارة محرقة كحرارة غضبه المستعر.. وهو يفتح كفيه ويغلقهما.. كم كان نادما على صفعها.. ولكنه يود الآن لو يصفعها مئة مرة وحتى يتقي شر نفسه.. تراجع ليتناول غترته الملقاة على السرير.. ويخرج بينما تعالى صراخ كاسرة ورائه: علمن ياصلك ويتعداك.. ترا وضحى مهيب ماخذة عبدالرحمن.. وماعاش من يغصبها على شيء ************************** مقهى لاميزون النجار شارع سلوى في زواية الطابق السفلي يجلسان يرتشفان قهوتيهما يهمس أكبرهما: وش عندك كسّاب؟؟ أعرفك ذا الوقت في شركتك؟؟ كسّاب بهدوء متوتر: ما أدري وش فيني ياعمي.. متوتر من موضوع علي.. يبتسم منصور: يعني عشان إخيك الصغير بيعرس قبلك؟!! كسّاب باستنكار مستاء: وش ذا الكلام ؟؟ أنا متوتر من تأخير الموضوع أنا وعلي كنا متفقين إنه يتملك اليوم الصبح بدري.. عشان سفرهم بكرة بس أبي طلع بسالفة إنه لازم يشور أحمد ولد عم جميلة يعني لا هو وكيل البنت.. ولا له حكم عليها.. وش له هالشكليات اللي مالها داعي.. يأخر علي من غير سبب منصور بنبرة لا يعرف هل هي غيرة أم حنين: خليفة وهله عند أبيك غير ثم أردف وهو ينفض رأسه: بعدين أنا أعرف أحمد.. رجّال أجودي وفيه خير وما أعتقد إنه بيأخرهم وخصوصا إنه دايم يقول جميلة بنتكم.. كسّاب بذات التوتر الذي لا يزول: الله يجيب الخير ***************************** بيت فاضل بن عبدالرحمن صالة البيت السفلية حيث تجلس جوزاء تطعم ابنها فطوره تنزل شعاع وهي تقفز الدرج قفزا لتقفز بجوار جوزاء وهي تهمس في أذنها بحماس وبصوت خافت: ماسمعتي أخر الأخبار؟؟؟ جوزاء بغضب لطيف: مفلوجة أنتي؟!! سلمي.. واقعدي مثل الأوادم مهوب القرود شعاع تدعي الغضب: أجل موتي حرة.. ماني بقايلة لش شيء جوزاء تهز كتفيها وتعود لإطعام صغيرها: عادي.. أخرتش بتقولين بتقولين لأنش بتموتين لو ما قلتي شعاع تشد الصغير وتهمس بحماس: هاتي حسّون أنا بأأكله.. جوزاء تترك حسن الصغير مع خالته وتسند ظهرها للكنب وهي تنظر بشبح ابتسامة لتعابير وجه أختها الصغيرة..كيف تلمع عيناها وتعض شفتيها بعد مرور دقيقة همست جوزاء بخبث: نضجتي وإلا بعد؟؟ شعاع تضع الطبق والملعقة على الطاولة الصغيرة أمامها وتلف كامل جسدها ناحية أختها: مشكلتش عارفتني.. أنا اشهد أني نضجت ونضجت خذي القنبلة ثم صمتت لثانية وهمست بنبرة الأخبار المهمة: عبدالرحمن خطب وضحى كانت وقتها جوزاء تعاود تناول الصحن وهي تشد ابنها ناحيتها.. فسقط الطبق من يدها وعيناها تتوسعان وهي تهمس بصدمة: من جدش؟؟ شعاع بجدية: ذا المواضيع فيها مزح؟؟ جوزاء تعاود التماسك ثم تهمس بثقة: وضحى أحسن بواجد من أختها المعقدة المغرورة.. الله يوفقهم شعاع بحماس بريء: بس يعني ما أثار فضولش تغيير عبدالرحمن لرأيه.. لين الأسبوع اللي فات وهو يقول إنه بيرجع يخطب كاسرة لو رفضت الخاطب الجديد جوزاء تعاود إطعام الصغير الذي بدأ يرفض الطعام بإصرار رغم محاولات جوزاء المتكررة وتهمس بهدوء لا يخلو من نبرة تشفي: الحمدلله إنه عقل.. لو كان خذ كاسرة كان جننته *************************** منطقة الدحيل بيت أحمد بن جاسم.. ابن شقيق خليفة في مجلسه حيث يجلس هو و زايد وعلي وأبنائه الثلاثة الذين أصر على تواجدهم جميعا تقديرا لزايد الذي يحترمه كثيرا علي يجلس بهدوء وثقة ولكن تفكير مر يجتاح أعماقه كاعصار كاسح أبعد مايكون عن هدوءه الظاهري.. قلق متوحش يلتهم خلاياه التهاما.. يشعر أن جميلة تتحول إلى إلى طيف يرتحل ويتركه لا يعلم لماذا يسيطر على تفكيره هذا الهاجس المؤلم الذي شعر به يذيب داخله ألما!! جميلة..حلمه الشفاف يرتحل كحمامة حلقت للأفق البعيد.. واختفت!! أ كثير عليه أن ينظر لمحياها العذب ولو لمرة..؟!! أ يعقل أنها ستموت قبل أن تكون له؟!! ترحل قبل أن يطبع على عينيها الذابلتين قبلة حلم كثيرا بها دون أن يعرف سببا لهذا الحلم!! انتزعه من أحلامه وخيالاته والده وهو يضع يده على فخذه ويقول بنبرة احترام: ها يا أبو جاسم.. وش رأيك؟؟ أحمد باحترام متزايد: ياي تخطب بنتك يأبو كسّاب؟!!.. أنت بس كان عطيتني موعد الملكة وأنا بأيي أشهد على عقد ولدي علي تنهد علي بعمق وهو يأخذ نفسا طويلا يعوضه عن أنفاسه المكتومة منذ الصباح اتسعت ابتسامته بارتياح بعد شد الإعصاب المضني الحارق.. ولكن ابتسامته سُرعان ما نُحرت في مهدها وهو يسمع صوت حازم يقف ليهمس معارضا بنبرة مقصودة: من غير تقليل احترام لك يبه ولا لعمي أبو كسّاب بس عمي أبوكسّاب ريال بدوي وهذي عاداتهم اللي مايفرطون فيها لو مهما صار ويعرف عدل إن ولد العم أحق ببنت عمه وأعتقد إني أنا الأحق ببنت عمي خليفة #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس منطقة الدحيل بيت أحمد بن جاسم.. ابن شقيق خليفة في مجلسه حيث يجلس هو و زايد وعلي وأبنائه الثلاثة الذين أصر على تواجدهم جميعا تقديرا لزايد الذي يحترمه كثيرا علي يجلس بهدوء وثقة ولكن تفكير مر يجتاح أعماقه كاعصار كاسح أبعد مايكون عن هدوءه الظاهري.. قلق متوحش يلتهم خلاياه التهاما.. يشعر أن جميلة تتحول إلى إلى طيف يرتحل ويتركه لا يعلم لماذا يسيطر على تفكيره هذا الهاجس المؤلم الذي شعر به يذيب داخله ألما!! جميلة..حلمه الشفاف يرتحل كحمامة حلقت للأفق البعيد.. واختفت!! أ كثير عليه أن ينظر لمحياها العذب ولو لمرة..؟!! أ يعقل أنها ستموت قبل أن تكون له؟!! ترحل قبل أن يطبع على عينيها الذابلتين قبلة حلم كثيرا بها دون أن يعرف سببا لهذا الحلم!! انتزعه من أحلامه وخيالاته والده وهو يضع يده على فخذه ويقول بنبرة احترام: ها يا أبو جاسم.. وش رأيك؟؟ أحمد باحترام متزايد: ياي تخطب بنتك يأبو كسّاب؟!!.. أنت بس كان عطيتني موعد الملكة وأنا بأيي أشهد على عقد ولدي علي تنهد علي بعمق وهو يأخذ نفسا طويلا يعوضه عن أنفاسه المكتومة منذ الصباح اتسعت ابتسامته بارتياح بعد شد الإعصاب المضني الحارق.. ولكن ابتسامته سُرعان ما نُحرت في مهدها وهو يسمع صوت حازم يقف ليهمس معارضا بنبرة مقصودة: من غير تقليل احترام لك يبه ولا لعمي أبو كسّاب بس عمي أبوكسّاب ريال بدوي وهذي عاداتهم اللي مايفرطون فيها لو مهما صار ويعرف عدل إن ولد العم أحق ببنت عمه وأعتقد إني أنا الأحق ببنت عمي خليفة علي قفز وهو يتخذ وضعية وقوف أشبه بوضعية قتالية وهو يلتفت لأبن أحمد الأوسط الذي كان يقف بكل ثقة بعد أن ألقى عبارته المسمومة ليصرخ فيه بغضب كاسح: نعم؟؟ شتقول أنت؟؟ صاحي أنت يأخ وإلا........ علي كتم باقي جملته في صدره..صمت على جمرة ملتهمة شعر بها تحرق لسانه وتنشر الحرائق في جوفه.. صمت انتظارا لرد والده واحتراما لأبي جاسم الذي صرخ في ابنه بغضب: خـــلــيــفــة.. اقعد لا بارك الله فيك من ولد تبي تفشلني في الرياييل؟؟ خليفة مازال واقفا وهو يهمس بثقة: أنا ما قلت شيء غلط.. تكلمت في حق وأظني إنه عمي أبو كسّاب عارف هالشيء لا يعلم خليفة أي جنون خطر بباله.. شعر بإهانة مبطنة في هذه الخطبة.. ثم من رد والده وكأن زايد وابنه حينما جاءا للخطبة كان ذلك تحصيل حاصل لأنهما جهزا لعقد القران قبلها.. وكأنهما يسلبانه حقه ليمنحوه لأنفسهم أليسوا هؤلاء البدو الأجلاف هم من سنو هذه العادة المرذولة؟؟ ألم يُطرد قبل شهرين شر طردة حين تجرأ وخطب أخت صديقه البدوي ليقف ابن عمها في وجهه في مجلس مليء بالرجال ويجعله يشعر بالحقارة والضآلة وعمق الإهانة "ربما اليوم يريد الله أن يعيد لي بعضا من كرامتي المهدورة سأفعل مثلهم.. نعم مثلهم!!" همس زايد بثقة: حقك ياولدي.. بنت عمك وأنت أولى بها بس جميلة حالة خاصة.. جميلة تعبانة في المستشفى وسفرها بكرة بنخير البنت بينك وبين علي "الخبيث.. يعلم أنها ستختار ابنه فهي لا تعرفني يريد أن تمشي اللعبة وفق قواعده" همس خليفة بذات الثقة الغريبة: بس أكلمها أول.. هي ما تعرفني.. عشان يكون فيه عدالة بيني وبين ولدك أبي أكلم جميلة أول.. وعقب هي تختار.. واللي تختاره أنا موافق عليه وجه علي كان يحتقن من شدة الغضب وهو يود لو يخنق هذا المسمى خليفة ويزهق روحه.. كيف يتجرأ على ما ليس له؟؟ كيف يجرؤ على مجرد الحلم بأن يكلمها؟؟ كيف يجرؤ على التفكير بالاقتراب من حدود طفلته.. طفلته هو فقط؟! ولكن علي مازال يعتصم بأخلاقه الرفيعة وسيطرته على أعصابه حتى لا ينفجر.. فهو في مجلسهم وبيتهم وعلي متيقن أن والده لن يخذله ولن يسمح لهذا الدخيل بالتمادي أكثر من هذا.. لذا شعر أنه يُنحر من الوريد للوريد وللمرة الثانية في هذا المجلس وهو يسمع رد والده الواثق: تعال للمستشفى عقب صلاة الظهر وأخليك تكلمها ************************* مقهى لا ميزون النجار حيث يجلس كسّاب ومنصور كسّاب أنهى اتصالا غاضبا.. كان يحاول أن يكتم صوته ولكنه يشك أن صوته ربما وصل حتى آخر زبون في المقهى.. وهاهو يقفز ليتناول هاتفه الآخر ومفاتيح سيارته عن الطاولة ومنصور يقف معه وهو يهمس بحزم: وش قال لك إبيك؟؟ كسّاب بغضب ناري وعيناه تكادان تنقلبان غضبا: ولد أحمد قرّع (حيّر) جميلة.. وإبي رخّص له.. لا وبيخليه يكلمها بعد وعلي طلع زعلان.. وإبي يقول لي دور له لأنه يتصل عليه وجواله مسكر منصور بنبرة غامضة حازمة ومقصودة.. مقصودة جدا : روح دور لأخيك وطيب خاطره وأنا بعد بأروح أدور أخي ..بيننا كلام ************************* محل حواسيب ضخم وأنيق...محل تميم الساعة العاشرة صباحا صبيتان تتوقفان أمام المحل.. وإحداهما تحمل حقيبة حاسوب محمول.. - هذا هو المحل.. إذا حد بيصلح لج جهازج ويرجع الملفات الضايعة يكون هالولد.. عبقري كمبيوترات - قطري؟؟؟ ويشتغل بنفسه في المحل؟؟ (بدهشة عميقة وهي تنظر من بعيد لتميم المستغرق في تفكيك جهاز أمامه) - إيه قطري.. - بس ماقلتي لي مزيون جذيه.. نعنبو مصلح كمبيوترات وإلا بطل سينما - اذكري الله.. وتراه مسكين ما يسمع كلش ولا يتكلم - (انتقلت النبرة من النقيض للنقيض من الانبهار العميق إلى الشفقة العميقة) : ياحراااااااام.. مسكين والله أحد العاملين في المحل ينتبه لدخول الفتاتين.. يهز كتف تميم برفق ليستقبلهما لأن تميم حين يعمل يكون كل تركيزه في الجهاز بين يديه رحب بالفتاتين بهزة من راسه.. ثم أعطاهما ورقة كُتب فيها " ماهي مشكلة جهازك؟؟ حدد بشكل واضح ودقيق" الفتاة كانت تكتب قليلا.. وتسترق النظر من قرب لوجه تميم الذي كان غاضا لبصره عنهما حالما انتهت.. قرأ تميم الورقة على عجالة.. ثم كتب في أسفلها: الاستلام غدا.. همست الفتاة بدهشة: بكرة بكرة.. ثم تذكرت وهي تشير بيدها بطريقة فاشلة ومضحكة علامة للدلالة على غدا ابتسم تميم وهو يهز رأسه الأخرى شدتها وهي تلقي التحية.. ثم تهمس في أذنها: يالله فضحتينا.. خلينا نمشي الأولى بدهشة: ليه وش سويت؟؟ الآخرى بغيظ: كلتي تميم بعيونج.. استحي يابنت.. الأولى بحالمية : واسمه تميم بعد.. حتى اسمه يجنن مثله ولكنها عادت وأردفت بشفقة أعمق.. شفقة صافية.. وكأنها استكثرت عليه إعجابها به: والله حرام كل ذا الذكاء والوسامة وأصم أبكم تدرين كل مهندسين الكبيوترات اللي جيتهم قالوا لي لازم فورمات جديدة وتروح كل ملفاتي..وعلى الأقل يومين لثلاث أيام من ضغط الشغل عليهم.. إلا هو.. ماشاء الله تبارك الله ****************************** مستشفى حمد قبل صلاة الظهر بساعة بقرب المصاعد.. استراحة الطابق الذي تقيم فيه جميلة زايد قرر التوجه للمستشفى مع هذا التوتر الذي يعصف به لا يعلم أين ذهب علي ويكاد يتناثر قلقا عليه وحزنا من أجله يكاد يختنق وروحه تتمزق وهو يعلم أي جرح تسبب فيه لعلي يجره غصبا عنه لبيت أحمد وهو يظن أنه يعرضه لإجراء شكلي سينتهي في دقائق ليتحول الإجراء الشكلي لمأساة!!! ثم بعد ذلك يخذله بهذه الطريقة الموجعة.. كان يستطيع رفض طلب خليفة.. وإتمام عقد القران كما أراد.. فأحمد كان يقف بصفه حتى اللحظة الأخيرة.. عدا أن جميلة مريضة جدا وعذره معه.. فهي ليست في وضع يسمح لها بهذا العبث وخصوصا أن هذا الخليفة لا يعرفها حتى.. ورفضه لن يؤثر عليه.. بينما علي شيء آخر.. آخر يمزقه كيف كسّره وكبح جماح عنفوانه الثائر وهو يكاد يطبق في عنق خليفة: "تبي تكلمها يا الخسيس.. تبي تكلمها؟!!.. بأذبحك قبل ما تفكر تقرب من المكان اللي هي فيه أشلون تجرأ على محارمنا يالخسيس؟!!" لينتزعه والده بعيدا عنه وهو يصرخ بحزم: إذا هي محارمك.. فهي محارم خليفة أكثر منك.. أنا قلت له خلاص بيكلمها.. وإلا تبي تكسر كلمتي ياولد؟!! لينظر حينها علي لوالده نظرة أشبه ما تكون بنظرة ميت غادر الحياة.. ثم تتشتعل عيناه بنظرة أخرى وينفجر بعدها في صخب مرعب: اشبع فيه .. بديته عليّ... خلاص أشبع فيه يبه.. عليك وعليه بالعافية.. وهاهو ما حدث قد حدث .. لم يستطع رد طلب (سمي) خليفة.. وهاهو في انتظار خليفة ابن أحمد ليقوم بحواره المجهول مع جميلة لو كان هذا الطلب طُلب من زايد في ظروف عادية أو ربما لو كان من طلبه ليس من طرف خليفة لم يكن زايد مطلقا ليسمح أن يخدش أي شخص كان خصوصية صغيرته المريضة فأي يوم عصيب هذا؟؟ كيف ساءت كل الأمور فجأة لتتجمع كل هذه المصائب فوق رأسه سويا؟! وما كان ينقصه مع كل هذا الشد هو إصرار منصور على رؤيته.. وهاهو قادم الآن!! منصور بالذات لا يريد أن يراه الآن.. فهو في غنى عن صرامة كلمات منصور التي يعرف كيف ينتقيها باحتراف موجع حين يريد.. وهاهو ما يخشاه : " مبسوط يا زايد؟!! أكيد مبسوط؟!! متشقق من الوناسة؟!! فرحان إنك بديت ولد ولد إخ خليفة على ولدك اليوم مثل ما بديت خليفة على أخيك قبل عشرين سنة..!!!" ************************** قبل 23 عاما بيت زايد القديم مقلط البيت يدخل زايد للمقلط ليجد منصور جالسا فيه...يتغير وجه زايد وهو يلقي السلام عليه بينما يقفز منصور ليقبل رأس أخيه الكبير باحترام بالغ.. يهمس زايد بحزم: وش مقعدك هنا؟؟ منصور بحرج عميق وهو يتلفت عن يمينه ويساره: فيه شيء يابو كسّاب؟؟ أبي أطلع للكلية وما لقيت لي بدلة مكوية.. وأنت عارف وش يسوون فينا لو لقوا في اللبس كسرة وحدة جبت بدلتي تكويها أم كسّاب لي.. وقاعد أنتظرها زايد بحزم: من اليوم بأخلي عند صبي المجلس كواية هو في اللي بيكوي لك ويحطها في ملحقك لا تنسى البيت الحين فيه بنية تستحي منك منصور باستنكار: أي بنية ؟؟ عفيرا؟؟؟ ماعاد إلا عفيرا البزر تستحي!! زايد بذات الحزم: عفرا صارت مرة.. أنا الحين ما أدخل البيت إلا عقب ما أنبه عليهم كم مرة قبل أدخل منصور بذات الاستنكار وبصوت خافت: عفيرا البزر!!! حينها دخلت أم كسّاب ببرقعها وهي تلتف بجلالها الواسع وتحمل بدلة منصور العسكرية بيد وابنها كسّاب يمسك بيدها الآخرى ما أن ناولت منصور لباسه العسكري حتى خرج مسرعا بينما أم كسّاب ترجوه أن يجلس ليشرب القهوة مع أخيه منصور يخرج كهارب مدحور وهو يهمس بحرج: مشروبة يام كسّاب.. مشروبة وسمية بتساءل وهي تجلس بجوار زايد وتضع يدها فوق يده: وش فيه منصور؟؟ زايد بغضب حازم: منصور لا عاد يدخل داخل البيت أبد وإذا أنا ما أنا بموجود أكله ولبسه يجيه في ملحقه وسمية قفزت وهي تنفض يدها.. أشارت لكسّاب أن يتوجه للداخل.. ثم همست بغضب مكتوم: هذي أخرتها يا أبو كسّاب.. منصور من تزوجتك وأنا والله ما أشوفه إلا إخي الصغير هذي أخرتها؟!! زايد بابتسامة وهو يشد يدها ليجلسها جواره مرة أخرى: وين راح مخش يا بنت الحلال أفا عليش يا الغالية.. أشك في روحي ولا أشك فيش بس لا تنسين إن عفرا كبرت.. ومنصور صبي مزيون.. ومايصير نخلي النار جنب الكبريت والاثنين مسئولين منا "لم تكن مطلقا مطلقا مــطـــلـــقـــا في تفكيري كان هو من وضعها في ذهني.. من يومها وجه تفكيري ناحيتها.. ربما لو لم يكلمني ذلك اليوم.. لربما بقيت دالهاً في حياتي دون أي انتباه لها فما الذي سيجعل شاب في العشرين ينتبه لطفلة في الرابعة عشرة كانت بالنسبة لي كمخلوق غير موجود إطلاقا ولكن زايد بتحذيره ذاك جعل مشاعري كلها تتحفز ناحيتها كأن يكون أمامك قطعة حلوى ولكنك لا تريد حلوى ولا تشتهيها لذا لا تنتبه حتى لوجود هذه الحلوى ثم يأتيك من يقول لك: إياك أن تقترب من قطعة الحلوى هذه حينها ما الذي سيحدث؟!!! ستصبح هذه الحلوى هي بؤرة تفكيرك مهما حاولت ادعاء تجاهلها!! كم قضيت ليالي طويلة مع الأرق أسترق النظر عبر النوافذ علني أرى خيالها أقف مصلوبا خلف الستائر حتى تتصلب قدماي وكأنه لا يكفيني تمارين العسكرية.. لتصبح هي تمريني الأقسى!! كم رسمت أحلاما كانت هي أميرتها!! وأمنيات بدأت بها وانتهت إليها!! وابتسامات كانت تتأجج لمجرد ذكراها!! بدأت أعيد تشكيل هيئتها في ذهني.. رسمت لها عشرات الصور.. وألبستها وجه كل أمرأة جميلة كنت أراها استنزفت خيالي ومشاعري لا أعلم هل أحببتها.. أم أحببت مجرد كونها رمزا لأحلامي؟!! ولكنها يقينا كانت أمنية ثمينة سلبها زايد مني ليهبها لصديقه فلماذا يُسكنها ذاكرتي ومشاعري وخلاياي إن كان من سيحرمني منها؟!! وكما فعل معي.. فعل مع علي كان من ترك جميلة أمامه.. ورفض إنفراد عفراء بسكن لوحدها وحين سكنت تلك الصغيرة خيال علي انتزعها ليهبها لرائحة خليفة وكأن التعاسة مصيرنا كلنا الذي أهداه زايد لنا كنت أنا أولا ثم كسّاب وهاهو علي ينال نصيبه هل لأن زايد عاش محروما ممن أحب.. لابد أن يذيقنا جميعا من ذات الكأس؟!!" ******************************* قبل عشرين عاما " تكفى يا زايد.. أنا أبيها" يسأله بحزم وصرامة : " تحبها؟!!" منصور بصدمة وهو يكح بحرج " وش ذا الكلام يابو كسّاب.. عيب عليك وش حب ؟؟ وش خرابيطه؟؟ صحيح عفرا مهيب بنت عمي.. بس من جماعتي وأنا أحق بها من خليفة" زايد بصرامة : " أنا عطيت خليفة كلمة خلاص" منصور بصرامة مشابهة : " زين وأنا بأقرع عليه.. حقي.. وإلا بتمنعني من حقي؟!!" زايد بصرامة أشد : " إقرع عليه عشان تصير لا أنت بأخي ولا أعرفك.. والله لأتبرأ منك.." كانت صفعة لمنصور.. صــفــعــة!! ليست القضية مجرد امرأة.. بل أبعد من ذلك بكثير بين قرابة دم وقرابة روح!! قبل ذلك لم يكن يشك في مكانته عند زايد الذي مثّل أبا له لكن أن يهدد أن يتبرأ منه من أجل إرضاء خليفة.. كانت صفعة العمر كله!!! اليوم "ها زايد.. جاوبني مبسوط باللي سويته في علي؟؟" زايد بهم: منصور أنا ماني بناقصك منصور بغضب مكتوم وهو يقرب مقعده من زايد ويهمس في أذنه: يعني من جدك ماكنت تقدر تخلصنا من ذا المسرحية اللي مالها معنى؟!! زايد بحزم وهو ينفض رأسه: رجّال وبغى يقرع بنت عمه.. أقول له لا ؟!! منصور بحزم أشد: إيه قول له لا.. مثل ماقلت لأخيك.. يعني أنا ما خلتيني أقرع عفرا مع أني أنا الأحق بها واللي كنت أبيها لكن ولد أخ خليفة اللي حتى ما يعرف جميلة تخليه يقرع على ولدك!! أنت أشلون ميزان العدالة عندك مايل كذا؟؟!! ما كفاك اللي سويته فيني.. جاي تعيد نفس السالفة في ولدك؟!! زايد بغضب مهموم: منصور لا تسوي روحك ضحية.. لأنك أبعد واحد يليق عليه ذا الدور.. أنا عرضت عليك عفرا عقب موت خليفة وعقب كل طلاق من طلاقاتك بدل المرة عشرين.. أنت اللي على طول كنت تقول: طابت النفس منها منصور بسخرية: لا ياولد أمي.. أنت ما عرضت علي عفرا.. أنت عرضت علي أرملة صديقك.. وخلنا من ذا السالفة المغبرة.. وخلنا في المهم.. علي.. قلنا خليفة كان صديقك وأدري إنك كنت تحبه أكثر مني... بس ولد ولد أخيه....... زايد يقاطعه مستنكرا: اتق الله يا منصور.. أنا مستحيل أحب أي حد أكثر منك منصور بصرامة: الحب مهوب كلام يا ولد أمي.. الحب فعل.. وأنت أثبتت إن حبك لخليفة أكثر حتى من حبك لعيالك يعني تبدي واحد حتى ما تعرفه على ولدك اللي هو أغلى عيالك عندك عشان ذا الواحد من ريحة خليفة حرام عليك يا زايد علي.. حرام عليك ذا الولد واللي سويته فيك علي بالذات ما يستاهل حد يجرحه عمره ما طلب شيء.. عمره ما ضايق حد يكون هذا جزاه عندك.. زايد مهموم .. مهموم.. مــهــمــوم : يا ابن الحلال مابعد صار شيء.. ويمكن جميلة أساسا ماترضى تكلمه منصور يسند ظهره لظهر الكرسي ويهمس بغموض: (سبق السيف العذل) يازايد.. (سبق السيف العذل) ************************** مزون تنزل الدرج بهدوء وهي ترتدي عباءتها وتمسك نقابها بيدها.. فالسائق وخادمة البيت العجوز ينتظرانها في الخارج لتذهب في المستشفى لجميلة فوجئت بكسّاب يدخل كسهم ناري..وهيئته لا تبشر مطلقا بخير كان يسحب غترته خلفه.. وجيبه مفتوح من الأعلى كاشفا عن بروز عروق عنقه النافرة غضبا وغيظا ابتلعت ريقها برعب.. تمنت ألا ينتبه لوجودها.. ألا يكلمها.. فمن يستطيع مناطحة غضب كسّاب الذي يبدو أنه في أوجه وخصوصا أنها لوحدها؟! حتى في فترة غضبه منها قبل أربع سنوت حين قررت أن تدخل للطيرن.. كانت حينما لا يكون والدها موجودا في البيت تهرب إلى بيت خالتها.. كانت مرعوبة أن يجدها لوحدها في البيت.. فمن سينقذها من يده؟!! وبقيت على هذا الحال لمدة أسبوع حتى ذهبت غضبته التي كان يهدد أن يقتلها خلالها لتبدأ بعدها غضبته الأبشع التي قتلها بالفعل فيها!! وبالفعل بدأ انه لم ينتبه لوجودها لأنه تجاوزها ركضا للأعلى.. حمدت ربها وشكرته بعمق وهي تقرر الإسراع بالهرب ولكنها ما أن وصلت للباب حتى جمدت الدماء في عروقها وهي تسمع صراخه المرعب: مـــزون.. التفتت ببطء وهي تشعر أنها سيغمى عليها من الرعب وهمست بارتجاف: لبيه كان قد وصلها في حينه وصرخ فيها: شفتي علي؟؟ مزون ابتلعت ريقها: لا والله ماشفته من يوم طلع الصبح مع إبي كسّاب بغضب مر: أبيش هذا مهوب مرتاح لين يجلطنا كلنا.. وعقبه بيرتاح مزون بتردد: ليه إبي وش سوى؟؟ كساب يقول بسخرية مشتعلة بالغضب: ليه أبيش باقي شيء ما سواه؟!! إذا رحتي له في المستشفى.. بتعرفين.. والحين وخري من طريقي لا بارك الله فيش **************************** "يبه.. قوم فديتك.. ماباقي على صلاة الظهر شيء.. قوم أوديك توضأ" صوت خافت حنون "وين كاسرة؟؟ اليوم مهوب السبت ؟؟" همس وهو يفتح عينيه المتكاسلتين بنظرهما الضعيف ابتسمت مزنة وهي تسنده ليجلس : بلى فديتك بس كاسرة لاهية شوي الجد بعتب: لاهية عني؟؟ مزنة صمتت للحظة.. ماذا تقول له؟؟ هل تقول أن كاسرة ووضحى كلتاهما معتصمتان في غرفتيهما بعد صفعات مُهاب لهما آخر شيء تريده أن تشغل والدها بأي شيء قد يثير همومه أو غضبه لا تنكر مزنة تزاحم الغضب في ذاتها.. ولكن مُهاب خرج قبل أن تتحادث معه والآن لابد أن تأجل الحديث والغضب حتى يعود.. فهي لا تريد شيئا يشغل والدها أو يضايقه.. فهي من بعد أمراض والدها وتقدمه في السن.. أصبحت تتنازل عن الكثير من أجله وأكثر ما يهمها راحته.. لذا كانت على وشك اختراع أي شيء لتقوله لوالدها لولا الصوت العذب/الحاد الذي قاطعهما: "كاسرة عمرها ما يلهيها شيء عنك" قالتها وهي تمد يدها لتسند جدها: خليه يمه أنا بأوديه الحمام مزنة تأخرت للخلف لتفسح لكاسرة.. بينما همس الجد بحنو: وينش يأبيش اليوم ماشفتش.. كاسرة مدت يدها تتحسس مكان صفعة مهاب الواضحة على نعومة خدها الزبدي .. بينما مدت يدها الآخرى لجدها وهي تهمس بنبرة اعتيادية: انشغلت شوي بس فديتك بس والله ما شغلني عنك إلا شيء كايد ثم أردفت وهي تنظر لوالدتها نظرة ذات مغزى: وعزة اللي خلاك أغلى خلقه عندي ياذا الشيء الكايد ما يعدي بالساهل مزنة تهمس بخفوت حازم: امهاب أنا باتصرف معه... وأنتي اقصري الشر يا بنت ناصر.. كاسرة تهمس بخفوت وحزم أكثر شدة: ماني بقاصرته يا بنت جابر ************************** "لماذا يا عبدالرحمن؟؟ لــمــاذا؟؟ بل لماذا يامهاب؟؟ من ألوم؟؟ من ألوم؟؟ ربما يجب أن ألوم نفسي نــفـــســـي فقط!! بما أنني كنت طوال عمري بدون رأي.. فلماذا توقعت أنهم سيهتمون برأيي الآن؟؟ أنا من صنعت لنفسي هذه الصورة السلبية مخلوقة ضعيفة هزيلة هلامية ليس لها رأي أو وجود يا لا العجب!! أ ليس من المفترض أن أطير فرحا أن رجلا كعبدالرحمن بكل مزاياه ينظر لي أنا بعد كاسرة فلماذا لا أشعر بالفرح؟!! ولا حتى ببعض النشوة؟!! ماهذا الضيق الذي يكتم على روحي المثقلة بإحساس مرارة مغموس بالمهانة والحزن؟؟!! هل لأن عبدالرحمن خطبني؟!! أم لأن مهاب ضربني؟!! لماذا يا مهاب؟؟ لماذا؟؟ كنت أنت أبي أكثر من أبي.. كنت دائما الظهر الذي لا أخشى شيئا وهو يسندني.. والحضن الذي جعلني لا أعرف الخوف يوما لماذا تخدش كل هذا؟؟ لماذا؟؟" تمدد جسدها الذي تشبعت خلاياه ألما.. وهي تسند رأسها لمخدتها التي تبللت من دموعها تريد أن تشبع من البكاء... أن تُشبع روحها المجروحة من البكاء قبل أن تعود لها كاسرة تعلم أن كاسرة ستعود.. وستنهرها ألا تبكي.. كما كانت تفعل طوال عمرها.. " لا تبكين.. لا تبكين.. يا ويلش لو شفتش مرة ثانية تبكين اللي تقول لش كلمة قولي لها عشر واللي يعطيش كف عطيه عشرين بس ياويلش تبكين من أحد.. أو تخلين حد يشوفش تبكين خلش قوية ما يهزش شيء" "كيف من ستقول لي كلمة سأقول لها عشر وأنتي أختي وأقرب الناس لي كما يفترض لا تسمحين لي حتى أن ارد عليك بنصف كلمة أي إزدواجية أردتِ ياكاسرة أن أعيشها؟!! ضعيفة معكِ وقوية مع الكل!!!" ************************ " عفرا.. ياعفرا.. يأم جميلة" صوته الحازم العميق يتعالى وهو واقف عند الباب من الخارج عفراء تضفي عباءتها على كفيها وتنزل طرف شيلتها على فتحتي نقابها وتهمس باحترام وهي تخرج وتشد الستائر حول ابنتها: لبيه يأبو كسّاب.. جاية طال عمرك تقف قريبا من الباب من الداخل وتهمس باحترام متزايد: هلا والله.. أشلونك طال عمرك في الطاعة؟؟ زايد يوليها جنبه دون أن ينظر لها بشكل مباشر : طيب طال حالش ثم أردف بحزم: عفرا.. ترا خليفة ولد أحمد ولد أخ خليفة الله يرحمه بيجي عقب الصلاة يكلم جميلة.. بأخليه يكلمها من ورا الستارة.. بس عطيها خبر عفراء باستغراب مستنكر: وليش ولد أحمد يكلم بنتي.. وش يبي فيها؟؟ زايد تنهد ثم ألقى قنبلته بطريقته الحازمة المعتادة في الكلام: خليفة قرع على علي وأنا قلت له بأخلي جميلة تخير بينهم فهو قال جميلة ما تعرفني.. خلني أكلمها أول.. وأنا رخصت له.. عفراء شعرت أنها عاجزة عن الوقوف وقدميها تميدان.. استندت على الباب القريب وهي تهمس بعتب عميق: ليش كذا يابو كسّاب؟!! عمري ما كسرت لك كلمة بس بنتي تعبانة.. ومهيب حمل ذا السوالف ليش تعرضها لذا الموقف ؟!! زايد ذاته يشعر بالذنب.. ولكنه لم يستطع رد طلب سمي خليفة..لم يستطع!! همس بحنين كأنه يكلم نفسه: اسمه خليفة ياعفرا.. هذا سمي الغالي.. ماقدرت أرده.. عفراء بعتب حزين: وبنتي وش ذنبها يازايد؟؟ أقول لها اليوم الصبح ملكتش على علي.. وعقبه أقول لها الحين كلمي خليفة اللي ماتعرفينه عشان يمكن تأخذينه وش ذا الكلام يابو كسّاب..؟!! زيد بحزم خفف حدته بطريقة مقصودة: يأم جميلة.. كلها عشر دقايق تكلمه وتشوف وش يبي.. والولد أنا أعرفه وسألت عنه بعد عقب ماطلعت من بيتهم.. الكل يمدح فيه عفراء بحزن عميق: إن شاء الله يكون أحسن واحد في العالم.. أنا أبي ولد أختي لبنتي.. لكن ما أقول إلا ما أقدر أكسر لك كلمة يأبو كسّاب... ***************************** وضحى تصلي الظهر.. سمعت طرقات على بابها ثم صوت الباب يُفتح ما أن أنهت الصلاة حتى ألتفتت لترى من الطارق الذي يبدو أنه دخل لداخل الغرفة شعرت بعبراتها تقفز لحلقها وتتجمع وهي ترى القامة الطويلة التي تجلس على طرف سريرها لم تستطع معاودة النظر له وهي تجلس على سجادتها وتنظر لكفيها المتشابكين في حضنها ولكنه وقف ليتوجه ناحيتها ويرفعها من عضديها ليديرها ناحيته لم تستطع رفع عينيها له ولكنه وضع كفه على خدها الأحمر وهمس بحنان عميق: تنقص يدي اللي انمدت عليش حينها انتفضت وضحى بعنف وهي تتناول كفه وتغمرها بقبلاتها الجازعة: بسم الله عليك.. بسم الله عليك.. عدوينك واللي يكرهونك احتضنها مُهاب بحنو لتخرط هي بكاء حاد وهي تتعلق بجيبه وهو يهمس لها بذات الحنان: آسف والله العظيم آسف.. سامحيني يالغالية أدري قلبش الطيب ما يقوى يشيل ثم أردف بمرح: مهوب مثل أختش الحقودة أم رأس يابس ولسان طويل.. وضحى بصوتها المبحوح بين شهقاتها: ماعاش من يشل عليك.. مهاب يشدها ويجلس هو وإياها هاهو يغير الاستراتيجية لتحقيق الانتصار غريب هو الإنسان كيف يستغل كل أسلحته للوصول لما يريد.. حتى مع من يحب وربما مع من يحب أكثر من غيرهم!! : اسمعيني يالغالية.. أنا عارف إني تعاملت مع المسألة بطريقة غلط فخلينا نتفاهم من جديد وحطي في بالش إني ماني بغاصبش على شيء.. بس خليني أعرض وجهة نظري وأنتي عقب فكري عدل لو حتى تبين تفكرين أسبوع أسبوعين.. ثم عطيني قرارش الحين خلينا من كاسرة وإنها رفضت عبدالرحمن عبدالرحمن نفسه كرجّال وش تقولين عنه؟؟ صمتت وضحى بحرج وضيق.. لكن مهاب استحثها للحديث وضحى أجابت بذات الحرج والضيق: رجّال والنعم فيه مهاب بنبرة انتصار: ها .. رجّال والنعم فيه وأنا أزيد وأقول لش رجّال مافيه مثله اثنين لو تلفين العالم كله مالقيتي مثله.. صحيح هو خطب كاسرة أكثر من مرة بس صدقيني كان يخطبها لأنه يبي يناسبني مهوب لأنه يبي كاسرة بالتحديد... وبعدين لو كاسرة صارت غبية وما تعرف مصلحتها.. بتسوين نفسها؟!! ماعليش منها.. أنتي منتي بمربوطة فيها.. وخير ياطير إنه عبدالرحمن خطبها أول ثم تزوجش أنتي وين المشكلة؟؟ وين العقدة في الموضوع؟؟ ******************************* مستشفى حمد بعد صلاة الظهر موعد اللقاء المنتظر ها هو خليفة على وشك الوصول.. لا أحد يعلم ماذا سيقول أو ماهو مخططه من كل هذا ومنذ غادر زايد عفراء بعد أن ألقى لها بالخبر.. وهي عاجزة عن التنفس.. عاجزة عن التفكير " أي مصيبة جلبتها لي بازايد؟!! أي مصيبة؟!! هذا ما كان ينقصني تماما لتكتمل المأساة ألا يكفيني مرض صغيرتي لياتيني بخاطب جديد لها؟!! كيف أخبرها الآن؟؟ وبأي طريقة أخبرها؟!!" "يمه شتهوجسين فيه؟؟" صوتها الضعيف المبحوح عفراء تنتفض بخفة ثم تهمس في أذن ابنتها المتهالكة تعبا: جميلة يمه بيجي ولد عمش خليفة يكلمش جميلة بالكاد رفعت حاجبا علامة الاستغراب.. ثم همست بصوت مبحوح تماما: وش يبي يمه؟؟ وأشلون يكلمني؟؟ وليه يكلمني؟؟ عفراء لم تستطع إيجاد إجابة مناسبة.. لذا همست بأكبر قدر من الطبيعية استطاعت أن تصطنعه: إذا جاء درينا.. كل حي ملحوق جميلة بتساؤل مرهق: وش قلتي اسمه يمه؟؟ عفراء بنبرة طبيعية: خليفة يأمش سرح خيال جميلة نحو البعيد.. وهي تهمس بألم عميق مثقل بالحنين: خليفة على اسم إبي يمه كانت عفراء على وشك الرد عليها لولا أنها سمعت صوت زايد ينادي بعلو: يأم جميلة.. خليفة جا بدأت دقات قلب عفراء تتعالى برعب.. بينما جميلة كانت سارحة في خيالاتها حتى سمعت الصوت الرجولي الغريب الذي جاءها من خلف الستارة: مساج الله بالخير يابنت العم!! #أنفاس_قطر# . . . قبل ماتتوقعوا جميع التوقع اللي أنا عارفته وهو إن عفراء سبب طلاقات منصور كلها أقول لكم تمهلوا يا نبضات القلب ودوروا لكم سبب ثاني لأن عفراء مالها علاقة في أسباب طلاقاته نهاركم توفيق . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس "يمه شتهوجسين فيه؟؟" صوت جميلة الضعيف المبحوح عفراء تنتفض بخفة ثم تهمس في أذن ابنتها المتهالكة تعبا: جميلة يمه بيجي ولد عمش خليفة يكلمش جميلة بالكاد رفعت حاجبا علامة الاستغراب.. ثم همست بصوت مبحوح تماما: وش يبي يمه؟؟ وأشلون يكلمني؟؟ وليه يكلمني؟؟ عفراء لم تستطع إيجاد إجابة مناسبة.. لذا همست بأكبر قدر من الطبيعية استطاعت أن تصطنعه: إذا جاء درينا.. كل حي ملحوق جميلة بتساؤل مرهق: وش قلتي اسمه يمه؟؟ عفراء بنبرة طبيعية: خليفة يأمش سرح خيال جميلة نحو البعيد.. وهي تهمس بألم عميق مثقل بالحنين: خليفة على اسم إبي يمه كانت عفراء على وشك الرد عليها لولا أنها سمعت صوت زايد ينادي بعلو: يأم جميلة.. خليفة جا بدأت دقات قلب عفراء تتعالى برعب.. بينما جميلة كانت سارحة في خيالاتها حتى سمعت الصوت الرجولي الغريب الذي جاءها من خلف الستارة: مساج الله بالخير يابنت العم!! تمنى زايد في أعماقه وبكل العنف ألا تجيبه.. وترفض الرد عليه فصورة علي يخرج منسحبا ثائرا مكسور النفس.. تعذب خيال زايد المثقل بالإحساس بالذنب والضيق ولكن أمنياته ذهبت أدراج الرياح وهو يسمع الصوت الخجول الضعيف الذي بالكاد يُسمع: هــلا جميلة ذاتها استغربت كيف ردت عليه شاب غريب لا تعرفه والموقف كله غريب ولكن نبرته الواثقة.. صوته الدافئ الحنون جعلها تشعر برغبة عميقة في البكاء وذكرى عظيمة صنعها لها زايد تقفز لخيالها لطالما أجلسها زايد في حضنه ليحكي لها عن والدها بحماس وانبهار رسم لها صورة خيالية لرجل فريد من نوعه.. أشبه ما يكون بأسطورة ترعرعت وهي تؤمن أن والدها هو هكذا.. أسطورة لا تتكرر وهاهو بعض رائحة الأسطورة وحامل اسمه يأتيها اليوم.. بل حامل الجينات نفسها جينات خليفة.. والدها.. أسطورتها أفلا ترد عليه على الأقل؟!! خليفة بذات نبرته الواثقة: مساج الله بالخير خالتي أم جميلة عفراء حاولت أن ترد بطبيعية رغم إحساس الضيق الذي يخنقها: هلا خليفة أشلونك؟؟ واشلون إبيك وإخوانك؟؟ خليفة بهدوء حازم: طيبين ياخالة ثم أردف بذات الهدوء الحازم: جميلة سمعيني عدل أدري إنج تعبانة وايد وبتسافرين للعلاج عمي أبو كسّاب وعياله ما قصروا طول هالسنين وترا اهم الداخلين وأنا الطالع بس ما تظنين يا بنت عمي إنه الطيور تحن لأعشاشها أنا أبيج يا بنت عمي ما بقى لنا من ريحة عمي خليفة إلا أنتي تبين أنتي بعد تروحين عنا ؟!! ما تبين ذكر عمي خليفة يقعد في هله وجماعته؟!! "عرف هذا الخليفة من أين تؤكل الكتف.. عرف من أين يأتي لها وأنا السبب.. دائما أنا السبب" هذا ما كان يدور في بال زايد المصعوق الموجوع خليفة... دائما كان المفتاح خليفة!! ولكن من أين أتى هذا الشاب بهذا المفتاح؟!! "وهل كان لديه غيره يازايد؟؟ أنت من أعطيته المفتاح فإلى أين سيقوده المفتاح؟!! وأي أبواب مغلقة سيفتحها به؟!! جميلة يا بنيتي لا تخذلي علي كما خذلته أنتي لم تعرفي خليفة كما عرفته خليفة هو مجرد ذكرى لكِ.. ولكنه لي كان حياة وروح لا تخذلي علي لا تخذليه إلا علي ياجميلة إلا علي !! " خليفة كان يتكلم.. ووجه جميلة الشاحب يزداد شحوبا.. بينما كان وجه عفراء قد امتقع تماما: يا بنت عمي.. وربي اللي خلقني إني أحطج في عيوني الثنتين لا تحاتين شيء وأنتي معي أنا أبوج اللي ما عرفتيه وأخوج اللي ما يابته أمج.. كان يتكلم بثقة حنونة مختلفة مشتعلة بدفء غريب.. بعثت الرعشة في أوصال جميلة اليابسة.. هل هذا القلب يرتجف ودقاته تتعالى؟!! "شتقولين يا بنت عمي؟؟ موافقة علي؟؟" كان زايد على وشك التكلم.. لولا الكلمة الحادة السريعة المفاجئة التي صعقته حتى نخاع النخاع: "مــوافــقـــة" عفراء تهاوت على المقعد منهارة بينما سارع زايد ليهمس بحزم يخفي خلفه جزعا بات يخنقه: يا بنتي ترا الخيار في يدش وترا الشباب كلهم متقدمين لش تبين علي وإلا خليفة؟؟ الصوت المبحوح نفسه يهمس: " أبي خليفة" ليسود وجه زايد وتتسع إبتسامة الانتصار على وجه خليفة الذي ما خطر بباله إطلاقا أن جميلة قد توافق عليه كل ما أرده من هذه الحركة أن يُصعب الموقف قليلا على زايد وابنه يفعل كما يفعلون حينما يحلو لهم التحكم في المصائر وحتى لا يبدو غير جاد وهو يقف في وجه ابن زايد في موقف مصيري كان لابد أن يتقن دوره.. ويتحدث كما يتوجب عليه في مثل هذا الموقف ولكن لم يتوقع حتى لثانية واحدة أنها قد توافق عليه وهي لا تعرفه مهما كان كلامه مؤثرا وصوته حنونا.. توافق!! تـــوافـــق؟؟؟!! "ماذا؟؟ هل وافقت عليّ أنا فعلا؟!!" حينها ذهبت السكرة.. وحلت الفكرة!! ********************* قبل سنتين بيت عفراء صوت كسّاب الغاضب يتعالى : أنا أبي أعرف بنتش هذي وش طينتها؟؟ ما تستحي على وجهها؟!! عفراء بجزع: بنتي؟؟ ليه وش هي مسوية؟؟ كسّاب بذات نبرة الغضب المخيفة: فشلتني.. فشلتني.. خلتني في نص هدومي تغيرت نبرة عفراء من الجزع للرعب وهي تمسك بجيب كسّاب: بنتي وش سوت؟؟ كسّاب بذات الغضب: الشيخة أمس متغدية في كوفي هي وصديقاتها ثنتين متغدين بـ2500 ريال نعنبو بنتش البطة ذي كلت المحل كله... تدرين خالتي.. الفلوس والله العظيم ماهمتني وأنتي عارفة ذا الشيء زين.. والله ثم والله لو أنها شارية لها طقم ألماس بـ200 ألف ومرسلين لي فاتورته كان أهون علي من الإحراج اللي صار لي كانت عفراء تريد أن تقاطعه لتتكلم ولكنه لم يسمح لها وكلماته تتدافع كسيل غاضب كاسح: تخيلي راعي المحل يتصل لي ويقول لي ترا حساب غدا بنت خالتك وصديقاتها هدية من المحل أقول له هي عازمة قروب صديقات.. يقول لي: لا بس ثنتين ول عليها وش ذا الكرش اللي عندها؟؟ وأكيد صديقاتها مثلها يعني يوم الشيخة مسوية روحها شيخة وعازمة البطات وما معها فلوس كان كلمتني وجيت ودفعت.. مهوب تقول لراعي المحل إنها بنت خالتي كنها طرطارة تبيه يتصدق عليهم بثمن غداهم ثم أنفجر بغضب أكبر وكأن بداخله مستويات من الغضب لا تنتهي: وبعدين تعالي.. أنتي أشلون مخليتها تطلع مجمع وأنتي منتي بمعها.. أشلون؟؟ جزاها اللي بيحبسها سنة مايخليها تطلع مكان كان مازال سيتكلم لولا أنه فوجئ بدوي هائل لشيء قُذف من الأعلى ليتحطم على مقربة منهم كانت سلة ضخمة من الشوكولاته ثم تلاها خمس ورقات كل ورقة من فئة الـ500 ريال رفع رأسه ليرى جميلة تغطي وجهها بجلالها وتقف على حاجز الطابق العلوي المطل على الصالة السفلية وهي تصرخ: هاك أغراضك ياحيوان الله الغني عنك.. لولا خوفي من زعل عمي زايد وإلا والله ماعاد نقعد عندكم دقيقة ترا أبي يوم مات.. خلا لنا خير ربي.. ماخلانا في حاجة لكلاب الشوارع اللي تعوي مثلك كان كسّاب الذي أحمر وجهه غضبا ناريا على وشك الاندفاع للأعلى ليسحبها سحبا على الدرج لولا أنها هربت لتغلق على نفسها باب غرفتها في الوقت الذي تمسكت به عفراء وهي ترجوه بحرارة: تكفى يأمك.. عشان خاطري أنا لا تزعل منها.. هذي بزر.. وأنت قهرتها بزود كسّاب كانت خلاياه كلها تنتفض غضبا: هديني يا خالتي.. يعني عاجبش سواتها.. مع شينها قوات عينها بعد عفراء مازالت تتمسك به بكل قوتها.. لأنها تعلم أنها ما أن تفلته قد يركض لابنتها ليكسر بابها عليها.. فكسّاب حين يحتد غضبه لا يفكر مطلقا همست عفراء برجاء أشد حرارة: خلني أنا أشرح لك يأمك ترا الثنتين اللي مع جميلة أنا وأختك مزون حينها تصلب جسد كسّاب بعنف وخالته تكمل حديثها: وترا غدانا كله كان بـ250 يمه.. بس أنا اشتريت لك من نفس الكوفي سلة الشوكلاته ذي قصدي اللي بقي منها.. واشتريت سلة فخمة عشان تحطها في مكتبك الجديد لضيوفك اللي بيجون يباركون لك عطيت بطاقتي لجميلة عشان تدفع وأنا ومزون رحنا للحمام هي نست رقم البطاقة.. وانحرجت.. وهي تتكلم مع البنت اللي على الكاشير جاء صاحب المحل.. ارتبكت أكثر وصارت تقلب في شنطتها تدور فلوس فطاحت من شنطتها بطاقتك اللي فيها كل أرقامك اللي أنت معطينا إياها.. فصاحب المحل شاف الاسم وسأل: وش يقرب لك كسّاب آل كسّاب؟؟ فهي قالت ولد خالتي.. فحلف ما تدفع شيء.. فانا جيت وأصريت أدفع وما رضى.. والمشكلة إني قبل ما نروح الحمام ناديت السواقة عشان تأخذ السلة توديها السيارة أو كان رجعناها.. وللعلم إحنا كنا مجهزين الفلوس في ظرف بنخلي السواقة توديها الحين.. بس أنت جيت الله يهداك هداد علينا بعد ذلك بقليل عفراء تصعد لابنتها.. تطرق الباب الموصد عليها همسها الخائف الباكي: من؟؟ عفراء بحنان: أنا يا جميلة.. كسّاب راح خلاص فتحت الباب وهي تشهق: بيذبحني يمه.. بيذبحني.. عفراء تمسح شعرها بحنان: ترا كسّاب يعتذر منش ياقلبي.. ويقول العصر بيجيب لش هدية ماجا لبنت في الدوحة مثلها رضاوة لش حينها ارتفعت شهقاتها: ماأبي منه شيء ما أبي شيء.. قولي له لا يجيب شيء عقب اللي هو سواه كله يبي يجيب لي هدية.. ما أبي منه شيء.. ما أبي منه شيء.. عفراء تحتضنها بحنو: خلاص يأمش.. خلاص.. لا تزعلين جميلة تبكي: إلا بأزعل وبأزعل.. والله العظيم لو إنها مزون اللي صاير معها نفس الموقف.. حتى لو كان زعلان عليها وما يكلمها إنه ما يسوي لها ذا السالفة كلها.. إيه بنت بطن و بنت ظهر عفراء تهدهدها بحنان مصفى: يامش ياجميلة.. عيب ذا الكلام.. كساب شايفش أخته الصغيرة وهذا من خوفه عليش جميلة ترفع رأسها وتهمس بغضب بصوتها المبحوح: لا والله خايف علي؟!! قصدش خايف على برستيجه قدام الناس.. وإلا أنا بالطقاق.. عفراء صمتت وهي تحتضنها وتمسح على شعرها.. لأنها تعلم أنها إن بقيت تحاورها وهي في حالة الغضب هذه فهي لن تقتنع مطلقا مع عناد المراهقين المتزايد لديها وخصوصا مع تحسسها الغريب والمضاعف من وجودهم في بيت زوج خالتها.. فهي مع اضطرارها أن تغطي وجهها عن زايد الذي كانت تشعر به كأب فعلي لها.. وإحساسها بالغربة يتزايد ويتزايد حتى خنقها فمهما كانت تشعر به كأب.. فهو لم ولن يكون والدها يوما.. فوالدها الذي لا مثيل له بين الرجال رحل... رحل رحــــــــــــــل!! وحتى زايد ماعادت تستطيع تقبيل رأسه أو دفن وجهها في كتفه لتشتم عبق رائحة دهن العود الدافئ التي طالما عشقتها فيه لتمثل لها رائحة الأب الوحيد الذي عرفته.. حتى هذا الأب المبتور.. استكثر نفسه عليها!! أ كلهم لابد أن يرحلوا ويتركوها؟!! كانت الأفكار المتناقضة تتنازع روح جميلة المراهقة..وهي تستكين لصدر والدتها لتهمس بخفوت ووجهها مختبئ في صدر أمها: يمه أبيش توديني بكرة للدكتورة عائشة صقر تسوي لي برنامج ريجيم عفراء بدهشة عميقة: ما يحتاج يمه ريجيم.. جسمش حلو ويجنن جميلة بغضب طفولي: إلا أحتاج.. أنا دبة..دبة.. دبة هل أردتِ أيتها الصغيرة شيئا تدفنين فيه فوضى التفكير؟!! تشغلين نفسك فيه؟!! أم أن هناك شيئا آخر؟!!! ******************************* قبل أكثر من سنة "بسش وقفي ذا الرجيم والرياضة... جننتيني.. خلاص صرتي جلد على عظم" جميلة تركض على جهاز الجري وهي تشير لخصرها النحيل الشديد الضمور: يمه ما تشوفين ذا الكرش كلها.. تكفين خليني على راحتي عفراء بغضب ووجع: أي كرش يا غبية.. أنتي عمياء.. وحدة مثلش طولها 165 وزنها 42 وتقولين لي كرش.. قبل عشرة أشهر " أنا حجزت لش موعد مع الدكتورة" "أي دكتورة؟؟ وموعد لويش؟؟" عفراء بحزم: الدكتورة اللي ألف مرة قلت لش بنروح لها وأنتي مني براضية جميلة بعناد: ولحد الحين ما أنا براضية.. وش اللي تغير عفراء بغضب كاسح نادرا ما رأتها جميلة فيه وهي تمسك عضد جميلة النحيل بقوة: ورب العزة والجلال لو مارحتي معي برضاش.. لأدعي كسّاب يشلش للسيارة غصب جميلة بجزع: بأروح يمه بأروح.. بس تكفين عيال خالتي لا تدخلينهم في شيء يخصني.. تكفين قبل خمسة أشهر "جميلة ياقلبي.. الدكتورة تقول الأحسن لو نروح لمصحة برا بأكلم كسّاب يحجز لنا" جميلة تنتفض رفضا: لا لا لا... أولا مافيني شيء يستلزم السفر ثاني شيء حتى لو فيني أموت ولا أروح مع كسّاب.. تبينه يتمنن علي وإلا يقعد يمسخرني في الطالعة والنازلة عفراء برجاء: زين علي.. جميلة بذات العناد: ولا علي.. ولا حتى عمي زايد.. مانبي نثقل على احد مهوب كفاية مستحملين غثانا ذا السنين كلها عفراء بعناد مشابه: مهوب على كيفش بتسافرين يعني بتسافرين ورجلش فوق رقبتش جميلة بحزم مجنون: سويها عشان أهج من البيت ولاعاد تشوفين وجهي والله العظيم لأهج من البيت يائس هو الإنسان المصلوب بين قسوة أحبابه وبشاعة استخدامهم لسيطرتهم على قلبه.. حربٌ.. كل الاطراف فيها خاسرة!! اليوم صباحا عفراء تستعد لإخبار جميلة بخطبة علي لها.. توترها يغتالها كم تمنت أن تحتفل بابنتها الوحيدة في ظروف طبيعية وخصوصا أنها سعيدة بالفعل أن يكون نصيبها مع علي بالذات فعلي رجل حقيقي.. حنون ومتفهم وتعلم أنها تستطيع أن تأتمنه على فلذة كبدها بكل ثقة ولكن فرحتها بابنتها مبتورة وقاصرة.. عروس يُعقد قرانها في مستشفى لتسافر شهر عسلها على نقالة طبية!! تتمنى فقط أن ينتهي كل هذا على خير ليعودوا جميعا للدوحة وجميلة استعادت عافيتها بمشيئة الله "يمه.. يــ ــمـــ ــه.. خليهم يشيلون ذا المغذيات اللي تنفخ عني" للتو صحت جميلة وهمست بصوتها المتقطع ارهاقا عفراء ابتسمت وهي تميل على صغيرتها وتمسح شعرها بحنان مصفى: اليوم يوم خاص.. طالبتش ما تقولين شيء ولا تعترضين على شيء جميلة بتساؤل مبهم خال من الحماس: ليش خاص؟؟ عفراء بابتسامة دافئة: علي طلبش مني.. ولو وافقتي تملكتوا اليوم عشان يسافر معنا بكرة للمصحة في فرنسا.. جميلة شهقت بعنف.. ثم كحت لتستطيع سحب أنفاسها.. وهمست بدهشة عميقة متوترة: علي يمه؟؟ علي ما غيره.. علي عمره مابين إنه يبيني.. ثم حاولت بفشل ذريع تجاوز دهشتها العميقة وتوترها الأعمق لأسباب خاصة بها وهي تهمس بغضب: وبعدين أنا مابي أسافر.. ما أبي أسافر.. غصب هو عفراء بتوتر: أول شيء علي هو اللي أصر عليش بنفسه.. والسفر عمش زايد اللي حجز وملزم تسافرين وإلا تبين تزعلينه؟!!.... جميلة بهمس متعب وأفكارها تطوف في دوامات هائلة: وعمي زايد موافق على زواجي من علي؟؟ عفراء بحنان وهي تمسح على شعرها: أكيد موافق همست حينها جميلة بنبرة محايدة قدر ما سمح لها تعبها وتوترها وفوضى تفكيرها: خلاص كيفكم يمه.. اللي تبون سووه.. لا تعلم مابها.. تشعر كما لو أنها تنفصل عن ذاتها.. ماعاد يهمها شيء.. فهي تشعر أنها توشك على مغادرة الحياة فهل يختلف إن غادرتها آنسة أو زوجة لعلي؟!! أو إن غادرتها في الدوحة أو فرنسا؟!! المهم أن تكون والدتها وعمها زايد راضيين ماذا بقي لها يربطها بالحياة سوى رضاهما؟!! لا تنكر أنها في داخلها وفي عقلها الباطن.. تمنت أن تتزوج أحد ابني خالتها لسبب وحيد هو أن يصبح زايد والدها فعلا.. لتستطيع حينها الارتماء في حضنه بلا قيود هكذا كان تفكير جميلة هذا الصباح فقط... فمالذي تغير مع خليفة؟؟ ما الذي تـــغـــيــــر؟!! *********************** صالة بيت فاضل بن عبدالرحمن بعد صلاة الظهر يدخل فاضل وابنه عبدالرحمن عائدين من المسجد.. يستند فاضل على ذراع عبدالرحمن.. رغم أنه في غير حاجة للتسند.. فأبو عبدالرحمن في أواسط الخمسينات ومازال يتمتع بصحة رائعة فهو شديد الاهتمام بالأكل والمشي عدا عن تولعه برياضة الصيد بالصقور التي لم يأخذ عنه تولعه فيها سوى ابن أخ زوجته تميم.. وهاهما الأب والابن يتهاديان.. بينهما شبه كبير.. ومن يراهما يعلم فورا القرابة بينهما.. طويلان.. ممتلئا الجسد.. لون بشرتيهما يميل لبياض بحمرة لطيفة.. لهما إطلالة رجولية جذابة.. وكلاهما يرتديان نظارة طبية!! ولكن إن كان أبو عبدالرحمن ارتداها قبل سنوات لضعف في بصره.. فإن عبدالرحمن لا يعاني أي مشاكل في النظر ولكنه اعتاد على لبس نظارة للحماية حين بدأ يُكثر من الجلوس أمام شاشة الحاسوب حين كان يُعد اطروحة الدكتوارة.. ثم اعتاد بعد ذلك عليها!!! فاضل مولع كثيرا بابنه عبدالرحمن.. فهو ابنه الوحيد الذي لم يرد الله لزوجته أن تسنده بآخر بعد أن أصيبت بمشاكل خلال ولادة شعاع أدت لتطورات أدت للعقم لا ينكر أبو عبدالرحمن أن شبح الكثير من الأبناء الذكور يسندون كبره وشيخوخته ظل حلما يطارده بلا هوادة.. ولكنه كان يقمع دائما هذه الأفكار.. ليس من أجل أم عبدالرحمن ولا بناتها ولكن من أجل عبدالرحمن.. وعبدالرحمن فقط!! كره أن يؤذي مشاعر عبدالرحمن بإحضار زوجة أب ثم بإنجابها أولاد آخرين قد يشاركون عبدالرحمن في محبته التي يجب ألا يشاركه فيها أحد.. ويجب أن تكون خالصة له وحده.. حينما سافر عبدالرحمن قبل سنوات للدراسة كاد يجن من الشوق له.. ولكنه مطلقا لم يحاول منعه من تنفيذ رغبته.. فرغبات عبدالرحمن كالسيف الذي لا يمكن معارضته أو حتى النقاش فيه ثم أنه كان يجد له سببا ليزوره كل شهر.. رغم كراهيته الشديدة لتلك البلاد بعيدا عن أبله وصقوره وهاهما يدخلان إلى البيت ليجدا جوزاء وشعاعا جالستين في الصالة السفلية.. تقفزان فور دخولهما احتراما لهما بينما يصرخ أبو عبدالرحمن: اشعيع ووجع.. روحي جيبي القهوة.. وتعالي قهويني أنا وأخيش.. تسارع شعاع للتنفيذ بينما يستوقفها عبدالرحمن ويشدها وهو يقول لوالده باحترام: وش قهوته يبه طال عمرك.. ماعاد إلا الغدا.. مهوب زين لك القهوة على كل حزة يبتسم أبو عبدالرحمن ليهمس بمودة عميقة : إن شاء الله يأبيك.. على خشمي ولو أني مشتهي القهوة يجلس فاضل وعبدالرحمن وهو مازال ممسكا بشعاع ويجلسها جواره.. تهمس له شعاع بمرح خفيض في أذنه: خلني أقوم قدام يلاقي أبيك سبب يكوفني عشانه يهمس لها عبدالرحمن في أذنها بذات المرح: ياسلام على أبيك ذي.. ليه هو أبي بروحي يعني؟!! شعاع بذات المرح المنخفض: الظاهر كذا.. وأنا وجوزا جينا بالغلط قاطع حديثهما صراخ أبي عبدالرحمن: اشعيع ياللي ماتستحين قومي ضيقتي على عبدالرحمن عبدالرحمن احتضن كتف شعاع وهمس بمودة: شعاع عصفور ما تضيق على حد بينما كانت شعاع تفلت يد عبدالرحمن من كتفها برقة وتنهض لتجلس جوار جوزاء أبو عبدالرحمن بابتسامة: هذا أنت قلتها عصفور.. يعني مافيها فود.. ماحتى هي بحبارى ولا أرنب نعشيها الطير شعاع تهمس في أذن جوزاء بمرح لا يعرف هل هو مقصود أو موجوع: خوش إب.. يبي له أرنب وإلا حبارى بدالي ثم أردفت شعاع بدات المرح الموجوع الهامس وهي تمسح على شعر حسن الجالس على رجلي جوزاء كالعادة وهي تبقيه ملتصقا بها لا تعطيه فسحة للتنفس: زين إنش جبتي ولد... هذا أبي يحب حسن الحمدلله.. لو جبتي بنت مهوب بعيد يحذفش أنتي وإياها.. جوزاء تهمس في اذنها بغضب: لا تبهتين أبيش.. صحيح أبي قاسي علينا شوي.. بس عمره ماقصر علينا.. أنا حتى يوم كنت عند عبدالله الله يرحمه كان كل ماجيتكم زيارة يحلف إلا يعطيني فلوس.. مع أني أحلف بس هو بعد يحلف شعاع بسخرية مرة عميقة الوجع: والأبوة فلوس وبس؟؟!!! ****************************** الكورنيش بالقرب من رأس النسعة دار كساب طويلا.. قبل أن يخطر هذا المكان بباله كان يعلم أن هذا هو مكان علي المفضل للجلوس ولكنه لم يتوقع أنه قد يجلس هنا في هذا الجو الحار الملتهب وعند الظهر تماما!! مشروع ضربة شمس قاتلة باقتدار!! اقترب من الخيال الأبيض حتى أصبح خلفه تماما وضع يده على كتفه.. لم يتحرك مطلقا ولم يلتفت همس كساب بود عميق: علي .. قوم نرجع البيت.. بتجيك ضربة شمس على ذا القعدة همس علي بهدوء خالص: توني جاي من صلاة الظهر.. مابعد لي واجد وأنا قاعد هنا كساب بذات الود: خلاص ماتبي نرجع البيت.. قوم نروح لمكان ثاني نتكلم شوي!! علي بذات الهدوء الروحي المصفى: كسّاب لا تحاتيني.. ماحد يأخذ إلا نصيبه وأنا عمري ما اعترضت على شيء كتبه ربي ما أنكر إني متضايق واجد.. بس شوي وأروق يأخيك كسّاب بحنان عميق مختلف عن شخصيته الحالية : يأخيك مابعد صار شيء وأنا متأكد مليون في المية إن جميلة مستحيل تختار حد عليك كان كسّاب مازال سيتكلم لولا انه قاطعه رنين هاتفه.. التقطه بسرعة وهو يرى المتصل: بشّر يبه .............. - ويش؟؟.. ويــــــش؟؟؟ اللي ما تستحي.. ناكرة الجميل.. الكــلــبــة (صراخ كسّاب الغاضب يتعالى) .................. - إلا بأقول.. وأقول.. وأقول.. ذا العرس مستحيل أخليه يتم تعيي من أخي..عشان تاخذ كلب مثلها ماحتى تعرفه كان كساب ينهي الاتصال.. وهو على وشك الركض للمستشفى.. لولا اليد القوية التي أمسكت به والصوت الهادئ العميق الذي همس له: والله ثم والله ماتسوي شيء.. ولا تقول شيء مستكثر على جميلة حقها في الاختيار؟!!! هذا أبسط حق من حقوقها.. هذي بنت يتيمة ومريضة.. ومستحيل أخلي حد يجبرها على شيء ولو حاولت أنت تجبرها.. أنا بأوقف في وجهك يعني أنت متمنن عليها إنه حن راعيناها ذا السنين..؟!! راعيناها لأنه حن كنا محتاجينهم أكثر ماهم محتاجينا أشلون كان قدرنا نعيش من غير خالتي عفرا؟!! كسّاب بغضب ملتهب وكأنه لم يسمع شيئا: هدني يا علي.. هدني خلني أوريها شغلها.. تظن إنها طلعت من شورنا؟؟ تبي تختار عليك.. تختار عليك أنت.. هدني.. هددددددددني هددددددددددني علي يمسك به بقوة وهو مازال يهمس بهدوء: امش نروح لسيارتك خلنا نتكلم على قولتك.. كساب يحاول التفلت وهو يصرخ بغضبه العميق: خلني أوريها شغلها وعقبه نتكلم علي بدا صوته يعلو بارتعاش موجع: أنا حلفت ياكسّاب.. حلفت تبي تفجرني؟؟ .. تبي تفجرني؟؟ (يفجر= لا ينفذ الحلف) هذي حشمتي عندك؟!! خلاص يا كسّاب.. جميلة لو كانت آخر بنت في الدنيا طابت النفس منها جميلة اختارت حد غيري ياكساب.. اختارت حد غيري السنين اللي مضت كلها ما كان لها قيمة عندها 19 سنة ضاعت قدام كلمتين قالها لها ولد عمها على ويش أتحسف ياولد أمي؟؟ على ويش؟!! *************************** "يا الله قولي لي وش اللي مزعلش؟؟" انتفضت كاسرة بخفة ثم ابتسمت وهي تهمس بعذوبة : ومن اللي قال لك إني زعلانة فديت عينك؟؟ الجد بعمق: بتدسين على أبيش ياكاسرة؟!! أعرفش أكثر ماتعرفين روحش.. زعلانة وزعلش كايد بعد كاسرة احتضنت عضده ووضعت رأسها على كتفه وهمست بعذوبة مصفاة مغلفة بحنان عميق: مافيه شيء جعل يومي قبل يومك الجد بحنان عميق: إلا يومي أنا قبل يومش.. وش حياتن ماأنتي بفيها يأبيش.. أمحق حياة.. كني ميت وأنا حي جعل ربي ما يقوله هتفت كاسرة بجزع: إلا جعل ربي ما يقوله.. تبي تروح وتخليني ياجابر؟؟ أهون عليك؟؟ الجد برجاء حازم: ها والله إنش زعلانة..كاسرة والله لما تقولين لي الصدق ذا الحين إن قد أزعل ليش.. لا تستطيع أن تخفي عليه شيئا وخصوصا حين يتكلم بهذه النبرة التي تذيب قلبها أو حين يهدد أنه سيغضب منها لذا همست بطبيعية قدر ماتستطيع وهي تهز كتفيها: امهاب ضربني أنا ووضحى ثم أردفت وهي تستدرك بسرعة: بس حن اللي غلطانين يبه.. نستاهل ليس من طبع كاسرة أن تُركب نفسها الخطأ وخصوصا حين تعلم أنها على حق وصاحبة حق.. وكان صعبا عليها لأبعد حد أن تقول لجدها أنها من أخطأت لدرجة أنها تستحق الضرب ولكنها فعلت ذلك من أجله.. من أجل هاتين العينين الغاليتين لم ترد أن تغضبه أو تكدر خاطره.. أو تجعله يعنف مهابا من أجلهما فهي قادرة على التصرف مع مُهاب بطريقتها الخاصة.. المهم ألا يضايق جدها أدنى شيء ولكن محاولتها لم يكن لها فائدة لأن الجد انتفض بشكل مفاجئ وهو يبحث عن عصاه ليتوكأ عليه وهو يصر على أسنانه بغضب عميق: الخاسي.. وينه.. وينه؟؟ يضربكم وانا عادني حي..إجل إذا متت وش بيسوي فيكم وإلا ماعاد لي قدر ولا حشيمة؟؟ كاسرة تناست كل شيء عدا عبارة واحدة: كم مرة قلت لك لا عاد تجيب طاري الموت الجد غاضب وموجوع: دقي على امهاب خله يأتي ذا الحين كاسرة برجاء عميق: حلاص يبه فديتك.. موضوع وانتهى.. وقلت لك إنه حن اللي غلطانين وخذنا المقسوم الجد بإصرار غاضب: قلت لش دقي عليه الحين.. يعني دقي عليه ذا الحين ************************** مستشفى حمد غرفة جميلة زايد الموجوع أبدا الظالم والمظلوم ذهب ليحضر الشيخ ليملك خليفة في أسرع وقت.. ليستخرج عقد الزواج في الغد قبل سفر جميلة مزون وصلت لتصدم بالاخبار التي روعتها وهاهي تجلس صامتة في الزاوية تشعر بغثيان حقيقي وعيناها زائغتان.. بينما عفراء تهمس بحزم في أذن ابنتها: جميلة.. أنتي عارفة وش سويتي؟؟ اخترتي واحد ما تعرفينه على علي.. علي ياجميلة عـــلـــي هذا زواج يا بنتي.. زواج وبتملكين الحين ولا تقدرين تراجعين عقبها زواج يا بنتي زواج مهوب لعبة.. جميلة بصوتها المبحوح المتقطع وهو تحاول تركيز النظر لوالدتها بنظرها الذي ضعف مع المرض: أدري يمه إنه زواج.. وأنا خلاص أبي خليفة عفراء تلقي سلاحها الأخير والأخطر: جميلة لو خذتي خليفة.. ماني برايحة معش فرنسا إذا أنتي مستعدة تروحين معه.. أنا ماعندي استعداد أروح مع واحد ما أعرفه جميلة صمتت للحظة وهي تصارع أفكارها وجنونها: بكيفش يمه عفراء انهارت جالسة على الكرسي.. لم يخطر ببالها أن جميلة قد تختار هذا الخليفة المجهول حتى عليها.. على أمها!!! كيف ستتركها تسافر لوحدها مع رجل غريب وهي بهذا الوضع الصحي المزري؟!! كيف؟؟ كــــيــــف؟؟ ألقت هذه الكلمة وهي شبه متيقنة أن ابنتها يستحيل أن تسافر دونها كانت متأكدة إن هذا السلاح سيجعل جميلة تتراجع عن جنونها المتمثل في الموافقة على خليفة وإذا بها تتورط مع ابنتها ومع جملتها!!! ************************** "أنا ما أبي عبدالرحمن ما أبيه تكفى ما تغصبني ولا تحطها في الشيمة لأنك تدري بغلاك.. فلا تستخدم غلاك سلاح ضد أختك" تنهد مهاب بعمق.. يبدو أنه سيحتاج للكثير من اللف والدوران: ياقلبي يا وضحى ما يصير تقررين مصير في دقايق اخذي وقتش وفكري وما عليش من غلاي.. لأنش عندي أغلى وضحى بحزم رقيق: عبدالرحمن ماينفع لي ولا أنفع له مهما حاولت أنسى أو اتناسى.. شبح كاسرة بيظل بيننا أنا وعبدالرحمن مشروع زواج فاشل والمشاريع الفاشلة الأحسن الواحد ما يناقش فيها طول عمري حاطة في بالي عبدالرحمن وقباله كاسرة مايصير أحطه قبالي أنا.. والله العظيم مايصير ولا حتى تركب الصورة مهاب يستعد للمغادرة وهو يلتقط هاتفه الذي يرن.. سينهي الجولة ولكن ليس الحرب.. يهمس بحزم: إذا بغيتي الصورة تركب.. بتركب يا وضحى بتركب!! ************************ "خليفة يأخوي من جدك هاللي سويته؟!! أنت في كامل قواك العقلية البنية يقولون لك تعبانة ويمكن تموت كان خليت ولد خالتها هو اللي ياخذها السالفة مافيها لعب" "جاسم اسكت عني الله يلعنك يا أبليس والله ما أدري وش هببت وش هببت؟!!" انتهى عقد القران انتهى أصبحت جميلة زوجة لخليفة المصدوم الذي لابد أن يبدأ بالتجهيز للسفر معها غدا فقط هو وهي هـــــو و هــــــــي فقط #أنفاس_قطر# . . . مع نهاية أجزاء هذا الأسبوع سنطوي مرحلة من بين الأمس واليوم أجزاء الأسبوع القادم سنبدأ فيها مرحلة جديدة أكثر إثارة وعمقا سنتعرف على آخر عائلتين في بين الأمس واليوم عائلتان مثيرتان جدا الأسبوع القادم سنبدأ بالتعرف على كاسرة من الداخل ومع نهاية الأسبوع سنقفز لذروة الإثارة مع شخصيتين من الشخصيات الجديدة فإلى الملتقى بإذن الله ومشيئته . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع "تضربني يبه؟!! ما عمرك سويتها حتى وأنا بزر تضربني وأنا رجّال في الثلاثين" " ويوم أنك رجّال موجعك أني ما حشمت الثلاثين سنة اللي فاتت من عمرك أجل اللي فات من عمره أكثر من 90 سنة ولا له حشمة ولا قدر.. وش يقول؟؟" كاسرة المبهوتة من صدمتها لهول ماحدث أمامها تحاول أن تقف على الحياد وتجد نفسها مجبرة على الإشاحة بنظرها حتى لا تقابل نظر مُهاب.. ومشاعر متضادة تصطرع في أعماقها وجع.. انتصار.. خيبة.. ومن المؤكد كثير من الألم المتزايد الذي جثم على صدرها.. لم تكن تريد مطلقا أن تختبئ خلف جدها ليأخذ لها بحقها ولم تكن حتى تتوقع أبدا أن هذا الرد الحاد الموجع قد يكون ردة فعله على مهاب لو كانت تعلم كان يستحيل أن تتصل بمهاب وتطلب منه القدوم لمقابلة جدها.. لا تنكر أنها شعرت بشيء يشبه السعادة وهي ترى جدها يصفع مهابا قد لا تكون صفعته بقوة صفعة مهاب لها ولا حتى نصفها فالجد عاجله بصفعة قدر ماسمحت له قوته وضعف بصره بينما كان مهاب ينحني عليه ليقبل رأسه ولكنها تعلم أن ألم الصفعة النفسي أكثر بكثير من الألم الجسدي وعلى الطرف الآخر أيضا لا تستطيع منع نفسها من الإحساس بكثير من الألم الثقيل الوطأة .. وهي ترى أخيها الأكبر في هذا الموقف وهو يؤخذ على حين غرة وبدون توقع وبهذه الصورة المهينة التي لم تعتد على رؤية مهاب المهاب فيها (ينحني على جده ليقبله فيعاجله بصفعة!!!) قد لا يكون فعليا شعر بأي قوة لهبوط الكف الذاوية على خشونة عارضه ولكن هذا على كان على مستوى القياس الجسدي الاعتيادي ولكن على المستوى الروحي كان الألم غائرا لأبعد حد كما لو أن والدك يضربك لأنك ضربت أبنائك والأبشع لو كان أولادك يشاهدون كيف ستستطيع بعدها النظر لأولادك؟!! كيف سيستطيع بعدها النظر لكاسرة؟!! هتف مُهاب بحزم دون أن ينظر ناحية كاسرة: كاسرة اطلعي برا وسكري الباب وراش ربما في موقف آخر كانت كاسرة لترفض ولكنها الآن شعرت أنها تريد لها سببا للهروب منحه لها مهاب لذا انسحبت بصمت مثقل بوجع شفاف غير مفهوم وهي تغلق الباب وراءها مُهاب جلس بجوار جده ثم التقط كفه وقبلها ولكن الجد انتزع كفه بحدة في الوقت الذي كان مهاب يهمس باحترام: يبه يوم أنك يوم دعيتني ناوي تضربني.. كان على الأقل قلت لكاسرة تروح لحجرتها وعقبه سو فيني اللي تبي إن شاء الله تذبحني.. يبه كاسرة بالذات يالله قادر احكمها أشلون عقب ماضربتني قدامها الحين قويت رأسها علي.. وهي أصلا رأسها قوي.. الجد بثبات غاضب: ضربي لك ما يعيبك.. لكن يعيبك ضربك لأخياتك اليتامى وكاسرة منت بعاجز فيها وأدري إن كاسرة على غلاها عندي يمكن تحد الواحد على ضربها بس وضيحى وش سوت عشان تضربها مهاب بهدوء نادم: اللي صار يبه.. غلطت وضربتهم وأنا بحل الموضوع ومالك إلا الرضا طالبك ما تشيل بخاطرك علي.. الجد بعمق: أمنتك الله يا امهاب ماتضيم حد منهم.. أنا شيبة رجلي في القبر سمعي ثقيل وشوفي ثقيل وحركتي يا الله يا الله ماعاد باقن لي الا ذا الحشمة.. احشمني في بنياتي..ترا مايهين المره إلا الرخمة وانت منت برخمة ياأبيك.. إلا رجّال وشيخ الرياجيل لا تقهرهم ولا تغصبهم على شيء ما يبونه.. ترا ذي وصاتي لك.. والوصات ثقيلة يأبيك مهاب بعمق مشابه وهو يميل على رأس جده ليقبله: أبشر يبه.. أبشر **************************** بيت آخر في الدوحة أسرة أخرى.. هم آخر !! تتمدد على سريرها.. بطنها على السرير.. تستند على كوعيها لتقرأ في مجلة.. وساقاها الملفوفتان في بنطلون بيجامة زهرية تتلاعبان ذهابا وعودة كانت مستغرقة تماما في القراءة.. لذا لم تنتبه لمن دخل حتى شعرت بقوة ضربته على ساقها تلاه صوته الغاضب: كم مرة قايل لش ذا السدحة ما تنسدحينها والباب مفتوح.. هذا أولا ثاني شيء الحين عقب صلاة الظهر وأنتي عادش لابسة بيجامتش.. لو إبي اللي داخل عليش الحين وش كان سويتي؟؟ توقفين قدامه وأنتي متشنقطة بذا السروال؟؟ حينها قفزت الشابة ليتناثر شعرها المصبوغ بالأشقر الداكن على كتفيها في لفات طبيعية حول صفحتي خدين ناصعي البياض لدرجة الإشراق وهي تنفخ في جيبها وتهمس بطريقة مصطنعة: يالله سكنهم مساكنهم... هما بيطلعوا أمتى دول على قولت أمي.. صبيت قلبي يا غنوم حينها هتف غانم بجدية: كم مرة قايل لش غنوم ذي ما أبي اسمعها... نعنبو صار عمري 27 احترميني شوي حينها همست بخوف مصطنع: يمه خوفتني... شوف يدي أشلون ترجف... شوفني خلاص بانهار.. بانهار... خلاص انهرت!! قالتها وهي تلقي بنفسها على السرير وتخرج لسانها كله للخارج وتغمض عينيها في إغماء مسرحي مضحك حينها ابتعد غانم خطوة وهمس بقرف باسم: الله يقرفش.. دخلي لسانش يا الوسخة.. حينها همست وهي مازالت على نفس الوضعية ولسانها يتدلى للخارج: أنا مغمي علي.. أشلون أدخل لساني... ابتسم غانم لجنون شقيقته ثم قال بجدية: قومي سميرة.. بدلي ملابسش وانزلي لأمي.. محتاسة مع البزارين.. جننوها.. حينها قفزت سميرة وصاحت بغضب حماسي مضحك: أما أمك هذي غريبة.. اللي مثلها المفروض تقول يالله حسن الخاتمة... مهوب يوم صار عمرها خمسين رايحة تجيب بزرين على آخر عمرها والمشكلة ماعاد فيها حيل تبزي... اخذي ياسميرة وابزي.. جابت أول شيء القرد صويلح.. قلت يالله خطأ مطبعي.. ما نشره على الشيبان لكن عقبها على طول ترجع وتحمل وتجيب السحلية مهاوي... هذي عاد متقصدة هي وشايبها... ومن زين الانتاج بعد.. صدق انتاج شيبان مخبطين... شواذي يلوعون الكبد... قال بزران قال... هذولا آفات.. حينها انفجر غانم بالضحك: وهذا كله شايلته في قلبش يا حرام...يا مظلومة... حينها ابتسمت سميرة: إيه وش عندك اضحك.. على طقم السنون اللي يلمع هذا ولا ابتسامة نجم سينما غانم يضحك: الله أكبر يأم عيون... سميرة بمرح: عدال يا غنوم... ترا كله إلا سنون تركيب.. وش بأنظل عاد ثم أردفت سميرة بخبث لطيف وهي تخفض صوتها وتلتصق بغانم: إلا غانم صدق صدق.. اللي تكسرت سنونك عشانها .. تستاهل إنك تهاد عشانها.. ويكسرون بظمك الشين بعد؟؟؟ حينها أبعدها غانم عنه بغضب: كم مرة قايل لش ذا الموضوع ما تفتحينه... الشرهه علي إني علمتش.. المفروض خليتها هدة شباب وبس... وما قلت لش السبب سميرة باستجداء مرح: غانم حبيبي.. غنومتي تكفى... بأموت أبي أدري.. شوف كم لك معلمني ثلاث وإلا أربع سنين يمكن... والله ماحد درا بس أبي أدري هي حلوة تستاهل إن غنوم الجنتل يحوسون وجهه عشانها... تكفى فضول بنات... تهون عليك سميرة حبيبتك حينها غادر غانم دون أن يرد عليها.. ليقف عند الباب ويهمس بحزم: لا تأخرين على أمي... محتاسة بين الاثنين وماعندها حد من الخدامات... بسرعة انزلي... بعد دقائق تنزل سميرة لتجد والدتها تحمل الصغيرة ذات الأشهر الثلاثة على ساقيها.. والصبي الذي أكمل عامه الأول للتو تهزه على مقعده الهزار وصراخه يتعالى.. سميرة تنحني لتقبل رأس والدتها ثم تتناول صالح من مقعده لتجلسه في حضنها وهو تحتضنه بحنو وتوزع قبلاتها على وجهه ويديه وهي تهمس بحب شاسع : (يا لبي قلبه.. يهبل ياناس.. من وين ياكلونه ذا السكر ذا) وهي تتناسى كل شتائمها في الأعلى قبل دقائق همست والدتها بتعب عميق: زين جيتي.. تعبانة خالص...هلكوني سميرة برقة: والخدامات وينهم؟؟ غانم جايب لش ثنتين حق البزارن بس.. وما تخلينهم حتى يمسكونهم.. أم غانم بإرهاق: دول لسه لحمة حمراء.. أزاي أخلي الخدامات يبزونهم حينها انفجرت سميرة ضاحكة: أما عاد يمه (أزاي يبزونهم) ذي... مافيها حيلة على قولت حمد السعيد.. ابتسمت أم غانم بتعب: الله يا بت.. لازم تعزربي بس.. انفجرت سميرة بضحك هستيري: (تعزربي؟؟) بس يمه تكفين... بطني.. بأموت "شوي شوي لا تموتين على روحش بس" التفتت سميرة لمصدر الصوت الباسم .. التفت لناحية الباب الذي يؤدي للمطبخ الخارجي حيث دخلت شابة لتنتزع جلالها ويظهر وجهها المحمر من حرارة الجو ابتسمت سميرة: هلا طماطة هانم أنتي ما تشبعين من قعدة المطابخ.. ما ألوم صويلح طردش من بيته... تقابلين المطبخ أكثر ما تقابلينه ابتسمت الشابة: أقله يوم رحت للرّجال مافشلت روحي.. بيضت وجهه في كرايمه وعزايمه أما أنتي الله يخلف على اللي بتاخذينه ما تعرفين حتى تسلقين بيضة لاعبت سميرة حاجبيها: بأسوي له كل يوم بديكير ومنيكير ويحمد ربه الشابة انحنت على والدتها وأخذت الصغيرة من يدها وهمست بحنان: يمه روحي أنتي نامي.. شكلش منتهية من التعب.. ولا تحاتين صلوح ومهاوي أم غانم بتردد: وعيالش يمه؟؟ الشابة بحنو: عيالي اليوم عند إبيهم ومهوب جايين الا في الليل ثم ابتسمت: وبعدين عيالي صاروا شيبان أصغرهم عزوز قرب يكمل خمس سنين.. أم غانم غادرت تسحب قدميها لغرفتها القريبة التي نقلتها للطابق السفلي بعد أن أصبحت عاجزة عن صعود الدرج بشكل متكرر بينما همست سميرة بخبث وهي تميل على أختها: وش عندش راضية على أبو العيال.. خليتيه يأخذ الشباب طول اليوم همست الشابة بغيظ: ياختي ما أبيه يلاقي سبب يدقدق علي (خليهم معي شوي) وانا عارفة إنه يتلكك عشان يكلمني بس.. قلت لخويلد يقول له إنهم اليوم بيقعدون معه لين في الليل حينها همست سميرة بمرح: ياحرام على الحركات يا ويلي يا ويلي ثم أردفت بابتسامة أكبر: اما يا نجول خسارة اسم اخي صلوح اللي سميناه على رجّالش رفعت نجلاء حاجبا وأنزلت الآخر: والله يا حبيبتي ما سميتوا صالح عشانه رجّالي.. لكن عشانه عاجبكم وبعدين يا حبيبتي ترا سماوة أبو خالد لحد الحين واقفة في حوشكم وهي اللي توديش وتجيبش سميرة تضحك: يه يه يه.. بتذلنا عشان رجالها عطانا سيارة سماوة عليه.. هذا أصلا أقل شيء يسويه.. يحمد ربه سمينا ذا القرد عليه.. قصدي الغزال (قالتها وهي تدير وجه صالح الصغير ناحية نجلاء وتعتصره بين سبابتها وإبهامها) نجلاء بغضب رقيق: هدي صلوح يالخبلة.. آجعتيه.. وبعدين لا عاد تقولين رجّالي.. ما أحب تذكريني سميرة تهز كتفيها: ويعني ولو ما قلت رجّالش.. بيغير من الوضع شوي.. لا هو اللي طلقش.. ولا أنتي إلا رجعتي نجلاء بحزم موجوع: مصيره يمل يطلقني.. سميرة بهدوء مختلف عن شخصيتها الصاخبة: يا خوفي يتزوج وهو معيي ومعند ما طلقش.. همست نجلاء بضيق شعرت به يكتم على أنفاسها فجأة: يعني سمعتي سالفة إنه يبي يتزوج؟؟ سميرة بهدوء : سمعت مثل ما سمعتي... إنه يخطب جوزاء أرملة أخيه.. أخت اشعيع بنت فاضل نجلاء بضيق متزايد تحاول كتمانه: غريبة إن صالح مانفذ وتزوجها أو تزوج غيرها .. لأن صالح ما يقول شيء إلا هو بيسويه فعلا لكن هي أو غيرها ما يهمني.. المهم يطلقني قبل ما يتزوج سميرة تبتسم: ماظنتي يطلقش.. أنا عمري ما شفت رجّال يحب مرته مثل ما صالح يحبش.. نجلاء بحزن عميق: أمحق حب يعرفه صالح.. وش الحبيب اللي يعاير حبيبه في الطالعة والنازلة.. سميرة انتفضت بغضب حاد مفاجئ: أمي تاج رأسه هو وهله وطوايفه.. أمي مهيب عيارة نجلاء بضيق عميق عميق: أكيد سميرة أمي مهيب عيارة.. بس لما يكون هو قاصد يعايرني ويهيني مستحيل أسكت.. تخيلي بكرة كل ما يعصب يقول لي قدام عيالي يا بنت المصرية.. لما كان يقولها على سبيل المزح.. مثل: خذتي هالحمار والبياض من خوالش المصريين.. كنت عادي أمشيها ولو أني ماعندي خوال بس صار كل ما يعصب علي يقول لي يا بنت المصرية.. كن مالي أب أو مالي اسم.. يعني مافيه يا بنت راشد ولا يا نجلاء ولا يأم خالد.. بنت المصرية وبس ثم بدأ صوت نجلاء بارتعاش: يعني ما حشم أني بنت عمه ولا أم عياله.. ولا عشرتنا ذا السنين اللي فاتت كلها.. خلاص مافيني أستحمل والله مافيني... عاد كله ولا عيشة مع رجال ما يحترمش ويحترم هلش.. حتى لو هو يذوب في الأرض اللي تمشين عليها سميرة ترفع عينيها لغانم الذي ينزل الدرج بثبات حازم وتهمس بخفوت: اقصري السالفة.. غانم نازل... لو درا ، مهوب بعيد ييتيم عيالش.. مجنون ويسويها ************************** بعد صلاة العصر.. خليفة يتجهز للسفر وهو لا يعلم حتى إن كانت تأشيرته ستنتهي في الغد كما وعده زايد يشعر كما لو أنه مخلوق آلي يتحرك بدون أي احساس هاهو يضع ملابسه في حقيبته.. يشعر كإحساس ضائع في لجة محيط مرعب فهو اعتاد دائما على التخطيط الدقيق.. والارتجال يربكه حين قرر الوقوف في وجه زايد كان مخططا بسيطا سينتهي برفض جميلة له ولكنه في ذات الوقت سينتهي بنوع من الرضى النفسي له لأنه استطاع أن يجعل غيره يشعر بما شعر به وغريب هو الإنسان الذي يجد في سلواه في رد الأذى عن نفسه أن يمارس ذات الأذية في حق الآخرين ولكن هاهو الآن رجل متزوج ومسؤول عن فتاة مريضة حمّلته والدتها مئات الرجاءات المبللة بالدموع: تكفى ياخليفة يأمك.. جميلة اختارتك حتى علي أنا اختارت ريحة إبيها فيك.. تكفى ما تخذلها جميلة مريضة واجد ووضعها صعب.. والحالة النفسية أهم خطوة في العلاج تكفى ماتخليها دقيقة ولا تحسسها بالغربة..جميلة عمرها مافارقت حضني دقيقة وتراها من رقبتي في رقبتك.. تكفى يامك.. تكــــفى.. تـــــــــــكفــــى صدى صوتها يتردد في كيانه المثقل.. ليختلط مع صدى صوت الطبيبة التي راح يستوضح منها عن مرض جميلة بالتفصيل ليزداد ضياعا على ضياعه..وارتباكا فوق ارتباكه: جميلة مصابة بمرض فقدان الشهية العصبي anorexia وفي مراحل متقدمة من المرض ووضعها متدهور يعني يأخ خليفة وبما أنك زوجها خلني أصارحك إن أم زوجتك تأخرت كثير في علاجها يعني المفترض على الأقل 6 شهور من بدء المرض تجيبها عندي لكن هي جابتها بعد سنة لأنها اعتقدت انه هذا مجرد ريجيم تعمله بنت مراهقة.. بينما بعد الست شهور فكرة النحافة تصير هوس عند المريض..ومهما نحف يظل يعتقد انه يحتاج للمزيد وبعد ذلك تأخروا في السفر لمصحة للحالات المتدهورة واللي انا لي زمان انصح فيها الآن انت قدامك مشوار صعب.. لأنه جميلة نفسها لازم يكون عندها رغبة قوية للعلاج وهالشي مش موجود.. جميلة لحد الآن مقتنعة إنها تعاني من السمنة وترفض الأكل .. ولازم أصارحك إن 70 بالمئة من العلاج بيعتمد عليك بما أنك الوحيد اللي بتكون معاها.. لازم تمسك العصا من النص تشد عليها عشان الأكل.. وفي نفس الوقت تكون حنون عليها.. ولازم تزرع فيها رغبة العلاج وتقنعها انها الآن نحيفة بطريقة ماتعزز الأنوثة عندها لكن تسلبها ولازم تقنعها إنك تحب الجسم المليان.. وماتحب الوحدة الهزيلة بهالشكل حينها انتفض خليفة بجزع: أنا؟؟ الدكتورة أكملت بابتسامة: أيوه أنت.. لأنه بما أنك زوجها .. فأكيد هي تبي تكون حلوة وجذابة في عيونك.. فلازم تعزز هالشيء عندها الشيء الثاني وعشان تكون على بينة.. مرض فقدان الشهية في مراحله الاخيرة يؤدي لتوقف الدورة الشهرية وفعلا دورة جميلة متوقفة من أكثر من 7 أشهر.. ورحلة العلاج راح تكون طويلة فعلا.. وبتستغرق وقت أطول لرجوع الدورة الطبيعية وهالشيء يمكن يأثر على الحمل حتى في حال شفاء جميلة إن شاء الله كان وجه خليفة يتلون بشتى الألوان والطبيبة تتحدث وهو يسب نفسه على إدخال نفسه في كل هذا.. حتى وصلت الطبيبة لموضوع الحمل ليمتقع لونه تماما ويهمس بحرج: أي حمل يا دكتورة؟!!.. خليها الحين ربي يشافيها على خير.. ولكل حادث حديث وهاهو يستعيد كل هذا في ذهنه وهي يرتب ملابسه بذات الآلية الرتيبة دون حتى أن ينتبه لدخول شقيقه جاسم عليه: "خليفة يأخوي من جدك هاللي سويته؟!! أنت في كامل قواك العقلية البنية يقولون لك تعبانة ويمكن تموت كان خليت ولد خالتها هو اللي ياخذها السالفة مافيها لعب" نظر خليفة لجاسم نظرة خالية من الحياة وهمس بسكون :جاسم اسكت عني ثم أردف بضيق: الله يلعنك يا أبليس..والله ما أدري وش هببت..وش هببت؟!!" جاسم يجلس على السرير وهو يشبك يديه أمامه بقلق: خليفة لو ماتت البنت عليك وانتو بفرنسا لا قدر الله أشلون تقدر تحط عينك بعين أبو كسّاب اللي قعد ساعة عقب الملكة يوصيك عليها جنه معطيك قطعة من يوفه... والله العظيم أني ظنيت انه مزوجك بنته موب بنت عمنا خليفة بقلق مشابه: لا تفاول ياجاسم إن شاء الله ما نرجع الا وهي مثل الحصان جاسم بحزم: خليفة لا تاخذك العزة بالأثم.. طلق البنت وخل أهلها يسافرون معاها مثل ماكانوا مقررين انتفض جسد خليفة بعنف ليقذف بالقميص الذي كان بيده داخل الحقيبة بحدة وهو يلتفت بغضب لجاسم: شنو شايفني عشان أسوي جذيه.. حرمة؟!! يمكن غلطت في تهوري.. بس خلاص جميلة صارت حرمتي.. وأنا الحين اللي مسئول عنها ومستحيل أتنازل عن مسؤلياتي لأحد.. ومستحيل أصغر نفسي قدام الرياييل.. جاسم يقف وهو يهمس بحزم: أنا بريت ذمتي خلاص وأنت بكيفك.. ***************************** "اشعيع ومرض.. سكري الدريشة لا أحد يشوفش" شعاع تلتفت لجوزاء وهي تهمس بملل: ليت حد يشوفني بس خير شر ماعاد تشوفين في ذا الشوارع حد مزيون.. يا سواق بنغالي والا هندية طاقة من بيت أهلها الظاهر وقفوا عن تصنيع المزايين على حظي.. جوزاء تجلس ابنها على حجرها وتهمس: زين يالزينة اللي تدورين المزايين ليش مادة البوز؟؟ شعاع بحماس غاضب: وضوح الكلبة ماترد على تلفوناتي جوزاء تهز كتفيها: وخير ياطير ماردت.. وش حارقش أنتي؟؟ شعاع بغضب لطيف: أشلون خير ياطير... باموت أبي أعرف وش رأيها في خطبة عبدالرحمن ؟؟ جوزاء بسخرية: رأيها؟؟ تحب يدها مقلوبة اللي جاها واحد مثل عبدالرحمن.. غير عن أخلاق عبدالرحمن العالية وكونه دكتور جامعة..عبدالرحمن حتى على مستوى الزين أحلى منها.. شعاع بابتسامة: ماخذة مقلب قي أخيش.. ترا عبدالرحمن ماشيء حاله .. مهوب ذابحة الزين ترا ثم أردفت باستغراب: بس أنتي صدق ما ينعرف لش توش اليوم الصبح تقولين وضحى أحسن من أختها المعقدة يعني ماعجبش يوم خطب الحلوة ولا عجبش يوم خطب العادية.. جوزاء تضحك: عادية؟!!.. تحبين تخففين المسميات.. وضحى مهيب حلوة أساسا حينها انتفضت شعاع غضبا: وضحى مافيها قصور.. وزين أخلاقها يغطي على كل عذاريبها.... هذا لو فيها عذاريب!!.. ثم تهورت شعاع في غضبها وهي تصرخ: وهي أساسا أحلى منش وأخلاقها أحسن من أخلاقش.. وما أسمح لش تغتابنيها جوزاء انتفضت بغضب كاسح: أنا يام لسان.. أنا ياقليلة الأدب؟؟ تطولين لسانش علي عشان بنت خالش.. شعاع بذات الغضب: بنت خالي مهيب هنا ترد عن نفسها.. وإلا أنتي بس تبين تعذربين في الناس لا كاسرة عاجبتش ولا وضحى عاجبتش... عشانش وحدة معقدة وتبين تطلعين عقدش في الناس حينها مدت جوزاء يدها لشعر شعاع وأنشبت أناملها فيه وشدته بقسوة: والله لا عاد تطولين لسانش علي لا تشوفين شيء مايسرش... وو..... كانت شعاع تصرخ بألم وهي تحاول تخليص شعرها من براثن جوزاء وكانت جوزاء مازالت ستتكلم وتسب وتصرخ فشعاع جاءت على وجيعتها تماما حتى شعرت باليد الصغيرة التي تضربها والصوت الباكي: ماما خلي شاشا خليها لتنتفض بعنف جازع وتفلت شعر شعاع وهي تنظر ليديها برعب كالمذهولة ثم تحتضن صغيرها: بس حبيبي أنا آسفة.. كنت ألعب مع شاشا حبيبي بينما تأخرت شعاع للزواية تبكي.. حين أسكتت جوزاء ابنها.. اقتربت منها وجلست جوارها وهمست بحنان انقلبت فيه من النقيض للنقيض.. حنان ولّده صغيرها حسن: آسفة شعاع آسفة سامحيني ياقلبي ولكن شعاع تأخرت للخلف.. بينما جوزاء قرصت خدها برقة: خلاص اشعيع انتي بعد طلعتيني من طوري شعاع بين شهقاتها: يعني تبين أخليش تأكلين في لحمها وأسكت..أنتي تعرفيني ما أسكت على الغلط جوزاء بجزع: ياكبرها عند الله... استغفر الله استغفر الله... خلاص يا بنت الحلال أخر مرة أجيب سيرة حد.. ماقصدت شيء والله العظيم ثم أردفت بمودة صافية : أنتي عارفتني.. يالله عاد مايهون علي زعلش آخر مرة أخر مرة صدقيني.. سكتت شعاع وهي تضع رأسها على كتف شقيقتها استجابة لمد جوزاء ليديها لها.. وهي تعلم أنها لن تكون المرة الأخيرة كما تقول لن تكون الأخيرة!! حتى وإن كانت لا تقصد كما تقول.. فهي ستقول.. ثم ستندم.. ثم ستقول.. فتندم في دائرة لا تنتهي من التناقضات التي تغضب جوزاء نفسها قبل أن تغضب غيرها.. فهذا دأب جوزاء بشخصيتها المتقلبة العصية على التفسير والتي ظهرت بشكل مركز بعد حادثة وفاة زوجها الغريبة!! ******************************** "كاسرة يأمش.. روحي شوفي وضحى..ماطلعت من غرفتها من صبح..مع إن امهاب جاني وتعذر مني ويقول إنه أرضاها فليش ما نزلت.. وحتى الغداء ما تغدت.." كاسرة بابتسامة: كفاية أنا تغديت معش.. كاسرة تجاوزت ضيقها كلها من صفعة مُهاب لها صباحا.. فجدها اقتص لها منه.. وأراحها من التفكير بوسيلة للتنكيد على مُهاب ومعاقبته ولكنها طبعا لم ولن تخبر أحدا بما حدث.. ربما كان السبب الأبرز أنها بطبعها كتومة لأبعد حد.. وربما لأنها لم ترد إثارة غضب والدتها.. وربما لانها في عقلها الباطن ترفض فكرة إهانة مُهاب ونشر خبر إهانته وربما لانها شعرت أنها في ذات اللحظة التي ارتاحت فيها عادت لتتضايق من أجله.. مزنة بضيق: قومي يا بنت.. تبين تقارنين وضيحى اللي كل شيء يحز بخاطرها بوحدة مثلش وجهها بليته.. كاسرة مازالت مبتسمة: أفا يام امهاب.. أفا.. الدعوة خاربة... الحين هذا انضربت معها.. ولا حد عبرني.. ولا حد رضاني لكن أبشري بأروح لأم دميعة أشوف علومها كاسرة وقفت للتوجه للأعلى.. بينما وصلها صوت والدتها الحازم: إياني وإياش توجعينيها بالحكي.. أعرفش إذا بغيتي تصيرين مغثة.. صرتي أكبر مغثة.. التفتت لها كاسرة وهي تكاد تصل أسفل الدرج ومازالت تبتسم: تدرين يامزنة.. مالي خاطر أزعل عليش.. بس ما يضر نسجلها في الدفتر.. يمكن نعتازها بعدين كاسرة صعدت للأعلى بخطوات هادئة حتى وصلت لباب غرفة وضحى.. طرقت الباب بهدوء وحزم ثم فتحت مباشرة.. لتتفاجئ أن وضحى تجلس على مكتبها منخرطة في الاستذكار كاسرة هتفت بسخرية: ماشاء الله الأخت تدرس.. ومخلية أمي قلبها ماكلها عليش وضحى رفعت عينيها بعتب عميق وساخر في ذات الوقت: والله ماحد طل علي ولا سأل عني.. وبعدين حنا في آخر الكورس وامتحاناتي خلاص ماباقي عليها شيء.. وأنا كورس تخرج وش تتوقعين أسوي.. أتحزم وأرقص يعني؟!! كاسرة أنزلت حاجبا ورفعت الآخر وهي تميل شفتيها بسخرية: عشتو.. وتنافخين بعد والله ظنتي إن أخيش حبيب قلبش هو اللي معطيش طراق مهوب أنا ولا أمي وضحى بذات السخرية: والله امهاب جعل يومي قبل يومه.. جاني وراضاني وسمّح خاطري حينها اقتربت منها كاسرة بغضب.. لتنكمش وضحى قليلا وهي تشعر أن كل شجاعتها التي حاولت شبكة روايتي الثقافية ها تبخرت همست كاسرة بغضب خفيض وهي تقف فوق رأس وضحى: أنتي شنو جنسش؟؟ لعب عليش بكلمتين.. وقولي بعد إنش بتوافقين على عبدالرحمن أبو تمبة وضحى تفرك يديها وهي تنظر للكتاب بين يديها وهي تقرر اتخاذ استراتيجية أخرى.. لتهمس لكاسرة باحترام مدروس تماما غذت به غرور كاسرة: هل تشوفين فيه عيب؟؟ حينها تنهدت كاسرة بارتياح لأنها شعرت أن زمام الأمور عاد ليديها وتراجعت لتجلس على طرف السرير قريبا من وضحى وهمست بهدوء حازم: عبدالرحمن بنفسه.. مافيه عيب أبد.. بس أنا ما أحب حد يجبرش على شي أنتي ما تبينه أو منتي بمقتنعة فيه حينها همست وضحى باستجداء تمثيلي بارع لا تقصده مطلقا.. ولكنها طريقة تعرف أنها تنفع مع كاسرة التي تكره أن يعاندها أحد.. وإذا رأت أن من أمامها يستسلم فهي تتنازل عن كثير من حدتها: زين كاسرة.. ويوم أنه مافيه عيب أبد.. ليش ما وافقتي عليه؟؟.. وهل ياترى لو أنا وافقت عليه.. الموضوع بيضايقش؟؟؟ حينها ضحكت كاسرة برقة: أتضايق وليش أتضايق؟؟ من جدش ذا السؤال.. طبعا مستحيل أتضايق وهذي إجابة السؤال الثاني.. وإذا كان هذا سبب رفضش له تكونين غبية أما إجابة السؤال الأول فعلا عبدالرحمن مافيه عيب عندي إلا عمره.. أشوفه صغير واجد علي وضحى باستغراب شديد وهي تعرف للمرة الأولى سبب رفض كاسرة لعبدالرحمن: صغير؟؟!! وواجد؟؟ عبدالرحمن عمره 31 سنة يعني أكبر منش بخمس سنين!! حينها ابتسمت كاسرة: أنا واحد أقل من الاربعين ما أبي وضحى بدهشة عميقة: كاسرة أنتي صاحية؟؟ وحدة في جمالش وشخصيتش وش يحدها تأخذ شيبة؟!! اللي مثلش تحط رجل على رجل وتختار في أحسن الشباب كاسرة بذات الابتسامة: واحد في الأربعينات ماينقال له شيبة.. لكن ينقال رجّال.. ثقل ورزانة وشخصية تبلورت خلاص.. ثم أردفت وهي تقف بالقرب من النافذة وتنظر للخارج: تدرين وضحى.. أنا أدري إن شخصيتي قوية.. لكن في ذات الوقت ما أبي شخصيتي تطغى على شخصية اللي بأتزوجه.. لو خذت لي شاب صغير.. صدقيني أنا اللي بأفرض عليه كل شيء أبيه لكن لو خذت رجال عدى الأربعين.. رجّال شخصيته مكتملة ومتبلورة من سنين.. صعب أفرض عليه شيء... وهذا هو اللي أنا أبيه... رجّال صدق.. وضحى وقفت بجوارها وهي تنظر معها للخارج وتهمس باستنكار رقيق: أفكارش غريبة صريحة... كم شاب في الثلاثينيات أو حتى العشرينيات شخصيته قوية ومستحيل حد يفرض عليه شيء الحين امهاب مثلا توه ثلاثين.. تعتقدين إنش تقدرين تفرضين عليه شيء؟؟ كاسرة ببساطة: شخصية امهاب غير.. وظروفنا كانت غير.. امهاب اضطر يتحمل المسئولية وهو صغير.. وذا الشيء قوى شخصيته وخصوصا مع تربية أمي اللي هي بعد كانت غير وضحى عاودت الجلوس على مكتبها وهي تهمس بالاحترام المدروس إياه: بصراحة كاسرة كلامش مهوب مقنع.. اسمحي لي حينها التفتت كاسرة لها وهمست بهدوء: مهوب لازم تقتنعين المهم أنا مقتنعة وثاني شيء انزلي لأمي شوي.. أمي تحاتيش ثالث شيء إذا أنتي مقتنعة بعبدالرحمن وكنتي تبين ترفضينه عشاني.. فخلي منش ذا الخبال.. وسوي اللي أنتي مقتنعة فيه وبس وماعليش من حد أكملت كاسرة عبارتها وانسحبت بهدوء لتغلق الباب خلفها.. بينما توجهت وضحى لتستبدل ملابسها وتنزل لوالدتها وكثير من الأفكار تزدحم في خيالها وهي تشعر براحة عميقة لجلسة المصارحة الغريبة بينها وبين شقيقتها.. فهذه المرة كانت من المرات القليلة التي تفتح كاسرة قلبها وتحكي مابداخلها!! ************************** بعد صلاة المغرب في سيارة كسّاب التي تطوف شوارع الدوحة دون هدف "كسّاب ولا عليك أمر.. اصفط عند أول محل سفريات بتلاقيه" كسّاب باستغراب: ليه محل سفريات؟؟ علي بهدوء: بأحجز على أول طيارة طالعة الليلة من الدوحة.. بأرجع لشغلي.. كسّاب باستفسار: واشدراك انك بتلاقي لك حجز على جنيف الليلة وبذا السرعة؟؟ علي بذات الهدوء: لو مالقيت لجنيف طلعت للنمسا وإلا ألمانيا وإلا إيطاليا ومنها بالقطار لجنيف.. معي تأشيرة شنغن لكل دول الاتحاد الأوربي كسّاب بتساؤل لم يقصد منه شيء فعلا: وليش مهوب لفرنسا.. جنيف على حدود فرنسا على طول .. انتفض علي بخفة: فرنسا لا.. ما أبي أروح لفرنسا حينها انتفض كسّاب بغضب: يعني هربان؟؟ لمتى ذا الهروب يا علي.. لمتى؟؟ متى بتقعد وتواجه علي بذات هدوءه الساكن: إذا أنا هربت برا ديرتي.. فأنت هربت وأنت فيها لا تقعد تفلسف علي يا كسّاب لأني الليلة آخر واحد محتاج فلسفة.. أنا بس أبي أختلي بنفسي ******************************* انتهى عشاء للرجال في مجلس فاضل بن عبدالرحمن.. غادر الجميع.. حتى أبو عبدالرحمن نفسه استاذن وترك الشباب ليسهروا بعيدا عن أعين ورقابة "الشيّاب" بقي فقط عبدالرحمن ومُهاب وتميم.. تميم يريد المغادرة.. ولكن لأنه هو من أقل مُهاب بسيارته لا يستطيع أن يتركه بدأ يشعر بالملل وبمرارة غريبة والشابين الأكبر منه ينخرطان في حديثهما الخاص والصاخب ليتناسيا وجوده ورغم ضيقه من ذلك إلا أنه في احيان كثيرة يتمنى ان يتناسيا وجوده كليا.. فتلك الإشارات التي تشبه الصدقات التي يمنون بها عليه من وقت لآخر تؤذيه أكثر مما تسعده يشيرون له يسألونه عن رأيه في مباراة المنتخب بالأمس.. أو ربما حدث سياسي اليوم.. فيشير لهما إشارة مجاملة قصيرة ردا على مجاملتهم ثم يعود غارقا في الصمت الساكن بعيد عن ضجيج كلماتهم تناول هاتفه المحمول ليلتهي به.. وحتى لا يشعرهم بملله المستحكم.. حينها التفت عبدالرحمن لمهاب وهمس بمرح: يالله قوم توكلوا لبيتكم مهاب بابتسامة: أفا... هذي طردة أنت ووجهك؟!! عبدالرحمن بابتسامة مشابهة: تميم شكله زهق وحن حابسينه معنا.. ثم أردف (بعيارة): وبعدين تميم هو اللي ولد خالي.. وإلا أنت حيا الله أخ ولد خالي مهاب يضحك: لا يا مسود الوجه ذي أخرتها.. صدق مافيك خير ثم أردف بمرح: تلاقي ولد خالك مستعجل يبي يروح لوضحى يصب علومه عندها.. ماحد يفهم له مثلها.. واليوم مابعد عطاها علومه حينها همس عبدالرحمن بدفء مَرح: لا يكون بكرة أخيك كل شوي ناط عند مرتي ومزعجنا تنحنح مُهاب بحرج وقفز لموضوع آخر ولكن في ذات الاتجاه: أنت عارف إن تميم يبي يتزوج بس الوالدة مهيب راضية الله يهداها لم يفت ذكاء عبدالرحمن قفزة مُهاب الذكية لموضوع آخر.. لكنه قرر أن يتجاوز هذه المرة وحاول أن يهمس بطبيعية: وتميم يعني يعرف وحدة معينة في نفس حالته عشان كذا مصمم عليها قطب مُهاب جبينه: وين يعرف الله يهداك... هو مقرر يسأل أو يستعين بخطابة لو وافقت أمي.. عبدالرحمن باستغراب: خطّابة؟؟؟ ابتسم مهاب: إيه خطّابة... ثم أردف بسخرية: ليه يعني أنت تعرف حد عندهم بنت نفس حالة تميم.. وفي نفس الوقت تناسبه؟!! صمت عبدالرحمن لدقيقة كأنه يفكر ..ثم همس بعمق: من حيث أني أعرف... فأنا أعرف ************************* بيت زايد آل كسّاب وقت متأخر من ذات الليلة يدخل كسّاب إلى البيت وهو ينتزع غترته عن رأسه ويلقيها على أقرب مقعد بتعب يعبر الصالة الواسعة ليتجه للأعلى.. كان مرهقا بالفعل ومستنزفا نفسيا وجسديا لذا لم ينتبه للجالس الذي عبر من أمامه تماما "صحيح إني قصير.. بس مهوب لدرجة إنك ما تشوفني" استوقفه الصوت الحازم الذي لم يخلُ من رنة غضب تنهد كسّاب بعمق.. فأخر شيء تمنى أن ينهي به هذه الليلة المريعة هو والده تراجع وهو يهمس باحترام: مساك الله بالخير يبه زايد بغضب: ماعاد هو بمسا قده صبح يالشيخ تنهد كساب وهو يحاول أن يجيب بتهذيب: يبه الله يهداك من متى تحاسبني على التأخير.. زايد بذات الغضب: ليه كبرت على المحاسبة.. وأخيك الثاني وينه؟؟ مهوب معك؟؟ ليش تأخر هو بعد؟؟ كساب تنهد للمرة الألف: اللي أخرني هو علي.. لأني وديته المطار.. وطيارته توها طارت.. زايد بجزع لم يستطع اخفاءه: وين راح؟؟ كساب بنبرة لا تخلو من سخرية مبطنة موجوعة: رجع لشغله.. وشو له يقعد!! زايد بصدمة غاضبة متوجعة: وبدون حتى مايقول لي ولا يسلم علي؟؟ كساب بذات النبرة الساخرة الموجوعة: يبه أنت مشغول اليوم في ملكة خليفة اللي بديته على ولدك.. زايد بنبرة حازمة: اقصر الحكي يا ولد وتلايط كسّاب بغضب: لا ماني بقاصره..يعني حتى الحكي نغص به وما نحكي.. هذه المرة من رد بسخرية هو زايد: ومن متى وأنت تحب تأخذ وتعطي معي.. يوم تشوفني تركبك السكون كسّاب يتجاهل تعريض والده لينظر له بنظرة مباشرة ويهمس بنبرة ذات مغزى: يبه.. علي يوم بغى جميلة.. بغاها لأنها تربت في بيته وقدام عينه ولأنها بنت خالتي اللي مثل أمنا لأن جميلة في وضعها الحالي تعتبر كارثة على أي زوج.. عــــدا.......... لو تموت ويورثها فانت إسأل نفسك وش اللي يخلي خليفة هذا يتزوجها؟؟ فكّر في ذا السؤال زين... ومثل ماكان ذنب علي في رقبتك.. ترا ذنب جميلة وأي شي بيصير لها في رقبتك بعد ألقى كسّاب بعبارته المسمومة وانسحب صاعدا تاركا زايد يزأر كأسد مجروح بعد أن أثارت كلمات كسّاب مخاوفه التي تخنق روحه: صدق إنك تربية منصور.. لسانك سم مثله ما تعرفون تقولون كلمة خير كساب يهمس بهدوء ملغوم وهو يصعد: ماحد رباني غيرك طال عمرك عاود زايد الجلوس لينتزع غترته ويلقيها جواره بغيظ وقهر يمرر أصابعه عبر خصلات شعره بإرهاق كل المشاعر الكثيفة التي تثور في أعماقه كالبراكين انزاحت أمام شعور مرّ بالوحشة كم هو مشتاق لهذا الفتى الذي غادر دون أن يزرعه في أحضانه ليخزن في روحه بعضا من عبق رائحته علها تصبره على البعد كيف يذهب ويكون آخر ما رآه منه ظهره يخرج مقهورا مثقلا بالأسى ويجد زايد نفسه ممزقا بين رغبته في اللحاق به وبقاءه مع أحمد وأبنائه للتناقش في التفاصيل كانت الأولى هي الرغبة والثانية هي الواجب لينتصر الواجب على الرغبات ويبقى هو ممزق الروح معلقا بين خوفه وحزنه.. خوفه على جميلة وعلي.. وحزنه عليهما!!! ******************************* مهاب يدخل إلى غرفته بعد أن عاد من سهرته مع عبدالرحمن التي طالت طويلا بعد أن سمح لتميم أن يعود للبيت لوحده على أن يوصله عبدالرحمن بعد ذلك لا ينتبه لضيف لطيف يقبع على سريره.. لأنه خلع ملابسه وتوجه للحمام مباشرة ليتوضأ ويصلي قيامه أولا حين توجه لسريره ليتمدد.. وجد وردة جورية بيضاء تتمدد على مخدته وتحتها بطاقة بيضاء ابتسم وهو شبه متأكد من صاحبة البطاقة.. تناول البطاقة "والله العظيم إني ما اشتكيت منك لجدي وإني ركبت نفسي الغلط بعد ووالله مهوب هاين علي اللي صار لك مع جدي بس تدري.. أنت تستاهل.. يعني تعتذر لوضحى وما تعتذر لي.. أظني إني انضربت مثل ماهي انضربت وإلا هي أختك وأنا لا ؟! " اتسعت ابتسامة مُهاب.. يعلم أن هذه طريقتها في الاعتذار ولطالما وجدت طرقا أكثر غرابة .. المهم ألا تعتذر بنفسها.. أو حتى تقترب من مفهوم الاعتذار مازالت ابتسامته مرتسمة وهو يتناول هاتفه ويرسل لها " آسفين طال عمرش حقش علينا أي أوامر ثانية ياصاحبة السمو؟؟" ****************************** مستشفى حمد الوقت بعد منتصف الليل وقبل صلاة الفجر "بس خالتي فديتش.. ذبحتي روحش بكا.. عيونش ورمت" همس مزون الحنون المختلط بعبراتها المكتومة وهي تمسح على كتف خالتها التي لم تتوقف عن البكاء منذ عقد قران جميلة عفراء تهمس بصوتها الذي تغير من كثرة النحيب: بأموت يامزون.. بأموت.. أشلون أخليها تروح بروحها.. أشلون؟؟ حاسة روحي بتطلع من مكانها مزون بعتب رقيق: بعد أنتي ياخالتي سكرتيها من كل صوب.. خليفة الحين عبارت ولدش.. وش فيها لو رحتي معه؟!! رفعت عفراء عينيها المحمرتين لتنظر لمزون بحدة: لا مهوب ولدي.. ولدي اللي كسروا بخاطره وخلوه يهج من الدوحة مجروح وحزين.. ابتلعت مزون عبرتها التي وقفت في حلقها وماحصل لعلي يعود لذاكرتها بعنف يائس.. ولكنها حاولت تجاوز كل هذا وهمست بثبات: علي رجّال.. وبيعدي ذا كله.. لكن جميلة محتاجتش ياخالتي.. لا تخلينها.. عفراء بحزن مرير: يمكن أحسن لها تروح من غيري.. ويمكن هذي خيرة ربي لها اللي خلاها تاخذ خليفة... عشان أهون وما أروح معهم.. مزون باستغراب عميق: أشلون تقولين كذا يا خالتي؟؟ عفراء همست بمرارة شعرت بها تمزق حنجرتها: الدكتورة كثير كانت تعاتبني إني السبب في تدهور حالة جميلة.. وإني بدلالي لها خربتها وما أرضى يشدون عليها في العلاج وأصلا الدكتورة أساسا كانت تقول لي أنتي لا تروحين معها.. بس طبعا أنا رفضت.. وكان مستحيل أخليها بس يوم صار اللي صار... خلاص هذي خيرة رب العالمين... وأنا مالي إلا الصبر والدعاء لوجه الكريم #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن صباح الدوحة يوم يحمل الكثير قلوب تُفجع.. وقلوب تتأمل.. وقلوب ليس لديها سوى فتات الأمل!! ينزل السلالم بخطوات ثابتة.. يبتسم وتشرق روحه المثقلة حين يرى العينين الدافئتين الحنونتين تطلان من خلف برقعها تحيط بهما تجاعيد رقيقة جعلت هيئتها تبدو أكثر ضعفا وهي تنحني بوهن.. أو ربما وحشة أمام قهوتها الصباحية!! ابتسمت بشجن ورحبت قبل أن يصلها: حيا الله أبو خالد.. صبحك الله بالخير يصلها لينحني على رأسها مقبلا.. ثم يهمس باحترام ودود: صباحش أخير جعلني فدا أرجيلش.. كيف أصبحتي يأم صالح؟؟.. ابتسمت بحنو: إذا قدك بخير أنت وأخوانك ما أشكي باس ابتسم لها بمرح حنون: هذا أنا وأخواني قدامش قرود تنطط همست بحزن عميق مسرف في العمق.. وكأن هذا الحزن المقيم يأبى الإنزياح أو التراجع أو الإنكماش: جعل ربي ما يفجعني في حد(ن) منكم.. من عقب ماراح عبدالله والخاطر كلش(ن) يجيبه ويوديه همس بحنين موجوع وهو يتذكر شقيقه الأصغر الذي رحل قبل أكثر من ثلاثة أعوام: جعلها برايد عليك يابو حسن.. أنا أشهد إن الموت خذ له وليدة.. (الوليدة= الرجل النادر) همست أم صالح بحنين: صالح يأمك.. جيب لي حسن اليوم فديتك.. قد لي كم يوم ماشفته.. وأنا بأكلم أمه تجهزه وتلبسه ثم أردفت بألم شفاف: ما أدري لمتى ربى كاتب علي ماحد من عيال عيالي يقعد عندي!! ذبحتني الشحنة لهم!! ابتسم لها صالح: خلاص ولا يهمش خلي أم حسن توافق علي.. ونجيب حسن عندش حينها نظرت له والدته بعتب: يعني تجيب حسن وأمه.. وأم خالد وعزوز وخويلد ؟؟ حينها أنزل صالح فنجانه وهو يشعر بضيق كتم على صدره أخفاه خلف هدوء صوته: وش أسوي بنجلاء هي اللي معندة.. ومعية ترجع لي.. هي اللي حدتني أخطب عليها نظرت أم صالح لابنها نظرة مباشرة وهمست بعتب مقصود: نجلاء مرة عاقلة.. وماحدها على ذا كله إلا شي(ن) كايد شوف وش أنت مزعل(ن) بنت عمك فيه؟؟ صالح بعتب: يعني رجعتي على ولدش.. وش بزعلها فيه يعني؟؟ لا عمري مديت يدي عليها ولا قصرت عليها بريال أم صالح بذات النبرة المقصودة: أنت أخبر يأمك.. السالفة مهيب سالفة ضرب وفلوس ثم أردفت بمودة: ياحيها نجلاء.. ليت كل النسوان مثلها.. كانت كافيتني غثى عزايمك أنت وأبيك.. وشاله البيت كله مني.. وين من هي مثلها؟؟ ابتسم صالح: إذا السالفة على كذا.. زوجي الجباوة الثنين اللي أخنزوا من الرقاد فوق.. أم صالح باستنكار: هزاع توه صغير.. أنت صاحي؟؟ خله يخلص الثانوية ذا الحين ثم أردفت بابتسامة حنونة: أما أخيك الفاسخ كل ما قلته أعرس قال لي.......... "هذا حضرت العقيد عزابي.. وأنا مأنا بأحسن منه" ارتفعت الأعين لمصدر الصوت الواثق المرح وصاحبه ينزل بخطوات سريعة عن الدرج بلباسه العسكري الأنيق والنجمتين اللامعتين على كتفيه العريضين ليصلهم خلال ثوان ليقبل رأس والدته وشقيقه الأكبر بينما كان صالح يهتف بابتسامة: والله ياملازم فهد..ترا منصور آل كسّاب تزوج بدل المرة ثلاث.. يعني جرّب مثله.. ما تضر التجربة.. يمكن يعجبك الحال عقب فهد يسكب لنفسه فنجانا من القهوة ويرد بابتسامة مشابهة: هذا أكبر دليل إني لازم ما أتزوج لأنه إذا حضرة العقيد بنفسه جرب ثلاث مرات وما صلحت له مرة.. معناتها النسوان كلهم مافيهم خير.. ثم استدرك وهو يعاود تقبيل رأس والدته ويقول بمرح حنون: إلا أم صويلح.. المصنع عقبها سكروه أم صالح بحنان: إيه إلعب على أم صويلح بدل ما تبرد خاطرها بشوفت عيالك.. صالح يضحك: وأشفيش أنتي وولدش.. شايفيني أصغر بزرانكم.. صويلح وصويلح... فهد يعاود تقبيل رأس والدته للمرة الثالثة ويهمس باحترام ودود: لاحقين خير يا الوالدة.. ما يصير إلا اللي يرضيش.. بس خلوني الحين على راحتي صالح يبتسم: إيه يمه خليه.. وادعي في كل صلاة إن منصور آل كسّاب يتزوج.. صدقيني يا ساعة يأتي إخبره متزوج.. يافهيدان إن قد يجيش يعدي كنه سلقة يبي العرس... أم صالح بغضب: يكرم ولدي عن السَلق.. ثم أردفت بابتسامة لطيفة: بس ما يضر ندعي لمنصور.. اللي فهيدان يحبه أنا أحبه فهد يقفز ويقبل رأس والدته للمرة الرابعة ويقول بمرح: إيه جعلني فدا عويناتش.. ادعي لحضرت العقيد.. يستاهل.. وادعي لي ما أتاخر اليوم على طابور اليوم.. ويعطيني حضرت العقيد جزا صالح يبتسم وهو يرى شقيقه يغادر: أستغرب حبك لقائدك على كثرة ما يجازيك.. المفروض تكرهه فهد بابتسامة واثقة: أنا أدري إن حضرة العقيد يعزني ويقدرني.. لكن العسكرية مهي بلعب.. ولو هو ما تعامل معي ومع الفرقة كلها بذا الطريقة ما كان حبيناه لأنه يعرف يمسك العصا من النص.. يعطينا حقنا.. ويأخذ حق العسكرية منا ثم أردف فهد (بعيارة) : بعدين يأخي سيادة العقيد كله كاريزما.. يئبر ئلبي شو مهضوم.. صالح يضحك بصوت عالٍ: أمحق عسكرية تعرفها ياهيفا فهد يشير له بيده مودعا وهو يضحك بينما دعوات والدته ترتفع خلفه أن يكتب لكل من ابنها وقائده الزوجة الصالحة والذرية البارة.. بينما صالح يتذكر شيئا... ويهتف وراء فهد بصوت عالٍ حازم يختفي خلفه قلق عميق: فهيدان الله الله في الركادة وأنت تسوق ياولد.. ********************************** مستشفى حمد الساعة العاشرة صباحا غرفة جميلة الخالية من جميلة!!! نحيبها المكتوم الموجوع حينا ينخفض.. وحينا يرتفع وهمهمات متقطعة تصدر متحشرجة من حنجرتها التي تمزقت من طول النحيب الذي لم يتوقف مطلقا منذ يوم أمس: راحت.. راحت بدون حتى ما أسمع صوتها.. يا حر جوفي حراه مزون تحاول كتم عبراتها: شتسوين يا خالتي؟؟ عادها ما وعت من تخديرتها البارحة عقب ما خدروها عشان ما تشيل المغذي من يدها تغرس أظافرها في معصم مزون التي تجلس جوارها تحتضن كتفيها تهدهدها وهي تهمس بصوت مبحوح ممزق: بأموت يأمش يامزون بأموت.. حاسة إني ماعادني بشايفة بنتي..ياحي جميلة حياه "قومي الحين جهزي أغراضش.. والله ما تمسين إلا عندها واللي رفع سبع(ن) بليا عمد" الاثنتان نظرتا بدهشة للواقف بجوار النافذة الطويلة ينظر للخارج وهو يوليهما ظهره ويكمل بحزم شديد: أنتي تأشيرتش جاهزة.. وأنا عندي تأشيرة شنغن مجهزها عشان لو جاتني سفرة شغل مفاجئة قومي يالله.. عفراء وسط عبراتها: لا يأمك ماني برايحة.. هي عبرة وانقضت.. بفضي رأسي من دموعه وعقبه بأهدأ كسّاب بذات الحزم البالغ: أنتي تحسبيني حلفت وبأفجر؟؟.. لا والله إن قد تروحين.. عفراء بضعف: يأمك ما أبي أروح.. لو أبي أروح كان رحت معها من أول.. كساب يدير وجهه ناحيتهما وعيناه ممتلئتان بتصميم غريب حازم.. ويقول بقسوة: خالتي لا تضيعين وقتي ووقتش.. يالله قومي أوديكم البيت وتجهزين وأنا بأروح أحجز لنا على طيارة فالليل لأنش بتروحين يعني بتروحين مزون بتردد: كسّاب خلها على راحتها كسّاب ينظر لها نظرة مباشرة شعرت كما لو كانت نظرته ستسلخ جلدها عن عظمها وهو يقول بقسوة أكبر: أنتي تلايطي ولا تتدخلين في شيء ما يخصش مزون تراجعت بجزع.. وعبراتها تتضخم في حنجرتها بينما انتفضت عفراء بغضب لم يمنعها منه استغراقها في الحزن: ما أسمح لك تكلمها بذا الطريقة وقدامي.. أنا ما لي حشمة عندك كسّاب يتجه للباب وهو يقول بذات الحزم القاسي: أقول لش خالتي.. الأحسن اتصلي في سواقتش توديكم أنا طالع أجيب التذاكر.. الساعة 7 في الليل تكونين جاهزة.. كسّاب خرج.. لتنفجر مزون في بكاء حاد مترع بالشهقات في حضن خالتها.. عفراء تهمس لها بحنان.. وحزن مزون يأخذها من حزنها: بس يا قلبي لا تزعلين على كسّاب.. أنتي صرتي عارفته.. مزون تهمس بألم ووجهها مختبئ في كتف خالتها: حتى لو كنت مستوجعة من قسوة كسّاب وتقصاده إنه يوجعني.. مهوب ذا سبت زعلي أنتي عارفة إني كنت عاملة حسابي إني بسافر معش أنتي وجميلة لكن الحين أشلون بأقدر أقعد على أعصابي من غيرش ومن غير جميلة.. لا وبعد من غير كسّاب وعلي عفراء بحنان وهي تحتضنها بحنو: ماني برايحة يأمش.. بأقعد عندش.. أنتي عارفة إني من لما تزوجت جميلة خليفة قررت إني ما أروح حينها مزون انتفضت بجزع: لا خالتي تكفين.. لا يرجع كسّاب ويلاقيش ما تجهزتي بيعصب.. انا ما أستحمل أشوف عصبيته.. تذوب ركبي من الخوف ثم أردفت بوجع: يا سبحان الله.. مع إن كساب طول عمره عصبي.. بس فرق السما عن الأرض بين عصبيته مع حنانه وعصبيته مع قسوته!! ثم مسحت دموعها وأردفت بتشجيع: خلينا نرجع البيت.. أغراضش تقريبا جاهزة روحي على الأقل تطمني على جميلة.. لو حبيتي تقعدين مرخوصة ولو بغيتي ترجعين لي.. هذا أحب ما على قلبي بعد دقائق في سيارة كساب الذي يزفر غضبه في زفرات محرقة توشك أن تحرق لشدة لهيبها الهواء العابر أمام أنفاسه: "تريدني أن أراها على هذه الحال وأتركها تريدني أن أرى روحها تذوي وأتركها هل تريد أن تتركني كما تركتني وسمية؟!! هل تريد أن تعذبني بحزنها كما عذبتني أمي بمرضها أعلم أن للاثنتين قلب سرعان ما يذيبه الحزن كما يذيب الماء الملح إن لم أستطع أن أبقي أمي جواري.. فلن أسمح لعفراء أن تتركني وحيدا في هذا العالم.. مخلوق مشوه الروح.. مشبع بالأسى والأحقاد ما زالت هي نافذة الضوء التي تأخذني من عتمة أيامي المظلمة إلى فضاء يبصق بعض الضوء الذي يبقيني على تواصل مع كينونتي الإنسانية لن أسمح لروحها أن تغرق في الحزن.. لن أسمح لابتسامتها أن تنطفئ فكيف تنطفئ ابتسامة أيامي الوحيدة؟!!!" ***************************** "صبحش الله بالخير يأم امهاب" ترفع رأسها للقامة المديدة التي تنحني عليها وهو بكامل ألقه في لباس الطيارين الأنيق وتهمس بهدوء: صباحك أخير يامك ثم أردفت باهتمام: ما قلت لي إنك عندك رحلة اليوم.. مازال واقفا وهو يقول بهدوء: واحد من الزملاء اعتذر عنده ظرف وكلموني.. رحلة قصيرة للبحرين.. قبل المغرب باكون راجع إن شاء الله أم مهاب بمودة: تروح وترجع بالسلامة يأمك.. تفكير معين يدور في ذهن مُهاب.. يتردد للحظات ثم يهتف بثقة: يمه فيه موضوع أبي أكلمش فيه مزنة تعتدل بفرحة وهي تشهق: تبي تعرس؟؟ ابتسم مُهاب: يعني مافيه موضوع أكلمش فيه إلا موضوع عرسي مزنة عاودت الجلوس وهي تقول بخيبة أمل: مهوب القصد.. بس المقدمة حسيت فيها ريحة عرس مازالت الابتسامة مرتسمة على وجهه: هو من حيث ريحة عرس فيها ريحة عرس.. بس مهوب أنا صمت لثانية ثم همس بحذر: عرس تميم مزنة بضيق: شوف يا امهاب تقول لي ياخذ طرماء صمخاء لا.. عندك سالفة غيرها.. وإلا لا تعطل روحك على شغلك مهاب يتنهد بعمق ثم يقول بثبات: يمه اسمعيني جعلني الاول.. ذا المرة العروس غير والله غير.. بنت دكتور مع عبدالرحمن في الجامعة.. عبدالرحمن يقول شافها مع أبيها.. يقول مزيونة ومخلصة ثانوية.. وإبيها يمدحه عبدالرحمن واجد تقاطعه مزنة بنفاذ صبر: والزبدة إنها طرماء صمخاء.. توكل يا ولد بطني.. توكل الله يحفظك مهاب باحترام لم يخلُ من رائحة الاستجداء اللطيف: يمه ما يصير تسكرينها في وجه تميم.. الولد يبي يتزوج مزنة بغضب: اسمعني امهاب.. يا ويلك تزين ذا البنت ولا ذا السالفة كلها في عين تميم والله إنه زعلي عليك دنيا وآخرة.. تميم يبي يعرس.. بأزوجه أحسن بنت اليوم قبل بكرة.. وغير ذا الحكي ما عندي ************************* مطار الدوحة الدولي سيارة الإسعاف التي تحمل جميلة تصل وتدخل إلى داخل أرض المطار فالمرضى لا يعبرون عبر القنوات الاعتيادية فسيارة الإسعاف تقف تماما تحت الطائرة.. وجاء ضابط الجوازات للتأكد من الجوازات وأخذ بياناتها لإدخالها في الحاسوب.. ومن ثم لأخذ زايد معه الذي أخذ إذنا خاصا ليدخل معهم لأرض المطار خليفة يكاد يذوب توترا.. مازال حتى الآن لم يرَ المخلوقة المسماة زوجته.. ولا يشعر مطلقا بأي رغبة لرؤيتها يشعر بالجزع يخنق روحه.. على أي حال هي؟!! قالو له أنها مريضة جدا.. ما مدى مرضها؟! كيف هي هيئتها التي يشعر بالرعب من فكرة رؤيتها؟!! منذ علم بوزنها وهو لا تفارق أفكاره صور موجعة لضحايا المجاعات ولكن .. فرق شاسع بين من ترك الطعام مجبرا وهو يستميت ليبحث عنه وبين من تركه مخيرا وهو يُجبر عليه فكيف هذه التي قررت تجويع نفسها اختيارا ؟!! الطاقم الطبي رفع جميلة لسطح الطائرة.. بينما بقي خليفة مع زايد الذي أثقل على روحه بكثرة الوصايا: ترا جميلة أمانتك ياخليفة.. والأمانة ثقيلة وتُسأل عنها يوم القيامة هذي بنت الغالي.. وتراها أمانتك يأبيك خليفة بثقة يذوب خلفها توترا: في عيوني ياعمي.. لا تحاتيها زايد غادر.. وخليفة صعد بخطوات أكثر توترا وثقلا إلى متن الطائرة قابل الطبيبة في الممر.. فزايد أصر أن تسافر طبيبتها معها.. وتبقى معها حتى يستقر وضعها هناك.. ودفع من أجل ذلك مبلغا مهولا من المال همس خليفة بتوتر متعاظم: أشلون وضع جميلة الحين؟؟ ثم أردف وهو يحاول ابتلاع ريقه الذي يرفض عبور حنجرته الجافة: صاحية الحين؟؟ ممكن أشوفها؟؟ رغم أنه في داخله كان يهرب من اللقاء.. ويريد أن يؤجل هذا اللقاء المحتوم لأطول وقت.. ربما حتى يعتاد على الفكرة.. أو ربما حتى يكون قادرا على التحكم في تيارات مشاعر قلقه وتوتره المتزايدة بعنف .. ولكن حتى متى الهروب؟؟ فهذه الشابة أصبحت زوجته.. أمانته.. وهو المسؤول الأول عنها.. فلمن يترك مسؤولياته الإجبارية التي ورّط هو نفسه فيها؟!! أجابته الطبيبة بمهنية ودودة رتيبة: صاحية لا.. بس أكيد تقدر أشوفها.. أصلا تركنا المقعد اللي جنب سريرها فاضي عشانك انتفض خليفة في داخله بجزع ( أ سأبقى مقيدا لجوارها طوال الرحلة؟!!) توجه خليفة بخطوات مترددة ناحيتها.. ليجلس جوارها وهو يشيح لا إراديا بنظره عنها يحاول الإلتفات لها ليجد نظره يهرب إلى كل مكان إلا مكانها يعاود الإلتفات ليعاود نظره المتخاذل القلق رحلته في الهروب.. يكثر الدعوات في قلبه أن يلهمه الله الصواب ويمنحه القوة يسمي بسم الله ويلتفت نحو المخلوقة الممدة بلا حراك جواره.. لتكون هذه الإلتفاتة هي المحاولة الجادة لإكتشاف رفيقة سفره انتفض بعنف..والمنظر الصادم يبعثر تفكيره كاعصار عاتٍ وهو يشعر بشيء ما يسد بلعومه ويجعله عاجزا عن التنفس.. شعوران تصاعدا في روحه حتى خنقاه.. الشفقة والرعب.. كان ينظر بشفقة كاسحة لوجهها الخالي من الحياة.. مظهرها البائس وعظامها البارزة.. عنقها شديد النحول.. أناملها اليابسة الموصلة بأجهزة التغذية كان يفتح عينيه ويغلقهما وهو عاجز عن استيعاب المنظر أمامه ليقفز له حينها إحساس الرعب الموجع.. "هذه المخلوقة توشك على الموت توشك على الموت فما هذا الذي أدخلت نفسي فيه كيف أستطيع أن أنجو من الإحساس بالذنب ومن عتب والدتها وزايد.. لو حدث لها شيء؟!! أي مخلوقة جافة هذه كغصن خشب متحطب بُتر من شجرته لتغادره كل معالم الحياة ونضارتها؟!! أ يعقل أنها من فعلت بنفسها هذا؟!! أي مجنونة هذه؟! أي مجنونة؟!! بل أي مسكينة؟!! أي مسكينة؟!!" حاول خليفة أن يمد يده ليمسح على خدها ترجمة لشعور الشفقة المتزايد ناحيتها ولكنه لم يستطع.. لم يستطع مشاعر كثيفة معقدة متداخلة تمور في جوانحه المثقلة.. نفور ربما..!! خوفا من أن يؤذيها وهي تبدو هشة لدرجة التكسر السريع ربما!! أرجع ظهره للمقعد وهو يربط حزامه.. ويشعر في داخله برغبة حقيقية في البكاء على حاله.. على حالها.. على هذا الوضع غير الإنساني الذي أدخل نفسه فيه ولكنه نهر هذه الرغبة المضادة لإحساس الرجولة الثمين الذي لابد أن يتمسك به حتى النهاية!! وما بعد النهاية..!! ************************** نهار عمل اعتيادي يقترب من ختامه بخطى حثيثة.. ترفع كاسرة الهاتف وتتصل بنبرة عملية رسمية: فاطمة لو سمحتي باقي أي شغل؟؟ فاطمة السكرتيرة ترد عليها بذات النبرة الرسمية: لا أستاذة كاسرة الحين مافيه شيء.. حينها انقلبت نبرة كاسرة للنقيض تماما..النقيض تماما.. مودة رقيقة شديدة العذوبة : زين فطوم قولي للساعي يجيب لنا قهوة.. وتعالي تقهوي معي فاطمة ترد عليها بذات النبرة ولكن مغلفة بالمرح: زين سوسو.. دقيقة بس.. أقول لسماح تجي تمسك مكاني.. وأجي لش بعد دقيقتين تدخل فاطمة ومعها الساعي الذي يحمل القهوة.. ويضعها على المكتب ويخرج لتخلع كاسرة نقابها وتعلقه جوارها همست فاطمة بمرح شفاف وهي تخلع نقابها بدورها لتجلس: كم صار لنا متصاحبين؟؟.. أكثر من عشر سنين.. تأثير خلعتش للنقاب علي مثل أول يوم شفتش داخلة المدرسة وتشيلين نقابش يومها قلبي وقف.. شهقت وقلت نعنبو هذي من وين جايه.. لا تكون مضيعة الدرب وتحسب مدرستنا مكان انتخاب ملكات الجمال ضحكت كاسرة: والله أيام يافطوم.. ثم أردفت بهدوء عذب فيه رنة حزن لا تكاد تُلحظ: ماطلعت من كل دراستي في المدارس ثم الجامعة إلا بش أنتي وبس فاطمة تضحك: ياحظش.. أنا أكفي عن العالم كله.. مو؟؟ كاسرة تبتسم: إلا مو.. ومو.. ومو.. ثم أردفت بذات نبرة الحزن الـمُخبئة: الحين ماعاد يهمني.. بس زمان وأنا صغيرة تمنيت يكون عندي صديقات كثير.. تمنيت أكون مثل أختي وضحى الحين ماشاء الله وش كثر صديقاتها.. فاطمة تضحك بمرح: زين يا بنت الحلال إني رفيقتش الوحيدة.. عشان ما تتوسطين إلا لي.. وتشغليني لولاش وإلا كان قاعدة الحين في البيت أشد شعري.. كاسرة تبتسم: أنا من يوم انطردتي من الجامعة عقب الانذار الثالث وحن أخر فصل.. ومهوب باقي لش إلا 12 ساعة على التخرج وأنا محترة فاطمة بحزن: لا تذكريني.. ضاع عمري في الجامعة وعقبه يطردوني ماباقي شيء على تخرجي.. تقارير مرض أمي وانشغالي فيها ماشفعت لي عند إدارة الجامعة بشيء.. وعقب ذا كله هذا أنا اضطر اشتغل بالشهادة الثانوية ثم أردفت وهي تتناسى هذا القهر الذي لا تستطيع تناسيه: بس أكيد الفصل اللي خليتش فيه بروحش في الجامعة.. كان فصل ممل كاسرة هزت كتفيها بسخرية موجوعة: ممل؟؟.. كان مأساة.. كانت روحي بتطلع من الحزن على فراقش والقهر عليش.. وأنا أمشي في الجامعة بروحي ماحد داري عني ولا معبرني ثم أردفت بحزن أعمق: يعني فطوم لهالدرجة أنا ما أتعاشر.. مثل ما أصيد وضحى وتميم وامهاب وحتى أمي دايم يقولون علي كذا.. وأبين إني ما شفت شيء ولا سمعت شيء فاطمة بتساؤل حنون: زين وليش تكونين كذا قدامهم..؟!! كاسرة بسخرية مرة: على قولت جدي (إذا سموك كلب، فصر نباح).. يعني أمي ربتني كذا.. لكنها يوم شافت الحالة زادت عندي.. ماحاولت تعدلني.. كانت مبسوطة فيني.. لأني أذكرها بنفسها وعقب صار الكل ينتقدني.. يعني أنا صرت الكلب اللي لازم يرعب بنباحه.. وصرت ما أعرف أتصرف إلا كذا.. مثل يوم كنا في المدرسة تذكرين.. والبنات يقولون لش.. أشلون مصاحبة ذا المغرورة.. يعني البنات يوم شافوني حلوة.. على طول قالوا: مغرورة.. فقلت خلاص الغرور حق مكتسب لي.. ومن هي مثلي يحق لها تصير مغرورة فاطمة بذات الحنان: بس لو سمحتي لهم يعرفونش عدل.. لو حاولتي تنازلين أنتي عن عنادش.. بينتي لهم داخلش.. كان حبوش.. الإنسان لازم يظهر أحسن مافيه للناس.. مهوب وأنتي راسمة نفسش نجمة في السما وتبين الناس يفهمونش بدون ما تقدمين مقابل كاسرة بعناد: ما أعرف أسوي كذا.. وأنا ماني بمستعدة أتنازل عشان أغير صورة الناس حطوني فيها وعقبه أنا لبستها بجدارة فاطمة تهز كتفيها بمودة صافية حقيقية: الناس مالهم إلا الظاهر.. كاسرة بحزم لطيف: خلاص خل الظاهر لهم.. أنا عاجبني حالي.. الاثنتان مستغرقتان في حديثهما الودي.. ليرن هاتف كاسرة.. تلتقطه بهدوء: نعم وضحى .................. نعم .................. بحزم شديد: لا.. العصر أنا أوديش.. ...................... خلاص وضحى قلت لا يعني لا كاسرة أنهت الاتصال.. وفاطمة ابتسمت بتساؤل: وين تبي تروح وضحى وأنتي ما رضيتي كالعادة؟؟ كاسرة بهدوء لم يخل من بعض غضب: اليوم تدري إنه أمي في مدرسة تحفيظ القرآن.. وماحلا لها تروح إلا وأنا وأمي مهوب موجودين في البيت ابتسمت فاطمة وهي تتذكر: خالتي أم امهاب كم جزء وصلت لين الحين؟؟ كاسرة بحنان غامر: فديتها.. ختمت 20 جزء.. عقبال العشرة الباقية بإذن الله.. يا الله ياني ناوية أسوي لها شيء كبير إذا ختمت حفظ القرآن إن شاء الله فاطمة بتحسر: بس حرام إن أمش ما دخلت الجامعة.. تذكرين واحنا في ثالث ثانوي وهي تمتحن معانا منازل.. والله العظيم كنت على طول أسألها قبل الامتحان ماشاء الله إجاباتها على طول جاهزة وبعدين جابت أحسن مني.. ماشاء الله منازل وجابت 87 %.. وانا ياحظي 76 بس.. كاسرة بحنان عميق: والله حاولت فيها تدخل بس هي مارضت.. قالت بادخل مدرسة تحفيظ أروح يومين في الأسبوع.. الجامعة تبي انتظام ومقابل.. وما أقدر أخلي إبي بروحه.. ثم أردفت بمودة غامرة: فديت إبيها ..جعلني ما أذوق حزنه يوم.. فاطمة بحذر: كاسرة جدش رجال عود واجد.. يعني توقعي ذا الشيء.. وأنتي إنسانة مؤمنة كاسرة بغضب: فاطمة سكري ذا السالفة.. فاطمة بمرح: زين زين يمه منش.. ثم أردفت لتنسي كاسرة الموضوع الذي تعلم أنه مصدر ضيقها الأول : زين خلاص قولي لي وين كانت وضحى تبي تروح.. كاسرة تحاول أن تهدأ بعد الخاطر المزعج: المكتبة تبي تطبع بحث.. فاطمة بتساؤل رغم أنها تعرف الإجابة: زين ليه ماخليتيها تروح.. يعني لازم تكسرين بخاطرها كل مرة كاسرة بهدوء: يعني فطوم كنش ما تعرفين أسبابي.. فاطمة بهدوء مقصود: أنا أعرف بس هي ما تعرف.. وترا مبرراتش ممكن تكون مقنعة لش.. لكن لها أو حتى لي مهوب مقنعة.. وضحى ماعاد هي بزر.. عمرها 22 وكلها أسبوعين وتتخرج من الجامعة إن شاء الله كاسرة بحنان موجوع: يا فطوم.. طيبة زيادة عن اللزوم.. إلا هبلا.. العام اللي فات راحت تسوي نفس الشغلة بروحها.. تدرين الطباع النصاب.. خذ على طباعته اللي ما تجي خمسين ريال..خذ 400 ريال.. وما عطاها حتى وصل ولما رجعت أنا له.. يقول إنها كذابة وماعطته إلا سبعين ريال.. تخيلي!! ومهوب هذي السالفة الوحيدة.. ياختي مكتوب عليها مقصة.. ماتروح مكان إلا يقصون عليها.. وما تتوب ولا تتعظ.. عندها حسن ظن بالناس غير طبيعي وأنا ما ابي حد يستغفل أختي ثم أردفت بحزم: يأختي عدا أني أخاف عليها واجد.. أدري بتقولين كبرت وأخلاقها ماعليها كلام.. صدقيني أدري.. بس طيبتها تخوفني.. أخاف حد يلعب عليها بكلمتين.. حد يضايقها في الطريق وما تعرف تتصرف تدرين إني مستحيل أخليها تسهر مقابلة الكمبيوتر عقب ما أنام أنا.. أخاف تدخل شات.. وإلا حد يلعب بعقلها.. وضحى بريئة بزيادة وتصدق كل شيء فاطمة تضحك: والله إنش غريبة.. وش ذا التفكير الحجري اللي عندش.. فكي عن البنية شوي..وضحى ما ينخاف عليها ..وتراش منتي بأمها فليش تخنقنينها بذا الطريقة.. لو أنا منها.. اخنقش وأنتي نايمة.. ابتسمت كاسرة: عاد هذا اللي الله عطاني... خليها لا تزوجت.. بتنفك من غثاي.. ابتسمت فاطمة: وافقت على عبدالرحمن؟؟ كاسرة بهدوء رقيق: مابعد عطت رأيها.. تدرين فطوم في داخلي أتمنى وأدعي ربي إنها توافق على عبدالرحمن سبحان الله هي وعبدالرحمن فولة وانقصت نصين.. ابتسمت: طيبين ومهبل ثم أردفت بتوجس: بس أخاف إنه سالفة إنه عبدالرحمن خطبني أكثر من مرة تخرب عليهم حياتهم.. عشان كذا أنا ما شجعتها.. وقلت لها سوي اللي أنت مقتنعة فيه تدرين فطوم لو كنت أنا الحين متزوجة كان اقنعتها توافق على عبدالرحمن.. بس بما أني لحد الحين عانس على قولتش أخاف إنها تحس في وجودي خطر عليها وعلى زواجها.. فاطمة بمرح: زين ضحي بعمرش يالعانس وتزوجي عشان أختش واحد من اللي حرقتهم الشمس عند بابكم ثم أردفت بجدية: ماتعبتي من كثر ما تردين الخطاب.. كاسرة العمر يجري.. أنا الحين عندي ولدين وأفكر إن شاء الله أحمل بالثالث ما تبين لش ولد تضمينه لصدرش.. والله العظيم الأمومة بروحها تكفي عن أي شيء.. كاسرة بألم: اكيد نفسي أتزوج ويكون عندي عيال.. ثم أردفت بابتسامة: بس أول خليني ألقى الأبو المناسب لعيالي.. فاطمة بسخرية: إيه شايب منتهي مخرف.. يموت عليش ويخليش أنتي وعيالش.. كاسرة تضحك: ول عليش.. على طول موتي رجّالي.. إلا عمره طويل إن شاء الله لي ولعياله طريتي علي العيال.. فديته حسون اشتقت له.. فاطمة تبتسم: ما أدري وش حببش في ذا الولد اللي أمه ما تطيقش كاسرة تهز كتفيها: المحبة من الله.. ومهوب أنا بس اللي أحبه.. الكل يحبونه.. ياسبحان الله يمكن عشان أبيه مات وهو في بطن أمه.. يخلينا كلنا حاسين بحنان عليه وبعد هو ماشاء الله أدب وحلاوة ودش تأكلينه من قلب.. لكن أمه الله يهداها.. يوم تشوفيني أشيله وإلا أحبه تركبها العفاريت.. كني ذابحة لها أحد بس جوزا بالذات ما أقول لها شيء.. والله العظيم فطوم.. أول مرة أحس بوجيعة حد مثلها.. بنت صغيرة توها عروس ما تتهنى حتى شهرين ويموت رجّالها وهي حامل في شهر لا ويقطون عليها كلام إنها وجه نحس.. وحدادها 8 شهور كاملة تغيرت كثير عقب موت زوجها.. كنها وحدة ثانية.. بس نعنبو لايمها.. قلبها احترق عشان كذا يوم تقط هي علي كلام.. أحط نفسي ما سمعت.. أو ما انتبهت.. أو أرد رد عادي على أني ما فهمت قصدها ما ألومها مقهورة وتبي تفضي قهرها..وشكلي صرت كبش الفدا بس اللي جرحني بجد تخيلي فطوم قبل كم اسبوع جايبة لحسن هدية.. تخيلي وأنا طالعة من بيتهم لقيتها مرمية في الزبالة اللي قدام البيت بعلبتها ما انفتحت... هذا تصرف وحدة عاقلة؟!! أحيان كثيرة أسأل نفسي أنا وش سويت لها.. والله العظيم فاطمة عمري ما ضايقتها بشيء ثم أردفت وهي تبتسم لفاطمة وتقول هذه المرة بغرور تمثيلي مرح باسم: بس واثق الخطوة يمشي ملكا.. خل اللي كاسرة مهيب عاجبته يحترق بحرته فاطمة تضحك: يالله ياكريم لا تحرمني أشوف كاسرة عند واحد كاسر خشمها تذوب فيه وتذبحها الغيرة عليه كاسرة باستنكار: من هو ذا اللي أغار عليه.. مابعد جابته أمه.. ثم أردفت بغرور: ياحبيبتي تغار اللي خايفة رجّالها تزوغ عينه.. لكن أنا الحمدلله واثقة إنه عينه بتكون عايفة خلق الله عقب ما يشوفني فاطمة تبتسم: اللهم علي الدعاء ومنك الاستجابة.. ************************************ "خلاص خالتي.. كل شيء جاهز؟؟" عفراء بتوتر وهي تلبس عباءتها: جاهز.. ثم أردفت بحرج: يافضيحتي من خليفة.. أقول له ماني برايحة معكم.. مع أن الولد ترجاني.. ثم ما يوصلون إلا يلاقيني ناطة عندهم.. وش يقول ذا الحين؟؟ إني مابغيت خوته؟!! مزون بابتسامة: وهذي الصراحة.. أنتي ما بغيتي خوته عفراء بغيظ: عيب مزون!! يتعالى صوت بوق سيارة قريب.. تقفزان معا بتوتر.. وتهمس مزون بتوتر أكبر : يالله خالتي شكله كسّاب يستعجلش عفراء بحنان: ماتبين شيء يأمش تحاول مزون أن تمنع الدموع من التقافز لعينيها وهي تهمس بثبات قدر ما استطاعت: لا فديتش.. روحي وتطمني على جميلة.. وأنا الحين بأخلي خدامتش تكمل ترتيب البيت وعقب بأسكره.. واخليها تروح تنام هي والسواقة مع خدامات بيتنا عفراء تتنهد وهي تحتضن مزون ثم تنزل نقابها على وجهها وتسحب خلفها حقيبتها الصغيرة.. فهي مصرة أن تكون زيارتها قصيرة وتعود مع كسّاب ما أن غادرت وأغلقت الباب.. حتى انهار تماسك مزون الهش لتتهاوى جالسة بيأس وهي تنخرط في بكاء خافت عميق الشهقات.. "أما تعبتِ يا مزون من كثرة البكاء..؟! تبدين كما لو كنتِ عقدت معاهدة دائمة مع الدموع.. يكاد طعم الدمع المالح لا يفارق حنجرتي فقدت الإحساس بطعم كل شيء.. فقط طعم مرٌّ كالعلم يتضخم ويتضخم حتى بتت أبصق هذه المرارة داخل أوردتي وشراييني كان يجب أن أكون أقوى من ذلك.. مررت بأقسى الظروف.. وتخصصت أصعب التخصصات تخصص لا يجرؤ عليه إلا الرجال.. وتفوقت عليهم فيه كان لابد أن أكون أقوى ولكن بقيت أنثى بدمعة حائرة لا تجف كسّاب لماذا كسرت ظهري هكذا؟؟ كيف أستطيع الوقوف وأنا أعلم أنك لست خلفي لتسندي لماذا علمتني أن أعتمد عليك بينما كانت مساندتكِ لي مشروطة أن أنفذ أنا شروطك؟؟ لماذا عجزت عن تفهمي .. عن مسامحتي.. عن احتوائي؟!! أ لم تقل لي دائما أنني ابنتك؟؟ فكيف يقسو قلبكِ هكذا على ابنتك؟؟ كيف؟؟" تحاول الوقوف وهي تتنهد وتمسح دموعها وتنظر حولها بحنين عميق وتهمس بشفافية: " الله يرجعش يا خالتي على خير والله المكان والدنيا من غيرش ما تسوى" بعد دقائق.. في سيارة كسّاب المنطلقة التي يتبعها سيارة أخرى فيها اثنين من سائقي شركته حتى يعيد أحدهما سيارة كسّاب للبيت عفراء تشعر براحة عميقة وحال مختلفة عن حالها خلال اليومين الآخيرين.. حتى وإن كان كسّاب أجبرها على السفر.. فكم هي شاكرة له أنه أجبرها!! كم هي ممتنة لإصراره عليه!! فرفضها الهش سرعان ما تهاوى أمام إصراره لأنها كانت تتمنى في داخلها أن يجبرها.. وفعل!! كان هذا التفكير يدور ببالها وهي تلتفت لكسّاب بحنان متعاظم.. لتهمس بعدها بامتعاض: كسّاب يأمك.. ليه مالبست لك لبس غير ذا؟؟ كسّاب يلقي نظرة خاطفة على لباسه الانيق والبسيط في آن (تيشرت أبيض نصف كم) بخطوط سوداء عشوائية وبنطلون جينز أسود ويهمس بهدوء وهو يعاود النظر للطريق: وش فيه لبسي خالتي ؟؟ عفراء بذات الامتعاض وهي تلمس عضلات عضده الشديد الصلابة: يأمك كان لبست لك قميص كمه طويل وواسع.. أخاف عليك من العيون ما تشوف أشلون التيشرت لاصق بصدرك وزنودك.. حينها ضحك كسّاب: خالتي عيب.. والله العظيم عيب.. تراني رجال ماني ببنية.. عفراء بحنان: وشيخ الرياجيل ماقلنا شيء.. بس العين حق.. وأنت بعد يأمك مربي لي ذا العضلات بزود.. اللي ماعنده عيون بتطلع عيونه ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: وإيه وتذكرت سالفة ثانية حارتني.. لا وهذاك اليوم في عزبة أبيك شايفتك رايح للرياجيل شايل سرندلين كبار كنك شايل قواطي بيبسي.. ياولدي الناس مامن عيونهم خير ابتسم كساب وهو يقول (بعيارة): الحين أنتي اللي أم عيون.. عاد السرندلات قواطي بيبسي؟!.. ول عليش ياخالتي (سرندل=أنبوبة غاز) عفراء قرأت بعض آيات القرآن و نفثت عليه ثم همست باستفسار مبهم: خاطري أعرف السنة اللي أنت قعدتها في أمريكا وش سويت فيها؟! كسّاب بثبات وثقة: درست الماجستير.. وش سويت بعد.. عفراء بنبرة ذات مغزى: ودراسة الماجستير تخلي الواحد عضلات كذا.. شكلك كنت تشل حديد 24 ساعة في اليوم طول ذا السنة.. ولا ظنتي بعد تكفي كساب يبتسم ويهمس بنبرة مقصودة: خالتي اخلصي علي.. وش تبين تقولين؟؟ عفراء بجدية: حلفتك بالله ثم حلفتك بالله ثم حلفتك بالله.. أنت كنت تاكل بروتينات وإلا ضارب إبر هناك..؟؟ يأمك أنت عارف ذا الأشياء أشلون خطرة وتضر الصحة وتجيب الأمراض الخبيثة. حينها انفجر كسّاب ضاحكا: وهذا الموضوع اللي دايم تحومين عليه؟؟ تحلفيني عشانه وثلاث مرات؟؟ ثم أردف ببساطة: ها والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم إنه عمره ماطب حلقي أي حبوب ولا كلت بروتينات ولا ضربت إبر.. ارتحتي يالغالية؟؟؟ حينها عاودت عفراء لمس عضده وهي تتساءل باستغراب: زين من وين جات ذي.. ؟؟ كسّاب يبتسم: رياضة ياخالتي.. مابعد سمعتي بالرياضة؟؟ عفراء بعدم ارتياح له زمن يرافقها: سمعت بالرياضة.. بس ماسمعت عن رياضة تسوي في الواحد كذا ********************************* طرقات خافتة على الباب همست وضحى المستغرقة في استذكارها: ادخل ولكن الطرقات تكررت.. حينها ابتسمت وضحى بصفاء حقيقي وهي تقف لتفتح الباب بنفسها ثم تشير بعلامة ترحيب متحمسة وتهمس في ذات الوقت: هلا والله إني صادقة.. يدخل إلى غرفتها بخطوات هادئة ويشير بإشارات هادئة: أمي تقول ما تعشيتي .. ليه؟؟ أشارت بابتسامة وهي تهمس ذات العبارة كما اعتادت : عندي دراسة كثير والله.. إذا خلصت نزلت كلت لي شيء تميم بهدوء عذب: يعني مهوب شيء ثاني؟؟ ابتسمت وضحى: الشيء الثاني كان أمس.. وأنا خلاص اليوم لاهية في دروسي أشار تميم وفي عينيه نظرة مقصودة: وموضوع أمس بيقعد أمس.. وماراح ينحل اليوم يعني؟!! وضحى مع تميم مخلوق آخر.. محررة من التردد والخوف والتوتر.. علاقتها مع تميم شيء فريد وكأن كل منهما يأخذ من عبق روح الآخر فروح هذا الشاب الشفافة الصافية تنعكس عليها لتبعث في أوصالها إحساسا حانيا بالإحتواء والمساندة والصفاء أشارت وهي تستعد للجلوس: أبي لي يومين.. قبل أبلغ امهاب رفضي.. عشان ما يأكل كبدي ويقول لي استعجلتي في التفكير يجلس تميم جوارها: وأنتي كذا تشوفين إنش ما استعجلتي.. عبدالرحمن ما ينرفض.. حرام تروحينه من يدش حينها انتفضت وضحى بغضب: حتى أنت يا تميم.. حتى أنت.. شايف إنه من المفروض إني أحب يدي ألف مرة إن واحد مثل عبدالرحمن قرر يفكر فيني لأني ما أناسب مستواه العالي.. لازم أستغل الفرصة..عشان أدبسه فيني قبل ترجع له الذاكرة لأنه أكيد واحد مثله ماخطب وحدة مثلي إلا لأن فيه خلل في عقله لازم نستغله قبل يتصلح الخلل... ولأنه...... تميم قاطعها وهو يمسك بيديها ليوقف سيل إشاراتها العصبية وكلماتها المتدافعة بغضب وهو يشير لها ببساطة: سواء كنتي أحلى وحدة في العالم وإلا أشين وحدة في العالم في كلا الحالتين عبدالرحمن ما ينرفض.. أما إذا رجعنا لش.. أنا أبي أعرف أنتي من وين جايبة ذا النظرة السلبية عن نفسش.. هذا أنتي قدامي وشايفش حلوة ومافيه أحلى منش وضحى بأسى: هذا عشانك تحبني.. شايفني في عيونك حلوة تميم يشير بحنان ومودة: وعبدالرحمن بعد بيحبش وبيشوفش في عيونه حلوة مع أنش حلوة بدون عيون حد وترا عمر الجمال ماكان هو سبب لنجاح الزواج الحين كاسرة هل فيه وحدة أحلى منها.. مع كذا ما أتوقع إن الرجّال اللي بيتزوجها بيكون مبسوط معها.. لأن عشرتها صعبة لكن أنتي ياحظه اللي بتكونين زوجته ابتسمت وضحى: الله لا يحرمني منك.. دايم رافع معنوياتي.. ثم أردفت بجدية: بس يا تميم والله أنا مأني بمقتنعة بذا السالفة كلها حينها أشار تميم بجدية: إيه كذا معقول.. منتي بمقتنعة.. حقش.. وعلى العموم وضحى.. ماحد بجابرش على شيء بغيتي توافقين أو ترفضين هذا شيء راجع لش.. وتأكدي إني واقف معش وفي صفش مهما كان قرارش.. ***************************** "أوف جننوني عيالش.. مابغوا يرقدون.. وش معطية عيالش أنتي؟؟ من وين جايبين ذا الطاقة كلها.. نطينا على السرير.. وتطاردنا ولعبنا.. أنا انهديت وهم يقولون مثل خالي هريدي: كمان" صرخت سميرة بهذه العبارة وهي تلقي بنفسها على سرير نجلاء التي كانت واقفة تجفف شعرها المبلول.. ضحكت نجلاء: ما دريت إنه عندنا خال اسمه هريدي.. سميرة تضحك: كنت بصراحة أحلم يكون عندي خال اسمه هريدي وواحد ثاني اسمه محمدين.. وحسنين بعد.. وابو المعاطي.. وعوضين نجلاء تضحك بهستيرية: من جدش؟؟.. عصابة مطاريد الجبل مهوب خوال ذولا.. حينها اعتدلت سميرة جالسة وهي مازالت تضحك: وش سوي بأبيش.. اللي يوم حب له مصرية.. خلا كل المصريات اللي أخوانهم أكوام أكوام.. وراح يتزوج وحدة (مئطوعة من سجرة).. نجلاء بمودة عميقة: فديتها أمي.. ليه هو كان بيلاقي أحلى منها.. سميرة تضحك: إيه وأبيش عاد ما يطيح الا واقف.. وين لقى له مصرية شقراء وبيضاء كذا كنها روسية؟؟ وش ذا الحظ اللي يفلق الصخر عنده؟!! نجلاء باستنكار باسم: ماعاد باقي الا أمش وأبيش تبطحينهم بعينش.. عقب ما بطحتي هل شارعنا كلهم سميرة (بعيارة): إيه وش عندش؟؟ مبسوطة في أمش.. ماحد خذ الشقار إلا أنتي.. وأبيش عاد يموت على الشقار.. خليتوني أروح أصبغ شعري عشان ما أصير شاذة في البيت سميرة تضحك: أمي قسمتها بالعدل بيننا.. أنتي أبيض وحدة فينا.. وأنا خذت الشعر الأشقر.. وغنوم العيون العسلية حينها وضعت سميرة يدها على قلبها وهي تصرخ باصطناع: أه يا قلبي.. يا قلبي لا تذكريني... ماحد حارني إلا غنوم.. صحيح (يدي الحلئ للي بلا ودان) غنوم الخايس يأخذ العيون العسلية.. وأنا عيوني سود تروع في بياضي لا وبعد مهوب عاجبه لون عيونه... يا حرتي حرتاه لا وأنتي بعد عادش متمننة علي بالبياض.. هذا أنتي قدش بتنفقعين من البياض اللي بحمار نجلاء تضحك: ماتعرفين تذكرين ربش أنتي.. سميرة تنزل حاجبا وترفع آخر: عارفته قدام أشوف وجهش يالطماطة.. كانت نجلاء على وشك الرد عليها لولا صوت رنين الرسالة التي وصلت هاتفها حينها صرخت سميرة وهي تقفز لتلتقطه: والله ما يفتحه إلا أنا.. تراجعت سميرة بحزن وهي تترك جهاز الهاتف لها وتقول بغصة: إذا قريتيه امسحيه ومافيه داعي تقولين لي وش فيه.. سميرة بمرح: كذبش كذباه.. قال ما تبي تدري وش فيه... عليّ يانجول؟!! بس تدرين نجول.. صويلح هذا المفروض يعطونه جائزة أكثر رجال العالم مثابرة.. 9 شهور كاملة مامل.. يوميا نفس الوقت مسج.. وأنتي بعد يعطونش جائزة أكثر نساء العالم تحجرا.. إذا قلبش مابعد ذاب من ذا المسجات.. و أنا قلبي ذاب منذو مبطي.. ثم تنهدت وهي تفتح الرسالة: يارب ابعث لي من عندك واحد كلامه حلو مثل صويلح ما أن قرأت الرسالة حتى أغمي عليها أحد إغماءتها التمثيلية التي لا تنتهي: آه آه ياقلبي.. لا عاد رجالش ذبحني الليلة.. والله ذبحني.. إن ما جهزتي شنطتش ورجعتي لصويلح عقب ذا المسج.. يكون ما عندش قلب وعليه العوض ومنه العوض في قلب أختي اللي انتقل إلى رحمة الله حينها لم تستطع نجلاء مقاومة الفضول.. تناولت الهاتف الملقى بجوار سميرة التي مازالت مغمى عليها في تمثيليتها .. لترفعه إلى مستوى نظرها بتردد #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ البارت التاسع . قراءة ممتعة مقدما . . لا حول ولا قوة إلا بالله . . بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع في غرفته يدور.. حينا يجلس.. وحينا يقف.. لم يجد الليلة شيئا يستطيع دفن نفسه فيه.. حتى يحين موعد إرساله لرسالته اليومية لها.. الرسالة التي بقيت خيطا يعلم أنه يربط قلبه بقلبها حتى وإن لم تتكرم أن ترد عليه لو لمرة.. يقف ليفتح خزانة الملابس.. مازالت ممتلئة بملابسها.. يكاد أن يذكر لكل رداء منها حكاية من وله مصفى وهي يشعر حينما رآها فيه وكأنه رأى حورية تسربلت بالحسن من أجله وحده لا ينسى مطلقا شيئا خاصا ارتدته له.. لتصبح ذاكرته مزدحمة بعشرات الصور التي لم يغفل تفصيلا واحدا من تفصيلاتها.. وكيف يغفل وهذه التفاصيل انحفرت في ذاكرته حتى أقصاها؟!! لماذا تركت كل هذه الأشياء الخاصة بها وراءها؟؟ لماذا؟؟ "هل أردتِ تعذيبي أكثر؟؟ هل أردتِ أن تتأكدي أنني سأظل مقيدا إليك.. وذكرياتك تخنقني وتغرقني وتستنزفني حتى الثمالة هل أردتِ أن تتأكدي أن عبقك الساحر الذي تخلف عنك وبقي هنا سيبقى حبلا ملفوفا حول عنقي لا انفكاك منه؟! أي أنانية لا قلب لها أنتِ؟؟ إن كنتِ عزمتي على الرحيل.. فلماذا لم تجمعي كل أغراضكِ الموبؤة المسكونة براحتكِ الدافئة المسكرة إن كنت أنتِ رحلتِ.. فلماذا تتركين لي البقايا؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟ إن لم تكوني أنتِ لي، فلا أريد هذه القمامة.. لا أريدها !!" حين وصل تفكيره لهذه المرحلة.. انتزع أشيائها من الخزانة وبدأ يقذف بها بغضب مجنون وروح ثائرة أثقلتها الوحدة والوجع واليأس.. ولكنه سرعان ما توقف وهو يعيد جمعها بلهفة أكثر جنونا... ليعيد ترتيبها كما كانت تماما في ذات المكان الذي وضعتها فيه أناملها الساحرة التي يقتله الاشتياق للثم شفافيتها.. لضمها بين أنامله السمراء " والله باستخف يانجلاء.. قربت استخف.. حرام عليش اللي تسوينه فيني حتى تهديدي بالزواج ماجاب نتيجة معش لذا الدرجة رخص صالح عندش؟!! صالح اللي ما أرخصش يوم!! أدري لساني يبي له قص أحيان بس والله أحبش يا بنت الحلال.. خلاص ارحميني.. باستخف والله باستخف ارحموا عزيز قوم ذل!!" تنهد بعمق وهو يجلس على الأريكة.. إحساس اختناق يطبق على رئيتيه.. يخلع فانيلته ويلقيها بعيدا.. يشعر أنه عاجز عن التنفس.. مخنوق.. يبحث عن ذرة أكسجين فلا يجدها.. يتمنى لو يستطيع تمزيق جسده حتى.. ليخرج روحه من أسر هذا الاختناق وهو غارق بهذا الإحساس الشديد المرارة واليأس والثقل.. تناول هاتفه .. ليرسل رسالته اليومية لها: " تدري ليه أكره غيابك ؟! لأني في الغيبة .. أموت ضيقتي .. بعدك تجيني و (البُكى) من غير صوت !" ******************************* نجلاء قرأت الرسالة وهي تغمض عينا وتفتح أخرى.. وخائن صغير يتمرد عليها لينبض بجنون في يسار قفصها الصدري.. تُسكت تمرده الذي فضح برودها وهي تعض شفتها السفلى بألم ثم تعيد الهاتف لمكانه وهي تصرخ في داخلها: "كذاب.. كذاب.. كذاب" سميرة نهضت من إغماءتها وهي تنظر لنجلاء في دهشة: أشوفش رجعتي التلفون نجلاء تهمس بهدوء ظاهري وهي تتجه للتسريحة لتمشط شعرها: ليه وش تبيني أسوي؟؟ سميرة بنبرة غضب: ردي عليه.. خافي ربش في المسكين.. ثم أردفت بمرح غاضب: يأختي رياجيلنا يأهل الخليج عندهم تقشف مشاعر احمدي ربش.. عندش واحد عنده فايض مشاعر ولا هوب عاجبش.. نجلاء تمسك بطرف التسريحة حتى إبيضت مفاصلها وهي تهمس بغيظ موجوع: قصدش عنده فايض كذب سميرة تبتسم: زمان قالوا "أعذب الشعر أكذبه" وأختش سميرة تقول: " أعذب الحب أكذبه" تلتفت لها نجلاء وهي تبتسم رغم إحساس الألم المتزايد في روحها: يعني أنتي تبين واحد يقول لش أحبش وهو يكذب عليش سميرة تبتسم وهي ترقص حاجبيها: يازينه زيناه الرجال الكذوب.. وش فيها الغزيلات؟؟ الغزيلات أصلا ملح الرجّال (الغزيلات=الكذبات الصغيرة) أما الرجّال اللي كل شيء صدق عنده.. فهو خيشة كبيرة تبتسم نجلاء: يالله لا تحرمني من أني أشوف سميرة عند رجّال مايعرف ريحة الصدق ويقطّع بطنها بكذيباته.. " والله لا يحرمني منش يأم خالد بيضتي وجهي" الاثنتان تقفزان وهما تنظران للباب المفتوح الذي يقف غانم عنده سميرة تلوي شفتيها وتمدها وهي تصرخ: من متى وأنت هنا..؟؟ غانم يضحك وهو يتقدم لداخل الغرفة: " من أعذب الحب أكذبه" يا فيلسوفة زمانش.. حينها تقفز سميرة لتجلس عند قدميه وهي تتمسح به باستجداء تمثيلي: داخلة على الله ثمن عليك ياطويل العمر ما تكوفني.. توبة من دي النوبة.. حرمت أتفلسف.. غانم يبعدها وهو يهمس بمرح: باعديها عشان أم خالد بس.. وإلا أنتي لو ما تكوفنين كل يوم يكون فيه شيء ناقص في روتين حياتش غانم يقترب من نجلاء ويقبل رأسها ويهمس بمودة ممزوجة بالاحترام: بيضتي وجهي يأم خالد.. الشباب يقولون وش ذا المطعم العجيب اللي أنت مسوي عشاك عنده.. قلت لهم: شغل البيت.. ماشاء الله تبارك الله كلوا لين قدهم بينفقعون من حلات العشا ثم أردف وهو يضحك: لا وفهيدان الكلب يشاورني يقول ردوا علينا مرت أخي.. هاد حيلها في عزايمك ثمن تمدّح على قفاها.. أقول له وأنت وشدراك إنها مرت أخيك.. العشا مسويته سميرة.. (قالها وهو يضرب مؤخرة رأس سميرة بخفة) تدرين وش قال فهيدان: قال يحرم علي مجالس الرجال وشرب الفنجال كن ذا من زيان أختك العِثبر (العثبر= التي لا تحسن صنع شيء) هذا زيان أم خالد ما يخفاني.. حينها انفجرت سميرة ضاحكة بغيظ: وولد عمك ذا بيموت وهو لسانه يلوط آذانه.. حينها عاود غانم ضربها على مؤخرة رأسها: مثلش.. ظني يقبرونش ولسانش يلالي.. ابتسمت نجلاء بمودة: جعل فيه العافية لك ولفهد.. بياض وجهك يابو راشد بياض لوجهي.. ثم قاطعتها سميرة بمرح: بس لا عاد تعودها.. تراك مسختها.. شكلك كنت تدعي إن نجول ترجع علينا عشان تكرفها في عزايمك.. ثم أردفت وهي تمصمص شفتيها: ياعيني على بختك يأختي.. ئليل البخت يلئى العظم في الكرشة.. هنا كارفينش وهناك كارفينش.. ثم أردفت وهي تطبطب بحركة تمثيلية على كتف نجلاء: مسيرك هتموتي وهترتاحي يا بنتي عند رب كريم.. غانم يضربها على مؤخرة رأسها للمرة الثالثة: مأ اشين فالش.. جعل يومش قبل يومها.. سميرة تتراجع وهي تضع يدها على فمها وتقلب ملامح وجهها في مشهد تراجيدي خالص ودموعها تبدأ بالتساقط: اعترفوا.. اعترف أنت وياها ينقلب وجه غانم ونجلاء من تغير ملامح وجهها بينما أكملت بصوت باكٍ مفعم بالتراجيديا التمثيلية: أكيد أنا مانيب بنتكم.. أنا بنت بطل الفيلم.. وأنتو عيال الحرامي العود اللي خطفني عشان ينتقم من بابا.. بس بابا لازم بيرجع وينتقم منكم على اللي سويتوه فيني وأنتو تعذبوني طول الفيلم.. قصدي طول ذا السنين اللي فاتت.. ثم أردفت وهي تسقط على الأرض وترفع يديها للسماء وتكمل تمثليتها: يارب أنت وحدك اللي شايف.. ابعت لي بابا.. أنا تعبت خلاص غانم يضحك وهو ينفذ عن ذراعيه: هدوني عليها ياناس.. وتقول ليش تكوفني.. سميرة تقفز وتختفي خلف ظهر نجلاء وهي تضحك: تراني في وجه أم خالد.. إلا لو أم خالد مالها حشمة عندك.. هذا شيء ثاني.. ********************************* طرقات حازمة على الباب..كانت حينها قد بدأت بخلع ملابسها.. أعادت حشر كتفيها المرمريين المصقولين في قميصها الحريري ليستر الحرير حريرا أكثر نعومة منه أغلقت أزرارها على عجل وهي تهمس باحترام: دقيقة يمه تعرف كل طارق من دقته.. ولم يخب حدسها يوما والدتها طرقاتها حازمة قصيرة وضحى طرقاتها ناعمة وكأنها تخشى أن تؤلم الباب مهاب طرقاته لها صدى ضخم لأنه يطرق الباب بقبضته تميم نقراته هادئة وطويلة وبين كل طرقة والآخرى زمن ما.. فتحت الباب لوالدتها على اتساعه وهي تهمس باحترام: هلا يمه.. فيه شيء؟؟ مزنة بعتب رقيق: يعني لازم إني ما أجي لغرفتش إلا لسبب.. كاسرة تبتسم: لا والله يمه مهوب القصد.. بس توني كنت معش من خمس دقايق.. مزنة بحزم حنون: بكرة أبيش تودين وضحى وسميرة يشترون لهم طابعة زينة عشان مشروع تخرجهم.. يقولون تعبوا من الطباعين.. كاسرة بعتب: ووضحى تبي لها وسيط.. ما تقدر تجي تطلب مني على طول؟!! مزنة بهدوء عاتب: يعني كل شيء لازم تفهمينه مقلوب.. وضحى أصلا طلبت مني أنا أوديها هي وسميرة.. بس أنا تدرين ما أحب المجمعات وإزعاجها وهم يبون فيرجن في فيلاجيو فانا حبيت إنش تكفيني... عندش مشكلة في ذا الشيء..خلاص قولي لي وأوديهم.. كاسرة بعتب مشابه: وأنتي بعد يمه لازم تلاقين شيء تغلطيني فيه .. ثم أردفت بهدوء عذب: خلاص فديت عينش.. عشانش أودي مندوبهم لو جاني بكرة عقب المغرب أوديهم.. وقولي لوضحى تقول لسميرة عقب صلاة المغرب على طول تجهز مهوب تنقعنا عند بابهم مثل كل مرة.. ****************************** يدخل إلى شقته وهو يسحب نفسه سحبا.. مستنزف من الإرهاق.. مستنزف من الوجيعة.. مستنزف من كل شيء في الحياة التي تبدو باهتة خالية من الألوان بعيدا حتى ألوان ذكراها التي أصبحت محرمة عليه حتى الذكرى!! حتى الذكرى لا حق له فيها!! يلقي بنفسه على الأريكة بعد رحلته الطويلة... فهو لم يجد رحلة مباشرة لجنيف.. وكانت أقرب رحلة لبرلين.. لذا حين وصل برلين أخذ قطار منها لجنيف.. ليتعطل القطار في الطريق.. ويعاني في رحلة التوقف التعيسة فوق إحساسه المر بكل شيء ما كاد يريح كتفيه.. حتى تعالى رنين هاتف شقته.. لم يكن له أبدا رغبة في الرد.. لكن الرنين استمر واستمر التقط الهاتف وبصوت مثقل بالإرهاق أجاب: ألو الطرف الآخر بغضب مستحكم: كذا تسوي فيني عليان.. علي تنهد مطولا وهو يمسح وجهه ويستعيذ بالله من الشيطان: السموحة طال عمرك.. سامحني جعلني الأول زايد بذات الغضب: أشلون تسافر بدون حتى ما تسلم علي.. ومن البارحة لين اليوم وينك.. حرقت جوالك اتصالات مسكر.. وتلفون شقتك ماترد عليه علي بإرهاق وهو ينتزع الهاتف اللاسلكي من قاعدته ويبدأ بنزع ملابسه عن جسده المنهكة ليستحم: جوالي فضا شحنه.. ورحلتي كانت طويلة شوي وأنا كلمت مزون على البيت وطمنتها عني.. ماقالت لك زايد بغضب متزايد: والله ياعيال زايد.. الظاهر ماعاد حد عطاني خبر شيء.. كلن يسوي اللي في رأسه وأنا مالي حشمة ولا تقدير على الأقل خافوا ربكم.. وإلا حتى ربي ماله مخوفة.. علي يجلس على سريره وهو يحتضن الهاتف بين أذنه وكتفه ويخلع حذائه ويهمس بجزع: تكفى يبه لا تقول كذا ثم أردف بوجع شفاف في مصارحة مؤلمة: يبه أنا مستوجع.. مستوجع خلني جعلني فدا خشمك أروق شوي ومالك إلا اللي يرضيك قفز قلب زايد إلى حنجرته وأحرف كلمات "مستوجع" تتلبس جسده كتيار كهربائي صاعق ينسف خلاياه وجعا صاعقا.. فهذا علي!! علي!! تمنى أنه جواره الآن ليأخذه في أحضانه.. ليقول له: " دعني أحمل هذا الوجع عنك فمازلت صغيرا على هذا الألم سامحني يا بني.. سامحني أعلم أني قسوت عليك.. ولكني وأنا أقسو عليك قسوت على نفسي وكل حزن جرح قلبك.. مزق قلبي تمزيقا لِـمَ لم تصارحني منذ البداية؟ إن كان لها في قلبك مكان ما.. لِـمَ لم تخبرني؟!! متى اعتدت أن تخبئ أسرارك علي ياعلي؟!! ظننت أن الامر لا يعدو شهامة منك تجاه ابنة خالتك ما ظننت للحظة أن هناك المزيد فأبوك يا بني خير من يفهم ألم الحرمان من حلم المعشوقة أعرف أي ألم صارخ هو.. فكيف أكون من يهديك إياه؟!! كيف أكون أنا؟؟!!" همس زايد بحنان مجروح: أجيك يأبيك؟!! انتفض علي بجزع.. يتركه في الدوحة.. ليجده أمامه في جنيف!! قد تكون رؤية زايد في هذا الوقت مقلبة لمواجعه ولكنه يا لا الغرابة مشتاق له!!.. فهو لم يكتفِ بعد من رؤية عينيه الصارمتين الحنونتين لا يستطيع أن يغضب من زايد.. لا يستطيع.. مجروح منه حتى عمق العمق لذا لا يريد أن يراه الآن ولكنه ليس غاضبا منه.. ولا يستطيع الغضب منه فهذا زايد.. مهما فعل يبقى زايد.. لو حتى قطع لحمه بمنشار صدئ لن يشتكي ويبقى زايد... "فزايد كفاه ماعاناه حتى مني.. لن أكون سببا للمزيد الكل جرحه قاصدا أو بدون قصد جرحتني يا أبي ولكن أ تصدق إن قلت لك أنني أفهم مبرراتك.. أ لم أكن رفيقك الدائم.. رفيق سمرك وحكاياتك؟! منذ توفيت أمي وأنا كظلك الذي لا يفارقك إلا مضطرا صدقني يا أبي حين هربت في المرة الأولى وحتى الثانية.. لم أهرب منك.. فكيف أهرب من روحي التي تتلبسني؟! كيف أهرب من جلدي الذي يحتويني؟! هربت فقط من جو ضاغط لا يتفهم ولا يرحم أتفهم ما فعلته حتى وإن كان جرحني ومزّق مشاعري فقد أحببت خليفة كما أحبتته أنت فأنت أرضعتني هذه المحبة مع حكاياتك التي لا تنتهي عنه في أحيان كثيرة كنت أشعر أنني رفيقكم الثالث في مغامراتكم وحكاياتكم وصداقتكم الفريدة لا أعلم يا أبي.. ربما لهذا السبب أردت جميلة أردت أن أضم بعض رائحة خليفة إلى صدري عل الصورة حينها تكتمل في عقلي (لماذا كان لقرب خليفة منك كل هذا التأثير؟!) " علي انتفض من وطأة أفكاره وهمس بمودة: تبي تأتي حياك الله زايد بحنان عميق: يمكن تبي لك شوي وقت تقعد بروحك.. تلافى زايد إخباره عن سفر عفراء وكسّاب اللذين سينزلان في جنيف أولا.. لأنه لم يرد أن يقلب عليه مواجع أي ذكرى وهو يتذكر أنه لا يستطيع السفر وترك مزون لوحدها حتى يعودا.. رد عليه علي بذات الحنان: أشلون أقعد بروحي وأنت روحي طال عمرك.. زايد بتأثر عميق: لا تعتب على أبيك.. والله إني مستوجع أكثر منك تدري بغلاك يا علي.. فلا تخلي شيء يشكك في غلاك وإلا يبعدك عني.. ******************************* مطار شارل ديغول طائرة جميلة تصل مازالت جميلة لم تصحُ من مخدرها.. والمصحة في مدينة أنسي البعيدة جدا عن باريس على حدود سويسرا.. ولكن كان لابد من النزول أولا في باريس.. حتى يستقبلهم المكتب الطبي القطري في باريس.. ويقومون بتسجيل دخولهم وبياناتهم لينتقلوا بعد ذلك لطائرة طبية خفيفة لم يكن على متنها إلا هم.. وهاهو خليفة يعاود الجلوس في مكانه جوارها.. يعاود النظر لوجهها الخالي من الحياة.. ومشاعر شديد الكثافة تخترم روحه.. يشعر أنه غريب مع امرأة غريبة في أرض غريبة.. ومع ذلك يجدان نفسيهما مرتبطين برباط لا انفكاك له رباط خانق يكتم على أنفاسه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يعاود النظر لوجهها.. تخرج خصلة من شعرها من تحت الطاقية التي ترتديها يحاول مد يده لإدخالها.. فلا يستطيع لا يستطيع... فيشير إلى الممرضة أن تفعل ذلك بينما عاود هو إسناد ظهره للمقعد.. والغرق في دوامات أفكاره العاتية *********************************** مزون في غرفتها.. في موال بكاء دائم.. ماعادت تعرف لماذا تبكي؟؟ ليس لأنها لا تعلم ما الذي يدعوها للبكاء ولكن لأن كل شيء يدعوها للبكاء ولا تعلم أيهم يستحق البكاء أكثر.. أو هي تبكي من أجله أمن أجل وجعها الشخصي.. ونظرة المجتمع لها.. وقسوة كساب عليها؟؟ أو من أجل كساب الذي فقد الإحساس بالسعادة؟؟ أو من أجل جميلة التي يبدو أنها قد تغادر الحياة دون أن تراها حتى؟؟ أو من أجل خالتها التي ما عرفت الراحة يوما؟؟ بل من أجل علي.. أحدث الجرحى وأقدمهم.. القلب الصافي المطعون؟؟ بل من أجل زايد.. نعم من أجله.. يحمل وجيعة الكل.. ولا أحد يحتمل مشاركته الألم.. الكل يحمله الذنب.. لا يعلمون أي وجع مضاعف يشعر به.. أوجاعهم فوق وجعه.. تنهدت بعمق.. توجهت للحمام لتغسل وجهها بماء بارد.. ارتدت روبها فوق بيجامتها.. وتوجهت لغرفته.. وكم فعلت ذلك!! "ماذا بقي لي يازايد سواك؟؟ وماذا بقي لك سواي؟؟ الحياة ستمضي يازايد.. ستمضي.. كلهم سيعيش حياته سيتزوجون وينجبون الأطفال وينسوننا سأبقى أنا وأنت نجتر الوحدة.. هل تعتقد يازايد أن كسّاب لو أنجب أطفالا سيسمح لي أن أحملهم؟؟ لن أصبح أما يوما.. فهل سيحرمني أن أشتم رائحة الأمومة في ثنايا أطفاله؟!! علي لا أظنه سيعود يوما يا أبي.. أصبح طيرا مهاجرا ماعاد يألف جونا.. اعتاد أن يهرب.. وسيبقى هاربا.. لماذا يعود؟؟ ماذا وجد هنا غير القهر والحزن مني أولا.. ثم من جميلة.. خالتي عفراء.. كم أتمنى أن تعود.. ما معنى الحياة خالية منها؟! ولكن روحها معلقة بجميلة لو رحلت جميلة.. سترتحل روحها خلفها.. قد تبقى جسدا ولكن بدون روح فكيف أعيش من دون روحها التي إليها أنتمي؟! أي أفكار مخابيل تلتهمني الليلة.. بل تلتهمني كل ليلة تعبت يا أبي.. تعبت من هذا الجنون والحزن واليأس ليت السنوات تعود ليصحح الإنسان أخطائه يا أبي.. ليتها تعود؟!" مزون كانت غارقة في أفكارها حتى وصلت لباب غرفة والدها طرقت الباب ودخلت كان يصلي قيامه حين دخلت.. لذا جلست على طرف سريره تنتظر انتهاءه حين سلم من صلاته التفتت ناحيتها وابتسم ..فزايد يشعر براحة عميقة بعد مهاتفته مع علي.. ردت عليه مزون بابتسامة مشابهة وهي تقف وتتجه ناحيته لتنحني وتقبل رأسه: مساك الله بالخير.. ولو أنه عدينا نص الليل زايد بحنان: اللي تقولينه كله زين.. نهض ليطوي سجادته ويضعها على المقعد.. ثم يخلع طاقيته ويجلس على سريره تجلس مزون جواره وهي تمسح شعره.. وتهمس بمرح: ماشاء الله يبه على ذا الشعر كله.. تبي تسوي سبايكي.. ضحك زايد: عيب يا بنت.. ثم أردف بحنين عميق: هذا سر أمي الله يغفر لها.. شعرها كان كثيف وواجد.. ثم عاد ليردف بابتسامة: ولو أنه اللي في عمري المفروض خلاص يصلع.. بس شعري عاده مقاوم عمليات التعرية ربعي الشيبان محترقين يقولون أنت وش تسوي بشعرك علمنا.. مزون تقبل شعره تم تحتضن ذراعه وهي تسند رأسها لكتفه: خلهم يموتون حرة .. وبعدين وش سالفة عمري ويصلع...توك شباب يا زايد.. ووسامة ورزة.. ضحك زايد: أما وسامة .. كثري منها يأبيش.. تضحك مزون: والله العظيم يبه إنك كل ما تكبر تحلى.. ثم أردفت بخبث لطيف: لو أنك بس تخليني أزوجك وحدة مزيونة.. قرص زايد خدها: عقب ما شاب ودوه الكتّاب.. مزون بابتسامة حانية: يبه والله ما أمزح.. توك شباب.. والله ما فيها شيء لو بغيت تتزوج.. ثم أردفت وهي تضحك: بس مهوب تستخف وتتزوج بنية في العشرينات تجننك وتجننا معك.. زايد يحتضنها بحنو: لا يأبيش.. لا عشرينات ولا خمسينات.. ثم همس وهو يشدد احتضانها: خلينا فيش.. مستعدة لبكرة؟؟ تصلب جسدها قليلا ثم همست ووجها مختبئ في صدره: إن شاء الله.. أنا أصلا اللي كلمتهم وقلت لهم بجي للمقابلة بكرة عقب ماكنت مأجلتها على أساس إنه حنا بنسافر مع جميلة همس لها زايد بثقة حانية: لا تحاتين شيء يأبيش.. أنا وصيت الجماعة عليش وأبشرش بتطيرين مع طاقم نسائي كامل.. الكابتن وحدة انجليزية اسمها إيمي ميلر.. والمساعد الأول بنت سورية.. فسافري وإنتي مطمنة حينها انتفضت مزون بسعادة مفاجئة وهي ترفع رأسها لتنظر إلى عينيه: صدق يبه.. صدق.. مامعنا رجّال.. زايد بحنان: أفا عليش.. وراش زايد.. واللي تبينه يصير.. بيضي وجهي والله الله في الستر والحشمة.. ********************************* طائرة تتهادى بين السحاب.. تفتح عينيها بهدوء لتجده جوارها مستغرقا في قراءة كتاب.. تهمس بابتسامة: شكلي نمت واجد.. لي يومين ما نمت.. شكلي ماصدقت يرتاح بالي شوي أنام يغلق الكتاب ويضعه أمامه ويهمس بمودة: شكلش منتهية من التعب.. ثم أردف بمرح: لا وتشخرين بعد ضحكت بمرح: لا عاد في هذي كذبت.. أنا ما أشخر.. وإسأل جميلة ومزون حينها شعرت بانقباض ما.. وهي تتذكر صغيرتيها التي كل واحدة منهما في بلد همست بهدوء حذر: يأمك يا كسّاب ما تشوف إنه كفاية اللي تسويه في مزون قطعت قلب البنية.. تصلب جسد كسّاب ولاحظت بوضوح عروق عضده ورقبته التي برزت بعنف ودلت على استثارة الغضب التي يشعر بها: خالتي سكري ذا الموضوع خلي ذا الرحلة تعدي على خير.. طاري بنت أختش يعصبني قاطعته خالته بسخرية مرة: يعني أشلون ماعاد هي بأختك؟؟ ما تحبها؟؟ كسّاب ببرود ساخر: أحبها؟؟ لو أقدر مصعت رقبتها مصع.. لكن خايف ربي بس ..وإلا هي مهيب كفو عفراء بجزع: يأمك وش ذا الكلام.. عمر الدم ما يصير ماي.. وأنا عمري ما شفت أخ يحب أخته مثلك كساب بذات البرود الساخر: كان يحبها.. ذاك زمان مضى.. هي ماقدّرت ولا حفظت معزتي لها.. 13 سنة كاملة من عقب وفات أمي الله يرحمها وأنا حاطها فوق رأسي ومبديها على كل شيء في حياتي لو حتى بغت لبن العصفور والله لأجيبه لها.. والزعل على قد الغلا اللي كان عفراء بهمس موجوع: يعني خربتها بالدلع وعقبه تجي تحاسبها.. كساب بمقاطعة: لا يا خالتي.. لا تركبيني الغلط.. هذا كلام مأخوذ خيره ثم أردف بوجع مغلف بالبرود أو ربما برود مغلف بالوجع: مزون ماكانت أختي بس كانت بنتي.. كانت أغلى مخلوق عندي.. كل الحنان اللي ما لحقت أمي تعطينا إياه.. أنا عطيتها إياه.. وعقبه تجي وتكسرني.. وتصغرني قدام الرياجيل.. لو أنا ما رجيتها بدل المرة ألف كان دورت لها عذر لكن مزون مالها عذر.. مالها عذر.. والله لو كانت بس تغليني نص ما كنت أغليها ماكان هان عليها تبيعني عشان شي مايستاهل الجرح يوم يجيك من الغاليين مهوب يجرح بس يا خالتي.. لكن يذبح!! مزون خلاص ماعاد لها في قلبي مكان...فسكري ذا الموضوع أحسن.. ثم أردف وهو ينظر تحته ليتشاغل عن همومه التي أثارتها خالته بينما يحاول هو تناسيها: شكلنا على البحر المتوسط الحين.. ************************** "جوزا مابعد نمتي.. ممكن أدخل" همسها الهادئ: تعالي شعاع فتحت شعاع الباب ودخلت وأغلقته خلفها بخفة.. وجدت جوزاء تجلس على سريرها وهي تقلب ألبوما تريه لحسن الصغير وتسأله: من ذا؟؟ يجيب بابتسامة صافية: بابا فتسأله بحنان: وبابا وين الحين؟؟ يجيب بذات الأبتسامة : عند لبي. (ربي) فتسأله بحنان أعمق: واللي عند ربي.. وش نقول له.. حسن بعذوبة: الله يلحمه.. (يرحمه) شعاع فاضت عيناها بالدمع دون أن تشعر وهمست بصوت مبحوح: تكفين جوزا خلاص لا عاد تورين حسن صور أبيه.. تعلقينه فيه وهو حتى ما عرفه ترا اللي تسوينه غلط والله غلط... هو وش عرفه وش معنى عند ربي الحين يظن إنه رايح شوي ويرجع.. جوزاء بألم شفاف: مهوب هاين علي إن حسن ما يكون عنده على الأقل ذكرى أب.. شعاع تجلس معهما على السرير وتحتضن حسن وتنظر معهما للصور وتحاول أن تبتسم: بس تدرين مثل زين عبدالله الله يرحمه ماشفت.. إن شاء الله حسون يطلع يشبهه جوزاء بعتب: أحسن.. عشان ما يطلع مثل أمه الشينة... اللي كل الناس أحلى منها شعاع همست بحرج وهي تعرف سبب تلميح أختها: جوزا أنتي والله مافيش قصور وكلش جاذبية..وهذا الشيء أنتي عارفته زين بس هذاك اليوم يوم عذربتي في وضحى.. طلعتيني من طوري جوزاء بنبرة عدم اهتمام موجوعة: يا بنت الحلال أدري أني مافيني قصور اللهم لك الحمد والشكر ولا عندي أي شك في شكلي.. بس الحق يقال عبدالله الله يرحمه كان أحلى مني .. قوية المرة تقول إن رجّالها أحلى منها.. بس هذي الحقيقة شعاع تقاطعها بحزن: بلاه ذا الموضوع.. وهاتي الألبوم أدسه.. وانسي.. يعني اللي يشوف حرصش على عبدالله بذا الطريقة.. يقول إنش كنتي تموتين عليه.. ترا كل اللي قعدتيه معه ما يجون شهرين حتى.. مالحقتي حتى تعرفينه الله يرحمه جوزاء تقف لتنظر لنفسها في المرآة الطويلة وتهمس بوجع: أول ما شفت عبدالله ليلة عرسنا توترت من وسامته اللي زيادة عن الحد قلت صحيح أنا حلوة وماشي حالي بس هذا المفروض يأخذ ملكة جمال.. ليش أمه اختارتني؟؟ بس عقب قلت.. يمكن عشان ستايلي يعجب العجايز.. بس هو ما ظنتي عجبه شيء فيني اقتربت من المرأة اكثر وهي تضيق بيجامتها الحريرية عليها لتتضح تضاريس جسدها المثالية لدرجة الخيال المستعصي على كل تصور والتي لم تتأثر مطلقا بإنجاب طفل شعاع بمرح: تكفين رخي البيجامة.. أنا أختش ما أستحمل.. أشلون اللوح اللي كنتي ماخذته ثم أردفت بجزع: يا الله لا تأخذني.. الله يرحمه.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك جوزاء أكملت وكأنها تحادث نفسها: أحيان كثيرة كنت أشك إنه يدري لو أنا موجودة معاه في الغرفة.. أقول يمكن لو أنا كرسي كان انتبه لي والمشكلة إنه الناس كلهم يقولون عنه: رجّال مافيه منه اثنين.. وين الرجّال هذا؟؟ أنا عشت مع لوح بكل معنى الكلمة.. الشهرين اللي قعدتهم معه حتى سالفة وحدة على بعضها ماقالها لي.. أحيانا كنت أشك في قواه العقلية.. بس عقب صرت أشك في عقلي أنا لأني كنت أشوف هله باقي ويحطونه فوق رووسهم من كثر ما يحبونه ويحترمونه.. ومعهم يكون شخص ثاني.. شخصية غير وطلاقة في الكلام.. واحد ثاني مذهل لكن يتسكر علينا باب.. يرجع لوح مرة ثانية.. يتجاهلني كأني غير موجودة حاولت بكل الوسائل أثير أنتباهه.. ألفت إعجابه.. أحسسه إنه على الأقل فيه مخلوق بشري معه في الغرفة.. بس بدون فايدة لا وتخيلي عقب ذا كله.. أحاد عليه 8 شهور كاملة... يعني الأخ ما تنازل ولمسني إلا مرتين وأخرتها أتورط بحمل يمدد الحداد الدبل ثم التفتت خلفها وهي تنظر بحنان لحسن الذي نام : بس أحلى ورطة في حياتي الله يخليه لي شعاع بألم وهي تحتضن عضد جوزاء وتسند خدها لكتفها: جوزا ما تتعبين من ذا السيرة جوزاء بألم عميق وهي تمسح على خد شعاع: خليني أفضفض.. أنتي الوحيدة اللي تدرين... أحيان كثيرة والله احتقر نفسي على أفكاري الغبية والمريضة بس شاسوي يا اشعيع غصبا عني.. غصبا عني.. ما أدري ليه أتصرف كذا والله إني صرت أكره نفسي من تصرفاتي مثلا والله أدري كاسرة مالها ذنب عشان أكرهها.. بس والله ما استحملت خالات عبدالله اللي دايم يقطون كلام وظنهم إني ما أسمع (من جدش تأخذين هذي لعبدالله خيرت عيالنا.. شوفي بنت خالها.. هذي اللي المفروض تأخذ عبدالله ..) في أحيان كثيرة أسأل نفسي لو عبدالله خذ وحدة جمالها صارخ مثل كاسرة.. وحدة تملأ عينه يا ترى كان اللي صار صار ما تتخيلين يا شعاع الشهور الثمانية الحداد اللي قعدتها في بيت هله.. كانت عذاب..عذاب.. حتى العذاب شوي على اللي شفته لولا نجلاء مرت صالح كانت تخفف علي أو كان استخفيت الحزن والذنب خنقوني.. كل ما حطيت عيني في عين عمي أو عمتي.. حسيتهم يحملوني ذنب اللي صار عبدالله ثم انهارت في بكاء مفاجئ بعد تماسكها الظاهري: وجهي كان نحس عليه.. أنا نحس.. نحس ليتني ماخذته .. ليتني ماخذته وقعد عايش لهله **************************** مازال يدور في غرفته.. يغتاله السهد الليلة ووطأة الذكريات لا يعلم لِـمَ كان لديه أمل ما أنها قد ترد عليه بأي شيء الليلة.. فهو وصل منتهاه.. منتهاه!!! عاجز عن النوم.. مثقل بالتفكير.. يتمنى لو ينام قليلا فقط.. فلديه عمل غدا أصبح كل شيء مملا بعيدا عن ألقها.. بعد أن كان يصحو على رفرفة قبلاتها كفراشات معطرة حطت على وجهه.. هاهو يصحو وحيدا على صوت منبه مزعج أشبه بصفير الموت بعد أن كان يرتدي ملابسه وعيناه تطاردان بولع حركتها الدؤوبة في الغرفة وهي ترتب فوضاه يرتديها وهو يتحاشى النظر لأي شيء قد يثير ذكراها مع هبوب نسمات الصباح التي تذكره بها قسرا.. فهذا النسيم العليل الموجوع يمر على وجهه بحنان مشفق.. مثلها!! لماذا انقلبت هكذا للنقيض؟؟ لماذا؟؟ يشعر أنه يختنق يختنق.. سينفجر من غرفته.. ومن كل ذكرياتها الموبؤة.. من رائحتها المعطرة الشفافة التي تملأ جنبات الغرفة لتشعل شوقه الملتهب.. أي ألم هذا؟؟ كل شيء يخصها هنا.. إلا هي.. إلا هي!! طرقات حازمة على باب غرفته يهتف بهدوء ظاهري: ادخل ياللي عند الباب.. يدخل فهد العائد لتوه من بيت عمه راشد.. ينظر لصالح الجالس على الأريكة ويقول بهدوء مرح: شكلك كنت تبي تسبح يأبو خالد.. صالح ينتبه أنه يجلس بدون فانيلة..يقف ليتناول له واحدة أخرى من الخزانة يرتديها وهو يقول بذات الهدوء الظاهري: لا كنت ألبس يوم دخلت حضرتك فهد يتقدم خطوتين للداخل ويهتف بابتسامة: وينك ماحضرت عشاء غانم فاتك خوش عشاء ثم أردف بخبث مرح وهو يغمز بعينه: شغل أم خالد حجت يمينها.. حينها صرخ صالح بثورة مفاجأة مزقت هدوءه الظاهري: فهيدان أذلف تراني ماني بناقص ملاغتك الليلة.. فهد مازال يبتسم: أفا أفا يأبو خلودي تونا اليوم الصبح حبايب.. صلوحي وفهودي.. صالح من بين أسنانه: أقول فهيدان أذلف.. ترا أبليس راكبني الليلة.. فارق قدام أخلي وجهك شوارع حينها غادر فهد وهو يرسم على وجهه علائم الغضب المصطنع.. أغلق الباب خلفه بخفة.. ولكنه عاود فتحه وهو يطل عبر الباب نصف إطلاله وهو يضحك: ما ألومها أم خالد هجت.. قالب وجهك ترّوع لك قبيلة.. تيك إت إيزي بيبي.. وقبل أن يرد صالح عليه أغلق الباب خلفه وصوت ضحكاته مازال يتعالى.. بينما تعالى غضب صالح المكتوم: هذي أخرتها يا نجلاء.. خلتيني مضحكة حتى للبزارين.. زين أخرتش بترجعين وبيطخ اللي في رأسش.. بعد عدة دقائق صامتة.. قفز ليرتدي ملابسه.. ويلتقط مفتاح سيارته.. ويخرج دون غترة حتى.. دار في الشوارع طويلا.. قبل أن يقف في شارع فرعي.. يتناول هاتفه ويرسل لها رسالة: "أنا الليلة بايعها بايعها لو ما رديتي علي بأي شيء.. أي شيء والله لأجيكم لين البيت.. وتراني أصلا في سيارتي.. دقيقتين وأكون عندش" في وقتها كانت نجلاء.. تستعد للنوم بعد أن عادت من غرفة ولديهما وحصنتهما بالأذكار وأطمئنت على وضعهما رفعت رأسها عن المخدة وهي تشعر بتوجس.. "يالله مسا خير" قرأت الرسالة.. تنهدت بعمق.. وكتبت له: "أبو خالد الله يهداك.. أمسي إذا أنت فاضي.. انا وراي قومة الصبح مع عيالك" "وهذا اللي الله قدرش عليه تقولينه لو قدرت أمسي كان أمسيت.. ما أنتظرت أوامرش" "لا تنبشني يأبو خالد خلني ساكتة" "اشتقت لش ما تحسين أنتي؟؟ ويش اللي يمشي في عروقش.. ماي؟؟ اشتقت لش.. حسي فيني خلاص والله ما أقدر أصبر من غيرش ومن غير العيال" حينها تنهدت نجلاء بعمق وهمست لنفسها بغيظ : زين يالرومانسي.. تبي كلام حلو.. حاضرين أرسلت له: " جرحتني جرح(ن) كبير(ن) وباين جرحتني جرح(ن) يمس الكرامة هنت الغلا كله وعيني تعاين بعت الهوى وأقفيت تنعي حطامه لا تحسبنّي وإن قسى الوقت لاين لا والذي يحصي بعلمه أنامه إنسى غرامي ثم فكّر وعاين شف موقعك وإرسم لحدّك علامه حدّي رسمته وأصبح اليوم باين ( يموت حب ولا تموت الكرامة ) " لم يرد عليها.. وشعرت نجلاء بتوتر غير مفهوم.. وحزن أكثر استعصاء على الفهم.. "جرحته.. أدري إني جرحته.. بس هو اللي جابه نفسه" بعد خمس دقائق.. وصلها رسالته: "يا بنت عمي.. أنتي والله على قولت المثل: سكت دهرا ونطق كفرا . . طلي على حوشكم" نجلاء شعرت بالرعب يتصاعد في قلبها.. خرجت تتسحب من غرفتها للصالة العلوية التي تطل شبابيكها الكبيرة على باحة البيت شعرت بالرعب وهي تتعرف سيارته التي تقف في منتصف الباحة اتصلت به فورا وهي تهمس برعب من بين أسنانها: وش جايبك هنا يالمجنون؟؟ نظر صالح للأعلى رأى خيالها بين الستائر.. نزل من سيارته.. ليقف بجوار السيارة ويسند جنبه اليمين على مقدمة السيارة ويهمس بثقة: انزلي... بأروح لمقلط النسوان.. لازم نتكلم نجلاء شعرت بألم غير مفهوم وهي تراه يقف بدون غترة.. طوال عشرة السنوات الماضية.. يستحيل أن ينزل من غرفتهما حتى لداخل البيت دون غترة فأي هم هذا اللي أنساه إياها؟!! ولكن انفعالها التهم أي مشاعر اخرى: وش كلامه.. أنت عارف إني أبي الطلاق.. الحال بيننا هذا ما يمشي ولا هذي أول زعلة تصير بيننا على سبت ذا الموضوع.. كل مرة تقول آخر مرة.. بس ما تتوب من تجريحي صالح كأنه لم يسمع شيئا وهو يرفع عينيه للأعلى ويهمس بنبرة أمر صارمة: أقول انزلي يأم خالد.. انزلي قدام أطلع لش شعرت نجلاء برعبها يتصاعد لتنحدر لهجتها للرجاء: صالح تكفى.. روح.. غانم في غرفته وابي وبعد.. لو حد منهم شافك.. وش بيكون موقفك؟؟ صالح بثقة : أنا ما سويت شيء غلط.. أبي أكلم مرتي.. اقصري الشر وانزلي لي قدام اطلع لش رعب نجلاء يتزايد.. تعلم أنه قد يفعلها: تكفى صالح لا تفضحني تعال بكرة الصبح.. خلاص والله بأقعد معك ونتكلم صالح بغضب: كذابة.. صار لي 4 شهور ما شفتش يالظالمة.. وكل ما طلبت أشوفش تحججتي بألف حجة.. نجلاء بغضب مغموس بخجل عميق: قومي شين فعايلك تيك المرة.. خوفتني أقابلك مرة ثانية.. أنت واحد ما تتحكم في نفسك رغم غضب صالح.. ولكنه ابتسم لمجرد الذكرى.. ليهمس بخبث مغلف بنبرة خاصة: يومش خايفة ومستحية كان جبتي أمش معش.. والله ما حد قال لش تجيني بروحش في المقلط.. لا وتردين الباب بعد أنا بصراحة فهمتها دعوة.. ولو جيتي للحق هي ما تتفسر إلا كذا وبعدين واحد ميت من الشوق لمرته.. وش تتوقعين يسوي.. يقول لها مساش الله بالخير من بعيد ليش مكبرة السالفة.. ترا كلها إلا كم بوسة.. نجلاء تغمض عينيها وتضغط جانبي رأسها من شدة الخجل... مازالت رغم مرور السنوات تحتفظ في داخلها بروح صبية مغلفة بحياء مهذب.. الروح التي لطالما أسرت صالح وأذابت جوانبه بحياءها الرقيق لتصرخ من بين أسنانها: قليل أدب.. وما تستحي توكل على الله و لا تجي بكرة والله لما تحرك سيارتك الحين إني لأقول غانم يتصرف معك حينها رأته يميل بجسده أكثر على مقدمة السيارة وهو يستند بثقله عليها.. ويهمس بثقة ساخرة: تخوفيني بغنوم البزر... خليه ينزل.. أنا أتناه إذا أنتي بايعة أخيش.. خليه ينزل.. #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء العاشر نجلاء تصرخ من بين أسنانها: قليل أدب وما تستحي توكل على الله و لا تجي بكرة والله لما تحرك سيارتك الحين إني لأقول لغانم يتصرف معك حينها رأت صالح يميل بجسده أكثر على مقدمة السيارة وهو يستند بثقله عليها.. ويهمس بثقة ساخرة: تخوفيني بغنوم البزر... خليه ينزل.. أنا أتناه إذا أنتي بايعة أخيش.. خليه ينزل.. نجلاء تبتلع ريقها.. تعرف أن صالحا لا يهدد.. عشرة أكثر من تسع سنوات قد يكتم طويلا.. ولكنه حين ينفجر.. مرعب لأبعد حد.. وتعلم أن غانما لا يقل عنه حدة.. ويستحيل أن تعرض شقيقها ولا حتى والد أطفالها لموقف عراك سخيف من أجلها لذا همست برجاء: تكفى صالح روح.. أم عيالك مالها حشمة عندك صالح ببساطة موجوعة: وأم عيالي ليش ما تحشمني عاجبش وقفتي ذي..كني مراهق حتى غترتي توني أنتبه إنها مهي بمعي انزلي يا بنت الحلال أبي أشوفش بس.. نجلاء بتردد: بانزل.. بس توعدني ما تسوي لي شيء ولا تقربني.. صالح هتف بحزم شديد لم يتوافق مع ابتسامته المرتسمة بتلاعب: آسف ماني بواعد شيء.. نجلاء تكاد تبكي فعلا: لا حول ولاقوة إلا بالله.. وش ذا الليلة؟؟ منت بواعدني ماني بنازلة.. صالح بحزم وهو يتوجه للداخل: تراش مسختيها..طولتيها وهي قصيرة.. أنا جايش لين غرفتش نجلاء بجزع: لا.. لا.. جايه جايه.. انتظرني في المقلط.. صالح يفتح باب البيت ليلج للداخل.. وهو يقول بحزم: لو تأخرتي علي دقيقة وحدة.. بأطلع لش نجلاء كانت تتحرك كإعصار مجنون متوتر وهي تقفز لغرفتها لترتدي لها جلابية واسعة فوق بيجامتها.. وتتناول جلالها وتضعه على رأسها وتنزل السلالم قفزا ..خوفا أن ينفذ المجنون تهديده كانت تنزل بدون تفكير حتى وصلت باب المقلط.. حينها وقفت أمامه وهي تحاول سحب أنفاسه التي غادرتها وكل الأفكار تقفز لرأسها فجأة "ما الذي جاء بك ياصالح الليلة أي هم جديد تحمله لي؟؟ ألم يكفيك كل الوجع والجرح بيننا؟! " ثم أردفت لنفسها وهي تشهق: "أنا غبية..غبية..أشلون وافقته؟؟ تحت مافيه إلا غرفة أمي وإبي والحين نايمين والوقت متأخر وش بأسوي لو ...؟!" عضت على شفتيها بحرج عميق.. وهي تقرر العودة للطابق الأعلى بسرعة وإغلاق الباب على نفسها.. وليتصرف صالح كما يشاء ولكنها قبل أن تغادر الفكرة رأسها لمجال التنفيذ.. كان صالح يفتح الباب بغضب لتلتقي النظرة بالنظرة بعد كل هذه الأشهر.. وتتحول نظرة الغضب في عيني صالح إلى شيء آخر.. أعمق وأدفا وأخطر وتتحول نظرة الخوف في عيني نجلاء إلى توتر صاف وهي عاجزة حتى عن ابتلاع ريقها أو أخذ أنفاسها لحظات مرت من الصمت.. تبادل مستعر للنظرات.. وكأن كل واحد منهم يريد إكتشاف آثار غيابه على ملامح الآخر وهل فعلا قد ترسم انحناءات الوجه وأنثناءاته رائحة الفقد وتعاظم الشوق ووجيب القلوب؟! وهل تفضحهما نظرة الشوق؟؟ وتنهيدة الوجع؟؟ وشهقات الفراق؟؟ كان صالح أول من تماسك من نشوة النظرات وهو يريد استغلال تبعثرها قبل أن تفكر بتصرف ما وهو يشدها من يدها للداخل ويغلق الباب.. حينها انتفضت نجلاء بجزع وهي تنزع يدها منه: خل الباب مفتوح.. صالح ببساطة: آسف ماني بمخليه مفتوح.. أوامر ثانية؟؟ نجلاء بجزع خجول: لا تقرب مني قالتها وهي بالفعل تبتعد عنه لتجلس على المقعد الأقرب للباب.. بينما رد عليها صالح بابتسامة غاضبة: هذي بافكر فيها ثم أردف بحنان ممزوج بالغضب: ما أبي إلا شوفت وجهش يالبوارة.. ترا ماني بحيوان ولا همجي عشان تخافين على نفسش مني بذا الطريقة. نجح في إشعارها بالحرج والخجل لأبعد حد.. أنزلت وجهها وهمست بهدوء لتبعد عن نفسها الحرج: ها يأبو خالد.. وش الشيء الكايد اللي حدك على مساري الليل؟؟ صالح بعتب عميق وهو يجلس على مقعد منفرد بعيد عنها بدوره: الحين تنشدين وش حدني على مساري الليل؟؟ أربع شهور ما شفتش يا الظالمة.. وعلى قد ما حاولت أشوفش وأسوي حركات غبية وسخيفة.. ماهان عليش تبردين خاطري والله عيب عليش يا نجلا صالح على آخر الزمن يصير فيه كذا!! نجلاء بألم: صالح اللي سوا كذا فيني وفيه.. صالح بعتب أعمق موغل في الوجع: عاجبش حالنا كذا.. كل واحد في مكان.. وعيالنا شتتيهم بيننا.. ليش تحرمينهم يعيشون مثل باقي عيال خلق الله بين أمهم وأبيهم نجلاء نظرت له بعتب موجوع مجروح: إذا صار أبيهم ما يحترم أمهم.. أحسن ما يشوفون أشلون أبيهم يهين أمهم.. أي قدوة بتعطها لهم وأنت تكسر أمهم قدامهم صالح يشعر بألامه تفور في فيضانات من مشاعر متضادة: وكل شيء أنا السبب فيه.. وأنتي يعني بريئة ما تسوين شيء وليش تنسين سبب خلافنا الثاني.. كم صار عمر عزوز؟؟ خمس سنين.. غير إنه حن قعدنا 4 سنين لين جانا خالد.. وأحطها في ذمتش.. هل وقتها ضايقتش بكلمة أو حسستش بشيء مع إن العيب كان منش؟؟ انتظرت لين عالجتي وحملتي بخالد وعقبه عزوز وما فتحت ثمي بكلمة.. وعقبه تروحين تربطين خمس سنين.. صبرت سنة سنتين ثلاث لين كبر عزوز.. بس أنتي ما احترمتي صبري عليش نجلاء تنهمر بألم: الموضوع هذا مرتبط بالموضوع الأول.. لما كنت تهيني بأمي.. كنت أقول يمكن مقهور عشان أنا ما أجيب عيال.. جبت خالد.. وعقبه على طول جبت عزوز عشان أوريك فضل الله علي وإني الحمدلله ماعاد فيني شيء.. وعشان أرضيك لكن أنت مثل منت ما تغيرت.. قلت ماني بمستعدة أجيب بعد ولد وأنا ماني بضامنة حياتي معك.. وهذا كان معي حق كان معي حق.. أنت ما تستانس لين تجرحني وتهيني.. حينها بدأ صوتها بالارتعاش وهي تقاوم ما سيأتي بعد ارتعاش صوتها.. تخشى أن تهار صلابتها التي مازالت تحاول التماسك بأستارها المتهاوية تنهد صالح بعمق وهو يقاوم رغبته العارمة أن ينهض من مكانه ليدفنها في أحضانه المشتعلة اشتياقا لها ويمنعه من ذلك نظرة العتب في عينيها التي تجرحه في العمق..وارتعاش صوتها سهام تخترق فؤاده المتيم همس بحنان عميق: خلاص السموحة يا بنت الحلال.. ماني بمتعودها.. جربيني ذا المرة.. حرمت يأم خالد أنتي وأم غانم فوق رأسي.. نجلاء بألم عميق: سمعت ذا الكلام بدل المرة ألف.. والحين ما أقدر أتنازل أكثر.. الحين عيالي كبروا وأنا ماني بمستعدة أخليهم يسمعونك تهين أمهم وبجدتهم بعد..مستحيل أعرضهم لذا الموقف أمي مهيب بعيارة ياصالح.. وذا الكلام قلناه الف مرة.. بس أنت.......... صمتت على مرارة سدت حلقها.. صمتت والمرارة تنتشر حتى لسانها الذي جفت الكلمات الموجوعة عليه بينما همس صالح بألم مخلوط بالغضب: ألف مرة!!! ألف مرة!! صدق إنكم يا النسوان مكفرات العشير.. ادري إني غلطان ومعترف.. بس لا تبالغين بذا الطريقة وخلاص يأم خالد أنا تعذرت لش.. وش تبين زود؟! نجلاء سحبت أنفاسها بعمق: الطلاق.. ما أبي شيء غيره.. حينها انتفض صالح بعنف ليقفز عن مقعده ويتوجه ناحيتها لينتزعها من مقعدها وهو ينشب كفه القوية في عضدها ويهزها بعنف: نجوم السما أقرب لش.. والله لو حتى طار من رأسش طير أصفر وياويلش اسمعش تطرينه.. ما تبيني.. انطقي في بيت هلش.. بس وأنتي على ذمتي نجلاء تشيح بنظرها عنه بينما جسدها كله يهتز مع مسكه لعضدها وتهمس بوجع حاولت ألا تسيل معه دموعها: تبي تقهرني إذا أعرست علي.. عشان كذا تبي تخليني على ذمتك.. حينها أفلتها صالح فجأة وهو ينتفض بعنف وهو يلمح التماعة شفافة في طرف عينها وهي تحاول أن تشيح بنظرها عنه همس بوجع رجولي حان وهو يمد يده ليمسح دمعتها ثم يضع كفه بحنو على خدها: تبكين يا نجلا..؟؟ تبكين؟؟ ذا السنين كلها بيننا عمري ما شفت لش دمعة.. ليش يا قلبي تنحريني بدموعش؟؟ أدري إني غلطت والغلط راكبني من ساسي لرأسي ..والمسامح كريم.. ولو ما تبين تسامحين بكيفش.. بس تبكين لا.. لا ..تكفين نجلا بوجع: لو هامتك دموعي.. أو أنا هامتك بكبري ما كان رضيت لي المهونة.. ثم أردفت بوجع أعمق وهي تضع كفها الناعمة فوق كفه الساكنة على خدها: أدري إنك تحبني ياصالح.. وأنا بعد أحبك بس الحياة بيننا خلاص صارت مستحيلة تكفى خل بيننا ذكرى شيء حلو.. وطلقني.. خلاص ********************************** الصباح في فرنسا مقاطعة سافوي الفرنسية في الجنوب الشرقي من فرنسا بالقرب من سويسرا وإيطاليا مدينة Annecy أنسي الصغيرة التي تعد جنة من جنان الله على الأرض والتي تقع في أحد وديان جبال الألب الثلجية تبعد عن باريس حوالي 600 كيلو ولكنها قريبة جدا من جنيف السويسرية لذا من يريد الذهاب لها للسياحة يتجه لها من جنيف.. وكان هذا سبب اختيار زايد لها.. لقربها من من مقر عمل علي حيث تبعد من جنيف حوالي 65 كيلو فقط والسبب الثاني وجود مصحة شهيرة جدا لمعالجة مرض فقدان الشهية هي مصحة الدكتور (بوفار دوغال) في ضواحي أنسي الشديدة الهدوء والبالغة الجمال تصل الطائرة الطبية الصغيرة التي حملت جميلة من مطار شارل ديغول في باريس إلى مهبط الطائرات الخفيفة الخاص بالمصحة بعد ذلك بقليل تصل طائرة كسّاب وعفراء إلى جنيف وهما يختصران مسافة طويلة قطعها خليفة وجميلة ورغم رغبة عفراء العميقة في رؤية علي وخصوصا أنهما معه في ذات المدينة وهي لم تره حينما كان في الدوحة ولكن كسّاب رفض وأصر أن يتجها فورا لأنسي بعد انهاء إجراءتهما ولأسباب عديدة منها أنه حلف أن خالته عفراء لن تبيت إلا عند ابنتها والسبب الأهم بين أسبابه أنه كان يريد أن يترك عليا ليختلي بنفسه لفترة.. فلم يكن يريد إثارة اوجاعه برؤيتهما متجهين لجميلة وجرحه مازال طريا ينزف على أن يزوراه في رحلة العودة وبالفعل استقل كساب سيارة خاصة من جنيف وتوجها فورا لأنسي ليصلاها بعد 40 دقيقة وبعد 4 ساعات تقريبا من وصول جميلة للمصحة قبل ذلك بثلاث ساعات غرفة جميلة.. التي توقفوا منذ ساعات عن حقنها بالمهدئ استعدادا لاستيقاظها حين تصل للمصحة خليفة كان يجلس جوارها.. يقرأ ورده الصباحي.. سمع همهمات متقطعة انتفض بعنف.. " هل هذا صوتها؟؟ يبدو أن الأميرة النائمة صحت من سباتها ولحظة المواجهة حانت.." كان على وشك الركض لاحضار الطبيبة.. كان عاجزا عن مواجهتها وحيدا ولكنه استعاذ بالله من الشيطان وهو يقف ليضع المصحف على الطاولة المجاورة ويهمس لجميلة من قرب: صباح الخير جميلة.. همست بصوت متقطع دون أن تفتح عينيها: يمه ريقي ناشف.. عطيني شوي ماي تكفين خليفة ابتلع ريقه: خالتي موب هنا جميلة... وإلا نسيتي؟؟ همست جميلة بذات الضعف: زين مزون حبيبتي عطيني.. خليفة شعر أن الحوار غير ذي جدوى.. لذا تناول قنينة ماء وفتحها.. وهو يقترب منها ويدخل ذارعه تحت كتفيها الناحلين شعر بألم غير مفهوم وهو يشعر بخفتها المؤلمة: "هل يوجد داخل جسد هذه المخلوقة عظام حتى؟! " قربها منه وهو يسندها لكتفه حتى يسقيها... وشعور واحد يسيطر عليه الــــشـــفـــقــــة جميلة مازالت تشعر بالدوار.. لكنها ما أن شعرت بيد خليفة حتى شعرت أن هناك شيء غير طبيعي يحدث.. فهذه الذارع الصلبة وهذا الكتف القوي يستحيل أن يكونا ذراع أو كتف مزون الرقيقة لذا فتحت عينيها بجزع وهي تشتم رائحة عطر رجالي أكمل صورة جزعها.. لتجد جانب رأسها يستند لكتف رجل غريب حينها صرخت جميلة برعب وهي تحاول بفشل أن تدفعه وتدفع قنينة الماء ولكن قواها الخائرة لم تسعفها بينما صراخها المبحوح يتعالى: من أنت؟؟ خليفة أنزلها بخفة على سريرها وهو يهمس بحرج: أنا خليفة يا جميلة.. خليفة ريلج.. حينها شهقت جميلة بعنف وهي تحاول تركيز نظرها الضعيف في الرجل الغريب أمامها.. والذكرى كاملة ترجع لها لتبدأ بالصراخ الهستيري بشكل مفاجئ مرعب: أبي أمي.. أبي أمي.. جيبوا لي أمي... أبي أمي.. يمه.. يمه.. يــــمــــه خليفة نظر لها بجزع وهي تبدو كطفلة مذعورة.. اقترب منها ليقوم بتهدئتها ولكنها صرخت بهستيرية أكبر: لا تقرب مني.. لا تقرب مني خليفة تراجع.. والممرضات حضرن على صراخها.. ثم حضرت طبيبتها التي كانت تعطي طبيبها الجديد تفاصيل مرضها سارعت طبيبتها لسريرها لتجلس جوارها وتضع يدها على كتفها جميلة حين رأتها ارتمت في حضنها وهي تبكي بهستيرية داليا احتضنتها بخفة حانية وهي تشير لخليفة بنظرات عتب وتهمس له: إيش اللي عملته لها؟؟ خليفة يهمس بحرج وبصوت خافت حتى لا تسمعه جميلة الباكية: والله العظيم ما سويت لها شيء. حين هدأت جميلة همست بصوت مبحوح تماما وهي توجه نظرها لخليفة: آسفة يا .... يا... كان صعبا عليها أن تنطق اسمه.. لم تستطع.. لم تستطع سارع خليفة للرد: لا تعتذرين.. يمكن أنا خوفتج بدون ما اقصد.. لم تكن تريد أن تعتذر حتى.. ولم تكن حتى تشعر بأهمية الاعتذار.. ولكنها شعرت أن هذا مايجب تفعله .. أ لم تكن هي من أدخلت نفسها في كل هذا؟! أ ليست هي من اختارته حتى على والدتها؟؟ حتى على والدتها؟! كانت تبكي جزعا في داخلها.. لم تعتد على فراق أمها حتى لساعات كانت حتى وقت دوام والدتها في المدرسة تشتاق لها فكيف وهي في بلد وأمها في بلد؟!! تشعر برعبها يتجمع ويتجمع.. لأول مرة تكره عنادها.. عنادها الذي أوصلها لكل هذا فأي جنون ارتكبته؟!! أي جنون؟!! " لا لا .. ليس جنونا!! ليس جنونا!! بل هو الشيء العقلاني الوحيد أ ليس اسمه خليفة؟!! اسمه خليفة.. وهو من اختارني دون ضغوط من أحد؟؟ لم يختارني من أجل خالته ولا حتى عمه المتوفي.. ولكن وإن كان اسمه خليفة.. فهو رجل غريب عني لا ..لا.. من كان اسمه خليفة.. ليس غريبا.. ليس غريبا فلماذا أشعر أنه غريب عني هكذا؟!! وهأنا معه في مكان غريب ولكن ليس لي إلا هو.. ليس لي إلا هو أ فلا أحاول أن أكون مهذبة معه.. على الأقل يكون رحيما بي حين يغسلني ويكفني ويترحم علي وهو يتذكر عني شيئا جيدا غير عنادي وجنوني وصراخي!! ******************************** وضحى تنزل إلى الطابق السفلي وهي ترتدي عباءتها استعدادا للذهاب للجامعة.. لتنتظر تميم الذي أخبرها أنه يحتاج لربع ساعة ليجهز حاسوبه للعمل وجدت والدتها تجلس في الصالة وجهازها المحمول على ساقيها وهي تسجل بعض الأشياء على ورقة كانت مزنة مستغرقة تماما في النظر للشاشة لذا لم تنتبه حتى احتضنت وضحى كتفيها من الخلف وهي تطبع قبلة على خدها ثم تلصق خدها بخدها وتهمس باحترام ودود: صباح الخير مزونتي.. مزنة مدت يدها بحنان لتحتضن خدها: صباح الخير ياقلبي وضحى تنظر معها لشاشة الحاسوب وتهمس بمرح: وش تبين تطبخين لنا اليوم..أشوفش فاتحة مواقع طبخ مزنة بهدوء مرح وهي تعيد نظرها للشاشة: أبي أسوي معكرونة صينية عشان تميم وأدور طريقة جديدة.. ذا الولد ذوقه غريب في الاكل.. وش فيها المكابيس؟؟ وإلا البرياني وإلا المشخول؟؟ الحين بأسوي له غير غداكم أنتو.. وضحى تعاود تقبيل خدها وتهمس بمودة: أنا بأتغدى في الجامعة.. وبعدين أنتي اللي مدلعته.. ومن لقى الحنا تحنا.. مزنة بمرح حنون: خله يتدلع فديت قلبه.. أصلا وزنه نازل.. ماعاد كل مثل أول.. وضحى تعاود تقبيل خدها للمرة الثالثة وتهمس بمودة مرحة: تدرين يمه أما حبة خدش الواحد ما يشبع منها وبعدين خلي تميم يسوي ريجيم صاير دب.. ويا ليت بعد امهاب يسوي ريجيم.. دب أكثر منه.. مزنة بخبث لطيف: إذا عيالي الضعاف دبابة.. أجل عبدالرحمن ويش.. وضحى تأخرت بحرج وهي تدور حول الأريكة لتجلس جوارها: وأنا وش دخلي في عبدالرحمن.. دب لنفسه مزنة تغلق الحاسوب وتضعه على الطاولة أمامها ثم تمسك كف وضحى بين كفيها وتهمس بحزم حنون: اسمعيني يامش.. أنا لحد الحين مثل منتي أكيد ملاحظة ما قلت لش أي شيء ولا تدخلت أبيش تفكرين زين بدون ضغط مني مع إني عارفة إنه أخوانش كلهم تكلموا معش في الموضوع بس أنا ماحبيت أستعجل والحين أبي أقول لش سالفة صغيرة أول..ترا هذي مهيب أول مرة يخطبش عبدالرحمن.. هذي ثاني مرة والأولى كانت قبل 3 سنين.. لكن.... حينها تصلبت أنامل وضحى بين كفي والدتها..وهي تقاطعها بغضب: يمه تكفين دوري سالفة تتنصدق غير هذي إذا أنتي تبين تقنعيني بعبدالرحمن اللي أنا مستحيل اقتنع فيه مزنة بغضب دفعت يد وضحى عنها: وضيحى هذي أخرتها.. تقاطعيني وتكذبيني بعد؟؟... ومتى كنت أكذب عليش وإلا على غيرش.. قومي من قدامي الحين.. يالله قومي ذا الحين قدام تسمعين شيء ما يسرش حينها انكبت وضحى على يد والدتها تقبلها بجزع: آسفة يمه.. السموحة جعلني فداش.. والله العظيم ما قصدي مزنة تشير لوضحى أن تغادرها وتهتف بحزم شديد: إذا عرفتي تثمنين كلمتش.. كملنا كلامنا.. ********************************* " داليا.. صحيح أمي ما جات معي؟!! معقولة؟! " همس متألم موجوع داليا تمسح على شعرها وتهمس بحنان: لا حبيبتي ماجات.. خلاص جميلة أنتي صرتي ست متزوجة.. والحين الأستاذ خليفة هو اللي مسؤول عنك سالت دموعها بصمت مليء بالحرقة : ما توقعت إنها ممكن تخليني.. توقعت أي شيء إلا ذا الشيء داليا تبتسم: بس جميلة أنتي عارفة هالشيء من قبل نسافر جميلة بصوت مبحوح مثقل بالقهر: ما أنا طول عمري أعند، وأسوي، وأقول أشياء ما أقصدها وأشمعنى ذا المرة صدقتني.. وأشمعنى؟! داليا بحزم لطيف: لأن هذا موضوع مافيه لعب.. ويوم تقررين شيء لازم تكونين قد قرراتك طرقات على الباب.. جميلة تهمس لداليا بجزع: لبسيني حجابي داليا.. داليا بهدوء: مافيه حد غريب.. أكيد زوجك.. جميلة بإصرار: ماعليه داليا لو سمحتي.. لبسيني حجابي.. داليا تلبس جميلة حجابها.. وبالفعل كان الطارق خليفة العائد من صلاة الظهر يسلم بهدوء ويجلس في هدوء يخفي خلفه توتره الخاص بينما جميلة بدأت تفرك أناملها اليابسة بتوترها الخاص بها ايضا.. داليا تهمس في أذنها بتحذير: لا تعملي كذا.. انتبهي على إبرة الجلوكوز.. ويالله أنتي وزوجك صليتوا الظهر باقي أنا أروح أصلي.. جميلة تهمس لها بخفوت جازع: لا تخليني معه بروحي.. تكفين داليا.. ابتسمت داليا وهي تهمس في أذنها: عيب يا بنت.. حاسة أنا قاعدة عزول.. رايحة شوي وراجعة.. باصلي وأخلص كم شغلة وأرجع داليا خرجت.. بينما عادت جميلة لفرك أناملها بتوترها وخجلها المتزايد خليفة كان يراقب تحركاتها بتوتر مشابه ولكنه نهض حينها ليتجه ناحيتها ثم يمسك بيدها ويهتف بحزم: بسج.. أنتي عندج إبرة في الوريد.. انتبهي جميلة انتزعت يدها بضعف وهمست بخجل متوتر: لو سمحت لا تلمسني.. خليفة جلس على المقعد المجاور لها وهتف بهدوء: جميلة ترا عيب اللي تسوينه من لما جينا ما سمعت منج إلا كلمتين لا تقرب مني ولا تلمسني أنا بصراحة موب فاهم مضمون اللمسة عندج.. أنا ريلج وما معج إلا أنا.. إذا أنتي حتى المساعدة البسيطة رافضتها مني.. أشلون من المفترض أقوم بدوري جميلة بجمود: أنت مهوب مطلوب منك شيء.. شيء واحد أبيه منك إذا مت.. أنت تغسلني وتكفني.. وعقب رجعني للدوحة.. أبي أندفن في الدوحة.. وما ابي أمي هي اللي تغسلني.. لأن أمي ماراح تستحمل ولأنه........... خليفة قاطعها بعنف وهو يكاد يجد من سيل الجنون الذي تهذي به: أنتي مينونة وش هالخبال اللي تقولينه؟!! أموت وكفني.. بسج.. ويا ويلج تعيدين هالكلام.. جميلة بذات الجمود: على العموم أنا ماراح أعيده.. صار عندك خبر بوصيتي وإلا بعد منت بمنفذ وصات وحدة بتموت؟!! خليفة يتنهد بعمق وهو يقرر تجاهل كل ماقالته: ما تبين تأكلين شيء.. صار لج يومين تقريبا ماطب شيء حلقج.. حينها انتفضت جميلة وهي تخرج من حالة الجمود لتعود لحالة الخجل والتوتر: لا شكرا ما أبي أكل.. خليفة يتجاهل رفضها ويهتف بحزم: لازم تأكلين شيء.. موب على كيفج.. *************************** مقر الخطوط الجوية القطرية الرئيسي مزون أنهت مقابلتها على خير لأول مرة تشعر بسعادة ما في هذا العمل منذ بدأت الدراسة فهاهي ستعمل مع طاقم نسائي كامل.. وهاهي منذ الآن متحمسة لرحلتها الأولى.. بدا لها من أجرى المقابلة معها غير راض عن هذا الكابتن الذي يرتدي نقابا.. وهو يجد نفسه مع كل هذا مجبر على تنفيذ رغباتها.. بدلا أن تنفذ هي رغبات جهة العمل ولكنه لم يستطع سوى ابتلاع غيظه مع التوصية الخاصة جدا التي جأته من أجلها من جهاته العليا مزون كانت تخرج حين لحقت بها السكرتيرة وهي تهتف باحترام: كابتن مزون.. كابتن التفتت مزون وهمست بمهنية: نعم مدتها السكرتيرة بظرف فخم على طرفه اسم الخطوط الجوية القطرية : تفضلي كابتن.. هيدا كارد استراحة التيارين بالمتار مزون بابتسامة مهذبة وهي تعيده: شكرا.. أنا مهوب محتاجته.. ما أبي أقعد مع الطيارين في استراحتهم.. السكرتيرة باستغراب: ياكابتن ما بيصير.. وين بدك توعدي لما يكون عندك رحلة.. وبعدين المكان كتير حلو.. وكتير ستايل.. سدئيني بيعجبك مزون هزت كتفيها ببساطة: بأجي على موعد رحلتي على طول.. ولو حبيت أرتاح في مكان.. استراحات المسافرين موجودة السكرتيرة ابتسمت: كابتن مزون ارجعي تا نعد شويه..شكلو مَنّك كتير فاهمة النزام.. مزون تراجعت وجلست مع السكرتيرة التي همست باستغراب: أنا منّي عارفة ليه سيادتو ما شرح إلك التفاصيل مزون ابتسمت في داخلها (سيادتو شكله ماكان طايقني) السكرتيرة ابتسمت بمودة : كابتن مزون.. الئعدة في استراحة الطيران منّها ترف لكن واجب.. لانو لازم توصلي ئبل الرحلة بـ 3 ساعات.. وتوعدي عالكمبيوتر الخاص هناك منشان تتأكدي من حالة الطئس والغيوم وتوئعات الارصاد وخطة الطوارئ وتوئعي على الحضور مزون بصدمة: أنا أعرف كل هالأشياء.. بس أنا الحين مساعد ثاني وفي فترة تدريب.. ومفروض إنه كابتن إيمي هي اللي تسوي هالشغلات مهوب انا ابتسمت السكرتيرة برقة: يا ئلبي يا كابتن.. لازم تكوني معاها خطوة بخطوة.. وإلا كيف بدها توئع إنك تدربتي.. الشيء التاني.. ليش بيحطوا اتنين مساعدين..لأنه هيدي أرواح ناس.. ولو حصل لا سمح الله للكابتن شيء وحتى للمساعد الأول المفروض إنه المساعد التاني يكون جاهز تا يكود التيارة فلازم تكوني مع الكابتن وهي بتستلم كشوف المسافرين والتاقم وتوئعي معاها ومعاها وهي بتتأكد من كل شيء بيخص الرحلة من الكمبيوتر اللي باستراحة التيارين وبعدين معاها وهي بتستلم التيارة من المهندس اللي عمل تشييك عليها مزون قاطعتها باستغراب باسم: عفوا على هالسؤال.. بس دقة معلوماتش أحسن مني.. من وين تعلمتي كل هذا عفوا والله ما أقصد إساءة.. بس ما اعتقد إن عمل سكرتيرة في مكتب ما يأهلش إنك تعرفين كل ذا التفاصيل عن العمل في أرض المطار حينها ضحكت السكرتيرة برقة: ما أنا كنت كابتن تيارة وهربت.. ****************************** "أستاذة كاسرة.. فاضية خمس دقايق؟" كاسرة تبتسم وهي تمسك بسماعة الهاتف بمودة مرحة: يا ملغش فطوم.. شكلش عجبتش سالفة أستاذة ذي.. نعم أستاذة فطوم المليغة فاضية آمريني فاطمة تكتم ضحكتها وهي تنظر للرجل الواقف أمامها وترد بذات الاحترام: الأستاذ سعود هنا عندنا.. ويقول يبي يقابلكم خمس دقايق حينها تغيرت نبرة كاسرة من المودة للحزم: أكيد جاي يشتكي؟؟ فاطمة مازالت تكتم ضحكتها: أكيد أستاذة كاسرة.. فيه شيء ثاني يعني؟! كاسرة بهدوء: خليه يتفضل وتعالي أنت وسماح معه.. وأدعي الله يثبتني لأسوي في ذا المخلوق البليد شي.. باب مكتب كاسرة ينفتح.. ليدخل سعود أمامه سماح وخلفه فاطمة تتوجه الاثنتان لتجلسا في الزواية.. بينما سعود يتجه ليجلس على المقعد المقابل لمكتبها من ناحية اليمين كاسرة تهمس بحزم مهني: نعم أستاذ سعود.. فيه شيء؟؟ توتر سعود قليلا.. ودائما هذا ما يحدث.. لا يعلم ما يوتره.. هل هو صوتها الغني بالمتناقضات؟؟ أم صفوف أهدابها المتماوجة التي لم تستطع فتحات النقاب الشديدة الضيق أن تخفيها؟!! أم حضورها الحازم الذي يكتم على أنفاسه بالضيق ويذكره بمأساته الدائمة أنه من كان يجب أن يكون مكانها... ولكنه تناسى كل هذا وهو يحاول أن يهتف بحزم: ممكن أعرف استاذة كاسرة ليش ما طلعت للدورة اللي أنا قدمت عليها؟؟ كاسرة بحزم: أعتقد أستاذ سعود إنك عارف... الدورة طلع لها الأستاذ فيصل والاستاذ هلال.. حينها هتف بحزم ممزوج بغضب: وليش هلال وفيصل هم اللي يطلعون وأنا لا؟؟ كاسرة ببساطة واثقة: لأنهم هم الأحق بها من حضرتك.. سعود بذات الغضب: ومن وين جا حقهم... أعتقد أني أقدم منهم في القسم كاسرة مازالت تحتفظ بهدوؤها: أستاذة سعود حضرتك توك راجع من دورة.. والدور للأستاذ فيصل والاستاذ هلال سعود بذات الغضب الذي بدأ يتزايد: بس الدورة هذي غير.. وانتي عارفة إني من السنة اللي فاتت وأنا أبيها قبل ما تصيرين حضرتج رئيسة القسم حتى.. كاسرة مازالت تتمسك بهدوؤها المهني الذي أثار غضب سعود لأنه يريدها أن تغضب ليجد عليها ممسكا: أستاذ سعود الذنب في هذا الموضوع يكون ذنبك ومهوب ذنبي لأنه بما أنك كنت تبي هذي الدورة بالتحديد.. كان من المفروض إنك ما قدمت على الدورة اللي فاتت لأنك عارف القانون.. ما أقدر أطلعك دورتين ورا بعض إلا لو كان ما فيه متقدمين.. وأنت عارف إنه الدورة هذي تقريبا تقدم لها كل موظفين القسم والأحق كان فيصل وهلال عندك شيء ثاني أستاذ سعود؟؟ سعود وقف وصوته يرتفع بغضب: إيه عندي باقدم شكوى ضدج.. إنه انتي عندج محاباة بين الموظفين.. كاسرة بذات الهدوء الذي لم تتغير وتيرته: حقك أستاذ سعود قدم الشكوى اللي تبي... ومدير الإدارة بيكون الحكم بيننا سعود يرتفع صوته اكثر: ومن قال بأقدمها لمدير الادارة.. بأقدمها لمدير الهيئة شخصيا كاسرة ببرود مهني محترف: حقك بعد.. بس قصر حسك.. تراك في مكان عمل محترم.. هذا مهوب سوق خضرة سعود يصرخ: وتسبيني بعد وتقولين إني بياع خضرة.. زين يا استاذة كاسرة.. زين بتشوفين.. تراج أنتي إلا بنت يومين.. لكن أنا ولد ذا الهيئة من سنين.. وترقيتج كلها كانت غلط.. والغلط لازم يتصلح.. كاسرة زادت من درجة برودها الشديد الحزم: انتهت الخمس دقايق أستاذ سعود تفضل لمكتبك شوف شغلك.. وأنا بأكون سعيدة جدا نتقابل عند مدير الهيئة شخصيا لكن حط في بالك إني بأطلب نقلك لقسم ثاني.. أنا طولت بالي عليك كثير.. واحترمت أقدميتك في القسم لكن مصلحة العمل عندي في المقام الأول... وأنا ماني بفاضية لمهاتراتك كل يوم.. **************************** "صالح يأمك قوم.. وش ذا النوم كله.. الظهر قرب يأذن وحتى دوامك مارحت له اليوم" صالح همس بإرهاق: تعبان يمه شوي أم صالح وضعت يدها على جبينه وهي تهتف بجزع: وش فيك يأمك؟؟ وش أنت تانس؟؟ صالح جلس وهو يتناول كفها من جبينه ويقبل ظاهرها ويهمس بصوته المرهق: ما أنس شيء جعلني الأول.. بأقوم الحين.. أم صالح بقلق: يأمك حالك مهوب عاجبني.. ما كنت تسهر ذا السهر.. اليوم جيت أدورك صلاة الصبح.. ما لقيتك.. همس صالح وهو يقف ويتناول فوطته ليتجه للحمام: يمه صليت الفجر وجيت.. أم صالح بنبرة ذات مغزى: زين ووين كنت لين صلاة الصبح.. صالح بإرهاق: وين بأكون يعني يمه؟؟ أم صالح بذات النبرة: أنت علمني.. صالح بضيق: أدور في سيارتي كني خبل.. ارتحتي يأم صالح.. أم صالح تعلم عادته الرديئة هذه مؤخرا.. فكثيرا ما أخبرها إنه يقضي الليل يطوف في سيارته أو حتى يمشي على قدميه حتى ينهكه الإرهاق همست بضيق عميق: ولمتى على ذا الحال يأمك؟؟ صالح يقبل رأسها: ضايق يمه.. وش حيلتي؟؟ أم صالح بحزم غاضب: منت برجال.. اللي فرقى مره يسوي فيك كذا.. ابتسم صالح: وليه تظنين إني ضايق عشان نجلاء.. انتي تدرين يمه وش كثر أحب عيالي وبعدين جعلني فدا عويناتش ابن فطيس يقول: والله إن أحر من دمع اليتيم.... دمعة الرجال من فرقا مرة أم صالح بجزع: ويش؟؟ دمعة؟؟ ضحك صالح من جزع والدته: لا أبشرش ما بعد وصلنا ذا المرحلة.. الشهر الجاي يمكن.. أم صالح تنهدت بعمق: يأمك حالك مهوب حال.. أما أنك ترد مرتك وإلا أعرس.. جوزاء وإلا غيرها صالح يتجه للحمام وهو يهتف بحزم: خلينا من ذا السالفة الحين.. أبي اسبح قدام الأذان ****************************** وضحى وسميرة وشعاع في مجمع المطاعم في الجامعة.. يتناولون غدائهم وضحى تهتف بابتسامة: سمور شوفي تصلين المغرب وتكونين جاهزة.. تعرفين كاسرة دقيقة في المواعيد وما تحب اللي يتأخر وأنا ماني بمستعدة أسمع لي كلمتين عشان وجهش الشين.. تضحك سميرة: وه يا قلبي.. أنا اموت عليها لا عصبت أصلا.... ياحلوها إذا عصبت.. فديت المعصبين عسل ياناس.. شفتي العسل يوم ينكت.. كأني شايفة برميل عسل مكتوت.. تضحك شعاع: خوش تشبيه... زين وأنا إذا عصبت.. أغلقت سميرة أنفها وهي تهمس بتأفف: زبالة مكتوتة وأنتو بكرامة.. وريحتها فايحة بعد شعاع قرصت ذراع سميرة وهي تضحك: وجع يالبرصاء.. سميرة تفرك القرصة وهي تضحك: أنتي اللي وجع.. الحين عارفتني برصاء.. وحن يالبرص أقل شيء يسوي علامات في أجسامنا الحين شوهتيني... وخربتي مستقبلي.. من اللي بيتزوج وحدة مشوهة الحين؟؟ وضحى تضحك بدورها: على الأقل إذا عنستي يكون عندش سبب تحججين فيه.. سميرة الضاحكة على الدوام: العانس أنتي وبنت عمتش.. وإلا أنا سوقي ماشي تدرين عاد هل الديرة القرود يموتون في البياض.. على قولت خالي هريدي: الجعان يحلم بسوق العيش.. وأنا عاد بينكم يالكويحات سوق العيش... شعاع تضحك: أمحق عيش... أشهد أنه على العازة اللي بيضويش.. ثم التفتت وضحى لشعاع بابتسامة: اشعيع تروحين معنا عقب المغرب لفيلاجيو.. شعاع بمودة: مالش لوا.. تو كنا فيه أمس رايحين أنا وجوزا نلعب حسون.. وبعدين أنتو تبون فيرجن تشترون طابعة حق مشروع تخرجكم وتطلعون.. وش يوديني معكم.. ثم أردفت شعاع بضيق: كل ما يطري علي إنكم بتتخرجون وتخلوني.. يضيق خاطري.. وضحى تهمس بمودة صافية: كلها شوي وتلحقينا.. شعاع بضيق فعلي: وش شوي.. سنة شوي سميرة تبتسم: أنتي يام الأفلام الهندية.. أنتي أصغر منا بسنة.. تبين بعد تخرجين معنا أنتي ووجهش.. شعاع بالفعل تشعر أنها ستبكي: مالت على وجهش.. ما عندش إحساس.. حينها رقصت سميرة حاجبيها: ياحرام.. مسكينة.. بنروح ونخليها.. تدوج في الجامعة بروحها حينها بالفعل سالت دموع شعاع.. لتنتفض كل من وضحى وسميرة بجزع وتهتف سميرة بجزع: أمزح معش يا غبية...وبعدين ترا ماحد منا مهاجر.. بيوتنا كلها قريب من الثاني.. مالت عليش يأم دميعة ترا قلبي ما يستحمل ******************************* منصور ينهي عمله ليتفاجأ أن سيارته شبه خالية من البترول.. ويستحيل أن توصله لمكان .. لذا تلفت حوله ليرى أي حد قد يأخذه لمحطة البترول القريبة ليحضر بعض البنزين الذي سيكفيه للعودة للمحطة هتف بحزم وهو يرى السيارة القريبة منه: ملازم فهد.. ممكن توصلني للمحطة.. سيارتي مافيها بترول فهد ينزل من سيارته ويهتف باحترام وهو يؤدي التحية العسكرية: والله إن قد تاخذ سيارتي... وانا بعبي سيارتك بترول وعقب باوصلها لبيتك وأخذ سيارتي منصور هز رأسه نفيا وهو يهتف بحزم: جعلك سالم يأبو خالد.. استغفر ربك.. أبيك بس توصلني للمحطة وعقبه ترجعني.. قالها وهو ينزل ليتجه لسيارة فهد.. فهد عاد لمقعده.. بينما ألقى منصور نظرة سريعة على سيارة فهد وهو يركب جواره.. هتف فهد باحترام ومودة عظيمين: نورت سيارتنا يابو علي.. منصور بمودة: نورك يابو خالد.. ثم أردف بنبرة ذات مغزى: فهد.. فهد انتفض من الحمية: لبيه.. منصور بذات النبرة: لبيت في مكة.. فهد أنت اكيد تدري إني أعدك مثل ولدي.. فهد بمودة عميقة مغلفة باحترام متجذر: أدري الله يكبر قدرك.. منصور بذات النبرة: يعني لو أنت محتاج شيء منت بداس علي؟؟ فهد باستغراب: أكيد طال عمرك منصور بحزم مباشر: أنت محتاج فلوس؟؟ فهد انتفض باستغراب وحرج: فلوس؟؟ لا والله .. الخير واجد ولله الحمد منصور بعتب: تدس علي يافهد.. لو أنك منت بمحتاج فلوس.. وش حادك تركب سيارة مثل ذي.. متكسرة من كل صوب.. حينها لم يستطع فهد منع نفسه من الضحك: السموحة طال عمرك.. بس لو قلت لك السبب بتزعل علي.. منصور باستغراب: فهد خلص علي.. سيارة مثل ذي مايركبها حد صاحي.. صحيح إنها موديل السنة الجديدة.. بس شكلك شاريها مكسرة من الحراج فهد بابتسامة محرجة: طال عمرك أنا شاريها من الوكالة مالها شهرين.. منصور بصدمة: ويش.. وويش اللي سوى فيها كذا؟؟ فهد بحرج: وش أسوي بهل الدوحة اللي خلو العالم كلهم.. ومالقوا حد يدعمونه غيري.. لازم كل يوم يومين دعمة .. زين عادني حي.. أنت داري إني أوقفها ورا البيت عشان أمي ما تشوفها.. والحين أبي اشتري غيرها أصلا.. حينها هتف منصور بأمر حازم: اصفط على جنب.. فهد نفذ الأمر دون تفكير.. ليهتف منصور بامر آخر: انزل أنا بأسوق.. فهد نفذ الأمر بدون نقاش رغم شعور الحرج المتعاظم حين ركب منصور مكان السائق هتف بالامر الثالث: عطني رخصتك فهد أعطاه الرخصة.. وحرجه يتزايد ويتزايد (يا الله وش ذا النهار؟!!) حينها هتف منصور بحزم: والله ماعاد تسوق سيارة لين تدخل مدرسة السواقة من جديد.. وانا اللي بوصي ضابط مخصوص هو اللي يسوي لك التراي لأن اللي عطاك الرخصة يبي له محاكمة عسكرية فهد بجزع: تكفى يأبو علي لا تفشلني.. وش عاد بيفكني من لسان الشباب في الثكنة.. والله إن قد يخلوني مطنزتهم.. أنا أخرتها أرجع أتدرب مع البزارين والسووايق عقب 15 سنة سواقة والله إني أسوق من يوم عمري 13 سنة.. وش مدرسته بعد؟؟ منصور بحزم شديد: فهد انتهى الموضوع.. ومهوب كل مرة تسلم الجرة.. كفاية على أمك وأبيك مراح عبدالله الله يرحمه عليهم تبي تفجعهم فيك بعد؟!! ****************************** سيارة كسّاب وعفراء تمخر عباب جمال أنسي الخلاب دون حتى أن ينتبه الاثنان لشيء .. فكلاهما غارق في أفكاره الخاصة حتى وقفت السيارة أمام بوابة المصحة التي تقع على مساحة شاسعة من الأرض أكثرها حدائق ومحميات طبيعية.. تحادث السائق مع الأمن قليلا.. ثم ركب بجوار السائق أحد رجال الأمن.. وتوجهوا للداخل.. دقات قلب عفراء بدأت بالتعالي وتفكيرها ينصب بحال ابنتها كيف هي الآن.. شوقها يغتالها لها.. رغم أنه بالكاد مضت 24 ساعة على رؤيتها الأخيرة لها تشعر بالتوجس والقلق.. هل صحت من مخدرها؟! كيف تقبلت الوضع؟!! هل أكلت شيئا؟!! ذات الوقت في غرفة جميلة صوت خليفة يرتفع بحزم: جميلة بس اشربي الحليب من الممرضة.. لا تاكلين الحين.. بس الحليب جميلة تلتفت له ثم تنزل عينيها بخجل وتهمس باستغراب خجول: أنت بأي حق تطول صوتك علي؟! خليفة بنبرة استغراب إنما حازمة: نعم؟؟ أي حق؟؟ بصراحة ما أدري بأي حق يا بنت عمي.. أنتي قولي لي.. جميلة تنهدت بعمق (أي جنون أدخلت نفسي فيه) ثم همست بخجل: ماعلية خليفة لو سمحت.. انا ما أبي حليب.. شايفني بيبي.. خليفة يشعر أنه سينفجر ولكنه قاوم رغبته.. فما زالت هذه هي المحاولة الأولى.. فكيف بمحاولات كل يوم هتف بحزم: تشربين أو اشربج غصب.. قالها وهو يقترب فعلا.. انتفضت جميلة بجزع.. وذكرى رأسها في كتفها تعود لها...همست برعب: لا بشرب بروحي خلاص.. الطبيبة كانت تجلس في الزواية غير المرئية من جميلة وهي تسجل ملاحظاتها وتبتسم جميلة كانت تشعر أنها تريد أن تتقيأ وهي تشرب الحليب الذي يعبر بدفئه بلعومها الجاف.. وهتفت بالفعل بالم: بس خليفة والله العظيم بازوع خلاص.. خليفة باستغراب: شنو تزوعين هذي.. ثم أردف وهو يكتشف المعنى: قصدج تطرشين.. لا ما راح تطرشين.. كملي كاسج.. جميلة لم تكمل كأسها لأنها بالفعل أرجعت الحليب كله في ذات الكاس الذي كانت تشرب منه.. عدا بعض القيء الذي تناثر على يديها ووجهها وملابسها..ويدي الممرضة التي كانت تسقيها جميلة شعرت بألم عظيم وخجل أعظم.. شعرت أنها ستختنق من الحرج والإهانة وانخرطت في بكاء متحسر أشبه بالأنين رغم أنها لم تكن تريد أن تبكي أمامه.. خليفة شعر أنه هو أيضا سيتقيأ ولكنه قاوم رغبته وهو يقول: ماعليه جميلة عادي.. المرة هذي تطرشين المرة الياية لا تبين أساعدج نبدل ملابسج.. جميلة بجزع بين شهقاتها: لا لا.. دكتورة داليا.. دكتورة داليا.. داليا قفزت من مقعدها وهي تشير لخليفة أن يخرج.. وأغلقت الباب لتبدل لها ملابسها.. بينما خرجت الممرضة لتغسل وتبدل.. وجميلة تبكي: تكفين داليا أنا أستحي أقول له.. قولي له يروح الفندق.. يروح أي مكان.. ما أبيه قاعد فوق رأسي.. تكفين داليا تبلل الفوطة وتمسح وجهها ويديها وتهمس بحزم: جميلة حبيبتي هذا زوجك.. والقضية مش لعب.. يعني هو يقدر يقول لي أنتي روحي.. بس أنا ما أقدر أقول له.. وخصوصا أني قاعدة معاكم شوي وبأرجع تمسكت جميلة فيها بجزع: لا داليا تكفين لا تخليني.. أنا أصلا باموت قريب داليا.. مستكثرة تقعدين عندي لين أموت.. داليا بذات الحزم وهي تكمل إلباسها ملابس نظيفة: لا ماراح تموتي إن شاء الله.. أنتي بتشفين وترجعين للدوحة.. ما تريدين ترجعين لأمك وعمك زايد ومزون.. حينها انفجرت جميلة في بكاء هستيري وهي تتذكر ما تحاول تناسيه دون أن تفلح: أبي أمي.. أبي أمي.. جيبو لي أمي.. يمه.. يــــمــــه.. يـــــــمــــــه ليفتح الباب حينها بشكل مفاجئ.. وتدلف عفراء كأعصار وهي تسمع صراخ ابنتها الموجوع المكلوم يناديها #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي عشر خليفة خرج من غرفة جميلة.. توجه للحمام ليغسل يديه رغم أنها لم تتقيأ عليه... ولكنه يشعر برغبة حادة للاستحمام حتى وتغيير كل ملابسه يشعر ان رائحة القيء التصقت به..ولا تفارق أنفه.. غسل يديه عدة مرات قبل أن يعود ليقف على باب غرفتها وألم روحه يتزايد..يحاول أن يتصرف بمنطقية..أو وفقا للشهامة المفترضة ولكنه يجد نفسه غارقا في الحيرة والارتباك.. فعلاقته بالجنس الانثوي شبه معدومة والدته توفيت منذ سنوات.. وليس له شقيقات.. وخالاته سيدات كبيرات لاهيات في حياتهن وبيته بيت رجولي بامتياز.. 4 رجال في بيت حتى وقت قريب عندما تزوج جاسم وخرج في بيت لوحده فكيف سيتصرف مع هذه الشابة التي اقتحمت حياته؟!! أو بمعنى أصح هو من اقتحم حياتها بمغامرة غير محسوبة!! لا يعرفها ولا تعرفه.. لا يشعر حتى أن هناك رابط فعلي بينهما فهل عقد الزواج الذي كان نتيجة عناد من الطرفين.. يكفي لصنع العلاقة؟! يتنهد بعمق وهو يهتف في داخل نفسه "الله عز وجل يعرف الأصلح قد يكون الله خبأ لي الكثير من الثواب عن طريقها يتيمة ومريضة وضعها الله في طريقي أو ربما وضعني أنا في طريقها ماعاد يهم.. المهم أننا أصبحنا معا مرتبطين برباط مقدس" وهو غارق في تفكيره التقطت عينه المرأة التي ترتدي عباءة ونقاب وتتجه ناحيته رغم أنه مازال لا يعرف هيئة عفراء بالنقاب ولكن يستحيل أن يكون أحدا سواها شعر بسعادة ما تقفز لروحه كأسراب عصافير انتشرت على امتداد جوانحه.. أن هناك من قدم ليحمل بعض الهم عنه.. ليتبعه مباشرة شعور بالاستغراب.. كيف ومتى استطاعت اللحاق بهم بهذه السرعة ثم تلاه شعور عارم بالتوجس من هذا الذي يمشي جوارها عاقدا ناظريه بمشية واثقة كأنه يملك المكان عفراء حين رأت خليفة كادت تتعثر وهي تكاد تركض ناحيته لتصله في ثوان وتهتف له بلهفة: خليفة يأمك وين جميلة؟؟ قبل أن يجيب خليفة.. كان الجواب سماعها لصوت ابنتها المبحوح يناديها بهستيرية.. لتقتحم الباب دون تفكير وقلبها ينخلع رعبا عليها في الداخل كانت داليا تحاول تهدئة جميلة لتتفاجأ الاثنتان بالاعصار الحنون الذي اقتحم المكان.. جميلة المصعوقة من الفرحة والدهشة حين رأت والدتها كانت تريد أن تقفز من السرير دون تفكير لتركض ناحيتها.. ولكن عفراء كانت أسرع منها لتصلها قبل أن تجن وتنهض جميلة ارتمت في حضن والدتها وهي تبكي بانهيار موجع.. بينما عفراء منعت نفسها أن تبكي وهي تهدهد صغيرتها: بس يامش خلاص.. هذا أنا عندش.. جميلة تعلقت بجيبها وهي تشهق: لا تخليني.. لا تخليني.. الباب كان مفتوحا.. كساب ابتعد عن المكان قليلا حتى لا يكشف المكان بينما خليفة الذي كان يقف عند الباب واختناقه يتزايد وشعوره بالندم يتزايد ويتزايد "كله بأمر الله ولكن الله يسبب الأسباب.. ولو أنني لم أظهر في الصورة لم يكن كل هذا ليحدث.. لم يكن كل هذا ليحدث" خليفة ينتبه للرجل الذي جاء مع عفراء .. يتجه له مسلما عليه كسّاب يسلم عليه بتهذيب بارد مصطنع.. وهو يود في داخله لو استطاع أن يغير له ملامح وجهه "والله ما ياخذ في يدي حتى نص دقيقة كفين ثلاثة كفاية عليه وش فيه زود على علي تختاره الشيخة جميلة يارب يصبحش بكف ويمسيش بكف لين تعرفين إن الله حق" خليفة باحترام أخفى خلفه توتره: كسّاب صح؟؟ كسّاب يرد بسخرية ألبسها نبرة احترام مصطنعة: ذكي صراحة.. ليه يعني خالتي بتجي مع حد غيري.. خليفة بحرج: ما قصدت السموحة.. كسّاب بذات الاحترام الساخر الملغوم الذي بدأ يُشعر خليفة بالتوتر: ممكن تقول جميلة تتغطى أسلم عليها إلا لو عندك مانع.. شعر خليفة بضيق عميق من أسلوب كسّاب المستفز ولكنه مازال محتفظا بهدوءه وهو يقول بهدوء ظاهري: دقيقة بس أقولها تتغطى *************************** مزون بصدمة: كابتن طيارة وعقبه تشتغلين سكرتيرة السكرتيرة بابتسامة: أنا منّي سكرتيرة أنا مديرة مكتبه.. والشيء التاني أنا ماكنت بكالوريوس طيران متلك أنا كان معاي رخصة تيّار.. اللي هي PLL .. وأخذتها في أقل من سنة.. فالتحئت بتيران الشرء الأوسط بلبنان.. بس ما كملت سنة مزون بدهشة: ليش طيب؟؟ السكرتيرة ببساطة: صحيح الكل بيئول إنو احنا شعب أوبن وفري.. بس شغلت الكابتن صعبة على أي ست لو مهما كانت يعني أنا كنت مساعد تيار كل مرة مع اتنين شباب.. فيهم اللي بيتطلع بوكاحة وفيهم اللي بيتطلع باحتقار.. وهيك كل التيارين تفكيرهم اني ائل منهم.. وما بفهم شي.. ومرة الكابتن هزأ فيا مع ان الغلط غلطو.. ورمى علي كلام كبير بس نزلنا ئدمت شكوى رسمية.. اتفئوا الاتنين عليا إنو أنا اللي طولت لساني وبعدها ئلت شو بدي بهالشغلة.. اللي مافيها استقرار ولا راحة نزام العمل في كل المطارات بيفرض عليكي تشتغلي لحد 14 ساعة متواصلة وبعدها راحة ما بين 10 لـ16 ساعة بس والإجازة 7 ايام في الشهر بس... شو هيدا والله لو سخرة ما بستحمل.. غير عن حالات منّا معئولة بتصير من المسافرين.. هيدا سكران.. هيدا تخانق مع هيدا.. هيدا اتحرش بهيدي.. وتعا ياكابتن حل المشاكل أشي والله بيخزي!! مزون تنهدت بعمق.. وهي تمد يدها لتصافح السكرتيرة وتتناول بطاقة استراحة الطيارين منها وتهمس في داخلها بتوجس: خوش تجربة ولقاء نبدأ فيها حياتنا العملية.. ****************************** "جميلة تغطي.. ولد خالتج يبي يسلم عليج" جميلة اعتصرت بضعف يد والدتها التي تجلس جوارها وهمست بخفوت: يمه من اللي جاي معش؟؟ عفراء تأخذ جلالا خفيفا وتغطي به وجه جميلة وهي تهمس بحنان: كسّاب يأمش.. جميلة بضيق كتم على أنفاسها: ومالقيتي حد إلا كسّاب.. عفراء بنبرة غضب عاتبة: ومن اللي باجي معه يعني؟؟.. علي وإلا زايد؟! جميلة ابتلعت ريقها المختلط بعبراتها.. رؤية كسّاب لطالما أخرجت أسوأ ما فيها من مشاعر.. يولد فيها إحساسا دائما أنها عاشت متسولة على أطراف حياتهم عالة على مشاعرهم واهتمامهم وأنه لولا خالتهم وإلا لربما قذفوها خارج حياتهم دون أدنى اهتمام بها كسّاب دخل بثقة.. ليقف قريبا من الباب.. وحضوره يلتهم المكان كعادته في كل مكان وهو ينشر إحساسا بالضآلة فيمن حوله.. هبة فطرية نادرة فتحت له النجاح حتى في مجال التجارة والأعمال همس بهدوءه المغلوم دائما وأبدا: صباح الخير جميلة ثم أردف بنبرة مقصودة: ألف مبروك الزواج يا بنت خالتي.. جميلة بارتجاف صوتها المبحوح: الله يبارك فيك.. عقبالك إن شاء الله كسّاب بهدوء ساخر: إن شاء الله يوم ترجعين بالسلامة عشان تحضرين عرسي.. جميلة بسرعة وهي تتحرق لإنهاء المقابلة: أكيد أكيد.. الله يعطيني طولت العمر بس كساب بذات هدوءه الجالب للتوتر لمن حوله: إن شاء الله طولت العمر لش ولــ.. ولــ وش اسمه رجالش؟؟ خليفة الذي سينفجر هتف بهدوء على وشك التمزق: خليفة طال عمرك وإن كان هدوء خليفة بقي صامدا فإن هدوء غيره تلاشى.. فجميلة صرخت بانفعال: اسمه خليفة.. واظني إنك عارف إنه اسمه خليفة.. ومهوب اسم خليفة اللي ينتسي يا شيخ كسّاب وما أسمح لك تقلل من قيمته قدامي ولا حتى من وراي.. أنت على ويش شايف حالك.. عندك إن الناس كلهم أقل منك.. عمري في حياتي ما شفت واحد بغيض مثلك عفراء بتهدئة ضغطت على يد ابنتها وهي تهمس بغضب من بين أسنانها: جميلة عيب.. قصري حسش.. كسّاب الذي كانت تتلاعب على شفتيه ابتسامة ملولة ومثيرة.. لم يبد عليه أدنى اهتمام بكل ماقالته وهو يهمس بثقة ساخرة: عادي خالتي.. جمول أختي الصغيرة.. والواحد لازم ياخذها على قد خبالها وعلى العموم أنا أصلا طالع بتلاقيني إذا بغيتيني في الانتظار خلها تبربر على روحها.. جميلة حاولت جاهدة منع نفسها من البكاء.. ولكنها لم تستطع منع دموعها أن تسيل تحت غطاء وجهها بينما خليفة مازال مذهولا عاجزا تفهم ماحدث أمامه الغريب أنه يتفهم كسّاب تماما.. بل يعذره فيما يفعله به وبجميلة فلو كان أحد ما فعل بأحد شقيقيه ما فعله هو بعلي.. ربما كانت ردة فعله أكثر تطرفا من كسّاب ولكن إن كان فهم وجهة نظر الرجل لأنه رجل.. فهو عاجز عن فهم المرأة جــــمــــيــــلــــة لماذا انفجرت هكذا؟!! ولماذا دافعت عنه باستماتة؟؟ ولماذا هذا الهجوم على ابن خالتها؟!! لماذا؟؟ لماذا؟؟ ****************************** زايد في مجلسه يتقهوى قهوة العصر وعنده شقيقه منصور ويالا الغرابة !!ورغم أن حوارتهما دائما قد تنتهي بشجار ما ..فكلاهما عنيد ومتمسك برأيه ولكن يستحيل أن يمر اليوم دون أن يرى احدهما الآخر يتشاجران.. يتلاسنان.. يتحادثان.. يتشاوران.. المهم أن يرى كل منهما الآخر...فكل منهما يحمل للآخر محبة وإعزازا لا متناهيا وبصورة غريبة لو طلب أحدهما من الآخر أن ينتزع قلبه بأنامله العارية ليهبه له.. فأنه سينفذ دون أدنى تردد بينما لو طلب أحدهما من الآخر أن يتنازل عن رأيه.. فـنـزع القلب حينها أهون!! زايد يرتشف فنجانه ويهتف بهدوء: منصور.. منصور باحترام وهو ينزل فنجانه: لبيه يأبو كساب زايد بمودة: لبيت في مكة يأبو زايد.. ليت زايد يأتي بس.. عجزنا نتناه.. منصور يضحك: خل زايد الصغير مرتاح.. وش يبي بالشقا.. ثم أردف بمودة صافية: آمرني جعلني فداك.. وش تبي؟؟ زايد بمودة مشابهة: يفداك اللاش يابو زايد... أبيك تجي تقعد عند مزون يومين أبي أسافر لعلي.. قلبي مهوب مرتاح لين أشوفه ومزون ماعندها حد.. خبرك كسّاب وخالته سافروا منصور بهدوء حذر: مهوب أحسن لو تخليه كم يوم بروحه.. زايد بألم أخفاه خلف حزم صوته: ما فيني صبر يأخيك.. انفرى جوفي على الولد لما أشوفه اليوم قبل بكرة بيصير لي شيء منصور انتفض بجزع: عدوينك واللي يكرهونك يابو كسّاب منصور تماسك بعد جزعه من كلمة أخيه ليهتف بهدوء: زين خلاص خل مزون تجي عندي في بيتي.. البيت وش كبره وتحت أمرها زايد برفض قطعي: لا جعلني ما أخلى منك.... بيتك مليان صبيان عدا إن مجلسك ما يفضى من الضباط ماني بمتطمن عليها في بيتك.. ولا عليك أمر أبيك تجي أنت عندها.. وغرف البيت كلها تحت أمرك منصور بأريحية: خلاص تم.. قل لي متى بتروح.. واجيب قشي عند بنتي.. والله يعين الضباط ذا اليومين يدورون لهم مكان تجمع ثاني زايد يلتقط هاتفه ليتصل وهو يهتف بحزم: خلاص دامك فيها وش أنت تتنيها بأتصل في سكرتيري يحجز لي الليلة وأنت الله يعينك تشيل قشك من الليلة والله الله في بنتك.. *************************** بعد ذلك بساعتين فيرجن ميغا ستورز فيلاجيو مول كاسرة غاضبة ويكاد دخان حرائقها يتصاعد من رأسها بينما كانت وضحى تستجديها بصوت خافت: تكفين كاسرة لا تفضحينا.. ما يصير كل ما نطلع مجمع لازم تغسلين لش شراع واحد وتمسحين به الارض وإلا ماتنبسطين كاسرة من بين أسنانها: يعني عاجبش سواتهم من يوم دخلنا المجمع وهم ورانا خلصوني أنتي وإياها.. قدام أروح لهم وأعطي كل واحد منهم كف سميرة بمرح وهي تخفض صوتها: كاسرة وش نسوي بش أنتي جايبة لنا شبهة بذا الطول والرزة وذا العيون اللي تذبح.. لو أنا من الشباب والله ما أهدش.. وراش وراش.. لا وإذا سبيتني سبيتني بصوتش اللي ينحر الفاد.. أنا منهم أقول مثل خالي هريدي : كمان.. سبيني كمان كاسرة لا تستطيع مقاومة سميرة ابتسمت وهي تهمس بخفوت: خلصوني جعل خالش هريدي يكفخش والله ماحد جايب لنا شبهة غيرش يا البرصاء.. بياضش يدعي الواحد من بعيد سميرة تضحك بخفوت: كل يوم أروح المجمعات ولا حد عبّر البرصاء.. ماأحس إني أنثى كل اللي في المجمع وراي لين أروح معش.. وضحى تريد أن تنتهي قبل أن تفتعل كاسرة معركة: خلاص كاسرة بنأخذ هذي.. الفتيات توجهن للمحاسبة.. كان الاتفاق أن وضحى وسميرة ستتقاسمان سعرها ولكن كاسرة أقسمت ألا تدفع واحدة منهما ريالا ودفعت المبلغ كاملا سميرة بحرج: كاسرة بكيفش تحلفين على أختش.. بس أنا لازم أدفع.. كاسرة بغضب: عيب عليش سميرة.. ترا مثلش مثل وضحى وما أبي أسمع كثرت حكي خلونا نطلع قدام أسوي جريمة في الاثنين اللي واقفين من صبح ذولا كاسرة أتصلت في سائقها حتى يحضر لحمل الطابعة الضخمة مع عمال المحل بينما كن الفتيات يهممن بالخروج من المحل فور أن أصبحن عند الباب سميرة سحبت الاثنتين وعادت بهما داخل المحل وهي تهمس بجزع خافت: يا ويلي يا ويلي.. فهد ولد عمي قاعد في المقهى اللي مقابل فيرجن وش ذا الحظ النحس.. لي شهور ما لمحته حتى.. وعقبه أشوفه في فيلاجيو كاسرة بغضب: وانتي وش عليش منه؟!! أصلا فلاجيو بالذات توقعي تشوفين ثلاث أرباع عيال جماعتش فيه خلونا نطلع أصلا مهوب عارفش واحنا أساسا ماراح نمر من جنبهم بنطلع مع بوابة واحد.. وحتى لو عرفش خليه يتجرأ ويقول لش كلمة وأنتي معي.. والله ماعاد يتعودها سميرة بخوف: لا كاسرة تكفين... دقيقة بس خلوني أطل لو شفته مندمج في السوالف طلعنا ما تعرفون فهد .. هذا فاسخ.. فاااااااسخ لا وبعد مع ذا البشوات اللي ورانا ...إي والله إن قد يقص رقبتي.. سميرة أطلت لتجد فهدا بالفعل مستغرقا في الحديث مع الشخص الآخر.. ووضحى تهمس لها: هو وينه..؟؟ سميرة تشير لها عن مكانه.. بينما تساءلت وضحى: من هذا اللي معاه بعد؟؟ سميرة تشدهما: خلونا نطلع وأقول لش.. خرجن الفتيات الثلاث ليصلن للسيارة والشابان مازالا يتبعونهم.. حينها ألتفتت لهما كاسرة لتلقي عليهما مجموعة من عباراتها المنتقاة بدقة وهي تخفض صوتها المشتعل بالغضب..ليهرب الاثنان.. بينما سميرة تنفجر بالضحك وهي تركب السيارة: يا بطني.. أنتي من وين تجيبين ذا الكلام خليتيهم ما يسوون بصلة.. كاسرة تبتسم وهي تغلق بابها: تعالي وأعطيش درووس.. وضحى مافادت فيها دروسي.. كود تفلحين أنتي وضحى بضيق: والله كل واحد وشخصيته.. ما أقدر ألبس ثوب مهوب ثوبي سميرة شعرت أن هناك شرارة توتر أشتعلت في السيارة لذا همست بمرح: الحمدلله إني طلعت من فيلاجيو على أرجيلي.. حرمت أدخله إذا فهيدان يجيه.. حينها ابتسمت وضحى: أما يا سميرة حرام عليش.. طول ذا السنين تسبين في الولد هو يجنن كذا.. عاد لو أنه شين كان دورنا لش عذر سميرة تضحك: الزين من زانت أفعاله يأوخيتي.. حينها تهتف وضحى بحماس: إلا تعالي قولي لي.. من الشيخ اللي جنبه؟؟ سميرة تبتسم: على طول حطيتيه شيخ.. كاسرة اعتصمت بصمتها حتى لا تتدخل في حديث الصديقتين الذي شعرت أنه حديث سخيف أشبه بحديثات مراهقات ولا يتناسب معها أبدا بينما وضحى تبتسم وتجيب: ياختي أقص يدي إذا هو مهوب شيخ.. مكتوب على جبهته.. وش ذا الرزة وش ذا الزين.. يدوخ ياختي.. من جماعتكم هو؟؟ مع أني ما اظن في جماعتكم حد زين.. كلهم قحط.. سميرة تبتسم: ياحبيبتي جماعتنا كلهم شيوخ ومزايين.. هذا ياطويلة العمر حضرت العقيد فهيدان حفظني اسمه وشكله من عادني بزر.. تقولين عليه بنية معجبة بمطرب من كثر ماهو مايهذري به وضحى بحماس طفولي: هذا منصور آل كسّاب الشهير.. وأخيرا شفته.. بس صدق ما عدلوا في وصفه أبو الثلاث حريم.. ما ألومهم يغارون عليه صراحة ثم وجهت السؤال لكاسرة بذات الحماسية الطفولية: كاسرة شفتي منصور آل كساب.. وش رايش فيه؟؟؟ كاسرة تسند رأسها للزجاج المجاور لها وتهمس بهدوء لا يعلم أحد ماذا تخفي وراءه: ماشي حاله... ******************************** ذات الوقت في داخل فيلاجيو مقهى كولومبس المجاور لفيرجن منصور يرتشف قهوته ويهمس بهدوء: لولا أني وعدتك أطلع معك رضاوة عشان الرخصة اللي خذتها منك وإلا كان اعتذرت منك.. الليلة عندي كم شغلة لازم أسويها عشان كذا ما أقدر أطول معك يا الله أخلص الكوب ذا ونمشي وأوصلك البيت فهد بحرج: لا والله ما توصلني.. بأخذ تاكسي.. منصور بحزم: وش تاكسيه.. لا والله ما يكون ولا يصير وبعدين مهوب من بعد بيتك من بيتي..كلها شارعين دارت بينهما الأحاديث وتشعبت وشعر فهد أنه قد يكون هذا الوقت هو الوقت المناسب ليفاتح منصور في موضوع يأرقه منذ وقت طويل بعيدا عن ضجيج مجلس منصور الدائم لذا هتف بحرج: ودي أقول لك شيء.. منصور بعتب: وشو له المقدمات؟؟ أدخل في اللي تبي.. فهد بذات الحرج ولكن مغلفا بالعتب: لين متى وأنت ترفع عني دورة مظليين الطوارئ؟؟ قد ذي ثاني مرة تشطب اسمي من القائمة.. دفعتي كلهم خذوها ماباقي إلا أنا منصور بحزم: وش أنت مستعجل عليه.. لاحق خير فهد باحترام مغلف بالحزم: يابو علي.. قد لي ست سنين من يوم تخرجت.. والمفروض الحين إني أخذ الدورة المتقدمة.. وماخذتها عشاني ماخذت الأولى والله العظيم عيب في حقي.. منصور بغضب: تقول لي أنا عيب ياحضرت الملازم.. فهد باحترام متعاظم: فهد طال عمرك.. مهوب من حقي أعرف يعني.. منصور بحزم شديد الصرامة: لا مهوب من حقك.. نفذ أوامر قائدك وأنت ساكت وبس حينها توجه فهد له بسؤال مباشر فيه رنة وجع واضحة: أبي أعرف من اللي قايل تشطب اسمي من الدورة.. إبي وإلا صالح؟؟ منصور بذات الحزم الصارم: خلصنا القهوة.. قوم نمشي وقف فهد وهو يهمس بذات حزمه: أنت علمتنا إن الواحد ما يسكت على حقه ولو رفعت اسمي من القائمة الجاية...بأقدم تظلم رسمي.. وقل للي موصيك تشطب اسمي... ترا الأعمار بيد الله لو الله بغى أصدم لي في عمارة وتتكسر عظامي في دورة المظليين ماحد براد قضاه ولو ما دخلتها ممكن أندعم حتى لو أنا على أرجيلي.. مهوب على سيارتي اللي أنت خذتها مني.. كله بيد الله..ومهوب عشان عبدالله الله خذ أمانته.. يخنقوني بذا الطريقة.. **************************** جميلة مستغرقة في نوم هادئ بعد أن اطمأن بالها لوجود أمها وهاهي تتعلق بأطراف أنامل أمها لا تريد إفلاتها حتى وهي نائمة عفراء تتنهد وهي تمسح على خد ابنتها بحنان بيدها الآخرى ثم تتوجه بحديثها لخليفة الجالس قريبا منها: عسى ما تعبتوا في الرحلة؟؟ خليفة بمودة: شوي يا خالة.. عفراء بمودة رقيقة: روح يأمك نام.. أنا قاعدة عندها.. خليفة بحرج: لا خالتي ما أبي أنام.. عفراء تبتسم : أكيد تبي تنام.. لك يومين ما نمت... والله العظيم إن قد تروح وإلا بازعل عليك.. خليفة وقف وهو يبتسم ويهتف بشفافية صريحة: تدرين خالتي إني قربت أنام على روحي.. تعبان حدي ابتسمت عفراء وهي ترد بحنان هو طبيعتها التي لا تستطيع تغييرها حتى وإن كانت حزينة من أجل علي فهي لا تستطيع أن تنفس ضيقها في خليفة ..ليست هذه طبيعتها مطلقا فهذا الشاب اللطيف المهذب تراه لا ذنب له.. والذنب ذنب ابنتها أولا وأخيرا: روح يأمك.. ونام قد ما تبي.. بس لا تنسى الصلاة.. ثم أردفت بحزن ما: الله يعينك يأمك على جميلة.. أدري إنك بتتعب معها جميلة على قد ما أحسنت تربيتها على قد مادلعتها.. غير دلع زايد لها بعد خربناها بالدلع عشانها يتيمة.. ولأني كنت أحس إني مقصرة معها لأنه الوقت اللي المفروض يكون كله لها كان مقسم بينها وبين عيال خالتها وهي كانت حاسة بكذا عشان كذا كنت أعوضها بالدلع.. ابتسم خليفة وهو يقف: خلها تدلل تستاهل الدلال ثم أردف بهدوء متوجس: لا تحاتين خالتي إن شاء الله إنها بتشفى وترد أحسن من أول.. ********************************* الإضاءة عند الباب تشير.. كان يعمل على جهازه الخاص الذي يجرب عليه كل شيء جديد قبل أن ينفذه لزبائنه يقف ليفتح الباب.. ويشرق وجهه عندما رأها محياها العذب الغالي أشار لها بترحيب دافئ أن تدخل.. قد لا تكون مطلقا ببراعة في وضحى في فهم كل إشاراته ولكنها تفهمه دون يشير حتى.. فهي من صنعت معه إشاراته الأولى وانفعالاته الأولى.. هي من كانت تعرف ماذا يريد دون الكلمات التي كان عاجزا عن انتاجها.. هي من علمته إن الإعاقة ليست حاجزا أمامه.. هي من زرعت فيه روح التحدي.. وأن إعاقته ليس عيبا وهو بهذه الإعاقة أفضل من الكثيرين.. لم تسمح له مطلقا أن يتخاذل.. أن يشعر بالنقص يوما أرادته أن يكون صقرا محلقا لا تحده حدود.. فــكــان !!.. ولم يخيب ظنها فيه يوما!! "فلماذا بعد أن صنعتي شخصيته.. تريدين ان تحجري على قراراته يا مزنة؟؟" يقولون أن الأبناء كلهم سواسية.. ولكن في حالات يتقدم أحدهم على الباقيين: الصغير حتى يكبر.. المريض حتى يشفى.. والغائب حتى يعود.. ولكن مزنة وأبنائها .. كان لكل واحد منهم معزة خاصة قد تجعله هو الأغلى مهاب.. الاكبر.. فرحتها الأولى.. انجبته صغيرة.. ليكون لها ابنا وأخا.. السند القوي الذي اراح بالها من كثير من الهموم كاسرة.. تشبهها.. مهرة.. صلبة.. تؤمن أنه مهما حدث لن تنكسر.. تشعر أنها امتدادها التي حققت كل مالم تستطع هي تحقيقه وضحى لينة رقيقة.. تحتاج دائما للاحتواء.. وهي بنفسها مصدر دائم للاحتواء وتميم.. وما أدراكم من تميم.. أذاب قلبها ومازال.. كما المرة الأولى.. حين سمعت صفقة قوية للباب لتهتف بغضب: أزعجتم ولدي.. لتلتفت له لتحمله ليقينها أنه ارتعب من شدة الصوت.. لتجده غارقا في نومه.. نظرت له بجزع.. صفقت بخفة قريبا من أذنه.. لم يصحُ صفقت بقوة أكبر.. فلم يصحُ.. لتصرخ حينها قريبا منه بكل جزعها وقلبها الذي تصاعدت دقاته بهستيرية.. ولــم يـــصـــحُ.. حينها تكاد تقسم أنها شعرت أن قلبها ذاب..ذاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى كما لو كان وُضع في تنور.. ليسيل في طوفان من الذوبان لم يتوقف من حينه ذوبان من ألم.. ذوبان من حنان.. ذوبان من جَلد وقوة وحينها سالت دموعها الغزيرة في صمت.. لم تسمح حتى لنفسها أن تقتحم سكونه بعويل كانت روحها تتوق إليه.. كم حملته قريبا من قلبها الذائب.. وهمست بكل وجيعتها: أدري إنك ما تسمعني بس أكيد حاس فيني.. أنا معك لين الأخير.. وإذا الله قطع من ناحية فهو يوصل من الثانية.. له حكمة سبحانه.. ما نعترض على عطاه.. وصدقني بتكون أحسن من غيرك.. أيقظ مزنة من ذكرياتها لمسته الحانية على كتفها.. وهو يشير: تبين شيء يا قلبي؟؟ حينها ابتسمت مزنة بشجن وهو تلتقط كفه التي وضعها على قلبه وهو يشير لتقبل ظاهر أنامله.. انتفض تميم وهو يتناول كفها ليقبل ظاهرها باحترام ومودة وعمق ويشير بعتب عميق: تكفين ما تعيدينها.. مزنة أشارت له بحنان: كل ما أشوفك.. مايطري علي إلا وأنت صغير وانا أحب إيديك.. ثم أردفت بهدوء حان: أبي أغراض للبيت... توديني..؟؟ ابتسم وهو يشير لعينيه: من عيوني.. وألتقط مفتاح سيارته بينما توجهت لارتداء عباءتها.. وحزن ما لا تعلم مصدره.. يتسرب لروحها.. ******************************** "يامش بس شوي.. ملعقة وحدة بس" جميلة بتأفف موجوع: خلاص يمه.. والله بأزوع عفراء بألم: يمه ما كلتي إلا ملعقتين بس.. حينها أشارت داليا لها بعينيها لتتبعها.. عفراء وضعت الأكل جانبا.. وخرجت خارج الغرفة تتبعها.. داليا خارج الغرفة همست لعفراء بخفوت: كفاية الملعقتين اللي كلتهم.. شوي شوي بيتحسن أكلها وغصبا عنها حتى عفراء بقلق: أشلون غصبا عنها ذي.. داليا بمهنية: من اليوم بتنعطى علاج جديد يخفف المقاومة وإحساس رفض الأكل عندها.. عفراء بقلق أكبر: وماله أثار جانبية هذا؟؟ داليا بتأكيد: لا لا تخافين.. مرض فقدان الشهية شائع عندهم.. وعلاجه بسيط إن شاء الله وبس تتحسن نفسيتها أكثر علاجها بيكون أسرع وأسرع إن شاء الله عفراء بعدم ارتياح: ولما فيه علاج وحبوب.. ليه ماخذتهم في الدوحة؟؟ داليا ببساطة: لأن العلاج هذا غير متوافر عندنا.. لأنه مرض فقدان الشهية مو مرض شائع هناك.. فليش يجيبون علاج ما يمشي.. ثم أردفت بمهنية حذرة: بس لين تتحسن حالتها يمكن تصير عصبية وحادة.. عفراء بألم: عصبية وحادة أكثر من كذا بعد..؟! داليا بحرج: اسمعيني أم جميلة.. أنا والله خجلانة منك وما اريد اكون قاسية معك.. بس أنا مازلت عند رأيي إنه جميلة من الأفضل تكمل رحلة العلاج من غيرك لأنه أنتي عاملة حواليها حماية مثل الشرنقة.. وما ترضين حد يشد عليها..خليها هي وزوجها.. وأنا وصيت الطبيب والممرضات عليها.. ولو لاحظوا إنه تعامل الاستاذ خليفة معاها ليس بالتعامل المرضي فورا بيتصلون فيني وأنا بأتصل فيك فما فيه داعي تقلقين عليها عفراء تنهدت وهتفت بحزم رغم تمزق روحها من الألم: أنا أصلا مقررة أرجع للدوحة في أقرب وقت ************************** "ها عمي أجهز لك عشاء؟! خذتنا السوالف ونسيت.. سامحني" ألتفت منصور لها بمودة : إلا شرايش نطلع نتعشى برا؟؟ مزون نظرت للساعة وهمست بحرج: مهوب متأخر شوي؟ الساعة صارت عشر ونص.. منصور يبتسم: من جدش؟؟.. حتى لو متأخر.. أنتي مع عمش..لو تبين أوقف لش شوارع الدوحة وقفتها يا الله قومي ألبسي..خليني أدلعش شوي.. حينها قفزت مزون بحماسة: بس أنا اللي أختار المطعم.. منصور بابتسامة: أكيد.. بس يا ويلش لو ماعجبني.. بأخليش أنتي اللي تدفعين الحساب مزون تصعد الدرج وهي تبتسم: عشر دقايق وأنزل.. والحساب أنت اللي بتدفعه عجبك المطعم وإلا لا.. عيب في حقك عاد.. منصور الجنتل.. معذب قلوب العذارى يطلع زطي.. منصور يضحك: إيه ألعبي علي بكلمتين.. مزون صعدت بالفعل بينما منصور أدار جهاز التلفاز على قناة إخبارية انتظارا لنزولها يرن هاتف جواره.. هاتف مزون.. لا يعيره اهتماما.. يعاود الرنين.. ينظر للشاشة ليجد رقما طويلا على الشاشة لا ينتبه جيدا لفتح الخط ولكنه يرفع الهاتف ليجيب..لأنه ظن أنه من أرقام النصب الخارجية التي تزايدت اتصالاتها في الأونة الأخيرة فور أن نقر زر قبول الاتصال فاجئه صوت أنثوي رقيق يهمس بلهفة: هلا والله يا قلبي ابتسم منصور: صار لي أكثر من عشر سنين مقحط ما سمعت كلمة حلوة من مرة.. فمن دواعي سروري أكون قلبش.. كل ما خطر ببال منصور حينه إنها أما معاكسة أو خطأ.. رد الطرف الثاني بحرج مغلف بالقلق من هذا المعاكس القليل التهذيب: راعية التلفون وينها؟؟.. وأنت من ؟؟ وأشلون ترد على تلفونها؟؟ والتلفون أساسا وش جابه عندك؟؟ وانت من أنت؟؟ من أنت؟؟ حينها تصاعد حنق منصور بشكل فجائي: تحقيق هو؟؟ راعية التلفون بتجي بعد شوي.. دقي بعد خمس دقايق عفراء تصاعد رعبها.. وأفكار مجنونة تعصف ببالها: وأنت من أنت؟؟ من أنت؟؟ وذا التلفون وش جابه عندك؟؟ منصور حينها اتجه تفكيره إنها لابد إحدى صديقات مزون في الخارج.. همس بهدوء: يا بنتي دقي بعد شوي وخلاص.. عفراء بغضب ممزوج بقلقها المتزايد: بنتك في عينك.. خلصني قل لي التلفون ذا أشلون وصلك قدام أسود عيشتك.. منصور حينها وقف على قدميه لشدة احتكام غضبه وهو يعتصر الهاتف في يده حتى كاد يحطمه: صدق هلش ما ربوش.. راعية ذا التلفون تنسينها ..ويا ويلش تكلمينها مرة ثانية ولو كلمتيها أنا اللي بأسود عيشتش عفراء تغلق الهاتف في وجهه... وتسارع لتتصل على رقم البيت لتتفاجأ أنه نفس الصوت الرجولي الغريب هو من يجيبها حينها كادت عفراء تبكي من شدة قلقها: أبي أكلم راعي البيت.. زايد وينه حينها استغرب منصور انحدار صوتها من الحدة للقلق: زايد سافر لجنيف.. شيء ثاني وإلا سكري عفراء حينها لم تحتمل .. انخرطت بكاء هستيري وعقلها يصور لها صور مرعبة لما فعله هذا الرجل بابنتها أو معها.. كيف يسافر زايد ويتركها في البيت وحيدة.. كيف؟؟ لم يخطر منصور في بالها إطلاقا.. وكأنه غير موجود منصور فُجع من البكاء الهستيري وشهقاتها المتقطعة: وش سويت فيها؟؟ وش سويت فيها؟؟ منصور باستغراب: مستحيل أنتي صاحية.. أكيد خبلة.. أنا عمها.. وش بأسوي فيها يعني؟؟ حينها قُطع الاتصال فجأة.. ووقتها كانت مزون تنزل: من هذي اللي أنت سبيتها على تلفوني منصور ببساطة: وحدة من ر فيقاتش تتصل من برا.. خبلة... ماعلى لسانها إلا وش سويت فيها.. وش سويت فيها حينها قفزت مزون بلهفة وهي تلتقط هاتفها: يا لبي قلبها.. أكيد خالتي عفراء.. من الصبح انتظر تلفونها تأخر منصور وهو يشعر بشيء ما يشبه الحرج .. بينما أعادت مزون الاتصال بذات الرقم.. لتتحادث قليلا مع عفراء التي كانت تحادث مزون وهي تشعر أن دماغها يغلي من الحرج كانت مزون مازالت تتحدث لتتفاجئ أن عمها انتزع الهاتف منها ليهتف فيه بحزم: السموحة يا بنت محمد.. ما عرفتش عفراء شهقت وصوت منصور الفخم يقتحم حوارها مع ابنتها.. همست بحرج: ماصار إلا خير.. والسموحة منك يأبو علي منصور بثقته المعتادة: أشلون جميلة بشرينا منها..؟؟ عفراء بذات النبرة المغرقة في الحرج: طيبة طاب حالك ثم أردفت لتنهي الاتصال: بنتي تدعيني.. سلم على مزون منصور بثبات: الله يسلمش حينها هتفت مزون: أنت وش سويت في خالتي؟؟ شكلها زعلانة ومنحرجة منصور يضحك: خالتش خبلة.. وش أسوي فيها.. شكلها عايشة في فيلم هندي على الأفكار اللي في رأسها ثم أردف باستعجال: يا الله يالله أخرتنا خالتش الخبلة على العشا *********************************** عبدالرحمن ومُهاب يتناولان عشائهما في مطعم بلهمبار على الكورنيش مباشرة مهاب بمودة: أشوفك ما كلت.. عبدالرحمن بذات المودة: أكل بلهمبار ما يعجبني ذاك الزود.. بس قعدتهم خيال مهاب بمرح: وحن جايين هنا عشان القعدة الخيال؟؟ الحين أنا خليت عشا أم امهاب اللي يسوي مطاعم الدوحة كلها وجاي معك.. وعقبه الأكل ما عجبك وجايبنا عشان القعدة بس عبدالرحمن بذات المرح: وهذا أنا خليت طبخ أم عبدالرحمن.. ماحد أفلس من حد.. كلنا تفلسنا عشا العجايز.. مهاب بمرح: العجوز مرتك.. مهيب أمي طال عمرك.. حينها التقط عبدالرحمن العبارة: وعجوزي متى بتزوجني إياها؟؟ مهاب شعر بحرج أخفاه خلف هدوءه وهو يقضم قطعة من الخبز: ما بعد خذت رأيها.. عطيتها وقت تفكر عبدالرحمن بهدوء: امهاب ترا بيننا صحبة من يوم انولدنا يمكن.. يعني ما أعرفك من يوم وإلا يومين.. ثم أردف بشكل مباشر وصريح وقاطع: وضحى رفضتني؟؟ انتفض مهاب بعنف: والله العظيم إني ماخذت رأيها للحين عبدالرحمن بذات الثقة الهادئة: دامك حلفت بصدقك.. لكني أحذرك يا امهاب إنك تحاول تفرض عليها شيء هي ما تبيه عاد كله ولا العرس يأخيك.. ما ينجبر قلب على قلب وأنت عارف إنه ذي مهيب أول مرة أخطب وضحى.. بس أمك تيك المرة مارضت وقالت إنها صغيرة وذا المرة أنا أقول لك لو مهما صار لا تجبرها على شيء.. ولاتظن إنه اللي بيننا بيغيره شيء صحيح إني ما أبي إلا القرب منك.. بس الواحد ما يأخذ إلا نصيبه.. ويمكن نصيبي مهوب عندكم مهاب بمودة عميقة: أكيد مستحيل أجبرها على شيء.. وبعدين وين تلاقي مثلك يا حظها وحظ أخيها فيك يا النسيب ثم أردف بنبرة ذات مغزى: وعلى طاري النسيب.. صار لي فترة أبي أكلمك في موضوع.. ووقته جا أمنيتي يابو فاضل إنك تصير نسيب نسيب..؟؟؟ عبدالرحمن يعقد حاجبيه مستفسرا.. ليجيبه مهاب بتساؤل واثق: تزوجوني لو خطبت عندكم؟؟؟ أبي أختك.. تقربوني؟؟ #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني عشر قبل عدة أيام من الأحداث الأخيرة "إذا انت تبي قربي.. أظني عندي أخت غير كاسرة وأحسن منها" عبدالرحمن بدهشة: وضحى؟؟ مهاب بهدوء: إيه وضحى.. حينها ابتسم عبدالرحمن: أنت عارف إنه أمنيتي إنك تصير خال عيالي و إنت داري اني خطبت وضحى قبل كم سنة وقبل ما أخطب كاسرة حتى لأني بصراحة كنت شايف إنه طبابع وضحى أنسب لشخصيتي مهاب يبتسم ويكمل: وأنا شجعتك.. وقلت نعم من اخترت عبدالرحمن أكمل الحديث بابتسامة مشابهة: وانا كلمت خالتي أم امهاب دايركت.. وخطبت منها وضحى عشان أشوف رأيها قبل أقول لأمي وأبي يخطبون رسمي بس هي ما رضت وقالت لي صغيرة فقلت يمكن خالتي أم امهاب شايفتني كبير على وضحى عشان كذا ما رجعت فتحت موضوعها والخطبة كلها لكاسرة لأني كنت مصر إنك تصير أنت خال عيالي إن شاء الله مهاب بهدوء حازم: أمي مارضت لأنها كانت تبي وضحى تخلص جامعتها أول.. وخلاص وضحى الحين على وشك تخرج ولا تظن إني أرخص أختي يوم أسوي كذا.. وضحى جنة ربي.. وياحظ اللي بيضويها وأنا ما أبيها تروح عليك.. وأنت عارف إني نصحتك أكثر من مرة إن كاسرة ما تنفعك عبدالرحمن بابتسامة: يالله يدي على كتفك.. ودي تزوجني اليوم قبل بكرة دائما كان مهاب هو الهدف استثنائية وعميقة ومتجذرة الصداقة التي جمعت بينهما أراد أن يتقرب من مهاب أكثر وأكثر.. صديقا وخالا لأولاده لذا حاول أن يتقرب بداية من مدللة مهاب المفضلة ولكن لم تتيسر له الخطبة.. فقرر تحويلها لكاسرة هكذا ببساطة!!.. رغم تعارض هذه الأفكار مع شخصية عبدالرحمن العميقة المنطقية ولكن من أجل مهاب تتأجل كل قوانين المنطق!! ورغم كثرة ما نهاه مهاب عن خطبة كاسرة كان هو يصر.. أصبح يؤمن أن هذه الكاسرة الحسناء بها اعوجاج ما وربما كان هو بصبره وهدوءه من يستطيع إصلاح هذا الاعوجاج أو حتى ستره وتغطيته والصبر عليه حتى لا يعاني مهاب الذي يقوم بدور والد لهم مع زوج قد يهينها أو يرجعها لهم مطلقة من أجل مهاب كان مستعدا للمضي حتى آخر الدرب واختيار الطريق الأصعب!! ولكن بما أن الطريق السهل هاهو يتيسر له الشابة الصغيرة الرقيقة التي كانت هي المقصودة بالخطبة منذ البداية الأقرب من قلب مهاب فلماذا يضيع الفرصة؟؟ وليكن اعوجاج كاسرة على نفسها؟؟ "ولكن هل يا ترى فكر مهاب مثله وهو يقرر أن يناسبه؟ أو كان برأسه موال آخر؟! " ************************************ عفراء مع كساب في الفندق.. بعد أن رفضوا السماح لها بالمبيت عند جميلة تركتها وهي تشعر أن شيئا في روحها ينحر وهي تلمح دمعة في عين جميلة تحاول إخفائها كانت هي وكساب في غرفتين متجاورتين.. وهاهو كسّاب عندها الآن في غرفتها.. يقف في الشرفة وينظر منها لبحيرة أنسي الرائعة.. انعكاسات الأضواء على صفحات الماء المصقولة منظر بديع عقله عنه مشغول بأفكار وهموم بات حتى لا يعرف لها سببا عفراء تقف عند باب الشرفة من الداخل وتهمس بحنان: وش فيك يأمك.. من صبح من يوم طلعت من المستشفى.. ولين جيت وخذتني وأنا حاسة إنه خاطرك مهوب زين.. وش فيك جعلني فداك يبتسم كسّاب ويهمس بشفافية: إلا أنا اللي جعلني فداش.. لو تأمرين على عيني ما تغلى عليش.. عفراء بمودة رقيقة: جعل عمرك طويل في الطاعة.. ما نشدتك ابي عينك جعلها سالمة نشدتك وش اللي في خاطرك؟؟ تنهد كساب ثم هتف بحزم وهو يدخل في الموضوع الذي يكدر خاطره: خالتي سامحيني على اللي صار اليوم في المستشفى.. كلامي واللي سويته اليوم والله العظيم ماله معنى ولا داعي ثم أردف بوجع مختبئ خلف حزم صوته : مقهور يا خالتي.. وفضيت قهري بأرخص طريقة ثم أردف بمصارحة مؤلمة: تدرين خالتي حسيت إني رخيص على اللي سويته.. وعلى الأفكار اللي في رأسي عفراء عدلت شيلتها على رأسها وهي تدنينها من أطراف وجهها.. وتقترب منه.. ثم تضع يدها على يده الساكنة على حاجز الشرفة وتهمس بحنان: الرخيص غيرك يامك.. تكرم يا أبو زايد كساب يجلس ويشد خالته لتجلس على مقاعد القش في الشرفة حتى لا يلمح أحدا من العابرين القلة شبح خالته.. ويكمل حديثه بذات النبرة الحازمة الشفافة: لا تهونين اللي سويته في عيني.. لأنه مهوب هين على نفسي تدرين خالتي يوم شفت خليفة وعقبه جميلة.. كني أشوف دم علي بين إيديهم.. والله العظيم ما استحملت ما استحملت.. شوي أتمسخر.. وشوي أسوي نفسي ماني بمهتم.. وعقب ما استحملت طلعت الانتظار وعقبه طلعت من كل المستشفى عني يا خالتي عارفة ما يهمني شيء... بس علي غير.. والله غير مستحيل يجرح حد أو ياذي حد بكلمة.. حسيت إني اليوم أبي أنتقم له من اللي جرحوه.. بس مِن مَن؟؟ مِن مَن؟؟ واحد ماقدر يرد عليّ.. ووحدة مريضة شفتي أشلون أنا رخيص..؟؟ عفراء تشد على يده وتهمس بحنان متفهم شفاف: يامك أنا أفهمك بدون ما تحكي..لا تضايق روحك.. خلاص السالفة عدت وجميلة أصلا نست عقبها.. كساب يسند ظهره للكرسي وعيناه تبحران للبعيد: بس أنا ما نسيت.. ما نسيت.. موجوع من روحي وماني براضي على نفسي وماني بمرتاح.. مهوب بس من اليوم.. من سنين..من سنين ياخالتي عفراء بعمق: أرض ربك ياولدي ويستاسع خاطرك كساب بعمق مشابه :والله ياخالتي إني مصلي وما أفوت الفرض..ولا بعد عصيت ربي في شيء.. وأنتي عارفة عفراء بعمق أكبر: وأبيك أرضيته عليك؟؟.. رضا الوالدين يا ولدي جنة الله في الدنيا.. كساب تنهد: خالتي أنتي أكثر من يدري.. صحيح أنا وأبي بيننا خلافات بس عمري ما عصيته ولا ثنيت له كلمة.. وأكبر دليل عندش مزون... يعني هو كان صعب علي أسحبها من شعرها من الكلية ومن أول يوم..وإلا أكسر رجلها ولا أخليها تطلع من البيت لكن بلعت غصتي عشانه.. لأنه قال لي إنه زعله علي دنيا وآخره لو أنا قربت منها وإلا سويت لها شيء أو حتى مديت عليها أصبع.. قهرني وربط يدي..طعته وطاعته فوق رأسي لكن الشيء اللي في الخاطر كايد ياخالتي.. كايد.. حينها همست عفراء بشبح ابتسامة: زين وسالفة العرس؟؟ نشفت ريقه فيها.. ابتسم كسّاب وهو يحاول الانسحاب من ضيقه: لا خالتي عاد لا تضربين تحت الحزام.. أنتي تدرين في سالفة العرس أبي ما أمرني.. لكن طلب مني وأنا مالي خاطر في العرس.. عفراء برجاء: زين ليش يأمك.. شيدريك يمكن لا خذت لك بنية حلال تريح بالك وترادك الصوت يرتاح بالك وخاطرك بعض النسوان وجهها خير على رجّالها.. ابتسم كساب وهتف بسخرية لطيفة: عندش يعني حد معين ترشحينه؟؟ ضحكت عفراء: يا النصاب.. ما بقى حد من بنات جماعتنا ما قلت لك عنها... وانت إلا رافض الفكرة من أساسها حينها صمت كساب كأنه يفكر ثم همس بنبرة جدية مصطنعة: أبي وحدة مزيونة ولا تهش ولا تنش.. يعني أقول لها وقفي جنب الطوفة أروح وارجع بعد 10 ساعات ألاقيها واقفة جنبها عفراء توسعت عيناها دهشة: من جدك؟؟ ضحك كسّاب: خلينا من ذا السالفة يالغالية.. والله العظيم مالي في العرس ولا أفكر فيه ..الحين بس قولي لي كم يوم تبين تقعدين هنا؟؟ عفراء انقلب مزاجها بشكل جذري وهي تتذكر مشكلتها الكبرى وهمست بحزم أخفت خلفه تردد روحها وجزعها : ما أبي أقعد خلنا بكرة نروح لعلي.. ونحجز مناك ونرجع للدوحة كسّاب بدهشة: بذا السرعة.. لحقتي تطمنين على جميلة؟؟ عفراء بالم: خلاص تطمنت عليها.. ورجالها أجودي.. ما أبي أتاخر على مزون وعلى شغلي.. امتحانات البنات قربت عفراء شعرت بضرورة أن تعود بسرعة.. لأنها كلما طال بقاءها ستشعر بصعوبة ترك جميلة.. وحتى لا تحيي في قلب جميلة الأمل أنها ستبقى معها فهي تريدها ان تتقبل واقع مرضها ومجابهتها له ووجودها مع خليفة وحيدة حتى تعتاد عليه فهي لابد أن تتحمل نتيجة قراراتها لتكون أكثر قوة.. فربما كانت هذه التجربة في الحياة هي ما ستصلح أخطاء عفراء في تربيتها لها.. ودلالها الزائد لها.. ******************************* "بنات ممكن أدخل" طرقاته الهادئة على الباب المفتوح.. لتقفز كل من جوزاء وشعاع وهما تهتفان بمودة واحترام لا متناهيان: تعال فديتك عبدالرحمن يدخل بخطواته الهادئة لغرفة شعاع .. الاثنتان تسارعان لتقبيل رأسه مودة لا حدود لها تغمر قلبيهما تجاهه فعبدالرحمن طوال عمره ومنذ طفولته كان نموذجا متدفقا لحنان مصفى.. لطالما وقف في وجه قسوة والدهما تجاههما.. ليجد والده نفسه مجبرا أن يخفف كثيرا من قسوته من أجله هو.. من أجل عبدالرحمن كان يبالغ في تدليل شقيقاته.. وتنفيذ رغباتهم.. وكأنه بذلك يعوضهم عما يكون والده فعله بهم وهو لم يراه وهاهو يمارس وبكل جدارة دور الوالد لحسن الصغير لولا تحسس جوزاء أن يتعلق فيه بينما هو سياتي يوم يتزوج فيه ويكون له أطفاله ليصبح حينها نصف والد أو حتى ربع والد لحسن مع إنشغاله بأطفاله حسن حينما رأه قفز ناحيته.. عبدالرحمن غمر وجهه بقبلاته الحانية ثم خلع غترته وحمله على كتفه.. جوزاء بمودة حقيقية: نزله لا يثقل عليك عبدالرحمن يحكم إمساكه له وهو يبتسم: من جدش؟؟ أنتي متاكدة إنش تأكلين ذا الولد.. مافيه لحم مثل الناس حينها ضحكت شعاع: تاكله؟!! باقي تفقعه من كثر ما تزغطه جوزاء هتفت بجزع باسم: ول عليش.. قولي ماشاء الله شعاع تضحك: ماشاء الله تبارك الله.. ضحكات حسن الصغير تتعالى وعبدالرحمن يدور به.. ويهتف له بحماسة: خلاص إلا بعد؟؟ حسن الصغير يضحك: بعد.. بعد وجوزاء بجزع حنون: عبدالرحمن فديتك بس..بس.. بس تكفى... دار مخه.. عبدالرحمن أنزله بحنان وهو يهمس بابتسامة مرحة حنونة: أمك تقول خلاص.. مخك دار حسن بضجر: والله ما دار.. ما دار.. شوفه شوفه.. مادار.. عبدالرحمن خلع نظارته (لعبة حسن المفضلة) وهتف بحنان: هاك أخذ نظارتي وروح مع شعاع عند جدة شعاع شعرت فورا أن هناك ما يريد عبدالرحمن محادثة جوزاء فيه لذا تناولت كف حسن الصغير السعيد بالنظارة وهمست له بحنان: يالله حسوني بنروح لجدة شوي وبعدين ننام الوقت تأخر واجد جوزاء شعرت بالتوتر (أكيد صالح مرة ثانية!!) عبدالرحمن جلس على السرير وأشار للمكان جواره وهتف بمودة: تعالي جوزا اقعدي اقتربت جوزاء بتردد وجلست.. ثم همست بقلق: ما أحب ذا البرزات (البرزة الحديث الخاص المنفرد ودائما لموضوع جدي) ابتسم عبدالرحمن: ومن قال لش برزة؟! جوزاء بخجل متوتر: لو أنها مهيب برزة ما كان طلعت شعاع.. صالح مرة ثانية.. صح؟؟ عبدالرحمن ببساطة: لا .. امهاب.. حينها قفزت جوزاء بجزع كاسح وهي تشهق شهقات متلاحقة: من ؟؟ من؟؟ امهاب؟؟ عبدالرحمن بهدوء: إيه امهاب... وش تردين في الرجال؟؟ الكلمات ذابت على شفتي جوزاء: لأني ما أرد فيه شيء مستغربة.. ثم أردفت بخجل عميق: عبدالرحمن أكيد أنت غلطان.. أكيد إنه خطب شعاع وأنت ظنيتها أنا ضحك عبدالرحمن: المواضيع هذي فيها غلط... امهاب يبيش أنتي.. تزايدت دقات قلب جوزاء هلعا.. وأنفاسها تضيق حتى أنطبقت أضلاعها على رئتيها: أكيد أنت غلطان عبدالرحمن..واحد مثل امهاب وش يحده يأخذ أرملة عندها ولد؟؟ عبدالرحمن بحنان وهو يربت على رأسها كوالد يهدهد صغيرته: وأرملة وعندها ولد مالها حق يكون لها فرصة ثانية في الحياة؟!!.. جوزاء بذات الجزع: فرصة ثانية لوحدة مثلي.. معناتها واحد مطلق أو أرمل.. مهوب واحد مثل امهاب.. كامل والكامل وجه الله.. عبدالرحمن يقف وهو يضع يده على كتف جوزاء بحنو: اخذي وقتش وفكري وترا امهاب ملزم عليش فوق ما تتصورين لا تفكرين تفكير عاطفي غبي وتضيعينه من يدش.. فكري في نفسش وفي ولدش.. وحطي مميزات امهاب قدامش وتخيلي أي زوج بيكون لش وأي أب بيكون لولدش جوزاء بذات الجزع الذي لم يفارقها: لا لا ما أبي.. جد ولدي وعمانه بياخذونه مني.. عبدالرحمن بحنان صاف: لا تحاتين ذا السالفة.. أبو صالح وعياله عرب أجواد وفيهم خير وما ظنتي أبد يحرقون قلبش على ولدش عشانش تبين تتزوجين فكري زين وردي علي.. عبدالرحمن غادر لتنهار جوزاء جالسة على سريرها وهي عاجزة عن الاستيعاب هي ومهاب هي ومهاب هي ومهاب بركان من الأفكار يتفجر في داخلها.. وأعاصير من الفوضى تجتاح كل خلاياها لا تنكر أنها كانت تتمنى أن يتحرك مهاب ليخطب أختها شعاع.. ولكن أن تكون الخطبة لها.. لها هي؟! أ يعقل؟!! أ يعــــقــــل؟! أ يـــــــــعـــــقـــــل؟!! ****************************** كانت تتمدد على سريرها ودموعها تسيل بصمت حينما كانت في الدوحة كانت والدتها تبيت معها في المستشفى فلماذا رفضوا تركها تبيت عندها الليلة...أول ليلة تقضيها في مكان غريب الرعب في قلبها يتصاعد ويتصاعد.. وما كان ينقصها هو صوت فتح الباب وصوت الخطوات التي تتسحب ليكتمل رعبها لكنها نهرت نفسها وهي تسمي بسمي الله وتحاول فتح عينيها (لابد إنها إحدى الممرضات) فوجئت بخليفة يقف جوارها ويراقب مستوى الجلوكوز المعلق انتفضت بجزع: وش تسوي؟؟ همس ببساطة: دريت إنهم ما خلوا خالتي تبات هني.. فقلت أكيد إنتي خايفة من القعدة بروحج فييت.. جميلة بعناد: وليش أخاف.. شايفني بيبي..؟!! ابتسم خليفة: وانتي كل شيء عندج إني شايفج بيبي.. من قال؟! جميلة بذات العناد: تصرفاتك... وبعدين أشلون يطردون أمي.. ويخلونك تجي أنت.. خليفة بذات البساطة: أنا ماخذت أذن من حد.. ييت من نفسي.. جميلة بذات نبرة العناد: ما قصرت.. روح نام ما أبي حد عندي خليفة بهدوء وهو يقرب المقعد ويجلس: أنا شبعان نوم أصلا.. من يوم يات خالتي عفراء.. رحت ونمت.. والحين باقعد عندج جميلة يعاودها إحساس التوتر والخجل: ما أبيك تقعد عندي.. لو سمحت خليفة يتجاهل ما قالت ويهمس بهدوء أعمق: كلميني عنج جميلة.. شنو تدرسين في الجامعة؟؟ شتحبين؟؟ شنو تكرهين؟؟ جميلة بتوتر: وليش مهتم تعرف؟؟ خليفة بابتسامة مستغربة: وليش ما أعرف.. موب مرتي.. جميلة بتوتر مغلف بالجمود: هذا لو إحنا أزواج عاديين.. بس أنا وحدة بأموت قريب.. وش يهمك وقتها... خليفة بغضب: قلنا هالحكي ما نبي نسمعه.. ثم حاول تناسي غضبه وهو يردف بابتسامة: زين أنا أكلمج عن نفسي.. لا يعرف خليفة ما الذي يهدف له من محاولته.. ولكنه يشعر بملل ووحدة وغربة لا حدود لها.. مشتاق لوالده ولأشقائه وأصدقائه ليس لديه في هذا البلد أحد سواها!! جميلة لم يكن لديها رغبة لسماعه.. فهي لم تكن تريد الليلة سوى حضن والدتها ولكن بما أنهما متورطان معا الليلة.. فلتسمع منه فربما يخبرها عن والدها حكايات هي لا تعرفها.. فلا يهمها من هذا الخليفة سوى كونه خليفة!! همست جميلة بهدوء عذب: خلاص قول اللي تبيه.. خليفة يقف وهو يهتف بمرح حنون: بس أول نشرب لنا عصير.. جميلة بجزع: ما أبي.. خليفة يتجاهل رفضها ليقف ويفتح الثلاجة ويتناول العصير ليسكب منه في كأسين رغم أنه هو شخصيا لا يشعر برغبة لتناول لشيء.. فنفسه مسدودة تماما.. ولكنه يحاول اختراع أي سبب ليجعلها تأكل أو تشرب أحضر الكأسين.. وضعها على الطاولة المجاورة لسريرها.. ثم رفع سريرها أكثر لتكون في وضع الجلوس.. جميلة بخجل جازع: بشرب بروحي.. خليفة وهو ينظر لأناملها اليابسة كان متيقنا أنها يستحيل أن تستطيع حمل شيء بعيدان الأسنان هذه.. همس بهدوء: بدون عناد خلي المهمة هذي لي خليفة قرب الكأس من شفتيها.. وجميلة خجلها وتوترها في تزايد.. لكنها شربت جرعتين حتى تتلافى إلحاحه وبالكاد عبرت الجرعتين بلعومها خجلا من يده القريبة منها ثم همست برجاء: بس خلاص خليفة وضع الكأس جانبا ولم يشرب شيئا من كأسه.. وهمس بهدوء: هاتكلميني عن نفسج؟؟ جميلة بخجل: لا أنت اول.. خليفة ابتسم وهو يريد أن يجذبها للحوار: إسأليني.. جميلة ليس في بالها سؤال معين .. لكنها حاولت أن تجد: إيه كم عمرك؟؟ تدري إني ما أعرف.. ضحك خليفة: عمري 27.. حينها همست جميلة كأنها تكلم نفسها: أكبر من علي بسنة وأصغر من كساب بسنتين.. شعر خليفة بضيق حقيقي وهي في أول حوار ودي بينهما تعقد المقارنة بينه وبين ابني خالتها.. ولكنه تنهد وهو يهمس لنفسه ليجد لها عذرا (مريضة وعمرها ما عرفت حد غير عيال خالتها) همس خليفة بهدوء ظاهري: وليش ما تقولين أكبر منج بثمان سنين تدرين أحس إني عود وايد عليج.. صمتت جميلة بخجل..بينما بحث خليفة عن شيء آخر يقوله: أممممممممم وأنا مدرس كيمياء أدرس ثاني ثانوي تحديدا حينها ابتسمت جميلة: أمي بعد مدرسة.. بس أمي تدرس علوم حق بنات إعدادي خليفة ابتسم (زين ذا المرة قارنتي بامها موب حد ثاني) ثم أردفت جميلة بخجل: والحين أنت خليت طلابك على آخر السنة.. ابتسم خليفة: ارتحنا منهم.. وجدولي ربعي قسموه بينهم.. حينها ابتسمت جميلة : بس غريبة شغلتك.. أعرف الشباب القطريين كلهم يهربون من سلك التدريس.. وخصوصا إنك تخصص كيمياء كان لقيت لك شغلة غير.. خليفة بهدوء باسم: تقدرين تقولين إني شخصيتي غير.. من صغري ودي أكون مدرس حينها همست جميلة بألم: وانا كنت أتمنى أكون مدرسة مثل أمي.. خليفة بحزم حنون: وليش كنت.. بتردين وتكملين جامعتج وتصيرين اللي تبينه حينها أشاحت جميلة بوجهها.. لتسيل دموع تحاول إخفائها: أحاتي أمي بس.. أنا وامي متعلقين في بعض كثير.. كنت أتمنى لو أقدر أجنب أمي الحزن خليفة بحزم: لو تبين تينبينها الحزن ماكان سويتي في نفسج جذيه.. جميلة بألم مستسلم: هذي حكمت رب العالمين.. وماحد يعترض على حكمه سبحانه.. خليفة بغضب: الله سبحانه ما قال لج تحرمين نفسج من الأكل جميلة انتقلت من نبرة الاستسلام لنبرة غضب مشابه لغضبه وبشكل مفاجئ: خلاص روح يا الله.. ما أبيك تقعد عندي خليفة يرتخي على المقعد ويريح جسده ويهمس بهدوء متجاهلا ماقالته: ماراح أروح مكان.. قاعد هني عندج للصبح ********************************* كان يصلي الفجر حين سمع جرس الباب.. عاود سماع الرنين بعد دقيقة أخرى وهو على وشك الانتهاء حينما سلم من صلاته.. توجه للباب وهو يشعر باستغراب عميق لمن يطرق الباب في هذا الوقت فتحه.. شهق.. أي مفاجأة هذه؟!! أي مفاجأة؟؟ كان يقف مستندا للحائط عاقدا ذراعيه أمام صدره وبجواره حقيبة صغيرة ذات الابتسامة ارتسمت على الشفتين.. ذاتها.. ابتسامة شفافة حنونة.. بها عتب واشتياق " أ هذا أنت يا أبي؟؟ أ حقا أنت هنا أمامي؟!! لماذا جئت؟؟ بل أهلا بك.. كم تسعدني رؤيتكِ.. بل يكاد جنبيّ أن يتمزقا لفرط انتشار السعادة في جوانحي اشتقت لكِ يا أبي تماما مثل ما أنا مجروح منك.. ولكن شوقي أكبر من الجرح لأنك عندي أكبر من كل شيء أكبر من كل شيء!! " علي سارع ليقبل رأسه وكتفه ثم ألتقط كفه ليقبلها ولكن زايد سحبها قبل أن يفعل وعلى يهتف بحماس دافئ: هلا والله إني صادق.. نورت جنيف بكبرها قالها وهو يحمل حقيبة والده للداخل ويكمل بشفافية: كنت متوقع يأنت ياكساب أشوفكم خلال ذا اليومين.. ثم أردف بعتب: ليش ما قلت لي استقبلك في المطار؟؟ زايد وهو يدخل ويغلق الباب خلفه ويهتف بمودة عميقة: ما أبي أتعبك.. وبعدين جنيف أنا حافظها.. كل السالفة تكسي من المطار علي بمودة عميقة وهو يعاود تقبيل رأس والده: والله إنها أحلى مفاجأة.. كنك داري وش اللي في خاطري رحت من الدوحة وأنا ما شبعت من شوفتك.. زايد لم يرد أن يعاتبه لهروبه من الدوحة بهذه الطريقة.. فما مضى مضى المهم أنه أمامه.. بخير ووجهه مشرق بابتسامته الغالية ففي روحه من العتب والإحساس بالذنب الكثير الكثير وإن كان إحساس العتب بدأ بالإضمحلال فإن الإحساس بالذنب آخذ بالتزايد.. لأنه يعلم أن إبتسامة علي هذه تخفي الكثير من الألم الطازج والجروح الطرية المفتوحة "ولكن الأيام ياولدي كفيلة أن تشفي الجروح والألام" "وهل شفت الأيام جروحك يازايد؟ " "هو ليس مثلي.. ليس مثلي ولا أعتقد أن هناك من هو مثلي دعني الآن أشبع ناظري من محياه الحبيب وما عدا ذلك لا يهم.. لا يهم !!" ******************************** صباح الدوحة كعادتها أمام قهوتها.. لوحة دائمة.. وطقوس مثقلة بالشجن والذكريات ماذا بقي لها غير الجلوس أمام قهوتها والانتظار الذي طال كثيرا.. كثيرا "صبحش الله بالخير يام صالح" انتفضت أم صالح وهي تهمس باحترام ودود : الله يصبحك بالنور والسرور.. جلس مجاورا لها بألقه الغامض الصامد.. حين تراه للمرة الأولى تعلم فورا أن هذا الشيخ الجليل يخفي أكثر مما يظهر بكثير هتف بمودة: تقهويني يا شيبتش؟؟ ابتسمت بمودة وهي تسكب له فنجانا: أقهوي مندوبك تناول منها الفنجان وهو يهتف بهدوء لا يخلو من رنة غضب: الشيخة متى بتأتي؟؟ حينها همست بحنين: خلاص قد هي على وصول.. ثم أردفت بعتب: وأشفيك تقول الشيخة شكله مهوب عاجبك... أبو صالح بضيق: إيه مهوب عاجبني.. قد لها أسبوع مخلصة.. ليه ماجات لذا الحين أم صالح بهدوء: نايف توه مخلص امتحاناته أمس.. أشلون تأتي أبو صالح بضيق: يعني أخيش السبة.. لو أني داري كان أرسلت لها فهد وإلا هزاع يجيبونها.. أم صالح تبتسم: ذا كله شحنة لبنتك... وبعدين وش فرقت أسبوع تنتظر خالها لين يخلص بدل ما تعنّي واحد من أخوانها.. أبو صالح بذات الضيق: مابه عنوة.. وش وراهم.. فهد يقدر يأخذ إجازة يومين وهزيع تو امتحاناته مابدت.. هذا لو فلح.. كان ذا الحين قد لها أسبوع عندنا وإلا عطال أخيش لها.. أم صالح بعتب: الحين أخي اللي حاطها في عيونه هو اللي معطلها.. شكلك ماعاد فيك صبر من الشحنة.. خلاص هانت ماعاد عليها إلا فصل واحد أبو صالح بشفافية: إيه والله مشتحن لها.. بنيتنا اللي ماعندنا غيرها.. لولا إن عبدالله الله يرحمه كل مخي عشان أخليها تروح مع خالها وإلا والله ما أخليها تشبر برا الدوحة أم صالح بحنين موجوع: جعلها برايد عليه ما كان أحبه لأخته.. ماكان يخلي في خاطرها شيء جعل مثواه الجنة الباردة.. حينها همس أبو صالح بخفوت غامض: ادعي له.. محتاج الدعوات.. حينها هتفت أم صالح ببعض غضب: وش قصدك في ذا الحكي.... كلن محتاج للدعوات.. وولدي إن شاء الله من هل الخير... واصل ومصلي.. مهوب كفاية وجيعتي منك.. يوم ما خليته يدفن عندي في الدوحة.. أبو صالح بذات الغموض: الديار كلها بلاد ربي.. وشو له العنوة حد يروح يجيبه.. أم صالح بحزن عميق: وش عنوته؟؟ صالح كان بيموت يبي يجيبه بس أنت اللي حلفت.. لا وزود على كذا حتى حسن ما رضيت نسميه عبدالله... ولزمت ما يسمى إلا حسن.. حتى اسمه استكثرت يقعد عقبه.. أبو صالح يضع فنجانه ويقف وهو يهمس بنبرة حزن موجوعة: وإن سمينا حسن عبدالله.. بيرد عبدالله عبدالله راح خلاص يأم صالح.. مهوب راده نسمي ولده عليه.. ******************************** "ياحلوك يا عمي بلبس العسكرية.. كيوت" يبتسم منصور الذي كان يرتشف قهوته الصباحية وهو ينظر لمزون التي تنزل بعباءتها مستعدة للذهاب: أما كيوت ياعمش ذي مابعد مرت علي.. مهيب من مصطلحات العسكرية دوري لنا مصطلح مثل شرس.. ذيب.. شيء كذا انحنت عليه لتقبل خده.. وهمست باحترام: زين ذيب.. شرس ما أبيها جلست جواره وهي تسكب لنفسها كوبا من الكرك بينما منصور يسألها: وين بتروحين؟؟ مزون صمتت بتوتر.. فهي تعرف إن عمها من أكبر المعارضين لدراستها ثم لعملها وإن كان يتعامل الآن مع المسألة بهدوء فهي تعلم أنه كاد يرتكب جريمة في والدها قبل 4 سنوات حين وافق لها أن تدرس منصور بنبرة أعلى: أقول مزون وين تبين تروحين.. أنا اللي بأوديش مزون ابتلعت ريقها: المطار.. عندي أول رحلة اليوم.. رحلة قصيرة.. أبوظبي وراجعين على طول.. والطاقم كله حريم حتى الكابتن... زفر منصور وأصابع يديه تتصلب.. ثم همس بحزم: قومي أوديش.. وأنا اللي بأرجعش.. بس يا ليت إنه لعبة الطيارات ذي ما تطول.. اللي في رأسش وسويتيه.. بنشغلش أحسن شغلة في المكان اللي تبينه.. بس ذا الشغلة يأبيش ما تنفع لش.. حينها مالت مزون على ذراعه تحتضنها ثم تقبل عضده وهي تهمس بوجع شفاف: شفت ياعمي.. مع أني أدري إنك مستوجع من خبالي مثل كسّاب وأكثر بس شوف أنت أشلون تتعامل مع الموضوع.. وهو أشلون يتعامل تكفى ياعمي.. قل له بأسوي اللي هو يبي.. بس يرضى علي.. تكفى طالبتك.. ****************************** "كساب يأمك تعال أبيك تدخل معي عند جميلة" كساب بهدوء: ما يصير يا خالتي.. تبين تسلمين على بنتش براحتش عفراء بألم: ما أبي أسلم عليها براحتي.. لأني لو دخلت عليها بروحي وقلت لها إني بأسافر.. بتسوي مناحة لكن إذا كنت أنت موجود بتستحي مهيب قايلة شيء.. حينها ابتسم كسّاب: تستحي؟؟ توها لسانها البارحة علي شبرين.. عفراء تتمزق من الألم: ماعليه يأمك تعال وبس.. كساب لم يكن يريد الدخول لأنه مازال يشعر بالضيق من موقفه بالأمس.. ولكنه لا يستطيع رفض طلبا لخالته.. عفراء تدخل على جميلة وتخبرها أن كساب سيدخل جميلة بضيق: وش يبي؟؟ أبي أقعد معش بروحنا... خليه يأخذ خليفة ويفارقون اثنينتهم.. وقتها خليفة كان يقف مع كسّاب في الخارج عفراء لم ترد على تذمرها وهي تضع على وجهها الجلال.. وتدعو كسّاب للدخول كساب هتف بهدوء: كيف أصبحتي جميلة؟؟ إن شاء الله أحسن؟؟ جميلة بنبرة محايدة: الحمدلله على كل حال حينها همست عفراء بثبات قدر ما تستطيع وهي تقف بعيدا قليلا عن جميلة: خليفة يأمك حنا بنمشي الحين الله الله في جميلة.. حطها في عيونك يأمك أربعة عيون توسعت بصدمة خليفة وجميلة وحزن يائس يغمر قلبيهما فجأة هل يعودان سويا معا لوحدهما وبهذه السرعة؟؟ وإن كان خليفة تماسك بسرعة وهو يرد بثقة لا يعلم حقيقتها من اصطناعها: لا تحاتينها يا خالة في عيوني الثنتين.. روحي وأنتي مطمنة فإن جميلة جفت الكلمات على لسانها كانت تريد أن تصرخ وتصرخ وتستجديها أن تبقى فهي عرفت كيف يكون الإحساس من غيرها وكادت تجن من غيرها لمدة ساعات فقط فكيف أياما وأسابيع وربما شهور من غيرها قبل أن يأخذ الله أمانته كما تعتقد كانت دموعها تسيل أنهارا تحت غطاء وجهها وداخلها ينتحب بجزع ولكنها صمتت.. ابتلعت شهقاتها وغصت بها.. حتى لا تشمت كسّاب فيها سيتشمت فيها.. تعلم أنه سيفعل حتى لو لم يتكلم سيقول : " مهوب اخترتي ولد عمش على علي وحتى على امش يالله اشبعي فيه خليه يكفيش عن العالم" جميلة لم تقل كلمة.. بينما عفراء اقتربت بسرعة لتطبع قبلة على رأسها وتنسحب بسرعة قبل أن تنجح جميلة في التشبث بها عفراء أنزلت طرف شيلتها على فتحات النقاب حتى لا يلحظ أحد دموعها وخوفا أن يحلف عليها كساب مجددا إن رأى حزنها خليفة كان سيخرج معهما لكن عفراء رجته بصوت خافت يسيل وجعا: خلك معها...وتراها بتجننك.. أدري اصبر عليها .. وإذا حسيت يا ولدي في يوم إنك ماعاد فيك صبر... أمنتك الله ما تحمل نفسك فوق طاقتك كلمني على طول... هذا أنا أمنتك عفراء خرجت وهي تستند لذراع كساب خشية أن تنهار بينما القلق عليها بدأ يتصاعد في قلب كساب حينها عاد خليفة للداخل وأغلق الباب وهو يشعر بتوتره يتعاظم خوفا من ردة فعل جميلة لكن جميلة لم تتحرك ولم يصدر منها أي صوت... بعد لحظات صمت اقترب خليفة وأزال الغطاء عن وجهها ليجدها تنظر أمامها بذهول.. وسيول من الدموع تغرق وجهها.. خليفة اقترب منها ووضع يده على كتفه وهمس بحنان: جميلة لا تحاتين بترد تزورج قريب حينها لطمت جميلة يده وانفجرت بهستيرية: يمه.. يمه.. يــــــــــمـــــــــه يــــــــــــــــمـــــــــــــه تكفين لا تخليني... لا تخليني.. جميلة نزعت الأسلاك من يدها بحدة وهي تحاول النزول.. ليمسك بها خليفة بقوة بينما كانت هي تضربه بأناملها الجافة وتصرخ: أكرهك.. أكرهك أنا أكرهك.. أنت السبب.. أنت السبب أبي أمي.. أبي أمي.. تلطخ قميص خليفة من دمها المتناثر من معصمها .. ولكنه أعاد تثبيتها على السرير وهو يضغط جرس استدعاء الممرضات.. ويضغط على معصمها ليوقف سيلان الدم مكان انتزاعها لأبرة الجلوكوز.. وفي ذات اللحظات كانت عفراء الباكية بصمت تركب سيارة الأجرة وكساب يهمس لها بقلق حنون: خالتي تبين نقعد شوي قعدنا؟؟ والله العظيم عادي وما عندي مشكلة عفراء بصوت مبحوح تخفي البكاء فيه: لا يأمك.. توكلنا على الله.. خلنا نروح نشوف علي.. ونرجع الدوحة ******************************** وضحى اليوم في البيت تدرس امتحاناتها التي أصبحت بعد ايام مازالت تشعر بالذنب من موقفها مع والدتها بالأمس آلمها إشاحة والدتها بصرها عنها البارحة تعرف أن هذه طريقتها في العقاب.. تحرمها من نظرة عينيها الحانية الغالية ولشد ما كانت تؤلم هذه الطريقة قلبها الرقيق فأمنيتها دائما نظرة رضا من العينين الحانيتين!! هاهي تنزل وهي تجمع شجاعتها خوفا أن تكون والدتها مازالت تريد معاقبتها أكثر وجدتها عند جدها في غرفته تتقهوى معه.. قبلت رأسيهما ثم جلست بجوار جدها على سريره وهي تنظر لوجه والدتها لتقرأ انفعالاتها اليوم وجدتها تتحادث مع والدها وتبتسم وهما يستذكران معا أشعارا وحكايات وأقواما رحلوا لذا تشجعت وهي تقوم لتجلس بجوار والدتها وتهمس لها من قرب: يمه أنا آسفة على اللي صار أمس.. والله حتى النوم ماجاني وأنا دارية إنش زعلانة علي.. مزنة تطبطب على يدها وتهمس بحنان: خلاص يأمش رضيت من بارحتي ثم أردفت بحزم حنون: بس كنتي تبين لش قرصة عشان ما تعيدينها وضحى تبتسم وهي تقبل كتف والدتها: حرمت يأم امهاب.. حرمت.. الجد يهتف بصوت عال: أنتو وش أنتو تقولون؟؟ مزنة باحترام مغرق في المودة: مابه شيء جعلني فداك جابر يتمدد على سريره ويهمس بهدوء: بانسدح شوي.. وقوموني للصلاة مزنة نهضت لتتاكد من وضع والدها وتغطيه.. ثم تنادي وضحى للخارج.. حين أصبحتا في جلسة الصالة.. همست مزنة بحزم: اسمعي يا وضحى خلينا نخلص من ذا السالفة.. تبين عبدالرحمن وإلا لا.. وضحى بحذر: لا ما أبيه.. مزنة بذات الحزم: حتى لو عرفتي إنه أنتي أول حد خطبه قبل كاسرة حتى.. بس أنا اللي ما رضيت وقتها توش سنة أولى جامعة.. وصغيرة.. وما حبيت أستعجل عليش فعبدالرحمن عقب.. قال أنا ما ابي إلا نسبكم فخطب كاسرة وضحى بسخرية موجوعة: وعقبه خطبها عشرين مرة.. ما أدري وأشلون تفكير ذا الإنسان.. إحساس الكرامة عنده معدوم ما أبيه يمه.. والله العظيم ما أبيه... مزنة بهدوء حازم: كيفش ماحد بجابرش على شيء.. بس عبدالرحمن رجّال ما مثله يا وضحى.. مابعد شفت مثل طيبت قلبه وطيب أخلاقه غير عن إن وضعه المادي والوظيفي زين.. وولد عمتش لحم ودم وضحى بحزم: يمه ما أبيه... مزنة بحزم أكبر: زين بس لا تقولين الحين رأيش لأي أحد.. لو أي حد سألش قولي أفكر ما بعد قررت وضحى باستغراب: وليش يمه؟؟ مزنة بهدوء: لأن امهاب خطب جوزا من عبدالرحمن.. ويمكن أنتي لا رفضتي عبدالرحمن تلاقي جوزا نفسها مجبورة ترفض امهاب وخصوصا مع أفكار رجّال عمتش المعقد ..إيه والله إن قد يعيي حرام جوزا ماراح تلاقي حد يجيها أحسن من امهاب.. فلا تخربين فرصتها عليها.. خلها لين تتخذ قرارها وضحى كانت تستمع لوالدتها وعيناها تتسعان ذهولا.. لتهمس بذهول: يمه تقولين امهاب خطب جوزا.. متأكدة أنتي؟؟ مزنة بهدوء: إيه قال لي البارحة في الليل عقب مارجع من عشاه مع عبدالرحمن وضحى بذات الذهول: جوزا جوزا؟؟ يمه يمكن قصدش شعاع.. وش يحد امهاب يأخذ جوزا؟؟ وأنتي ما قلتي له شيء؟؟ مزنة بحزم: بنت عمتش مافيها قصور وهو مقتنع فيها فليش أعارضه.. وضحى باستغراب متغاظم: أما أنتي يمه غريبة.. جوزا مافيها قصور ماقلنا شي بس شعاع أحسن منها لو امهاب يبي نسبهم عدا إنه من حقه بنية يكون هو أول واحد في حياتها وش حاده على أرملة عندها ولد وبعدين يوم أنتي تقولين امهاب مقتنع فيها وقاعدة تدافعين عنها وعنه ليش نفس التفكير هذا ماقلتيه عند تميم مزنة بذات نبرتها الحازمة: لا يا وضحى هذاك موضوع وهذا موضوع وضحى باحترام: لا يمه المبدأ واحد.. الحين امهاب مقتنع يجوزا على قولتش مع إن فيه أحسن منها واجد.. ومع كذا أنتي مقتنعة معه وتميم يبي بنت نفس حالته مع أنه يقدر يأخذ أحسن منها مثل ما تبين.. فليش ما اقتنعتني مع تميم؟! تنهدت مزنة: مشكلتكم ماحد فاهم وجهة نظري إلا كاسرة هي الوحيدة اللي فاهمتني في موضوع تميم.. حتى في موضوع جوزا أنا متأكدة إنها بتفهمني لأنها تفكر بعقلها قبل عواطفها وقرارات مثل ذي العقل لازم يكون حاضر حتى لو كان القلب رافض الحين أنتي وامهاب تقولون عادي خلي تميم يأخذ بنت نفس حالته يكون الصمم عندها مهوب وراثي عشان إن شاء الله عيالهم ما يصير لهم شيئ زين أنا وافقت وتزوج البنت.. وخليتهم يسكنون عندي على أساس عيني على الصغار.. زين هل أنا دايمة لهم؟؟ بكرة يبون يودون عيالهم المستشفى.. أو صار لهم مشكلة في المدرسة.. هل بيقعدون يتكلمون مع العالم بالورقة والقلم ( انتظروا شوي أجلوا حل المشكلة.. خلونا نكتب لكم.. والله مافهمت ذا الكلمة.. خطك مهوب واضح.. عيدها مرة ثانية) كانت مزنة تنهمر بألم حقيقي: يعني أنتم ظنكم إنه هاين علي أرد في خاطر تميم شيء شايفته يبغيه بذا الطريقة والله العظيم إني أستوجع فوق الوجع وأنا أشوفه يترجاني وأنا أرده..لكن إذا هو تفكيره عاطفي.. (وأبي لي بنية ما تحسسني إنها أحسن مني)..... أخليه على كيفه ما أعارض... تميم أصلا عاده صغير في السن.. وأنا أبي له الأصلح... كفاية هو ما يسمع ولا يتكلم في مجتمع ماعنده صبر ولا حتى ذوق إنهم ينتظرون عليه شوي أبي مرته تكون عوين له... مهوب هم اثنينتهم محتاجين من يعاونهم ويشرح عنهم وبدالهم... وتميم ماشاء الله وضعه ممتاز يقدر يأخذ أحسن بنت صحيحة.. فليه الأصرار على بنت نفس حالته.. أيش ايدريه أساسا إنها بتكون هي الراحة له وليش يظن إن البنت السليمة بتتكبر عليه.. كم بنات أجواد حاطين رياجيلهم على رووسهم وهم فيهم عيوب الدنيا.. وتميم مافيه عيب فكيف ما تحطه على رأسها؟؟ لكن امهاب موضوع ثاني.. أكيد كنت أبي لولدي بنت هو أول بختها... لكن هل معنى إن جوزا تزوجت وعندها ولد هذا عيب الواحد ما يقدر يعيش معه؟؟ جوزا مسكينة مالحقت تهنا بحياتها.. عبارت إنها ما عرست أصلا وكفاية إنه يربي حسن.. ياحظ اللي يضم له يتيم.. فياترى أحرم امهاب من ذا الأجر ومن اللي يبيه عشان خرابيط مالها معنى... ******************************** مزون أصبحت في المطار متوترة.. بل غاية في التوتر.. أناملها متصلبة.. وريقها جاف.. وعرقها يتصبب على وجهها تحت نقابها توجهت لاستراحة الطيارين.. والتوجس يغتالها كان بها حوالي خمسة من الشباب وهي المرأة الوحيدة معهم شعرت كما لو أنها عارية والعيون تلتهمها كانت العيون تتجه ناحيتها باستغراب.. بل بمعنى أدق باستهجان "من أين أتت هذه المخلوقة؟؟ وماذا تفعل هنا؟؟" توترها يتزايد وهي تريد أن تجلس على الحاسوب ولكن الشباب الخمسة كانوا متوزعين بطريقة أنها في أي مكان ستجلس ستكون مجاورة لأحدهم الكباتن شعروا أنها تريد أن تجلس.. لذا انزاحو جميعهم لناحية واحدة.. وتركوا الناحية الأخرى لها جلست وهي عاجزة عن ابتلاع ريقها.. هي بالفعل درست سنوات دراستها كلها مع شباب.. ولكن كان الإحساس مختلف فهم كانوا في قاعة دراسة.. ومعهم أستاذ وهي كان معها زميلات حتى وإن كن في تخصصات أخرى.. ولكنهن يشتركن في المقررات تشعر بضيق غير طبيعي وهي تسترق نظرها للباب علها ترى الكابتن إيمي أو كابتن سهى المساعد الأول.. بعد دقائق ثقيلة طويلة وخانقة.. حضرت سهى.. تعرفتا على بعضيهما فورا.. تبادلتا الحديث لفترة.. وسهى تهمس بهدوء: غريبة كابتن إيمي ماإجت.. إحنا على العموم مفترض نطلع للطايرة بعد ساعة مزون وسهى عادتا للانشغال بالحاسوب.. وهما تسجلان المعلومات الضرورية بعد مضي الساعة توجهتا للسيارات المخصصة لتنقلهما للطائرة لكن مزون تذكرت أنها نسيت حقيبتها في الاستراحة فعادت لأخذها وحين عادت لموقف السيارات كانت سهى قد غادرت انتظرت مزون السيارة التالية وطلبت منه نقلها للطائرة المتجهة لأبوظبي وصلت مزون لسلم الطائرة.. سلمت بطاقتها للأمن في الأسفل الذي كان يقول لها: لم يسمح للمسافرين بالركوب بعد.. أعاد لها البطاقة وهو يعتذر رغم تعجبه الشديد من هذا الكابتن الغريب صعدت مزون بتوتر.. وهي تتمنى أن تكون كابتن إيمي وصلت لماذا كل هذه التعقيدات في رحلتها الأولى الا يكفيها كل هذا التوتر؟!! وصلت لقمرة القيادة وطرقت الباب لتدخل وتــفــجــع وهي ترى الكتفين العريضين لظهر عريض يستحيل أن يكون ظهر إيمي شهقت والكلمات تجف على لسانها بينما سهى تبتسم لها وتشرح بمهنية: الكابتن إيمي اعتذرت عن الرحلة والكابتن استلم مكانها.. إجا دايركت لهون ماكان عندو وئت يشوفنا بالاستراحة وما تخافي من شيء هو حافظ خط الدوحة- أبوظبي واحنا بنزوده ببائي المعلومات حزن عميق غمر قلب مزون لفساد مخططاتها.. ولكن على الأقل هاهي معها فتاة أخرى وليست لوحدها معه كانت تدلف خطوة للداخل في الوقت الذي كان الكابتن يدير وجهه ناحيتها بحزم وغموض #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث عشر مزون وصلت لقمرة القيادة وطرقت الباب لتدخل وتــفــجــع وهي ترى الكتفين العريضين لظهر عريض يستحيل أن يكون ظهر إيمي شهقت والكلمات تجف على لسانها بينما سهى تبتسم لها وتشرح بمهنية: الكابتن إيمي اعتذرت عن الرحلة والكابتن استلم مكانها.. إجا دايركت لهون ماكان عندو وئت يشوفنا بالاستراحة وما تخافي من شيء هو حافظ خط الدوحة- أبوظبي واحنا بنزوده ببائي المعلومات حزن عميق غمر قلب مزون لفساد مخططاتها.. ولكن على الأقل هاهي معها فتاة أخرى وليست لوحدها معه كانت تدلف خطوة للداخل في الوقت الذي كان الكابتن يدير وجهه ناحيتها بحزم وغموض مزون تأخرت بحرج وهي تتطلع لوجهه الوسيم الذي بدأ لها مألوفا رغم أنه ليس من المعتاد رؤية هاتين العينين بلونهما الأشبه ببحر عميق من عسل صاف سهى أكملت حديثها بابتسامة ودودة: اسمحي لي عرفك بكاتبن غانم من أشطر كباتن القطرية... رجل المهمات الصعبة مزبوط.. مستعد يطير ئبل اللحزة الأخيرة مزون تنهدت بعمق وهي تدفع بصوتها النبرة المهنية المطلوبة وتجلس عن يساره حيث يفترض أن تجلس وهي تحاول أن تبعد جسدها قدر المستطاع: تشرفنا كابتن..فيه توقع لمطبات جوية في المنطقة بين تقاطع 345 شرق على 765 غرب وتقاطع 564 شرق على 323 غرب فترة قد تصل من عشر دقائق لربع ساعة..بس الرؤية إن شاء الله صافية انهمرت بالمعلومات المطلوبة بدقة عالية وسرعة ودون أدنى تلعثم .. ويداها تعملان بسرعة ودقة على الاجهزة أمامها مازالت لم تستمع لصوته.. فقط كانت يداه تعملان بذات سرعة يديها ليهمس بعد دقائق وعيناه مثبتان أمامه ودون أن ينظر ناحيتها وبصوت رجولي عميق: صباحش خير يا كابتن.. (صمت لثانيتين) بنت زايد آل كساب؟؟.. والا أنا غلطان؟؟ ابتلعت مزون ريقها ولكن ريقها جف وتبخر على أول حنجرتها لشدة جفافها دون أن يرطب جفاف امتداد باقي حنجرتها المتيبسة فهذه اللهجة الحادة بتركيزها على مخارج الحروف يستحيل أن تكون لهجة أحد لا ينتمي إلى قبيلتها .. همست في داخلها : (ومن قبيلتي بعد.. وش ذا البلوة؟؟ ذا الرحلة باينة سودا من أولها ذا البدوي أبو عيون عسلية من وين الله جابه؟؟) ردت مزون بذات المهنية ودون أن تنظر ناحينه: كابتن مزون زايد.. مساعد ثاني ونعم بنت زايد بن علي آل كساب... خيل لها أن طرف عينها إلتقط شبح ابتسامة على طرف شفتيه وهو يهمس بهدوء: وأنا غانم بن راشد آل ليث.. حينها شعرت مزون كما لو كان سُكب على رأسها ماء مغليا أذاب خلايا دماغها.. وهي تسأله بذات النبرة المهنية المحترفة التي تبدو غير مهتمة وفي ذات الوقت غاية في اللباقة: آل ليث جماعتنا وإلا غيرهم؟؟ لا تعلم لما بدت لها نبرته متلاعبة باسمة وهو يجيب بهدوء ودون أن ينظر ناحيتها: جماعتكم نفسهم حينها كانت مزون على وشك أن تقفز من الطائرة...أو أن تلطم وجهها (خلصوا طيارين الخطوط القطرية مالقوا على أول رحلة لي إلا واحد عيال جماعتنا) مزون لم ترد عليه وهي تتشاغل بما بين يديها بطريقة تبدو للناظر واثقة ومسيطرة بينما هي في داخلها تهدئ روعها وروع حرجها المتزايد (احمدي ربش زين ما طلع امهاب الله يقطع أيامه الرحلة ذي وكسة من أولها كان ناقصها ولد آل ليث عشان تكمل) ***************************** خليفة يجلس جوار جميلة المخدرة والغارقة في نوم عميق.. مازال قميصه الملطخ بالدم عليه...لم يكن يريد تركها فهي أصيبت بحالة هستيرية بعد مغادرة والدتها وكأنه تلبس جسدها المتهاوي مئات العفاريت وجهت لكماتها الهزيلة لصدره وهي تعتقد أنها تؤلمه بينما هو لم يشعر حتى بوقع يديها وكل ما كان يشغله الدم المنبثق من معصمها والذي أغرق صدره تماما وتناثر في أرجاء الغرفة وعلى سريرها وملابسها وهو مذهول من كمية الدم المتناثرة... "كيف توافرت كل هذه الكمية داخل جسدها المتخشب؟" الممرضات حضرن وكذلك داليا ليتعاونن على تخديرها بينما صرخاتها تتعالى: أبي أمي .. أبي أمي حتى بدأت صرخاتها تخفت شيئا فشيئا من تأثير المخدر لتتحول لهمس موجع أشبه بالأنين المكسور المتحشرج.. حينها لم يحتمل خليفة كل هذا ...خرج ليقف عند الباب الممرضات حينها أبدلن ملابسها وشراشف السرير وقمن بتنظيف المكان ليعود بعدها ويجلس جوارها.. داليا تعود بعد دقائق وتهمس له بخفوت واحترام: أستاذ خليفة روح غير ملابسك.. الطاقم الطبي كله متضايق من شكلك.. وأنت طولت ما رحت تغير ملابسك خليفة كأنه يحادث نفسه: أخاف تصحا ما تلقاني داليا بمهنية: الأفضل أساسا إنها تصحا ما تلقاك.. ترجع تثور.. أنت روح بدل ملابسك.. ونام لو تريد وأنا قاعدة جنبها.. لما تصحا.. وأشرح لها الوضع تمام.. واهديها..وبعدها أنا بأتصل فيك ترجع خليفة وقف دون أن يرد بكلمة.. وسحب نفسه خارجا.. بينما داليا تناولت مقعدا وقربته من سرير جميلة وجلست.. ************************** " أصب لك قهوة يبه؟؟" زايد بحزم هادئ: شكّرت.. تسلم يمينك.. ثم أردف وهو يتلفت حوله بتساؤل: الرجّال اللي كان يشتغل عندك وينه؟؟ علي وهو يعيد الفناجين ويضعها في آنية الماء المخصصة لذلك يهمس بهدوء: عم حمزة اليوم مستأذن.. فيه واحد تركي بيتزوج اليوم فهم يبون يكونون معه من أول النهار.. ابتسم زايد: ما علمونا نعينهم.. فابتسم علي ابتسامة مشابهة: خلاص كفيناك.. جاتهم عانيتهم وكله من خيرك.. عم حمزة غالي عليّ.. زايد بحنو حازم: الله يغليك عند ربك.. الله الله فيه... علي بهدوء: يبه أخواني شاخبارهم؟؟ وخالتي وعمي؟؟ زايد بذات هدوءه: عمك مودع عليك بالسلام.. ويقول لك بيجيك يصيف عندك كم يوم علي بابتسامة ودودة: حياه الله.. أربه صادق.. عمي منصور أصلا ما ينوخذ منه حق ولا باطل.. من يوم تعينت في جنيف ما مرني زايد بمودة: توك في جنيف مالك إلا سنة... ثم أردف بهدوء: ومزون اليوم أول رحلة لها حينها انتفض علي بعنف: أول رحلة وخليتها بروحها؟؟ زايد بابتسامة: عمك عندها.. وبعدين طاقم الطيارين اللي معها كلهم نسوان.. رحلة قصيرة لأبوظبي وأنا كلمت عمك قبل شوي.. هو بنفسه وصلها لين داخل المطار... علي متضايق لأبعد حد من كل هذا حتى وإن لم يظهر ضيقه وهو يهتف بذات هدوءه الأزلي العميق: زين وكساب وخالتي؟؟ كسّاب أدق على جواله البارحة يعطيني رنة خارجية ولا رجع يكلمني.. تنهد زايد: خالتك وكساب عند جميلة.. واكيد بيمرونك عقب تصلبت يدا علي بعنف رغم أنه كان يهتف بذات هدوءه: حياهم الله حينها ماعاد بزايد صبرا..يريد أن يطمئن على روح ولده الشفافة فهتف بنبرة شفافة كثيفة: ليش يوم جيتني في الدوحة ما قلت لي عن اللي في خاطرك؟؟ عمرك ما دسيت علي شيء.. فأشلون تدس علي شيء مثل هذا؟؟ علي تراجع بحرج ما ولكنه عاد ليهمس بشفافية والده: وش تبيني أقول يبه؟؟ إني فيه شيء بقلبي لبنت خالتي مثلا.. خطبتها.. وما توقعت أصلا إنه فيه سبب أقول مشاعري لأحد.. لأني ما توقعت إنه فيه حد ممكن يوقف لي في الخطبة مع إنه يبه قلبي ناغزني من يوم وصلت الدوحة.. بس كذبت إحساسي.. وعلى العموم يبه لا يروح بالك بعيد وتظني أتعذب.. وهيمان وما أنام الليل ما أكذب عليك في قلبي مشاعر لجميلة.. يمكن لأنها بنت خالتي اللي ربتنا.. يمكن لأنها بنت خليفة اللي كنت أحسه إبي الثاني يمكن عشانها هي.. ماعاد يهم.. وصدقني.. خلاص يالغالي.. وعزت من خلاك أغلى خلقه إنه قلبي جاته الصدة منها من يوم صارت حلال غيري.. زايد بعمق: وكاد ذا الكلام.. وإلا تبي تبرد قلبي بس.. عشان ما تحسسني بذنب اللي سويته.. علي بعمق مشابه: أكيد يالغالي أكيد.. حينها استرخى زايد في مقعده أكثر وهمس بعمق متجذر لأبعد حد: إن كان وكاد يابيك اللي تقوله.. فأنت ما حبيتها.. دور لمشاعرك اسم ثاني غير الحب حينها ابتسم علي بمودة وهو ينحي كل ألامه لنقطة مخفية في روحه: شكل أبو كسّاب خبير.. التفت له زايد وابتسم وهو يعتدل في جلسته ويهتف بمرح شفاف: خبير عود بعد.. ولو تبي عطيتك دروس فور انتهاء زايد من جملته.. تعالى جرس الباب هتف زايد بتساؤل: تتنى حد؟؟ علي يقف وهو يتجه للباب: الشباب في القنصلية يوم كلمتهم أعتذر إني ماني بجاي اليوم عشانك كلهم قالوا بيمرونا عقب الدوام.. بس تو الناس مابعد خلص الدوام.. فتح علي الباب.. ورغم أنه كان يتوقع مجيئهما.. إلا أن سعادة المفاجأة أشرقت على وجهه لأبعد حد وهو يرى خالته وشقيقه.. كساب كان أول من تحدث وهو يسلم على شقيقه بحرارة ويهتف بمرح دافئ : زين إنك هنا.. توقعنا في الدوام وإنه بنقعد نحرس باب الشقة لين تجينا علي بترحيب حقيقي مليء بالدفء والحماس والمودة: ياهلا ومرحبا والله إني صادق.. هلا والله بالغاليين عفراء كان سلامها لعلي مختلفا.. فهي لم تره منذ أشهر.. تشعر بألم عميق لكل ماحدث.. عدا عن وجيعتها التي تنزف بتركها ابنتها خلفها وكان ناتج هذا أن ارتمت في صدر علي وهي تنتحب ببكاء مكتوم.. علي احتضنتها بقوة حانية وهو يهمس بقلق متأثر: خالتي تعوذي من الشيطان.. وش فيش؟؟ هذا أنا بخير بينما كان كساب بدوره كان يربت على كتفها رغم اختفائها في أحضان علي وهو يهمس بقلق مشابه: خالتي الله يهداش.. وش فيش صايرة حساسة بزيادة زايد لم يتحرك من مكانه لأنه لم يرد أن يثر إحراج عفراء عفراء حين أفرغت طاقة بكاءها الأولى.. أفلتت علي وهي تهمس بصوت مبحوح: مشتاقة لك يأمك بس.. علي يقبل رأسها ويهتف بحنان: وأنا اشتقت لش.. ثم أشار بعينيه لكل من عفراء وكسّاب وهمس بخفوت: ترا أبي داخل عفراء شعرت بحرج عظيم انها كانت تبكي بهذه الطريقة وزايد يسمعها لذا استاذنت ودخلت إلى غرفة علي دون أن تتجه للصالة بينما كساب يهمس لعلي باستغراب خافت: غريبة وش عنده؟؟ علي يبتسم ويهمس بخفوت مشابه وهما يتجهان لوالدهما: مشتاق لي وجاي يشوفني.. وإلا عندك مانع؟؟ كسّاب يبتسم: وش مانعه يا دلوع البابا؟؟ منت بهين اللي قادر تجيب رأس زايد علي يبتسم: يسلم لي رأس زايد.. كسّاب يصل والده.. ورغم كل شيء.. ابتسامة عفوية تتسلل للاثنين.. صريحة عند زايد.. وخفية خفيفة عند كسّاب فكسّاب يشعر بالسعادة من أجل علي وأن والده جاء للاطمئنان عليه ولم يهمله في حزنه.. سعادته كانت من أجل علي.. وهاهو يشعر بالرضا على زايد لأول مرة منذ فترة طويلة.. ***************************** "وين رايحة نجلاء هانم؟؟ أشوفش لابسة عباتش؟؟" نجلاء تبتسم: تكونين أنتي رجالي وما عندي خبر.. ولازم أعطيش خط سيري سميرة بابتسامة مشابهة: آه يا بت يا نقلاء عاوزة تهيتي على حل شعرك من ورا الواد صويلح ابن ام صويلح.. نجلاء تضحك: أما عاد أهيت وعلى حل شعري.. لابقة يا بنت .. سميرة تضحك: خشي في عبي يا بت.. أنتي رايحة فين كده من (مغباش) ربنا.. نجلاء تعدل وضع نقابها أمام مرآة المدخل وتنادي الخادمة: وش مغباشه؟؟ الساعة صارت عشر.. سميرة تمسك بنجلاء وهي تهتف بمرحها الدائم: نجول اخلصي علي.. علميني وين بتروحين؟؟ عمي الشيخ صالح موصيني أسوي عليش كنترول.. خبرش يغار عليش.. وأنا لازم أحمي أملاك ولد عمي من العيون الطامعة نجلاء تنحدر لهجتها من المرح للهدوء الساكن: أنتي يعني ما ترتاحين لين تجيبين طاري صالح عندي.. فكيه من شرش.. سميرة تضحك: لا تكونين تغارين على صويلح مني... بصراحة صالح جنتل ورزة وكلامه حلو وينخاف عليه.. وأنتي ما تبينه... وانا باموت أبي واحد يقول لي كلام حلو... خلاص حوليه لي... نجلاء خلعت حذاءها وقذفت به سميرة الهاربة وهي تهتف بغيظ مرح: هذي أخرتها يا مسودة الوجه.. تبين رجّالي؟! سميرة تضحك وهي تخفي وجهها خلف إحدى كوشيات الصالة وتجلس على الكنبة: عدال نجول عدال.. الأخت تغار وحركات ورجالي ..وهي تقول إنها تبي الطلاق... يأختي (جحا أولى بلحم ثوره) على قولت المثل... أنا أولى بجوز أختي.. حينها وضعت نجلاء حقيبتها جانبا وخلعت عباءتها ونقابها وشيلتها ووضعتها على المقعد.. بينما سميرة تضحك بهستيرية: الخبلة شكلها بتسويني شاورما نجلاء تضحك وهي ترفع كميها: شاورما بأكون حنينه عليش بعد...أنا بأسويش شوربة خضرة مهروسة.. سميرة تقفز بعيدا وهي تقول بمرح: علميني وين بتروحين... وخلاص ما أبي صويلح.. نجلاء تقذفها بكل كوشيات الصالة وهي تهتف بمرح: أنا الحين محترة منش.. خليني أصيدش وعقب أقول لش وبالفعل أصابتها إصابة مباشرة لتهتف سميرة بألم مصطنع: حشا ماردونا شايت له كورة.. خبصتي مخي.. نجلاء حينها تجلس منهارة على المقعد: ول عليش.. أطلقتي عينش علي.. حينها قفزت سميرة لها وهي تمسكها بقلق: نجول وش فيش؟؟ من جدش ؟؟ والله إني أمزح.. حينها أمسكت بها نجلاء من قرب وقرصتها وهي تضحك: ها تبين صالح؟؟ سميرة تقبل رأسها وهي تضحك: حرمت خلاص.. وبعدين يأختي حتى لو أنا أبيه.. هو ما يبي إلا أنتي.. علميني سر الطبخة؟؟ وش مسويه فيه عشان أسويه لردي الحظ اللي بيأخذني؟؟ حينها انتهت وصلة المرح التي نعمت بها نجلاء كما لو كانت في مشهد تلفزيوني بتر فجأة وهي تهمس بنبرة جدية مغايرة تماما: أنا باروح أجيب عيالي... اليوم يخلصون بدري.. سميرة استغربت انقلاب مزاج نجلاء المفاجئ.. ومع ذلك ابتسمت وهي تهز كتفيها وتتجة للأعلى: وأنا باطلع أذاكر جيبي لي معش أيس كريم فراولة.. نجلاء عاودت لبس عباءتها لتخرج للسائق والخادمة المنتظرين في الخارج بعد دقائق رن هاتفها.. كان هو المتصل..توترت ولم ترد عاود الاتصال.. ردت بهدوء متوتر: هلا بو خالد صوته الغاضب: مهوب أحسن لو نقعتيني بعد شوي؟؟ صوتها العذب الهادئ: أنت متصل عشان تلاغي يعني؟ حينها رد عليها بعمق اختلط فيه غضبه بشوقه: متصل عشان مشتاق أسمع صوتش.. وإلا حتى الصوت بتحرميني منه.. نجلاء توترت وقلبها العصي على الفهم وعلى السيطرة تتعالى دقاته وهي تحاول أن تهمس بهدوء: بالعادة ما تتصل علي إلا عشان شيء يخص العيال.. ابتسم صالح: وأم العيال موضوع ما يخصهم يعني؟! صمتت نجلاء.. فمكالماته الدائمة التي ظاهرها مناقشة شؤون الأولاد ورسائله الليلية الملتهبة التي هي باطنها ومضمونها كلاهما: صوته ونبض مشاعره.. باتا يحدثان عليها ضغطا نفسيا هائلا.. تشعر كما لو كان يحاصرها.. وأنه كلما رفعت حواجزها عاد ليخلخلها هي مصممة على الطلاق وتشعر باستحالة الحياة بينهما.. فلماذا اصراره على تقييدها إليه؟! حينها همس صالح بخفوت رجولي موجع: تدرين حتى لو ما حكيتي.. صوت نفسش على التلفون يذوبني.. نجلاء شعرت أن الإحمرار قفز حتى أطراف أذنيها وهي تتنحنح: أبو خالد عندك شيء تبي أقوله أو أبي أسكر أنا الحين رايحة أجيب عيالي من المدرسة.. تنهد صالح بعمق (يبدو أن لا شيء يفيد مع هذه العنيدة!!) ليهتف بعدها بحزم أعاد فيه سيطرته على الأمور: متصل عشان موضوع يخص العيال والمدرسة طبعا مثل منتي عارفة عزوز تمهيدي وخلاص تقريبا خلص .. وخالد صف أول باقي عليهم يومين ويخلصون ومثل منتي عارفة بعد.. يوم طفشتي من بيتش السنة اللي فاتت كنا حاجزين بنسافر بنوديهم ديزني لاند والثنين كل ما شافوني يسألوني متى بنروح.. خاطرهم في الروحة اللي أنتي حرمتيهم منها نجلاء تتصاعد دقات قلبها جزعا وتهمس بصوت مبحوح: أول شيء مافيه داعي لنبرة العتاب المخفية ذي.. لأني ماغلطت يوم طفشت على قولتك الشيء الثاني وش مقصدك من ذا الكلام؟؟ لا تكون تبي توديهم؟؟ صالح بهدوء حازم: إيه طبعا بأوديهم خلال ذا الأسبوعين الجاية.. وإلا بتمنعيني بعد.. نجلاء شهقت: وكم يوم مقرر تسافر فيهم؟؟ صالح ببرود: أسبوعين.. حينها انتفضت نجلاء جزعا وغضبا: على جثتي تطلع بعيالي حينها وصلها صوت صالح غاضبا يمور بالانفعال المخيف: قصري حسش.. ماعاد باقي الا تطولين صوتش عليّ.. هذا اللي قاصر يا بنت عمي وأظني إنهم عيالي مثل ماهم عيالش!! نجلاء ابتلعت ريقها وهي تهمس بتراجع: صالح ما أقدر استحمل عيالي يبعدون عني أسبوعين.. صالح بعتب عميق: هذا أنتي مبعدتهم عني صار لش أكثر من تسع شهور نجلاء بألم مصدوم: يعني أشلون؟؟ تلوي ذراعي يعني؟؟.. ما هقيتها منك يأبو خالد صالح بعمق صريح شفاف: والله العظيم ما خطر ذا التفكير الحقير في ببالي.. لكن إذا أنتي تبين تشوفينه لوي ذراع.. بكيفش حاولت معش بكل الطرق الودية وما فاد.. يمكن لوي الذراع يفيد ****************************** منذ البارحة وتفكيرها مشوش.. عاجزة حتى عن التفكير المنطقي تحاول ترتيب أولويات.. وصنع تراتبيات منطقية.. لتجد كل شيء ينهار.. وتعود في تفكيرها لنقطة الصفر هي.. شابة صغيرة.. بتجربة زواج عقيمة خرجت منها بجراح عميقة وطفل.. وهو.. رجل مكتمل ناضج.. تعرفه جيدا في نطاقهم الأسري.. تعرف مقدار حنانه وقوته... ولكن لم يسبق له الزواج وستكون هي تجربته الأولى في عالم النساء هو بالنسبة لها فرصة لن تتكرر وهي بالنسبة له .. عجزت عن إيجاد مسمى لا يجرح أنوثتها في كل الأحوال هي الرابحة الأكبر في كل المعادلات " فهل من حقي أن أكون أنانية.. أبحث عن فرصة ما لسعادة لم أعرفها في كنف زوج يكون لي سكنا ولابني والدا أنجب مزيدا من الأطفال يكونون لحسن عزوة وسندا لا أعلم لما أشعر بكل هذا التردد؟ المنطق يفرض علي أن أوافق فورا ولكن شيء بداخلي يقول لي لا تفعلي لا تفعلي!! ربما من أجل شعاع!! لم تقل لي يوما أنها تحمل مشاعرا ما لمهاب ولكن لطالما شعرت أنا بذلك فهل من حقي أن أخذ الرجل الذي تفكر به شقيقتي؟؟ لا لا ليس من حقي.. . لا تكوني غبية... شعاع صغيرة وجميلة وغاية الرقة فرصتها كبيرة في الحصول على زوج بالمواصفات التي تريدها ولكن أنا لا.. لن أحصل مطلقا مرة أخرى على فرصة كمهاب فهل سأعيش حياتي الباقية هنا في بيت والدي؟؟ وأرى عبدالرحمن وشعاع يتزوجون ويعيشون حياتهم بينما أنا أبقى أحتضن ابني وأجتر حزني حتى يكبر ابني ويبتعد عني في عوالمه الخاصة " جوزاء حين شعرت بالارهاق من أفكارها قررت أن تتجه لشعاع التي تعلم أنها تذاكر الآن حين دخلت عليها وجدتها تبرد أظافرها.. فهتفت جوزاء بغضب: يا سلام على اللي تدرس ابتسمت شعاع برقة: بس تايم آوت شوي جوزاء تجلس على السرير وهي توجه لها الخطاب بعتب رقيق: يا قلبي يا شعاع ليش تطولين أظافرش.. يعني ما تدرين إنه حرام شعاع برجاء: شوفيهم والله قصرتهم واجد.. ما خليت منهم إلا نتفة بسيطة.. أحسهم يعطوني منظر أنثوي شوي ابتسمت جوزاء: وأنتي ماشاء الله محتاجة أنوثة يعني.. شعاع تضحك:إيه والله محتاجة.. ليه قالوا لش مثلش أوزع أنوثة على ذا الجسم اللي تنافسين فيه "بيونسيه" ماشاء الله... يأختي أي حد يشوفني يفكرني عمري 15 .. أقول 21 ما حد يصدقني تضحك جوزاء: أما إنش غريبة.. حد يعيف يبين إنه أصغر من سنه.. هذا حلم كل مره في العالم.. تضحك شعاع: إيه حلم كل مره.. مهوب كل بزر.. إذا أنا أساسا شكلي بيبي.. فمافيه سبب أصغر نفسي.. حتى الكذب على خلق الله محرومين منه حينها تنهدت جوزاء وهي تشعر بضرورة مصارحة شقيقتها.. لن ترتاح إن وافقت على رجل وهي تظن شقيقتها تفكر به.. همست بهدوء: اشعيع ممكن أسألش عن شيء وتجاوبيني بصراحة شعاع ابتسمت: وش لو المقدمات يأم حسون.. خش في المفيد على قولت سميرة جوزاء بتردد: أنتي تفكرين في امهاب؟؟ شعاع هتفت باستنكار: افكر فيه أشلون يعني؟؟ جوزاء بنبرة مرهقة: تكفين شعاع أنتي فاهمة جاوبيني.. شعاع بحرج: أنتي بصراحة غريبة.. وش دخلني في امهاب أفكر فيه وإلا ما أفكر فيه جوزاء برجاء: تكفين اشعيع جاوبيني وبصراحة... ابتسمت شعاع بشفافية: مع إني والله ما ادري وش القصد من سؤالش لكن الجواب هو لا.. ما افكر في امهاب بالطريقة اللي في بالش صحيح امهاب كستايل يعجب البنات.. كابتن طيار له هيبة وشخصيته قوية وما أنكر إني قبل كم سنة كنت أفكر فيه تفكير مراهقات شوي بس الحين لا.. بيني وبينه فرق تسع سنين موب شوي..وبعدين جدي حبتين.. سبحان الله صرت أحسه مثل عبدالرحمن...يمكن من قد ماهم أصحاب وربع جوزاء بحذر: يعني نهائي ماله في بالش تفكير خاص؟؟ شعاع باستغراب: جوزا اشفيش.؟؟. وانا وش أقول قبل شوي.. جوزاء بحزم: احلفي لي عشان أصدق ويرتاح بالي.. شعاع ضحكت: والله العظيم إني ما أفكر في امهاب ولد أم امهاب التفكير اللي في رأس جوزا بنت أم عبدالرحمن حينها هتفت جوزاء بصوت مبحوح متقطع وكأنها تريد أن تلقي مالديها وتنتهي: يعني لو امهاب خطبني.. ذا الموضوع ما يضايقش؟؟ حينها قفزت شعاع بحماسة وهي تصرخ بحماس عذب: من جدش.. من جدش.. قولي والله.. جوزاء بجزع: قصري حسش لا حد يسمعش.. شعاع تبتسم: خليني أعبر عن وناستي.. ليه مسوين جريمة وإلا حرام ندسه؟؟ جوزاء بتردد : انا مابعد وافقت.. وامي وابي أصلا ما يدرون.. شعاع تجلس جوارها وهي تهتف بحماس: وشو له ما توافقين.. وافقي يالخبلة.. وين بتلاقين أحسن من امهاب؟؟ جوزاء بذات التردد المؤلم: ماهو عشاني ماراح ألاقي أحسن منه مترددة.. أخاف أكون أظلمه شعاع باستغراب: تظلمينه؟! والله أنتي ما ضربتيه على يده وقلتي تعال اخطبني.. امهاب رجال عمره 30.. وشوره في رأسه.. وهو جاي يخطب من نفسه.. والله منتي بمسؤولة تفكرين عنه.. انتي فكري في مصلحتش ومصلحة ولدش وبس.. ********************************* " جاي من المعسكر وإلا جاي من مدرسة السواقة؟؟" نبرة رجولية شابة لم تخلُ من سخرية عميقة فهد التفت لمحدثه الذي يضع رأسه على فخذ والدته بينما فهد ألقى السلام وقبّل رأس والدتها...وكان متجها للأعلى همس فهد بسخرية مشابهة: ودلوع أمه مهوب في غرفته يدرس ليه؟؟ هزاع يتناول يد أمه من فوق رأسه ويقبلها ويهتف بمرح: والله دلوع أمه.. جعله ما يبكي أمه ..مشتاق لأمه.. وجاي يمتع عيونه بطلتها البهية.. فهد الواقف قريبا منهما هتف بابتسامة: والله اللي أشوفه أنك 24 ساعة لاصق في أمك.. والدراسة مابه دراسة والله لما تنجح ياهزيع ذا السنة إن قد أدخلك الجيش بشهادة الإعدادي.. وخلك جندي حالك حال ربعك الفاشلين هزاع يعتدل جالسا وهو يقول (بعيارة): عدال ياحضرت النجمتين.. وش فيه العريف أبو شريطتين.. يا زينه .. مهوب تارس عينك يعني فهد بجدية : إيه هذا أقصى طموحك.. عريف بشريطتين.. ما تستحي على وجهك انت.. سناينك قدهم بيتخرجون من الكلية وأنت عفنت في ثالث ثانوي هزاع مازال يبتسم: عدال فهيدان لا ينقطع لك عرق... يمكن أجيب في الثانوية ذا السنة نسبة أحسن من اللي بتجيبها أنت في مدرسة السواقة يا دريول سكند كلاس أم صالح الغارقة في أفكارها تكلمت أخيرا: هزيع عيب عليك.. احشم أخيك الكبير فهد يبتسم مثله: عادي يمه خليه .. الأخ عنده إني بأعصب إذا قال لي يا دريول سكند كلاس.. خلينا الدرولة لك.. وذا شنبي بأحلقه كنك فلحت ذا السنة هزاع يضحك كأنه فاز بجائزة ثمينة: وترا ماحد موديك للحلاق غيري.. أبي أشرف بنفسي على حلاقة الشنب الغالي على الزيرو.. وخلش شاهدة يمه... ولا تخاف أنا اللي بأسوق.. خبرك دريول رقم واحد.. ************************************ الرحلة تسير على مايرام.. مضت نصف ساعة على الإقلاع.. وتبقى حوالي نصف ساعة أخرى الصمت محتكم بين جميع الأطراف.. رغم أن مهمة الطيران يقوم بها الآن الطيار الآلي سهى كانت لا تسمع شيئا لأنها كانت تضع سماعاتها على أذنها.. بينما مزون وغانم لا يضعونها لانهما اكتفيا بوضع سهى لها مزون كانت تحلق في عالم آخر.. رحلتها الأولى.. حلمها الأزلي.. هاهي تنظر للسحاب تحتها.. ويغتال كل شريان ووريد فيها إحساس مذهل بالانتشاء وهي تتحسس الأجهزة أمامها بنشوة وتشعر أنها في هذه اللحظة يتلبسها شيطان الشعر وقد تكتب قصيدة طويلة بل مفرطة في الطول.. علها تعبر عن بعضا من إحساسها الخيالي.. غانم كان أول من بدد الصمت وهو يخرجها من فقاعة انتشائها وهو يسترخي على مقعده ويوجه السؤال لها دون أن ينظر ناحيتها: أشلون الوالد؟؟ بشرينا عنه.. لي زمان ما شفته مزون انتفضت وهي يفاجئها باقتحامه قوقعتها الخاصة.. تنهدت في داخلها (اللهم طولك يا روح) وهتفت بذات النبرة البارعة الباردة واللبقة: الوالد طيب وبخير.. ومجلسه مفتوح لخلق الله.. اللي يبيه يدل مجلسه.. ابتسم وهتف بهدوء: وأنا جيته أنا الوالد في مجلسه كم مرة.. وهو بعد دايم يجينا.. أبو كساب واصل وما يقطع جماعته.. (يا ملغك يأخي.. الله يعدي ذا الرحلة على خير) هتفت ببرود: ماعليكم زود.. حينها عاود غانم السؤال: وكساب وعلي.. أشلونهم بعد؟؟ علي عاده في جنيف؟؟ حينها هتفت مزون ببرود احترافي: اسمعني كابتن غانم.. من جماعتي؟ على رأسي وعيني.. بس هنا حن زملاء.. تلتزم حدود الزمالة وبس.. تسالني عن الرحلة وبس أي شيء ثاني تحتفظ به لنفسه بدا لها لم يهتم بما قالته.. وهو يهمس بصوت منخفض فيه نبرة سخرية: يعني لو كنت واحد مهوب من جماعتش.. كان سمحتي لنفسش تأخذين وتعطين معي؟! حينها التفتت له مزون بحدة وهمست من بين أسنانها بذات البرود: تدري... من سخافة السؤال.. أستسخف نفسي لو رديت عليه.. ولو وجهت لي كلمة وحدة بعد من ذا النوع.. أقسم باللي ما ينحلف فيه زور إني أقدم فيك شكوى أصعدها لأعلى مستوى.. وقتها لا يهمني أنت ولد آل ليث.. وإلا واحد من أقصى الشارع.. هتف غانم بثقة شديدة: اللي ينتهدد يا بنت زايد غيري مهوب أنا.. أنا مادريت إن أسئلتي بتضايقش لو طلبتي بلباقة إني ما سأل.. بأقول لش تم.. والسموحة.. بس الظاهر الغرور راكب رأسش الله يكفي شره ************************************ كانت على وشك الجلوس على سفرة الغداء لكنها تذكرت شيئا وقفزت "بأروح أشوف إبي جابر تغدى وإلا لا؟؟" مزنة بمودة: اقعدي يامش.. جدش تغدى ومنسدح ذا الحين عاودت كاسرة الجلوس بجوار والدتها .. يوم اعتيادي وكلهم اليوم مجتمعون...في أحيان كثيرة يكون أحدهم ناقصا رحلة عند مهاب.. محاضرات للعصر عند وضحى.. ضغط عمل عند تميم.. الاثنتان المتواجدتان على الدوام: كاسرة ومزنة.. تميم يشير لمهاب: عندك رحلة قريب لأوربا؟؟ مهاب يشير له بكتابة في الهواء: بكرة يا باريس يا لندن.. ماني بمتأكد.. تميم يشير له.. ولكن مهاب لم يستطع فهم الإشارة جيدا.. فتسارع وضحى بالقول دون أن تشير حتى لا ينتبه تميم وكأنها توجه حديثها لأمها: يقول لك يبي جهاز وبرامج مهيب موجودة هنا دائما حريصة على الحفاظ على مشاعره.. وحتى لا يشعر بانفصاله عن أسرته أو عجزهم عن فهم أي شيء قد يقوله مهاب يبتسم وهو يشير له أن يكتب كل مايريد في ورقة وسيحضره له.. ثم يلتفت مهاب لكاسرة ويهتف بهدوء: ومزيونتنا أشفيها ساكتة..؟؟ تبتسم كاسرة: يأخي حكيي دايما ما يعجبك.. خلني أريحك اليوم مهاب يبتسم: أفا أفا.. حكيش يعجب الباشا.. واليوم عاد نبي رأيش معنا.. تتنهد كاسرة: آمر.. امهاب وقف ليغسل يديه: إذا خلصنا الغدا تكلمنا.. بعد انتهاء الغداء.. تجمع أسري لطيف وضحى ومزنة يعرفون سببه.. رغم أن مهابا مطلقا لا يحتاج رأي أحد منهم.. فما يهمه هو رأي أمه وهي موافقة ولكنه حفاظا على مشاعر أخوته.. يريدهم أن يسمعوا الخبر منه هتف مهاب بحزم: وضحى لو شفتي تميم ما فهمني علميه وعلى العموم هو ماصار شيء أساسا بس أنا حبيت أنكم تسمعون مني.. عشان مايجي في خاطر حد منكم إذا دريتم عقب أنا خطبت جوزا بنت فاضل.. وأنتظر ردها عشان أخطب رسمي.. ولو افقوا بأتزوج على طول بدون تأخير.. يعني خلال شهر شهرين بالكثير كانت كاسرة أول من تحدث وهي تهمس بثقة هادئة: أنت مقتنع فيها؟؟ مهاب بحزم: ومتى كنت أسوي شيء أنا ماني بمقتنع فيه كاسرة بذات الثقة دون تذبذب: إذن توكل على الله.. وعقبال مانقول لك مبروك على الملكة والعرس وضحى صمتت بعد أن أنهت إشارتها لتميم.. فرأيها قالته لوالدتها.. وهي غير مستعدة لإعادته أمام مهاب.. لكن تميم كانت علائم وجهه تغيم بغموض..ثم أشار لوضحى: وضحى لوسمحتي ترجمي لأني ماني بمستعد أعيد الإشارة أبي أقول لمهاب الله يوفقك مع اللي اخترتها.. تدري بغلاك عندي وفرحتي للشيء اللي بيفرحك وأبي أسال أمي: أنتي موافقة على اختيار مهاب..؟؟ مزنة بهدوء حازم: طبعا موافقة.. هو مقتنع فيها.. وهي مافيها قصور.. شبح ابتسامة موجوعة يرتسم على وجه تميم: يعني أنتي موافقة على اللي اختارها امهاب مع إنها ما تناسب تصوراتش المثالية للمره التي تبينها لعيالش لكن أنا تحرميني من نفس الحق في اختيار اللي أنا مقتنع فيها حينها أشارت مزنة لوضحى بحزم: لا تأشرين عني.. بيني وبين ولدي ما أبي وسيط.. الحين أنا أبي اسالك يمه.. هل عندك لو حتى ذرة شك إني مثلا أحب امهاب أكثر منك.. أو مصلحته تهمني أكثر من مصلحتك حينها انتفض تميم وهو يشير: لا طبعا.. ولا خطر ببالي.. مزنة تشير وهي تتحدث بحزم: خلاص إذن انتهينا.. أنا أشوف إن اللي اختارها امهاب تناسبه.. وأنت أبي أختار لك اللي تناسبك.. حينها أشار تميم بحزم: زين يمه... أنا واحد أبي أتزوج خلاص اختاري لي ذا الوحدة اللي أنت شايفتها تناسبني لكن بأقول لش شيء يمه.. لو ما ارتحت معها حتى لو كان شوي ترا ذنبها في رقبتش.. لاني بأطلقها.. أنا ماني بمستعد أربط حياتي كلها بوحدة أعيش معها تعيس #أنفاس_قطر# ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع عشر عل كل الجبهات رماد معارك انجلت.. ومعارك مازال غبارها يثور ينتظر لحظة الإنجلاء *************************** رحلة العودة تبقى القليل من الوقت للهبوط في مطار الدوحة الصمت مطبق.. وحزن مجهول خانق يطبق على قلب اعتاد الحزن.. فلماذا يبدو لها هذا الحزن عصيا على الاحتمال؟! ما الجديد في هذا الحزن حتى تشعر أنها غير قادرة على التنفس وهي من اعتادت على تنفس الأحزان شهيقا وزفيرا لسنوات حتى باتت لا تعرف أنفاسا ليس لها لون الحزن ونكهته تتذكر الآن سعادتها الطفولية المبتورة وهي تركب الطائرة قبل ساعات قلائل حينها لا تعلم هل خدعت نفسها؟! أو كانت ترسم لنفسها فرحة في خيالها لم تنطبق أبدا على الواقع؟! قبل أربع سنوات تحدت الكل لتكون هنا.. أرادت التراجع ولم تستطع.. وظلت طوال السنوات الماضية تقنع نفسها أنها حينما تركب الطائرة لأول مرة ككابتن فعلي حينما تتحسس الأزرار بإحساس الكابتن.. وترى الأرض تبتعد لتنفصل عنها وتحلق في سموات لا يحدها حدود حينها سينتهي الحزن كما لو كانت في حلقة أخيرة من مسلسل طويل طال انتظار حلقته الأخيرة.. أقنعت نفسها بذلك.. حتى تصمد!! " حلمي سيضمد جراحي!! حلمي سيضمد جراحي!! حلمي حين يتحقق سيضمد جراحي!!" هاهو الحلم تحقق.. تحقق فلماذا تشعر أن الجروح لم تتضمد.. لم تنغلق.. ولكن تنفتح باتساع..ليذر عليها الملح لماذا لم تقنع بسعادتها المسروقة من بين الأحزان؟!! لماذا هي عاجزة عن إقناع نفسها إنها سعيدة؟! لماذا هي عاجزة عن الإحساس بسعادتها المفترضة؟! لماذا تشعر أن كل هذا لا يوازي حتى ساعة واحدة من أيام جلوسها بجوار كسّاب حتى وإن كان غارقا في القراءة بصمت؟!! بعد انتهاء حوارها السابق مع غانم.. بدأت تغرق في إحساس سوداوي بالحزن والاختناق "أنا من سمحت لنفسي أن أكون في هذا الموقف أنا من سمحت له بالتطاول عليّ بوجودي في هذا الموقع كما سمحت قبله لمهاب ان يتجرأ على إهانتي فمن يصنع بنفسه شيئا يستحق ما يلاقيه ولكن ماعاد بي صبر!! ما عاد بي صبر !!" حينما وصلوا لمطار أبوظبي قضت ساعتي الانتظار في استراحة الطيارين لا تلتفتت يمينا ولا يسارا ونظرها الغائم مثبت على جهاز الحاسوب أمامها تكاد تقسم أنها حفظت كل درجات الحرارة وكل إحداثيات الطريق وهي تشعر أن عرقها يتصبب غزيرا وإحساسها بالحزن والاختناق والغربة يتزايد ويتزايد ويتزايد حتى أنها كادت أن تتوجه لعيادة المطار لترى مشكلتها.. ولكنها تراجعت فما بها لن يعالجه كل أطباء العالم!! في الاستراحة كان غانم كان يجلس قريبا منها لا تعلم لِـمَ توارد لذهنها الذي كان مثقلا بالأسى إحساسا أنه في اختياره لهذا المكان بالتحديد كأنه يهدف لحمايتها.. أو مراقبتها!! لكنها نفضت أفكارها الغريبة عن رأسها وهي تعاود التركيز في حاسوبها والإنشغال بحزنها الخاص وغانم وكل ما يرتبط به يتقزم في ذاكرتها!! وهاهي تنتظر انتهاء الرحلة بعد عدة دقائق وهي تتمنى أن يحدث شيئا ما يقنعها أن هذا الأمر معجزة هاهي تطير ومحلقة ومشبعة بالسعادة ولكنها لا تشعر بشيء من ذلك.. كل ما تشعر به الاختناق الاختناق.. الاختناق.. الاخـــتـــنــــــاق!!!! "سهى الأكسجين بسرعة.. بسرعة" كانت هذه صرخات غانم الجزعة وهو يسمع صوت الحشرجة الصادر عن مزون والذي بدأ لأذنه الخبيرة عجزا عن التنفس سهى قفزت وهي تنزل قناع الأكسجين وهي تقترب من مزون التي بدت فعلا تعاني من ضيق من التنفس بينما غانم ثبت وضعية الطيار الآلي ثم وقف وتأخر وهو يوليهما ظهره سهى نزعت النقاب عن وجه مزون.. ووضعت القناع عليها.. وهي تصرخ في أذنها: اسحبي نفس.. اسحبي نفس ياربي البنت بتموت.. ياكابتن.. وجهها صار أزرق كان غانم يعاني في قهر نفسه حتى لا يلتفت أو يساعد.. يعلم أنها يستحيل أن تتقبل رؤيته لوجهها... لذا صرخ بسهى وهو مازال يوليهما ظهره: زيدي دفع الأكسجين.. بعد ثانيتين.. شعر غانم براحة عميقة تجتاح أعصابة المشدودة وهو يسمع صوت كحتها.. مزون أخذت نفسا عميقا ثم صرخت بجزع: وين نقابي؟؟ سهى ناولتها النقاب ومزون تنظر بجزع وحرج لغانم.. لتتنفس بعض أنفاسها الذاهبة.. وهي تراه يقف موليا ظهره لهما.. عاودت وضع نقابها بسرعة والسماعات على أذنها وهي تشعر بحرجها يتزايد.. لتصرخ بعدها: كابتن برج المطار يتصلون غانم عاود الجلوس بسرعة وهو يضع سماعاته بسرعة.. وبرج الاتصالات يطالب بتوضيح لعدم ردهم عليهم مع أن الهبوط اقترب ومازال نظام الطيار الآلي هو من يقود الطائرة.. هتف غانم بثقة: مافيه شيء.. الحين نضبط الوضع.. وهو يحول القيادة للملاحة للعادية غانم هتف بحزم لمساعداته الاثنتين: مافيه داعي حد يعرف اللي صار قبل شوي.. كابتن مزون هذي رحلتها الأولى.. واللي صار بيكون مهوب في مصلحتها لتهتف مزون بحزم أكثر شدة: وأنا ما أبي حد يتستر علي.. أنا بنفسي بارفع تقرير عن اللي صار لي.. غانم هز كتفيه : مثل ما تبين يا كابتن.. ولا تعتقدين إنه أنا أتستر عليش لكن هذا من باب الموأزرة بين أهل الكار الواحد لأنه غالبا في الرحلة الأولى للكابتن تصير مشاكل.. كلنا صار لنا وصار عُرف إنه الكابتن يمشيها لحد الرحلة الثانية.. لو تكررت حينها يرفع تقرير صح كابتن سهى أو أنا غلطان؟؟ سهي بثقة وهي مشغولة بما أمامها: صحيح كابتن.. مزون لم ترد عليهما فهي في عالم آخر من ألم عاود اجتياحها حتى نخر النخاع عالم أعادها له المنظر الذي بدأ تحتها.. وكأنها غادرت الألم الساكن في حناياها أصلا!! كانت مشغولة بالنظر إلى معالم الدوحة التي بدأت تتضح.. البحر.. الشطآن..المباني.. والــوجـــع.. الكثير من الوجع كان هبوطه رائعا ثابتا ومحترفا.. ولكنها لم تنتبه حتى شعرت باحتكاك العجلات بأرض المطار لم يوجه لها مطلقا أي حديث وهو يتناول جاكيته وقبعته ويعاود ارتداءها وينزل لأرض المطار تنهدت مزون بعمق.. تشعر بصداع متزايد ووجع متزايد وحزن متزايد لا تشعر حتى بأدنى رغبة أن تعود لهذا المكان مرة أخرى كم بدا لها هذا المكان باهتا...باهتا جدا لا يستحق حتى ألق عيني كسّاب اللتين تشعان بحنان حينما يراها بعد غياب لتفتقد لهذا الألق.. وذاك الحنان.. بل لتفقد كسّاب نفسه!! أنهت مزون اجراءتها لتتفاجأ أن عمها ينتظرها في الداخل وكان غانم خلفها مباشرة منصور حين رأى غانم أشار لمزون أن تذهب لمواقف السيارت... بينما بقي هو للسلام عليه وهاهي مزون تقف بجوار السيارة وهي تدعي الله بعمق ألا يكون غانم قد أخبر عمها أنه من كان معها على متن الطائرة أو يخبره بما حدث لها تشعر بذنب يخنق روحها أنها مضطرة أن تكذب على عمها ولكنها ليست مستعدة لغضبه.. فما بها من الحزن اليوم يكفيها عن كل شيء منصور وصلها بعد دقيقة.. وهو يفتح السيارة ويهتف بالثقة: تأخرت عليش يا أبيش؟؟ شفت واحد من عيال الجماعة... الله يعينه جاي من الرباط.. رحلة طويلة والله مزون ركبت بصمت دون أن ترد بكلمة هتف لها منصور بحنان حازم: أفا .. مافيه أشلونك ياعمي.. وحشتني.. أي شيء؟؟ مزون بسكون: تعبانة شوي فديت قلبك.. منصور بقلق: وش فيش يالغالية؟؟ حينها انفجرت مزون في بكاء مفاجئ مكتوم.. منصور حينها أعاد إيقاف سيارته في موقفها قبل أن يتحرك بها فهو لن يستطيع أن يقود مطلقا وقلقه يتفجر عليها: وش فيش يأبيش؟؟ حد قال لش شيء؟؟ مزون بين شهقاتها: مافيه شيء يستاهل.. مافيه شيء يستاهل.. منصور بقلق: وشو اللي ما يستاهل؟؟ مزون الباكية: ذا السالفة كلها.. ماكانت تستاهل زعل كساب ولا زعلك.. ولا هروب علي.. ما تستاهل.. ما تستاهل منصور بحنان يربت على كفها: خلاص يأبيش.. وش لش بذا السالفة كلها.. خليها.. مزون تحاول تهدئة نفسها: بأخليها.. بس كسّاب اللي يطلب مني.. تكفى ياعمي.. قل له.. أبيه يدري إني خليتها عشانه.. منصور يحرك سيارته ويهتف لها بحنان: أبشري.. ما يصير خاطرش إلا طيب... ****************************** "متى تبي ترجع؟؟" كساب يجيب والده بهدوء : بكرة على الطيارة اللي بتنزل باريس شوي..وعقب الدوحة إن شاء الله زايد بهدوء حازم: أنا طالع الليلة لباريس عندي شغل هناك.. وبكرة بأكون معكم فأكد حجزي معك.. كساب هز كتفيه وهو يهمس بنبرة اعتيادية: تامر بينما علي انتفض بخفة وهو يهتف بخيبة أمل: يعني كلكم بتخلوني زايد بحزم: ما يخليك ربك.. لو أنك تبي قربنا.. كان دليته.. علي ينهض ليقبل رأس والده.. ويهتف بحزم ودود: يبه ذا السالفة انتهت من زمان أنا خلاص صرت تبع مكاتب التمثيل الدبلوماسي الخارجي.. زايد بحزم يخفي خلفه رجاء لا يكل ولا يمل: خل الموضوع علي ولا لك شغل علي يعاود تقبيل رأسه ويهتف باحترام: أنا واعد خالتي أطلعها إذا راحو الرياجيل اللي كانوا عندنا وهذا هم راحوا.. ما يحتاج أقول البيت بيتكم ثم أردف وهو يوجه الحديث لكسّاب: كسّاب تكفى لا تطلع مكان باقي ماجد ماجاء.. وأكيد إنه على وصول.. مهيب زينة يأتي ما يلاقي حد عند إبي كسّاب استرخى في جلسته وهو يهتف بحزم: وين بأروح؟؟ حياه الله وهو يتبادل نظرات حذرة مع والده.. فغالبا ما ينتهي لقاءهما منفردين بتحفز جاهز من كسّاب وكان ينقذه من والده ادعاءه بالانشغال.. ولكن هنا في جنيف وفي شقة مغلقة... بماذا سيتحجج هذه المرة؟؟ ***************************** "نجول قلبي.. وش فيش فديت عينش.. من يوم جبتي الشواذي من المدرسة وانتي سكتم بكتم.. طلعي لسانس أشوفه لا تكون القطاوة كلته والا شيء" نجلاء بضيق عميق: تكفين سميرة انا ماني بناقصتش... اللي فيني مكفيني سميرة تبتسم وهي تجلس جوارها ثم تحتضن عضدها: أفا ام خلودي.. قولي لي من اللي مزعل الغالية عشانه أحطه في الخلاط نجلاء بذات الضيق العميق: صالح جينها وقفت سميرة وهتفت بمرح: حسبت عندش سالفة.. ليه فيه سبب أصلا للضيقة غير صويلح ولو أنه صويلح فلة.. ودهينه على الكبود.. بس وش نسوي بالناس اللي ما يقدرون نجلاء وكأنها لم تسمع شيئا مما تقوله: يبي يأخذ عيالي يا سميرة.. سميرة حينها قفزت وانتفضت بغضب: ليه هي فوضى والا على كيفه ياخذهم خله يسويها عشان أقول لأبي وغانم وحتى عمي خالد على سواياه الشينة يعني شافش دسيتي سواد وجهه يبي يحرمش عيالش نجلاء تشير بيدها : وين راح مخش.. يبي يأخذهم يوديهم ديزني لاند أسبوعين حينها انقلبت سميرة لتنفجر بالضحك: حسبت عندش سالفة.. صبيتي قلبي وخليتيني أقلب الموجة على الموجة القشرا حرام خويلد وعزوز من السنة اللي فاتت ميتين على الروحة.. خلهم يروحون يستانسون وبعدين ماشاء الله لا حد منهم يلبس حفاظة ولا يشرب مرضاعة عشان تقلبين وجهش تراجيديا كذا حينها انتفضت نجلاء بغضب مليء بالضيق: وأشلون أصبر من غيرهم..أنا حتى يوم واحد ما أقدر أبعد عنهم.. تبينه يأخذهم أسبوعين حينها همست سميرة بخبث: روحي مع عيالش.. وأدبي صويلح.. وطلعي اللي هو سواه من عينه حينها همست نجلاء بحرج: تدرين إنش خبلة.. والشرهة على اللي يشتكي لش حينها جلست سميرة وهي تبتسم وتحاول بطريقة فاشلة أن تتكلم بجدية: نجول خلينا من خبالش وأنتي صار لش معسكرة عندنا 9 شهور وأنتي محلش سر لا أنتوا اللي حليتوا المشكلة ولا أنتي اللي خليتي حد يتدخل في السالفة ولا أنتي اللي حتى رضيتي تقولين لأحد شيء كل ما حد سألش (مشكلة بيني وبين رجالي.. مضايقتكم قعدتي عندكم يعني؟؟) يعني تحدين إبي وغانم على أقصاهم عشان يتنافضون وهم مسوين فيها حاتم الطائي وولده (إذا ماشالتش الأرض تشيلش عيوننا.. والعين أوسع لش من الخاطر) ويخلونش فترة ويرجعون يفتحون الموضوع ونفس الموال ينعاد نجلاء بخجل وحرج وضيق: وش تبين أقول لهم (ولد أخيك وولد عمك يعاير أم عياله بأمها) أنتي عارفة أشلون العلاقة قوية بينهم وبين عمي خالد وعياله..أموت ولا أكون أنا السبب في خرابها.. حينها غمزت سميرة بخبث: تحبينه وإلا لا؟؟ نجلاء بخجلها الشفاف: عيب يابنت.. سميرة تضحك: علي يا بنت.. أدري إنش تموتين عليه.. نجلاء حينها هزت كتفيها وهمست بيأس: زين وأموت عليه..بس ما أقدر أعيش معه على ذا الوضع.. نفسي شانت من ذا الحالة الإنسان يقدر يعيش من غير حب.. بس ما يقدر يعيش من غير احترام سميرة بنبرة من يلقي سرا: نجول عمرش ما قلتي لي يوم تزعلين عليه وأنتي في بيته.. أشلون تتعاملين معه.. نجلاء باستغراب: وش تقصدين؟؟ سميرة تبتسم: عن الخبال.. وحدة عمرها 29 وقد هي داخلة الثلاثين.. تبي وحدة مثلي بيبي تعلمها نجلاء تبتسم: أنتي اللي عن الخبال يالعجوز..وش تقصدين؟؟ سميرة تهمس بخفوت خبيث: أقص يدي أنش يوم تزعلين عليه.. أقصى ما تسوينه تكشرين في وجهه.. وهو يقول لش: أسف حبيبتي سامحيني آخر مرة وعقب تقولين مثل الرسوم المتحركة: سامحتك حبيبي.. ورأسش تدور حوالينه قلوب تولع لأنش خبلة وعند صويلح عظامش ما تشلش... عشان كذا قاعدة معسكرة عندنا وطاقة منه.. وحتى الشوفة ما تبين تشوفينه أنتي كان ممكن تخلصين السالفة كلها وتحلينها في بيتش لو أنش قويتي قلبش على صالح.. نجلاء صمتت وهي تشعر بحرج متزايد.. لأن سميرة تقريبا وصفت ببراعة ما يحدث بينها وبين زوجها في كل مرة تغضب منه تغضب منه.. تعتزله في غرفة أبنائها.. فيأتي معتذرا.. فتكره أن تراه بهذه الصورة التي تؤلم قلبها.. فتدعي أنها رضيت رغم جراح القلب المتزايدة وجرح تلاه جرح فجرح.. حتى شعرت أنها ماعادت قادرة على الصبر .. وروحها مثقلة بالجروح.. وماعاد بها قدرة على احتمال المزيد وخصوصا أن أبنائها كبروا.. حينها قررت أن تهرب منه.. وهي مصممة على ألا تعود له سميرة أكملت كلامها بابتسامتها المرسومة على الدوام: الحين يالخبلة أنتي من جدش تبين صالح يطلقش ويتزوج وحدة غيرش؟!! زمان سألوا جحا: قالوا له وين ديرتك يا جحا.. قال ديرتي اللي فيها مرتي والله إنه حكيم ذا الرجّال.. شكلي بأخليه مثلي الأعلى يعني يا بنت أمي وأبي.. بكرة صالح لا تزوج بيتفل في عينش .. والغلا كله بيصير لمرته وعياله اللي في حضنه نجول ركزي معي يالمفهية.. صالح رجّال فيه مميزات واجد.. كريم وحنون وفيه خير وبعدين عنده استعداد يقول لش أحبش طول اليوم وين تلاقين واحد مثله.. أكيد إنه لسانه يبي قص.. وعيب عليه اللي سواه.. لكنه مالقى من يسنعه وأنتي أصلا ما وريتيه العين الحمراء.. وعلى قولت جدي جابر قصدي جد وضوح (اللي ما يخلا خوف ما يخلى حشمة) وريه إنش حتى لو رجعتي له مهوب معناه إنش سامحتيه.. وريه وش ممكن تسوين فيه وأنتي عنده.. عشان يحرم.. ويفكر مليون مرة قبل لسانه يجيب طاري شيخته أم غانم.. نجلاء صامتة وسميرة مازالت مسترسلة في كلامها بذات النبرة الضاحكة والمنطقية: دامش على كذا...والله ما يمشي حالش... اصطلبي يا مرة... صويلح يعشق الأرض اللي تمشين عليها.. أنتي في موقع القوة.. اشلون لحد الحين ما سيطرتي على الوضع حينها لمست سميرة رأس نجلاء ثم لمست قلبها وهي تهمس بهدوء باسم: نظفي هذا.. ثم قوي هذا وإذا ما مشيتي صويلح على العجين ما يلخبطه.. قولي سميرة قالت.. ******************************** نـــــام .. صــحــى مــن نــومــه.. دار في نواحي أنسي سلم على كل طفل رآه.. وتحدث مع كل عجوز.. جميلة هذه المدينة لأبعد حد...ولكنه عاجز عن تذوق جمالها يريد التوجه للمصحة.. ليس لأنه يريد ذلك....ولكن لأنه لا شيء يفعله عدا ذلك.. هاهو متغرب.. بل مثقل بالغربة .. ومن أجلها أينما هرب.. ستبقى هي المكان الأخير العودة!! انتظر اتصال داليا.. ولكن الوقت تمدد وتمدد والاتصال لم يصله أ يعقل أنها مازالت مخدرة حتى الآن؟! أو ربما ببساطة لا تريد رؤيته.. كما هو لا يريد رؤيتها هو لا يستطيع التهرب من واجبه ولكن ربما هي طلبت من داليا أن تعفيها من رؤية وجهه اليوم وكم كان محقا في توقعه!! حينما عاد طرق الباب بخفة ودخل.. ليجد داليا تجلس جوارها وجميلة تخبئ رأسها في كتفها ودموع صامتة تسيل بكثافة على عظمتي خديها البارزتين أشارت له داليا ان يخرج قبل أن تنتبه جميلة لوجوده أنزلت جميلة بخفة ولكن جميلة تمسكت بها وهي تهمس بجزع حقيقي: وين بتروحين؟؟ داليا همست لها بحنان: دقيقتين للحمام وراجعة خرجت لتقابل خليفة خارجا... همس خليفة بسكون أشبه بسكون صحراء هامدة: شاخبارها؟؟ داليا بحذر: وضعها سيء كثير.. بكت كثير.. وما تبي تشوفك كنت أعرف تعلقها بأمها.. بس ما تخيلت لذا الدرجة وخصوصا إنها وافقت إنها تسافر بدونها أم جميلة الله يهديها أخطئت كثير بهذي الزيارة.. لأنها حاسة الحين إنها ممكن تضغط علينا نجيب أمها بما أن أمها ما كان عندها مانع تجي من الأساس خليفة بذات السكون: طيب والحل؟؟ داليا بحذر أكبر: أنت أشلون أعصابك؟؟ مستعد تتحملها لحد أخر الخط هز خليفة كتفيه وهو يهمس بنبرة من يسخر نفسه: لا تخافين على اعصابي.. لين عقب آخر الخط بعد.. ثم أردف باهتمام: أشلونها الحين.. وكيف معصمها؟؟ من وين جاء هالدم كله.. أنا مستغرب أشلون باقي في جسمها دم أساسا داليا بمهنية وهي تبتسم: عادي.. كمية الدم في جسمها مش قليلة بالشكل اللي أنت متصوره.. بس الدم اللي في جسمها بدون فايدة يعني بكلام الناس العاديين.. كأنه ماي وبس.. مافيه كريات حمراء مافيه حديد.. وعلى العموم ترا اللي نزل مو كثير.. ما يجي حتى 100 ملي.. بس إن شاء الله هي بتتحسن قريب... بس همتك معنا.. لأنه أنا بعد قريب بأنزل الدوحة خليفة بجزع: أنتي بعد يا دكتورة تبين تخلينا.. داليا بذات النبرة المهنية: جميلة دايما محتاجة حد يسوي لها حماية.. يعني لما كنا في الدوحة ما كانت متعلقة فيني بهالطريقة لكن بما أن أمها غير موجودة.. فهي خلتني مكانها فأنا حابة إنها تحس إنك أنت حمايتها الوحيدة وفي نفس الوقت أريدك تشد عليها في قضية الأكل.. خليفة تنهد: طيب ممكن أشوفها.. داليا بحذر: أكيد.. بس حط في بالك إنها ممكن تثور عليك.. خليفة هز كتفيه: عادي يا بنت الحلال.. وبالفعل فتح خليفة الباب بخفة ودخل.. التقت عيناه بعينيها.. لم تقل شيء ولكنها اشاحت نظرها عنه استغرب أنها لم تصرخ حين رأته...لم تثر.. اقترب وجلس قريبا منها همس بهدوء حان: أشلونج الحين؟؟ جميلة بهدوء عميق ساكن: تدري أني أكرهك.. ومستحيل أحبك في يوم وبأموت وأنا أكرهك.. انتفض خليفة بعنف.. لا يعلم لِـمَ بدت له كلمة "أكرهك" مؤلمة وموجعة وهي تقولها بهذه الطريقة رغم أنها سبق وقالتها له.. ولكنها قالتها وهي في حالة غضب ولكن أن تقولها بهذا الهدوء والتصميم كان أمرا جارحا لأبعد حد رغم أنه فعلا لا يبحث عن أي نوع مشاعر مع هذه المخلوقة ولكن قسوة الكراهية جارحة.. جارحة!! ومع ذلك أجابها بكل هدوء: عادي بتكرهيني اليوم وبتحبيني بكرة.. ماني مستعيل.. حبيني على راحتج وعلى أقل من مهلج.. حينها سالت دموعها وبدأت تشهق شهقات خافتة متقطعة.. وبين كل شهقة وأخرى تهتف بخفوت " أكرهك" خليفة لم يرد عليها بقي معتصما بالصمت جالسا على مقعده وهي تصفعه بكراهيتها المتكررة!! *************************** "مساكم الله بالخير" غانم العائد من المطار.. ينحني على رأس والده ورأس عمه الذي يتقهوى قهوة العصر مع والده في مجلسهم شبه رائع بين الشقيقين.. ولكن أبو غانم كان أطول وقامته أكثر اشتدادا ويبدو عليه بالفعل أنه أصغر من أبي صالح كما هو فعلا ولكن الفرق بينهما يبدو كما لو كان يتسع مع أثر السنوات الذي بدأ يبرز على أبي صالح بوضوح وكأنه مع كل سنة تمر يكتسب سنوات.. ولحيته الطويلة البيضاء تمنحه هيبة وألما وعمرا !! في الوقت الذي راشد مازال محتفظا بألق خاص يشع من روحه المشبعة بالحنان أبو صالح هتف بحزم: مساك الله بالنور والسرور اقعد يأبيك احضر سالفتنا.. غانم جلس تنفيذا لأمر عمه.. رغم أنه لا يحب أن يجلس في المجلس بلبس الطيارين دون ثوبه وغترته وهتف باحترام ودود: آمرني يبه أبو صالح بحزم: عاجبك حال صالح ومرته.. وابيك يقول ماني بجابر بنتي على شيء غانم بحزم هادئ: اللي إبي يقوله تم.. مالي رأي عقب رأيه.. ابو صالح بغضب: وش ذا الخبال اللي عندك أنت وإبيك.. ما يسوى علي كل يوم أكلمكم في ذا السالفة ولا لي حشمة ولا تقدير عندكم.. راشد انتفض جزعا: ماعاش من لا يحشمك قدرك وحشمتك على رأسي ورأس ولدي... بس يا خالد جعلني فدا لحيتك نجلاء كل ما قلت لها ارجعي لبيتش.. قالت أنتوا ضايقين مني؟؟ وأنا وأنت عارفين نجلاء زين.. نجلاء مرة عاقلة.. وقد لها حول عشر سنين عند صالح ما عمرها زعلت منه ما حدها على الطلعة من بيتها إلا شيء(ن) كايد.. فأنت شوف صالح وشو مزعلها فيه؟؟ وأنا ماني بغاصب بنتي بكري وأول فرحتي على شيء هي ما تبيه.. ولاني بقاهرها.. لأني أعرف نجلاء ماحدها على ذا إلا وجيعة كايدة...ولاني بموجعها فوق وجيعتها إذا بغت ترجع رجعت من كيفها وإلا والله ما أغصبها على شيء غانم اعتصم بالصمت احتراما لوالده ولعمه بينما كان أبو صالح يتنهد: والله أني قلته لصالح.. قلت له نجلاء عاقلة وماحدها تطلع من بيتها إلا شيء(ن) كايد.. بس هو بعد يقول مثلها (شي(ن) بيني وبين مرتي) دام ماحد (ن) منهم راضي يعلمنا... نخليهم على كيفهم وعلى خبالهم؟!! لازم نشوف سالفتهم عشان عيالهم.. ما يصير ذا الحال.. حينها وقف غانم ليتجه للداخل وهتف لعمه باحترام: يبه أنت وصالح على رأسي وانا بنفسي واجد حكيت نجلاء وهي ملزمة على اللي في رأسها وأم خالد ماحد بغاصبها على شيء هي ما تبيه أم خالد شيختنا.. وتمون على رقبتي ************************* " خالتي عندش إنش لو قعدتي منزلة طرف الشيلة على نقابش.. إني ماني بعارف إنش تبكين من قبل حتى ما نطلع من الشقة حتى" عفراء بصوت مبحوح تحاول بعث التماسك فيه: لا تلومني يأمك.. اللي فيني يهد جبال علي بحنان وهو يمسك بذراعها ويدخلها في ذراعه وهما يمشيان في ساحة بورغ دي فور قلب مدينة جنيف القديمة: نعنبو لا يمش.. ومن أقول ألومش.. أنا ودي لو أقدر بس أشيل منش شوي عفراء حنان موجوع: فيك ما يكفيك يأمك.. ابتسم علي وهو يحتضن ذراعها أكثر ويهتف بعمق متجذر: أقدر اشل عني وعنش حينها همست عفراء برجاء عميق: علي تكفى يامك خلاص ارجع الدوحة والله إن حن محتاجينك هناك.. الجو بين أبيك وأخوانك تحس إنه على طول فيه توتر أنت كنت نسمة الهوا اللي بينهم.. تنهد علي بعمق: خالتي بيني وبينش.. أنا مقرر أرجع.. بس مهوب الحين.. شوي.. عفراء شهقت بفرحة مبتورة: صحيح يأمك وإلا تسكتني.. علي بذات نبرة الحنان العميقة: إلا صحيح.. يعني ظنش باكذب عليش في موضوع مثل ذا عفراء بتساؤل محموم: زين متى؟؟ أيعقل أنه سيعود إلى احضانها أخيرا بعد كل هذا الغياب..؟! أ يعقل أنه سيرتاح بالها ولو قليلا من بعض الهم؟! ماعاد بها قدرة على احتمال هذا القدر من الغياب والغائبين تعبت من الهموم.. ولا يوجد من يسندها.. ولا حتى يخفف عنها!! علي بهدوء عميق: عطيني كم شهر بس.. ومثل ما قلت لش.. خلي الموضوع بيننا لين يصير.. **************************** "هلا والله بفاطمة.. وين عيالش يا بنتي؟؟ ليه ما جبتيهم معش؟؟" فاطمة بمودة صافية: مع أبيهم ياخالتي.. نزلني هنا ووداهم الألعاب مزنة تقف وهي تهمس بمودة: بأخليش أنتي وخويتش تقعدون براحتكم وأنا بأروح أشوف أشغالي.. فاطمة برجاء: اقعدي خالتي ماشبعنا من قعدتش مزنة بعذوبة حازمة: باروح وخلكم براحتكم كاسرة بذات عذوبة أمها الحازمة: يمه الله يهداش اقعدي.. وش بنقول يعني ابتسمت مزنة وهي تجيب كاسرة: يمكن تقنعش فاطمة بالخطيب الجديد.. حينها ابتسمت فاطمة: قريب خالتي..قريب.. أنا متحلمة لكاسرة بحلم والله ماله من التفسير إلا إنه معرس تحلمت ياخالتي بكاسرة واقفة في حوشكم.. ويأتي ذاك الصقر الكبير ويلقطها من كتوفها ويطير بها.. جيت بالحقها.. ضربني جدي جابر بالعصا يمكن إن شاء الله بتوافق على ذا العريس الصقر العود ثم انخرطت فاطمة في الضحك حينها ضحكت كاسرة: حشا فيلم أكشن مهوب حلم.. وبعدين وش صقره يا الله خلايفك بزر عمره 27 سنة.. أول خل هله يفطمونه من المرضاعة.. وعقب يزوجونه.. مزنة وقفت استعدادا للخروج وهي تهمس بحزم: أما يافاطمة خويتش ذي مافيها فود ولا تسمع شور... ثم أردفت بحزم لطيف: ترا عشاش عندنا يأمش فاطمة باستنكار مهذب: لا خالتي تكفين.. تو حن العصّير.. وين حن ووين العشا.. مزنة خرجت وهي تهتف بذات الحزم: خلصنا يأمش عشاش عندنا أنتي وعيالش وأبو عيالش مهاب الليلة موجود ماعنده رحلات حين أغلقت مزنة الباب التفتت فاطمة لكاسرة وهي تهتف بحماس: تدرين سوسو خاطري أشوف شكل أمش من غير ذا الجلال اللي هي متلفلفة فيه 24 ساعة بصراحة أمش تجنن.. خاطري أشوف الصورة كاملة حينها ابتسمت كاسرة: لو تشوفينها في الليل ببيجامة الحرير بس وشعرها على كتوفها تنسطلين.. فاطمة باستغراب: أمش تلبس بيجامات.. ما أتخيلها!! حينها ضحكت كاسرة برقة: ليه إن شاء الله.. أمي توها.. توش تقولين تجنن.. يعني جينا عند البيجامات صارت غريبة حينها أردفت كاسرة بعمق باسم: تدرين فطوم.. حرام أمي ما تهنت بشبابها أحس عمي فيصل أبو امهاب وأبي الله يرحمهم جميع.. ماحد منهم استحمل إن ذا الجمال كله بين يديه كنه كثير عليهم.. حينها ضحكت فاطمة: إذا أنتي تقولين كذا على أمش.. أجل من هي في زينش رجالها بيودع من أول يوم.. لأنه بتجيه سكتة قلبية أول ما يشوفش ابتسمت كاسرة: ياذا الرجّال اللي منتي بمرتاحة لين تذبحينه.. فاطمة تضحك: خليه يأتي ومهمة الذبح عليش.. أدري منتي بمقصرة فيه... ثم أردفت بابتسامة: وين وضوح؟؟ أبي أسلم عليها كاسرة بهدوء: الحين تدرس.. بناديها حل العشاء فاطمة باستنكار: من جدش أنتي وأمش عشا.. بتمسكوني عندكم خمس ساعات بأروح لبيتي ياناس كاسرة تبتسم: والله أوامر أم امهاب.. تنفذين وأنتي ساكتة فاطمة تضحك: يا سلام يعني أنا اللي أنفذ الاوامر وأنتي لا... يالله وافقي على صقر حوران اللي جايش كاسرة بعذوبة باسمة: أخييييه.. وش صقره أنتي الثانية.. صدقت خرابيطها وحلمها.. أقول لش بزر عمره 27 سنة.. اللي خطبني قبله عمره 30 وما وافقت.. أوافق على ذا فاطمة باستغراب باسم: تدرين كاسرة على أن تفكيرش دايما منطقي.. إلا في ذا السالفة.. ما أدري ليش إصرارش على العمر بذا الطريقة هذا أنا رجّالي أكبر مني بشهور بس.. وامشيني على الصراط المستقيم.. ولا عمري قدرت أفرض عليه شيء كاسرة بابتسامة عذبة: هذا عشانش أنتي يا قلبي اللي سويتيه كذا.. مهوب من شخصيته اللي تهز الجبال.. بزر يوم خذتيته عمره 23 سنة والله أنش كنتي تقدرين تحطينه تحت باطش.. بس أنتي اللي خليتيه ينفش ريشه عليه.. فاطمة تهز كتفيها بمرح: حلاله خله ينفش ريشه.. عقبال ما أشوف ريشش مقصوص.. قاصه طيري اللي أنا تحلمت فيه كاسرة بغرور لطيف: قلنا لش ألف مرة.. لا عاش ولا كان.. ولا بعد جابته أمه.. فاطمة تضحك: على قولت خالتي الحكي معش ضايع... قولي لي وضحى وافقت على الدكتور الدحمي كاسرة هزت كتفيها وهمست بحزم: كل ما سألتها تهربت مني تدرين فطوم إن أمي قالت لي اليوم إنه خطبها أول مرة قبل حتى ما يخطبني وأمي علمتها بعد.. وش له مترددة ما أدري فاطمة باستغراب: غريبة ذا السالفة... بس على العموم من حقها تفكر.. كاسرة بحزم: إلا قولي تبي لها من يهزها شوي.. البنت ذي غبية وبتقعد غبية.. شكلها تبي تضيع عبدالرحمن من يدها فاطمة تضحك: وليه تأخذ واحد أنتي عايفته.. كاسرة بجدية: فاطمة لا تدخليني في السالفة.. أنا كنت مقررة ما أحاول أقنعها.. لكن بما أن أمي تقول إنها هي أول وحدة خطبها وهي كانت رغبته الأولى... فيكون غباء منها تدخلني في السالفة.. ويكون غباء أكبر ترفضه عشان تفكير عاطفي ماله معنى.. زين وخطبني كم مرة.. بس هي كانت في الاول والأخير.. خلها تشوفني محطة انتظار.. وفي الأخير وصل لها والله وهذا أنا حلفت لش.. لو كان عبدالرحمن أكبر بكم سنة.. أني أوافق عليه بدون تردد لكن عبدالرحمن وحتى شخصيته أنسب لها بواجد مني.. الرجّال كله مميزات.. فليش تضيعه من يدها.. وأنا مستحيل أخليها على كيفها الخبلة.. وراها وراها لين توافق.. ************************* "مهوب كأن علي وخالتي تاخروا؟!" زايد يسترخي ويهمس بمباشرة: تمللت من قعدتي؟؟ كساب بهدوء مباشر كهدوءه: محشوم جعلني فداك.. أنا أسأل بس.. زايد بعمق: خلهم يوسعون خاطرهم.. حينها هتف كسّاب بنبرة سخرية ذات مغزى: محتاجين يبه وساعة الخاطر.. اثنينهم جرحهم واحد.. نظر له زايد نظرة مباشرة وهتف بعمق حازم: يعني دامك ما وصلتني في الحكي منت بمرتاح.. خلنا يأبيك من الحكي المغطى.. أنا وأنت فاهمين بعض زين.. لمتى وأنت زعلان علي.. متى بترتاح وتريحني كساب بهدوء أقرب لليأس: ومن قال زعلان.. ما يحق لي أزعل عليك حتى لو كان ودي زايد بنبرة عميقة حازمة: ذا الحكي ما يوكل خبز يأبيك.. خلنا نتصارح كود ترتاح وتريحني.. كسّاب بعمق شفاف: يبه مهوب زعل ومايحق لي أزعل عليك جعلني فداك لكنه كسر يبه.. يبه أنت كسرتني.. يوم أشوفك وإلا حتى اسمع اسمك.. ما يطري علي إلا أشلون كسرتني.. يبه كسر الروح ما ينجبر.. وأنت كسرت روحي.. حينها انتفض زايد بجزع: المكسور غيرك يأبيك.. ثم هتف زايد بعمق متجذر أشبه باليقين: لو أنك انكسرت مثل ما تقول.. كان نخيت.. خذت الأمور ببساطة.. كذا المكسور يسوي.. لكن أنت يأبيك حر.. والحر ما ينكسر.. أنا ذا الحين ما أفاخر في المجالس إلا بك.. حينها هتف كسّاب بسخرية مرة: وحضرت الكابتن الطيار ما تفاخر فيها بعد؟!! زايد بحزم: لا تدخل أختك في السالفة.. الموضوع بيني وبينك.. كسّاب هز كتفيه: يبه مزون هي كل السالفة.. ذا اللي تقوله كله ماصار إلا عقب ما وافقتها أنت على خبالها زايد بذات الحزم: سالفة وانتهت.. وحكي في الفايت نقصان في العقل خلنا فيك.. حالك مهوب عاجبني.. وأنا سكتت لك واجد حينها هتف كساب باحترام مبطن بسخرية مهذبة: وأشلون ممكن تصلح حالي اللي مهوب عاجبك؟! زايد بحزم شديد: بأزوجك.. حينها هز كسّاب كتفيه: والحين المره صارت هي السلاح السحري اللي بيحل مشاكل الكون.. كان انتهت المشاكل من زمان لو أن هذا هو الحل.. زايد بحزم أشد: أنا ماعلي من مشاكل الكون ذا الحين.. أنا عليّ منك أنت واحنا نتكلم عنك.. فلا تلف ولا تدور.. تعبت وأنا أترجى فيك كنك بزر.. يا ولدي خاطري على الأقل بحفيد مثل ذا العالم.. حينها هتف كسّاب بذات احترامه الملغوم: هذا علي كان بيعرس وما خليته.. وش معنى عرسي هو اللي بيونسك جعلني فدا خشمك حينها بدأ زايد يعاني غضبا يحاول كبته.. يعلم أن هذا هو ما يهدف له كسّاب فهما لا يفتحان هذا الموضوع حتى يجعله كسّاب يحتد.. ويضيع الموضوع بين الهجوم والهجوم المضاد لذا هتف زايد بهدوء احترافي: حتى لو خليت علي يتزوج جميلة.. عبارت إنه ما تزوج لأنها مريضة لكن أنت ولدي الكبير..وأنا أبي أشوف عيالك. حينها ابتسم كسّاب: يبه من جد.. على إلحاحك علي كذا.. عندك وحدة معينة في بالك حينها صمت زايد.. وهو يدرس المعطيات في ذهنه.. يعرف ابنه جيدا.. قد يكون اقتناعه هو بواحدة هو السبب الوحيد ليرفضها كسّاب لمجرد أن يعانده فكيف يقنعه؟! كيف يحضر ابنتها لبيته؟! كيف يرى بعضا من أطيافها أمام عينيه؟!! إن كانت هي أصبحت حلما مستحيلا؟!! فليحقق ابنه ما عجز هو أن تحقيقه!! يحضر تلك المهرة المستحيلة التي لطالما رأها بجوار جدها وهي صغيرة ومازال كلما جاء جدها يهذي بها وكأنه ليس في الحياة سواها.. وكأنه يسمع في أوصافها طيف أوصاف مزنة وهي ترفض الخُطاب واحدا تلو الآخر دون أن تقتنع بأحد يعلم إن كان هناك من يستطيع إخضاع مهرة مثلها فليس سوى ابنه.. هذا المتفاخر المتكبر.. الذي حتى وإن كان يظن نفسه مكسورا فهو لا يعرف نفسه كما يعرفه والده.. قد يحطم هو العالم بينما هو عصي على الانقياد أو حتى الخدش.. لأنه كالشجرة التي لا تعرف الانحناء.. رفض أن ينحني للريح.. أو أن ينزل رأسه حتى تمر العاصفة.. انتزع زايد من أفكاره صوت كساب العميق: ها يبه.. من هي سعيدة الحظ اللي حضرتك تبيها لولدك الكبير على قولتك؟؟ حينها هتف زايد بنبرة مدروسة تماما تخبئ خلفها خبثا كبيرا: والله يأبيك كان فيه بنت في بالي بس عقب غيرت رأيي لأنها مستحيل توافق عليك.. حينها احمر وجه كساب وهو يغالب ثورة قادمة: أكيد إنه أهلها مستحيل يوافقون عشان سواد وجه بنتك.. حينها هتف زايد بحزم: سواد الوجه مهوب لبنتي.. بنتي تكرم عن الدنايس.. الرفض لك أنت ولشخصك.. وإلا أهلها أنا متاكد أنهم مستحيل يردوني وأنا جاي أخطب لولدي.. حينها ثار كسّاب بالفعل.. وابتسامة مخفية ترتسم في روح زايد.. يعرف هذا الفتى كما يعرف نفسه.. ولكن الحوار دائما كان يقف قبل أن يصلا لهذه المرحلة كساب الثائر كان يهتف بغضب: زين وليش إن شاء الله بترفضني لشخصي الشيخة؟؟ وش فيني ما يعجب حضرتها؟! حينها هتف زايد بهدوء يخفي خلفه ابتسامته: هذا أنت قلتها (شيخة) ما خلق مثل زينها ولا شخصيتها.. تعرف (جابر بن فهد الـ) و ( حمد بن فلاح الـ) ترد في حد منهم شيء؟؟ كساب باستغراب وهو لا يفهم العلاقة بين السؤالين: رياجيل والنعم.. يكرمون زايد بهدوء: هذولا أخر اثنين هي ردتهم.. وشوفت عينك الثنين منصب وقدر ومكانة وخير.. كان كسّاب على وشك أن يثور وأن يصرخ أنه أفضل منهما.. وأنه مستعد أن يريه أنها يستحيل أن ترفضه.. ولكن كما الإضاءة الخاطفة.. قفز لذهنه تفكير معين وهو ينتبه لمقصد والده (خبيث وذكي يا أبي.. ولكنني تربيتك مثلك: خبيث وذكي) حينها هتف كسّاب بهدوء خبيث وابتسامة شاسعة متلاعبة: تدري يبه إيه والله الاثنين ما فيهم قصور أكيد لو خطبت بتعيي مني بعد .. ما فيني زود عليهم حينها ابتسم زايد ابتسامة شاسعة وهو يصمت ويهتف في داخله (ولد أبيك.. بس اللعبة ما بعد خلصت!!) ********************************* منذ البارحة وهي عاجزة عن النوم...تريد أن توافق وتخشى من عقبات الموافقة لا تريد أن تقدم على الخطوة قبل أن تتأكد من شيء معين لا تريد أن تسبب الحرج لمهاب ولا لعبدالرحمن لذا فلابد أن تقدم على هذه الخطوة لابد أن تخبرها بنفسها!! جوزاء تناولت هاتفها وهي تتصل بأنامل مرتجفة جاءها صوتها كالعادة خافت ضعيف مثقل بأسى عميق: هلا والله بام حسن أشلونش يأمش.. واشلون حسون؟؟ ابتلعت جوزاء ريقها: طيبين يمه جعلني الاولة.. بعد عدة عبارات من السلامات المعتادة همست جوزاء بتردد عميق: يمه فيه موضوع أبي أكلمش فيه حينها انتفضت أم صالح: فيه شيء قاصرش يمه.. وإلا قاصر حسن؟؟ جوزاء ابتلعت ريقها الجاف: لا يمه خيركم سابق.. بس.. بس.. أم صالح تستحثها للحديث: وش بسه يأمش.. جوزاء ألقت الخبر لتتخلص منه وقبل أن تذهب كل شجاعتها: يمه امهاب بن فيصل آل يحيا خطبني.. ونا مارديت لين أخذ شورش إذا أنتي توعديني إنه ما تأخذون ولدي بأوافق.. لكن شيء يلحق ولدي.. لا أبيه ولا أبي غيره حينها تنهدت أم صالح بحزم غريب عليها: انتظري علي يامش لين بكرة وأرد عليش أم صالح أغلقت من جوزاء واتصلت فورا بهزاع الذي وضع لها رقمه على قائمة الاتصال السريع.. لتهتف له بسرعة ونفس مقطوع: هزيع يامك.. اتصل في فهد وصالح خلهم يجوني الحين هزاع الذي كان يدرس في غرفته هتف باستغراب: وش فيش يمه.. فهد وصالح أصلا كلهم هنا فهد توه راجع من الزام.. وصالح يلبس يبي يروح يمشي.. أم صالح بحزم: خلهم يجوني ذا الحين أبيهم بعد قائق كان الثلاثة يجلسون أمامها وهزاع يهتف بمرح قلق: صحيح ما طلبتيني معهم بس أنا بصراحة متروع وابي اعرف سبب اجتماع القمة ذا أم صالح بغضب: أم حسن خطبها امهاب ال يحيا.. وشكلها تبي توافق عليه.. حينها قفز صالح بغضب: يعني تعيي مني وتوافق على ولد آل يحيا.. والله ما يكون إن ولدنا يربيه غريب حينها التفتت أم صالح لفهد بتصميم: أنا ما أدرج لك.. أدرج لذا الساكت.. فهيدان وش عندك؟؟ فهد بهدوء حازم: عندي إني أقول الله يوفقها.. بكيفها.. ولدنا ما إحنا بعاجزين منه.. وهي خلها تشوف نصيبها حرام أم حسن عادها صغيرة.. تبين نقطع نصيبها؟؟ أم صالح بغضب: قد ذا اللي عندك يا مسود الوجه.. بدل ما تقول أنا اللي باخذها وأضم ولد أخي.. حينها ابتسم فهد وهي يضرب مؤخرة رأس هزاع: زوجيها ذا الدبش العود تراه شيبه قده في 21 سنة.. خله على الأقل يفيد بشيء حينها انتفض هزاع وهو يلطم يد فهد: لا عاد تعودها تراني ما انا بأصغر بزرانك هذا أولا.. ثاني شيء نسوان أخواني طول عمري عادهم خواتي الكبار.. ولا أنا براد نفسي لهم.. المفروض ما يكون ذا حكيك يا شيبتنا أم صالح غضبها تزايد: أنت وأخيك حاطين السالفة لعبة وأنا محترقة صالح باحترام وتصميم: لا تحترق أعصابش ولا شي.. أم حسن أنا اللي بأخذها وانتهت السالفة "إيه بدل ما ترضي مرتك.. وتشوف وش أنت مزعل(ن) مرتك فيه بتنط تأخذ مرت أخيك" الجميع اتجهت انظارهم للصوت الحازم القادم من خلفهم.. ليقفزوا أربعتهم احتراما للهيبة القادمة.. حينها هتف صالح باحترام: يبه أم حسن خاطبها امهاب آل يحيا.. يرضيك نخلي ولدنا يريبه غريب.. حينها صمت أبو صالح لثانية ليهتف بعدها بحزم: كفو أبو فيصل.. ونعم النسب.. حينها اتسعت عيني أم صالح دهشة: وش ذا الحكي يأبو صالح.. كنه جايز لك؟! ألتفت لها أبو صالح بغصب: بتراديني في الحكا بعد.. حينها انتفض فهد الذي يكره أن يرتفع صوت أحد على والدته حتى وإن كان والده: يبه أمي ما قالت شيء جعلني فداك أبو صالح بغضب متزايد: إذا مت خيطوا وميطوا أنتو وأمكم على كيفكم صالح يسارع بالقول باحترام: عمرك طويل في الطاعة.. يبه وش فيك زعلان؟؟ ماقلنا إلا حق.. خلاص جوزا أنا اللي باخذها وأضم ولد أخي وانتهينا أبو صالح بغضب: أنت بالذات تلايط.. الله العالم وش أنت مزعل(ن) شيخة النسوان فيه.. وجوزا ماحد منكم بقاهرها.. كفاية عليها اللي شافته من ولدكم.. خلها توفق في طريقها.. أم صالح بصدمة: وولدنا.. أبو صالح بذات الغضب: ليه تبوننا نقهرها ونأخذ ولدها.. عشان نحرق قلبها لا والله ما يصير ولا يكون.. ولدنا تحت عيننا.. وإذا كبر شوي خيرناه.. لكن ذا الحين ما يبغي إلا حضن أمه.. ما يقهر الشوفة إلا رخيص .. وأنا أكرم لحاكم من الرخص.. كان صالح يريد أن يتكلم ولكن اتصالا ما وصله.. كان على وشك تحويل الاتصال للصامت لولا رؤيته للاسم الذي قلب كيانه ليقفز وهو يهتف باستعجال: دقيقة ..اتصال مهم.. ويخرج من فوره غريب هو ما تفعله المرأة برجل عاشق.. تأخذه من خضم انشغاله إلى عالم لا يجرؤ على اقتحامه إلا ذكراها!! وخلف صالح كان صوت أبي صالح يتعالى بحزم: ذا الكلام أخر مرة أعيده.. أم حسن ماحد بقاهرها على ولدها.. غدا ودها توافق توافق من كيفها وهي دارية إن ولدها على كل حال في حضنها وماحد بماخذه منها ثم أردف بمرارة: البنية جاها ماكفاها..جاها ما كفاها.. ليتك تعلمين ياجوزاء أن نظرات هذا الشيخ الجليل الصامتة لكِ طوال فترة حدادك لم تكن عتابا مطلقا لم تكن سوى شفقة عميقة .. وحزن أكثر عمقا بكثير!!! تمنى لو يستطيع أن يعيد الأيام أن يصحح الخطأ ولكن ماحدث بالأمس امتدت وجيعته لليوم.. إن لم يكن قادرا على إصلاح خطأ الأمس.. فليسمح لهذه الصبية على الاقل ببعض فرح اليوم!! في مجلس النساء حيث خرج صالح ليختلي بهاتفه وانفعال عميق يهزه لأول مرة تفعلها منذ تسعة أشهر.. لأول مرة تكون هي البادئة باتصال فأي خبر أتته به اليوم؟!! أ فرح تهديه لروحه بعد طول هجر؟! أم هو مزيد من الهجر كما اعتادت أن تفعل به؟!! بعث في صوته أكبر قدر من الحزم لم يكن صعبا عليه اصطناعه ليبدو فيه غاية في البراعة: حيا الله أم خالد نجلاء بهدوء عذب: حياك الله صالح بلهجة مدروسة: وش ذا النهار المبارك اللي عبرتينا فيه باتصال؟! نجلاء بحزم لطيف وهي تلقي عليه الخبر الصادم: إذا انت ملزم تروح بالعيال..أبي أروح مع عيالي.. صالح يعتقد أنه سمع خطأ: نعم.. عيدي.. ما فهمت.. نجلاء تتنهد وتهتف بذات النبرة الحازمة غير المعتادة: أنت مهوب تقول تبي تودي العيال لديزني لاند.. أنا ما أقدر أخلي عيالي يروحون بروحهم باروح معهم.. وش الشيء الغير مفهوم في كلامي؟؟ صالح مازال عاجزا عن الاستيعاب تماما.. هتف بدهشة تمتزج بالأمل: يعني بترجعين لي نجلاء بذات الحزم: لا تخلط المواضيع.. قلت بأروح مع عيالي.. ما قلت بأرجع لك حينها هتف صالح بغضب: أنتي شايفتني بزر عندش.. أشلون تبين تسافرين معي وأنتي ما رجعتي لي.. وش ذا الخبال؟؟ نجلاء ببرود مدروس: والله افهمها مثل ما تبي.. تبي تسافر بعيالي أنا معهم.. لكن إنك تفسرها إني رضيت عليك.. لا والله ما أنا بكاذبة عليك.. لا رضيت عليك ولا هو بحولي.. وقلبي مليان زعل عليك.. صالح غضبه يتصاعد: نجلاء عيب عليش ذا الكلام.. زعلانة علي وتبين تسافرين معي.. تبين تجننيني أنتي؟! أشلون يعني نسافر مع بعض.. ربع ورفقة سفر.. وش الخبال ذا ولعب البزارين؟؟ وهلي وهلش وش أقول لهم؟؟ نجلاء بذات البرود الذي كانت تغذيه سميرة الجالسة جوارها وهي تكتم ضحكاتها: والله قل لهم اللي تبي.. ما شاء الله لسانك ما يبي من يسنعه لك حينها تنهد صالح وهتف ببرود أكثر احترافا من برودها: يا حليلش يا بنت عمي شكلش ما عرفتي صالح من هو.. تبين تلاعبيني.. زين نلعب.. ولا يهمش تدرين؟؟ تجديد حلو للروتين.. ليش لأ؟! ******************************** " يالله يأبيك أنا طالع للمطار.. توصلني؟!" علي بحزن أخفاه خلف ابتسامته الصافية: أكيد بأوصلك.. ولو إنه ما شبعت من شوفتك.. توك واصل اليوم صلاة الفجر زايد بحنان حازم يشبهه تماما: يأبيك وراي أشغال واجد.. وعندي بكرة الصبح اجتماع في باريس.. وماسك منصور عند مزون.. أبي أخلص شغلي وأرجع الدوحة ثم أردف بحزم وهو ينظر لكسّاب: كسّاب يأبيك لا تنسى تاكيد حجزي من باريس للدوحة تراني معتمد عليك ماقلت لسكرتيري شيء.. كساب كان يقوم بحركات الضغط اليومية والتي يستحيل أن يفوتها ولكن الغريب أنه لا يستند على يديه الاثنتين كالعادة بل يستند في كل مرة على يد واحدة واليد الأخرى خلف ظهره ثم يناوب بين اليدين بحركة محترفة لا تخاذل فيها حركة تحتاج مع تكرارها كما يفعل هو لقوة هائلة في عضلات الذراعين.. حين سمع والده يحادثه توقف وهو ينهض ليقبل رأس والده ويهتف باحترام: إن شاء الله تم.. لا توصي حريص.. ابتسم زايد وهمس بخبث: ما خلصنا حكي يأبيك .. إذا رجعنا الدوحة كملناه بادله كساب الابتسامة وهو يقبل رأسه: خلنا من ذا السالفة جعلني فدا خشمك والله مالي فيها.. ولا عمرها بتكون حل لشيء ****************************** "وش تكتبين يأبيش؟!" مزون التفتت لعمها الذي جلس جوارها على الكنبة وهي تضم ركبتيها وتضع عليهما ملفا تكتب فيه همست بمودة واحترام: تقرير عن رحلتي اليوم.. عشان أستفيد منه في رحلة بكرة حينها عقد منصور حاجبيه بحزم: ما قلنا إن حن خلصنا من ذا السالفة.. مزون برجاء: فديت قلبك يا عمي كسّاب وأبي وخالتي جايين بكرة.. وأنا قلت لك أبي كسّاب يدري إني طرت.. لكني مستعدة أخلي كل شيء عشانه وبعدين يا عمي.. هي نفس رحلة اليوم ونفس الوقت.. رحلة قصيرة لابوظبي منصور بحزم بالغ: أنا واحد ما أحب ألف ولا أدور.. وذا الحال مهوب عاجبني.. بكرة تكون أخر رحلة.. خلاص يأبيش ما طال مسخ بكرة بأكلم كسّاب.. رضى وإلا عنه ما رضى بالطقاق.. أنتي خلي ذا الشغلة ذا الحين ...وهو بيرضى غصبا عن خشمه.. ****************************** "ادخل ياللي عند الباب" همسها الهادى ردا على طرقات هادئة على الباب فُتح الباب ودخلت كاسرة يسبقها ألقها الخاص والدائم الأشبه بسحر عصي على التفسير هتفت بحزم: ممكن خمس دقايق من وقتش؟؟ وضحى تنهدت: تكفين كاسرة إذا عشان موضوع عبدالرحمن.. قلت لش عادني أفكر.. مافيه داعي تسوين علي ذا الحصار كاسرة بذات الحزم: وليش تسمينه حصار.. ليش ما تسمينه خوف على مصلحتش؟! وضحى بتردد: لا حصار.. تبين تشوشين أفكاري.. عشان أوافق على كل شيء تقولينه كاسرة باستغراب مغلف بالثقة: خليتيها خطة عسكرية.. أشوش أفكارش.. وأسوي حصار.. ليش ذا كله؟! وضحى بذات التردد: لأنه أنتي تدرين إني ماني بمقتنعة بعبدالرحمن.. وأنتي غصب تبين تقنعيني من حقي أفكر.. وإلا حتى حق التفكير مستكثرته علي؟!! حينها اقتربت كاسرة منها.. لتنكمش وضحى قليلا كعادتها.. بينما شدت كاسرة قامتها وهتفت بثقة: اسمعيني ياوضحى.. أنتي عارفة عدل إنه ما همني من ذا الموضوع كله إلا مصلحتش.. عبدالرحمن رجّال نادر.. وأنتي كنتي أول وآخر حد خطبه.. يعني أنتي الأساس.. ما يكفيش ذا الشيء؟! لا تصيرين غبية.. وترفضينه.. لا فات الفوت ما ينفع الصوت.. حينها همست وضحى بسخرية: ولد عمتش هذا ما عنده كرامة يمكن أرفضه اليوم يرجع بعد شهر يخطبش أو يخطبني ماعنده مشكلة كاسرة بغضب: وضحى عيب عليش.. حينها همست وضحى بضيق: لي أنا عيب.. لكن أنتي من حقش ترفضينه وتسبينه لي أنا رجّال ما ينرفض.. لكن لش أنتي ما يناسب تصوارتش العالية تكفين كاسرة.. فكي عني مرة وحدة.. خليني أقرر مصيري بروحي ****************************** " وين بناتش العلل لا بارك الله فيهم من بنات؟ " ربما وصل صراخه مجرة أخرى تبعد ملايين السنوات الضوئية أم عبدالرحمن همست بخفوت متردد: يأبو عبدالرحمن الله يهداك.. صياحك سمعوه قصرانا.. البنات في غرفهم.. آمرني.. وش تبي؟؟ مازال يصرخ: ليش ما منهم فود؟؟ كله منش.. خلي اشعيع الكلبة تجي.. دواها عندي أم عبدالرحمن ابتلعت ريقها (يارب أرسل عبدالرحمن .. يارب أرسل عبدالرحمن قدام يسوي في البنية شيء) همست أم عبدالرحمن بضعف: شعاع في غرفتها تدرس.. آمرني أنا بأسوي اللي تبي... أبو عبدالرحمن يصرخ بغضب مرعب لا مبرر له: وش عقبه؟؟ بنتش شينة الحلايا اتصلت فيها وقلت لها تعشي طيوري الصبي اللي عندها اليوم ماخذ أجازة اليوم.. جيت عينتها ما عشتها.. لا وقال تدرس في غرفتها.. خلني أوريها الدراسة أشلون أم عبدالرحمن برجاء عميق: تكفى يافاضل.. شعاع وش عرفها بعشا الطيور.. كان قلت لي أنا.. خلاص سامحها ذا المرة.. أبو عبدالرحمن مازال صراخه يتعالى: وليه هي ما قالت لش......اشعيع..يا اشعيع.. تعالي شعاع اللي كانت ترتجف في الأعلى في حضن جوزاء وهي تسمع صوت والدها يناديها كانت تشهق في حضن جوزاء: ياويلي بيذبحني عشان طيوره والله إني حاولت أعشيها.. بس خفت منها.. يمه شكلها يروع.. جوزاء تحتضنها وتهتف بخوف مشابه: كان قلتي لي الله يهداش وانا عشيتها.. الحين لا يسوي في أمي شيء.. من زمان ما شفته معصب كذا حينها قفزت شعاع وهي تهتف بجزع: يا ويلي على أمي.. خلاص أنا بأنزل له يضربني ولا يضرب أمي.. ثم أردفت بالم استسلام موجع وهي تشجع نفسها: كف والا كفين ما تذبح حد.. جوزاء حاولت التمسك بها: اقعدي يا بنت الحلال.. أمي تعرف له.. وبتهديه الحين لكن شعاع لم تستجب وهي تخرج لتنزل له رغم ارتجافها كورقة جافة: لا اليوم معصب بزود.. كل شي ولا يمد يده علي أمي.. كانت أم عبدالرحمن تحاول تهدئته.. بينما صراخه يتعالى: اشعيع.. اشعيع شعاع كانت تنزل الدرج بخطوات مترددة.. وهي تهتف بصوت مبحوح: لبيه يبه أنا جايه.. حينما رآها بدأ بالصراخ: كذا تعصيني لا بارك الله فيش من بنت.. وتخلين طيوري من غير عشا.. شعاع وصلت له وهي مستسلمة لمصيرها وصراخه عليها يتعالى لأنها نسيت طيوره الغالية كانت تهتف في داخلها (ماعليه أقلها إبي ما يسرف في الضرب.. كف وإلا كفين ويهدأ) وبالفعل كان أبو عبدالرحمن على وشك رفع يده ليصفعها لولا اليد الحانية التي أمسك يده ليقبلها وهو يهتف باحترام حنون: يبه الله يهداك روعت البزر.. مابه ما يستاهل.. بدل الصبي بأجيب لك اثنين لطيورك.. إن راح واحد الثاني موجود جوزاء كانت تطل عليهم من الأعلى وهي تحمد ربها أنها حين اتصلت بعبدالرحمن وأخبرته.. وجدته قريب من المنزل ليحضر فورا شعاع حين رأته انخرطت في بكاء حاد هستيري وهي ترتمي في حضنه.. وأعصابها المشدودة ومشاعرها الثائرة تستكين في حضنه لم تتوقع أن هناك ماقد ينقذها اليوم من والدها عبدالرحمن احتضنها بحنو وهو يهمس في أذنها بحنان مصفى: ماصار شيء يالدلوعة.. لحقنا عليش أبو عبدالرحمن هدأ تماما.. كالسحر غير المعقول.. من قمة الغضب لقمة الهدوء وهو يهتف بهدوء ودود: عاجبك سواتها يأبيك.. خلت الطيور إلى ذا الحزة بدون عشا.. كان قالت لأمها وإلا لجوزا.. عبدالرحمن عاود تناول كفه وتقبيلها وهو يهتف باحترام: امسحها في وجهي جعلني فداك.. بزر وماعرفت تصرف ثم أردف برجاء عميق: يبه تكفى طالبك.. ماعاد تضرب حد منهم يهون عليك تقهرني.. أنا إذا دريت إنك ضربتهم وأنا ما أنا بهنا.. أحس إني باموت من القهر.. يهون عليك تقهرني كذا حينها انتفض أبو عبدالرحمن بجزع: ماعاش من يقهرك.. ماعاش من يقهرك.. ******************************** صباح جديد.. منصور أوصل مزون لداخل المطار.. لتتوجه بخطوات سريعة لاستراحة الطيارين كانت خالية الذهن تماما بعد أن اتصلت بسهى وأطمئنت أنها هي وكابتن إيمي متواجدتان في الاستراحة ماعادت تشعر بأدنى رغبة للطيران.. ولكنها تجد نفسها مجبرة أن تمضي في الطريق حتى تحصل على رضا كسّاب رضاه الذي أصبح أمنيتها الوحيدة في الحياة الشيء الذي هي مستعدة أن تفعل أي شيء لتحصل عليه!! حين دخلت الاستراحة.. شهقت في داخلها بعنف.. كانت على وشك التراجع والهرب ولكنها دخلت بخطوات تمثيلية مسيطرة وواثقة وهي تحاول منع نفسها من توجيه نظرات كراهيتها العميقة لأحد الوجهين اللذين كانا آخر وجهين تتمنى رؤيتهما في حياتها كلها غـــــــانـــم ......... و مـــهــــاب كان كل غضبها الوقتي على غانم ينزاح أمام حقد تجمع لسنوات وسنوات لمهاب فغانم وإن كان جريئا معها.. فجرأته لم تتعدى رغبته أن يكون لطيفا ولكن هذا الكريه استخدم ضدها أبشع ألوان الإهانة والتحقير والتجريح.. مازالت كل كلماته الحقيرة تسكن ذاكرتها وتغذي كراهيتها المتزايدة له لا تعلم لماذا أحست فور دخولها.. أن شرارة توتر اشتعلت بين الرجلين وهما يتبادلان نظرات مجهولة.. شعرت كما لو كانت نظرات تحدي من مهاب.. ونظرات تهديد من غانم مزون تنهدت بعمق وهي تقرر أن تتجاهل الأثنين وتتوجه لتجلس بجوار سهى وإيمي بعد أن سلمت عليهما بعد مرور دقائق وقف مهاب.. ليتحفز غانم ويقفز بدوره وهو يتوجه ناحيته ويهمس قريبا من أذنه بحزم: امهاب لا تضحك العالم علينا.. ترا حن ماعدنا طلاب في الكلية.. غير كباتن وعيال جماعة.. وعيب في حقك وحقي نسوي فضيحة حينها ابتسم امهاب وهو يهتف بسخرية خافتة: ليه الواحد إذا جا بيروح الحمام يكون يسوي فضيحة يا كابتن غانم مهاب كان على وشك المغادرة ولكنه التفت لغانم وهو يهمس بذات السخرية الخافتة: شأخبار طقم سنونك؟؟ حينها رد عليه غانم بذات السخرية الخافتة: وأنت شأخبار كتفك المخلوع.. أظني إنه لحد الحين وهو يراجعك وجعه ********************************* وضحى تستعد للذهاب للجامعة فلديها امتحان اليوم كانت تعد أوراقها وتجهز نفسها حين دخل عليها تميم وبدون استئذان لأول مرة وضحى التفتت له باستغراب كان يحمل جهاز حاسوب بين يديه.. عرفت فور رؤيتها له جهاز من.. ويرتسم على وجهه علائم غضب عميق على غير عادته وضحى أشارت له باستغراب: تميم أشفيك؟؟ تميم وضع جهاز الحاسوب على طاولتها وهو يشير بغضب: هاش اخذي لابتوب رفيقتش لابارك الله في العدوين وضحى بذات الاستغراب: زين اشفيك معصب.. تميم كان يشير بعصبية بالغة: الحين رفيقتش ذي في أي كوكب عايشة.. حد يودي كمبيوتر للتصليح وهو مليان صورها وأساسا ليش تحط صورها على الكمبيوتر.. يعني ما تسمع عن البلاوي اللي تصير لو أنا مأنا باللي صلحت كمبيوترها واللي صلحه حد من اللي عندي في المحل وش كان مصير صورها؟؟ وضحى مازالت عاجزة عن الاستيعاب لتشير بعدها بصدمة: الصور أنت شفتها؟؟ تميم باستنكار: ليه أنتي شايفتني رخيص لذا الدرجة؟! لا طبعا ما شفت صورها..بس شفت إنه فيه ملف صور وأول مافتحته سكرته... وكنت ناوي أمسح ملف الصور كامل بس عقب قفلت الملف برقم سري... وهذا هو الرقم.. وقولي لها خلها تمسح صورها بنفسها الغبية.. وضحى تناولت حاسوب سميرة وهي تضعه في حقيبته المخصصة وغضبها يتزايد على سميرة على هذا التصرف غير المسؤول.. وهي تحمد ربها أن صور سميرة لم تتسرب بعد ساعتين.. وبعد انتهاء الاختبار.. وضحى ناولت سميرة جهازها وهي تهتف بخبث: تفضلي جهازش وتميم يقول لش صورش تلوع الكبد.. كان حطيتي صور أحسن من ذي حينها اتسعت عيني سميرة وجف ريقها: أي صور؟! وضحى ترقص حاجبيها: ملف صورش اللي اأنتي خابره.. واللي كنت أقول لش امسحيه.. وغلط تخلين لش أي صور على الكمبيوتر حينها شهقت سميرة بعنف وغامت عيناها: والله إني ساحبتهم على فلاش وعقب مسحتهم قبل أعطيش اللابتوب وضحى تبتسم: لو أنش مسحتيهم ماكان لقاهم.. الحين عقدتي أخي من جنس الحريم سميرة وبشكل مفاجئ بدأت تشهق بصوت خافت: يا فضيحتي.. يافضيحتي.. وضحى بجزع وضعت كفها فوق كفها: أمزح معش يالخبلة.. من جدش.. كنش ما تعرفين تميم.. يستحي من خياله.. أشلون يقلب في صورش يا شينه الحلايا حينها رفعت سميرة عيناها لها وهي تهمس بصوت مبحوح: أنتي يالخبلة صبيتي قلبي.. أخيش لقى صور في اللاب والا لا؟؟ وضحى تبتسم: لقى.. بس ماقلب فيهم.. وقفلهم برقم سري.. وهذا هو الرقم وتراه معصب عليش ويقول لش امسحي الصور.. قالتها وهي تناولها الرقم.. حينها ابتسمت سميرة: لا يكون هذا مهوب رقم سري وأخيش يرقمني.. ضحكت وضحى: الله يخلف على أمش.. وأشلون بيغازلش؟؟ سميرة تستعيد مرحها: مسجات يا قلبي.. أحلى شيء.. ولكن خاطرها عاد للتكدر فورا: وضحى أنتي متاكدة إنه ماشاف صوري وضحى بهدوء: اكيد متاكدة.. انا اضمن تميم أكثر ما أضمن نفسي.. ثم أردفت بابتسامة: ولو أنه عادي نخليه يشوفها .. خبرش يبي يتزوج.. يمكن تعجبينه سميرة تضحك: دنا أعجب الباشا البغاشة.. لو إن أخيش مهوب يبي وحدة سايلنت وإلا والله ما افكه من يدي.. موت ذا التميم موت.. وضحى تضحك: خبرش عتيق.. تميم غير الموجة.. يقول يبي وحدة أعلى فوليوم أوامر أم امهاب... حينها عقدت سميرة حاجبيها: من جدش؟؟ وضحى تبتسم: إيه والله.. والحين أمي شغالة تدور له عروس.. حينها همست سميرة بمرح: صدق خوية مامنها فايدة... طول عمري أقول (جحا أولى بلحم ثوره) .. يأختي خويتش أولى من غيرها يامال العافية تدورن بعيد وأنا قدام عينش جعلها البط.. وضحى بغضب: سميرة أنتي أكثر وحدة عارفة إني ما أحب حد يحط تميم موضوع مسخرة.. سكري الموضوع لا أزعل عليش.. سميرة مازالت تبتسم: ومن قال أتمسخر.. أنا أتكلم من جد جدي بعد... وضحى بغضب متزايد: سميرة لو سمحتي.. سميرة مازالت تتكلم بذات النبرة الباسمة المرحة ولا أحد يعلم ما الذي يدور خلف هذا المرح من أفكار مصيرية: أنتي يالخبلة لا تعصبين علي...أنا أتكلم من جدي.. رشحيني لأمش... ويا ويلش وياسواد ليلش أشم ريحة خبر إنش معلمة إني اللي قايلة رشحيني حافظي على برستيجي... وقولي إن الاقتراح من عندش ****************************** "يا قلبي ياعلي.. والله إنه حزين يوم خليناه" كساب يفك حزامه بعد نزولهم مطار شارل ديغول في باريس ويهتف بحزم: خلاص خالتي تعود على كذا ثم أردف بذات الحزم: خالتي الطيارة بتنتظر بس 40 دقيقة.. أنا بانزل أشوف أبي وبارجع أنا وياه عفراء بمودة: براحتك يامك.. كسّاب نزل بينما عفراء فتحت مصحفها واستغرقت في التلاوة بصوت شديد الانخفاض.. بعد حوالي عشر دقائق بدأ الركاب بصعود الطائرة عفراء وضعت مصحفها في الجيب امامها لأنها لا تريد أن يشغلها شيء عن القراءة.. والطائرة بدأت تصبح مزعجة مع ركوب الركاب بعد دقائق صعدت فتاة منقبة بجوارها شاب لطيف المحيا.. فورا شعرت عفراء نحوهم بحنان أمومي شفاف.. ظنت أنهما عريسان جديدان وتمنت أن ترى أبنائها كلهم مثلهما وأسعدها احتشام الفتاة بهذا الشكل وهي تصعد من باريس.. يبدو وكأن هذه العفراء لا تعرف من المشاعر في العالم سوى مشاعر الأمومة منذ شبابها المبكر وهي أم فقط.. ثم مدرسة لم تعرف كيف هي مشاعر الأنثى الأخرى لم تختبر مشاعر الأنثى.. لا غيرتها.. لا لهفتها.. لا رغبتها في أن تسيطر على قلب شريكها في الحياة أم فقط مستعدة للعطاء حتى اللحظة الأخيرة...!! الشابان جلسا... بينما الفتاة تهمس بمرح: وش عندك مدلعني ذا المرة.. فيرست كلاس مرة واحدة عقب ماكسرت جنوبي بالإيكونومي حينها ابتسم الشاب بشفافية: ومن قال أدلعش.. وجه دلع أنتي... أنا كنت حاجز على الايكونومي وواجد على خشتش بس أبيش مايهون عليه يالدلوعة.. فشلني.. حجز وأرسل لي الحجز... الاميرة والبودي جارد حقها الشابة همست بمودة عميقة: فديت قلب خلودي .. جعلني ما أذوق حزنه ثم أردفت بابتسامة: وترا واجد عليك بودي جارد حقي... احمد ربك الشاب يضحك: يا ملا الماحي.. أكبر منش وخالش جعل أمحق خال... الفتاة تضحك بصوت منخفض: وخير يا طير خالي.. وترا الفرق بيننا سنة وحدة بس الشاب يبتسم وهو في ابتسامته يستعيد مأساة حياته: ذليتونا بذا الصغر أنتي وأمش وخالاتش.. ما يسوى علينا.. تدرين خلاص فكة من وجهش.. بأخذفش في بيت هلش وثلاث شهور حتى تلفون ما ابي أسمع صوتش الشابة بضيق: نايف من جدك ما تبي تجي عندنا.. والله البيت فاضي.. حتى نجلاء مرت صالح زعلانة في بيت أهلها تعال مع هزاع وإلا فهد... حتى لو تبي غرفتي عطيتك إياها نايف بضيق مشابه ولكن أكثر عمقا: خلاص يالغالية ماطال مسخ... تعبت وأنا أتنقل بين بيوت خواتي... أبي أفتح بيت أبي...رجّال صار عمري 25 ولحد الحين خواتي يتناتفوني بينهم ويتهادون علي كني بزر... يعني هو ذنبي إن إبي وأمي جابوني على كبر عقب سبع بنات.. وعقبه ماتوا تربيت في بيت كل وحدة شوي.. وكل وحدة منهم تقول ابي ريحة أمي وأبي عندي.. ماصدقت أخلص ثانوية عشان أطفش منهم وأعتمد على نفسي شوي ثم أردف بابتسامة: بس ماصدقت أرتاح سنة إلا أنتي لاحقتني مثل القضا المستعجل الشابة تبتسم: إيه أنا قضا مستعجل.. ماصدقت تشوفني عشان تقط علي الغسيل والطبخ... زين أنت واحد صار لك على قولتك سنة معتمد على روحك وشو له تقط روحك علي... نايف بضيق جديد: هذا أنتي باقي لش فصل واحد وتخليني.. الشابة بلطف: وأنت الفصل اللي عقبه بتخلص.. وبعدين ماشاء الله أنت بترجع بماجستير وإلا أنا بس بكالوريوس نايف بهدوء: أنتي اللي اخترتي ذا التخصص الصعب.. ست سنين صار لش فيه الشابة تبتسم بهدوء: هندسة جينية مهوب لعب ياخالو... كان الحوار مستمر بينهم كعادتهما... لا يمكن أن يتوقف الحوار بينهما مطلقا دخل كساب ووالده للطائرة.. نايف عرفهما ووقف وتوجه لهما حتى لا يسلم قريبا من ابنة أخته.. ثم عاد وجلس جوارها بينما هي توسعت عينيها وهي تهتف بتساؤل: من ذولا ياخالي.. نايف بهدوء: زايد آل كساب.. وولده كسّاب.. حينها أمسكت الشابة معصمه وهي تهتف برجاء مرح: تكفى ياخالي.. أنا عاوزة من ده على قولت سميرة بنت عمي.. نايف باستغراب: وش ده يالخبلة.. والله ماحد مخبل فيش إلا بنت عمش الخبلة اللي طول اليوم قاعدة أنتي وياها تهذرون أستغرب وحدة عبقرية دراسة مثلش وخبلة كذا.. ابتسمت لمجرد الطاري وهمست (بعيارة) : فديتها سميرة.. لولا أني خايفة إن اختك ورجالها يزعلون وإلا كان أصلا رحت أسلم على سميرة أول شيء نايف يبتسم: أمحق بنت.. جعل ما تغدين بنتي.. أبو صالح قلبه تقطع عليش.. وأنتي تبين تسلمين على شينة الحلايا قدامه.. تبتسم وهي تردف بنبرة من سيخبر سرا: أنت داري بغلات خلودي عندي.. مانبيك وسيط.. وخلنا ذا الحين في ده.. أكيد إنه كسّاب مهوب أبيه.. يالله قم قل له الشيخة عالية بنت خالد آل ليث.. تسبغ عليك الشرف الرفيع ومستعدة تضحي بروحها وتأخذك حينها قرص نايف ذراعها وهو يهتف بغيظ مرح: خذوا روحش قولي آمين أنتي مافي وجهش سحا.. وجهش مغسول بمرق عالية تمسح مكان القرصة وتهمس بمرح: حرام عليك خالي قطعت لحمي.. عيب القبص للنسوان.. وبعدين بنت أختك صار عمرها 24 ..عنست ياخالي أبي أضمن مستقبلي بتقوم تقول له.. وإلا ترا بأقوم الحين وبأمر جنب كرسيه.. وأسوي مثل الأفلام وأطيح في حضنه.. وعقب أقول تراني ماني بقايمة من حضنك إلا على سنة الله ورسوله... وعاد شوف فشيلتك ذاك الوقت.. نايف بذات الغيظ المرح فهو اعتاد على مزاحها الثقيل: سويها عشان أرجعش لأختي أم صالح نصين.. رأسش في كرتون وباقيش في كرتون.. عالية تضحك: سوفاج يانويف سوفاج.. نايف يبتسم: لو أنه قد جاتش علوم السوفاج ماكان مديتي لسانش ذا الطول عند خالش.. عالية تبتسم: بس جد خالي مهوب يهوس.. من أي كوكب جاي.. مستحيل تكون أنت وياه من نفس الكوكب حتى نايف بسخرية: والله ما شفت فيه زود على باقي مخاليق ربي.. عالية (بعيارة): علي يا نايف.. أنا حافظتك.. أنتو يا الشباب إذا شفتوا الرجّال الهيبة المعضل.. مثلنا يالبنات إذا شفنا البنت الحلوة الغيرة تعمل حيرة الله يكفي شرها... حينها ابتسم نايف: يكشف حالش.. كاشفتني ما أقدر أدس عليش ثم التفت لكساب وهو يكمل (بعيارة): بصراحة مابعد شفت تركيب مثالي كذا.. تدرين إني مرة قد دزيت عليه أخيش فهيدان يسأله وشو مسوي.. بأموت خاطري أعضل.. على أساس معرفة فهيدان له أحسن ودايم يقابله في مجلس عمه منصور فهيدان قال لي إنه كساب ذا مهوب من اللي يحبون يأخذون ويعطون في الكلام واجد لكنه متأكد إنها رياضة لأنه مرة راح معه هو ومنصور للنادي.. يقول هم عقب ساعة تمارين عنيفة تعبوا.. وهو كمل ساعة عقبهم بعد.. ول عليه وش ذا الطاقة اللي عنده.. ما ألوم ذا العضلات طلعت.. هد حيلها لين نفصت... عالية تبتسم وهو تهتف بجزع مصطنع: إلا انت اللي ول عليك تبي تبطح رجّالي عين.. حينها عاود نايف قرصها وبشكل أقوى.. شعرت حينها أن لحمها خرج بين أصابعه.. والألم يتفجر في عضدها مكان قرصته وهو يهتف لها بغضب كاسح مكتوم: الظاهر عطيتش وجه أكثر من اللازم.. وحتى لو حن ربع وأنتي أعز علي من روحي.. مهوب كل سالفة بايخة من سوالف البنات تقولينها عندي احشمي إني خالش ياقليلة الحيا.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس عشر " أنتي الحين من جدش زعلانة؟!! صار لنا خمس ساعات من يوم طلعنا من باريس.. حتى كلمة وحدة ما رديتي علي" لم ترد عليه وهي تعتصم بصمت عميق.. والألم لا يبارح عضدها مكان قرصته الموجعة وكرامتها لم تسمح لها حتى أن تسأل المضيفات عن لاصق طبي أو مسكن للألم هتف نايف بتصميم غاضب: والله ثم والله لما تردين علي ذا الحين.. إني ماعاد أكلمش عمري كله.. حينها التفتت له بتصميم وهي ترد بحزم وجدية بالغين..تبدو كما لو كانت خلقت بهما ولهما.. وكأن من تتحدث الآن بهذه الجدية المحترفة ليست هي نفسها أبدا من كانت تتفجر مرحا ساخرا قبل ساعات قلائل: نعم خالي آمرني.. وحينها ابتسم نايف: أفا حبيبت خالها زعلانة.. زين وقرصناش قرصة صغنونة.. واعتذرنا عقبها... وأنتي أساسا الله يهداش اللي طلعتيني من طوري قلتي لي كلام ما ينقال.. عالية بذات التصميم والجدية الطبيعين غير المصطنعين إطلاقا: خالي أعتقد إن مزحي مهوب غريب عليك.. لكن الغريب إنك تمد يدك علي بذا الطريقة بس خلاص ولا يهمك حرمنا نمزح مع جنابك إذا هذي أخرتها نايف برجاء حنون: علوي.. تدرين ما تهونين علي.. لا يصير قلبش أسود.. تدرين إني ما أحبش تقلبين على ذا الموجة القشرا.. لا لبستي وجه الجد ذا أحس إني قاعد مع جدتي.. فكيها الله يفكها عليش عالية بذات نبرتها الجدية: تدري زين إن قلبي مهوب أسود... بس كل شيء ولا أن حد يدوس لي على طرف نايف بعتب: وأنا أي حد.. نايف خالش وصديقش وحتى ولدش.. الأم تزعل ولدها؟!! عالية همست بضيق عميق وهي تدير وجهها لتسند رأسها لزجاج النافذة الصغيرة: تكفى خالي خلاص... مزاجي متعكر.. صمت نايف بضيق أعمق.. فارتباطه بهذه الفتاة هو الإرتباط الأقوى في حياته.. فليس له أم ولا أب..فقط سبع شقيقات .. وإن كان يحبهن كثيرا.. إلا أنه يتضايق من معاملتهن له كطفل.. وهن يخنقنه باهتمامهن.. يشعر في طيف كل واحدة منهن طيف أمه.. فأصغرهن تكبره بـ14 عاما.. ورغم محبته العميقة لهن.. إلا أن علاقته بعالية مختلفة.. عالية يشعر أنها أخته وابنته وأمه وصديقته فعلا.. ست سنوات وهما ملتصقان معا في الغربة.. كلاهما ينتمي للآخر كلاهما يعرف عن تفاصيل حياة الآخر أدق التفاصيل.. يكاد يقسم أنه حفظ درووس الهندسة الجينية من كثرة ما تناقشا في الموضوع وهي تكاد تتلو كل موضوعات وقضايا قانون النزاعات الدولية.. تخصصه في البكالوريوس ثم الماجستير كلاهما يعرف مايحبه الآخر وما يكرهه.. يكملان جمل بعضهما وهما يتحدثان.. وحتى في وقت فراغهما يخرجان معا.. يتناولان طعامهما في مطعم ما.. يتفرجان على المتاحف.. يتسوقان وكل منهما يأخذ رأي الآخر فيما سيشتريه ليس لأي منهما في هذه الغربة صديق بمعنى الصديق سواهما.. فكل واحد منهما اكتفى بوجود الآخر عن أي صديق أو صحبة كلاهما... أصبح للآخر وطنا في غربته!! فكيف بعد ذلك كله يعودان وهي غاضبة منه بهذه الصورة..؟!! ************************** في الطائرة كسّاب يجلس بجوار خالته... وزايد يجلس على مقعد لوحده والمقعد المجاور له فارغ.. في بعض الأحيان إن لم يكن كسّاب مستغرقا في القراءة فهو ينتقل ليجلس بجوار والده ويتبادل معه بعض الأحاديث من باب الذوق.. وحتى لا يتملل والده من هذه الرحلة الطويلة زايد يسأل كسّاب وهو يسترخي في مقعده: شأخبار المجمع اللي شركتك تسويه لشركتي؟؟ كسّاب بنبرة عملية تماما.. فالعمل عمل: ماشي على المخطط تمام.. وبنسلمه لكم في الموعد اللي بيننا في العقد وبنفس المواصفات.. حينها ابتسم زايد: كفو.. مهوب أول مرة نجرب شغلكم حينها هتف كسّاب بمباشرة عملية صريحة: زين ودام شغلنا عاجبكم.. يا ليت يكون فيه تعاون أكبر.. وتعطينا مشروعكم الجديد.. مشروع المجمع الكبير اللي تبي تسويه على البحر.. زايد بذات نبرته العملية: لا يأبيك.. المشروع ذا بمواصفات عالمية وبتنفذه شركة عالمية.. كسّاب بهدوء عملي: وأنا مستعد أسويه لك بالمواصفات العالمية اللي تبيها وبسعر أقل.. وبيزنس إز بيزنس.. وأظني مهوب أول مرة تجربون شغلنا على قولتك ثم أردف بسخرية واثقة: أنتو حتى ما جربتو شغلنا لين ثبتنا رجلنا في السوق.. وصار لنا سمعتنا.. قبل ما تتكرم بالتعامل معنا زايد برفض قاطع: قلت لك خلاص المشروع هذا بتنفذه شركة عالمية هز كسّاب كتفيه بثقة: مثل ما تبي.. الله يهنيك بالشركة العالمية اللي بتأخذ منك دبل السعر على الفاضي زايد بحزم: يأبيك أنا ماني بولد أمس.. تجي تعلمني شغلي.. كانا في حوارهما الذي بدا أنه سيتجه للتحفز..حين دخل عليهما كابتن الطائرة.. بعد أن ترك مهمة القيادة لمساعده وللطيار الآلي زايد حين رآه أشرق وجهه وهو يقف ويسلم عليه بحرارة: أشلونك يأبيك؟؟ وأشلون عمي جابر واشلون تميم؟؟ مهاب باحترام متزايد: طيبين طاب حالك... توني انتبه لقائمة اسماء الركاب وانتبهت لاسمك أنت وكسّاب.. ثم التفت لكسّاب وهو يسلم عليه بحرارة أيضا قد يكون مهاب يحمل في داخله غضبا عميقا على هذه العائلة التي سمحت لابنتها أن تتصرف هذا التصرف.. وتتخصص هذا التخصص الذي لا يليق بأي فتاة.. فكيف بفتاة في مكانة أسرتها ووضعها الاجتماعي القبلي المتحفظ؟!! ولكنه في داخله لا يستطيع أن يحمل ضغينة على زايد.. فهو يحمل لهذا الرجل احترام عميق غذاه جده جابر فيه.. فور انتهاءه من السلامات.. انتبه أيضا لنايف... ليسلم عليه هو أيضا.. ثم يعود لقمرة القيادة حينما عاود زايد وكسّاب الجلوس.. همس زايد بعمق شفاف مختلف وكأنه يحادث نفسه: تدري يا أبيك إن أمنية حياتي إني أناسب ذا الصبي.. بس خلاص.. لا عاد العمر ولا المكانة تساعد.. وشكل ذا الأمنية بتقعد حسرة في قلبي.. حينها عقد كسّاب حاجبيه وهو يهتف بجزع عفوي: بسم الله عليك من الحسرة.. ثم تنحنح وهو ينتبه لشفافية عبارته العفوية ثم أردف باستغراب: تبي حد من خواته؟؟ حينها ابتسم زايد: خواته؟؟ ليه وش شايفني عشان أخذ بنت من سن بنتي.. كسّاب بذات الاستغراب: أنت اللي تقول.. زايد هز كتفيه بثقة: خلك من اللي أنا أقول.. حكي شيبان ماعليك منه.. كسّاب عاد لمقعده بجوار خالته.. وتفكيره مشغول بما قاله والده.. لأول مرة يسمع والده يتكلم عن رغبة مدفونة بالزواج مع أنه هو شخصيا وقبل غضبه من مزون قبل أربع سنوات كان يلح عليه أن يتزوج.. ولكنه كان يرفض... وليست مجرد رغبة.. بل أن يقول أنها أمنية.. وحسرة بقيت في قلبه.. فمن تكون هذه اللي استطاعت أن تفعل هذا بقلب زايد؟! أي امرأة هذه التي بقيت أمنية في قلب رجل لا يعرف المستحيل ولا يعرف التراجع أو التزحزح أو الضعف؟! ودائما منطق الرجال عن المشاعر مختلف.. فالشاب يتقبل مشاعر والده بانفتاح وقد يستمع حتى لغراميات والده قبل أن يتزوج والدته المهم ألا يصل الضيم لأمه.. فكيف لو كانت الأم متوفية؟! حينها سيكون تقبله لمشاعر والده أكثر انفتاحا بكثير "ولكن ليتك تعلم يا كسّاب أن الضيم غير المقصود قد وصل لأمك فعلا!!" بعد صمت دقائق ..هتف كسّاب بهدوء: خالتي عفراء كانت غارقة في أفكار حزنها الخاص المتجسد في روحها بكل الحدة.. وصغيرتها جميلة تحتل كل الذاكرة وتستشري في كل الشرايين بوجع.. وهي تشعر بفراغ مر يجتاحها.. وكأن مكان قلبها هوة هائلة خالية تكاد تسقط في سوداويتها وفراغها انتفضت من أفكارها لترد عليه بحنان: لبيه كسّاب بذات الهدوء: لبيتي في مكة.. خالتي تعرفين امهاب بن فيصل آل يحيا؟؟ عفراء بنبرة اعتيادية: أعرفه بالأسم.. هو اللي جا وسلم عليكم قبل شوي..؟ كسّاب لا يعرف بالتحديد ما الذي يهدف له من هذا الحوار.. ولكن هاهو يكتشف ويتسلى حتى موعد النزول: إيه هو..بس أنا أقصد تعرفين هله؟؟ عفراء بذات الطبيعية: إيه أعرفهم.. عرب أجواد وفيهم خير.. كسّاب هتف بنبرة ماعاد يُعرف ماخلفها: امهاب عنده خالة أو مرة كبيرة عمر شوي تقرب له..؟؟ حينها ابتسمت عفراء وهي تهمس باستغراب: صراحة أسئلتك غريبة.. بس لا ماعنده خالات.. أمه كانت وحيدة أبيها إيه وتراهم كانوا قصارى جدك علي الله يبيح منه في بيتهم القديم..أظني إنك تدري.. لا يعلم حينها كيف قفزت الفكرة بباله وتجسدت بشكل كامل وواضح وحقيقي.. فهو ذكي.. ووالده أعطاه المفتاح.. وخالته أكملت الصورة (جارة قديمة إذن!!) ابتسامة مرحة خبيثة ترتسم على شفتيه:أدري إنهم كانوا جيران بس نسيت.. إلا خالتي.. أمه حلوة؟؟ حينها وضعت عفراء يدها على فمها.. لأنها خافت أن يتعالى صوت ضحكاتها.. منذ وقت طويل لم تشعر بهذه الرغبة في الضحك: لا تكون تبي تخطب أمه؟؟ حينها ضحك كسّاب: يمكن.. ليش لا.. خليني أدري حلوة وإلا لا... ابتسمت عفراء: دايم أشوفها ببرقعها.. بس إيه باين عليها حلوة... وماشاء الله عادها شباب.. وهي أساسا مهيب كبيرة واجد يا الله توكل على الله اخطب.. دام البنات ماعجبوك.. كود يعجبونك العجايز.. ثم أردفت بابتسامة: مع إنه عندها بنت تطيح الطير من السما..ليتك تنوي بس كسّاب يبتسم: أنتو عندكم كل خفسه تطيح الطير من السما.. ابتسمت عفراء: مشكور قد ذا رأيك في ذوقي.. خلاص لا تسألني.. كسّاب بخبث: الحين أنا سألتش عن البنت؟؟.. أنتي اللي تبرعتي.. أنا سألت عن الأم وبس.. عفراء تدعي الزعل وتهمس بنبرة غاضبة لطيفة: خلاص لا تكلمني.. ماعندك ذوق.. كسّاب بمودة عميقة مرحة: فديت الزعلانين.. يا الله علميني عن أخت امهاب.. يمكن اقتنع ذا المرة.. عفراء مازالت مستمرة بغضبها المصطنع: خلاص روح ماني بقايلة لك شيء.. خلك في العجوز..قدرك لتتنهد بعدها.. وابتسامتها تنطفئ تماما.. تماما كم هو مؤلم إدعاء المرح ورسم الابتسامة أو حتى مجرد الشعور الوقتي بها لتنهار سريعا تحت أطنان من وجع متراكم..لا ينزاح ولا ينتهي.. وجع بات هو ما يلون روحها ويرسم مساراتها ويشكل أفكارها " ألا أستطيع أن أعقد معك يا هذا الحزن معاهدة ما؟؟ إن كنت غير قابل للانزياح أو التقلص.. فلتحتفظ بموقعك وحجمك لماذا تصر على التوسع والتضاعف والازدياد في مساحات امتلئت حتى فاضت أين أذهب ياحزن بكل هذا الحزن الفائض من جنباتي؟!! ماعاد لكِ في روحي بقية من مكان خال.. يا لك من ضيف لئيم.. كلما أفسحت لكِ مكانا.. طالبتني بالمزيد والمزيد من الأمكنة فمن أين اتيك بأمكنة بعد أن صادرت كل الأمكنة والساحات؟!! " *********************************** "أنتي تراش حولتيني.. في بطنش علم.. اقعدي واهرجي" وضحى غصت بترددها: صح يمه أنتي تدورين عروس لتميم الحين؟؟ مزنة بهدوء: صح.. وأنتي عارفة.. فليش المقدمة..؟؟ وضحى بذات التردد: امممممممم... زين يمه.. ممكن أنا أرشح وحدة.. مزنة بذات هدوءها الحازم المعتاد: أكيد يمكن.. وخلصيني وضحى.. ليش ذا المقدمات كلها يأمش.. تعرفيني ما أحب ذا الطريقة وضحى قالت في استعجال وكأنها تلقي قنبلة: زين وشرايش في سميرة؟؟ مزنة قطبت حاجبيها: أي سميرة؟؟ وضحى تبتلع ريقها: يمه.. سميرة.. فيه حد غيرها يعني؟؟ مزنة بذات تقطيبة الحاجبين: سميرة بنت راشد؟؟ يأمش ما ظنتي يوافقون.. مهوب قصور في ولدي.. بس سميرة عندها عيال عمها اثنين عزابية مستحيل يخلون وحدة مثل سميرة تروح عليهم.. والا لو علي أنا ماني ملاقية حد أحسن منها.. أخلاق وأدب وزين.. وضحى بذات التردد: يمه ما تضر المحاولة.. أحس ماعندها مانع.. لو تبين كلمتها.. وجسيت نبضها.. مزنة تنهرها بحزم: البنات ما يتدخلون في ذا السوالف.. أنا بأكلم أم غانم بيني وبينها.. مع إني بعد ماظنتي إنهم يوافقون.. بجس نبضهم...عشان ما أحرج تميم.. والله لا يعيون ويدري هو.. إن قد يأخذها حجة.. ويقول شفتي هذا اللي تحكي وتسمع ماتبيني **************************** "بشريني عنج اليوم؟؟ إن شاء الله أحسن؟؟؟" جميلة همست بغيظ وضعف: وأنت وش عليك مني.. من البارحة مخليني.. وجاي الحين عقب صلاة الظهر تسأل عني.. كان قعدت زيادة بعد هذي وصات أمي لك ما تخليني..؟! خليفة لم يبدو عليه التأثر مطلقا لما قالته..وهو يقرب مقعده ليجلس قريبا منها ويهتف بتصميم: البارحة أنتي اللي طردتيني.. لو أنتي ناسية يا بنت العم واليوم رقعة سني طاحت .. ورحت أدور دكتور يرقع لي السن من يديد.. وتوني ياي من عند الدكتور ثم أردف بابتسامة: شكلج اشتقتي لي.. يا الله اعترفي.. جميلة بغيظ: يا برودك يأخي.. وش أشتاق له.. خليفة بهدوء باسم: لي طبعا.. ترا مافيها شيء تعترفين.. لأني أنا بعد تولهت عليج.. جميلة أشاحت بوجهها: مشكلتك ما تعرف تكذب.. وأنا ما أحب الكذب أنا ما اشتقت لك.. ولا أبيك تشتاق لي ..مشكور بس أنا الحين مسؤوليتك.. ودامك متورط فيني.. غصب عنك تقابلني طول اليوم.. ولو أنت تعبت من مقابلي.. كلم أمي خلها تجيني.. والوجه من الوجه أبيض حينها ابتسم خليفة وهو يسترخي على مقعده: ليه احنا كنا نلعب.. أجابلج 24 ساعة لو تبين.. مين عندي غيرج أجابله يعني؟!! ثم رفع كتاب في يده: ممكن أقرأ وإلا بيضايقج أنشغل عنج بكتاب؟؟ جميلة هزت كتفيها بيأس وثورتها تخفت بلا مقدمات: عادي اقرأ.. ما تفرق عندي بعد دقائق صمت استغرق فيها خليفة في القراءة.. همست جميلة كأنها تكلم نفسها: تدري إن كسّاب مجنون قرايه.. مع إن شخصيته ما توحي بكذا أبد عنده مكتبة وش كبر.. ودايم لو ماعنده شغل تلقاه يقرأ.. مستحيل يضيع وقته حتى في شوفت التلفزيون حتى ضيق عميق تصاعد في روح خليفة وأحاط بها... أ يجب أن تجد لها دائما سببا لتذكر أحد ابني خالتها؟!! أ يجب أن تعقد مقارنة لا تنتهي بين كل ما يفعله وبين ما كانوا يفعلونه؟! ألا تحترم قليلا هذا الحائط المسمى زوجها ؟!! أ تهزأ به؟؟ أم تختبر صبره؟؟ أم تستهين برجولته؟!! كلها مؤلمة.. مــؤلــمــة فأي ألم هو هذا؟!! ******************************* الطائرة تهبط والركاب ينزلون.. وكل يتجه لغايته ومكانه... قلوب شتى.. وغايات تنتظر من يصلها!! . . عائلة زايد وجدوا منصور في انتظارهم.. سلام مفعم بالمودة بين منصور وشقيقه وابن شقيقه بينما عفراء تأخرت وشعور حرج عميق يعود لها وهي ترى منصور وتتذكر مكالمتها الأخيرة له (يارب ما يكون كسّاب يبينا نروح معه) منصور كان يريد أن يقول لعفراء (الحمد لله على السلامة) ويسألها عن ابنتها.. من باب الذوق.. ولكنها كانت تقف بعيدا لذا بعد انتهاء السلامات.. هتف بحزم: يالله سيارتي في المواقف.. كسّاب بهدوء حازم: توكل أنت وأخيك الله يحفظكم.. أنا ينتظرني واحد من سواقين الشركة بسيارتي.. عفراء حين رأتهما يغادران بينما كسّاب يعود لها ويهتف لها (يالله سيارتي في المواقف) تنفست الصعداء وهو تحمد الله الذي استجاب دعاءها في سيارة منصور.. الحوار يُفتح بين الشقيقين.. زايد بمودة يسأل منصور: مزون شأخبارها؟؟ منصور بحزم: طيبة وتراها إن شاء الله ماعاد هي بطايرة عقب المرتين اللي طارتهم فشغل لنا علاقاتك وشوف لها عمل مكتبي زين يناسبها ويناسبنا... حينها هتف زايد بغضب: ليه أنت وش أنت قايل لها؟؟ زايد بحزم أشد: ما قلت لها شيء... لعبة وخلصت منها... خل البنت تعقل.. ولا تقوي رأسها... كفاية اللي صار زايد صمت لأن هذا الموضوع لا يناقش على عجالة.. وهو لابد أن يرى ابنته قبلا بينما منصور تنهد ثم هتف بهدوء حازم: وأنت بشرني من علي.. أشلونه؟؟ زايد بمودة عميقة: طيب ويسلم عليك.. ابتسم منصور: ارتاح قلبك...؟؟ ابتسم زايد: مرتاح إن شاء الله ...عقبال ما يريح كسّاب بالي بعد ثم أردف برجاء أقرب للأمر: منصور يأخيك.. حاكه.. نشف ريقي.. أنا أدري إنه يسمع منك أكثر ما يسمع مني منصور بابتسامة: عادك تبي تزوجه بنت مزنة..؟ زايد هتف بغضب مفاجئ: أظني اسمها أم امهاب وإلا بنت جابر هذا أولا.. وبعدين البنت بنت ناصر.. مهيب بنت مزنة.. منصور بابتسامة ونبرة شديدة المباشرة: زايد لا تلف وتدور علي... وخير يا طير إنها بنت ناصر.. أنت أصلا ما همك من السالفة إلا إنها بنت مزنة عشان كذا تبي تلزقها في الصبي.. كود يرتاح قلبك لا شفت ريحة مزنة عندك في البيت رغم أن زايد لم يشرح مطلقا لمنصور أسبابه.. ولكنه كان يعلم أنه يعلم.. وأنه يفهمه بدون شرح.. لذا لا داعي للف والدوران كما يقول ولذا هتف زايد بذات نبرة شقيقه المباشرة: زين وبغيت بنتها لولدي... هل أنا أجرمت؟؟... البنت مابه مثل زينها وشخصيتها.. ياحظه اللي بيضويها!! منصور بحزم: بس كسّاب مهوب من حقه يعرف أسبابك.. زايد بحزم أشد: لا طبعا مهوب من حقه... سالفة وانتهت من سنين.. وشو له نقلب فيها.. يعني حتى ذا الخدمة الصغيرة مستكثر تقدمها لي.. وش طلبت أنا منك؟؟ ترى كل السالفة كلمتين تقولها لكسّاب منصور بحزم: زايد لا تهاجمني عشان تطلعني غلطان.. أنت عارف إني سبق وكلمت كسّاب.. وأنت عارف إن كسّاب آخر واحد ممكن الواحد يقنعه بشيء هو ما يبي يقتنع فيه زايد بلهجة أقرب للأمر: زين حاول.. عشان خاطر أخيك.. وإلا حتى أخيك الكبير ماله خاطر.. منصور تنهد: خاطرك على الرأس والعين.. أبشر ..بأحاول فيه.. ثم ابتسم وهو يردف: ولو تبي أعطيه كفين عشان يوافق ولا يهمك..المهم ما تزعل علينا يأبو كسّاب حينها ابتسم زايد: لا كفين ما نبيها.. وش بيفكك أنت وولد أخيك لا تكافختوا.. ثم تنهد وهو يهتف بعمق: ما أكذب عليك يامنصور.. وأنت الوحيد اللي عارف السالفة.. بأموت بحسرتي لو على الأقل البنت ماحصلت لولدي.. مهوب كفاية أمها ماحصلت لي.. كل سنة تمر وأنا أحاول أقنع كسّاب يتزوج وهو ما يرضى.. البنت خطاطيبها واجد.. وخايف تروح منه.. ووالله إني ما أبي له إلا الزين.. حينها ابتسم منصور: زين يا ابن الحلال خلاص ارجع اخطب الرأس الكبيرة حينها ضحك زايد: من جدك؟؟ ماحصلتي لي وهي صغيرة.. تحصل لي وعيالها رياجيل.. من الرجّال اللي فيه خير اللي يرضى إن أمه تعرس؟؟ حينها ضحك منصور: خاطري أشوف وجه امهاب لا درى إن أمه لها عشاق.. مهوب بعيد يصلبك على باب المطار.. حينها هتف زايد بغضب: ماعاش ولا كان اللي يصلبني.. وعيب عليك يا منصور ذا الهرجة.. احشم ام الرجّال.. ابتسم منصور: يا شينك لا عصبت وقلبت جد... نمزح يا ابن الحلال نمزح.. ************************************* كانت في غرفة أبنائها.. ترتب ملابسهم.. وترى إن كانوا في حاجة لملابس جديدة للسفر.. تنتفض بعنف ورنين هاتفها ينتزعها من خضم إنشغالها.. كم أصبحت تخشى رنات هذا الهاتف.. خشية للصوت القادم عبر أثيره!! لا تعلم ما الذي يدور في رأسه الآن... فهو من بعد مكالمتها له بالأمس.. لم يعاود الإتصال بها.. تنهدت (يعني لازم إنه أي حد بيرن بيكون صالح!! خلني أشوف من) ألتقطت الهاتف.. كان هو.. وهل هناك سواه..؟! (الله يصلحش ياسميرة حد يسمع نصيحة من خبلة.. الشرهة علي مهيب عليها.. وإلا هي فاسخة من يومها الحين وش عاد بيفكني منه؟! ) ردت بتردد: هلا أبو خالد وصلها صوته حازما قاطعا ودون تحية حتى: أنا تحت.. انزلي جيبي لي جوازاتكم عشان أسوي الفيزة نجلاء بذات التردد: بأخلي خالد يجيبها لك.. وصلها صوته أكثر حزما: أنا قلت أنتي انزلي وجيبيها ثم أردف بسخرية: عقب أسبوعين بنسافر سوا.. تعودي من الحين تشوفيني وبعدين فيه موضوع مهم نبي نتكلم فيه نجلاء أخذت جوزات السفر ونزلت له بخطوات مترددة... وجدت والدتها في الصالة.. كانت مها على قدميها.. وصالح الصغير يحبو قريبا منها هتفت لنجلاء بحنان: نجلا يأمش أبو خالد هنا صار له شويه وأنا قلت له ينتزرش في مجلس الحريم... روحي له.. الله يهدي سرش يا بنتي.. أبو خالد رجال مافيش منو وشاريش يا بنتي.. ما ترفسيش النعمة تنهدت نجلاء بعمق وهي تقبل رأس والدتها للتوجه بعد ذلك لمجلس الحريم بخطوات مترددة وتهتف داخلها بوجع (توصيني عليه يمه؟!! ليتش بس تدرين وشو مسوي!!) دخلت بخطواتها المترددة ذاتها (والله إني ماني بكفو... وش أبي بذا السالفة كلها؟!) كانت على وشك إغلاق الباب لكنها تذكرت وهي تفتحه على مصراعيه وتتوجه حيث يجلس صالح صالح وقف وتجاوزها ليغلق هو الباب ويهتف بحزم: ترا أمش في الصالة.. إذا المتوحش الهمجي بغى يسوي فيش شيء.. صيحي وبتسمعش.. نجلاء ابتلعت ريقها وجلست.. في وجوده يستعصي عليها التفكير المنطقي تشعر كما لو كان هناك سحرا يتسربل به.. يبعثر صفوفها حين يحضر.. ليعيد ترتيب هذه الصفوف كما يشاء هو تختلس النظرات له.. لِـمَ يبدو اليوم أكثر وسامة من المعتاد؟!! أكثر قربا!! أكثر بعدا!! أكثر ألما!! موجعا أكثر!! وفاتنا أكثر!! وأكثر سحرا من كل يوم!! كان صالح أول من تكلم وهو يهتف بسخرية حازمة: فيني شيء متغير.. لا يكون طالع في رأسي نخلة وأنتي قاعدة تمقلين فيها نجلاء ابتلعت ريقها الجاف (هذا من أولها جاي شال سيفه كذا الله يعين من تاليها) كان مازال واقفا لم يجلس.. لذا وقفت وهي تناوله الجوزات وتهتف بحزم مصطنع: تفضل الجوازات.. واسمحي لي أروح وراي أشغال.. قالتها وهي بالفعل تهم بالمغادرة.. ولكنه تناول الجوازات.. وأمسك بمعصمها وشدها قريبا منه وهو يهتف من قرب بنبرة دافئة: وين بتروحين؟؟ أنا قايل لش أبيش في موضوع نجلاء انتزعت معصمها منه وهتفت بحزم: نعم.. آمر صالح بشبح ابتسامة: خوفتيني.. نجلاء بذات الحزم المصطنع الذي تخشى بشدة أن ينهار: مافيه داعي تمسخر علي... قلت لك آمر.. صالح جلس وهو يهتف بهدوء حازم متلاعب: بما أنه بنسافر قريب.. هل تشوفين إنها حلوة في حقي أو حتى حقش.. قعدتش في بيت هلش خلاص ارجعي لبيتش... حينها هتفت نجلاء حزم حقيقي غير مصطنع: آسفة.. بنسافر من هنا... وعقب بارجع هنا.. رفع صالح حاجبا: وعقب وش بنقول لأهلنا؟؟ نجلاء بسخرية: قول تزاعلنا في السفر... عادي.. تحصل في أحسن العائلات حينها وقف صالح وهو يهتف بسخرية مشابهة: ليش لا.. مثل ما تبين أم خلودي ولو تبين أحجز لش فندق غير الفندق اللي بانزل فيه ترا عادي .. المهم تكونين مرتاحة قال كلمة "مرتاحة" وهو يمرر ظاهر سبابته على خدها.. نجلاء أبعدت وجهها عن مدى يده وهتفت بذات السخرية: اقتراح حلو.. وأكيد باكون مرتاحة صالح هز كتفيه بثقة ساخرة وهو يتناول الجوزات ويستعد للخروج: تدرين نجلا.. الحوار معش بصراحة ممتع.. ويونس.. بس لازم أروح.. عالية ونايف على وصول.. ****************************** يقف.. يجلس.. يمشي.. يعود وعيناه لا تفارقان الساعة : "كنهم تأخروا؟!" أم صالح بابتسامة دافئة: وين تأخروا؟؟ الطيارة توها نازلة مالها إلا ساعة.. وفهد في المطار من زمان.. أكيد على وصول ذا الحين كم هو مشتاق!! وكم هو قلق!! مصلوب بين مشاعر تشويه على صفيح ساخن!! صغيرته المدللة.. أكملت عامها السادس بعيدا عنه كم يخشى عليها من تلك البلاد البعيدة.. أن تلتهمها كما التهمت شقيقها قبلها أن تعود الحسرة في قلبه حسرتين قبل ست سنوات... طالبة شديدة التفوق.. بمعدل مرتفع جدا ساندها عبدالله في حقها أن تدرس تخصصها الذي تريد.. بشخصيته القوية استطاع اقناع والده.. كان يعرف تماما كيف يقنعه.. كان يستطيع التسلل بينه وبين جلده وكم كان قريبا من قلبه وعقله.. كان يراه أقرب للكمال المتجاوز لحدود البشر فلماذا خذله هكذا؟!! لماذا ؟!! كان خالد من المستحيل أن يوافق أن تتركه صغيرته وتبتعد عن ناظريه.. ولكن عبدالله استطاع اقناعه ببراعة ومنذ وفاة عبدالله وقلقه عليها يتزايد... يخشى أن يفجع يوما بخبر عنها.. كما فُجع بخبر عبدالله ويا لها من فجيعة.. يا لها من فجيعة!!! وكأن تلك البلاد لن تهديه إلا اللعنات!! كان يطل عبر النافذة وأفكاره تبحر به إلى البعيد القريب... لتتسع إبتسامته وهو يرى سيارة فهد تتوقف في الباحة ثم يرى خيالها الضئيل تنزل ثم كأنها تركض لتتجه للداخل فتح الباب قبل أن تدخل.. كانت تنزع نقابها.. وتدخل لتجده يقف أمامها.. كانت نظرة واحدة لهيبته.. للسنوات التي باتت ترتسم على تجاعيده بوضوح.. وكأنه يكتسب سنوات خلال أشهر نظرة للحنان المتدفق من عينيه.. للشوق الذي ماعاد قادرا على كبح جماحه للهفة التي أضنت ثناياه وجعا وبعدا لترتمي في حضنه وهي تشهق شهقات متقطعة!! خالد فجع.. فُجع تماما... وهو يشدها ليدفنها بين ضلوعه فعالية يستحيل أن تبكي... لطالما كانت قوية.. صلبة.. مثله!! هي لا تعلم ما الذي أبكاها.. هل هو منظر الضعف البادي على محيا والدها.. ولحيته التي باتت بنصاعة الثلج؟؟ هل هو إحساسها بالغبن من نايف الذي يمد يده عليها للمرة الأولى؟؟ هل هو اشتياقها لدفء أحضانه وعبق رائحته؟!! لا تعلم... ما تعلمه أنها تريد أن تبكي في حضنه.. وان يحتضنها هو أكثر وأكثر!! صالح وصل خلفهم تماما وهاهو يهتف بحنان: شكلش ما تبين تسلمين على حد غير أبيش.. الأخ الكبير ماله سلام!! نايف كان متأثرا بشدة وهو يرى عالية تبكي بهذه الصورة.. تمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه إن كان هو سبب بكائها أو حزنها لم ينتبه لأي شيء حوله سوى المخلوقة الصغيرة التي اختبئت في ثنايا الرجل العظيم ولا تريد إفلاته ولا يريد إفلاتها تمنى أن يشدها ناحيته يهمس في عمق أذنها: "أنا نايف ياعالية.. نايف.. الخال والأخ والصديق سمير الليالي.. ورفيق الأيام.. وكاتم الأسرار أ تغضبين من نايف؟؟ أناشدك ألا اكون أنا سبب بكائكِ أو حزنكِ لا تكوني هشة هكذا كالفتيات.. لم أعتد منكِ على هذا اعتدت أنكِ رجل لا أقلق وأنا أعلم أنه يسندني وخلفي.. لا يتخاذل ولا يضعف ولا يتهاون.. فهل يبكي الرجّال؟؟ هل يبكون؟؟ " ****************************** " يمه الحقيني.. الحقيني يمه.. يمه.." صرخاتها الجزعة تتعالى.. لتقفز مزنة التي كانت ترتب ملابس تميم في غرفته القريبة من غرفة كاسرة .. فلم يسبق أن سمعت كاسرة تصرخ هكذا ركضت ناحية غرفتها وجزعها يتصاعد ويتصاعد رغم أن الصراخ توقف فتحت الباب بحدة لتجد كاسرة تجلس على سريرها.. وهي تضم يديها لصدرها وعرق غزير يتصبب على جبينها مزنة جلست جوارها وهي تحتضنها وتقرأ عليها آيات من القرآن.. بينما كاسرة كانت صامتة وترتعش في حضن والدتها التي كانت تهمس لها بحنان: أنتي كنتي راقدة يأمش؟؟.. النوم ذا الحزة مهوب زين.. ماعاد باقي شيء على صلاة المغرب.. كاسرة بصوت مبحوح وهي تفلت والدتها وتجمع شعرها المتناثر وترجعه خلفها: كنت مصدعة وخذت حبتين بنادول وماحسيت بنفسي يوم نمت.. وإلا أنتي تعرفيني ما أحب أنام ذا الحزة.. مزنة تمسح العرق عن جبينها وتهمس لها برقة: وش فيش؟؟ كاسرة تتناول يد والدتها من جبينها وتحتضنها بين كفيها: مافيني شيء فديتش مزنة بحنان قلق: أشلون مافيش شيء وانتي كنت تصيحين.. الحقيني يمه كاسرة بحرج: أنا أصيح..؟؟ مزنة باستغراب: إيه أنتي.. أنتي كنتي تحلمين؟؟ كاسرة بذات الحرج: حلم مهوب زين.. بس ما توقعت إني كنت أصيح بصوت مسموع.. مزنة بهدوء عميق: يأمش إذا تحلمتي بشيء مهوب زين.. تعوذي بالله من الشيطان الرجيم واتفلي عن يسارش.. ولا تعلمين به أحد ومابه إلا الزين يأمش.. كاسرة تضم يديها لصدرها وكأنها تحاول تهدئة أنفاسها المتسارعة وتهمس لنفسها قبل أن تكون تهمس لأمها: مابه إلا الزين.. مابه إلا الزين إن شاء الله.. ضغطت على جانبي رأسها وعلى وجهها ترتسم علامات تعب ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: يمه بلغتي أم الرجّال اللي كان جاي يخطب بردي... مزنة بحزم رغم ضيقها: بلغتها.. الله يفرجها عليش يا بنتي.. ويهديش.. ويبعد عنش عيون الناس.. ******************************** " ها أمرني... مكلمني وتقول تعال.. موضوع مهم" عبدالرحمن بمودة باسمة: يالله يدك على المهر.. وتعطيني مثله لأني كنت الوسيط حينها ابتسم مهاب: وافقت..؟؟ عبدالرحمن رفع حاجبه وهتف بابتسامة: وافقت.... وابيها وافق بعد... أنا كلمته نيابة عنك... وقلت له إنك خطبت مني وأنت عارف إبي.. شيء أقوله.. ما يرادني فيه... اتسعت ابتسامة مهاب وهو يهتف بود موغل في العمق: جعلني ما أخلى منك يوم... ويومي قبل يومك يابو فاضل.. انتفض عبدالرحمن بجزع حقيقي: تف من ثمك... أمحق طاري.. ثم أردف بابتسامة: أنا وانت في يوم واحد... ثم أردف بعمق شفاف وهو يتذكر: مهوب كفاية يوم بغيت تخليني قبل 7 سنين.. والله ماعاد أسمح لك بغيرها مهاب بعمق مشابه ومودة مصفاة: وحد سوى سواتك يا الخبل.. حتى دراستك الماجستير وقتها وقفتها.. وجيت وعسكرت عندي عبدالرحمن بذات العمق: من جدك تبيني اقعد في بريطانيا وانت في غيبوبة في الدوحة.. ثم زفر عبدالرحمن بحرارة: الله لا يعيدها أيام... وش أبغي بذا الطاري.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. ثم نفض رأسه وهو يقول: خلنا فيك وفي موضوعك.. حينها ابتسم مهاب وهو يهتف بهدوء: يعني لو بغيت أتملك.. تملكوني؟؟ كان عبدالرحمن على وشك أن يقول (خل ملكتنا في يوم واحد) ولكنه تراجع فوضحى لم ترد.. ولا يريد أن يربط مهابا وجوزاء به فربما ترفضه وضحى... وهذا مابات يشعر به.. لذا فلينهِ موضوع مهاب.. قبل أن تحرجه وضحى برفضها لذا هتف عبدالرحمن بهدوء حازم: بكرة لو تبي.. لكن مهاب استدرك بحذر قلق: او يمكن أحسن ننتظر رد وضحى.. ونخلي ملكتنا وحدة عبدالرحمن بحزم: لا... تملك أنت أول... وضحى عندها امتحانات الحين... أحسن ما نشغلها بشيء.. مهاب تنهد في داخله براحة.. ثم هتف بحزم: خلاص ترخص عمي أبو عبدالرحمن.. إذا هو موافق.. بأجيب الشيخ بكرة عقب صلاة العصر لا يعلم أي إحساس يشعر به.. هل هو الراحة.. الوصول لمخططه ربما قد يكون مضى عليه أكثر من سنة وموضوع خطبة جوزاء في ذهنه ولكنه كان يشعر أنه غير مستعد للارتباط بعد تفكيره بجوزاء كان خليطا من العاطفة والعقل.. والعاطفة كانت أكثر بكثير لم تكن عاطفة الإعجاب أو الرغبة في جوزاء كأنثى بل هو وضع جوزاء ذاته.. جوزاء ذكرته بأمه.. وحسن بنفسه.. أمه تزوجت ناصر بعد والده.. كان شابا كانت هي الأولى في حياته ورغم أن ناصرا لم يفرق بينه وبين أولاده في المعاملة إلا أنه في داخله بقي يعاني احساس يتم عميق إحساس يتمنى أن ينقذ حسنا منه يريد أن يكون له والدا.. وأن يحبه أكثر حتى من أولاده الذين سينجبهم لن يسمح أن يشعر هذا الملاك بالمرارة التي شعر بها في طفولته وأخوته يتقلبون في حضن والدهم بينما هو يرفض حتى مجرد الاقتراب حتى لو ناداه ناصر.. لم يرد مشاعر شفقة لا يشعر بها زوج والدته حقيقة.. يريد أن يجنب حسن كل ذلك.. فقلبه مثقل بالحب له قبل أن يصبح زوج أمه حتى.. الحب الذي تمنى هو أن يجده واستعصى عليه ومن ناحية أخرى.. سيكون عبدالرحمن خالا لأبناءه.. ونعم الخال والمنسب!! الأمنية الغالية الثمينة التي يبدو أنه سيكون عاجزا عن إهداء عبدالرحمن مثلها فمهاب يشعر أن رفض وضحى قادم.. لذا يريد أن يرتبط بعبدالرحمن قبل أن تحدث هذه الكارثة ***************************** يدور في شقته بيأس.. وحدة.. وألم متزايد قبل ساعات كانت تضج بالحياة والناس والاحتواء والآن باردة.. يلفها صقيع لا حدود لتجمده يخشى أن يمتد هذا التجمد يوما لقلبه الدافئ إحساسه بالغربة يتزايد... فحتى متى هذا الهروب؟!! حتى متى؟!! "بدك ئهوة يا ابني؟!!" صوته الحنون انتزع علي من أفكاره التفتت علي بضيق للعم حمزة.. الشيخ التركي القادم من أنطاكيا في لواء الأسكندرونة حيث يتحدثون العربية بلكنة شامية..وكثير من السكان من السوريين.. وهتف بضيق عميق: القهوة ياعم حمزة توسع خاطر الضايق؟؟ هتف العم حمزة بعمق: لا يا ابني.. ما بتعمل شي.. المتدايئ بيوكل امرو لأ الله.. علي بإيمان عميق: حسبي الله ونعم الوكيل.. عليه توكلت وإليه أنيب اللهم أني أسألك التفريج من عندك ثم أردف وهو يتجه بالداخل: أنا بأتوضأ وأقرأ بعض وردي.. لين صلاة العشا كود يستاسع خاطري شوي.. وأنت تبي تروح مكان.. براحتك العم حمزة يعود لداخل المطبخ وهو يهتف بحنان: وين بدي روح واتركك بهالليلة اللي عمري ما شفتك متدايئ ئدها.. ئاعد جوا يا ابني.. بس بدك تنزل للمسجد ئلي تا ننزل سوا.. ******************************* " يا الله ياخالتي ما تتخيلين وش كثر اشتقت لش.. كنش غايبة عني سنة!! " عفراء بابتسامة حنونة: يا النصابة.. ترا ما كملت ثلاث أيام حتى.. مزون تحتضن عضدها وتهتف بمودة عميقة : عندي كنها سنة.. بشريني من جميلة.. أشلونها يوم خليتيها؟؟ تصلب حينها جسد عفراء.. وشعرت مزون بذلك... رفعت مزون رأسها عن عضد عفراء وهمست بقلق: جميلة فيها شيء؟؟ عفراء تنهدت بعمق: هي ما فيها إن شاء الله شيء.. أنا اللي فيني خايفة عليها.. وخايفة حتى على رجالها.. ما ظنتي إنه بيستحملها وما كان ودي أخليها.. بس الدكتورة قالت أحسن أخليها!! مزون بنبرة مطمنة: إن شاء الله إنها بخير.. وهذا التلفون بيننا وبينها.. لو حسيتي إنها متضايقة هي أو رجّالها روحي لهم عفراء بضيق تحاول إخفائه: ماعليه يأمش ماعليه... قولي لي أنت وش سويتي في رحلتش يا كابتن.. حينها انتقل الضيق العميق لمزون: زينة خالتي.. ماشي حالها عفراء باستغراب: ماشي حالها بس..؟؟ مزون هزت كتفيها: وش أقول لش بعد... ماشي حالها عفراء بذات الاستغراب: بصراحة توقعت إحساس أقوى شوي غير "ماشي حالها" ذي.. ماشي حالها تقولينها لو سألتش أشلون روحتش البايخة للسوق.. أشلون وحدة ما تهضمينها.. هذاك الوقت قولي ماشي حالها مزون بضيق عميق: خالتي تكفين لا تزودينها علي وش تبين أقول لش... مهما كان إحساس الطيران خيالي وممتع ويحسسش إنش فوق العالم والناس يبقى إحساس مهما كانت عظمته ما يساوي زعل كسّاب ولا هروب علي.. حسيت يا خالتي كأن كل فرحتي انسحبت مني.. لأني حسيت إنه شيء ما يسوى.. مثل ياخالتي لو أنتي مشتهية مصاصة.. لولي بوب.. تخيلي..ومشتهيتها من قلب!!! حاسة حياتش واقفة على أنش تذوقين طعم ذا المصاصة!! ثم يقولون لش بنعطيش المصاصة بس أنتي خلينا نستأصل كل مجسات التذوق في لسانش وأنتي ياخالتي وافقتي...وشالوا إحساس التذوق من لسانش.. يالله ذوقي المصاصة.. طعمها حلو؟؟ حسيتي فيها؟؟ عقب ارجعي تبين تعيشين حياتش.. تشربين قهوتش.. تأكلين قطعة شكولاته... (حاسة في طعمهم؟؟ حاسة بحلاوتهم؟؟ أو مرارتهم؟!!) العبي على نفسش وقولي يمي لذيذ.. وإلا اندبي حظش وقولي الصدق إنه كل شيء في الدنيا ماعاد له طعم.. وأنتي اللي جنيتي على نفسش عشان مصاصة.. ******************************* "ليش متوترة كذا؟!" جوزاء بتوتر عميق: يعني ما تشوفين إن ذا السرعة تجيب التوتر.. ملكتي بكرة.. شعاع تبتسم: ماعقب الموافقة إلا الملكة..وبعدين جوزا حتى يوم ملكتش من عبدالله هذا اللي صار.. أول ماوصلتهم الموافقة تملكتوا على طول وبعدين يا بنت الحلال استغلي موافقة أهل حسون.. لا ترجع لهم الذاكرة ويوقفون في الموضوع جوزاء وقفت وهي تروح وتأتي.. ثم جلست بجوار ابنها النائم.. ومسحت على شعره بحنان مصفى: ظنش امهاب بيكون حنون مع حسن؟! شعاع مالت لتقبل خد الملاك النائم وهمست بحنان: حسن ماشاء الله الكل يحبه.. ومن شافه انفتح قلبه له وبعدين امهاب مجرب اليتم.. إن شاء الله إنه بيكون له خير أب.. جوزاء بضيق: بس تدرين شعاع.. تضايقت إن ابي ماجاء يكلمني في الموضوع.. ولا حتى قال خل امهاب يخطب مني أول يعني عشان عبدالرحمن قال له.. أنا مالي وزن ولا اهتمام.. شعاع بضيق أعمق بكثير: يا بنت الحلال احمدي ربش إنه ماعقد السالفة... الله يخلي لنا عبدالرحمن بس وإلا ابيش أصلا مادرى عنا إلا عشان يعصب علينا.. ويروح ********************************* " يا حيا الله عمي!!! " منصور بنفس نبرة كسّاب المرحبة: يا حيا الله ولد أخي... وش العلوم؟؟ كسّاب بهدوء واثق: العلوم تسرك إن شاء الله منصور بهدوء: وأنا بعد عندي علوم تسرك كسّاب بهدوء أقرب لعدم الاهتمام: بشر.. منصور بحزم: مزون بتخلي الطيران..... بس تبي رضاك.. حينها نظر كسّاب لعمه بنصف عين ولم يجبه.. منصور يعتدل بغضب صارم: إذا كلمتك ياولد.. تحط عينك في عيني وترد علي مثل الناس..قدام أسنعك سنع مهوب ذا كسّاب هتف بنبرة احترامه الملغوم التي يستخدمها بمهارة حين يريد: محشوم يا عمي محشوم ثم أردف بنبرة عدم اهتمام: وخير يا طير إن بنت أخيك تبي تخلي الطيران.. هذا شيء أنا متوقعه أصلا.. جربت وما عجبتها اللعبة.. وجايه الحين تبي رضاي ثم أردف بنبرة غاضبة موجوعة غير مهتمة مليئة بالمتناقضات: رضاي يا عمي كان قبل أربع سنين.. الحين خلاص... قل لها اللي انكسر ماعاد يتصلح منصور يعاود الاسترخاء في جلسته على (مركاه) ويهمس بثقة: مسيرك ترضى ياعمك.. وغصبا من ورا خشمك متعنطز على خلق الله... يا ولدي الظفر عمره ما يطلع من اللحم.. فتلاحق روحك... كسّاب يشعر بضيق أخفاه خلف حزم صوته: خلنا من ذا السالفة... قل لي وش علومك انت؟؟ منصور حينها عاود الاعتدال في جلسته وهو يهتف بنبرة مقصودة تماما: علومي إني أبي أزوجك.. كسّاب يبتسم: لا تكون تبي تخلي العسكرية وتشتغل خطّابة.. منصور ينظر لكسّاب من تحت أهدابه: الله لا يرفع قدر العدوين يا ولدي.. لو أني ضربتك على وجهك بفنجالي ذا.. كان ثمنت كلمتك كسّاب يعتدل ليقبل رأس عمه: أفا أفا.. ابو زايد عصب... السموحة.. السموحة.. منصور يخفي ابتسامته: ما رضيت ولا هو بحولي.. كسّاب يبتسم: عمي اخلص علي... ها وش اللي يرضيك.. منصور بحزم مباشر: تريح بال أبيك وتعرس.. كسّاب بذات الإبتسامة: أنا أبي أدري وش اللي بيريح أبي في عرسي.. منصور بمنطقية: يا ولدي ماعادك بصغير.. داخل على الثلاثين.. أنا يوم إني في عمرك كنت قدني متزوج مرتين.. كسّاب تغادره الابتسامة ليهتف بجدية: ياعمي مالي خلق على مره.. ألتزم فيها.. وتنشب في حلقي.. ليش تأخرت؟؟ وليش ما سويت؟؟ أنا واحد دمي حار.. بقعد كل يوم متمشكل معها يعني.. منصور بجدية مشابهة: زين وعشانك واحد حار.. تحرم على نفسك العرس.. يا كثر الرياجيل الحارين.. ماحد منهم فكر مثلك.. كسّاب بمباشرة: والله ياعمي ما شفت العرس سرك منصور بحزم: لا يأبيك.. لا تقارن نفسك فيني... وبعدين أنا جربت بدل المرة ثلاث..يحق لك أنت إنك تجرب وتشوف بنفسك ومهوب لازم إن اللي ينطبق علي ينطبق عليك وبعدين يا أبيك أنت عارف إن مرتي الثانية أنا كنت مستعد أكمل معها.. بس ما مشى حالنا.. وهذا نصيبي.. لكن أنت إن شاء الله بيكون نصيبك أحسن.. ريح بال أبيك وأنا عمك... فكر فيها زين كأجر وطاعة لأبيك.. ما يكفي إنك على طول منشف ريقه.. جرب يا ولدي نصيبك.. ما تدري.. يمكن تكون ذا المرة خيرة لك وعليك حينها تنهد بعمق وهو يهتف: أنا داري إن ابي يدرج لوحدة في رأسه الله أعلم ليش يبي يلزقها فيني.. خلني أعرف من هي أول قل لي من هي اللي ابي يبيها لي؟!! #أنفاس_قطر# بين الأمس واليوم/ الجزء السادس عشر كساب تنهد بعمق وهو يهتف لعمه منصور بنبرة مقصودة: أنا داري إن ابي يدرج لوحدة في رأسه الله أعلم ليش يبي يلزقها فيني.. خلني أعرف من هي أول قل لي من هي اللي ابي يبيها لي؟!! عمه منصور يجيبه بابتسامة: وليش تسميها لزقة؟؟ يمكن أنت اللي عقب تصير لزقة ثم أردف بصوت خافت: ذولا شكلهم لا لصقوا في قلب الواحد ما عاد يطلعون كسّاب باستفسار: عمي أنت تحاكي روحك... أقول لك من هي.. منصور بحزم: أخت امهاب آل يحيا... بنت ناصر آل سيف... حينها اتسعت ابتسامة كسّاب ليهمس بخبث شاسع: إلا ليش ما تقول بنت حبيبة القلب القديمة؟! عقد منصور حاجبيه باستغراب أقرب للغضب: وأنت وش عرفك؟! كسّاب بخبث: ياعمي واحد + واحد اثنين.. وأنا و إبي عيال سوق.. خلكم يا العساكر بعيد.. منصر يضغط على صدغه بأطراف أصابعه: تراني صدعت منك ومن أبيك قدامك يا عيال السوق.. خلصوني.. ماصار عرس ذا حينها وقف كسّاب وهتف بحزم: وعيال السوق يتفاهمون وجه لوجه..مايبون بينهم وسيط منصور وقف معه وهتف بحزم: أنا تعبان بأروح لبيتي.. وأنت تفاهم مع أبيك بكيفك.. نشفت ريقي . . بعد دقائق.. طرقات ترتفع على باب مكتب زايد في بيته حيث كان مشغولا بمراجعة بعض الأوراق هتف زايد بصوت مرتفع حازم: ادخل يا اللي عند الباب.. كسّاب دخل بخطوات واثقة هادئة ليجلس أمام والده ويهتف بحزم ومباشرة حادة: أنا موافق بس لي شروط.. زايد رفع عينيه عن الاوراق وهو يهتف باستغراب: موافق على ويش..؟ كسّاب بمباشرة صريحة: أتزوج اللي أنت تبي.. حينها تنهد زايد بعمق.. وهتف بحزم مباشر أكثر حدة: وشروطك..؟؟ كسّاب بنبرة عملية: مشروع المجمع الجديد تعطيه شركتي تنفذه.. زايد بنبرة عملية مشابهة: بس أنت عارف زين إن المشروع ذا بالذات كنت بأعطيه لشركة عالمية.. لأنه مواصفاته على أعلى مستوى كسّاب يتلبس دور العمل تماما: بيزنس إز بيزنس.. وأنا مستعد أسويه لك بالمواصفات اللي تبيها.. فليش الخساير وشركة تجيبها من برا وتقدر تخلي خبير شركتك العالمي اللي قاعد تعطيه راتب وش كثره على الفاضي يراقب المشروع خطوة خطوة بداية من الأساسات لو لقى أقل عيب ما يطابق المواصفات العالمية أنا مستعد أنسحب من المشروع وأخلي شركة ثانية تنفذه.. وأدفع الشرط الجزائي بعد ها وش قلت ؟؟.. زايد بحزم مباشر: بكرة أخلي المحامي يكتب العقد..ووالله ما أرحمك يا كسّاب لو غلطت في المشروع أقل غلطة.. سامعني؟؟ على أقل غلطة بأنتف ريشك ثم أردف بحزم أشد: وبكرة العصر نروح نخطب.. وتملك وتعرس في أسرع وقت ابتسامة متلاعبة واثقة ترتسم على وجه كسّاب: لو تبي الليلة ما عندي مانع.. ذات الابتسامة ترتسم على وجه زايد: لو أنك قد شفتها ما ألومك تستعجل بس الحين أنا بعد عندي شرط.. وظني المشروع يستاهل مشروع مثل ذا بينط بشركتك 100 خطوة قدام... كسّاب بمباشرة: آمر.. زايد بحزم: تسكنون عندي.. البيت كبير وما فيه الا أنا ومزون... أبي أشوف عيالك عندي كسّاب باستغراب: وبيتي اللي أنت بروحك مسويه لي جنب بيتك..؟؟ زايد بذات الحزم: البيوت ذي أنا سويتها لك أنت وخوانك من يوم بنيت بيتي للزمن.. مهوب عشان تسكنونها وتخلوني... كسّاب يسترخي على مقعده ويهتف بثقة: حاضر.. ما طلبت شيء.. ********************************** "علوي جات .. نبي نروح لهم بكرة.. ياني مشتاقة لها الدبة" كانت صرخات سميرة الفرحة تتصاعد.. بينما همست لها نجلاء بتردد: روحي لها أنتي وأمي.. وعقب اعزموها عندنا عشان أشوفها سميرة بغضب واستغراب: من جدش ما تبين تسلمين على عالية..؟؟ نجلاء بهدوء رقيق: لا تألفين على كيفش.. ما قلت ما أبي أسلم عليها.. بس ما أبي أروح هناك.. زيني أصدف صالح هناك وهو يقول لي اليوم ارجعي ..وأنا أقول لا ..وعقبه يشوفني ناطة عنده في البيت سميرة تبتسم: يا شين حساسيتكم يا النسوان... لله در جلود الأفيال اللي مثلي.. ما يأثر فيهم شيء ثم أردفت وهي تهمس بنبرتها السرية اللطيفة: نجلا وشرايش ترجعين.. يفتح صالح الباب.. تنطين في وجهه: سربرايز نجلاء بغضب: أنتي انطمي... الشرهة أصلا على اللي عاده بيسمع شور وحدة خبلة مثلش.. سميرة تضحك: الحين هذا جزاتي عقب المخططات الجهنمية اللي سويتها لش.. نجلاء بضيق: والله ما وداني في داهية إلا مخططاتش الجهنمية.. سميرة بابتسامة عذبة: شوفي أم خلودي.. زعلانة على صالح بكيفش أنتي وياه.. بس علوي بنت عمش قبل تكون أخت صالح وعيب عليش تهجرين بيت عمش... عشانش ما تبين تشوفين وجه صويلح.. ********************************** كان منصور قد وصل لبيته للتو.. يريد أن يتوضأ ليصلي قيامه وينام... فغدا عندهم عرض عسكري مبكر.. فاجأه رنين هاتفه.. التقطه ليتنهد وهو يرى اسم مزون يتلألأ على الشاشة "بنتي" هتف بحزم بدود: هلا يأبيش.. مزون بتردد: صحيتك من النوم..؟؟ منصور بابتسامة: لا.. ما بعد نمت أصلا.. قاعد بريحاتي أعد النجوم حينها اغتصبت ابتسامة: ما أتخيلك ياعمي تعد النجوم.. حينها ابتسم: إيه والله يأبيش.. زمان أول كانت أمي تقول اللي يعد النجوم "ينجم".. يعني تجيه خفة.. آمريني يالغالية.. همست بتردد مثقل بجوع الأمل: كلمت كسّاب؟؟ كان يتمنى أن يقول لها أنه لم يجد فرصة ليكلمه.. ولكنه ما اعتاد الكذب ولا تلوين الأشياء بلون ليس لونها لذا هتف بمباشرة: كلمته.. مزون ابتلعت ريقها ودقات قلبها تتصاعد بين الأمل واليأس: وش قال لك؟؟ منصور بهدوء صارم: يأبيش تعرفين كسّاب.. منتي بجاهلته.. بس مسيره يرضى.. صدقيني.. انطفأ الأمل في بريق صوتها وبقي اليأس ماثلا متعلقا على أهداب عينيها التي امتلئت بالدموع.. اختنقت بعبراتها..إن كان يصح تسمية الأشواك التي انغرزت في حنجرتها عبرات كانت تعلم ذلك... كانت تعلم.. لكنها حاولت أن تخدع نفسها بسراب أمل ماعاد له معنى هتفت بصوت مختنق حاولت اخراجه بصورة طبيعية: ما قصرت ياعمي.. جعلني ماخلا منك.. تصبح على خير زفر منصور بضيق عميق تلبس روحه الجامحة يعلم أنها كانت تغالب دموعها وتحاول إخفاء وجيعة صوتها عنه..الأمر الذي أثار ضيقه لأبعد حد ولكن هل باليد حيلة؟؟.. لو كان يعلم أن هناك طريقة قد تجبر كسّابا على أن يعلن رضاه عنها لم يكن ليتردد لحظة في تنفيذها!! *********************************** طالت السهرة.. ونايف بعد أن مر بشقيقاته كلهن قرر العودة لبيت إبي صالح ليبيت مع فهد في غرفته.. رغم أنه لم يفعلها سابقا فهو إن بات عندهم يبيت في المجلس الخارجي.. ولكن بما أن البيت خال من زوجة صالح فهو يستطيع الدخول لداخل البيت ولكن السبب الحقيقي أنه لن يستطيع أن ينام وعالية غاضبة منه.. " ياحيا الله خالي اللي أصغر مني" نايف يبتسم: يا حيا الله ولد أختي الشيبة اللي أكبر مني فهد بمودة مرحة: تو ما نورت حجرتنا.. نايف بمرح ونبرة مقصودة: وغرفتك الخايسة ذي متى بتنورها مدام مثل باقي مخاليق ربي.. فهد يضحك: صدق إن طينتك وطينة أختك أم صالح وحدة.. ما تستانسون لين تنكدون على الواحد بذا الطاري نايف يضحك مثله: والله ماشفتك متنكد من الطاري.. شدوقك بتطيح من الضحك.. والإبتسامة واصلة علباك.. فهد يبتسم: لأنه هذا اسمه شر البلية ما يضحك.. نايف بمرح مقهور: هذا وأنت ما يحن على راسك إلا أم صالح اللي دهينة على الكبود فديت عينها أجل لو أنك كل عطلة تجي للدوحة تبي ترتاح عند هلك تلاقي كل وحدة من خواتك السبع مجهزة لك لستة أسامي بنات وتنشب في حلقك إلا تبيك تعرس (وياويلك تعجبك اللي جابتها لك فلانة وما تعجبك اللي أنا جبتها لك... إيه عشانك تحب أختك فلانة أكثر مني تبي اختيارها) والمشكلة إني ما أبي اختيار حد منهم ولا أبي العرس كله.. لاعت كبدي من السالفة كله أقولهم ياناس تو الناس علي.. عادني حتى حياتي ما رتبتها.. خلوني لين أرجع الدوحة أستقر سنة سنتين.. بس عمك أصمخ... عندهم هواية نكد غير طبيعية.. والقضية كلها فرض سيطرة كل وحدة منهم تبي هي اللي تسيطر علي.. فهد كان يضحك حتى دمعت عيناه: ما أقولك شر البلية ما يضحك.. نايف بمرح: زين يابو شر البلية أنت.. قوم روح جيب عالية تسهر معنا الاخت ماخذه على خاطرها مني من يوم احنا في الطيارة وما أقدر أنام وهي زعلانة علي.. فهد يقف وهو يهتف بابتسامة: مشكلتك تعطي عالية وجه بزيادة صحيح عالية أختي الوحيدة وأموت عليها.. بس لا جيت للحق ما ينصبر عليها.. غثيثة.. ودلعها ماسخ.. وعقب ذا كله إذا زعلت وإلا جاتها حالة الجد.. وخر من طريقها لا تأكلك بقشورك.. نايف يضحك: صحيح إنك شخصت الحالة المرضية اللي عند أختك بدقة بس أنتو بعد ما تفهمونها عالية هذي حبيبة قلبي.. ماحد يفهمني مثلها ولا حد يفهمها مثلي.. فهد يضحك: الله يهني سعيد بسعيدة.. أنا باروح أجيبها.. بس لو طولتوا السهرة فوق رأسي بانام واخليكم بالطقاق نايف بمرح: أنت روح جيبها.. وأنا عارف إنك أول واحد بتقعد معنا لين الفجر فهد خرج وتوجه لغرفة عالية.. وعاد بعد دقيقة وهو يهز كتفيه: لقيتها نايمة.. غريبة مهوب عوايدها.. نايف حينها أنطفأ مرحه: أكيد عادها زعلانة علي.. فهد يخلع ثوبه ليتوجه للحمام: يا ابن الحلال ماعليك منها.. تتدلع عليك عشانك معطيها وجه الحين أنا بأجيك ونفلها سهرة لين نصلي الفجر إن شاء الله ****************************** اليوم التالي نار مفتوحة على كل الجبهات... . . . "من جدش فاتحة ألبوم صور عبدالله وتورينه حسن وملكتش اليوم؟!" هتاف شعاع الغاضب جوزاء رفعت عينيها الغائمتين لشعاع وهتفت بصوت مختنق: من لما قام الصبح.. من أول مافتح عينه.. وهو ماعنده إلا طلب واحد "أبي أشوف صورة بابا" حاولت ألهيه .. أتهرب منه.. بس جنني.. شعاع بضيق وهي تجلس جوارها بينما حسن يشد الألبوم على قدميه: الله يهداش من زمان وأنا أقول لش إنش تعلقين حسن بخيال ميت.. وش استفدتي الحين؟؟ الحين لازم تبدين تبعدين حسن عن الصور هذي.. بيبكي يومين .. وعقب بيسج... هذا بزر ما أسرع ما ينسى.. تنهدت جوزاء بعمق: يا بنت الحلال أنا مقررة كذا.. بس اليوم أنا عادني أرملة عبدالله مابعد صرت مرت امهاب... خلي حسن ينبسط بصور أبيه اليوم.. شعاع بضيق حذر: ياخوفي يا جوزا إنه أنتي اللي ما تبين تخلصين من صور عبدالله.. أصلا جيبتش للألبوم من بيته كانت غلط من أساسها... حينها همست جوزاء كأنها تكلم نفسها: تدرين شعاع.. إني حبيت صور عبدالله.. لأنها الشيء الوحيد اللي عاش معي وبقى لي منه بدون ما يرفضني.. شعاع بضيق: جوزا عيب عليش خلاص.. اليوم أنتي بتصيرين مرت رجّال.. جوزاء بعمق: ليه الإنسان آلة.. يقولون له طف مشاعرك.. ووجهها لوجهة جديدة لازم ينفذ بدون تفكير.. حسي فيني شعاع.. امهاب سالفته توها قبل أمس... لكن عبدالله مأساة صار لي فيها أربع سنين... أبي لي وقت لين أطلع منها.. وصدقيني أنا بأحاول.. ما فيه داعي تزودينها علي!! حينها ابتسمت شعاع وهي تحاول التخفيف عنها.. أو حتى تذكيرها بمساؤى عبدالله علها تقوي عزمها للنسيان: ودام إنه خلاص بنقلب صفحة عبدالله... فيه أشياء كان خاطري أسأل عنها.. بس استحي.. خليني الحين أشبع فضولي.. الحين أنتي قعدتي مع عبدالله شهرين.. وعقبه هو سافر في شغل.. وعقب شهر جاء خبر وفاته.. يعني خلال الشهرين ذولا نهائي ماعاملش زين أبد.. وخلال الشهر اللي سافر فيه اتصل فيش؟؟.. كلمش؟؟ تنهدت جوزاء وهي تنظر لصور عبدالله مع حسن المشغول بتقليب الصور.. أشارت لأحد الصور.. كان عبدالله يظهر فيها متحزما بثوبه.. وغترته ملفوفة على رأسه عمامة حمدانية وهو يسلخ له خروفا معلقا..وثوبه ملطخ بالدم.. كان يبتسم ويشير بيده ألا يصوروه.. همست بألم: هذي كانت أخر صورة له... صوره فهد قبل ما يسافر تقريبا بأسبوع.. كانوا في كشتة هو أبيه وأخوانه وعمه وولد عمه.. شوفي أشلون مليان حياة وابتسامته تطير العقل... معي كان يصير العكس تمام.. تحسينه مخلوق ميت والإبتسامة مايعرفها.. ماراح أكذب عليش واقول إنه عاملني معاملة شينة.. لأنه نهائي ماكان يتعامل معي.. يعني لو كان عصب علي مرة أو هزئني.. كان قلت إنه حاس بالمخلوقة اللي ساكنة معه.. لكن هو كان يدخل ويطلع مايقول لي شيء غير السلام عليكم وبس شهرين كاملة ما لمسني ولا قرب مني حتى.. وعقبه مرتين قبل سفره مباشرة استغربت.. قلت يمكن يكون هذا بشير خير إنه أبو الهول تحرك.. لكني تفاجأت فيه يسافر بدون حتى ما يقول لي كلمة.. يا الله يا شعاع .. تخيلي يرتب شنطته.. أسأله وين بتروح؟؟ ما رد علي بشيء.. بس طالعني وسكر شنطته وراح.. كان عليه الله يرحمه نظرة عيون سبحان من خلقها.. توديش في عالم ثاني.. حينها ابتسمت شعاع: جويزي ياختش.. لا أحد يروح يقارن في الشكل بين عبدالله وامهاب.. المهم زين الفعايل والوكاد إنه مثل امهاب مافيه.. حينها ابتسمت جوزاء: ليه شايفتني عقلي صغير لذا الدرجة.. هي سالفة وطرت علي.. شعاع بحماس طفولي لجمته بحذر: زين كلمش عقبها..؟؟ جوزاء هزت كتفيها: قبل ما يتوفى الله يرحمه بأسبوع... ما تخيلين أشلون استغربت.. يعني أكثر من 3 أسابيع مرت وأنا أنتظر منه تلفون لين يأست عقبه أتفاجا وأنا نايمة في الليل متأخر بتلفوني يصيح ويصيح يوم رفعته لقيته رقم خارجي... حسيت ريقي نشف.. وقلبي يرقع طبول: أخيرا تذكرني.. وعقبه تخيلي وش قال لي: (أشلونكم شأخباركم وسلمي لي على أمي)... وبس الله يرحمه.. ياكبر جروحه بقلبي.. بس ما أقول إلا الله يسامحه ويبيح منه.. ويجعل مثواه الجنة والحين شعاع اخذي الألبوم ودسيه عندش... ولو طلبته منش لا تعطيني إياه.. مهما جننتش ومهما طولت لساني عليش أعرف نفسي إذا جاتني الحالة أصدع بلد... وأدري لو حسن طلبه إني ما أقدر أرده.. فأنتي ساعديني على نفسي بس حلفتش بالله شعاع ما تسوين شيء في الألبوم.. الألبوم هذا لحسن.. ****************************** زايد يتناول قهوته استعدادا للذهاب إلى عمله اليوم يشعر كما لو كان صغر عشرين عاما.. يشعر بانتعاش وسعادة يشعر بنفسه خفيفا.. وروحه تحلق.. حسرة أكثر من ثلاثين عاما.. ستنطفئ بعض نارها قريبا خطواتها الرقيقة تقترب منه.. ابتسم لرؤيتها بدفء حنون.. اقتربت لتقبل رأسه ثم تجلس جواره وهي تهمس بصوت مرهق: أنا بأقهويك.. زايد بحنان: تقهويت يابيش.. طالع للشغل.. ثم أردف بنبرة ذات مغزى: وأنتي ما عندش رحلات اليوم؟؟ مزون تمسح أطراف وجهها بإرهاق وتهمس بذات الإرهاق: اليوم أساسا ما عندي رحلات.. واتصلت فيهم وطلبت منهم تعليق رحلاتي مؤقتا لين أنا أتصل لهم... زايد هتف لها بنبرة مباشرة: وأسبابش؟؟ مزون بهدوء عميق فيه رنة ألم شاسعة: فيه أشياء كثيرة تحتاج مني إعادة تفكير.. أنا مشتتة ومرهقة ومهمومة.. أبي لي استراحة محارب مثل ما يقولون... توني خلصت اختبارات الكلية من شهر واحد بس.. وافكر يبه أترك ذا الشغلة كلها واسجل ماجستير إدارة هنا في جامعة قطر... يقبلون بكالوريوس أي تخصص.. شرطهم المعدل والتوفل... وكلها متيسرة عندي إن شاء الله.. معدلي امتياز... ولغتي الإنجليزية ممتازة..ممكن أخلصه في 3 كورسات.. زايد بذات النبرة المباشرة: ومقتنعة؟؟ مزون بعمق مهموم: الحين يبه ما أكذب عليك.. تفكيري مشوش.. وخلاص زمن القرارات غير المدروسة ولى.. الحين أبي أريح رأسي وبس... زايد بحزم حنون: تأكدي يأبيش إنش ما تضامين ولا تقهرين وأنا وراش.. وسعي خاطرش.. مزون تحتضن عضده وتهمس بمودة مصفاة: الله لا يحرمني منك.. زايد يبتسم: وبعد عندي لش اليوم خبر بيونسش.. مزون ترفع رأسها .. تشك إن كان هناك ماقد يسعدها.. ولكنها همست مجاملة لأبيها: وش يبه؟؟ زايد بابتسامة مشرقة: اليوم بنروح نخطب لكسّاب.. حينها قفزت مزون وجهها المرهق منذ لحظات فقط يشرق بصورة جذرية وتتغير تعابيرها من النقيض للنقيض وهي تصرخ بفرحة هستيرية: صدق يبه؟؟ صدق؟؟ زايد يشدها وهو يهمس بحنان: إيه يأبيش صدق.. الله يتم على خير ويوافقون مزون لم تستطع الجلوس لشدة حماسها وبهجتها.. عاودت الوقوف وهي تهتف بحماس طفولي: ومن المجنونة اللي يجيها كسّاب وما توافق عليه.. إلا قل لي يبه من هي؟؟... أعرفها.. زايد ابتسامته تتسع وتتسع لفرحة مزون التي لم ير شبيها لها منذ سنوات: بنت ناصر آل سيف مزون بدأت تقهقه بصوت مسموع وبطريقة طفولية غريبة وآسرة: ما أعرفها.. بس ما يهم.. لا صارت مرت كسّاب عرفتها وحبيتها وحطيتها فوق رأسي عشانه.. يا الله يبه.. الله يجعلها وجه خير عليه قول آمين.. **************************** " يمه عطيني مهاوي.. هاتيها عنش عشان تقومين تصلين الظهر " سميرة تتناول الصغيرة.. وهي تنظر لوالدتها بحذر بالغ.. والكلمات تضطرب في حنجرتها.. مرة من المرات النادرة التي تشعر فيها سميرة أنها عاجزة عن إيجاد كلمات بينما أم غانم همست لها بحنان: وانتبهي لصلوحي بعد.. أنا بأصلي وأتمدد شوية.. كانت أم غانم على وشك النهوض لكن سميرة أوقفتها وهي تهمس بنبرة مصطنعة: يمه نبي نروح لعالية اليوم نقهويها ونسلم عليها أم غانم باستغراب: عارفة.. ئلتي لي أمس.. مالحقت أنسى.. وقلت لش إن شاء الله حينها همست سميرة باختناق وهي تلقي ماعندها: خالتي أم امهاب كانت عندش اليوم..؟؟ حينها توترت أم غانم قليلا وهي تهمس بنبرة طبيعية مصطنعة أيضا: آه.. كانت جايه تتقهوى عندي الضحى.. سميرة ما اعتادت مطلقا على أسلوب اللف والدوران ولا تعرف كيف يمكن تمثيله.. لذا همست لوالدتها بمباشرة مغلفة بخجل عميق: ما قالت لش شيء؟؟ حينها همست أم غانم بحزم: شكلش عارفة السالفة.. فما فيش داعي تلفي وتدوري.. سميرة حينها غصت بالكلمات.. ولم تستطع الرد.. وأم غانم أشاحت بوجهها غضبا وكانت على وشك الوقوف للتوجه للصلاة.. ولكن سميرة عاودت منعها من القيام وهي تهمس باختناق: زين مهوب من المفروض إنش تقولين لي وتأخذين رأيي..؟؟ أم غانم بغضب تحاول كتمه: عيب يا بنت.. المفروض أقول لراشد مهوب لش.. سميرة باختناق: عشان هو يرفض.. وانتي تبلغينهم الرفض بدون ما تأخذون رأيي.. أم غانم رفعت حاجبا وأنزلت الآخر: لا تكوني عاوزة توافقي.. سميرة بدأت الكلمات ترتعش على شفتيها وريقها يجف: وليش ما أوافق؟؟ أم غانم بصدمة: يأمش.. تميم ماشاء الله عليه فيه مميزات كثيرة.. ما نظلم الولد.. بس فيه عيب كبير.. ولو وافقنا عليه بنكون بنظلمش أنتي.. حينها استجمعت سميرة كل شجاعتها وهمست بحزم رقيق: أنا ما أشوفه ظلم لي.. بالعكس.. أشوفني محظوظة فيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. يعني ما قال لو كان ما يتكلم.. حينها وقفت أم غانم وهي تهتف بحزم بالغ: قصري حسش يا بنت.. والله وطلع لش لسان.. سميرة حينها هتفت برجاء عميق: يمه طالبتش إذا قلتي لأبي.. قولي له إني ما عندي مانع.. لا تظلموني وتحرموني حقي اللي الله عطاني إياه.. ******************************* بعد صلاة العصر.. مهاب يخرج من المسجد وهو يسند جده ويتبعهما سليم.. كان يريد إيصاله للبيت.. ليذهب لإحضار الشيخ ويتوجه لبيت أبو عبدالرحمن.. ففوجئ باتصال من زايد يخبره أنه قادم الآن لمجلسه.. اتصل بعبدالرحمن وأخبره أنه سيتأخر قليلا وأخبره بالسبب مهاب عاد لمجلسه.. وأمر المقهوي بإعداد القهوة وهو خال الذهن تماما من سبب خاص لزيارة زايد فزايد كثيرا ما كان يزورهم للسلام على الجد جابر.. بينما جلس الجد جابر ينتظر مع مهاب بعد دقائق وصل زايد ليشعر حينها مهاب أن هذه الزيارة غير طبيعية أبدا.. فزايد كان دائما يحضر وحيدا.. فما به اليوم يحضر مع خمسة آخرين.. ابنه كسّاب.. وشقيقه منصور.. وثلاثة من رجال القبيلة الكبار جدا... مهاب فور أن رأى الرجال حلف أن يكون عشائهم عنده الليلة.. حاولوا التملص ولكنه سبقهم بالحلف والتشديد... منصور وكسّاب كانا يجلسان متجاورين.. كسّاب يهمس لعمه: والله يا عمي إحساس غريب الواحد رايح يخطب.. ابتسم وأكمل: كنه رايح للسجن ويقول يا الله اسجنوني... ما أدري أشلون أنت جربته ثلاث مرات.. منصور يبتسم وهو يهمس له: انتظر المراسيم الحين.. بيشربون القهوة.. وعقبه أبيك ينتحنح ويكح له كحتين كسّاب يتذكر شيئا: إلا ياعمي المخلوقة اللي أنا جاي أخطبها وش اسمها؟؟ منصور عقد حاجبيه: والله ما أدري وأنا عمك.. الخبر عند أبيك.. والحين بس ركز مع الرياجيل.. مهوب زين مشاورنا بينهم.. بعد أن دارت القهوة عدة مرات.. وتبادلوا أحاديث متنوعة.. أغلبها يصب في السياسة.. تنتحنح زايد (تماما كما توقع منصور) ثم هتف بحزم واحترام: عمي جابر.. يا امهاب.. حنا اليوم جاينكم عانين حن وذا الوجيه الطيبة اللي ما ترد نبي قربكم.. ونتشرف بنسبكم.. ونبي بنتكم الكبيرة لولدي كسّاب.. حينها تصلب جسد مهاب بعنف.. بينما هتف الجد جابر على طريقة الأجداد المنقرضة: والله ما تطلعون من مكانكم إلا مرتكم معكم قربوا المطوع.. نملككم.. مهاب شعر بالاختناق ورد جده يشعره بضيق كاتم.. لماذا يتصرف هذا التصرف الذي لم يفعله مطلقا مع أي ممن سبقوا وخطبوا كاسرة لماذا مع زايد بالذات؟؟ حتى لو فعلها سابقا لم يكن مهاب ليشعر بكل هذا الضيق.. ولكن لابن زايد.. الذي سمح لابنته بدراسة الطيران..؟؟؟ لا وألف لا... آلاف المشاعر المتناقضة تثور في نفس مهاب... رغم احترامه العميق لزايد.. إلا أنه يرفض أن يناسبه... لذا كان رد زايد الذي أعاد بعضا من الهواء لرئتي مهاب المختنقة: جعلك سالم ياعمي.. ثم ابتسم: هذاك ياعمي زمان أول.. يوم الرجّال يهز الرواق على شق هله.. ويقول يامره عندكم عرس الليلة... الحين العرب افهموا الدين.. ومايصير عرس بدون شور البنت... شاوروها.. وردوا لنا الخبر.. حن عرب شارين.. انتهت المراسيم .. واستعد الجميع للخروج وحينها هتف مهاب بحزم واحترام: ياعم زايد يوم إن الله جابك الليلة.. فأنا أبيك تشهد على ملكتي.. أنا رايح أتملك الحين.. زايد بمودة : أبشر يابيك.. أفرح ماعلي أشهد على ملكة ولدي.. أشار زايد للجميع أن يغادروا من دونه... وخرجوا والكل يركب سيارته.. بينما منصور وزايد وكسّاب كانوا قد جاؤا كلهم على سيارة كسّاب لذا عاد منصور وكسّاب معا.. حين أصبحوا في السيارة هتف منصور لكسّاب: ها وش إحساسك يالعريس؟؟ كسّاب هز كتفيه بعدم اهتمام: بدري على عريس ذي.. وإحساسي والله يقول لي لو أني رايح لشركتي أبرك لي بواجد.. ابتسم منصور: نشوفك إذا عرست أنت وذا الشركة.. كان ما تتفل في عينها... حينها التفت له كسّاب لعمه ونظر له نظرة مباشرة: مشكلتك ياعمي أنت وإبي إنكم معلقين آمال كبيرة على عرسي إنه بيغير فيني شيء أنا ياعمي واحد رأسي حجر صوان... مهيب المره اللي بتغيره ولا ألف مرة بعد.. ما يغيره إلا اللي ركبه.. ******************************* الجد جابر توجه للداخل.. وطلب من سليم أن يتصل له بكاسرة ويطلب منها الحضور فورا.. وبالفعل كان سليم يحتفظ بهواتف الجميع في هاتف خاص هو للجد ولكنه مع سليم ليتصل له بمن يشاء.. اتصل بكاسرة التي كانت في حينها تتقهوى قهوة العصر مع والدتها.. وكانت أساسا تنتظر اتصالا ليخبرها بقدوم جدها لذا نهضت وتوجهت له.. لتحضره حتى يتقهوى معهما.. طرقت الباب وتأكدت من خروج سليم.. لتدخل لجدها.. قبلت رأسه ثم همست بحنو: يا الله يبه أوديك تقهوى عند أمي.. الجد بحزم عميق: اقعدي يأبيش توني جاي من المجلس وتقويت مع لحى(ن) غانمة.. اقعدي أبيش في سالفة.. كاسرة ابتسمت وهمست برقة: آمرني جعلني فدا عينك.. الجد بنبرة ذات مغزى: أنا قد طلبت منش شي(ن) أبد؟؟؟ كاسرة تبتسم وتهتف بمودة بالغة العذوبة: اطلب عيني ما تغلى عليك.. ياويلي على إنك تطلب مني شي الجد بذات النبرة المقصودة: جعل عينش سالمة.. أبي أطلب وأجرب غلاي.. حينها انتفضت كاسرة باستنكار: تجرب غلاك؟؟ مثلك ما يجرب غلاه.. لأنه غلاك داخل بين لحمي وعظمي.. وش ذا الحكي الله يهداك.. آمرني جعلني فداك.. الجد مستمر في خطته: خافه حكا بس؟؟!! وإذا جينا للصدق إلا مابه غلا؟؟ حينها كادت كاسرة تبكي فعلا.. فهذا العجوز يستولي على خلاياها حتى آخر خلية.. ولكن لأن الدموع لم تخلق لها هتفت بحزم عميق ومثقل بالاحترام والمودة في ذات الوقت: يبه والله ثم والله لو تبي رقبتي إنها حلالك.. وش عاد دون الرقبة؟! الجد وصل للهدف: دونها أني أبيش توافقين على رجّال(ن) جايش اليوم.. إذا أنا صدق غالي.. منتي بمفشلتني وأنا عطيت الرجّال كلمة.. وأنتي تدرين إني ما أرخص الغالي إلا للغالي اللي مثله حينها شعرت كاسرة كما لو أن ماسا كهربائيا عبر جسدها من أطراف شعرها حتى أنامل قدميها.. ولكنها هتفت بثبات واثق: ما أردك وأنت عطيت.. بس أقدر أعرف من الرجّال وإلا ما يحق لي.. حينها اتسعت الابتسامة الخالية من الأسنان: ولد زايد آل كسّاب.. صمتت كاسرة.. لم تبدُ لها فكرة ابن زايد آل كسّاب فكرة شديدة السوء.. فهي خشيت مع هذه المقدمة الطويلة أن يكون هناك ما هو أسوأ ولكنها عادت لتتذكر أن زايد آل كسّاب لم يتزوج إلا بعد زواج والدتها.. لذا فلابد أن يكون أبنائه أصغر من مهاب.. ولكن أصغر إلى أي مدى؟؟ هل من المعقول ن يكون أصغر منها في السن؟؟ أي مصيبة هذه؟؟ (من هرب من شيء لم يقتله إلا هو) كما يقول المثل!! لذا همست لجدها بهدوء حذر: ووش كبره يبه؟؟ ابتسامة الجد مازالت مرتسمة: هو ولد زايد الكبير كسّاب.. يمكن إنه أصغر من امهاب شي(ن) بسيط.. سنة وإلا ما حول.. كاسرة حينها شعرت بصداع مفاجئ بدأ يطرق خلايا مخها بعنف.. أن تكون رافضا لفكرة ما بكل قوتك وقناعتك طوال سنوات.. ثم تجد نفسك متورطا بها حتى الاختناق.. حتى النخاع تجد الفكرة المرفوضة تتلبسك لتدخل حتى مسامات جلدك وبشكل مفاجئ سريع أي شعور مرير قاتل هذا الشعور؟!! كاسرة همست بثبات وهي تقاوم صداعها: تبي تقوم لأمي..؟؟ الجد بثبات: لا غير أبغيش توافقين وتعلمين امهاب.. العرب مستعجلين.. شعرت كاسرة حينها أن صداعها تزايد وتزايد حتى باتت الرؤية تصبح غائمة أمامها وهي تهتف بذات الثبات الواثق الذي أخفت ورائه صدمتها وألمها: يبه قلت لك تم.. تبي تملكني الليلة حاضرة... وش تبي بعد حاضرة؟؟ حينها همس الجد بهدوء وهو يتمدد كما لو كانت كل طاقته المتوقدة قبل دقائق نفذت: جعلني ما أبكيش.. بردتي خاطري من يوم عيت أمش من زايد.. وأنا خاطري حزين عليه.. أنا ما أبي لش إلا الزين.. وأنتي عندي أعز من خلق الله.. ذولا عربن أجواد يأبيش وإن شاء الله إنش ما تضامين عندهم.. حينها وقفت كاسرة وهمست بحزم رغم أنها تقريبا أصبحت عاجزة عن الرؤية من شدة الصداع: ماعاش من يضميني ولا انخلق.. ومهوب بنتك اللي تصبر على الضيم....بنتك تأخذ حقها بيدها.. كاسرة غادرت جدها وصعدت فورا لغرفتها وهي تعتذر من والدتها بالصداع.. دون أن تخبرها السبب الحقيقي.. *********************************** انتهت مراسيم عقد قران مهاب وجوزاء.. وأصبحت جوزاء زوجة لمهاب.. وتم تحديد موعد الزواج بعد شهرين ونصف.. "يا لله كيف الإحساس ياعروس؟؟؟ " هتافات شعاع المتحمسة جوزاء بتردد : متوترة.. خايفة.. مبسوطة.. مشوشة.. ما أدري صراحة.. شعاع تحتضن جوزاء وهي تهتف بسعادة: انبسطي يا بنت الحلال... بلاش وجه الهم ذا.. جوزاء بضيق: الله يشرح صدري.. ويعين امهاب علي.. ويعيني على نفسي.. شعاع بمودة باسمة: تبين بس شوي إعادة تأهيل فكري وتصيرين بمب.. . . . "مبروك يا عريسنا " مهاب بمودة: الله يبارك فيك يا النسيب.. عبدالرحمن يضحك: وعلى قولت المثل (كن نسيب ولا تكون ابن عم) الحين بصير أنا غالي عندك.. مهاب يبتسم: إيه صادق عشانك أول رخيص.. عبدالرحمن بابتسامة: الله يرخص عدوينك قول آمين يا شيخ.. والحين قل لي وش إحساس الرجّال المتزوج شاب شعري وأنا ما جربته.. فعلمني أنت... مهاب يبتسم: ما أدري حاس ذا الحين مثل اللي دخل مرحلة عدم توازن.. شيء جديد يبي له تعود.. عبدالرحمن بذات الإبتسامة الدافئة: عقبال ما أفقد التوازن أنا بعد.. بنات خالي شكلهم مهوب هاين عليهم يخبلون في ولد عمتهم.. ************************** "مبروك يأمك ألف مبروك" مهاب بمودة: الله يبارك فيش يمه.. مزنة بابتسامة عذبة: بكرة إن شاء الله بأروح أنا وكاسرة ونشتري لعروستك شبكة ونروح لهم نسلم عليهم ونبارك لهم.. مهاب بابتسامة: خلاص بكرة باسحب وأعطيش تشترين.. وأعطيش مهر جوزا تودينه معش بالمرة.. عشان تلحق تجهز.. لأنه إن شاء الله العرس عقب شهرين ونصف.. وشفت واحد من الربع ضبط لي حجز القاعة خلاص.. مزنة بمودة عميقة: الله يعطيك من خيرها.. ويجعل وجهها خير عليك.. ويجمع بينكم في خير إن شاء الله.. مهاب يتذكر مالم ينساه.. ويهتف بحزم: يمه كاسرة جايها خطاطيب.. ابتسمت مزنة: ماشاء الله توها رادة واحد البارحة حينها هتف مهاب بحزم: وهذا بعد بترده إن شاء الله.. " وليش أرده إن شاء الله؟؟ " هتاف كاسرة الحازم وهي تنزل الدرج.. مهاب بحزم: لأنه مافيه زود على اللي عييتي منهم.. فأكيد مثله مثلهم.. كاسرة اقتربت منهما وقبلت رأس مهاب وهتفت بمودة رقيقة: ألف مبروك ياعريس.. مهاب رد بهدوء: الله يبارك فيش بينما كاسرة توجهت للجلوس ثم همست بهدوء حازم: وليش ظنك إني لازم أرفض الخطيب الجديد..؟؟ مهاب بحزم: مثل ما قلت لش.. وإلا لازم أعيد الكلام... مافيه زود على غيره كاسرة بهدوءها الحازم: والله أنا اللي أقرر ذا الشيء.. مهاب بمباشرة: عدا إني ماني بمقتنع فيه.. كاسرة بذات الحزم: المهم أنا مقتنعة... مهاب حينها هتف بغضب: أنتي وش فيش الليلة.. على كثر ما حايلتش على رياجيل فيهم خير كنتي ترفضين.. همست كاسرة بهدوء: وهل الرجّال اللي جايني مافيه خير..؟؟ مهاب بمباشرة صريحة فهو لا يستطيع أن يبهته بالباطل: يكرم.. حاشاه.. إلا فيه خير وما يلحقه قصور.. كاسرة بنبرة مقصودة: زين وش أنت ترد فيه..؟؟ مهاب بنفاذ صبر: أرد فيه اللي أنا أرد فيه.. حينها قاطعت مزنة حديثهما بحزم غاضب: قاعدين تشاورون وأنا قاعدة بينكم كني طوفة.. مالي راي.. الرجّال اللي جاي لكاسرة من هو..؟؟ حينها هتفت كاسرة بسخرية: ناس يرد فيهم امهاب إنهم خلو بنتهم تقهره.. وتدرس معه وتصير أحسن منه.. مهاب بغضب: تلايطي ياقليلة الحيا.. مزنة بدهشة: من؟؟ ولد زايد آل كساب؟؟ حينها شد مهاب نفسا عميقا: إيه ولد زايد الكبير.. كسّاب.. وشكل جدي قده معطي الشيخة كاسرة العلوم.. حينها التفتت مزنة لمهاب باستغراب: وش فيها يأمك.. عرب أجواد.. وخيرهم واجد.. مهاب وقف وهو يهتف بغضب: فيها إنهم ضيعوا سلوم العرب يوم خلو بنتهم تدرس وتشتغل ذا الشغلة ثم أردف بسخرية: وبعدين وش فيه زود على اللي رفضتهم الشيخة كاسرة؟؟ كاسرة بسخرية مشابهة له: فيه إنه ولد زايد آل كسّاب.. يكفيه ذا الشيء ميزة ثم أردفت بحزم: إذا اتصلوا فيك يبون ردنا.. قل لهم إنه حن موافقين.. ومتى ما بغوا الملكة.. يجيبون شيخهم.. #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء السابع عشر مهاب وقف وهو يهتف بغضب: فيها إنهم ضيعوا سلوم العرب يوم خلو بنتهم تدرس وتشتغل ذا الشغلة ثم أردف بسخرية: وبعدين وش فيه زود على اللي رفضتهم الشيخة كاسرة؟؟ كاسرة بسخرية مشابهة له: فيه إنه ولد زايد آل كسّاب.. يكفيه ذا الشيء ميزة ثم أردفت بحزم: إذا اتصلوا فيك يبون ردنا.. قل لهم إنه حن موافقين.. ومتى ما بغوا الملكة.. يجيبون شيخهم.. مهاب بغضب: يامسودة الوجه ما تستحين أنتي.. ذا كلام تقولينه لأخيش كاسرة بهدوء عميق واثق: بصراحة ما أشوف شيء غلط في اللي أنا قلته.. وما ينقال بغير ذا الطريقة.. وين الشيء اللي خلاني ما أستحي في نظر جنابكم؟؟ رجّال تقدم لي وأنا موافقة عليه..وانتهت السالفة مهاب بذات الغضب: بس أنا ماني بموافق.. كاسرة وقفت وهي تهز كتفيها بثقة: ليه أنت اللي بتزوجه..؟!! أنهت كلمتها ثم خرجت متوجهه لغرفة جدها.. بينما مهاب كان ينتفض من الغضب: أبي أعرف هذي وش اللي اقنعها فيه.. أكيد إنه جدي اللي اقنعها.. زين ياكاسرة دواش عندي مزنة بهدوء حازم: اقعد يأمك الله يهداك.. اقعد.. مهاب جلس.. بينهما أكملت مزنة حديثها بذات الهدوء: الحين يأمك ولد زايد أنت ترد شيء في صلاته؟؟.. في أخلاقه؟؟ في شغله؟؟ يعني هل هو بطالي ومعتمد على أبيه؟؟ مهاب يتنهد بعمق: لا والله ماني بباهت الرجّال.. رجّال مصلي وثقيل وكلمته موزونة.. ومعه ماجستير وعنده شركة له بروحه.. صحيح إنه أحيانا تحسين إنه شايف حاله.. بس ذا ظاهر.. والله أعلم بالباطن.. انا ما أعرفه زين أحكم عليه.. حينها ابتسمت مزنة: شايف حاله.. أختك شايفة حالها أكثر منه يأمك ما صدقت إن كاسرة توافق على حد تكفى يأمك لا ترده عشان شيء ماله معنى... والله لا ترده إنه كاسرة ماعاد توافق على حد لا توقف في وجه أختك يأمك وتردي نصيبها عشان شيء في رأسك... آل كسّاب عرب أجواد... ونعرفهم من سنين... ساسهم طيب.. وعرب فيهم وصل وخير.. تنهد مهاب ثم زفر بحرارة: خير يمه خير.... ************************************ " وش فيها أختش ترّقّص كنه شاب تحتها ضو؟؟" همس عالية الخافت في أذن سميرة.. وهي تنظر لنجلاء التي تدعك أناملها بتوتر وهي تطوق خصر شقيقها صالح الجالس على رجليها بينما أم غانم وأم صالح مشغولتان بتبادل الحديث معا.. سميرة تبتسم وتهمس في أذن عالية: يأختي خايفة صالح يجي وهي هنا.. عالية رفعت حاجبا وأنزلت الآخر: خايفة من صالح.. وهي بتسافر معه؟؟.. يأمتيّ من النسوان.. سميرة تضحك وهي تهمس في أذن عالية: شفتي يأختي شفتي.. عالية بخبث: تكفين سمور.. قومي خل نسوي فيها مقلب.. سميرة بخوف مصطنع: لا يأختي ما أقدر على مقالبش.. أنتي ماعندش كنترول.. يمكن تذبحين الواحد في مقلب من مقالبش وانتي عندش إنها مزحة عالية برجاء: سمور تكفين.. والله مقلب بدون دم... بس نوقف قلبها شوي سميرة تضحك: أما أنتي ياعالية غريبة.. صدق يوم يقولون العباقرة مجانين.. الحين وحدة عبقرية مثلش وتخصصها صعب وش يطري عليها ذا المقالب؟؟ عالية بنبرة أسى مصطنعة: يأختي وش أسوي أفك عن روحي شوي لا أستخف ثم أردفت باستعجال: يا الله قومي قومي.. ياني بسوي فيها مقلب يطلع من رأسها قال مستحية من صالح وما كانت تبي تجي تسلم علي؟؟.. زين دواها عندي.. عالية وسميرة خرجتا وصعدتا للأعلى.. ولم يهتم أحد لصعودهما لأن هذا هو المتوقع... فلابد أنهما يريدان التحدث براحتهما وعالية تريد أن تعطيها هداياها التي أحضرتها له.. بعد دقيقتين... عالية اتصلت بنجلاء وهي تدفع في صوتها أكبر قدر من الجزع: نجلاء الحقي عزوز سكر على روحه الحمام.. وميت من الصياح.. نجلاء قفزت وهي تلقي بهاتفها وتعطي صالحا لوالدتها وتصعد راكضة للأعلى دون تفكير.. فالخبيثتان أجادتا رسم السبب فعبدالعزيز الصغير انغلق عليه باب الحمام سابقا.. لذلك هو يعاني من خوف مرضي من انغلاق الأبواب عليه وهو وحيد.. حين وصلت نجلاء للطابق العلوي.. كانت سميرة تقف أمام باب غرفة صالح وهي تهتف بجزعها التمثيلي البارع: داخل في حمام أبيه.. نجلاء دخلت كالأعصار دون تفكير.. وكانت عالية تمسك باب الحمام وهي تهتف بصوت حنون وطمأنة: بس عزوز حبيبي لا تبكي.. ماما جاية الحين.. فور أن رأت عالية نجلاء انسحبت بهدوء وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح.. بينما نجلاء تصرخ عند الباب: عزوز حبيبي أنا هنا.. ولكن عبدالعزيز لم يرد عليها شعرت أنه سيغمى عليها من الرعب على ولدها وهي تحرك قفل الباب لينفتح الباب ببساطة وينكشف لها الحمام الخالي تماما.... حينها قفز قلب نجلاء في بلعومها.. وهي تعود ركضا لباب الغرفة لتحاول فتحه.. وتجده مغلقا.. طرقت على باب الغرفة طرقات قصيرة وهي تهتف بصوت مكتوم: يا حيوانة أنتي وإياها... والله لا تشوفون شيء عمركم ما شفتوه.. يا الله افتحوا لي.. لا تفضحوني.. ما أقدر أطول صوتي.. الاثنتان كانتا تضحكان بهستيرية خارج الباب.. وعالية تهتف بين ضحكاتها: لا وتهدد الأخت هي ووجهها.. زين يا نجول... خلي المقلب يحلى.. بأتصل في صالح... أصلا مهوب بعيد في المجلس.. فرحان بعياله.. خنت حيلي أخيي المسكين.. حينها شرقت سميرة وكحت وتوقفت ضحكاتها: لا عالية .. لا.. تكفين.. والله ماعاد تسامحني نجلا عالية مستمرة في جنونها: قولي لها الخطة كلها خطتي.. وأنتي مالش دخل.. سميرة بغضب: لا عالية لحد هنا وكفاية... ولكن عالية لم ترد عليها وهي تضع المفتاح في جيبها.. وتتصل بصالح وهي تهمس بنبرة استعجال: أبو خالد تعال بسرعة الحين أبغيك عند غرفتك دقيقة وتكون عندي... سميرة غضبت بالفعل وهي تلبس نقابها وتتجه للأسفل.. وتسب نفسها لموافقتها على كل هذا.. فهذه ليست المرة الأولى التي تورطها عالية في مقالبها الثقيلة عالية أخرجت المفتاح من جيبها استعدادا لإعطاءه صالح.. وفعلا صالح وصل بعد دقيقة وهو يكاد يركض قلقا من طريقة عالية في استدعاءه ليصل لعالية ولباب غرفته عالية حين رأته ناولته المفتاح وهي تهمس بخبث: فيه مفاجأة تنتظرك داخل.. صالح تناول المفتاح بدهشة ليفتح الباب... قبل دقيقة نجلاء في الداخل.. تكاد تبكي حرجا وهي تتوعد الشريرتين في الخارج.. كانت تتحاشى النظر لكل شيء حولها.. فهي تعلم أن وقعت عينها على شيء ما هنا فهذا كفيل بتقليب مواجع سنوات.. يكفيها رائحة عطر صالح التي تعبق في الجو بتركيز لتشتيت أفكارها وتقليب آلامها!! لذا بقيت قريبا من الباب ووجهها يحتقن ويحتقن.. وعيناها تغيمان بالدموع أ هكذا هي مشاعرها بالنسبة لهما.. محض لعبة يعبثان بها؟ ألا يعلمان أي أذى نفسي يجبرانها على الخضوع له؟!! تهرب من هذه الغرفة وصاحبها وجروحه لشهور طويلة.. لتجد نفسها محبوسة فيها وبدون مقدمات.. تشعر أن أنفاسها تضيق وتضيق.. ووجهها يزداد احتقانا.. لا تريد مطلقا أن تبكي.. لا تريد أن تراها الاثنتين وهي تبكي من محض أمر سيبدو لكلتيهما أمرا سخيفا.. هو إغلاق الباب عليها ولكنها لا تستطيع منع الدموع من طمر نظرة عينيها.. لأن الأمر عندها ليس "مجرد إغلاق باب" عليها بل هو فتح لجروح تحاول أن تدعي تناسيها.. لتكمل مسيرة الحياة ولكن هذه الجروح تأبى أن تسمح لها بالنسيان أو حتى التناسي.. كيف وهي تجد لها مرتعا خصبا؟! اقتربت أكثر من الباب وكأنها تريد إخفاء وجهها فيه من وحش ما سيقفز من الغرفة لينقض عليها.. ليمزق شرايين قلبها إربا لتتفاجأ بالباب يفتح.. قفزت مقتربة وهي تظن أنهما عالية وسميرة.. لتتفاجأ بصالح يقف أمامها صالح صُدم صدمة حياته وهو يرى نجلاء أمامه التي اختنقت بصدمتها الكاسحة ..بشهقاتها : والله أنهم عالية وسميرة اللي سوو فيني مقلب وجابوني هنا.. صالح بدأ يرتعش من شدة الغضب وهو يرى حالة نجلاء المزرية.. وجهها المحتقن الغارق في العرق وعينيها الغائمتين بدموع تحاول ألا تنهمر إزداد غضبه وتضاعف كيف أن هاتين الطفلتين اتخذتا من مشاعره هو ونجلاء ومشاكلهما أداة للعبث والسخرية والمقالب دون أدنى احترام لأي شيء .. لا لفارق السن الكبير ولا حتى لمشاعرهما زفر بغضب عميق يحاول كتمه: أم خالد روحي تحت.. وقولي للثنتين يجوني في الصالة اللي تحت.. أنا انتظرهم.. دقيقة وحدة والله لو ما جاوني لأدخل عليهم في مجلس النسوان وأكوفنهم... نجلاء تنهدت وهي تمسح وجهها وتسحب نفسا عميقا.. وعادت للأسفل... حين وصلت لمجلس النساء كانت كل واحدة منهما تجلس في زواية لأن سميرة كانت تنتفض غضبا وخوفا .. غضبا من عالية.. وخوفا من نجلاء وعليها بينما عالية التي كانت سعيدة بمقلبها ..كانت الآن متأثرة من غضب سميرة عليها نجلاء بنبرة تشفي لقهرها منهما مالت على أذن عالية ثم سميرة: أبو خالد يبيكم في الصالة الحين.. الاثنتان ابتلعتا ريقهما الجاف.. وتوجهتا للخارج وسميرة تنزل نقابها على وجهها.. بالتأكيد عالية لم تكن خائفة من شيء.. فإحساس الخوف ملغي من قاموسها لكنها تخشى أن يكون صالح غاضبا منها بينما ظنت أنها ستسعده... بينما سميرة كانت ركبتاها ترتجفان حرجا وخوفا.. حين وصلتا علمتا أن هناك مصيبة قادمة لأن وجه صالح كان محتقنا بشدة من شدة الغضب فور أن وصلتا انفجر فيهما: ها مبسوطة أنتي وياها.. مبسوطين يوم خليتو أخوانكم الكبار مسخرة لكم.. حينها قاطعته عالية بحزم شديد: إذا عندك كلام تبي تقوله.. تقوله لي أنا سميرة مالها ذنب.. وكانت أساسا مهيب موافقة.. بس أنا اللي سويت الشغلة من رأسي ازداد غضب صالح وهو يشير لسميرة أن تعود للداخل بينما أكمل حديثه لعالية: أنا أبي اعرف متى بيصير عندش إحساس مثل الناس... أمنتش الله هذا تصرف تسويه وحدة عاقلة.. تحرجيني وتحرجين أم عيالي بذا الطريقة.. شايفتنا بزران تبين تلاعبينهم الغميضة؟؟ ما حد قد قال لش إن مشاعر الناس ومشاكلهم مهيب لعبة تلعبين فيها؟! ماحد قد قال لش إن المزح والخبال لهم حد يوقفون عنده؟! ماحد قد قال لش عيب عليش اللي تسوينه؟!! ماحد قد قال لش حافظي على شوي العقل اللي في رأسش لا يطير؟! ماحد قد قال لش تراش ماعادش بزر.. واللي تسوينه منقود وفشيلة في حق بقرة في عمرش وحتى منصبش اللي بتستلمينه عقب كم شهر؟! عالية بهدوء بارد: هذا أنت قلت لي.. ومشكور.. بصراحة كنت محتاجة حد يفوقني من الغيبوبة اللي أنا فيها.. خلصت وإلا بعد؟؟ صالح اقترب منها وهو يمنع نفسه ويقهرها حتى لا يمد يده عليها وهو الذي لم يفعلها مطلقا: وتمسخرين بعد... ولش وجه؟؟ عالية بذات هدوءها البارد الذي تخفي خلفه استعدادا حقيقيا للبكاء: لا أتمسخر ولا شيء أنا أسفة على اللي صار.. وهذا خشمك أحبه.. وسامحني.. والحين اسمح لي قالتها وهي بالفعل تتطاول على أطراف قدميها حتى تصل لأنفه وتقبله ثم تسحب نفسه للأعلى لتغلق على نفسها باب غرفتها.. وتنفجر في بكاءها الخاص... سميرة عادت للداخل.. وهي تتحاشى النظر لأحد.. ثم جلست جوار نجلاء وهي تهمس باختناق: نجول سامحيني والله مادريت إنها بتسوي كذا.. اتفاقنا نسكر عليش دقيقة ونفتح بسرعة.. نجلاء تشيح عنها بغضب: زين سمور دواش عندي بس خلنا نرجع البيت.. بعد دقائق يصل لهاتف نجلاء رسالتين.. الأولى من عالية: "سامحيني نجلا أنا آسفة.. وترا سميرة مالها ذنب" والثانية من صالح: "السموحة يأم خالد.. امسحيها بوجهي.. والله إن علومي ضاعت يوم شفت الدموع بعيونش بس الحين عقب ما هديت أقول..... فديت أختي وليتني استغليت الفرصة بس!! وش استفدت الحين كون شوف وحر جوف!!" ********************************* " صحيح كاسرة وافقتي على الخاطب الجديد؟؟" كاسرة تلتفتت لوضحى الجالسة جوارها ثم تكتم صوت القناة الإخبارية التي كانت تشاهدها وتهمس بهدوء: إيه.. وافقت.. وضحى بتردد: ومقتنعة.. ؟؟ كاسرة تنظر لها نظرة مباشرة وتهمس بحزم: ومتى كنت أسوي أنا ماني بمقتنعة فيه وضحى بذات التردد: ما أقصد.. بس أنتي كنت مصرة على واحد أربعيني.. وهذا تقول لي أمي أصغر من امهاب.. تنهدت كاسرة وهي تهتف بحزم: أحيان الواحد يغير قناعاته.. على حسب المتغيرات اللي يمر فيها وضحى بهدوء: بس مهوب أنتي اللي تسوينها.. وافقتي عشان جدي..صح؟؟ كاسرة بحزم: أسبابي تخصني أنا بروحي... وأتمنى أنه أنتي بعد ما تطولين على عبدالرحمن في الرد.. هذا أنا خلاص بأتزوج وبروح من طريقش وضحى بضيق: وليش تظنين إن الامر متعلق فيش دايما.. لو أنا رفضت عبدالرحمن بارفضه لاني ماني بمقتنعة فيه.. مهوب لأي سبب ثاني كاسرة تهمس بحزم: وضحى ترا الفرصة يوم تجي للإنسان.. تجيه مرة وحدة وما تكرر فإذا ضاعت منه ما يلوم إلا نفسه هو وبس... **************************** "ناموا العيال؟؟" أم غانم بإرهاق: ناموا بعد ما هلكوني.. أبو غانم بهدوء حان: يا سبحان الله.. وقفتي بدون سبب عقب سميرة.. وعلى آخر عمرنا يجينا ذا الأثنين.. ابتسمت أم غانم: ماحدش يعترض على ئسمت ربنا أبو غانم يبتسم: يا حبني لش إذا طرى عليش حكي المصاروه.. أم غانم بذات الابتسامة: أنتو خليتوني أخبص كل حاجة بالوشوشة العالية اللي عندكم.. لا عاد فيه حكي مصاروه ولا دياولو.. صمتت لثانية ثم أردفت بهدوء حذر: فيه شيء أبي أقوله لك أبوغانم بتساؤل: قولي يالغالية!! أم غانم بتردد: أم امهاب اليوم جاتني تخطب.. أبو غانم باستغراب شديد: أشلون تخطب وملكة امهاب كانت اليوم... اليوم كنا عنده على عشا لرياجيل ..وباركنا له... أم غانم ابتلعت ريقها: تخطب لتميم.. أبو غانم بصدمة واستنكار بالغين: نعم..؟؟؟ ثم تراجع وهو يهتف: يا الله لا تواخذني.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. يا بنت الحلال كان صرفتيها على طول.. مافيه داعي تطولين السالفة.. حينها هتفت أم غانم بغضب: أم امهاب معرفة خير.. وعمرها ماضايقت حد بكلمة..فيوم تجي تخطب لولدها أفشلها وأقول لها على طول مافيه قبول قلت لها خلني أشور البنت وأبوها.. لو وافقوا اخطبوا رسمي.. أبو غانم يتمدد وهو يهتف بعدم اهتمام بصوت داخله النعاس: خلاص إذا جاتش المرة الجاية قولي لها حينها همست أم غانم بتردد: بس سميرة موافقة عليه قفز أبو غانم والنوم كله يطير وهو يهتف بغضب: نعم موافقة؟؟ ويش؟؟ حينها كانت أم غانم من همست بإرهاق تريد به تخفيف المواجهة: شوف ياراشد أنا ماليش دماغ.. تفاهم أنته مع بنتك.. لأني تعبت معها اليوم وتكلمنا كثير وهي مقتنعة فيه وعاوزاه.. وتقول مافيه أي عيب عشان تردونه وخافوا من ربنا أنته أقنعها وتكلم معاها لأن البنت ذي شكلها استخفت.. ********************************** " هلا خالتي.. متصلة علي وتقولين تعال بسرعة.. هذا أنا جيت" عفراء بحماس أمومي شفاف: كذا يا كسّاب تروح تخطب من وراي؟؟ وحتى عقبها ما تقول لي.. حينها تجاوزها كسّاب ليجلس ويهتف بعدم اهتمام: (نساني إياه قِل همه).. على قولت المثل.. وعلى العموم ما بعد صار شيء... خطبنا العصر وتونا الحين في الليل.. عفراء بابتسامة: والله إن علومك علوم... توك البارحة تنشد من العجوز اليوم نطيت تخطب البنت.. كسّاب بذات نبرة عدم الاهتمام: والله شور أبو كسّاب وإلا أنا وش عرفني بهم.. ابتسمت عفراء بحنو: وأبيك ما يبي لك إلا الزين.. وأنا أشهد إنه تنقى لك أزين الزين.. حينها سأل كسّاب وهو يتذكر شيئا: إلا هي وش اسمها يا خالتي..؟؟ عفراء بطبيعية: كاسرة.. حينها هتف كساب بسخرية: من جدش خالتي والا تنكتين؟؟ عفراء باستغراب: من جدي أكيد.. كسّاب بذات نبرة السخرية: هذي لو خذتها أول شيء بسويه اخليها تغير اسمها.. حينها ضحكت عفراء برقة : شكلك أنت اللي تنكت.. عقد كسّاب حاجبيه: وليش أنكت.. أتكلم من جدي.. عفراء بهدوء: كاسرة معروفة إن شحصيتها قوية.. وناس واجد قد قالوا لها تغير اسمها بس هي تقول مستحيل.. اسمي لابسني وأنا لابسته حينها هز كسّاب كتفيه بعدم اهتمام: شخصيتها قوية على روحها مهوب علي.. ولو بغيتها أنا تغير اسمها بتغيره وهي ما تشوف الدرب ولو بغيتها تقعد باسمها.. بيكون بمزاجي بعد... حينها همست عفراء بقلق: يأمك وش فيك شايل سيفك على بنت الناس كذا من أولها.. لحد الحين مابعد وافقت البنية وأنت واقف تحد سكاكينك... كسّاب بثقة: والله ياخالتي انتي عارفتني وعارفة طبعي.. وماني بمتغير عشان حد.. وإذا وافقت علي ذنبها على جنبها.. ماحد ضربها على يدها كسّاب تحاور مع خالته قليلا.. ثم غادرها ليصبح المكان خاليا على عفراء التي تدور طوال اليوم كالآلة.. علها تنسى وتتناسى.. ولكن الآن في هجعة الليل هذه.. كيف تنسى أو حتى تتناسى.. وكل مافي هذا الليل يقلب المواجع والألم والذكريات كل شيء في البيت يذكرها بجميلة ورائحة جميلة وضحكات جميلة وحتى مرض جميلة.. ماعاد بها صبر وهي تحاول منع نفسها من الاتصال بخليفة.. فأخر اتصال به لم يمض عليه حتى ساعات.. والطبيبة حذرتها حتى من الاتصال بجميلة شخصيا حتى تعتاد جميلة على فكرة غياب والدتها.. رن هاتف خليفة.. ولكنه كان بالفعل عند جميلة.. التي كانت غارقة في النوم.. خليفة رأى اسم عفراء.. خرج بالهاتف للخارج لأن داليا حذرته أن يهاتفها أمام جميلة أو حتى يخبرها باتصالاتها هتف بصوت هادئ يظهر فيه أثر الإرهاق: هلا خالتي.. عفراء بقلق: أشفيك يأمك صوتك مهوب زين.. خليفة بذات الصوت المرهق: مافيني شيء خالتي.. عفراء بقلق: أشلونها جميلة يأمك.. بشرني منها.. وأربها ما جننتك معها خليفة يخفي كل الحقيقة هو يهتف بهدوء: طيبة خالتي ولا جننتني ولا شيء.. فالوضع كان عكس ما يقول تماما فوضع جميلة كان سيئا وهي تصيبه بجنون فعلي وهي تصر عليه ألا يفارقها حتى للحمام وللصلاة إلا بعد محايلة وليس السبب مطلقا رغبتها في بقائه جوارها أو كونه مصدر أمان لها.. حتى يشعر خليفة ببعض العزاء ولكنها تصارحه فعلا أنه تريد أن تضيق عليه حتى يمل ويهرب ويتصل بوالدتها لتحضر.. والليلة رفضت حتى أن يذهب للفندق وهي تصر على طبيبها أن يأخذ لخليفة أذنا ليبات عندها.. الطبيب الفرنسي تقديسا للحب المفترض بين العصفورين الجديدين.. خالف القوانين ليستخرج لخليفة الأذن.. ليبقى عند عروسه الذابلة وابتسامة تشفي ترتسم على شفتي جميلة وهي تهمس لخليفة: وش حادك ترقد على كرسي عقب صلب ذا النهار كله يا ابن الحلال ارجع لأبيك وأخوانك وخل أمي تجيني حينها ابتسم خليفة وهو يجلس ويجيبها بسخرية واثقة: يا زينها نومة الكرسي.. أنا أصلا أحب نومة الكراسي رغم أنه يكاد ينفجر منها... وليس مطلقا لأنه لايريد النوم عندها.. فهو مستعد لذلك تماما ولكن طريقتها في فرض ما تريد مستفزة تماما.. فتاة أفسدها الدلال لأبعد حد.. وتحتاج لإعادة تربية.. ولكن حتى وضعها لا يسمح له أن يمارس ذلك بحرية عفراء هتفت حينها بعمق أمومي شفاف: الله يوفقك يا ولدي ويريحك ويريح بالك مثل منت مريح بالي.. تنهد خليفة (خلنا الحين نريح جسمنا اللي قرب ينهار) أجاب بمودة: وبالج ياخالتي حينما أنهى خليفة الاتصال عاد للداخل.. ليتفاجأ بأريكة ضخمة كان يحملها 3 عمال بخفة ويضعونها في الزاوية وأحدهما يهمس بانجليزية ركيكة: دكتور بيير أمرنا بإحضارها هنا... ابتسم خليفة: ماشاء الله عليج يا خالتي ..دعوتج مستجابة.. استجاب الله دعاج.. ليتجه ناحيتها وهو يتمدد عليها ليغرق فورا في نوم عميق لشدة إرهاقه.. صباح اليوم التالي.. جميلة تصحو بجزع وهي ترى الشمس تغمر الغرفة تماما بينما هي مازالت لم تصلِ الفجر كانت تريد أن تضغط الجرس حتى تحضر أحد الممرضات فتساعدها للذهاب للحمام لتتوضا.. وهي تتلفت فوجئت بخليفة الغارق في نوم مريح.. على أريكة ضخمة ومخدة مريحة وغطاء وثير.. فشعرت بالغيظ ليس لأنها تكره أن يرتاح بالمعنى المطلق.. إنما هي لا تريده أن يرتاح في وجوده عندها تريد أن تستنزف طاقته الجسدية والنفسية حتى يصبح عاجزا عن احتمال المزيد ليهرب وتعود لها أمها.. لذا هتفت بصوت عال قدر ما تحتمل حبالها الصوتية: خليفة.. خليفة.. ولكن خليفة الذي صحا من نومه على صرخاتها.. لم يجبها وهو مستمر في تمثيل النوم تعالت صرخاتها: خليفة.. خليفة... قوم صل.. كذا تخلي صلاة الفجر تفوتنا.. ولكن خليفة لم يرد عليها.. كان بودها أن تنكد عليه..ولكنها الآن مشغولة باللحاق بالصلاة التي فات وقتها.. لذا نقرت جرس الاتصال للممرضات وتأتيها إحداهن لتساعدها.. حينما انتهت من الصلاة.. عاودت الصراخ: خليفة خليفة.. قوم صل.. كانت تشعر بغيظ عميق وتود لو كان لديها طاقة أن تتجه ناحيته لتنكد عليه.. لذا حاولت فعلا أن تنزل دون مساعدة.. لتنهار تماما في منتصف الطريق خليفة حينما سمع صوت فوضى السقوط.. قفز ليتفاجأ بها على الأرض.. اتجه ناحيتها.. بينما هي بدأت تصرخ بجزع كاسح وحرج عميق: لا تقرب مني ولا تطالعني حتى فجزء كبير من جسدها كان مكشوفا مع انفتاح روب المستشفى نتيجة لسقوطها خليفة لم يرد عليها وهو يشد ملابسها عليها ثم يحملها بخفة كما لو كان يحمل طفلا رضيعا.. ويضعها في سريرها لتنخرط هي بكاء حاد موجوع عال الشهقات وهي تشيح بوجهها عنه... شعرت أن إنسانيتها امتهنت.. وحقها الطبيعي في الخجل سُلب منها.. فأي ألم عميق جارح هذا؟؟ أي ألم؟؟ خليفة شعر بندم عميق أنه لم يجبها منذ المرة الأولى ودفعها لأن تحرج نفسها بهذه الصورة بكت مطولا قبل أن تهدأ.. حينها همس لها خليفة بحنان: الحين ممكن أعرف ليه هذا كله.. وليه تنزلين من سريرج أساسا..؟؟ جميلة بصوت مبحوح تحفي خلفه مرارة انكسارها وحرجها العميق: مهوب شغلك.. وأنت ليش ماقمت تصلي.. خليفة بهدوء: أنا صليت من فجر.. ورجعت ونمت.. وصحيتج بس أنتي كنتي رايحة في النوم حينها همست بغيظ وهي تمسح أنفها المحمر: ما أبي الكنبة هذي في غرفتي.. شكلها مشوه الغرفة.. حينها ابتسم خليفة: لا .. والله.. وأنتي هامج وايد ديكور المستشفى.. الكنبة هذي بتظل موجودة.. إلا لو أنتي تبين تنزلين تطلعينها بروحج حينها عاودت جميلة الانخراط في البكاء: إيه تمسخر علي عشان أنا وحدة بأموت وما فيني حيل.. حرام عليك خليفة تنهد: لا حول ولا قوة إلا بالله... بس يا البيبي.. كل شيء يخليج تصيحين جذيه.. جميلة عاودت التماسك وهي تمسح عيونها: كم مرة قلت لك لا تقول لي بيبي.. حينها ابتسم خليفة: زين خلج حرمة وتصرفي مثل الحريم... حينها عاودت جميلة الانخراط في بكاء حقيقي متألم خافت وهي تشهق: ما أبي أكون مرة.. أبي أمي بس.. تكفى خليفة جيب لي أمي.. أبي أمي... حرام عليك.. بأموت وأنا نفسي أشوفها.. حرام عليك.. ترا ذنبي في رقبتك حينها ماعاد خليفة يحتمل... تركها وخرج لخارج الغرفة... فهو قد يحتمل ثورتها وعصبيتها وهي تنعته بمختلف النعوت وتصفعه بكراهيته الجارحة ولكنه لا يحتمل مطلقا أن ترجوه بهذه الطريقة المشبعة بالأسى والحسرة وخصوصا انه يشعر بمرارة انكسارها المحرج بعد أن تكشّف جسدها أمامه بهذه الطريقة المحرجة.. جسدها الجاف الخالي تماما من أي معالم تدل على أنها أنثى حتى.. شعر بمزيد من الحنان عليها وكأنها طفلته.. فهو على كل الأحوال لا يستطيع أن ينظر لها كامرأة حتى.. إنما محض طفلة مدللة مثقلة بالوجع والألم!! *********************************** صباح الدوحة زايد ماعاد به صبرا.. يعلم أنه يستحيل أن يكون لدى مهاب ردا بعد وهم للتو خطبوا البارحة ولكنه يريد فقط أن يُشعر مهابا أنهم مستعجلون.. لذا اتصل بمهاب كان مهابا حينها متجها للمطار بعد السلامات المعتادة هتف زايد بحزم: أدري أنكم يمكن مالحقتوا تشاورون بس أنا حبيت أاكد عليك إن حن شارين ومستعجلين.. حينها هتف مهاب في داخله (زين ياكاسرة تبين تعرسين وتملكين.. ولا يهمش) رد على زايد باحترام: وحن ماعاد عندنا رد عقب رد إبي جابر عليكم البارحة... اللي يقوله جدي تم تبون تملكون الليلة تفضلوا.. حن نشتري رياجيل.. ومثل ما أنتو شارين.. حن شارين وزود.. زايد شعر بدهشة أخفاها خلف صوته الثقيل: الليلة الليلة؟؟ شاورتوا البنت؟؟ مهاب بحزم: إيه الليلة .. أنا طالع رحلة وراجع العصر.. والبنت شاورناها وماعندها مانع تفضلوا عقب المغرب.. والعرس عقب شهر لو تبون.. دامكم مستعجلين ما حن بمعطلينكم ابتسامة شاسعة ترتسم على وجه زايد (وش ذا النهار المبارك ؟؟) : خلاص يأبيك تم.. انتظرونا الليلة عقب المغرب.. والعشا عندي الليلة مهاب أغلق الهاتف وهو يبتسم : زين يا كاسرة.. أنتي اللي قلتي وأنا نفذت بس.. بينما زايد أغلق من مهاب ليتصل بعفراء وهو عاجز هن السيطرة عن فرحته.. بعد التحيات المعتادة هتف لها بسعادة عميقة: أم جميلة.. ترا ملكة كسّاب الليلة.. الحين أنا باحول لحسابش فلوس.. أبيش تشترين لمرته.. أحسن شبكة وساعة ودبلة بتلاقينهم في الدوحة.. عفراء أشرقت روحها بالسعادة: وأخيرا يا كسّاب مابغيت.. بس تكفى يأبو كسّاب لا تحول شيء لحسابي... كسّاب بيزعل أوعدك أشتري لها أحسن شيء في الدوحة.. بس بأخذ الفلوس من كسّاب حينها شعر زايد بضيق لم يظهر في صوته الحازم: يأم جميلة هذي شبكة مرت ولدي عفراء بمودة: تشتري شبكة مرت علي إن شاء الله.. كسّاب ماشاء الله عنده خير.. خلني أخسره شوي حينها تنهد زايد: زين اخذي مزون معش.. أبيها تنبسط بتنقية شبكة مرت أخيها *********************************** "وش ذا الكلام اللي أمش قالته لي؟؟" سميرة التي كانت مستغرقة في المذاكرة وباب غرفتها مفتوح لم تنتبه لدخوله حتى انتفضت لسماع صوته الحنون العاتب همست بصوت مختنق وهي عاجزة عن مجرد الإلتفات ووضع عينها في عيني والدها.. وهي تدعي عدم الفهم: أي كلام؟؟ أبو غانم بحنان: قومي حطي عينش في عيني.. أنتي فاهمة أني فاهمش.. وعارفة وش قصدي.. استدارت لوالدها وهي عاجزة عن رفع عينيها لوالدها.. وحياء الفتاة يحضر بعنف ويتلبسها بأعنف صوره.. حينها ابتسم والدها: ويوم إنش وحدة تعرفين السحا.. وشو له مادة لسانش عند أمش أبغيه وأبغيه... حينها اختنقت سميرة تماما.. وعيناها بدأتا تغيمان من شدة الحرج والحياء.. وريقها جف تماما: والله يبه ماقلتها بذا الطريقة بس قلت هو رجّال ماعلى أخلاقه ولا دينه شيء.. ومهوب من الشرع إنه يرد من غير عيب فيه وكون إنه مايسمع ولا يتكلم هذا عطا ربي وقسمته.. وماحد يعترض عليه.. راشد جلس على سريرها.. ثم أشار لها أن تجلس بجواره.. سميرة تقدمت بخطوات مترددة وجلست.. حينها احتضن والدها كتفيها بحنان خالص وهتف بذات الحنان: تدرين يابيش إنكم عيوني اللي أنا أشوف بها وعمري ما غصبت على وحدة منكم بشيء.. بس يأبيش أنتي عادش صغيرة ويمكن إنش حاسة بشفقة على تميم.. وتفكرين بقلبش مهوب عقلش يأبيش لو حتى وافقتش على اللي تبينه... صدقيني عقب كم سنة وخصوصا لا جاكم عيال... بتقولين ليتك عييت علي وما وافقتني على خبالي... حينها تصلب جسد سميرة وهمست بصوت مختنق خجول: وأنت ناوي تعيي علي وتردهم؟؟ راشد بهدوء منطقي: طبعا عشان مصلحتش أنتي.. أنا ماني بمعاشره.. أنتي اللي بتعاشرينه.. سميرة تتجرأ قليلا لتهتف بضعف: يبه أنا صليت استخارة مرتين.. وقلبي مرتاح له وربي إن شاء الله مهوب مخيبني..تكفى يبه ما تغصبني على شيء ما أبيه.. راشد يتنهد ثم يهتف بحزم: يأبيش أنا مستحيل أغصبش على رجال ما تبينه بس بعد مستحيل أخليش تزوجين واحد مثل تميم.. حد قال إني معينش مع نبت الفقع.. يأبيش أنتي أغلى علي من نسمتي اللي أتنسمها ********************************* "قومي البسي عباتش" همسه الساخر الواثق.. كانت كاسرة وقتها تجعد شعرها أمام المرأة استعدادا للذهاب مع والدتها لبيت أبو عبدالرحمن للسلام على جوزاء وإعطائها شبكتها واستغربت دخول مهاب المفاجئ عليها... ولكنها هتفت بثقة وهي مستمرة في لف شعرها بالألة الساخنة: ألبس عباتي ليه؟؟ تو الناس على المراح لمرتك.. اركد شوي.. أبي لي نص ساعة بس وأخلص.. حينها هتف بذات السخرية الواثقة: قومي.. الشيخ ينتظرش في الصالة اللي تحت يأخذ موافقتش وتوقعين.. حينها انتفضت يدها لتلسع نفسها بالألة وضعتها وهي تهتف بغضب: عن المزح الماسخ.. خليتني أحرق يدي ابتسامة مهاب تتسع.. يشعر أنه رد لها ما فعلته به البارحة : ومن قال أمزح ..مهوب أنتي اللي قايلة لي بالحرف " إذا اتصلوا فيك يبون ردنا.. قل لهم إنه حن موافقين.. ومتى ما بغوا الملكة.. يجيبون شيخهم.." قالها وهو يقلد طريقتها في الكلام.. ثم أردف: مهوب ذا كلامش.. وإلا كنتي تقولين شيء ما تقصدينه.. حينها وقفت كاسرة على قدميها ووجهها يحتقن: إلا قلته.. وهذا كلامي.. بس المفروض يا ولد أمي.. تبلغني قبلها.. مهوب تسوي فيني كذا والحين انزل وصرف الشيخ.. كيفك أنت وياه.. خلهم يرجعون بعدين والفشيلة أنت تحملها.. مهوب تجي تبي تعاقبني إني عارضتك بذا الطريقة الخايـبة.. حينها هز مهاب كتفيه بثقة: والله المجلس مليان ناس كبارية جايين مع زايد.. ومسوي عقبه عشاء وش كبره في مجلسه عازم أمة لا إله إلا الله.. دامش تبيني أسوي فضيحة.. بسويها عشان شيء يستاهل... بأقول البنت تراجعت وغيرت رأيها حينها وقفت كاسرة لترتدي عباءتها وهي تهتف بحزم: زين يا امهاب.. والله ما أطوف لك ذا الحركة.. زين بعد الملكة مباشرة.. صعدت كاسرة لغرفتها لتتوجه فورا للحمام لتستحم رغم أنها استحمت قبل أقل من ساعة ولكنها شعرت أن رأسها يغلي من القهر والغيظ.. وصداع مؤلم يجتاحها.. لشدة نبض عروق دماغها وانتفاضها اشترطت في العقد أن لا يمنعها من عملها.. رغم أن أخيها مهابا كان رافضا أن تكتب شروطا في العقد... ولكنها أصرت.. شعرت أن هذا أقل ما يجب أن تفعله للتغلب على خيبة الأمل التي اجتاحتها بعنف.. فهي لابد أن تتحسب لتقلبات هذا الطفل الذي أجبرت نفسها عليه حين كانت توقع لمحت عيناها تاريخ ميلاده .. بينهما تماما 3 سنوات ومن مواليد ذات الشهر .. " ياربي وش ذا البلشة؟! عقب ذا كله.. أرجع أخذ لي بزر" كانت المياه الباردة تنسكب على رأسها ولكن تفكيرها لا يبرد.. أنهت حمامها وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.. وتقرر أن تصلي صلاة العشاء لتقرأ بعدها بعض وردها.. عل بالها يرتاح قليلا بعد أن هدأت قليلا.. شعرت أن هناك من يجب أن تخبره.. لن تسامحها إن لم تخبرها.. بعثت لها برسالة: "فطوم.. أنا تملكت!!" وصلها الرد بعد ثوان: " يا ثقل الطينة.. مت من الضحك تصدقين حتى بطني آجعني من الضحك بس لا عاد تعودينها" حينها تنهدت كاسرة وأرسلت لها: "والله العظيم إني توني تملكت" ثوان ليرن هاتفها.. ليصلها صوت فاطمة الغاضب: والله لا تكونين صادقة لا يصير شيء ما يرضيش.. تنهدت كاسرة همست بهدوء: صادقة.. واللي فيني مكفيني.. فلا تزودينها أنتي بعد فطوم.. حينها انفجرت فاطمة لا تعلم هل هو غضب أم عتب أم فرحة: كذا يالخايسة.. ملكة على طول.. وأنا حتى مادريت بالخطبة من أساسه.. مهوب حن متفقين يوم ملكتش أكون معش من الصبح.. كان خاطري أكون معش دقيقة بدقيقة كذا تكسرين بخاطري.. تنهدت كاسرة: فطوم تكفين لا تزعلين.. والله كل شيء صار بسرعة أنا ما توقعتها.. توهم خطبوا أمس.. بسم الله الرحمن الرحيم واليوم كان عندي ورشة برا الشغل.. ما قابلتش أقول لش.. وما حبيت أقول لش على التلفون عن الخطبة.. أنا بعد كنت أبي أشوف وجهش لا دريتي..بس والله كل شيء صار بسرعة تفر المخ فاطمة تبتسم بحزن رقيق: خلاص ما أقدر أزعل عليش.. بس خلش تعرسين من وراي بعد.. عشان تشوفين شغلش ثم أردفت بحماس ونبرة صوتها تتغير تماما: الزعل نساني أهم شيء.. من هو سعيد الحظ؟؟ كاسرة بهدوء: كسّاب بن زايد آل كسّاب.. حينها هتفت فاطمة ببهجة: ماشاء الله ياسوسو.. صدق ما تطيحين إلا واقفة.. صبرتي ونلتي.. ولد زايد آل كسّاب مرة وحدة.. والله إنه حلمي ما يطيح الأرض.. ما قلت لش بيأتيش الصقر ويلقطش.. وهذا صقرنا كسّاب جا.. ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: بس اللي أعرفه إنه زايد آل كسّاب نفسه مهوب كبير.. مستحيل يكون ولده فوق الثلاثين حتى ثم صرخت بحماس وهي تقهقه: الأخ عشريني صح؟؟ يا الله اعترفي.. كاسرة همست بهدوء واثق رغم أنها بدأت تغلي من هذا الموضوع: قريب الثلاثين.. بيني وبينه 3 سنين بس.. ارتاح قلبش حينها ابتسمت فاطمة: المهم قلبش أنتي يرتاح *********************** " مبروك.. مبروك.. ألف مبروك.. والله العظيم من فرحتي ودي أحجز الليلة وأجيك" كسّاب بسخرية مبطنة: لا أكون فتحت عكا وأنا مادريت.. ترا كل السالفة مرة.. علي يبتسم: صدق إنك بايخ وما عندك إحساس.. الحين نصك الحلو اللي تصير أم عيالك وشريكة حياتك اسمها "كل السالفة مرة!!" (قالها وهو يقلد طريقة كسّاب الساخرة) كسّاب بذات النبرة الساخرة: لأنه هذي هي .. كل السالفة مرة.. يعني ما تحتاج المهرجان اللي مسويه أنت وأبيك وهو يحدد موعد العرس عقب شهر واحد بس.. علي بسعادة صافية: يا كثر بربرتك على الفاضي.. تلاقيك تنطط من الوناسة ومسوي روحك ولا همك والحين اسمعني ترا حجزك حق شهر العسل علي أنا.. والله العظيم ما تقول شيء بأحجز لك هنا في جنيف أحلى فندق وبأسوي لك أحلى برنامج.. وأنا أساسا بأكون في الدوحة...فخذوا راحتكم.. ماعندكم عزول... كسّاب بغضب: استغفر يا ابن الحلال.. وشو له ذا الحلايف... يمكن أنا ما أبي أسافر.. تجبرني؟؟.. علي بمودة صافية: إيه بأجبرك... إذا مهوب عشانك.. عشان مرت أخي الكبير أم زايد.. وعجلوا علينا بزايد... يانا مشتاق لبيبي صغير ندلعه.. ويخلي بيتنا فيه حياة وصريخ شوي... *********************************** طرقاته التي تميزه والتي هي تعرفها جيدا.. ترتفع على الباب.. رغم أنها تعلم أن ارتباطه بوضحى أقوى.. وعلاقته بها أمتن ولكنه يبقى قريبا جدا من روحها ..وتحبه كثيرا ولكن بطريقتها الخاصة.. ولكن الأغرب أنها الآن تشعر بالخشية من هذا الفتى الصامت.. تخشى نظرته السابرة.. لذا تمنت ألا تفتح له وهي مازالت تحتاج للتأقلم مع الفكرة لو أن الطارق أحد سواه.. لم تكن لتتردد لحظة في الفتح.. لا تريد أن يشعر أي أحد بخيبة أملها!! ولا أنها قد تتردد في المواجهة ولكن تميم شيء آخر.. فهو لن يسمع صوتها الحازم الواثق الذي تصيغه بمهارة لتقنع الجميع أنها وافقت بملء قناعتها.. لن يحتاج إلى محاورتها بالكلمات التي تبرع فيها بل سينفذ مباشرة عبر بحيرتي عينيها... ولشد ما تخشى هذا النفاذ!!! تنهدت بعمق وهي تشد قامتها وتسحب شهيقا عميقا.. تبتسم ثم تفتح الباب.. تقدم خطوتين للداخل وهو وجهه ترتسم ابتسامة غاية في النقاء والصفاء والمودة.. قبل رأسها ثم أشار: مبروك يا عروسة.. كاسرة تشير بثقة وهي تتحاشى النظر لعينيه بطريقة بارعة وتركز على يديه: الله يبارك فيك.. تميم يبتسم: سبق لي تعاملت معه.. وسوينا صيانة لكمبيوترات شركته كلها.. رجال محترم وفيه خير.. الله يهنيش.. كاسرة تشير بذات الثقة: ويهنيك ونشوفك عريس قريب إن شاء الله تميم يشير وفي عينيه نظرة مقصودة: إن شاء الله.. وما يصير يعني تردين علي وعينش في عيني..؟؟ ابتسمت كاسرة وهي تنظر له بشكل مباشر وتشير باصطناع بارع: ملكتي توها الليلة مايحق لي استحي من أخي يعني.. تميم يربت على خدها: يحق لش يا الغالية... بس تعودت أنش على طول واثقة من نفسش ويوم تتكلمين تحطين عينش في عين اللي تكلمينه.. يعني أنا متعود على شوفت نظرة عيونش الحلوة وأنتي تأشرين لي.. ثم أكمل وهو ينسحب: ألف مبروك مرة ثانية.. وأتمنى إن السالفة فعلا حيا مهوب شيء ثاني ************************************ تمسح على شعره بحنان مصفى وتهمس برقة عذبة: ماشاء الله كل ما يكبر كل ما يشبه أبيه أكثر شعاع تتنهد بابتسامة مثقلة بالضيق: ياذا الأب اللي منتي براضية تطلعينه من راسش خلاص جوزا أنتي الحين مرت امهاب... جوزاء تجيبها بألم: والله شعاع كلمة عفوية ماقصدت فيها شيء تدرين اشعيع مشكلتش إنش تظنين إني أتذكر عبدالله بالطريقة الإيجايبة.. عبدالله أتذكره في حياتي كمأساة وبس.. يبي لي وقت لين أتأقلم .. يعني يا شعاع تخيلي لو كانت يدش في الجبس.. تكرهين الجبس هذا ومضيق عليش وتمنين اليوم اللي تخلصين منه ومع كذا يوم يشيلونه عنش تحسين بالفراغ.. يعني أنا أربع سنين وأنا في مأساة والحين أحس المأساة انشالت عني... ابي لي وقت قبل أتعود الانطلاق ولو انه الجبس هذا ترك تشويه جامد في يدي.. كفاية دراستي اللي ماعاد قدرت أكملها.. شعاع بضيق: والله حرام جوزا.. كنتي فصل تخرج وباقي لش مادتين بس.. جوزاء هزت كتفيها بألم عميق: قولي لي اشلون اكمل.. مات وأنا في في بداية الفصل وحاديت ثمان شهور وعقبه في يدي طفل صغير خايفة عليه من كل شيء وعقبه الشهور مرت .. ودفعتي كلهم تخرجوا.. وأنا طاف علي وقت الرجعة وما بقى لي غير الحسرة.. شعاع تهز كتفيها: تدرين جوزا.. كل ما أتذكر فترة حدداش أستغرب اصرار أبوصالح إنه تحادين عنده في البيت ابي تضايق وقتها واجد من ذا السالفة.. كان يبيش تجين عندنا.. جوزاء هزت كتفيها بألم أعمق وأعمق: لولا إن ابي حلف عقب ما ولدت إني ما اطلع من المستشفى إلا على بيته وإلا يمكن ابو صالح كان حلف أرجع عقب ما ولدت عنده تذكرين حلوفته على أبي أيام حدادي إني ما أطلع من بيتي على قولته... قال له أبي وهو زعلان من السالفة (بيتك فيه شباب مهوب محارم لها) قال باطلعهم من البيت... وفعلا هزاع وفهد طول فترة حدادي وهم مقيمين في المجلس وصالح نزل غرفة تحت وفتح لها باب على برا... كرهت روحي كره... حسيت إني عفست حياتهم فوق حدر... والكل يحملني الذنب بنظراته.. بس والله مهوب ذنبي.. ذنب أبو صالح اللي كان يبي يعاقبني على موت ولده الغالي.. ***************************** عفراء أنهت قبل دقائق اتصالا مع كسّاب وطلبت منه مالا حتى تشتري شبكته في الغد تشعر بسعادة لطيفة تغزو روحها وهي تجد شيئا تدفن فيه فوضى وجعها ويشغلها عن التفكير الذي جعل روحها تتأكل..والوحدة تلتهمها التهاما.. كان بودها لو تبات مزون عندها.. ولكنها يستحيل أن تطلب منها ذلك لأنها تعلم أن زايدا لا يرضى أن تبات خارج المنزل بعيدا عنه.. نظرت لساعة الهاتف الذي مازال في يدها.. كانت الساعة تقترب من الواحدة والنصف بعد منتصف الليل كانت على وشك النهوض لتصلي قيامها ثم تنام.. فلديها غدا دوام في المدرسة ولكنها قبل أن تتحرك سمعت حركة غريبة.. ابتلعت ريقها جزعا وأرهفت السمع ودقات قلبها تتصاعد بعنف "هل هذا صوت خطوات؟؟ أم يخيل لي" صوت خطوات أقدام ثقيلة تتسحب قريبا منها عفراء شعرت أن قلبها سيتوقف من الرعب وهي عاجزة عن التنفس حتى.. وركبتاها بدأتا تتصاكان ولكنها تناولت هاتفها بخفة وهي تضعه على أذنها بخفاء بعد أن أعادت الاتصال بكسّاب وتهمس بخفوت بالغ مختنق وكلماتها تتناثر: كسّاب الحقني فيه حرامي عندي في البيت.. وصلها صراخ كسّاب المزمجر المرعب الذي بدا لها أنه يكلمها وهو يركض: سكري على روحش في أقرب غرفة.. أقل من دقيقة وأنا عندش عفراء وقفت بهدوء جزع وريقها يجف تماما.. وهي تشعر أن شعر جسدها قد وقف كله والدم توقف عن عبور شرايينها .. وتيارات رعب لا حدود لها تمر عبر مسامات جسدها كلسعات الكهرباء لأنها شعرت أن الحركة أصبحت قريبة جدا منها لذا قررت أن تركض بأسرع ما تستطيع.. وبالفعل بدأت بالتنفيذ وهي تركض ناحية الدرج لولا اليد القوية التي منعتها من الصعود وأمسكت بها بقوة وألقتها بكل عنف على الدرجات الرخامية... #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن عشر في مجلس زايد.. مازالت السهرة ممتدة بين كسّاب ومنصور احتفالا بعقد قران كسّاب.. هو احتفال من وجهة نظر منصور ربما!! منصور يهتف بابتسامة: كان خاطري تشوف وجهك يوم قال لك الشيخ إنها شرطت شغلها حسيت إنك تبي تقوم تعطي الشيخ كفين.. ابتسم كسّاب بتهكم: والشيخ ليه يعطيها أساسا مجال تتشّرط هي وجهها.. ليه ما قال لها المره مالها إلا بيتها وتلايطي.. يا حرتي ليتني كنت موجود أنا تتشرط علي الشيخة... زين دواها عندي.. كانا مستغرقين في الحديث حينما رن هاتف كسّاب.. كانت خالته.. تناوله بذهن خالي: لحقتي تشتاقين لي... توش مسكرة من خمس دقايق.. كسّاب قفز على قدميه وبدأ يركض وهو يصرخ ويزمجر بصوت مرعب: سكري على روحش في أقرب غرفة.. أقل من دقيقة وأنا عندش منصور حينما رأى حالة كسّاب وسمع صراخه ..شعر أن ورائه مصيبة ما.. لذا ركض خلفه دون أدنى تردد قبل ذلك بدقيقة في بيت عفراء عفراء تنظر لساعة الهاتف الذي مازال في يدها.. كانت الساعة تقترب من الواحدة والنصف بعد منتصف الليل كانت على وشك النهوض لتصلي قيامها ثم تنام.. فلديها غدا دوام في المدرسة ولكنها قبل أن تتحرك سمعت حركةغريبة.. ابتلعت ريقها جزعا وأرهفت السمع ودقات قلبها تتصاعد بعنف "هل هذا صوت خطوات؟؟أم يخيل لي" صوت خطوات أقدام ثقيلة تتسحب قريبا منها عفراء شعرت أن قلبها سيتوقف من الرعب وهي عاجزة عن التنفس حتى.. وركبتاها بدأتا تتصاكان ولكنها تناولت هاتفها بخفة وهي تضعه على أذنها بخفاء بعد أن أعادت الاتصال بكسّاب وهمست بخفوت بالغ مختنق وكلماتها تتناثر: كسّاب الحقني فيه حرامي عندي في البيت.. وصلها صراخ كسّاب المزمجر المرعب الذي بدا لها أنه يكلمها وهو يركض: سكري على روحش في أقرب غرفة.. أقل من دقيقة وأنا عندش عفراء وقفت بهدوء جزع وريقها يجف تماما.. وهي تشعر أن شعر جسدها قد وقف كله والدم توقف عن عبور شرايينها .. وتيارات رعب لاحدود لها تمر عبر مسامات جسدها كلسعات الكهرباء لأنها شعرت أن الحركة أصبحت قريبة جدا منها لذا قررت أن تركض بأسرع ما تستطيع.. وبالفعل بدأت بالتنفيذ وهي تركض ناحية الدرج لولا اليد القوية التي منعتها من الصعود وأمسكت بها بقوة وألقتها بكل عنف على الدرجات الرخامية... لتشعر كما لو أن ألف شظية انفجرت في ظهرها وألم لا يحتمل يتخلل خلاياها لدرجة جعلتها عاجزة عن رؤية الوجه الغريب الذي لم تتعرفه أبدا ولم يسبق لها رؤيته كان غرضه الأساسي للدخول هو السرقة ولكن الغرض تغير حينما رأها.. وحينما بدأت تتبين غرضه وهو يدفعها على الدرج ويحاول تمزيق ملابسها انتفضت حينها كنمرة مفترسة... وكأن طاقة غير محدودة صبت في جسدها وهي تقاومه بعنف لم تطل مقاومتها له ولا حتى لدقيقة واحدة لأن دويا هائلا اقتحم المكان.. وقفل الباب الضخم ينخلع تماما من مكانه جراء ركلة مشتركة من كسّاب ومنصور كسّاب هو من دخل أولا.. حينما رأى الموقف الذي لم يحتج تفسيرا أمامه.. أعلى جيب خالته المفتوح.. وأثر الصفعات على وجهها.. حتى جن تماما.. وثارت براكين غضبه العاتي.. وهو يركض ناحيتها ويتناول الرجل بوحشية.. ويرفعه عاليا ليلقي به خلفه بكل عنف ثم يحمل خالته راكضا بها للأعلى وهو يضمها لصدره.. لأنه يعلم أن منصور سيتولى من ألقاه خلفه وكل همه الآن انصب في خالته فقط.. عفراء حين رأته.. شعرت أن قوتها كلها انهارت.. وهي تنتحب كطفلة مغبونة على صدره.. كسّاب كان يشتعل غضبا حارقا وهو يهدئها ويضعها على سريرها ثم صرخ بغضب هادر مجنون لا حدود لوحشيته: الــكــلــــب والله لأشرب دمه الليلة..خالتي خليني ألحق على عمي منصور قدام يذبحه.. ماحد بذابحه غيري.. والله ما يرويني كل دمه الحيوان وبالفعل نزل كسّاب بسرعة.. يسيره غضب أسود على من اجتاز أسوارهم وتجرأ على محارمهم ليجد أن عمه قد أنجز المهمة.. وروح الرجل أسلمت إلى بارئها كسّاب صرخ بغضب هستيري كاسح: ماأسرع مات ذا الكلب.. ما خليتني أبرد خاطري فيه منصور كانت أنفاسه تعلو وتنخفض من شدة الغضب والتأثر: كلب ما يسوى..حتى كفين ما استحمل كسّاب تفحصه ليتعرف عليه ثم هتف بغضب أشد وأشد: الخسيس النذل واحد من صبيان المجلس... داري إن حن لاهين في المجلس وهي بروحها.. كسّاب يحاول أن يفكر بسرعة رغم شدة غضبه المستحكم.. ليهتف بعدها بحزم: عمي خلنا نتفق من الحين تراني اللي ذبحت الرجال.. أنا رجّال مدني.. لكن أنت عسكري.. حتى لو حالة دفاع عن النفس.. لازم بيسجنونك حق العسكرية منصور انفجر بغضب هادر وعيناه تشتعلان غضبا مرعبا: تخسى وتهبى أنت ووجهك.. أنا أندس وراك.. خلهم يسوون اللي يبون كسّاب أجابه بغيظ ووجهه مازال محمرا من أثر غضبه الكاسح: ياعمي الله يهداك.. فكر معي زين.. أنا ما أبي اسم خالتي يجي في السالفة أبد.. خلنا نشل الرجّال ونطلعه برا.. وأقول إني لقيته ينط درايش البيت العود وعقب هو تهجم علي أول.. فأنا ذبحته دفاع عن النفس.. وأنت تشهد معي وانتهت السالفة.. كذا أنا حتى أسبوع ماني بماخذ في السجن.. لكن أنت لو دخلت في السالفة بتتعقد... المحاكمة بتصير عسكرية ..وبيصير فيه حق العسكرية عليك سالفة عويصة والله مالها سنع وبالفعل حمل كسّاب الرجل.. وألقاه بعيدا عن منزل خالته بالقرب من حائط البيت الرئيسي.. واصطنع له ساحة قتال على الأرض والحشائش بسرعة وبراعة وحرفنة لا مثيل لها تحت عيني منصور المدهوش مما يفعله لينتهي بعدها بضرب رأسه في زاوية الحائط الحادة.. ودمه يسيل على وجهه وعلى الحائط منصور صرخ بجزع: وش تسوي يالخبل؟؟.. كسّاب بحزم أشار له أن يتمهل وهو يقرب رأسه من كتف الرجل لتسيل بعض دمائه وتختلط بدماء الرجل ثم يلتقط هاتفه ليتصل بمزون التي كانت وقتها نائمة... لتتفاجأ من الاتصال وتتفاجأ أكثر من صاحب الاتصال الذي همس لها بحزم شديد ..دون أدنى اهتمام بسيل الدم الذي بدأ بالتدفق على وجهه: روحي الحين لبيت خالتي.. واقعدي عندها.. وأبيش تنظفين المكان من الدم عدل.. مزون بجزع ورعب: دم؟؟ كسّاب بذات الحزم: خلصيني.. ما أبي الخدامة تلاقي أي أثر إذا نزلت بكرة.. ما ظنتي إنها سمعت شيء لأنها غرفتها فوق والتكييف يصم الأذاني ثم التفت لعمه وهو يهمس بحزم أشد: شوف يا عمي أنا ما همني من الموضوع ذا كله إلا خالتي.. أنا سويت ذا كله عشان ما فيه أي حد يشك إن الهدة ماكانت هنا في ذا المكان فعلا.. واسمعني عمي..خالتي اسمها ما يأتي في التحقيق ولا بأي صورة.. ولا أي أحد يدري بأي شيء؟؟ فاهمني يا عمي... والحين اتصل أنت في الشرطة... وقل لهم إني قاعد أتهاد مع واحد يبي يسرق البيت.. ********************************* "صباح الخير ياعروسة" كاسرة بابتسامة غريبة: أي عروسته اللي يهداش؟؟ رجّالي المبجل صباح ملكتنا مقضيه في التوقيف ذابح له واحد... فاطمة بجزع: من جدش؟؟ ياويل حالي.. وتقولينها وأنتي مبتسمة.. كاسرة تهز كتفيها: وليش ما أبتسم.. شر البلية ما يضحك.. واحد بزر.. وش تتوقعين منه؟؟... ما عنده كنترول على أعصابه.. وإيديه تسبق تفكيره فاطمة بجزع حقيقي: كاسرة أنتي من جدش.. وإلا تعييرين علي..؟؟ كاسرة بهدوء غريب: والله من جدي.. وافتحي البلاك بيري حقش صدقيني بتلاقين الخبر حد دازه لش.. اليوم عقب صلاة الفجر وامهاب طالع من المسجد جاه الخبر على البلاك بيري.. "كسّاب آل كسّاب ذابح واحد من صبيان مجلسهم كان يبي يسرق البيت وصارت هدة بينهم.. وكسّاب الحين في التوقيف وفيه ضربة كايدة في رأسه" امهاب فعلا راح لهم مركز العاصمة.. يقول أمة لا إلة إلا الله هناك.. محشر ناس كبارية.. وامهاب معتقد السالفة هامتني...يبي يطمني.. يقول لي لا تحاتينه.. الجرح في رأسه بسيط.. وأسبوع بالكثير وطالع .. هذي حالة دفاع عن النفس.. (ومالا تعلمه كاسرة أن كسّاب كان يخرج في هذه اللحظة من مركز أمن العاصمة برفقة والده وعمه بعد أن تدخلت الواسطات لتسريع الإجراءات.. ليخرج بكفالة حتى انتهاء التحقيقات ومن ثم موعد المحاكمة) أكملت كاسرة حديثها وهي تهمس بذات الهدوء الغامض: ما درى امهاب إني يمكن أكون مهتمة بالعامل اللي مات أكثر.. الحين المسكين حدته الحاجة يسرق.. امسكه.. سلمه الشرطة.. مهوب تذبحه... نعنبو ما للدم حرمة عندك.. فاطمة باستغراب: أما أنش غريبة.. هذا دفاع عن نفسه وعن بيته.. والرجّال متهجم عليه.. احمدي ربش عندش رجال دمه حامي.. كاسرة تشعر بغيظ عميق لم يصدر مع نبرة صوتها الهادئة المتحكمة: أحمد ربي؟؟.. أنا حاسة إني ورطت نفسي أكبر ورطة ثم أردفت بهدوء صارم تخفي خلفه خوفا ما: يا خوفي تنحسب علي ذي زواجة وأنا ما ظنتي إنه حن بنعمر معا بزر ودمه حامي!!! *********************************** " ها حبيبتي عادها زعلانة علي؟!" عالية تهز كتفيها: ياكثر اللي زعلتهم وزعلت عليهم ياخالي.. نايف بمودة صافية: ماعلي من حد.. علي من روحي... ثم أردف (بعيارة) :أعرفش لو ما تطلعين روح نص سكان الدوحة قدام نرجع فرنسا ما أنتي بمستانسة عالية بضيق شديد: تكفى نايف لا تزودها علي.. والله العظيم محتاجة لي كنترول من قلب.. بس والله إني ما أهقى إن المقلب ثقيل لين يصير.. قصدي المزح والله نايف بمودة: أدري يالغالية... تشرحين لنويف.. نويف فاهمش بدون شرح ثم أردف بحماس: يالله قومي نتريق برا.. وعقبه نمر على كم خالة من خالاتش حينها ابتسمت عالية : عادهم مجننينك.؟؟. نايف يبتسم: أوف.. مهوب شيء والله... لو ما أمرهم كلهم كل يوم يسوون لي فيلم هندي قلت لهم خلاص كل يوم بأمر ثنتين منكم... وش أسوي يوم كثروا هلي البنات.. تدرين وش قالوا؟؟ .... قالوا مهوب حولنا.. معنى كذا كل وحدة ما يرجع لها الدور إلا عقب أربع أيام وحن ما صدقنا نشوفك عقب ذا الغيبة كلها.. مستكثر علينا ذا الكم شهر.. وش أسوي ؟؟ ما اقدر أحزنهم... بس جد عالية تعبت... تخيلي غير عن أمش.. كل يوم ألف ست بيوت.. وكل وحدة منهم تبيني أقعد عندها ساعة لا وتزغطني بعد لين أنفقع.. أحس إني من البارحة لليوم زايد كيلوين.. حينها ابتسمت عالية وهتفت بمرح: زين يالدب ما كفاك أكلهم وهذا أنت تبينا نطلع نتريق برا.. نايف بمرح مشابه: لا هذا غير.. هذا أنا بأكل بدون ماحد يجبرني.. ومع أحلى أم مقالب في العالم... *********************************** "بس خالتي هدي.. من البارحة لين اليوم وأنتي ترجفين" عفراء مازالت تحت صدمة ماحدث البارحة رغم أن المهاجم لم يلمس شيئا منها وكل ما تمكن منه مع مقاومتها المتوحشة أنه صفعها صفعتين وفتح أعلى جيبها قبل أن يصل كسّاب ومنصور.. ولكن الموقف كله كان مرعبا وجارحا ومؤذيا لأبعد حد.. إحساسها بفقدان الامان وهي في وسط بيتها.. واقتراب رجل غريب من حدود جسدها المحضورة الحرج المميت الذي تعرضت له أمام ابن شقيقتها وعمه.. وماحدث بعد ذلك لكساب ومعرفتها أنه في السجن من أجلها.. كل هذا بعث ألما وحرجا لا حدود لهما في روحها المثقلة بكل أشكال الألم قبل أن يحدث كلها.. فهل مازال هناك مساحة لمزيد؟!! مزون تحتضن خالتها وهي تجلس جوارها على السرير وتهمس بقلق: خاطري أعرف وش اللي صار.. يوم الهدة صارت عند بيتنا ..الدم اللي هنا من وين جا (الدم هذا مالش شغل فيه... ويا ويلش تجيبين لأحد طاريه) كان صوت كسّاب الحازم الذي اقتحم عليهما الغرفة عفراء حين رأت كسّاب وقفت على ركبتيها وهي مازالت على السرير وهي تمد يديها له.. ليحتضنها كسّاب بكل قوته بينما انخرطت هي في بكاء حاد موجوع مترع بالشهقات المتألمة مزون تأخرت وحزن عميق يخترم روحها.. كم هي مشتاقة.. بل مستنزفة من الشوق لحضن هذا الأخ المتجبر الذي لا يعرف الغفران أتعبها البعد واليأس والهجر وإحساسها بالفراغ بعيدا عنه!! أن تكون منتميا لأبعد حدود الانتماء إلى شخص ما.. ثم يلفظك بقسوة ودون رحمة.. فكيف سيكون إحساسك حينها؟! كسّاب جلس على السرير وهو يهدهد خالته كطفلة وهو يهمس لها بحنان مصفى: بس يا خالتي خلاص.. عفراء بين شهقاتها: كنت أحاتيك.. خفت تطول في السجن.. كسّاب بمودة: وليش أطول.. هذي حالة دفاع عن النفس.. وهذا أنا قدامش مافيني إلا العافية.. وباشل شلايلي وبجي أقعد عندش بعد.. عفراء مدت يدها لرأسه لتنزع غترته وهي تقول بحنان بصوتها المبحوح: خلني أشوف رأسك كسّاب يلمس الضماد على قمة رأسه ويبتسم: بسيطة خالتي والله العظيم بسيطة.. تمنت مزون لو استطاعت أن تنظر من قرب وقلبها يقفز في بلعومها جزعا عليه.. تمنت لو تستطيع تقبيل رأسه.. أن تهمس له من قرب: سلامتك ألف سلامة.. ليته فيني ولا فيك ولكن كل ما استطاعت فعله أنها بقيت واقفة في الزاوية.. زاوية المكان.. زاوية التجاهل.. تحترق وتذوي وتتأكل.. تـــتـأكــل.. تتأكل بكل معنى الكلمة!! ********************************************* "وش أخبار الترتيبات للرحلة؟؟" نجلاء بضيق: قصدش وش آخر الترتيبات للوكسة؟؟ أنا ما أدري أشلون وافقتش على خبالش.. أشلون أسافر معه وأنا زعلانة عليه أشلون تركب ذي؟؟ وش ذا الخبال؟؟ سميرة تضحك: يا بنت الحلال صدقيني إنه هذي أكبر خدمة قدمتها لش أنا بصراحة متعجبة من تفكيري العبقري ما أدري أشلون جاتني ذا الفكرة الألمعية على قولت خالي هريدي: (اللي تغلب بو إلعب بو)..وأنتي عندش اللي تغلبين به.. العبي به... مشكلتش ما تعرفين تستخدمين أسلحتش اللي عندش واللي أهمها إنش عاقدة حبلش في رقبة صويلح المتيم.. شدي الحبل شوي يالخبلة.. بس شوي.. ويجيش يخب ويعثر بعد.. نجلاء تبتسم: زين خلك ورا الكذاب لين باب الدار... نشوف آخرتها ثم أردفت بابتسامة: بكرة بأروح أشتري لعيالي شوي أشياء ناقصتهم.. كلمي علوي تروح معنا لا تظن إني عادني زعلانة عليها.. بس قولي لها.. تكفى بلاها مقالبها.. خلنا نرجع سالمين ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: تدرين سميرة.. أخاف إن حسابي مافيه فلوس تكفي.. عندش فلوس؟؟ سميرة رسمت علائم البؤس على وجهها: منين.. دنا ولية غلبانة على باب الله ثم صرخت بحماس مفاجئ: خلينا نطلب من البنك المركزي... جيب السبع مايخلاش.. نجلاء بغضب: والله ما تطلبين من غانم ريال.. مهوب كفاية إنش ما تشبعين طلبات منه.. أنا بأطلب من أبي خلاص.. سميرة ترقص حاجبيها: وليش ما تطلبين من صالح... مهوب تبين تشترين أغراض لشواذيه؟!! قولي له إنش خلصتي مصروفهم الشهري اللي هو يعطيكم لأنه الشهر هذا فيه حدث سبيشل.. وسوق سبيشل نجلاء بغضب: قومي فارقي من وجهي.. تراش صايرة ما تنطاقين.. سميرة تضحك وهي تقف لتخرج: اللي يقول كلمة الحق يصير مجرم عندش وما ينطاق كانت سميرة مازالت تخرج حين وصل لنجلاء رسالة "ترا حطيت في حسابش فلوس يمكن تبين تشترين للعيال أشياء عشان السفر" تعجبت نجلاء وتأثرت بعمق.. لولا أن سميرة كانت تخرج أمامها أو ربما لكانت اتهمتها أنها من أخبرته وهاهي الآن حرجها يتصاعد منه.. فهو من الناحية المادية لا يقصر مطلقا ومع بداية كل شهر يضع في حسابها مصروفاتهم وبسخاء.. عدا عن أنه يتكفل بأي مصاريف يعلم أن أبنائه يحتاجونها حتى لو كانت لم تطلبها تنهدت وهي تتخيل.. لو أن صالحا طلقها.. وتزوج أخرى فهل سيظل بذات هذا الكرم الزائد معها ومع ابنائها وخصوصا أن اعتمادها الأساسي عليه.. فهي لم تكمل دراستها الجامعية بعد زواجها.. شعرت أن رأسها يؤلمها وكأنها تدور في دوامات عاتية.. تريد أن تتمدد.. عل الجسد حين يرتاح يريح العقل قليلا.. ولكنها قبل ذلك شعرت بضرورة أن ترسل شكرا ما لصالح حتى لا تبدو معدومة الذوق ليصلها الرد بعد دقيقة وهي تتمدد لترتاح قليلا : " تشكريني على ويش؟؟ اطلبي عيني اطلبي روحي اطلبي قلبي اطلبي أنفاسي اللي أتنفسها اطلبي اللي تبين.. ومهما طلبتي مافيه شيء يوازي قدرش عندي عشان كذا لا تشكريني على شيء ما يسوى حتى طرف ظفرش اللي تقصينه" تنهدت بوجع.. ودمعة يائسة تنحدر على مخدتها حتى متى هذا الحصار؟؟ حتى متى؟؟ بدأت روحها تضيق من هذا الحصار وهو بعيد عنها... فكيف عندما ينقل ساحة المعركة للقرب القريب؟!! ********************************** تدرس في غرفتها.. سمعت طرقات حازمة على الباب وقفت لتفتح لأنها تعرفت على صاحب الطرقات من طرقاته قالت بمودة عميقة: هلا والله بعريسنا مهاب دخل بخطوات هادئة حازمة: وأنتي متى بتريحين عبدالرحمن ونشوفه عريس؟؟ وضحى صمتت بخجل.. بينما مهاب استحدثها للرد: أتوقع يا وضحى إنش ماطلتي أكثر من اللازم عيب عليش خلاص .. الحين تعطيني رد نهائي.. عبدالرحمن مهوب لعبة عندش أنتي وأختش.. وأتمنى إنش تكونين عاقلة وما تضيعينه من يدش مثل ماسوت هي... وضحى بصوت مبحوح: كاسرة جاها نصيبها خلاص.. الله يهنيها.. مهاب بنبرة غضب: وحن خلصنا من كاسرة.. أنتظر ردش أنتي.. وين نصيبش أنتي؟؟ وش ردش؟؟ وضحى بتردد بصوت خافت: ردي .. إني.. إني.. ماني بموافقة.. مهاب بغضب: نعم؟؟؟ وضحى تراجعت وهمست باختناق: امهاب هذا زواج... وأنا فكرت كثير وما أبيه.. تكفى ما تغصبني حينها تنهد مهاب بعمق: وضحى فكري أكثر... عبدالرحمن ماحد يفرط فيه.. وضحى بذات الصوت المختنق: خلاص تعبت من التفكير.. خلصوني من ذا السالفة.. ما تنجبر روح على روح مهاب شد قامته وهتف بحزم: صدقيني إنش بتعضين إيديش ندم.. لكن خلاص لا فات الفوت ما ينفع الصوت كيفش يا بنت امي.. ماحد بجابرش على شيء... بس تذكري إني كنت أبي لش الأحسن.. لكن أنتي اللي ماعرفتي مصلحتش.. ************************************* "تدرين إن ولد خالتج ملج البارحة.. بس نسيت أقول لج البارح!!" لا يعلم ما الذي قصده من إلقاء الخبر عليها بهذه الصورة المفاجئة ولكنه ألقاه وهو مستعد تماما لاقتناص كل ردة فعل... لذا لم يفته مطلقا اختلاجة عينيها وارتعاش الكأس بين كفيها بعد أن أصرت أن تشرب لوحدها منه.. ثم وهي تهمس بصوت مبحوح: أي واحد فيهم؟؟ خليفة حاول ان يجيب بطبيعية: كسّاب.. ولكن ما استغربه خليفة فعلا بعد ذلك.. هو سؤالها: ومن اللي بلغك الخبر؟؟ فأجاب بتلقائية: خالتي عفرا لتنفجر حينها في اتجاه آخر غير متوقع : يعني ذا كله تكلم أمي من وراي وماهان عليك تطمني عليها وإلا تخليني أكلمها وأنت شايفني محترقة عليها وبأموت من الشوق لها... وش القلب اللي عندك يأخي.. حجر.. ما يحس.. ارحمني الله يرحم والديك ذا الوقت كله وأنا باموت أظن إن أمي ما تكلم ولا تسأل عني.. واثرها تكلمك أنت يا المتوحش وماهان عليك تقول لي.. تبي تذبحني بالقهر.. مهوب كفاية إني بأموت.. تبيني أموت مقهورة.. ما تخاف ربك أنت.. ............. صرخت مطولا ونعتته بمختلف النعوت المتوحشة والسادية.. طالت ثورتها كثيرا.. بينما خليفة خلال ثورتها بقي صامتا.. فهو يكاد يعتاد على ثوراتها التي ستنتهي بالبكاء ثم صراخها بكلماتها الخالدة (أكرهك.. أكرهك!!) ********************************* قهوة العصر في مجلس خالد آل ليث هو وشقيقه راشد وابناه هزاع وفهد الأحاديث تدور بينهم.. راشد يقول لخالد بابتسامة: تدري يابو صالح إن تميم آل سيف جاي يخطب سميرة.. تصور أبو صالح عقد حاجبيه: من جدك يأبو غانم.. نعنبو ذا صاحي وإلا خبل؟!! حينها هتف فهد (بعيارة) : صدق قدر وعيّن غطاه...تدري ياعمي أصلا ما يستحمل هذرة سميرة إلا واحد ما يسمع.. وحينها أكمل هزاع بذات (عيارة) أخيه: لا وما يتكلم عشان ما تجيه الحسرة.. لأنه لو كان يتكلم عمره ماراح يفتح ثمه لأنها بتتكلم نيابة عنه 24 ساعة في اليوم حينها وقف أبو غانم بشكل حاد مفاجئ وهو يقول بغضب كاسح: اقطع وإخس أنت وياه.. قد ذي هرجتكم على بنت عمكم يالنسوان والله لولا حشمة خالد ومجلسه.. وإلا جزا كل واحد منكم كف يهل سنونه.. أنهى عبارته وهو يرتعش من الغضب ليخرج من فوره... بينما أبو صالح الذي كان غضبه تصاعد أصلا مع سخرية أبناءه البريئة فور خروج راشد تناول عصاه ليلكز كل واحد منهما على عضده بطرف العصا.. وهو يرتعش من الغضب: هذا حكي تقولونه لعمكم ياللي ما تستحون فهد بحزم: يبه السالفة كلها مزوح.. وماذي باول مرة نعلق على سميرة عند عمي.. وش فيه عصب ذا المرة أبو صالح بغضب: فيه إن ذا مهوب وقت مزح أنت وياه ولا ذا بكلام هزاع بابتسامة: بس السالفة فعلا مزح.. وإلا من جدك تميم يخطب سميرة.. وش ذا المسخرة؟؟ أكيد أنه استخف وعمي قالها هو يضحك.. فإحنا ردينا عليه بمزح.. فليه تزعل أنت وأخيك فهد أكمل باحترام: يبه والله ما قصدنا شيء وأنت داري.. فصدق ليه زعلك أنت وعمي؟؟.. أبو صالح مازال مستمرا في الغضب: لأنه المفروض إنه واحد منكم يا الرخوم.. قال والله ما يكون إن بنت عمنا تخطب وحن موجودين.. ليه حن وين رحنا؟؟ فهد بعدم اهتمام: ليه وأنت صدقت إن خطبة تميم خطبة... هذا لعب بزران... ولا تخاف أنت وأخيك.. ماحن بمرخصين أم لسانين... ******************************************** " البنات والله كانوا يبون يجون معي.. بس خبركم وضحى عندها امتحانات.. وكاسرة توه ملكتها البارحة " حينها هتفت جوزاء بسخرية مغطاة: لا تكون كاسرة صدق مستحية مثل باقي البنات.......... جوزاء بترت عبارتها وهي تتحسر وتندم فعلا وبحرقة حقيقية على قولها.. بينما والدتها نظرت لها بحدة مؤنبة بينما مزنة ردت بشكل مباشر وحازم ودون تردد: ومن قال إن كاسرة مثل باقي البنات عشان تسوي مثلهم كاسرة شيخة البنات.. وشيختهم لازم تكون غير عنهم جوزاء ابتلعت ريقها بحرج.. وهي تسب نفسها على تفلت لسانها الذي لم تكن تقصده فعلا.. ولكنها شخصيتها المركبة التي باتت تشعر أنها تحتاج فعلا لإعادة تأهيل جذري أم عبدالرحمن سارعت بالقول: وأنا أشهد إن كاسرة شيخة البنات.. وجاها شيخ الرياجيل.. الله يهنيها يارب مزنة ترد عليها بهدوء: اللهم آمين.. اسمعيني يأم عبدالرحمن.. ترا امهاب حط مهر جوزا في حسابها والعرس إن شاء الله عقب شهرين ونص مثل منتي عارفة جوزاء انسحبت بهدوء من الجلسة وهي تجر أذيال حرجها وندمها.. بينما مزنة أكملت بابتسامة: الله يعيني عرس كاسرة عقب شهر وامهاب عقبها بشهر ونص وحتى تميم الحين أدور له عروس أبي أزوجه... أم عبدالرحمن بتساؤل: إلا يأم امهاب ليش ذا العجلة في عرس كاسرة... البنية مهيب لاحقة حتى تتجهز.. مزنة بهدوء: العرب مستعجلين وامهاب عطاهم كلمة... وماقدرنا نقول غير كذا والحين كل شيء جاهز في السوق.. حتى أسبوع يكفيها تتجهز ********************************************** "يبه صحيح الكلام اللي وصلني.. كسّاب ذبح واحد من صبيان المجلس" صوته الجزع المثقل بالقلق وصل زايد عبر أثير هاتفه رد عليه زايد بانفعال: لا بارك الله فيمن وصل لك الخبر.. محراك الشر ذا ثم أردف وهو يتماسك بهدوء: يأبيك الدعوى بسيطة.. وأخيك ترا حتى ماقعد في التوقيف ليلة وصلنا قبل الفجر وطلع الصبح... والقضية دفاع عن النفس علي بقلق: علمني وش اللي صار؟؟ زايد بهدوء: كسّاب صاد واحد من الصبيان يبي يدخل البيت يسرق.. فتهاد هو ياه.. وضربه الصبي على رأسه وأنت عارف أخيك.. فتن على الرجّال ماهده إلا ميت... علي بقلق أكبر: وكسّاب أشلونه؟؟ والضربة في رأسه عسى مهيب كايدة بس؟؟ زايد بطمأنة: والله إنه طيب.. علي بذات القلق: قلبي مهوب مرتاح.. أنا بجيكم أشوفه بنفسي.. زايد بحزم: والله ما تاتي وتعطل شغلك وأنت أساسا جاي عقب شهر في عرس كسّاب.. كلمه برأسه واخذ علومه منه... والله العظيم إنه طيب ومافيه إلا العافية... بس نبيك لا جيتنا عقب شهر تطول عندنا.. ********************************* "وش أخبار علي يوم كلمك؟؟" كسّاب بهدوء عميق: طيب.. الخبل كان بيأتي.. بس أنا حلفت عليه مايتعنى ويأتي منصور بحزم ومودة: زين الحين قل لي وش اللي شاغل تفكيرك كذا.. من يوم طلعت من التوقيف وأنت مهموم ترا السالفة بسيطة وأنت داري.. كسّاب يتنهد: القضية والله ماهمتني.. بس أنا بالي مشغول على خالتي منصور يسترخي في جلسته: خالتك طيبة وبخير ومافيها إلا العافية.. كسّاب بهم: وضعها كذا مهوب مقبول.. أنا الحين قاعد عندها بس أنا عرسي عقب شهر.. وإبي شارط أسكن عنده وأنا مستحيل أخلي خالتي ترجع تقعد بروحها عقب اللي صار.. مستحيل منصور بعدم اهتمام: وش الحل عندك؟؟ تنهد كسّاب ليهتف بعدها بحزم وكأنه يلقي قنبلة: الحل أنها تزوج إبي.. إن شاء الله غصبا عنها.. وتجي عندنا في البيت منصور اعتدل في جلسته بحدة مفاجئة وهو يصر على أسنانه: نعم.. عيد.. كسّاب بحزم: تزوج إبي.. وابي أظني ما عنده مانع ولا هو برادني إذا طلبته المرة اللي فاتت مع أنها كانت فكرتي بس أنا كنت صغير.. ومالي حكم لكن الحين بأغصبها.. حينها توسعت عينا منصور بدهشة وغضب: ليه هو كان فيه مرة من قبل؟؟ كسّاب بطبيعية: إيه قبل حوالي 14 سنة.. بس خالتي ما رضت حينها تفجر غضب منصور بشكل عات وكاسح: وأنا وين كنت أيام تيك الخطبة؟؟ ليش ما دريت بها زايد عمره مادس علي شيء.. أشلون يدس علي موضوع مثل هذا كسّاب يسترخي في جلسته: والله إنشد إخيك لا تنشدني... وعلى العموم ما صار شيء عشان تدري به.. خالتي رفضت بدون نقاش حتى.. بس ذا المرة خلاص.. ماني بسامح لها.. بتأخذ إبي بتأخذه حينها قال منصور بحزم مثقل بالغموض وبعبارة قاطعة مفاجئة: وليش إبيك ومهوب أنا؟؟ قفز كسّاب معتدلا: نعم؟؟ أنت من جدك؟؟ منصور هز كتفيه وهتف بثقة: طبعا من جدي... ومثل ما تصفط لإبيك اصفط لعمك يعني مثل منت شايف خالتك محتاجة رجّال.. منت بشايف إن بيت عمك محتاج مرة.. حينها هتف كسّاب بنبرة فيها غضب: عمي المواضيع ذي مافيها لعب.. وأنا عارف إنك ما تبي تتزوج وأنا ما أسمح لك تخلي خالتي مطنزة لك.. أشار له منصور بيده بصرامة: اقعد ياولد لا تنشق بلاعيمك بس.. ليه أنت شايفني ألعب عشان أمزح في موضوع مثل هذا ثم أردف بحزم: أنا أخطب منك خالتك.. وياويلك تردني.. وأبغيك الحين تقول لها اللي أنا بأقوله لك بالحرف.. عشان إذا وافقت علي توافق على بينة وعلى العموم أكثر الكلام اللي أنا بأقوله لك أنت عارفه.. بس فيه شغلة بسيطة أبيك تضيفها.. أو بمعنى أدق تقدر تقول شرط.. ***************************************** كانت أم غانم تضع مها الصغيرة في سريرها.. لتتفاجأ بملمس شفتين على كتفها من الخلف.. انتفضت وهي تسمي بسم الله وتهمس بغضب من بين أسنانها: أنتي يا بنت منتي بمرتاحة لين تجيبين لي الخفة... سميرة بابتسامة وهي تهمس بصوت خافت حتى لا توقظ أخويها النائمين: يا ماما يائلبي أنتي.. أحب أدخل بهدوء وأكون كذا مثل النسمة أم غانم تبتسم: قال نسمة.. قصدش عجة طايرة.. سميرة تلوي شفتيها: أخييييه على الألفاظ.. الحين وحدة مثلش رقيقة واسمها جيهان وتقول عجة.. وش خليتي حق عطيات وفتكات ونبوية؟!! أم غانم تبتسم: خليتش أنتي كفاية وزود.. ثم زادت ابتسامتها: تدرين يا بنت إني قربت أنسى إن اسمي جيهان.. حسبت إني مولودة واسمي أم غانم سميرة برجاء لطيف: زين يا جيجي يام غنومي.. تكفين طالبتش ما ترديني.. أم غانم تسمح على شعرها بحنان: آمري ياقلبي.. سميرة بتردد: إذا جات أم امهاب تبي رد.. تكفين ما تقولين لها إن إبي رافض.. قولي إن أنتي مالقيتي فرصة تقولين ليه.. تكفين أم غانم بحزم: أسفة.. هذي آخرتها.. عاوزاني أعصى أبو غانم عقب ذا السنين.. سميرة برجاء عميق: يمه تكفين.. تكفين أم غانم تشير بيدها بحزم: خلاص انتهى النقاش.. وروحي لغرفتش عندش امتحان بكرة وبالش مشغول بذا السوالف الفاضية يا الله فوق يا بنت.. سميرة صعدت وهي تشعر باختناق عميق.. لِـم هم عاجزين عن احترام رغبتها في الاختيار؟!! تشعر أن تميم هو الرجل المناسب لها للعديد من الأسباب.. بل لم يعد الأمر مجرد شعور بل إحساس أشبه باليقين إذا لم تكن لتميم.. فهي لن تجد السعادة مع غيره!!!! كانت أم غانم تنتهي من إعداد زجاجات الحليب وترتيبها.. حين دخل أبوغانم ووجهه غائم.. وناظره معقود سلم بحزم.. وهو يلقي غترته على السرير.. أم غانم التقطتها وهي تنظر له باستغراب.. علقتها ثم عادت وجلست جواره همست بقلق: اشفيك يأبو غانم..عسى ماشر؟؟؟ هتف أبو غانم بحزم غامض: سميرة مقتنعة بتميم وتبيه صدق؟؟ وإلاّ لعب بزران؟؟ أم غانم تخبره بتلقائية وهي تقوم لتقف: بصراحة مقتنعة فيه كثير.. وتوها كانت عندي قبل تجي.. وتعيد نفس الموال.. وقف أبو غانم وهو ينفذ عن كميه حتى يتوضأ ويهتف بحزم شديد: خلاص إذا بغت أم امهاب ردنا.. قولي لها تقول للرياجيل يتوكلون على الله ويكلموني... أم غانم انتفضت بجزع: من جدك يا راشد.. بتوافقها على خبالها؟؟ أبو غانم توجه للحمام وهو يهتف بحزم: دامها تبيه.. خلاص هي اللي بتعيش معه.. ******************************************* صباح اليوم التالي كسّاب متوجه لعمله.. نهار عمل اعتيادي.. كأي يوم آخر!! وهو يقود سيارته لمحت عيناه اسم هيئة حكومية.. لا يعلم لِـمَ شعر أن الأمر شد انتباهه رغم أنه يعبر هذا الطريق بشكل شبه يومي في طريقه لعمله منذ أكثر من 3 سنوات.. ويعبر يوميا من أمام هذه الهيئة.. وهيئات أخرى غيرها فلماذا هذه الهيئة بالذات لفتت انتباهه اليوم..؟؟ حينها عرف السبب وهو يبتسم ويستدير ليتوقف في مواقف زوار الهيئة ومراجعيها.. دون أن يتراجع فيما قرره لأفكار عديدة وعميقة ازدحمت في رأسه!! " أمممممممم مكان عمل المدام.. خلنا نشوف المكان اللي هي متمسكة فيه ونشوفها بالمرة !! " لا يعلم ما الذي دفعه لهذا الجنون؟؟ ولهذا التصرف غير المعقول؟؟ فليس مقبولا مطلقا في عرفهم ولا عاداتهم أن يرى زوجته أو حتى يحادثها قبل الزواج فعلا ولكنه شعر أنه يريد أن يراها.. يحادثها.. وخصوصا أن المكان هنا مكان محايد عام.. لذا قرر أن يترجم هذه الرغبة إلى قرار يتم تنفيذه فورا فهل كانت هي مجرد الرغبة أن يرى المخلوقة التي أصبحت تنتمي له؟! أم فعلا أراد أن يراها في مكان عملها الذي أصرت عليه؟؟ أو ربما أراد أن يشعر بأدنى اهتمام بهذه المرأة التي يشعر بعدم الاهتمام بها رغم ارتباطهما بالرباط الأكثر قدسية أو ربما أراد أن يرى المخلوقة التي قدم والده كل هذه التنازلات من أجل أن يوافق على الزواج منها؟؟ أو ربما يرى ابنة الانثى الجبارة التي من مازالت تحتل تفكير والده؟؟ لا يعلم أيها هو الأهم... أو كلها مهمة... كسّاب صعد بالفعل بعد أن سأل الاستقبال عن مكان عملها بالتحديد.. توجه للطابق الثاني حيث مكان مكتبها وصل إلى مكتبها ليدخل بثقة مسيطرة ثم توجه لمكتب سيدة منقبة كانت مشغولة بفرز بعض الأوراق ليهتف بذات الثقة المسيطرة: ممكن أقابل الأستاذة كاسرة؟؟ فاطمة توترت نوعا ما..وهو ترفع رأسها لصاحب الصوت الحازم المتحكم لتتوتر أكثر.. هذا الحضور القوي المغلف بغموض مثير ورجولة طاغية.. وهذه الأناقة الفخمة المتجبرة .. مع نبرته الواثقة في الحديث.. كل هذا جعلها تشعر أنه رجل يُشعر بالخطر فعلا في حضرته المتأنقة الغامضة والمتسلطة ومع ذلك هتفت بمهنية واحترام: ممكن أعرف من حضرتك؟؟ عندك موعد.. و ممكن أعرف سبب الزيارة؟؟ كسّاب بثقة كاسحة: أنا صاحب شركة K K ..و موعد لا ماعندي.. سبب الزيارة إنه إحنا نبي نسوي رعاية لبعض أنشطة قسمكم.. وتفضلي هذا كرتي.. فاطمة قرأت الاسم وهي مرتبكة ..لم تنتبه حتى له.. ووقفت وهي تتجه لمكتب كاسرة..أحبت أن تخبرها بنفسها وليس عبر الهاتف دخلت لكاسرة ووضعت الكرت أمامها وهي تهمس بنبرة خافتة : فيه واحد صاحب شركة يبي يسوي رعاية لبعض أنشطة القسم..يبي يقابلش وبصراحة شكله يخوف.. كاسرة باستغراب : شكله يخوف أشلون؟؟ بشع يعني؟؟ فاطمة بشبح ابتسامة: لا والله أما صفة بشع ذي.. فهي أبعد صفة عنه.. بس بعد شكله يخوف.. ويخوف من قلب كاسرة بهدوء عملي: عندي أي مواعيد الحين؟؟ فاطمة بطبيعية : لا الحين مافيه.. كاسرة حينها هتفت بمهنية وهي ترتدي نقابها: خلاص خله يتفضل.. وأنتي وسماح تدخلون قبله فاطمة خرجت ثم أشارت لسماح أن تأتي.. ثم هتفت لكسّاب باحترام: تفضل يا أستاذ من هنا كسّاب توجه للباب ..والاثنتان كانتا تسبقانه وعلى وشك الدخول قبله لولا صوته الحازم: وين داخلين أنتي وياها؟؟؟ فاطمة ارتبكت من نبرة التحكم البالغة في صوته: بندخل مع حضرتك.. أستاذة كاسرة ما تقابل أي رجال إلا بوجودنا كلنا حينها هتف كسّاب بنبرة سخرية غامضة: الأستاذة كاسرة متزوجة.. صح؟؟ فاطمة ابتلعت ريقها وهي لا تعرف سبب السؤال: إيه نعم؟؟ كسّاب بذات النبرة الساخرة المتحكمة: وتعرفين اسم زوجها أكيد؟؟ فاطمة بدأت تغضب من هذا البارد الوقح: أكيد أعرفه.. كسّاب بسخرية أشد أقرب للتهكم: يبقى أكيد أنتي ماقريتي الاسم اللي على الكرت فاطمة عاد لها الارتباك: ما ركزت صراحة.. حينها عاود كسّاب استخراج بطاقة أخرى وهو يهتف بسخرية واثقة: تفضلي.. وارجعي أنتي وزميلتش كل وحدة لمكتبها واقري الاسم عدل إلا لو تبون تقعدون معي أنا ومرتي هذا شيء ثاني فاطمة تراجعت بحرج وصدمة كاسحين وهي تقرأ الاسم... بينما كسّاب فتح الباب ودخل وأغلق الباب خلفه... #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع عشر لا يعلم ما الذي دفعه لهذا الجنون؟؟ ولهذا التصرف غير المعقول؟؟ فليس مقبولا مطلقا في عرفهم ولا عاداتهم أن يرى زوجته أو حتى يحادثها قبل الزواج فعلا ولكنه شعر أنه يريد أن يراها.. يحادثها.. وخصوصا أن المكان هنا مكان محايد عام.. لذا قرر أن يترجم هذه الرغبة إلى قرار يتم تنفيذه فورا فهل كانت هي مجرد الرغبة أن يرى المخلوقة التي أصبحت تنتمي له؟! أم فعلا أراد أن يراها في مكان عملها الذي أصرت عليه؟؟ أو ربما أراد أن يشعر بأدنى اهتمام بهذه المرأة التي يشعر بعدم الاهتمام بها رغم ارتباطهما بالرباط الأكثر قدسية أو ربما أراد أن يرى المخلوقة التي قدم والده كل هذه التنازلات من أجل أن يوافق على الزواج منها؟؟ أو ربما يرى ابنة الانثى الجبارة التي من مازالت تحتل تفكير والده؟؟ لا يعلم أيها هو الأهم... أو كلها مهمة... دخــــــــــل .. دخل بخطواته الواثقة وحضوره المتحكم الصارم.. وكأنه بخطواته التملكية هذه يترجم إحساسه بأنه يملك المكان وصاحبته كانت منكبة على أوراق تقلبها بين يديها.. ولم تنتبه مطلقا لدخوله.. تنحنح بفخامة معلنا عن وصوله العاصف.. لتقفز حينها بغضب هادر وهي ترى رجلا غريبا يقترب منها بخطوات مفرطة في ثقتها بدأت تُضيّق المسافة الفاصلة بينهما والباب مغلق... ولا وجود لأي شخص ثالث معهما... شعرت كاسرة فعلا بالخطر.. الخطر بمعناه المعنوي وليس المادي.. الخطر النفسي المتزايد وهي تنظر للرجل المتقدم ناحيتها وحضوره الرجولي العاتي المتدفق كأعاصير أستوائية صاخبة بدا كما لو كان يعبث بها.. ويوقف عقلها -الذي يكون عادة حاضرا في كل موقف- عن التفكير في هذا الموقف وهي تشعر فورا بمشاعر أنثوية غريبة ثقيلة الوطأة.. مشاعر بدت لضميرها الحي غير سوية أبدا (يا ترى شكلي مرتب.. لا يكون نقابي معفوس) حضوره الغامض الفخم المتأنق لأبعد حد.. لنخاع النخاع.. أوحي لها بالرغبة في الظهور أمامه بأفضل صورة لسبب لم تتيقنه أبدا كاسرة انتفضت في داخلها بجزع كاسح: أعوذ بالله منك يا أبليس.. عمري ما فكرت ذا الأفكار المريضة أفكرها الحين عقب ما صرت مرة في ذمة رجّال.. صحيح إن أبليس يجري من الإنسان مجرى الدم.. وما أجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما دارت كل هذه الأفكار في رأسها خلال ثانيتين...استعاذت بالله من الشيطان الرجيم.. وضيق عميق يطبق على نفسها لتصرخ بعدها بحزم: لو سمحت يأستاذ أنت اطلع برا.. لحد ما يجون سكرتيراتي.. بدا له صوتها ساحرا عذبا عميقا دافئا.. ومؤثرا لأبعد حد وبصورة غريبة.. كأنه صوت طيفي ينقلك لمستوى آخر من الإحساس.. ومع ذلك استمر في التقدم بذات الثقة المتسلطة بينما كاسرة التقطت الهاتف وهتفت بحزم شديد: لو سمحتي فاطمة تعالي انتي وسماح بسرعة فاطمة تكتم ضحكاتها: اقري الكرت اللي قدام عيونش أول كاسرة رفعت الكرت لمستوى عينيها بينما كسّاب جلس وهو يهتف ببرود ساخر: وانا أقول من وين الغباء جاء لسكرتيرش.. أثره عدوى من الرئيسة رفعت كاسرة عينيها له والإعجاب العميق به كرجل قبل دقائق.. يتحول لمشاعر متبلدة ملتبسة أشبه بالنفور.. مشاعر أشعرتها بالراحة أنها لم ترتكب ذنبا قبل ثوان بإعجابها المؤقت به.. ومن ناحية أخرى أشعرتها بالتحفز.. وهي ترد عليه بذات البرود الساخر: كفارة.. السجن للجدعان.. ما توقعت إنك تطلع بذا السرعة.. لا وتطلع علي مباشرة.. حينها مال كسّاب على المكتب لينظر لها بشكل مباشر.. ولتخترق رائحة عطره المركز الثمين كل حويصلاتها الهوائية رغم كثافة قماش النقاب الذي ترتديه وعيناه تتعلقان بالشيء الوحيد الظاهر منها بغير وضوح لشدة ضيق فتحات النقاب.... عيناها !!! (نعنبو وش ذا العين وإلا ذا الرموش طبيعي ذي والا تركيب!!!) ولكنه رد عليها بذات برودهما المشترك.. الساخر المحترف وغير المصطنع إطلاقا: أول شيء أنا مادخلت السجن حتى.. وبعدين وش ذا الثقة اللي عندش إني جاي على طول على حضرتش.. أنا طالع من أمس ردت عليه باحتراف جاهز: بس توك لقيت فرصة اليوم.. وما فوتتها أبد حينها هتف بسخرية حادة: صحيح كنت بأموت لو فوتت شوفتش يا قلبي.. كاسرة ببرود محترف: قلبي على طول.. ماعندك وقت.. يظهر قلبك معلقه في مخباك.. كساب ببرود أشد احترافا: القلب اللي معلق في المخبا لناس يعرفون قدرهم والقلب الثاني يعجزون ما وصلوه.. كاسرة تضايقت من وقاحته الجريئة وهو يوجه لها حوار حميم مثل هذا.. وفي مكان عملها.. حتى وإن كانت متأكدة إن أخر ما يقصده هذا الكساب من حواره هو "الحميمية".. لذا هتفت بحزم: يا أستاذ كسّاب.. أنت جايني في مكان شغلي.. ومكان الشغل للشغل مهوب للقاءات الأسرية حينها رد عليها كسّاب بسخرية واثقة مباشرة: ليه احنا صرنا أسرة خلاص..؟؟ فردت عليه بذات مباشرته الساخرة: تصدق المأساة ذي؟؟ يا حرام.. استشعر فورا ذكائها الخطر.. فهو ابن سوق بالفطرة .. اعتاد على سبر أغوار محدثيه قبل اتخاذ القرارات..همس بنبرة متلاعبة : إيه والله حرام.. خلاص عندش شهر تعودين على فكرة المأساة ذي وإلا تكونين ما تدرين إن زواجنا تحدد بعد شهر..؟؟ كاسرة ردت عليه بذات نبرته المتلاعبة كما لو كانا في مبارة كرة قدم يتقاذفان الكرة بينما على ذات المستوى من القوة والندية: وش ظنك؟؟ إنه ممكن يتحدد موعد عرس وانا ما دريت فيه.. بس بصراحة.. ما تخيلتك مأساة بذي الطريقة.. يعني شهر ما أدري تكفيني أتاقلم معها وإلا لا رد عليها بنبرة أكثر تلاعبا فيها رائحة خبث شاسع: ترى كلمة مأساة أحيانا تحتمل الإيجابية فوق مضمون الإيجابية نفسه عشان كذا ترا مضمون الغزل وصلني خلاص وفهمته.. حينها ردت عليه بخبث كخبثه: تدري وش هي مشكلة أصحاب الذكاء المحدود؟؟ يفهمون اللي يبون على كيفهم عشان يريحون عقولهم الصغيرة اللي فهمها على قدها حينها ابتسم كسّاب ولا تعلم لما شعرت في داخلها باستغراب ما.. بدا لها منذ رأته للوهلة الأولى.. أنه مخلوق لا يعرف الابتسام فإذا به يبتسم.. وابتسامته رائعة أيضا.. كسّاب هتف بتهكم مع ابتسامته: تدرين إنش عجبتيني .. ردش جاهز على طول.. وش ذا اللسان اللي عندش.. ردت عليه كاسرة بالبرود الساخر ذاته: ما عليك زود.. إلا قل لي..أيش تتوقع يوم تقول أني عجبتك..؟؟؟ انتحر من الوناسة مثلا لأني نلت الرضا السامي كسّاب بسخرية واثقة مغلفة بالغرور: ليش لأ.. شرف ما كنتي تحلمين به.. أنا واحد لازم أجلس مع الواحد أكثر من مرة قبل أحكم عليه السوق علمني كذا.. وكون أنش تعجبيني ومن أول مرة.. لازم رأسش يكون بين السحاب الحين كاسرة بثقة مغلفة بغرور أكثر استحكاما: ترا رأسي بين السحاب من زمان.. عشان أنا هي أنا.. كسّاب يرفع حاجبا ويهتف بسخرية: يه يه يه.. على مهلش لا ينقطع عرق في رقبتش بس!! كاسرة بسخرية مماثلة: لو كان انقطع في رقبتك عرق قبل شوي.. يكون انقطع في رقبتي مثله كسّاب ينظر لها بشكل مباشر: ليه أنتي تبين تقارنين نفسش فيني.. ترا بتتعبين.. كاسرة تضع عينيها في عينيه وتهتف بثقة: أكيد بأتعب ما دمت بأحاول أوصلك أنت مستوى مستحيل أنت توصل له ولا في أحلامك.. كسّاب نظر لها باستهزاء أقرب للاحتقار: ما تشوفين إنش مغرورة زيادة عن اللزوم... كاسرة استرخت في مقعدها: بعض ما عندكم... كسّاب يتلفت حوله ثم يهتف بثقة ساخرة: طيب يامغرورة هانم.. أنا طالع من البيت حتى قهوة ما شربت.. وانتي معدومة ذوق حتى فنجان قهوة ما عزمتي فيه علي كاسرة بهدوء حازم: والله هذا مكان شغل.. تبي تتقهوى روح أي كوفي وعليك بالعافية كسّاب رسم ما يشبه ابتسامة: صدق إنش معدومة ذوق.. وأنا جاي في شغل.. وإلا سكرتيرتش الغبية ما قالت لش كاسرة بنبرة غضب حازمة محترفة: ما أسمح لك تسبها ولا تتطاول على أي حد قدامي وشغل من وراك الله الغني عنه.. تفضل تراك عطلتني عن شغلي حينها رد عليها كسّاب بنبرة غضب حاد يتخللها تحكم كاسح: صوتش ما ترفعينه علي مرة ثانية وإلا والله ثم والله لا تشوفين شيء ما يسرش.. حينها وقفت وهي تهمس من بين أسنانها بغيظ غلفته ببرود بارع: أنا أساسا ما رفعت صوتي لأني احترم نفسي قبل أي شيء ثاني عشان حضرتك تجي تتهمني بكذا.. لا وتهددني و الحبر اللي وقعنا به عقد زواجنا مابعد نشف.. حينها هتف لها ببرود مستفز: ومهوب لازم ينشف.. ولو تبين ألغيناه وحطينا جنبه عقد ثاني ويجفون عقب سوا... حينها ابتسمت وهي ترد عليه بسخرية مقصودة: والله إني دارية إن هذي أخرتها.. وإلا وش أتوقع من بزر.. عقله أخر شيء يفكر يستخدمه كساب توسعت عيناه بدهشة وغضب: من البزر؟؟ كاسرة ببرود: حضرتك طبعا..بزر وستين بزر بعد.. وأثتبت إنك بزر بتفكيرك اليوم.. جايني لمكتبي بكل وقاحة وبدون تفكير... ونافش ريشك.. ثم تهدد بالطلاق.. فيه مبزرة أكثر من كذا.. كسّاب وقف وهو يهتف بثقة كاسحة مقصودة: تدرين إني دريت إنه ما ينشره عليش عقب ذا الهرجة.. هرجة خبلان فعلا سحبنا الإعجاب بلسانش خلاص.. عندي اجتماع عقب نص ساعة وإلا كان قعدنا نكمل كلامنا مع إنه أنتي بصراحة تقرفين الواحد يكمل حواره معش.. بس شركتي بالفعل بتسوي رعاية لأنشطة قسمكم وطبعا هذا نوع من الدعاية لشركتي و في نفس الوقت دعم لأنشطة الحكومة كاسرة بحزم: أولا.. أنت وإعجابك ما تهموني.. سحبته أو خليته.. لأني ماني بمحتاجته ولا محتاجة شهادتك فيني ثانيا شكرا.. ماني بمحتاجة إن حد يقول إن الرعاية هذي جات مجاملة لي كسّاب بثقة: قلت لش إنش غبية.. لأنه أولا لازم أنا عندش في المقام الاول وغصبا عنش.. ورأيي لازم يكون الأهم عندش وثانيا ياحرمنا المصون وش فيها لو كانت مجاملة لش.. ذا الشيء بيثبت أرجيلش في المكان كاسرة بثقة متمكنة: أرجيلي ثابتة بجهدي ويميني.. وما أسمح لك أبد تعيد غبية هذي.. أو تدري حتى لو تبي تعيدها.. عيدها مثل ما تبي..عادي.. ما يهمني ظنك فيني.. كسّاب ابتسم بسخرية: وعندش إني صدقتش الحين؟! داري إنش بتموتين تبين تنالين الرضا السامي على قولتش كان يستعد للخروج بينما كاسرة تلجأ لقوة سيطرتها على تصرفاتها حتى لا تلتقط شيئا وتقذف به رأسه الفارغ.. الفارغ كما هي تراه.. ولكن كسّاب التفت لها وهو يهتف لها بتجبر متعاظم: اليوم ترا عديت لش واجد بمزاجي..بس اعرفي إنه ترا مهوب كل يوم مزاجي رايق مثل اليوم واستحمل وأعديها ترا بالعادة نفسي في طرف خشمي.. لم يسمح لها أن ترد الرد الذي أصبح يعلم يقينا أنه جاهز على طرف لسانها لأنه كان قد وصل الباب... وهو يفتحه سمع فاطمة تترجى في أحدهم: يأستاذ سعود.. أستاذة كاسرة الحين مشغولة.. قلت لك عندها ضيف.. والقرار نهائي ولازم التنفيذ سعود كان صراخه يتعالى بغضب: إيه علينا مسوية شريفة مكة وهي قاعدة مع رجال بروحهم والباب مسكر بنت اللذينا أنا أنا تنقلني من قسمني اللي أنا فيه من قبل هي ماتشتغل هنا حتى.. كان سعود مازال سيتكلم لولا أنه فوجئ بيد قوية متجبرة بالغة القوة والتجبر تمسك بجيبه وترفعه لأعلى وقدماه ترتفعان عن الأرض ويأتيه فحيح كسّاب المرعب من بين أسنانه: شريفة مكة غصبا عن طوايفك يا ابن الــ تشهد على روحك.. اللي يدوس على طرف ثوب محارمي أدهسه هو بكبره.. كاسرة كانت خرجت خلف كسّاب فورا حين سمعت صوت سعود.. وهاهي تمسك بمعصم كسّاب الحر.. لأنه كان يرفع سعود الذي بدا وجهه يحمر بيد واحدة وهي تهتف برجاء عميق: كسّاب تكفى هده.. واللي يرحم والديك هده تكفى كسّاب بس كفاية.. الرجال بيموت في يدك.. حينها ألقى به على الأرض بقوة.. بينما سعود زحف للزاوية وهو يمرر يده على عنقه مكان ضغط جيب الثوب ويلتقط غترته وعقاله اللذين سقطا أرضا حينها انحنى كسّاب عليه وهو يصر على أسنانه بتهديد حقيقي مرعب: والله ثم والله لو شميت ريحة إنك وطوطت عند مكتب مرتي وإلا ضايقتها بكلمة إنه يكون آخر يوم في عمرك..سامعني! الغريب أن كاسرة خلال كل هذا وحتى بعد أن ألقى بسعود وهي ممسكة بمعصمه.. وأناملها الزبدية تحيط بعروق معصمه النافرة لم تشعر بنفسها أبدا.. كانها تنفصل لعالم آخر وإحساسها بقوته من هذا القرب يسكرها بإحساس غير مسبوق.. غير مفهوم.. غير مفسر بينما كسّاب لم يشعر بشيء إطلاقا ولم يتحرك بداخله شيء سوى رغبته في التنفيس عن غضبه الدائم حتى في دفاعه عن كاسرة هو يدافع عن نفسه ومكانته وصورته وكاسرة ليس لها وجود سوى لأنها شيء ينتمي له كشيء وليس كأنسان حتى لذا همس ببرود دون أن ينتبه حتى لملمس الحرير الاستثنائي الذي كان يمسك بمعصمه: لو سمحتي فكي يدي.. الرجّال طلع خلاص ليش ماسكتها.. كاسرة انتفضت وهي تفلت يده.. وتتراجع دون أن تتكلم بكلمة.. وتعود لمكتبها بينما كسّاب غادر متوجها لشركته فاطمة توجهت لكاسرة وهي تجلس مقابلا لها تضع يدها على قلبها وتهمس بنبرة انبهار: سوسو.. ماشاء الله ماشاء الله رجالش يجنن يهوس.. الله يهنيش يا قلبي حينها قالت كاسرة بضيق حقيقي: من جدش؟؟ والا تطيبين خاطري بس؟؟ فاطمة باستغراب: ليه أنتي ماعندش عيون؟!! كاسرة بضيقها الفعلي الذي بدأ يتأزم فعلا والذي أخفته خلف حزم صوتها المعتاد: عندي عيون قالت لي إني مقبلة على حياة وكسة.. اللهم أني أسألك اللطف والثبات اللهم لا اعتراض على حكمك ..بس أنا وش سويت في حياتي تبلاني بواحد مافيه عقل مثل هذا.. قبل يومين ذبح له واحد.. واليوم كان بيذبح الثاني.. حلفتش بالله فطوم رجّال مثل ذا أشلون ينعاش معه.. أنتظر لين يصير عندنا عيال ويذبح له حد ويعدمونه فاطمة بغضب: ما أشين فالش.... والرجال ظروفه جات كذا وورا بعض يعني قبل يومين واحد يسرق بيته وتهجم عليه.. يخليه ويقول روح الله يسامحك واليوم واحد طول لسانه على مرته.. سعود باقي يتهمش في شرفش.. مافيه رجال فيه خير يسمع ذا الكلام ويسكت ولو هو سكت يكون مهوب رجال أساسا كاسرة بثبات: بس مهوب كل شيء ينحل بالعنف.. فاطمة بثبات مماثل: بس مواقف مثل ذي ما تنحل الا بالعنف... ************************************ "يا فشلتي والله أني منحرجة من أم امهاب من البارحة.. تخيلي المرة جايتني بشبكتي.. أقوم أعقر في بنتها وهي تسمع!! " شعاع تمسح على كتف جوزاء المتضايقة من البارحة والتي كانت تزفر بحرارة إحراجها وضيقها المتزايد: ياجوزا.. ترا الاعتراف بالغلط أول خطوة.. دامش شايفة إنش غلطانة حاولي تصلحين الخطا يعني كاسرة بتكون اخت رجالش وعمة عيالش عقب.. ما يصير حاطة دوبش من دوبها وهي ما سوت لش شيء أساسا وأنتي مافيش قصور.. عشان تتعقدين منها بذا الطريقة حينها هتفت جوزاء بغضب: وش قصدش؟؟ قصدش عشانها أحلى مني أنا غيرانة منها؟! شعاع تنهدت بعمق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. تعوذي با الله من الشيطان الرجيم وافتحي صفحة جديدة في حياتش كلها.. أدري شيء صعب بس مهوب مستحيل جوزاء تحمل حسن على ساقيها وتحتضنه برقة وهي تطبع قبلاتها على رأسه.. ثم تهمس بألم عميق: والله ما كنت كذا.. ما كنت كذا!!! حسبي الله ونعم الوكيل... عقدني من نفسي ومن حياتي الله يرحمه.. هو راح وارتاح.. مادرى باللي خلاه وراه اللهم أني أسألك الثبات من عندك.. اللهم اشرح لي صدري ووفقني لما تحب وترضى.. حينها ابتسمت شعاع: يا الله خلينا نبدأ الحين نغير شوي شوي.. خلينا نبدأ باللي برا ثم نغوص للي داخل. نبدأ بالسهل.. خاطري نبدأ با اللوك.. تبين قصة جديدة وصبغة جديدة.. خلنا نجرب قبل موعد عرسش.. عشان لو ما ناسبت نغيرها صدقيني تغيير الشكل يغيير في النفسية شوي.. جوزاء بتردد: ما أدري يمكن امهاب يحب الشعر الطويل.. حينها وضعت شعاع يدها على قلبها: ياويل قلبي على اللي تفكر من الحين في اللي يعجب سي امهاب!! ************************************ حوار محتدم بالإشارات يدور بين وضحى وتميم حول قضايا اليوم والساعة حول العالم... وهم في انتظار البقية للتجمع للغداء يقاطعهما دخول مزنة من الخارج وهي تخلع عباءتها وتجلس.. ليشير لها تميم وعلى وجهه تعابير غامضة: ها يمه أشوف عقب ما كنتي تلحين علي تخطبين لي وحدة سليمة.. إنش سكتي عن الموضوع بالمرة الظاهر ما لقيتي بنت تناسب تصوارتش العالية وفي نفس الوقت توافق علي.. يعني يا الغالية.. السليمة اللي بتوافق علي لازم فيها عيب خلى السليمين اللي مثلها يخلونها مزنة أشارت له وهي ترسم ابتسامة النصر: ومن قال لك سكتت عن الموضوع أنا خطبت.. وأهل البنت وافقوا.. والحين ابيها ينتظركم تخطبون رسمي... تميم بدهشة أقرب للصدمة الموجوعة: مسرع.. ومن ذولا؟؟ مزنة بسعادة: سميرة بنت راشد تميم لم يستوعب إشارتها للاسم ولم يستطع حتى قراءة شفتيها ليستنتج الاسم وأفكاره تتشتت من المفاجأة.. لذا سارعت وضحى التي قفزت بفرحة وهي غير مصدقة إلى ترجمة الاسم بالإشارات له لتتعاظم دهشة تميم أو صدمته أو ربما يأسه.. وهو يشير: سميرة ما غيرها رفيقة وضحى..؟؟ وضحى تشير له بسعادة حقيقية : هي نفسها .. ياحظك يا تميم.. والله سميرة ما فيه منها اثنين.. تميم لم يشر بشيء مطلقا.. وهو يقف وعلائم غموض حزين ترتسم على وجهه.. ليتجه للأعلى " وهل أستطيع أنا التساؤل هل هي محظوظة أم أقول ما أتعس حظها!! ما الذي يدفع فتاة مثلها للموافقة على الارتباط بمثلي؟؟ لماذا يا أمي أردتِ أن تجبريني على الإحساس بالنقص الذي أرفض الاعتراف به؟!! هذه الفتاة النابضة بالصوت والحياة حتى أقصى حدود التفجر ما الذي يدفعها للموافقة علي؟؟ سامحكِ الله يا أمي.. أدخلتِ الوساوس اللعينة لقلبي قبل أن أرتبط بها حتى فأي سر تخفيه دفعها للموافقة على الأصم الأبكم؟؟ ما الذي يدفع فتاة ممتلئة بصخب الحياة على الارتباط بشخص لن يرد على صخبها يوما بحرف واحد؟؟ لن يهمس لها يوما في أذنها بتدفق مشاعره.. لن يغرقها في كلمات الغزل التي قد تكون حلمت بها لن تسمع اسمها بلسانه يوما وهو يناديها دلالا وولعا.. لن يسامرها في لياليها الطويل سوى بصمت أشبه بالموت.. هل سيصبح الزواج الذي حلمت به سكنا لروحي وتقصيرا لليالي وحشتي الطويلة هو بذاته الوحشة الأشد؟؟ هل تتحول العلاقة الأسمى التي تمنيتها بين روحين محض علاقة بين جسدين؟! وإلا أي علاقة ستكون بيننا غير ذلك؟؟ أ يكتب علي أن أعيش ما تبقى من حياتي عاجزا عن السكنى إلى روح تحتويني وروحي هائمة في غربة صمتها الأبدي؟؟ ولماذا هي وافقت علي؟؟ لماذا فعلت هذا الجنون؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟ . . لا أستطيع إلا أن أقول سامحكِ الله يا أمي.. سامحكِ الله!! واللهم ألهمني الصواب.." بعد أن صعد.. همست وضحى بضيق: شفتيه يمه.. شكله تضايق.. مزنة بهدوء عميق: الموقف صعب عليه يأمش... عطيه وقت يتأقلم تميم كان حاط في رأسه إنه مهوب متزوج الا بنت مثل حالته ولو تزوج وحدة سليمة بيكون فيها عيب معين يخليها توافق عليه كأن تكون كبيرة أو بشعة.. شيء يخليها توافق عليه وهي مبسوطة لكن وحدة مثل سميرة يتمناها أحسن واحد.. سوت له صدمة شوي شوي ويتأقلم... ثم أردفت بحنان عميق: ليته بس يشوف نفسه مثل ما أنا أشوفه.. كان شاف إنه حتى أحسنها بنت صحيحة ما تسوى مواطي أرجيله الله يخليه لي وهما مستمرتان في حوارهما دخلت عليهما كاسرة قادمة من عملها مزنة عقدت حاجبيها: توش تجين..؟؟ أنا أحسبش في البيت.. لأني كنت عند أم غانم.. صليت عندها الظهر وعقبه رحت أجيب أغراض البيت كاسرة بهدوء وهي تخلع عباءتها: شوفي كم اتصال داقة عليش.. عشان أقول لش بأتاخر.. رحت أوصل فاطمة... رجّالها مسافر.. مزنة تستخرج هاتفها وتجده على الصامت.. تعدل وضعه للعام وتضعه على الطاولة أمامها.. بينما كاسرة تسألها باهتمام: وش ردت عليش أم غانم؟؟ مزنة بابتسامة: أبشرش وافقوا.. بأقول لامهاب يستعجل في خطبتها لأخيه.. والحين بأقوم أخليهم يغرفون لكم الغدا.. امهاب رايح المطار عنده شغلة سريعة وعقب بيتغدا مع عبدالرحمن برا كاسرة بهدوء باسم: مبروك.. وعله خير إن شاء الله.. تميم يستاهل كل خير.. وسميرة تجنن ماشاء الله.. أطيب من قلبها ماشفت ثم أردفت وابتسامتها العذبة تتسع: لو أنه تميم كان يسمع كان صدعته سميرة بالهذرة.. الله باغي له الخير.. مزنة تقف وهي تردف بحزم: ترا خالة رجّالش وأخته متصلين يقولون بيجون قبل صلاة العشاء.. تجهزي تقابلينهم.. كاسرة بحزم: مسرع صار رجّالي.. مابعد تعودت على الكلمة.. أظني اسمه واجد عليه.. قولي خالة كساب وأخته.. مزنة بحزم أشد وهي تغادر المكان: الاحسن تعودين عليها.. عندش في كل شيء رأي خلف خلاف.. وضحى همست بهدوء متردد: مهوب من الأحسن تبدين تجهزين.. لأني ظني الليلة إن هم جايبين مهرش.. مافيه وقت... كاسرة تسترخي وتغمض عينيها: هذا الشره في الشراء أعتقد إنه مرض.. السوق مليان.. والتجهيز والتسوق ما ياخذون يومين.. مهيب قضية الشرق الأوسط يعني!! وضحى بذات التردد: ما تبين على الأقل تشوفين لش فستان من بدري.. كاسرة بحزم واثق: خير.. خير.. وضحى بخجل: تمنيت أكون معش وأنتي تختارين و.... ثم بترت عبارتها بتردد حزين: أو يمكن تبين فاطمة بس؟؟؟ حينها فتحت كاسرة عينيها وابتسمت برقة: وليش ما تنفعين أنتي وفاطمة... رأيين أحسن من رأي واحد.. حينها أشرق وجه وضحى بابتسامة طفولية: أي شيء تلبسينه بيكون حلو عليش.. لأنه أنتي اللي بتحلين الفستان.. حينها همست كاسرة بغموض خافت: ليت شين الحلايا يستاهل بس..!! *********************************** "مبروك.. يقولون ناسبتوا آل كسّاب؟؟" مهاب ينظر لصاحب الصوت المتهكم وعيناه العسليتان تلمعان ببريق إبتسامة ليرد عليه بهدوء: الله يبارك فيك غانم بنبرة ذات مغزى: وش إحساسك وأنت تزوج أختك لأخ اللي أنت نشبت في حلقها من كثر ماكنت تهينها..؟؟ مهاب انقلب هدوء صوته لصرير غاضب يصدر من بين أسنانه: غانم توك قبل كم يوم.. تقول ماعادنا طلاب في الكلية وإلا أنت مشتاق لطقم أسنان جديد؟؟ غانم يرفع حاجبا وينزل آخر: وإلا أنت يمكن تبي كتفك الثاني ينخلع؟؟ مهاب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم: غانم اقصر الشر.. غانم يهز كتفيه بهدوء: أنا قاصر الشر من زمان.. بس متعجب من تدابير ربي.. البنت اللي حرقت أعصابها بإهاناتك قبل 4 سنين ربي ينصرها عليك ويصير إخيها نسيبك.. حينها مال مهاب على غانم ونظر له بنظرة مباشرة: وأنا متعجب من 4 سنين لين الحين وأنت حارق دمك بالدفاع عنها.. ما تعبت.. غانم بحزم: أنا ممكن أتقبل أي شيء إلا إهانة مرة.. لأن المرة ما يهنيها إلا الرخيص.. حينها تصلبت يدا مهاب بغضب وهو يوشك على الإطباق على جيب غانم بدون تفكير... لأنه شعر أن غانما يوجه له إهانة مباشرة وبشكل مقصود.. لولا فوج كبير من (سكاي تراكس) دخل للتو لاستراحة الطيراين.. جعل مهاب يبتلع غضبته قسرا.. فزيارة السكاي تراكس التفقدية حدث كبير يتم انتظاره بحماس لأنه على ضوءه يتم تقييم درجة خطوط الطيران على سلم من خمس نجوم.. ولن يكون هو من يفسد هذه الزيارة.. لذا استرخى في مقعده وذكرى العراك السابق قبل أربع سنوات تعود لذاكرته... ********************************* "تبي تشرب شيء ياقلبي؟؟" كسّاب بهدوء: لا خالتي.. تدرين إني ما أشرب شيء عقب الغدا.. الحين تعالي أبيش في سالفة عفراء جلست وهي تقول بحرج ودود: سامحني يأمك.. أدري المفروض رحت أجيب شبكة مرتك.. بس الظروف عاكست شوي اليوم فديتك حول لي الفلوس.. وأروح أشتريها.. أنا أساسا كلمتهم وقلت لهم بجيهم الليلة عقب العشا كسّاب عقد ناظريه: ياااااااه خالتي... بالش راح بعيد.. وش همني أنا من ذا الموضوع.. بعطيهم فلوسهم وهم يشترون شبكتهم بروحهم وإلا بالطقاق عفراء بعتب: وش ذا الكلام يامك..عروسك تستاهل أحلى شبكة.. إيه ولا تنسى تحول لي المهر بعد أعطيهم إياه بالمرة أربكتوا العرب بذا العرس المستعجل... قاعد ذا السنين كلها وعقبه تبي تعرس في شهر.. كسّاب هز كتفيه: والله أوامر أبو كساب.. وإلا أنا وش مستعجل عليه ؟؟ على الغثا وطولة لسانها اللي متبري منها.. عفراء عقدت حاجبيها: وانت وش عرفك إن لسانها متبري منها تتهمها.. صحيح أنا ما شفتها إلا في مناسبات شوي وما تكلمت معها إلا مجرد سلامات.. بس أنا أشهد إنها ذربة ومنطوقها زين وعليها صوت.. صوت ماشاء الله ماشاء الله حينها ابتسم كسّاب دون أن يشعر وهو يتذكر بالفعل رنين صوتها الكرستالي الحريري ولكنه هتف بسخرية: وقولي بعد إنها مهيب مغرورة؟!! عفراء عقدت حاجبيها مرة اخرى: شكل حد صاب العلوم في أذنك.. أنا بصراحة ما أعرفها عدل.. بس هيئتها تعطي على الغرور ثم أردفت وهي تبتسم: ولا جيت للحق يلبق لها الغرور... إذا وحدة مثلها ما تغتر.. فالغرور ماخلق إلا لها الله يهنيك يامك مابعد شافت عيني أزين منها.. كسّاب ضغط صدغيه بأطراف أصابعه ثم هتف بسخرية: الزين من زانت أفعاله ياخالتي.. وش أسوي بزينها لو كانت ما تنتعاشر وعلى العموم هذا كلام سابق لأوانه.. خلينا الحين فيش خالته باستغراب: ليه أنا وش فيني؟؟ كسّاب بحزم: جايش معرس.. عفراء بضيق: يأمك قلت لك قبل ذا الموضوع أنا شالته من بالي كسّاب بحزم: مهوب على كيفش يا خالتي.. حينها انتفضت عفراء بغضب: نعم يا ولد.. وشو اللي مهوب على كيفي.. لا تكون بتزوجني غصبا عني كسّاب بحزم أشد: لو حديتيني أسويها بأسويها حينها وقفت عفراء وهي تهتف بحزم: الكلام انتهى.. قوم قيل شوي قبل الصلاة حينها شدها كسّاب بلطف وهو يهتف بحنان مدروس : اقعدي جعل يومي قبل يومش (يعرف أن خالته لا يمكن أن تقاومه حين يخاطبها بهذه الطريقة) تنهدت عفراء وهي تجلس: إلا يومي قبل يومك أنت وأخوانك.. يأمك اللي فيني مكفيني.. جاي تقول لي معرس كسّاب بهدوء عميق مسيطر: خالتي وضعش عايشة بروحه ماعاد ينسكت عليه.. عفراء تنهدت: يأمك اللي صار ممكن يصير لأي وحدة حتى لو كانت متزوجة وزوجها مسافر وإلا طالع.. يعني مهوب الزوج هو اللي بيحمي.. الله هو الحامي... كسّاب بهدوء: ونعم بالله.. بس توقعين لو كنتي متزوجة وفي بيت رجالش.. كان كلب مثل ذا تجرأ يسوي اللي هو سواه صمتت عفراء والذكرى الطرية المؤلمة تقتحمها بكل القسوة.. تحاول أن تلغي هذه الذكرى من حياتها.. ولكنها مازالت طرية وجرحها ينزف في تفكيرها فهل تحتاج وقتا لتنسى؟؟ وهل هو مجرد الوقت ما تحتاج له؟؟ البارحة رغم أن كسّاب كان ينام في غرفة مجاورة لها إلا أنها لم تستطع النوم وكل حركة تسمعها تبعث في داخلها ألما وتوترا لا تستطيع تفسيرهما كانت عفراء غارقة في تفكيرها بينما كسّاب يكمل حديثه بهدوء حازم: خالتي ذا المرة العريس غير.. وإن شاء الله إنش بتوافقين.. صمتت ولم ترد عليه.. ليكمل هو: عمي منصور متقدم لش.. وملزم عليش بعد حينها انتفضت عفراء بدهشة: من؟؟ منصور؟؟ ثم أردفت بغضب: لا يكون طاري على باله يستر على اللي شافه قبل يومين كسّاب بغضب: خالتي الله يهداش هو صار أي شيء أساسا عشان يستر عليش.. محشومة خالتي من ذا التفكير عفراء بذات الغضب: أجل وش نطط عمك يبيني.. وأنت بروحك كنت تقول إنه حرّم العرس خلاص.. كسّاب يحاول التحدث بمنطقية: غير رأيه وعرف مصلحته.. وقرر ذا المرة يقوم بخيار مناسب وسليم ثم أردف بمرح: واسمعيني عدل خالتي عمي ملزم عليش ويبيش.. وهددني يكفخني لو ما رضيتي.. يهون عليش كسّاب حبيبش يتكفخ عفراء بغضب: بكيفك أنت وعمك.. خله يكفخك حينها تغيرت ابتسامة كسّاب لحزم شديد: خالتي تخيري.. ما تبين عمي تأخذين ابي.. لكن إنش بتقعدين بدون رجّال.. انسي.. انسي حينها تنهدت عفراء بعمق أفكار عديدة تمور في ذهنها المتعب الموجوع المستنزف من كل شيء.. ومع ذلك همست بهدوء: زايد مستحيل وذا السالفة خلصنا منها.. أما عمك فهو رجّال ما عمروا عنده النسوان.. ثلاث طلاقات ما بين كل طلاق وزواج إلا حول السنة.. وأكثر وحدة قعدت عنده قعدت عشر شهور مهوب معقول إن العيب في النسوان.. وأنا يأمك ماني بحمل طلاق عقب ذا العمر.... ترضاها لي يأمك؟؟.. كسّاب بهدوء: أنتي عاقلة يا خالتي وكبيرة وفاهمة.. وأعتقد إنش ممكن تحاولين تقبلين عيوب عمي اللي طفشت نسوانه عفراء بنبرة مقصودة: يعني المشكلة سببها عمك..؟!! كسّاب بحذر: مهوب بالشكل اللي أنت متصورته عفراء تنظر له بشكل مباشر: أجل بأي شكل ياولد أختي؟؟ كسّاب بهدوء: عمي رجال حار .. بس هذي مهيب مشكلة لأنه يوم يكون مروق مافيه أطيب منه المشكلة في إن نسوانه وقتها كلهم يعتبرون صغار في السن.. وعمي كل ليلة وقبل حتى ما يترقى.. مجلسه مليان ضباط ما يفضى لها.. وفي الليل ممكن يجيه استدعاء أو حتى أي حد من ربعه يصير له شيء ويتصلون فيه لأنهم يدرون انه بيزعل لو ما كلموه المشكلة المسكينة تسأله وين رايح؟؟ يقول لها: مهوب شغلش.. أو رايح في شغل خاص فالمسكينة تولع غيرة.. وتفكيرها يروح فورا لشيء ثاني.. وهو مستحيل يريحها ويعطيها خبر عن شيء عفراء بعدم اقتناع: بصراحة ما أشوفه سبب يخلي المرة تخرب حياتها وتطلب الطلاق.. كان صبروا عليه وتفاهموا معه بالعقل حينها ابتسم كسّاب: شفتي خالتي هذا الفرق بينش وبينهم... وصدقيني هذا السبب مع اختلاف التفاصيل.. يعني أحيانا تصير هوشة كبيرة على سبت الموضوع.. والمرة تشيل قشها تبي عمي يراضيها.. فهو يعند ويقول خلها تقعد مكان ماراحت ولو جيتي للصدق.. عمي ماحب ولا وحدة منهم ولا حتى ارتاح معهم.. لو كان حب المرة كان ريح بالها ومشى الموضوع لكن عمي بالفعل ما أرتاح للزواج قيوده.. وكل مرة كان يتزوج عنده إن مرته ربي بيهديها ذا المرة ويمكن لولا إلحاح خالته عليه الله يرحمها.. ماكان كرر التجربة.. وشوفي الموضوع على بساطته.. عمي يشوفه موضوع كبير واجد.. لأنه يشوفه يتقصد نظام حياته كله يعني هو في ظنه إن المرة يوم جات.. جات تبي تعفس حياته وتمشيه على كيفها.. فالقضية عنده صارت قضية مبدأ.. أكون أو لا أكون عفراء بحذر: بصراحة أنا توقعت السبب ممكن يكون له علاقة بالانجاب.. لأنه 3 حريم ولا وحدة منهم تحمل.. كسّاب بحذر أكبر: وأنتي قربتي.. لكنه مهوب سبب لأنه مافيه وحدة منهم درت بشيء عفراء رفعت حاجبا: أشلون؟؟ كسّاب يتنهد: الأولى قعدت عنده أربع شهور.. يعني ما شكو بشي أساسا ولا فحصوا لكن الثانية قعدت عنده عشر شهور.. وعمي فعلا كان يبي يكمل معها وفعلا سوو فحوص عشان يشوفون ليش الحمل تأخر لكن قبل مشكلة الطلاق على طول.. والنتيجة طلعت عقب ما طلقها أما الثالثة (حينها ضحك كسّاب) تذكرينها خالتي.. كانت مرجوجة.. جننت عمي.. وحتى شهر ما قعدت.. فعمي ماقال لها شيء أساسا لأنهم في مشاكل من أول يوم عفراء بحذر: وذا الشيء هو؟؟ كسّاب بنبرة حاول تحميلها بأكبر قدر من الطبيعية: إنه عمي فعلا عنده مشاكل في الإنجاب.. لكن هي مشكلة بسيطة جدا والدكتور قال له إن العلاج بسيط جدا ومتوفر.. لكنه لو ما استخدمه مستحيل يصير حمل وكله بيد الله عفراء صمتت .. بينما كسّاب أكمل بحذر وهو يسب نفسه على موافقته على قول ما سيقوله: والحين نوصل للنقطة الثانية.. عمي يقول لش إنه ماراح يتعالج وهذا قرار نهائي لأنه ما يبي عيال.. يقول ماعاد من العمر مثل ماراح... وماعاد له حتى مزاج على تربية بزران وغثاهم وإزعاجهم حينها همست عفراء بغيظ من بين أسنانها: تدري إنك قليل أدب أنت وعمك أنا الحين وافقت عليه هو ووجهه عشان يتشرط أبي عيال وإلا ما أبي.. كسّاب يحاول كتم ابتسامته: والله ماعلى الرسول الا البلاغ المبين.. حينها رفعت عفراء حاجبا وأنزلت الآخر وهمست بغضب: مادام أنت مجرد رسول أشرايك تقول لعمك.. دامه رجال قصده الشريف أنه يحميني.. وما يبي عيال.. أشرايه لو أنا وافقت عليه نعيش أنا وياه مثل الأخوان... مهوب اقتراح أحسن؟؟ ويا الله قوم.. ما أبي أشوفك الحين.. استح على وجهك وأنت جايب لخالتك معرس عقب ذا السنين وفي ذا الظروف قوم لا بارك الله في عدوينك.. كسّاب كان يمنع نفسه أن يقهقه بصوت مسموع وهو يصعد الدرج ليتمدد في غرفة الضيوف التي أصبحت مخصصة له وهو يلتقط هاتفه ويتصل وهو يكتم ضحكاته: عمي..ترا خالتي عندها اقتراح أحسن من اقتراحك بواجد منصور باستفسار فخم: اللي هو؟؟ كسّاب يحاول التكلم بطبيعية وهو يكتم رغبته في الضحك: تقول دامك رجال شهم.. وقصدك الحماية وما تبي بزران... وأشرايك تعيشون خوش أخوان في بيت..أخ وأخته وش حليلاتكم.. حينها قال منصور من بين أسنانه التي تكاد تتحطم لشدة ضغطه عليها: كسّاب احمد ربك إنك ماوصلت لي ذا الاقتراح وجه لوجه وإلا كان ذا الحين تجمع سنونك من القاع يالرخمة فارق.. فارق لا بارك الله فيك من ولد!!! حينها انفجر كسّاب بالضحك: شوف ياعمي.. ترا عيب عليك أنت وخالتي هي تقول لي قوم ما أبي أشوفك وأنت تقول لي فارق.. خلاص حرمت أصير وسيط.. أنت وإياها منتو بزارين.. هاك خذ رقمها.. وتفاهم أنت وياها وأنا طلعوني من بينكم... وتراها ما تبيك ياسيادة العقيد..ولو أنت ما اقنعتها فيك تراني بازوجها ابي خلال ذا الأسبوع حينها هتف منصور بغضب حازم: طلع زايد من السالفة.. وهات الرقم.. ومالك شغل.. وخالتك ذا الاسبوع اللي تشقق حلقك وأنت تقولها بتكون في بيتي أنا.. ومرتي.. #أنفاس_قطر# . . بين الأمس واليوم/ الجزء العشرون "مبروك.. يقولون ناسبتوا آل كسّاب؟؟" مهاب ينظر لصاحب الصوت المتهكم وعيناه العسليتان تلمعان ببريق إبتسامة ليرد عليه بهدوء: الله يبارك فيك غانم بنبرة ذات مغزى: وش إحساسك وأنت تزوج أختك لأخ اللي أنت نشبت في حلقها من كثر ماكنت تهينها..؟؟ مهاب انقلب هدوء صوته لصرير غاضب يصدر من بين أسنانه: غانم توك قبل كم يوم.. تقول ماعادنا طلاب في الكلية وإلا أنت مشتاق لطقم أسنان جديد؟؟ غانم يرفع حاجبا وينزل آخر: وإلا أنت يمكن تبي كتفك الثاني ينخلع؟؟ مهاب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم: غانم اقصر الشر.. غانم يهز كتفيه بهدوء: أنا قاصر الشر من زمان.. بس متعجب من تدابير ربي.. البنت اللي حرقت أعصابها بإهاناتك قبل 4 سنين ربي ينصرها عليك ويصير إخيها نسيبك.. حينها مال مهاب على غانم ونظر له بنظرة مباشرة: وأنا متعجب من 4 سنين لين الحين وأنت حارق دمك بالدفاع عنها.. ما تعبت.. غانم بحزم: أنا ممكن أتقبل أي شيء إلا إهانة مرة.. لأن المرة ما يهنيها إلا الرخيص.. حينها تصلبت يدا مهاب بغضب وهو يوشك على الإطباق على جيب غانم بدون تفكير... لأنه شعر أن غانما يوجه له إهانة مباشرة وبشكل مقصود.. لولا فوج كبير من (سكاي تراكس) دخل للتو لاستراحة الطيراين.. جعل مهاب يبتلع غضبته قسرا.. فزيارة السكاي تراكس التفقدية حدث كبير يتم انتظاره بحماس لأنه على ضوءه يتم تقييم درجة خطوط الطيران على سلم من خمس نجوم.. ولن يكون هو من يفسد هذه الزيارة.. لذا استرخى في مقعده وذكرى العراك السابق قبل أربع سنوات تعود لذاكرته... . . . قبل أربع سنوات.. كلية قطر لعلوم الطيران.. مزون تنسحب بحرج مر وهي تبتلع غصتها وعبراتها بعد موشح إهانات تفنن مهاب في إيلامها به كالعادة وهي تحاول ألا تنزل رأسها حتى.. كانت تسير برأس مرفوع وخطوات ثابتة.. رغم أنها في داخلها تكاد تنكفئ على وجهها لرغبتها في الهرب من عيون الجميع كان يقف في الزاوية يحترق حتى كاد يترمد.. يستحيل أن يسكت على مسخرة كهذه.. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع مهابا يهين مزونا بهذا الشكل.. كان قد سمع من زملائه أطراف حديث عن هذا الموضوع.. ولكن هو لم يسمع.. ولم يتخيل أن مهابا قد يفعلها وهاهو سمع مالم يصدقه.. بل واحترق بسماعه.. أي رجل يكون هو أن رضيَ أن تهان هذه الفتاة على مسمع منه دون أن يدافع عنها؟!! وخصوصا إن كانت تبدو بهذا الطهر والنقاء الموجع بشفافيته مغلفة باحتشامها ومعتصمة بأدب رفيع منعها من أن تنحط إلى مستوى المشاحنة مع رجل مثلها تستحق أن تُصان.. وتُحمى.. وأن يقف مدافعا عنها.. وهكذا كان... اندفع خلف مهاب الذي كان قد وصل إلى سيارته في مواقف الكلية في زاوية غير واضحة أمسك بباب مهاب قبل أن يركب وهو يصرخ فيه: أنت أشلون ترضى على نفسك تهين وحدة من بنات جماعتك بذا الطريقة والله حتى المرة ما تسوي سواتك.. حينها نزل مهاب من سيارته وهو يدفع غانم: لي أنا تقول ذا الكلام يا غنوم.. أنا تقول لي مرة .. أنا؟؟ حينها اتخذ غانم وضعية قتالية: إيه مرة.. والله لا عاد تقول لبنت زايد آل كسّاب شي.. ياحسابك أنه معي.. حينها لكزه مهاب بعنف: تكلم على قدك ياولد لم يطل العراك طويلا.. فكلاهما قوي البنية.. لكمات قليلة.. خلعت كتف مهاب اليسار.. ووخلخلت بعض أسنان غانم وأطاحت البعض الآخر.. ولكن بعد انتهاء العراك الذي لم يشهده أحد سوى بعض عمال النظافة الذين صمتوا متفرجين.. كان هناك ما يشبه العرف المكتوب..أن لا يصعدا الموضوع أو يأزماه.. فكلاهما من جماعة واحدة.. ولا يليق مطلقا ماحدث بينهما لذا توجه كلا منهما لبيته.. ليذهب يعد ذلك للمستشفى بشكل منفرد حتى لا يربط أحد بين إصابتيهما وهما يرفضان إخبار الشرطة بسبب العراك أو مسببه أو حتى من قام بالتعارك معهما!!! حادثة بقيت في ذاكرة كل منهما.. توقف مهاب عن إهانة مزون.. ليس خوفا من غانم مطلقا.. وإنما لأن الفصل كان يوشك أساسا على الانتهاء وهو لا يريد مشكلة جديدة مع ابن جماعته وغانم بقيت أسنانه الجديدة تذكره دائما بمن منحته إياها.. كان يمازح سميرة أنها فعلت به خيرا.. لأنه كان يحتاج لتقويم أسنان وبأسنانه الجديدة انتفت الحاجة للتقويم وهاهو يزداد وسامة بفضلها ومزون لم تعلم مطلقا بالعراك الذي حدث من أجلها.. بل هي أساسا لم تكن تعرف غانما.. قد تكون لمحته في الكلية عدة مرات بشكل عابر.. ولكنه كان في سنته الأخيرة في الكلية.. وهي كانت لا تنظر مطلقا لأي زميل خارج إطار محاضرتها.. لذا معرفتها كانت محدودة بطلاب دفعتها فقط . . . انتهت الذكرى.. حدث كان بالأمس ومازال تأثيره يمتد لليوم.. فهل سيتجاوز اليوم للغد؟؟ . . مهاب يخرج خارج المطار لأنه كان اليوم هنا فقط من أجل توقيع بعض الأوراق بينما غانم مغادر في رحلة ممتدة حتى الغد.. خارج المطار.. عبدالرحمن ينتظر مهابا.. بعد أن كان من أوصله وهاهو ينتظره.. دقائق من حوار اعتيادي هتف بعده عبدالرحمن ويداه على المقود.. ونظره مثبت أمامه: أنت من يوم قلت لي تعال وصلني المطار وأنا داري إن عندك علوم... وصّلتك.. وهذا أنت طلعت... وعلومك ما بعد طلعت.. مهاب بمودة عميقة: علومي موجعتني يأخيك... عبدالرحمن يبتسم: وعشان أختك ما تبيني.. تتضايق كذا؟؟ مهاب بدهشة: وش دراك؟؟ حد قال لك شيء؟؟ عبدالرحمن مازال مبتسما: يعني لذا الدرجة شايفني غبي... إن اللبيب بالإشارة يفهم.. يا امهاب جعلني الأول.. الدعوى بسيطة.. كفاية إني أنا أصير خال عيالك.. الله ماكتب لي حد من خواتك.. نصيبي مهوب عندهم.. ولا وهم نصيبهم عندي..وأنا الله أعلم وين بتحط رحالي.. الحين القرار يبي له تفكير.. ماعادني بصغير.. والزواج صار ضرورة لي وعمري راح وأنا أرتجي نسبك... خلني الحين أرتاح من ذا الموال شوي.. استراحة محارب مثل ما يقولون..وعقب الله يكتب اللي فيه الخير.. ولا تظن أبد إن ذا الشيء ممكن يأثر على أي شي بيننا.. قد يكون فعلا لن يؤثر هذا الشيء مطلقا على العلاقة بين عبدالرحمن ومهاب فالعلاقة بينهما تجاوزت أن يؤثر بها أي شيء مهما كانت قوته العلاقة بينهما وصلت حتى التماهي والتمازج التام حد توأمة الروح وتداخلها!! ولكن هذا لا يمنع أن إحساس ضيق عميق وخانق وصل لعبدالرحمن وطمر روحه: " أ لهذه الدرجة لم تجد إحدى ابنتي خالي فيَّ حتى ميزة واحدة تجعلها تقتنع بي؟! أ لهذه الدرجة كنت سيئا وخاليا من الميزات؟! وبعيدا عن كاسرة التي ما تمنيتها مطلقا لنفسها ولكن لكونها الشقيقة الكبرى فقط كيف تفعل بي وضحى الرقيقة الشفافة التي تمنيتها لشخصها هذا؟؟ تمنيت بالفعل أن أبني معها أسرة حقيقية تمنيت أن تكون هي بالفعل شريكة لحياتي وسكنا لروحي كنت مستعدا أن أجعلها المرأة الأسعد في الكون ولكن حتى حلم السعادة الذي أردت أن أمنحه لها استكثرته هي عليّ" ********************************** عفراء ما زالت تجلس في صالة بيتها عاجزة عن القيام من مكانها.. ودوامات أفكارها تعصف بها.. لم يبق على آذان العصر شيء.. وتريد أن تسحب نفسها لتوقظ كساب ولكنها غاضبة منه بعد الكلام السخيف الذي قاله لها بعد الغداء "خطبة وزواج وهي في هذا الوضع والظروف والعمر" شيء في داخلها يطلب منها أن تفكر وتتمهل.. فربما بالفعل هي في حاجة ماسة للزواج ولوجود زوج في حياتها الخاوية بعد جميلة تحتاج لإحساس مختلف بالأمان باتت تشعر بافتقاده ولكن تفكير آخر اسمه جميلة يدفعها للرفض.. تخشى أن يؤثر هذا الخبر على نفسية جميلة وتقبلها للعلاج من ناحية ثالثة لا تتخيل نفسها زوجة... اعتادت أن تكون أم فقط.. ماعادت تعرف حتى كيف من الممكن أن تكون أنثى تهتم بزوج وتعامله كزوج فهي لا تعرف ان تتعامل إلا كأم ومعلمة فقط.. ولا تتخيل نفسها في دور آخر!! تنهدت وهي تحاول أن تبعد ذهنها عن هذا التفكير.. فمازال لديها اليوم مشوارين آخرين.. لابد أن تنتهي من شبكة كساب اليوم.. حتى تذهب لأهل عروسه في الليل بالمهر والشبكة فبالكاد يجدون وقتا للتسوق وفي خضم كل هذه المشاكل والمشاغل هي عاجزة عن النسيان ولو لثانية.. تعتصر جهاز هاتفها بين كفيها.. كم تشعر بالعطش لسماع همس صغيرتها تشعر أن قلبها أصبح كصحراء بور شققها الضمأ تنتظر أمطار همسات جميلة لترتوي.. كانت مازالت تحاول قهر نفسها حتى لا تتصل بخليفة الذي أزعجته لكثرة ما تهاتفه... حين فاجأها رنين هاتفها انتفضت (من سيتصل الآن؟) رقم غريب.. لم ترد.. مرة ثانية وثالثة ولم ترد أيضا.. فهي لم تعتد أن ترد على أرقام غريبة.. وخصوصا لو كانت هذه الأرقام مميزة ومتسلسلة بهذه الطريقة التي تبدو مخيفة بفخامتها.. حينها وصلتها رسالة: "مساش الله بالخير يا بنت محمد أنا منصور بن علي آل كساب.. ردي علي لو سمحتي عيب مخلين كساب مرسال بيننا أعتقد إنه ناس في عمرنا الأحسن يتفاهمون بأنفسهم" عفراء تنهدت بعمق: يا ثقل الطينة... وكاتب لي اسمه الثلاثي بعد... ليه أنا كم منصور أعرف وبعدين وش ذا الوقاحة اللي عنده قال نتفاهم بنفسنا أحسن حينها عاود نفس الرقم الاتصال.. تنهدت عفراء بعمق وهي تقرر أن تجيب.. فهي لا تجهل شخصية منصور.. وتعرف أنه حين يصر على شيء فلن يردعه شيء... فبينهما 3 عناصر مشتركة هم ابناء شقيقتها وابناء شقيقه لذا فهي تعرف منصور وشخصية منصور جيدا... تعرف كم هو عنيد ومتحكم ومتجبر لأبعد حد حين يريد.. وكم هو حنون ومرح لأبعد حد حين يريد أيضا دفعت في صوتها أكبر قدر من الرزانة والثقل: هلا أبو علي.. صوته كان مثقلا بعبق رجولة طاغ غلفها بعمق مدروس: حيا الله بنت محمد انتهت السلامات المعتادة بعبق احترام شاسع.. ليهتف بعدها منصور بحزم: أعتقد إن كساب بلغكم بالخطبة وأشياء ثانية غيرها صمتت عفراء بخجل (وش ذا الوقاحة اللي عنده.؟! أنا على آخر ذا العمر أنحط في ذا الموقف) كان منصور على وشك التكلم لولا أن عفراء قاطعت فكرته وهي تهمس بهدوء حاولت أن تنحي عنه خجلها (فهي لن تسمح أن يتلاعبوا بحياتها): يأبو علي.. أنا مرة ماعادني بصغيرة.. وأنت وولد أخيك مأخذيني لعبة وإلا شاه تقودونها من مكان لمكان فاسمح لي.. إذا أنتو رضيتوها لي.. أنا ما أرضاها لنفسي.. منصور رد عليها بفخامة: محشومة يا بنت محمد.. الحين يوم أنا أبيش تجين تشرفيني وتشرفين بيتي.. يكون هذا ظنش فيني..؟؟ عفراء تنهدت لترد بحزم: وأنا خلاص ما أبي العرس.. ومن حقي.. بنتي لو أنها بصحتها كان يمكن أنا الحين جدة..وش عرسه اللي أدور له الحين منصور بغموض: وهذا آخر كلام عندش..؟؟ عفراء بحزم: آخر كلام.. حينها رد عليها منصور بثقة طاغية: اسمعيني يا بنت محمد ..كسّاب مصمم إنش تزوجين ولو ما وافقتي علي بيغصبش على زايد.. وأظني إنش عارفة إنه كساب ما يتفاهم واللي في راسه يسويه فيكون من الأحسن لش توافقين علي أنا... بدل ما تنجبرين على زايد عفراء أغاضها بالفعل لشدة ثقته في نفسه لذا همست بشبح ابتسامة أخفتها خلف رزانة صوتها: وليش شايف نفسك خيار أفضل من زايد؟!! لو أنا فكرت بالمنطق والعقل.. زايد خيار أحسن بكثير.. زايد هو أبو عيالي اللي أنا ربيتهم.. وبأكون معهم وفي بيتهم وسامحني لو قلت إن زايد أخلاقه اسمح.. وطباعه أحسن من طباعك بواجد عدا أني لو انطسيت في عقلي وبغيت أجيب عيال لأنه من حقي.. ما أعتقد إن زايد بيحرمني أني أكون أم عشان ماله مزاج يكون أب.. منصور ببرود متحكم: بلاها ذا الأسطوانة لأني ما أبي عيال.. وأعتقد إنه صار عندش خبر.. ومستحيل أغير رأيي عشان أرضيش وبعدين يا بنت الحلال عندش بنت.. هي بتجيب لنا عيال. وأنا وأنتي بنصير جدانهم وندلعهم بدون ما يصدعون رأسنا.. لا تعلم عفراء لما شعرت بتأثر عميق شفاف وهو يذكر لها أطفال جميلة واستعداده أن يكون جدا لهم ومع ذلك أجابت ببرود: وأنت ليش مسكت في موضوع العيال وخليت المنطق اللي يقول إن المنطق هو أني أوافق على زايد منصور حينها هتف بنبرة غاية في التجبر والتحكم: والله لو كان آخر يوم في عمري مستحيل أخليش تأخذين زايد عفراء باستغراب: ومن تكون عشان تفرض رأيك بذا الطريقة.. منصور بنبرة نفاذ صبر: تراش طولتيها وهي قصيرة... الليلة بأحط مهرش في حسابش... وليلة الخميس بأجيب الشيخ ونملك.. وتجين لبيتي وانتهت السالفة.. عفراء بغضب: أكون بضاعة أنت اشتريتها.. وش ذا الأسلوب الهمجي.. عمري ما شفت واحد شايف نفسه كذا أنا ما أبيك.. غصيبة هي؟؟ منصور ينتفض غضبا: ليه أنا وش عيبي عشان ترفضيني..؟؟ عفراء بانهيال غاضب: تبي بالمختصر وإلا بالتفصيل.؟؟.. عصبي ولسانك طويل.. ومطلق ثلاث نسوان بدون ذنب.. وثكنتك بتكون عندك في رأس القائمة وأنا في الذيل.. وتبي تحرمني من حقي أكون أم.. ..حتى لو كنت ما أبي.. مهوب من حقك تمنعني.. لأن هذا لازم يكون قرار مشترك... منصور يبادلها الغضب بغضب مثله: ومعنى كذا إنه أنتي منتي بشايفة فيني أنا منصور آل كساب أي مميزات..؟!! عفراء بنبرة سخرية مغطاة بنبرة هدوء مدروس: والله إذا الطول والزين عندك إنه يكون ميزة للرجّال.. هذا شيء ثاني!! منصور حينها بدأ ينتفض غضبا متأججا مستعرا: أنا .. أنا منصور آل كساب.. مافيني من المميزات إلا الطول وما أدري ويش وش عاد فرقي عن النخلة.. طول وزين وبدون عقل.. أنا تشوفين مافيني أي مزايا؟؟.. أنا؟؟ أنا؟؟ وإلا عيونش ما تشوف إلا العيوب بس...؟؟ عفراء مستمرة بغضبها وهي غاضبة في المقام الأول من نفسها لأنها سمحت لنفسها أن تنحدر إلى هذا المستوى المتدني من أدب الحديث: والله عيوني تشوف اللي هي تبي تشوفه.. وإلا بعد بتحكم في رأيي على كيفك.. وخلاص أتمنى أنك تلتزم حدودك.. وما تتصل فيني.. احترم سننا يا بو علي.. ********************************** "يا الله علوي.. احنا طالعين من بيتنا جايينش.. خمس دقايق ونلاقيش واقفة عند باب الحوش.. شنطتش على رأسش" صوت علياء المرح: حشا بنغالية طاقة من كفيلها وجايين تهربوني.. سميرة تضحك: ليتش بنغالية كان لقينا منش فود.. يالله يا بنـيـ.......... بترت عبارتها وهي تشهق.. بينما كانت تعبر باب باحة البيت لخارج البيت وترى سيارة تقف عند باب مجلس الرجال الخارجي وينزل منها شابان لتتعلق عيناها بالمحيا الوسيم بنظرة عينيه الحزينة المغرقة في حزن شفاف... بينما نجلاء جوارها تهزها: بسم الله عليش وش فيش يا بنت ويصلها في ذات الوقت صوت علياء القلق والمرح في آن: سمور يالدبة وش فيش لا تكون روحش طلعت لمولاها عى ذا الشهقة.. سميرة عاودت التنفس وهي تهتف بإرتباك: مافيني شيء... روعتوني أنتي وإياها بينما كانت تهتف في داخلها بوجل عميق: "ياربي هذولاء أشلوني يجون وإبي مهوب راضي الحين بيطفشهم .. وخربت السالفة كلها.. يا ربي.. وش ذا المصيبة؟؟ . وبعدين وش فيه الأخ محزن كنه رايح يعزي مهوب يخطب؟! " ****************************** بداخل مجلس راشد آل ليث.. ثلاثة رجال.. وقلوب كل منها مشغول بهم.. مهاب أخبرته والدته اليوم أن يستعجل بخطبة سميرة من والدها لأخيه تميم.. لذا حينما قابل أبا غانم خارجا من صلاة العصر.. أستاذنه أن يزوره لسبب خاص فأجابه أبو غانم أن يحضر لقهوة العصر عنده.. مهاب متوجس أن تفسد علاقته المتوترة بغانم هذا الموضوع بأكمله!! أبو غانم غارق في هم آخر.. طلب منهم أن يأتوا في هذا الوقت بالذات لأن غانما متغيب في رحلة لن يعود منها إلا غدا وهو لايريد أن يتصادم مع أي أحد قبل أن ينفذ مافي رأسه.. حينها فليغضب من يريد أن يغضب.. لا يريد أن يُعلم شقيقه خالد ولا أبنائه.. حتى لا يجد أحدهما نفسه مضطرا أن يتزوج "سليطة اللسان" التي لم يخجلا من التجريح بها أمام والدها وخلف هذا الغضب الوقتي.. غضب أعمق بكثير غضب اسمه نجلاء وصالح.. فراشد متردد بالفعل أن يربط ابنته الثانية بابن شقيقه الذي سيكون فهد غالبا مع تحكم العادات الإجتماعية المعروف فإذا كان صالح الأكثر رزانة بينهم والأكثر دماثة في أخلاقه.. فعل بنجلاء التي هي أعقل بكثير من سميرة ما جعلها ترفض أن تعود له كل هذه الشهور فكيف سيكون حال فهد وسميرة؟!! تلوح له في الآفاق مشاكل هو في غنى عنها وهم في الختام من أرخصوا ابنته وسخروا منها... لذا لا يريد أن يتزوج فهد من ابنته تحت وطأة الإحساس بالمسؤولية والواجب سيزوجها ممن تريده هي.. وفي لختام سيكون ذنبها عليها.. لأنها من اختارت بينما لو أجبرها على ابن عمها.. ثم حدث بينهما مشاكل مستقبلا.. ستلقي اللوم عليه فورا.. تميم.. العالم الصامت.. الزاخر بالسكون.. يشعر تماما كما المثل (أطرش في زفة) هاهو شقيقه مهاب يخطب له.. ويبدو أنهما يتناقشان في تفاصيل شيء ما بينما هو يجهل حتى ما الذي يدور في خطبته.. يستطيع أن يقرأ القليل من لغة الشفاه.. ولكنه لم يحاول حتى النظر لشفافهم التي تتحرك بسرعة متعب من كل هذا.. مــتـــعـــب!!! ولا يشعر حتى بأي رغبة لهذا الزواج.. يعلم أنه مازال صغيرا في السن.. واستعجاله على الزواج كان لمجرد أن يجد شريكة روح يستطيع أن يتحاور معها كلما أراد.. الآن أي حوار سيصنع مع هذه التي يعرف جيدا أن لديها طاقة حديث تكفي جيشا من النساء؟!! كيف سيحتوي ضوضاء حديثها؟!! وكيف ستحتوي هي سكون صمته؟؟!! كيف ستكون بجنونها الدائم سكنا لروحه المثقلة بالهدوء؟!! أي حياة تنتظرهما معا؟؟ أخرجه من أفكاره.. مهاب يهزه برفق.. لشير له الإشارة الصدمة: أبو غانم يقول لك يبي يملكك الليلة.. أُلجم تفكيره وعروق يديه جفتا وأنامله تتخشب عن الإشارة.. بينما مهاب أكمل الإشارة بإبتسامة: يا الله .. وإن شاء الله يصير عرسي وعرسك في ليلة وحدة.. تميم بحركة ميتة أشار: توكل على الله... حينها التفت مهاب لإبي غانم وهتف باحترام: نسبكم ينشرى بالذهب يأبو غانم بس مهوب ودك ننتظر غانم.. أدري عنده رحلة على خطنا الجديد ومهوب راجع إلا بكرة راشد بحزم: غانم لاحق خير... بيحضر العرس إن شاء الله.. ماعقب الموافقة إلا الملكة.. هذا السنع جيب الشيخ عقب المغرب وجيب اللي يعز عليك من ربعك.. مهاب باحترام: اجل العشا عندنا الليلة.. علّم جماعتك وربعك... ******************************************* "أنتي يالخبلة بغيتي تدعمين في الرجال والله العظيم منتي بصاحية.. من يوم طلعنا وأنتي حالتش مهي بطبيعية" سميرة ترد على عالية بتوتر وضيق عميقين: مافيني شيء عالية تشدها لجوارها: علي يا سمور.. سميرة تشعر أنها مختنقة: مافيني شيء.. بس تعبانة وأبي أرجع البيت.. كانت تتحاوران حينما شدتهما نجلاء: يا الله نرجع البيت.. إبي كلمني ويقول ارجعوا الحين.. سميرة بتوتر أكبر وقلق موجع بدأ يتصاعد في روحها: ليه؟ وش فيه؟؟ نجلاء باستعجال: تبيني اقعد أحقق مع إبي؟؟.. قال لي ارجعوا الحين البيت.. قلت له إن شاء الله امشوا وندري وش السالفة... عالية بمرح: خلاص أنا بأروح معكم لبيتكم.. بأنام عندكم دام غانم مسافر الليلة... ******************************* "خليفة تكفى.. قل لهم يشيلون المغذي عني أنا صرت آكل زين الحين.. إيدي مزرقة من أثر الأبر" انتشله همسها المتعب من جريدة عربية كان يتصفحها.. طواها جانبا وهتف لها بحنان: هم أساسا ببشيلونها.. بس باقي الليلة آخر جرعة دوا بيحطونها في الوريد..باجر إن شاء الله بيشلونها لا ينكر أنه مع الأدوية تحسن تناولها للطعام.. ولكن زادت عصبيتها كثيرا وهي تثور لأتفه سبب ثورة عارمة.. ولكنها على الطرف الآخر أيضا أصبحت ترحمه من ثوراتها لساعات طويلة تقضيها في النوم أو حتى غارقة في صمت غريب يشبه ما تغرق فيه الآن.. هذه المرة كان هو من انتشلها من صمتها وهو يهتف بحماس مصطنع: أشرايج باجر لا شالو عنج المغذي أطلعج للحديقة شوي عندهم حديقة.. شنو حديقة.. والله خيال.. جميلة أدارت وجهها للناحية الثانية وهمست بذبول: ما أبي.. مالي نفس أشوف شيء.. خليفة لم يهتم لرفضها: إلا بنطلع.. والأسبوع الياي بأطلعج تشوفين بحيرة أنسي والبياعين اللي حولها.. بتستانسين وايد تركت كل ماقاله وسألته في اتجاه وجع آخر: أمي كلمتك.. وإلا عمي زايد؟؟ خليفة بحذر توقعا لثورتها القادمة: كلهم كلموني.. يسلمون عليج وايد وايد.. ولكنها ويالا الغرابة لم تثر.. لم تصرخ.. بل سالت دموعها بصمت وهي تهمس بصوت مبحوح مقهور ممزق ألما: وكالعادة ماحد منهم طلب يكلمني.. قطوني هنا عليك ونسوني...كنهم ماصدقوا يخلصون من همي وينسون إن لهم بنت حتى أنت تكرهني وتدعي ربك متى يخلصك مني وأموت عشان أنت ترتاح.. أنهت جملتها ثم أدارت جسدها لتولي ظهرها لخليفة.. وتطلق العنان لدموعها لتنساب بغزارة وجعها العميق.. وروحها المثقلة بوجع التجاهل والنكران ممن ترتجي حنانهما ووصلهما ودفء أصواتهما وروحها تغرق في الصقيع بعيدا عنهما أمها وعمها زايد... ******************************** قبل صلاة المغرب.. والفتيات رجعن.. نجلاء وعالية كل ما خطر ببالهن أنه لابد عشاء للرجال لذا طلب راشد عودتهن.. لكن سميرة كانت تشعر بألم في بطنها.. وحاستها السادسة تنبئها أن هناك شيئا آخر.. لم يخطر عقد القران ببالها مطلقا.. وإنما كانت تخشى أن والدها يريد معاتبتها على خطبة تميم ربما لذا حينما نادتها والدتها في الأسفل.. بينما نجلاء وعالية كانتا في الأعلى كانت ترتعش ..مطلقا ليس خوفا من والدها ولكن احتراما له وخشية من إغضابه.. وخشية من الانهيار التام لحلم حياة باتت تحلم بها مع تميم حين دخلت... كان والدها يجلس بجوار والدتها.. ولم يفتها أن والدتها كانت تمسح دموعا تحاول إخفائها عنها.. شعرت أن عبرة كبيرة سدت مجرى التنفس عندها.. هل هناك من حدث له مكروه ما؟!! أشار لها والدها أن تجلس جواره.. احتضن كتفيها بحنان وهمس بخفوت خلفه رجاء عميق معقد: تبينه وإلا لأ؟؟ هذي آخر فرصة قدامش تتراجعين تراهم بيجيبون شيخهم عقب الصلاة.. تبينه.. توكلنا على الله... ما تبينه.. كلمتهم الحين وقلت لهم الوجه من الوجه أبيض انتفضت سميرة بعنف: من؟؟ أبو غانم بدت الكلمة عسيرة على لسانه: تميم آل سيف.. سميرة صمتت بخجل والصدمة تلجم لسانها.. لم تتوقع أن الأمور قد تتيسر بهذه الطريقة.. لابد أنها دعواتها الطويلة لله عز وجل!! راشد استحثها لترد بينما دموع أم غانم باتت عاجزة عن إخفائها.. همست سميرة باختناق: أبيه إذا أنت وأمي راضيين.. أبو غانم يشعر بوجع عميق لا حدود له أخفاه خلف حزم صوته: أنتي اللي بتعيشين معه.. المهم تكونين أنتي راضية ومقتنعة.. سميرة هزت رأسها وقفزت لتهرب.. بينما أبوغانم هتف خلفها: لا تقولين لنجلا وعالية شيء لين تخلص الملكة.. ولأن سميرة بلغ توترها الذروة.. قررت أن تستحم حتى تحين صلاة المغرب.. عالية طرقت عليها الباب عشرات المرات: حشا سحتي في البانيو.. هذا ياختي وأنتي تولعين من البياض تسبحين ذا الكثر وش خليتي للي مثلي... انتهى عقد القران.. ونجلاء وعالية غائبتان عن الحدث لأنهما مشغولتان بالحديث حينا أو اللعب مع خالد وعبدالعزيز حينا آخر.. بعدها عادت سميرة بأقدام تنقلها بتثاقل.. ومشاعر ملتبسة غامضة.. تشعر أن ذهنها تعطل عن التفكير هل حقا أصبحت زوجة لتميم؟؟ هل حقا حدث هذا؟؟ هي وتميم؟!! تحاول أن تتذكر متى بدأ إحساسها الغريب بتميم فلا تتذكر.. هل وهي مازالت في المرحلة الإبتدائية؟!! وهي تراه واقفا أمام الباب مباشرة يكاد يغوص في أفواج الناس المتدافعة خارج المدرسة.. صامت ساكن.. لا تتغير ملامح وجهه وكأنه في عالم آخر بعيد عن ضوضاءهم..وجسده الهزيل صامد أمام الدفعات.. حتى يرى وضحى.. حينها يشرق محياه البريء بشيء يشبه ابتسامة.. وهو يطبق على أنامل شقيقته.. ويشدها خارجين من الزحام.. "كم وقفت بجوار وضحى.. وأنا أتمنى أن يمنحني شيئا يشبه الإبتسامة ذاتها هذه المعجزة المجهولة التي كانت ترتسم على وجهه كنت أستغرب أن مثله يستطيع الإبتسام لو عجزت يوما عن الكلام.. سأسيل كل دموع الأرض فكيف وهو يمضي حياته غارقا في الصمت؟! . الأيام مضت.. ونحن كبرنا.. وهو لم يلتفت لي يوما.. لا أعتقد حتى انتبه لوجودي بين هذه الأفواج هل كنت إلى هذه الدرجة غير مرئية..؟! بعدها ماعدت أراه.. حتى تخصصنا أنا ووضحى ذات التخصص أراه معها يوصلها أو يأخذها مازال كما كان.. إلا أنه ازداد وسامة.. وطولا.. وصمتا.. وابتسامته.. آه يا ابتسامته... زادت سحرا وغموضا.. لن أخدع نفسي وأقول أني أحبه أو حتى أحببته ولكني تمنيته كشيء مستحيل تمنيت ابتسامته ..سحره.. عمقه.. هدوءه.. وصمته ثم أنه لن يشاحنني يوما.. لن يقول (اسكتي ايتها البلهاء طويلة اللسان) مهما تكلمت.. لن يقول (رأسي يؤلمني يا ثرثارة) والأهم الأهم ..لن يستنقص يوما أمي التي أراها الأم الأعظم في العالم والتي لو تجرأ زوجي يوما على المساس بها سأمزقه إربا بلساني وأسناني قد أكون شجعت نجلاء على العودة لزوجها.. لكن نجلاء شخصيتها مختلفة عني ونجلاء يربطها به أطفال ولو كان زوجي.. لربما أثرت فضيحة ...لن أكون عاقلة حينها كنجلاء لذلك نحيث أبناء عمي عن تفكيري تماما.. أردت أن أبتعد عن مجرد فكرة الارتباط بواحد منهم بعد ما فعله صالح بنجلاء تميم ظل دائما منزويا في ذاكرتي الخيالية التي صنعت منه مخلوقا أشبه بالخيال لأني كنت أعلم أنه يريد واحدة بحالته لكن ما أن أخبرتني وضحى أن أمه تبحث له عن عروس سليمة.. حتى قفز لبؤرة الذاكرة والشعور وحتى سارعت للاعتراف برغبتي للحصول عليه فهو الزوج المثالي تماما بالنسبة لي ولن أضيعه من يدي مطلقا" الأفكار تلتهم سميرة وهي تدخل لغرفة ابناء نجلاء كانت عالية تتقاذف بالمخدات مع ابني شقيقها.. وصراخهم يتصاعد سميرة جلست بصمت... هزت نجلاء كتفها: هييييه وش فيش؟؟ سميرة بصوت مبحوح: أنا تملكت.. حينها انفجرت الاثنتان في الضحك.. وعالية تهتف مع ضحكاتها: حلوة ملعوبة يا بنت... سميرة بهدوء مختنق: والله العظيم تملكت تميم بن ناصر آل سيف الحين.. نجلاء انقلب وجهها: أنتي من جدش؟؟ سميرة تبتلع ريقها: والله العظيم من جدي.. حينها قفزت نجلاء تصرخ بغضب: ومتى صار ذا الشيء؟؟ سميرة بتردد: خطبني قبل يومين.. وتملكنا قبل شوي.. عالية وقفت وهي تلبس لباس الجدية الذي ما أن تتسربل به حتى تتحول لمخلوقة آخرى مختلفة.. رفعت هاتفها واتصلت بحزم: هزاع... دقيقة وتكون عندي أنا في بيت عمي راشد بتلاقيني انتظرك في الحوش... بدأت ترتدي شيلتها وعباءتها وهي تهتف بحزم شديد: أرخص من ذا الحركة ما شفت في حياتي.. نعنبو دارش بنت عمش وصديقة عمرش تدسين علي موضوع مثل ذا.. يعني خايفة أقول لأخواني يقرعون مثلا.. يأختي من عافنا عفناه لو كان غالي... وعقبها تملكين وأنا عندش في نفس البيت وماحتى تقولين لي... الله يهنيش بالأطرم.. غطيه على قلبش لا حد يخطفه عالية أنهت كلماتها القاسية التي شعرت بها سميرة كما لو كانت تخترق عمق روحها بقسوة.. وخرجت فورا... بينما نجلاء بقيت مذهولة.. لتهمس بعدها بكلمات مبتورة: زين عالية وخفتي تقول لعيال عمي يقرعون أنا أختش.. أختش.. طول اليوم وجهي في وجهش وصار لي يومين أقول لش أنتي متغيرة.. تقولين لي مافيه شيء.. أحايلش.. وش فيش ياقلبي؟؟ تكذبين علي وتقولين ولا شيء.. ضغط دراسة بس هذي آخرتها.. تدسين علي موضوع مثل ذا... تحرميني من أنني أفكر معش حتى وأمي وأبي أشلون يدسون علي موضوع مثل ذا.. ما كني ببنتهم الكبيرة صرت غريبة عنكم كلكم.. صرت عدوتكم.. سميرة بدأت دموعها تنهمر بغزارة وهي تنتحب بصمت في داخل روحها.. وفرحتها تُنتهك تماما.. من التجريح للعتب لأقسى ألوان الإيذاء النفسي لماذا كل هذا؟؟ لماذا؟؟ ماذا يهمهم من تراتبية الحدث... المهم هو الحدث.. لماذا رفضوا مشاركتها فرحتها؟!! لماذا استكثروا عليها هذه الفرحة؟؟ لماذا الإصرار على تشويهها وإفساد وجهها الزاهي بهذه القسوة؟؟ نجلاء كانت تذهب وتعود كالمجنونة.. وأنفاسها تتسارع بصوت مسموع مؤلم...لأنها كانت تحاول منع نفسها من البكاء كانت تشعر بغبن شديد.. تشعر كما لو كانت تقف على قمة جبل ليُلقى بها من فوقه وتجد نفسها تنحدر للسفح بلا مقدمات وعظامها تسحق بكل قسوة وحشية " شقيقتي الوحيدة يعقد قرانها وأنا معها في البيت دون أن أعلم بأي شيء أي قسوة هذه؟ أي نكران؟؟ أي تجاهل؟؟ ثم كيف ترمي بنفسها هذه الرمية الشنيعة دون أن تستشيرني حتى وكيف أمي وأبي يبعدونني بهذه الطريقة أ هان عليهم أن يفعلوا بي ذلك ؟!! ماذا فعلت لأستحق منهم كل هذه القسوة الموجعة؟!!" فجأة التقطت هي أيضا هاتفها لتتصل برقم معين ثم تهمس بحزم شديد: أبو خالد تعال أخذني بعد نص ساعة لو سمحت.. بأكون لميت أغراضي وأغراض عيالي أنا الليلة مستحيل أبات في ذا البيت #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والعشرون بدايات ليل الدوحة.. الليلة الجو حار.. مع رطوبة خانقة.. اختبأ منها الناس في أحضان التكييف.. ولكن من كانت الحرارة في جوفه.. وماهو أكثر لزوجة وأشد وطأة من الرطوبة يكتم على أنفاسه فإلى أي أحضان يلجأ؟؟؟ ******************************* صالح يقف في باحة بيت عمه.. ينتظر.. وفي قلبه طبول حرب مسعورة ترتفع دقاتها بوجيب متراقص لا هوادة فيه "ما الذي حدث؟؟ ما الذي جعلها تعود بهذه الطريقة؟؟" في الداخل نجلاء تقبل رأس والدها ووالدتها.. ورغم عتبها العميق عليهما لكنها لا تستطيع التصريح ولا حتى مضايقتهما أبو غانم يهتف بحزم: أنتي مقتنعة بالرجعة لصالح؟؟ ترا السالفة مهيب لعبة.. نجلاء بهدوء تحاول إخفاء غصاتها الموجوعة خلفه: أكيد مقتنعة.. أنا وأبو خالد صفينا اللي بيننا.. وصالح عشرة عمر وأبو عيالي.. ما أرخصه ولا يرخصني أم غانم كانت تحتضن حفيديها ودموعها التي أبت اليوم أن تتوقف مازالت تسيل بغزارة.. عاجزة عن احتمال كل ضغوطات اليوم ومواقفه.. سميرة كانت تنظر لهم من الأعلى عبر حاجز الدرج وهي تجلس على عتبات الدرج في زاوية مخفية وهي تكتم شهقاتها التي تكاد تمزق صدرها لرغبتها في الانفلات.. عاجزة عن التنفس.. تخشى أن يفضحها تنفسها فيرتفع عويلها المكتوم.. تكاد تموت من شدة الوجع.. تريد فقط أن تقبل خد نجلاء..أن تبعثر شعر خالد وعبدالعزيز وتقرص أنوفهم... لِـمَ يبدو كل شيء كثيفا ومعقدا هكذا؟؟ لماذا لا تستطيع الركض للأسفل وتنفيذ كل ما تريد... تُشبع روحها من رائحة نجلاء وطفليها.. تخبرها كم تحبها!! وكم ستشتاق لها!! وكم هي سعيدة أنها ستعود لتأديب صالح!! تريد أن تقول لها (أدبي صالح حتى يبكي).. تريد أن تسخر منها وبها ومعها.. تريد لمسة من أناملها ونظرة من عينيها الحانيتين.. تريد أن تمسح على خصلات العسل.. وتقول لها: كيف يكون فطوري بدون عسل؟؟ تريد أن تثرثر كثيرا.. وتصرخ بجنون.. وتنثر ضوضاءها في مكانها!! ولكنها بقيت تنظر لهما بجوع روحها الحاد.. حتى رأت نجلاء تخرج تشد طفليها لتركض حينها لتنظر لهم عبر نافذة الصالة العلوية.. تشهق بوجع وعيناها تغيمان وهي ترى نجلاء تفتح الباب الخلفي لتركب أطفالها ثم تركب بجوار صالح الذي وهبها نظرة عاشق أثقله الاشتياق!! . . نجلاء ركبت بجواره وهي لا تشعر بشيء مطلقا فوجعها من أسرتها اليوم غطى على كل وجع.. مشبعة بألم شفاف انغرز في روحها كانت صامتة.. بينما الرجل بجوارها يشتعل.. لم يتحادثا مطلقا.. لم يسألها حتى لماذا عدتِ .. ولن يسألها... يكفيه أنها عادت لأحضانه أخيرا ..فلن يكون أبدا كما المثل الشعبي (قالوا له هاك خير.. قال ماعندي ماعون) فهو بأكمله (ماعون) ووعاء لها.. نجلاء وصلت لبيت عمها.. استقبلتها أم صالح بحفاوة غامرة.. حاولت أن تجامل أم صالح بدماثة ثم اعتذرت أنها تريد ترتيب أغراضها صالح طوال حوارها القصير مع والدته وهو جالس مشغول بمراقبة تعبيرات وجهها الذي أضناه الاشتياق لكل تفصيل صغير في ثناياه ولم يفته ملاحظة تفصيل جديد.. (حزن جديد يرتسم على محياها) بدت له حزينة جدا.. وكم آلمه أن تكون حزينة هكذا وهو لا يعرف السبب.. آلمه حتى العمق أنه لا يستطيع أخذها في حضنه..أو مسح حزن عينيها فربما لم يكن لها من أسباب الحزن سببا عداه!! حين وقفت.. وصعدت.. تمنى أن يصعد خلفها.. يفتش في روحها..يستكشف خباياها.. يريد أن يطمئن أنه مازال هناك..بأي صورة كانت.. المهم أنه هناك.. مازال ينقش اسمه في حناياها ولكنه شعر بدون أن تتحدث أنها تحتاج للاختلاء بنفسها.. لم يكن يريد تركها وحيدة.. " أ تريد لها ملجأ سواي؟!! أ تريد صدرا ترمي عليه همومها عدا صدري؟!! أ تخبئ حزنها حتى عني أنا ونحن من اعتدنا على اقتسام كل شيء حتى التجريح والحزن؟!! أ تريد أن تهرب بحزنها عن مداي لتعانيه وحدها؟؟ أي قسوة هذه؟!! أن تحزن لوحدها دون أن تسمح لي ان أحمل الحزن معها؟!! وأنا أعلم أنها ألتجأت إلي ختاما.. كنت أنا من خطرت ببالها عندما ضايقها شيء لا أعلم ماهو ثم بعد ذلك كله أشعر أن كل ما تريده هو أن تختلي بنفسها بينما أريد أن أكون بينها وبين نفسها بينها وبين أنفاسها بينها وبين عظامها " ولكنه أجبر روحه على الإنسحاب.. قرر أن يأخذ ولديه ويذهب بهما ليعشيهما خارجا..بما أنهما في إجازة الآن.. أراد أن يلتهي بهما.. وأن يتيح لأمهما فرصة التنفس بعيدا عن الإنشغال بأي شيء.. وبالفعل وصلت نجلاء لغرفتها لتغلق بابها عليها.. وتنهمر في دموع مثقلة بالجرح والقهر.. (فجرح ذوي القربى أشد مضاضة... على النفس من جرح الحسام المهند) كما قال الشاعر.. صالح بعث لها رسالة يخبرها أنه أخذ الولدين.. ثم أغلق هاتفه.. لم يكن به رغبة للتحادث مع أحد.. لذا لم يتلق اتصال عمه الذي أراد إخباره بملكة سميرة.. وكذلك اتصالات والده الغاضبة بعدها.. *********************************** "ياي ياخالتي.. ما تخيلتها حلوة بذا الطريقة مافيه حتى كلام يوصفها.. تجنن تجنن تجنن" عفراء تبتسم بحنان لحماس مزون المتدفق وهما تركبان السيارة خارجتين من زيارة لعروس كساب بعد أن أحضرا لها شبكتها ومهرها وتهمس لها بمودة: عجبتش يعني؟؟ مزون بذات الحماس: عجبتني وبس.. أنا انسطلت ودخت وسحت بمعنى الكلمة.. صدق إذا هذي ما تفكك عقد ولد أختش يكون خلاص مافيه رجا.. ثم أردفت بحذر: بس ما لاحظتي خالتي نهائي ما ابتسمت.. رغم أن عفراء لاحظت ذلك ولكنها قالت بهدوء: تلاقينها مستحية شوي.. مزون بذات الحذر: بصراحة ما أعتقد إنه سحا.. لأنه ماشاء الله من الجلسة الأولى تعرفين إن شخصيتها قوية وردها حاضر صراحة هي كانت قمة في الذوق واللباقة ما أظلمها.. بس بعد ما أدري.. حبيت أشوف ابتسامتها عفراء تهز كتفيها: يمكن عندها شيء شاغلها في شغلها وإلا حياتها... يعني بالش لا يروح بعيد... مزون تبتسم: بس أشلون هذي أخت امهاب وإلا حتى أمها واختها كلهم ذوق.. سبحان الله من البصل يطلع عسل عفراء بحنان: أول مرة أسمعش تقولين اسم امهاب وانتي مبتسمة.. مزون هزت كتفيها وهي تسحب نفسا عميقا ثم تزفره: تدرين خالتي.. امهاب بيظل من أسوأ ذكرياتي وعمر ذا الشيء ماراح يتغير لكن عشانه صار نسيب كساب.. لازم أتعود على اسمه وأحاول أظهر تقبله مهما كان صعب علي.. ما أقدر ما أسوي كذا.. ما أبي شيء يحز بخاطر مرت كسّاب . . وغير بعيد.. في داخل البيت.. صوت مزنة الغاضب: يعني كان صعب عليش تبتسمين للناس لو ابتسامة صغيرة من باب المجاملة الناس ماباقي شيء ماجابوه لش.. ومتكلفين ومكلفين على نفسهم.. جامليهم.. بيني نفسش مبسوطة فيهم.. كاسرة بهدوء: قعدة وقعدت معهم.. وترحيب ورحبت.. وسوالف سولفت.. ماعاد باقي إلا الابتسامة تبين أغصب نفسي عليها.. مزنة تتنهد وهي تتماسك لتهمس بهدوء: يامش هذولا هم المرتين الوحيدتين اللي يقربون لرجّالش.. احترام له وتقدير وعشان إن شاء الله تكسبينه.. لازم تكسبينهم كاسرة ببرود: الحين ذا الرجال اللي قبل كم يوم ما أعرفه حتى.. صار لازم أجامل حتى اللي يقربون له عشان سيادته يرضى عنه ما رضى.. بالطقاق اللي يطقه... أنا أعامل الناس مثل ما أحب أنهم يعاملوني.. مهوب عشان أرضي أي أحد.. مزنة بنفاذ صبر: كل شيء لازم تحولينه لساحة حرب... الله يعين كسّاب عليش.. هذا وأنتي موافقة عليه برضاش خليني أروح أشوف عشا الرياجيل أحسن... تنهدت كاسرة بعمق.. لم يكن صعبا عليها مطلقا اصطناع ابتسامة مجاملة تظهر سيطرتها التامة حتى على ردات فعلها " ولكني كرهت أن ابتسم أمامهما... فربما ينقلون لذلك التافه الأرعن أنني كنت مبتسمة.. فيجن سعادة لأنه سيظن أني سعيدة به بينما أنا أرثي لحالي الذي أوقعني بين براثن ذلك الطفل المتفاخر بعقله الخالي من أي تفكير أو تحكم... يا الله أي حياة تنتظرني معه؟!! هل هو شر ما كتبته لي أو خير؟!! أرجوك يا آلهي ألهمني الصواب.. القلق يأكلني.. أشعر كما لو أن حياتي تقف على شفير الهاوية فهل يكون مصيري أن تلقيني فيها يارب؟!! " ******************************* المجلس محتشد.. عشاء ملكة تميم.. زايد استغرب موافقة كسّاب أن يأتي معه للعشاء.. حتى وإن كانوا أصبحوا أنسبائه.. لم يكن يعلم أن هناك موال في رأس كسّاب جاء لتنفيذه وهاهو ينفذه بالفعل.. وهو يميل على أذن مهاب يحادثه بصوت منخفض.. فيقف مهاب وهو يهز برأسه.. زايد بتساؤل يهمس لكساب الجالس جواره: وش قلت لامهاب؟؟ كساب بهدوء يخفي خلفه ابتسامة خبيثة: قلت له أبي أسلم على عمتي.. مالحقت أسلم عليها عقب الملكة.. وعيب في حقي لحد الحين ماسلمت عليها... فقلت له يفضي لي درب ويعلمها.. لا يعلم زايد أي شعور ملتبس شعر به... " أ حقا سيراها ابنه؟؟.. بل قد يطبع قبلاته على رأسها كما هو مفترض.." شعور كثيف شديد التعقيد بدأ يخترم روحه... كان بوده لو أستطاع أن يمنع كسّاب من رؤيتها لا يعلم لِـمَ يشعر أن رؤيته كساب بعد أن يراها قاسية على روحه.. أن يعلم أن ابنه استطاع أن يرى من لم يرها منذ أكثر من 30 عاما مضت.. وما زالت في ذاكرته هي ذاتها الصبية المشتعلة حسنا في بخقنها المطرز بالزري.. "هي ذاتها ذلك الحسن الذي لا مثيل في ذاكرتي : خداها المحمران على الدوام.. عيناها الذكيتان المشبعتان سحرا وسوادا وشقاوة.. شفتاها النديتان التي تميلان بكسل مهيب حين تنفث سحر كلماتها أو حتى مجرد غضبها الشقي الدائم إلى أي مدى تغيرت؟؟ ماذا أخذت منها السنوات؟؟ وماذا أضافت لها؟؟ أ يعقل أن نظرة التمرد المتدفقة بالحياة تلك التي كانت تضيء عيناها قد انطفئت؟؟ أ يعقل أن ذلك اللسان السليط المتفجر بمقذوفات العبارات قد أُلجم؟!! أ يعقل إن تلك الحيوية التي تسري في عروقها حد التشظي قد تضاءلت وذبلت؟!! ماذا بقي منكِ يامزنة؟؟ ماذا بقي؟؟ " مهاب عاد لكساب وهو يشير له بعينيه.. ليخرج معه لمقلط الرجال ثم إلى داخل باحة البيت.. وعينا زايد تتبعانهما ومشاعر كثيفة معقدة تطوف بجوانحه.. في الداخل.. قبل دقيقتين .. وضحى تقتحم غرفة كاسرة وهي تطل مع نافذتها وتهتف بحماس: تعالي تعالي.. ما تبين تشوفين رجّالش؟!! امهاب توه كان عند أمي.. يقول إنه بيجي يسلم عليها.. كاسرة كانت تمسح زينة وجهها التي بقيت من أثر تزينها لمقابلة خالة كسّاب وأخته همست بدون اهتمام: ما أبي أشوفه.. خله يسلم ويتسهل... وضحى باستغراب: معقولة ما تبين تشوفينه؟؟ تعرفين شكله على الأقل كاسرة بنبرة عدم الاهتمام ذاتها: شفته اليوم الصبح.. وشكله ماشي حاله.. مقبول.. وضحى باستغراب شديد: وين شفتيه؟؟ ومتى؟؟ كاسرة بهدوء بارد: هو جاني بنفسه في مكتبي.. وضحى بصدمة كاسحة: معقولة؟؟؟ من جدش؟؟.. بصراحة حركته جريئة واجد.. ثم أردفت بحماس وهي تعاود التمركز عند النافذة المطلة على الباحة: شوقتيني أشوفه أبو الجرائة ذا... بصراحة خطير وما عنده وقت أبونا ذا وضحى تركز نظرها على الرجل الذي يعبر الباحة بجوار مهاب متجهين لمجلس الحريم الذي بابه يفتح على الباحة.. وظلت عيناها معلقتان به حتى غاب عن مدى بصرها لتلتفت لكاسرة وهي تضيق عينيها وتهمس بنبرة ذات مغزى: أنتي متأكدة أن اللي شفتيه اليوم الصبح هو رجالش نفسه؟؟ كاسرة وقفت وهي تستخرج روبها من الخزانة حتى تستحم وتهتف بدون أدنى اهتمام: قلت لش شفته هو نفسه.. خلاص سكري السالفة ابتسمت وضحى: بس هذا ما ينقال عليه أبد ماشي حاله.. أنا من يوم شفتش تقولين على منصور آل كساب ماشي حاله وأنا عارفة إنش عندش خلل في النظر.. حينها هتفت كاسرة بحزم: وضحى عيب.. احترمي أني أختش الكبيرة.. وضحى مازالت تبتسم: أنتي ماعندش تايم آوت..ما تعبتي من الجد.. خليني أعبر عن رأيي في رجّال أختي.. صحيح عمه أحلى بواجد على مستوى الوسامة.. بس هذا يأختي موت موت مووووووووت.. جذاب زيادة عن اللزوم.. أشلون استحملتي تشوفينه من قريب؟!! حينها وجدت كاسرة نفسها مجبرة على الابتسام: صدق ما تستحين.. تغزلين في رجّالي وأنا أسمع.. وبعدين تعالي.. من هو ذا اللي ما استحمل شوفته؟؟؟.. الغوريلا اللي تحت... اللهم لك الحمد والشكر... إذا وصل لمواطي أرجيلي هذاك الوقت فكرت أصلا أشوفه من أساسه وضحى تبتعد عن النافذة باستعجال: هذا هو طلع... بأروح أشوف رأي أمي فيه... أنتي أصلا لا يعجبش العجب ولا الصيام في رجب .. على قولت المثل قبل دقائق في مجلس الحريم.. مزنة ترتدي عباءتها وبرقعها استعدادا للسلام على كسّاب.. طرقات حادة على الباب ثم دخل مهاب وهو يهتف بحزم: كسّاب جا.. ثم أزاح له طريقا.. كساب دخل بهدوء وعيناه تبحثان عن المرأة التي قادته للزواج من ابنتها.. أي امرأة هذه التي أحكمت سيطرتها على قلب زايد حتى الآن؟؟ أي سحر تتسربل به هذه المرأة جعلها عصية على التجاهل والنسيان؟؟ تقدم وهو ينظر لها.. تمنى بكل العمق لو استطاع النظر لها بدون برقع.. والعجيب أنه لم يتمنَ نفس الأمنية مع ابنتها التي رأها اليوم صباحا فرغم أنه لم يرَ وجه كاسرة ولكنه لم يشعر مطلقا بأي رغبة في رؤيته كما يشعر برغبة عميقة لرؤية وجه مزنة.. عيناها الظاهرتان من فتحي برقعها بدتا له مرسال حسن فاتن لم يندثر بعد... والذي آلمه حتى النخاع فيهما كم الحنان المهول المتبدي منهما.. مطلقا لم تكن نظرة أنثى..كانت نظرة أم صافية... شعر بالحنين يجتاحه لأمه بعنف موجع.. انحنى ليقبل رأس مزنة.. بينما تمنى لو أخذها في أحضانه.. ووسمية تحضر في ذاكرته بكل الوجع.. كم هو مشتاق لأحضان أمه..!! مشتاق!! مشتاق!! هتف باحترام: مساش الله بالخير يمه.. سامحيني ماجيتش ليلة الملكة.. انشغلت بالعشا عقبها...وعقبه السالفة اللي صارت لي.. مزنة باحترام ودود: الحمدلله على سلامتك يأمك.. مجار من الشر.. كساب ابتسم: الله يجيرش من الشر.. وتراني الحين عدت ولدش.. مثل امهاب وتميم.. مزنة ردت له الابتسامة بابتسامة: أكيد يأمك مابه شك... وترانا عطيناك شختنا.. الله الله فيها يأمك.. لم يرد عليها كساب.. فهو لن يعد بشيء قد لا يستطيع الوفاء به.. لذا هتف بحزم: تمسين على خير يمه.. وإذا قاصركم شيء تراني حاضر مزنة بمودة: أنا أشهد إن خالتك وأختك ماقصروا.. جعلكم من زود في زود يأمك.. ***************************** قفزت من مكانها وهي تمسح دموعها حين سمعت رنين هاتفها .. " أ يعقل أنها نجلاء..و رضيت سريعا هكذا؟!!" كانت شعاع هي المتصلة والتي هتفت بحماس مصطنع لأنها بداخلها حزينة وتشعر بالعزاء بل الشفقة العميقة على سميرة فمهما كان تميم يبدو رائعا وأوضاعه المادية متينة.. فعيب الكلام والسمع لا يمكن تجاوزهما أبدا: مبروك ياعروس مبروك.. كذا يالخايسة أنتي ووضوح تطبخون السالفة بدون ما تشركوني معكم سميرة كانت تحتاج أن ينقرها أحد ما فقط.. لذا انهارت في عويل مفجوع لم تعتده منه شعاع مطلقا.. بل شعاع لم يسبق أن رأت سميرة تبكي حتى.. فكيف بهذا العويل الجنائزي الممزق.. هتفت شعاع بقلق وعبراتها بدأت تخنقها: سميرة أشفيش؟؟ هم غاصبينش على تميم؟؟ سميرة بين شهقاتها: لا لا... بس نجلا زعلانة علي عشان ماقلت لها قبل.. ماقلت لها إلا عقب الملكة.. وحتى عالية زعلانة وجرحت فيني بكلام يوجع..ما تخيلين أشلون ليه يسوون فيني كذا.. والله إني كنت أبي أفرح معهم.. خربوا علي فرحتي كلها.. حسسوني كني مسوية جريمة في حقهم.. شعاع تتنهد وهي تحاول منع نفسها حتى لا تبكي مع سميرة التي كانت تتكلم وهي تشهق بحرقة: ياقلبي يا سميرة... نجلا أنتي عارفتها... أطيب من قلبها مافيه.. بس عطيها كم يوم وتروق.. صعب عليها إنه أختها الوحيدة تملك بدون هي ماتدري وهي عندكم في البيت أما عالية تعرفينها بعد.. لسانها متبري منها.. بس صدقيني الليلة بتلاقينها متصلة تتعذر.. هذا سنعها أصلا سميرة مازالت تشهق: تخيلي نجلا من زعلها علي.. رجعت لرجّالها اللي هي زعلانة عليه.. يعني زعلها علي أكبر من زعلها عليه.. شعاع رأت أن وضع سميرة مأساوي فعلا.. لذا همست بصوت مختنق من التأثر: تبين أجي لش شوي؟!! سميرة بسرعة موجوعة: يا ليت!! شعاع بصوتها المبحوح لمغالبتها للبكاء: خلاص بأكلم عبدالرحمن أول مايخلص عشاء في بيت عيال خالي يجي يوديني عندش شوي *********************************** فور انتهاء عشاء الرجال.. تميم يعود لغرفته.. اليوم كان مستنزفا له تماما يشعر كما لو كان سينهار يريد الإلتجاء لغرفته.. والاعتصام بصمته.. إراحة جسده المرهق وعقله المنهك.. كان على وشك خلع ملابسه حين أضاء جرس الباب.. فتح الباب.. كانت وضحى تشير له بمودة: وش فيه عريسنا يبي ينام بدري؟؟ تميم يشير بإرهاق: تعبان حدي.. ابتسمت وضحى: زين.. مبسوط؟؟ هز كتفيه: المهم أنتو مبسوطين.. وأمي راضية وضحى قالت بضيق: ليش تقول كذا.. والله العظيم سميرة مافيه مثلها تميم بضيق مشابه أشار: تكفين وضحى ما أبي موال مدح في صديقتش أدري مافيه مثلها.. بس أنا مالي مزاج الليلة لشيء تكفين.. خليني بروحي وضحى بألم: تميم تدس عني أنا؟؟ طول عمري أنا وإياك واحد... حينها انفجر تميم باشارات غاضبة ولون وجهه يتغير: لا ما احنا بواحد أنا واحد ما أسمع ولا أتكلم... أشلون وحدة تسمع وتتكلم تصير شيء واحد مع واحد أصم أبكم قولي لي أشلون؟؟ وضحى تنهدت بعمق... علمت أنه لا يعنيها بكلامها هذا.. ولكنها بعتبها عليه نقرت قشرته الرقيقة فهو متضايق منذ علم بالخطبة.. ومحتاج للانفجار.. وهي يستحيل أن تسمح له أن يكتم ألمه في داخله.. تريده أن ينفجر فيها حتى يرتاح.. ليبدأ يعتاد على فكرة زواجه من فتاة لا تماثله في وضعه.. لذا أشارت له بهدوء عميق حنون: وزين كوني أسمع وأتكلم هل وقف حاجز أني أتفاهم معك تميم الغاضب المجروح والموجوع: لا ماوقف حاجز بيننا.. أشلون يوقف وأنتي تكرمتي وضيعتي من عمرش شهور وشهور عشان تنزلين من برجش العالي وتأشرين للأصم الأبكم.. وش بيضرش؟؟ دامش تتكلمين وتسمعين.. تنازلي شوي رحمة فيه وشفقة عليه لا يعيش طول عمره ما حد درا عن اللي في خاطره وضحى أمسكت كفه بحنو لكي تجلسه وتجلس جواره.. لكنه انتزعها منها بعنف.. حينها علمت وضحى أنه غاضب بالفعل وخصوصا هو ينفجر بمزيد من الإشارات: أنا ما أنا ببزر تبين تقعدينه وتهدينه... حتى لو كنتو أنتو شايفيني بزر وتبون تجيبون لي لعبة تتكلم وتسمع عشان تسليني.. بس الظاهر أنكم نسيتوا أني لا أسمع ولا أتكلم... واللعبة بتقعد تتكلم لين تخلص بطاريتها وتموت روحها ما حد درا عنها أنا الحين أبي أعرف صديقتش ليش توافق علي؟؟ وش اللي في رأسها خلاها توافق؟؟ وإلا لا يكون غصبوها علي مثل ما أنتو غصبتوني عليها وضحى بألم: تميم .. سميرة ماحد غصبها عليك.. مثل ما أنت ماحد غصبك عليها.. ليش تقول كذا تميم بسخرية: وضحى تلعبين علي وإلا على نفسش... أنتي دارية عدل إن أمي غصبتني من يوم رفضت مجرد فكرة ارتباطي ببنت في مثل حالتي.. وضحى بذات الألم: أمي تبي لك الزين يا تميم.. والله سميرة مافيها منها.. وهي تبيك ومقتنعة فيك.. تميم ماشاء الله أنت وضعك ممتاز وأخلاقك عالية.. الوحدة وش تبي أكثر من كذا.. تميم تنهد بعمق وهو غاضب من نفسه لانفجاره في وضحى.. كان يريد الاحتفاظ بغضبه لنفسه أشار وهو يجلس على سريره: وضحى لو سمحتي.. خليني بروحي.. ********************************** اجتماع غاضب في مجلس خالد آل غيث.. خالد وابناءه الثلاثة والغريب أن أكثرهم ثورة كان هزاع وحماسة الشباب تجرفه بعيدا: أنا بنت عمي تملك من ورانا.. والله ما يصير ولا يكون.. وليتها خذت حد يستاهل.. عمي مالقى يرميها إلا لأطرم.. ليه هي وش ناقصها؟؟ أبو صالح بغضب: ناقصها طول لسانك أنت وأخيك ذا؟؟ (قالها وهو يشير لفهد) توكم البارحة معذربين فيها في مجلسي ذا وأبيها يسمع صدق مافي وجيهكم سحا.. حديتوا راشد على أقصاه.. ووالله لو أني مكانه لأسوي سواته... أزوجها لكلب حتى ولا أزوجها لرخمة مثلكم.. فهد يهتف بهدوء: أنت الحين وش اللي يرضيك... تبينا نروح لولد آل سيف ونقول له يطلق بنت عمنا.. حاضرين؟؟ هزاع بغضب: وتقولها وأنت بارد مثلج كذا.. أكيد هذا اللي لازم يصير... أبو خالد بغضب كاسح: تلايط أنت وإياه.. هذا اللي قاصر.. أطلق بنت أخي من رجّالها عشان لحاكم اللي ما تسوى ياقهري منكم... مافيكم من يبرد الخاطر... راحت عليكم بنت عمكم.. وش عاد الحكي فيه... قوموا فارقوني في السعة.. هزاع بقهر: وأخينا الكبير ليه ساكت؟؟ صالح بهدوء: أختها عندي.. ما أقدر أقرع ولا أسوي شيء.. والله هذي مسؤوليتكم..أنتو اللي أزعلتو عمي وحديتوه يزوجها من وراكم هزاع بذات قهره: وانا مأنا بساكت.. بس خل أبيك يرخص لي أبو صالح وقف وهو ينتفض بغضب: والله لا أدري إن حد منكم تعرض لراشد وإلا بنته إن قد يشوف شي ما شافه أنا ما جمعتكم أبي حد منكم يسوي مثل جهل أول... ويطلق مرة صارت في رأس رجّال لكن بغيت أفضي حرتي فيكم.. لو أنكم حشمتم راشد وبنته ماكان ذا كله صار.. فهد يتنهد: والله يبه جعلني فداك إنك كبرت السالفة.. وعمي زعل على غير سنع.. ووالله لو أنه بلغنا بالملكة قبلها إنه ما نرخصها لأحد بس هذا أنت قلتها.. وش عاد الحكي فيه.. البنت وصارت في رأس رجّال.. أبو صالح يمنحهم ثلاثتهم نظرة غضب متزايد.. ويتركهم ويتجه لداخل البيت.. بينما صالح يتنهد بحنين: الله يرحمك ياعبدالله.. ماكان حد يعرف لأبي مثله.. لو أنه موجود الحين كان عرف أشلون يرضي إبي.. الحين الله يعينا على زعله ذا الأيام اللي بتأتي كلها... *************************************** في سيارة زايد التي يقودها كسّاب عائدين للبيت.. زايد يهتف بعدم اهتمام احترافي: عمتك وش هي قايلة؟؟ وش هي من النسوان؟؟ أربها مهيب قشراء بس؟؟ كسّاب يبتسم بخبث فهو يعلم منذ عاد من السلام على عمته أن والده كان يتحرق للاختلاء به وسؤاله لذا أجاب بذات نبرة عدم الاهتمام المحترفة التي استخدمها والده: ماشي حالها.. عجوز من جيز العجايز.. زايد كان بوده أن يمنحه كفين ( أ يقال عن مزنة عجوز؟!! بل ولا تختلف عن ما سواها؟!! مزنة ليست كسواها.. ليست كسواها..) " وما أدراك يازايد.. قد يكون هذا ماحدث فعلا ثلاثون عاما مرت.. تصنع المعجزات.. أفلا تحول الصبية لعجوز؟!! أ ليس هذا هو المتوقع والمفروض؟!!" بعدها هتف زايد ببروده المحترف: المهم بنتها.. إذا قد جازت لك البنت.. ماعليك من حد.. كساب قطب جبينه قليلا.. يبدو أن الحوار سينحدر لختامه.. وليس هذا ما هدف له.. يريد اللعب قليلا مع والده.. فمؤخرا لا يعلم أي تغيير اجتاحه.. فهو بات يستمتع بهذا اللعب المغطى.. فلا ند لذكائه إلا ذكاء والده.. حينها هتف كسّاب بهدوء مدروس: بس يبه المثل يقول (اقلب القدر على ثمها تطلع البنت لأمها) يعني عمتي الحين تمثل لي مرتي أشلون بتكون في كبرها.. رد عليه حينها زايد بذكاء: يعني عجوز من جيز العجايز.. ابتسم كسّاب: بس العجايز أشكال وألوان.. ابتسم زايد ابتسامة مشابهة: وعمتك من أي لون؟؟ كسّاب لا يجيبه.. لكن يسأله: يبه دامهم كانوا جيرانكم أول.. أشلون كانت عمتي في شبابها عشان أحاول أتخيل شكل مرتي الحين.. زايد يبتسم غصبا عنه وذاكرته تحلق للبعيد: والله لو كانت مرتك الحين تشبه أمها في شبابها إنه ربي عطاك من أوسع أبوابه.. كساب يستدرجه بنبرة مقصودة: لذا الدرجة؟!! زايد ينتبه لمقصد كسّاب في استدراجه.. يبتسم وهو يقطع عليه مقصده: أشوفك مشغول بعمتك زيادة عن اللزوم.. حينها أنتقى كسّاب عبارته بعناية: والله عمتي شكلها تشغل البال أول وتالي.. زايد يتنهد دون أن يريح كسّاب أويسمعه اعترافا ما: خلك من الأول والتالي.. وركز في حياتك أنت.. الله الله في مرتك عقب.. وأتمنى أنك توقف التعامل مع حياتك كأنك في ساحة حرب لازم تكون أنت الربحان فيها ********************************* "من وين جاية ذا الحزة؟؟" صراخه الغاضب تعالى من مكان قريب.. انتفضت بعنف وهي تراه يقترب.. جفت الكلمات على لسانها كانت تريد أن تتكلم تبرر.. تخبره.. لكنها لم تستطع وكل الكلمات تموت وتتخشب وهي ترى عيناه تطلقان شررا ناريا غاضبا انكمشت وغاص رأسها بين كتفيها وهو ينشب كفه في عضدها النحيل ويصرخ بغضب كاسح: أقول لش من وين جايه ذا الحزة؟ مالش والي أنتي؟؟ أشلون تطلعين ذا الحزة؟؟ "طالعة معي أنا .. جعلني فداك" هتافه الهادئ العميق... وهو يخلص عضد شعاع الهزيل من قبضة والده ويشدها ليخفيها خلف ظهره العريض وشعاع تلتصق بظهره تماما وهي ترتجف.. توقع أن والده سيهدأ فورا كالعادة حين يكون هو من يواجهه.. ولكن هذا لم يحدث.. فوالده استمر بصراخه الغاضب: طالعة معك على رأسي وعيني.. بس تبلغني.. بنتي ما تكون برا البيت لذا الحزة وأنا ما أدري وينها.. ما فكرتو فيني.. ولا حتى جا على بالكم تعلموني؟!! تدري إني بغيت أستخف يوم طليت في غرفتها ومالقيتها نايمة في سريرها.. وأدق على جوالها ما ترد علي ومابغيت أروع أمك وإلا جوزاء أنشدهم منها.. وانا أدور في البيت كني مسكون... وكل الطواري الشينة تطري علي فاضل أنهى صراخه الغاضب وانسحب فورا لغرفته دون أن يسمح لهما أن يردا عليه بينما عبدالرحمن وشعاع تبادلا نظرات مدهوشة.. تبعتها أنامل عبدالرحمن الحانية وهو يمسح دمعة تعلقت على أهداف شعاع.. ومن شدة خوفها لم تنزل حتى وعبدالرحمن يهمس لها بابتسامة: ابيش الليلة ياجايه انفصام في الشخصية.. وإلا شكله بدأ يشيب وقلبه يصير رقيق.. *********************************** يشعر بتوتر عارم وهو يصعد بخطوات هادئة لغرفته... عاد قبل أكثر من ساعتين بأولاده.. الولدان كانا سعيدان جدا بعودتهما لبيتهما وكانا يريدان البقاء معه..لكنه طلب منهما التوجه للداخل لأمهما بينما توجه هو للمجلس لمقابلة والده الغاضب بعد أن فتح هاتفه وتلقى اتصالاته.. ثم بقي بعد ذلك مع شقيقيه محاولا امتصاص غضب هزاع وتهدئته.. فأخر مايريده شيء يشغل بال هزاع وهو في فترة امتحانات.. بينما فهد كان لا مباليا بصورة غريبة.. " أ يعقل أن الأمر برمته لم يحرك فيه شيئا؟!! لا حمية ولا غيرة ولا حتى أدنى شعور بالغضب...؟؟" تنهد صالح وهو ينفض كل هذا عن رأسه.. فهناك مشكلة أكبر تنتظره في الأعلى لا يعلم لماذا ربط بين ملكة سميرة وعودتها.. ربما لأن المنطق يقول هذا.. فلم يحدث شيء الليلة عداها.. هل يعقل أنها كانت رافضة أن يكون تميم زوجا لأختها؟؟ أو ما الذي حدث؟؟ فهي لم تخبره.. ويعلم أنها لن تخبره.. توجه أولا لغرفة ابنيه.. وجدهما نائمين.. تنهد بعمق أكبر وهو يعود لغرفته...ليصدم بمنظر الغرفة.. فالغرفة يبدو كما لو كان عبرها إعصار ما.. فكل الأثاث مقلوب.. ونجلاء تدعك وتنظف صالح بدهشة: نجلا شتسوين؟؟ نجلاء دون أن تنظر ناحيته: شوفت عينك.. أنظف صالح بدهشة أكبر: أدري تنظفين.. بس حد ينظف ذا الحزة؟؟ انتظري لبكرة وخلي الخدامات يساعدونش نجلاء مازالت تنظف بحركة سريعة وهي تدعك الأرض بقوة: ما فيني نوم.. وأبي أنظف صالح تنهد بعمق.. يعرف الآن أنها غاضبة بشدة.. فهذه عادتها حين تكون غاضبة تشغل نفسها بعمل شاق تدفن فيه غضبها وحزنها وضيقها.. صالح أمسك بعضديها من الخلف وهو يديرها ناحيته ويهتف بحزم: بسش تنظيف.. نجلا حطي عينش في عيني.. وقولي لي وش اللي مضايقش؟؟ حينها انهارت نجلاء جالسة على الأرض المبلولة وشهقاتها ترتفع.. فكل القوة التي تسلحت بها انهارت.. وكل الدموع التي حاولت حبسها وهي تنظف انسكبت بدون مقياس.. صالح فُجع من بكائها حاول أن يشدها إليه..يأخذها في حضنه ولكنها منعته وهي تدفعه عنها وتهمس بين عويلها: تكفى صالح تكفى.. انسى إني موجودة.. اعتبر إني مارجعت.. تكفى لا تزيدها علي ***************************** صباح اليوم التالي نهار جديد.. أي شيء يخبئه بين ثناياه؟؟ . . "أصب لك كأس بعد؟؟" كسّاب يشير بيده علامته الرفض: لا خالتي خلاص.. قومي أوصلش المدرسة وعقبه أروح لشغلي.. عفراء بمودة: لا فديت عينك.. أنا مابعد خلصت.. بألبس وعقب سواقتي توديني إلا أنت اللي ماشاء قايم بدري.. البارحة أنا نمت وأنت عادك سهران.. وعقب جيت أصحيك لصلاة الفجر لقيتك قدك متوضي خالص.. وعقبه خذت لك كم دورة ركض حوالين البيت العود متى تريح جسمك يأمك؟؟ كسّاب يبتسم: إذا نمت ساعتين تكفيني.. وأنا نمت أكثر من ساعتين.. ثم أردف بنبرة مقصودة: خلينا مني ومن نومي.. أنتي وش مسوية في عمي... كلمته البارحة لقيته مفول منش.. تقولين نار شابه.. حمدت ربي إني مكلمه تلفون ماشفته وجه لوجه.. وإلا كان كلني بقشوري عفراء ابتسمت: الظاهر عمك على أقل سبب يولع.. ما قلت له إلا أني ما أبيه هذا سبب يخليه يولع يعني؟؟؟ كساب بابتسامة: طبعا سبب يخليه يولع... واحد صار له أكثر من 10 سنين وهو معترض على فكرة الزواج ويوم ربي هداه وخطب.. تردينه... عفراء بهدوء: والله الشغلة كلها قسمة ونصيب.. وإذا عمك له خاطر في العرس أنا من عيوني أخطب له أحسنها وحدة.. أصغر وأحلى مني.. كساب بذات الإبتسامة: والله أنش عجيبة ياخالتي.. حد يقول عن نفسه كذا.. أصغر وأحلى؟؟ خالتي انت وش قاصرش؟؟ عادش صغيرة وحلوة؟؟ عفراء بذات الهدوء العميق: يامك السالفة مهيب صغر ولا حلاة.. أنا خلاص مالي نفس أتزوج.. مهوب جبرية يأمك.. كساب بهدوء ساكن: والله يا خالتي لو بغيتيها غصيبة.. خليناها غصيبة.. لأنه مستحيل أخليش ترجعين تقعدين بروحش عقب اللي صار عفراء تنهدت لترد بعدها بحزم: إذا شايفني ثقيلة عليك يأمك.. سافرت لبنتي ورجّالها.. لكن إنك بتغصبني.. بتبطي يأمك.. بتبطي كسّاب تنهد وهو يعاود تغيير الاستراتيجية: يا خالتي لو ما تبين عمي.. اخذي أبي.. تكفين لا تحرقين قلبي كذا.. توش يا خالتي على إنش تسكرين حياتش بذا الطريقة.. جميلة تزوجت.. وبكرة لا تشافت بتجيب عيال وتلهى فيهم.. تبين تقعدين عالة على رجال بنتش.. الحياة قدامش.. ومن حقش تزوجين.. أنتي عبارة ما تزوجتي.. كل اللي قعدهم عمي خليفة الله يرحمه كم شهر عقب الزواج.. ويمكن لو علي أنا بأقول يا ليت تأخذين ابي عشان تقعدين عندي في البيت... بس عمي منصور فرصة ما تنتفوت.. وسامحيني خالتي.. إذا على سالفة العيال.. صدقيني عقب ما يعرفش بتضيع علومه.. وقتها اقنعيه باللي تبينه واقنعيه يتعالج.. عفراء تقاطع كلامه بوقوفها لتجمع الأطباق وهي تهتف بنبرة هدوء مقصودة: تأخرت واخرتني... توكل على الله يا ولد أختي.. وانسى ذا السالفة الغثيثة... *************************** " يبه أشلون تسوي كذا؟!! حتى أنا مالي احترام.. ماكني باخيها الكبير.. يعني وش ضرك لو انتظرت يوم واحد لين أرجع" أبو غانم ينظر لغانم الذي كان يصرخ بغضب عارم ليرد عليه بحزم: قصر حسك يا ولد.. بنتي وكيفي أنا وياها.. إذا مت.. تيك الساعة حلل وحرم على كيفك غانم موجوع بالفعل.. موجوع: يبه العمر الطويل لك.. بس ترمي سميرة ذا الرمية.. أدري إن تميم ماعليه قاصر أخلاق ولا دين ولا فلوس بس يبه ما يسمع ولا يتكلم... أشلون بتتفاهم معه.. هذي عشرة عمر.. عشرة عمر.. حرام عليك يبه سواتك فيها أبو غانم يسترخي في جلسته ويمد يده ليرتشف فنجان قهوته التي بردت وبدت له شديدة المرارة كمرارة روحه وهو يهتف بذات الحزم: سميرة موافقة عليه.. وصلت استخارة كم مرة.. اسألها بنفسك غانم المنهك العائد لتوه من المطار يتجه لداخل المنزل وهو يحمل حقيبته الصغيرة ويهتف لوالده بحزم موجوع: والله العظيم لو كانت سميرة مهيب مقتنعة لو واحد في المية إني ما أخليها على ذمته لو على قص رقبتي #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والعشرون صحى منذ دقائق ولكنه لم يفتح عينيه بعد.. رائحة عطرها تغمر الاجواء كم يبدو هذا الصباح مختلفا..اختلافا جذريا عن نهاراته السابقة!! نهار معطر كعطرها!! البارحة حين أنهت وصلة بكائها.. قامت وأتمت جنون تنظيفها.. بينما تمدد هو على سريره بعد أن صلى قيامه لينخرط في مراقبتها بنهم.. ظلت عيناه تتابعان حركتها الدؤبة.. ارتعاش شفتيها.. توتر أناملها.. يحفظها.. يحفظ كل ردات أفعالها يجيد قراءة حتى لغة جسدها.. نظرات عينيها.. ارتعاش يديها.. ومعنى كل حركة.. غفا بهدوء على صورتها تكحل أهدابه.. لم ينم نوما هادئا كما البارحة رغم ضجيج التنظيف فوق رأسه.. ورغم صراخها السخيف (اعتبرني غير موجودة) وحين صحا لصلاة الفجر وجدها أنهت التنظيف وتستحم .. توضأ في حمام المجلس.. وذهب للصلاة.. وحين عاد كانت قد صلت وغفت على الاريكة بعد أن تركت له نورا خافتا بالقرب من السرير.. وأغلقت بقية الأضواء تمنى لو يحملها من مكانها ليضعها على السرير.. "أ بعد أن قضت ليلتها في أعمال شاقة تنام هذه النومة غير المريحة ؟! لولا أنني أخشى أن تثور وإلا لكنت حملتها لتنام هي السرير وأخذت أنا مكانها ولماذا أغلقت الأنوار؟؟ أتريد أن تحرمني من رؤية حسنها الغافي؟!" اقترب منها قليلا.. يتمعن فيها بولهه الشاسع المصفى.. وفق ماسمح له الضوء الخافت البخيل ملامحها الرقيقة المسترخية بهدوء سلاسل الذهب المبلولة تغفو على مخدتها "المجنونة تبي تمرض.. ماحتى قفلت التكييف" توجه ليطفئ التكييف.. وهو يشعر برعب أن تكون التقطت بردا من بقاءها في جو التكييف بعد خروجها من الحمام يخشى عليها تماما مثلما يخشى على طفلته الصغيرة كان دائما ينهرها ألا تستحم وتخرج في التكييف.. وخصوصا أنها سبق أن أصيبت بنزلة شعبية ألزمتها المستشفى عدة أيام بعد زواجهما بعامين.. وما زالت ذكرى مرضها ترعبه فلطالما كان حنونا معها لأبعد حد.. بل لحدود قد تتجاوز المخيلة "فلماذا يانجلا لم يبق لي في ذاكرتكِ سوى ذكرياتي السيئة لماذا لم تعودي ترين سوى صالح المثقل بالعيوب أ لم يشفع لي أي شيء عندك؟؟؟" كل هذا يعبر ذاكرته وهو مازال مغلق العينين يشتم رائحة عطرها أو ربما خياله من صور له ذلك لأن ذكرى عطرها سكنت كل خلاياه بتمكن انغرز في كل خلية فكلما ماكان يحتاجه هو معرفته بوجودها.. لتنثر مخيلته رائحة عطرها في الاجواء فتح عينيه.. وهو يتوقع أنها مازالت نائمة..ولكنه فوجئ أنها غير موجودة.. شعر بالرعب يجتاحه.. أين ذهبت؟؟ أ يعقل أنها غادرت وعادت لبيت والدها تنهد وهو يسترخي قليلا.. فهو يعرف أن نجلاء عاقلة.. ويستحيل أن تفعلها.. لذا استحم وأرتدى ثيابه ليتوجه لعمله.. وجدها في الاسفل تتولى مسئولية صب القهوة لعمها وعمتها.. تسللت الإبتسامة لروحه قبل شفتيه.. أ لم يقل أن هذا الصباح مختلف؟!! يكفي وجودها في المكان لتضفي ألقها عليه.. انحنى يقبل رأس والده ووالدته وهو يلقي عليهم السلام... أبو صالح وجه الكلام له بحزم: انا ماني بناشد وش سبة زعلكم اللي فات.. سالفة وانتهت الله لا يعودها بس قوم حب رأس أم خالد قدامي ذا الحين.. وأحلف لي ماعاد تزعلها في شيء صالح بابتسامة عريضة: حاضرين نحب رأس أم خالد.. وأحلف قدامك ماعاد أزعلها بشيء نجلاء انتفضت وهي تقف بحرج رقيق: لا ياعمي طالبتك.. والله ما تخلي أبو خالد يدنق على رأسي.. محشوم.. والله لا يجيب الزعل.. سالفة وانتهت على قولتك.. وإن شاء الله إن أبو خالد ماعاد يعيدها قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر لصالح بشكل مباشر نظرة مقصودة بينما صالح المبتسم أجاب بنبرة ذات مغزى: حرمنا... بس عطينا فرصة ************************************* مستغرقة في نومها.. صحت على أنامله الحانية تمسح خصلات شعرها وتشدها بخفة: سمور قومي.. ماقدرت أنام وأنا ما تكلمت معش... وميت من التعب لي يومين مواصل.. قومي كلميني سميرة تقفز من نومها جالسة وهي تمسح وجهها وتهمس بخجل: دقيقة بس.. أبدل وأغسل وأجيك غانم يجلس على طرف السرير ويهتف بتعب: من متى تستحين يعني؟؟ مهوب أول مرة أشوفش متشنقطة ببيجامة اقعدي ما أقدر أنام وأنا ما تكلمت معش سميرة جلست وهي تعتدل جالسة وتشد طرف اللحاف على ساقيها حتى لا يظهر بنطلون البيجامة القصير قليلا وتهمس بتردد خجول: أنت بعد زعلان علي عشان وافقت على تميم..؟؟ غانم يتنهد بحزم: ماني بزعلان.. خايف أنه أنتي تكونين منتي بمقتنعة.. سميرة ردت بحزن عميق وأثر بكاء الليلة الماضية واضح على أجفانها المنتفخة: المشكلة إني مقتنعة .. والله العظيم مقتنعة بس الكل يحاول يقنعني إني ماني بمقتنعة وأني قررت بدون تفكير... والله العظيم ياغانم أني مقتنعة فيه لذا الدرجة شايفين تميم مليان عيوب الواحد مايقدر يعيش معها.. والله ماشفت فيه عيب حتى إنه ما يسمع ويتكلم شايفتها أنا ميزة مهوب عيب.. أردفت وهي تحاول أن تبتسم بفشل: كفاية أنا أتكلم نيابة عني وعنه.. غانم مسح على شعرها وهتف بحزن مشابه يخفي خلفه عدم اقتناعه: أنا ما أبي لش إلا الزين.. وحن مجتمعات عقولنا قاصرة.. عاجزين نستوعب نقص البشر مع إن فيه ناس تكون عيوبهم أكثر بكثير من عيب تميم لكن حن نغض البصر عنها.. أنا ماأبي إلا سعادتش.. ودامش مقتنعة.. خلاص يأخيش.. ألف مبروك قالها وهو يدني رأس سميرة منه ليقبل جبينها.. حينها تعلقت سميرة بجيبه وهي تنخرط في بكاء حاد وتدفن وجهها في عنقه غانم هتف بقلق: ها وأشفيش بعد.. توش تقولين مقتنعة فيه سميرة تشهق: نجلا زعلانة علي.. تكفى غانم كلمها.. لو هي سافرت وأنا ما شفتها والله لا يصير لي شيء.. والله لأموت.. تكفى كلمها.. تكفى ************************************* تكاد تنهي يومها الدراسي.. مرهقة تماما.. مستنزفة لأقصى حد.. تحاول تعويض طالباتها عن أيام غيابها وخصوصا مع موعد الامتحانات الذي اقترب كثيرا تسترخي على مقعدها في مكتبها بالمدرسة الخالي من زميلاتها في هذا الوقت وهي تتناول هاتفها لتتصل بخليفة رغم أن المسكين صحا من نومه على اتصالها.. تشعر أن طاقتها في المقاومة توشك على النفاذ تريد أن تسمع صوتها فقط..يأكلها الشوق واللهفة لهمسات صغيرتها ولكن لأنها تتصل بداليا.. فداليا حذرتها من ذلك.. لأن جميلة تتحسن.. وبدأ أكلها بالتحسن وهي تتقبل وضعها بصعوبة وهي دائمة السؤال عن أمها.. لذا يجب إبعاد جميع المؤثرات التي أدت بها إلى هذه الحالة... وعفراء على رأس هذه المؤثرات.. تنهدت وهي تنهي اتصالها مع خليفة.. الذي أخبرها كالعادة بكل مافعلته جميلة منذ صحت من نومها حتى الآن.. وهي تتصل كان هناك خط آخر على الانتظار ولكنها لم تهتم للنظر له.. حين أنهت اتصالها.. نظرت للمكالمات التي لميردعليها.. كان المتصل هو منصور ولثلاث مرات.. تنهدت بعمق وهي تقول في داخلها: (يامن شرى له من حلاله علة..) هذا وش الفكة منه حينما أعاد الاتصال ردت عليه وهي تهمس باحترامها الطبيعي: هلا حيا الله أبو علي.. منصور باحترام بارد: حيا الله بنت محمد عفراء بذات أدبها الرفيع: أشلونك طال عمرك في الطاعة..؟؟ منصور رد عليها ببرود فيه نبرة غضب: على ذا الذرابة والأدب اللي عندش.. مفروض شفتيني اتصلت مرة والثانية.. تسكرين الخط الزفت اللي معش وتردين علي.. عفراء تنهدت بعمق وهي تحاول تغذية عروقها بالصبر: أول شيء أنا كنت أكلم رجّال بنتي.. الشيء الثاني السموحة لأني مادريت إنك أنت اللي على الانتظار الشيء الثالث أعتقد أنه في الاتصال اللي فات قلت لك مافيه داعي تتصل مرة ثانية.. منصور بحزم: خلصينا من سالفة التلفونات.. حتى أنا كارهها.. كني صبي مراهق.. عيب يا بنت محمد ذا التنقيعة اللي أنتي منقعتني.. عفراء بدهشة: أنا منقعتك؟؟ منصور بحزم: إيه وانا أنتظر ردش.. عفراء باستغراب: أعتقد إني قلت لك ردي من المرة اللي فاتت.. منصور بحزم أشد: وأنا ما اقتنعت فيه وعطيتش فرصة تفكرين.. عفراء بهدوء: على كذا يأبو علي أنت اللي منقع روحك بروحك.. لأنك أقنعت نفسك بشيء ماصار منصور بثقة متمكنة: اول شيء أنا أحب ينقال لي أبو زايد.. وثاني شيء أنا أعرفكم يا النسوان.. عودكم مهوب على أول مركازه.. كل يوم برأي.. عفراء بسخرية مبطنة: ما تفرق أبو علي أو أبو زايد دامك ما تبي حد منهم يأتي أصلا وثاني شيء أنا عودي على أول مركازه ورأيي واحد.. (العود على أول مركازه= مثل يعني الاصرار على الرأي) تنهد منصور بحزم شديد وهو يسألها: تردين شيء في ديني وإلا أخلاقي؟؟ عفراء بجزع عفوي: حاشاك.. تكرم حينها ابتسم منصور لنبرتها العفوية: أجل خلاص مالش حق ترديني.. يا بنت الحلال جربيني.. يعني مهوب لذا الدرجة سيء.. ممكن أني أتعاشر وأخذ وأعطي.. ماني بوحش يعني عفراء بهدوء أخفت خلفه إحساسها بالغيظ منه: شنو أجرب ذي يأبو زايد..الظاهر عادي عندك الطلاق.. جربته قبل واجد.. لكن وحدة في عمري إذا الزواج صعب عليها...فالطلاق أصعب بواجد منصور بحزم: ما اشين فالش.. والله المرة اللي هي تسبب بالطلاق عى روحها.. عفراء بحزم مشابه: والمفروض إن الرجال يكون عاقل وما يماشي المرة في خبالها إذا هي استخفت.. منصور بأمر حقيقي: وافقي علي وجربيني.. وإذا كان طيش الشباب غرني أول.. فانا الحين ماعدت مثل أول.. أوعدش ما تشوفين مني إلا خير عدا أمرين.. كثرة عزايمي ما تناقشيني فيها.. ولا سالفة العيال.. عفراء تكاد تجن منه: الحين أنا وافقت عشان تقدم شروطك بذا الطريقة..؟؟ إذا على العزايم المرة اللي ترد رجالها من الكرم مافيها خير لكن أنت مقصدك أنك بتكون مشغول بعزايمك ومجلسك حتى عن التزامك بمرتك منصور بثقة حازمة: أنا واحد سيده وما اعرف ألف وأدور.. وش تقولين؟؟ عفراء تنهدت بعمق.. لو فكرت بموضوعية.. فمنصور ليس مطلقا بالفكرة السيئة.. فهو بالفعل مطمع للكثيرات.. بدت لها الفكرة مغرية بل شديدة الأغراء..أن تحصل هي على هذا الرجل الاستثنائي رغم كل عيوبه.. أن تجرب أن تحيا حياة جديدة.. أن تعيش تجربة الزواج التي لم تعشها فعلا.. أن تجرب أن تعيش من أجل نفسها مع رجل تعلم أنه سيكون سندا قويا لها في مقبل حياتها.. فحياتها أضحت خالية تماما بعد غياب جميلة عنها.. جميلة التي كانت تستهلك منذ مرضها الأخير وقتها بالكامل لِـمَ لا تفكر في الموضوع؟؟ لتفسح لنفسها مجالا أن تفكر بعيدا عن إصرارها السابق على الرفض؟؟ فهي فعلا لم تفكر..إنما قررت أن ترفض كما كانت ترفض طوال عمرها الفكرة دون نقاش.. ولكنها لم تنتبه أن ظروفها ماعادت كالسابق.. تغيرت بالكامل.. ابنتها تزوجت.. وبالتاكيد أبناء شقيقتها سيتزوجون.. عدا أنها بالفعل أصبحت تشعر برعب عميق ووحشة أكثر عمقا من بقاءها لوحدها.. كساب وسيتزوج قريبا جدا.. فهل تعود للبقاء في بيتها وحدها مع ذكريات الرعب والوحدة؟؟ نفضت رأسها بانفعال وهي تحاول أن ترد عليه بهدوء: خلاص عطني فرصة أفكر وأعطي ردي لكساب.. منصور بأمر حازم غاية في الصرامة: الليلة تردين علي أنا... وكسّاب ماله دعوى.. الرد يوصلني أنا ما أبي وسيط بيننا.. ******************************** "شعاع بطلي الباب... قسما بالله بأذبحش" صراخ جوزاء الغاضب يتعالى.. بينما بكاء حسن يتعالى وهو يشد ثوبها باكيا: أبي صورة بابا شعاع تهتف بثبات خلف الباب: والله ما افتح لش.. هدي حسن بأي شيء ثاني.. طلعيه.. لاعبيه.. عطيه حلويات الألبوم والله ما أعطيكم إياه.. جوزاء تنتفض غضبا مع بكاء حسن الذي يذيب قلبها: الولد مات من البكا.. عطيه صور أبيه.. أنتي وش دخلش..والله لأوريش شغلش بس افتحي الباب شعاع بذات الثبات: جوزا قلت لهيه بشيء ثاني.. صور مافيه.. انحدر صوت جوزاء للرجاء العميق : تكفين شعاع تكفين.. حسون يبكي.. يهون عليش حسون شعاع تهمس بألم رقيق: تدرين إنه مايهون علي.. ولا أنتي تهونين علي.. عشان كذا مستحيل أفتح.. روحو أي مكان لين ينسى.. هذا بزر مسرع ما ينسى.. والمهم الكبيرة يكون عندها رغبة بالنسيان.. *********************************** "حيا الله اللي ماصدقت إني أروح عشان تنط عند صالح" نجلاء تحتضن هاتفها بحرج شديد وهي ترد بذات الحرج: حياك الله.. الحمدلله على السلامة غانم بمودة واحترام: مبروك ردتش لبيتش يالغالية نجلاء بذات الحرج: الله يبارك فيك.. غانم بنبرة مقصودة: زين وعشان رضيتي على صالح تزعلين علينا.. نجلاء صمتت وضيقها العميق يعاودها..والعبرات تخنق روحها بينما غانم أردف بذات النبرة: ها يام خالد.. وش مزعلش علينا..؟؟ سميرة بتموت من الحزن بسبتش.. يهون عليش تسوين فيها كذا نجلاء بهمها المجروح: إلا يرضيك يأبو راشد اللي هم سووه فيني...؟؟ ماعندهم حد في البيت غيري.. تصير الخطبة وعقبها بيومين الملكة..وانا مادريت بأي شيء... عدوني غريبة وأنا عندهم في البيت.. إذا كان ذا يرضيك، قل لي؟؟ غانم تنهد: أكيد ما يرضيني.. بس خلاص الموضوع صار.. والمهم توفيق أختش.. تدرين قلبها كنه قلب طير.. الحين كنها تقلى على ضو نجلاء بحزن: وزواجها من تميم.. تشوفه توفيق؟؟ سميرة كانت تستحق واحد أحسن بواجد غانم بحزم أخفى خلفه حزنه: حكي في الفايت نقصان في العقل... خلاص سميرة صارت مرته ومقتنعة فيه.. وانتهى الحكي والحين أبي اشوف خاطري عندش.. أبي أشوفش جايتنا مسيرة علينا وراضية علينا كلنا.. حن من غيرش يام خالد مانسوى نجلاء تشعر بألم عميق لطلبه اللطيف منها.. لكنها موجوعة ولا تستطيع خداع نفسها أو خداعه لذات همست برقة: عطني يومين بس فديتك لين أروق.. وعقبه أنا بأجيكم بنفسي جعلني فدا روحك كانت نجلاء تنهي الاتصال حين تعالت طرقات صاخبة على الباب ثم اقتحمت عالية الغرفة كالأعصار : سلامو عليكو يعني عشان رضيتي على صويلح قاعدة تحرسين الغرفة لين يرجع قومي أنا زهقانة.. طلعيني.. خلينا نروح أي مكان.. نجلاء تبتسم: أول شيء كم مرة قد قلت لش لا عاد تدخلين علي بذا الطريقة.. عيب.. يمكن أنا الحين متفسخة ونسيت الباب مفتوح.. ثاني شيء وين نايف عنش اليوم.. أعرف كل مازهقتي سحبتي المسكين يطلعش عالية تلقي بنفسها على السرير وهي تسحب شهيقا طويلا: يازين الريحة الخنينه.. خنقتي أخي بذا العطور.. بيجيه التنك.. وبعدين أول شيء إذا أنتي متفسخة.. سكري بابش عليش مالي ذنب إذا أنتي تعرضين مشاهدة مجانية وبعدين التنبيهات هذي قديمة قلت يمكن قعدتش عند بيت هلش غيرت القوانين شوي وثاني شيء فديت قلبه نويف اليوم خالاتي متهادين عليه.. فيه ثلاث كلهم مسوين له غدا.. تخيلي!! والمسكين بيتغدا ثلاث مرات.. عزتي لكرشه اللي بتنبط.. الولد آخرته بيموت من كثرة الأكل.. نجلاء باستغراب: من جدش أنتي؟؟ عالية تضحك: والله العظيم.. وبعدين أنتي أساسا عارفة وش كثر يتهادون عليه.. أخيهم الصغير والوحيد على قولتهم.. الولد تعقد والله العظيم.. عزتي للي بتأخذه بيكون عندها سبع عمات.. وأنتي عارفة فيه ثنتين من خالاتي قشرات.. طبعا عارفتهم طيبات الذكر تذكرين أشلون كانوا يقطون كلام على مرت عبدالله الله يرحمه لين طلعوا روح المسكينة.. أما عاد مرت نويف لو ماهج وسكن وياها في كوكب ثاني والله لا يزهقونها في حياتها لين تطفش.. وتشق ثيابها ****************************** "وافقي خالتي لا تضيعين على نفسش فرصة مثل عمي" عفراء بابتسامة: الحين عمش فرصة وأنا اللي كخة.. مزون بجزع: حاشاش خالتي.. والله مهوب المقصد ثم أردفت بحماس: بس أنا أبي الزين للزين والله يا خالتي عمي يجنن.. شوفي على قد ما طلعت مع ابي ومع علي.. وحتى مع كساب أول إلا أن الطلعة مع عمي غير.. جد يحسسش إنش أميرة.. برنسيسة من قلب عفراء بذات الابتسامة وبنبرة مقصودة: معنى كذا عمش مافيه عيوب؟؟ مزون بحذر: مافيه إنسان مافيه عيوب.. هذا طبع البشر.. بس فيه عيوب الواحد ممكن يتعايش معها.. وعيوب ما ينسكت عليها وما أعتقد إن عيوب عمي من النوع الثاني أبد صحيح عصبي شوي ودمه حامي وعنيد ورأسه يابس بس والله العظيم قلبه طيب.. وأحلى ميزة فيه إنه مايلف ولا يدور.. عفراء تقلد طريقة مزون في الكلام: (عصبي شوي ودمه حامي وعنيد ورأسه يابس) وهذي كلها ما تشوفينها عيوب؟؟ مزون تبتسم : ونسيتي إنه قلنا قلبه طيب وما يلف ولا يدور عفراء تتنهد: يصير خير.. ما يصير ذا الحصار اللي كلكم مسوينه علي أنتي وأخيش وعمش عطوني فرصة أفكر برواقة... هذا قرار مهوب هين ******************************************* "أشرايج في جو الحديقة برا.. خيال صح؟؟" يساعدها على النزول من كرسيها المتحرك.. بعد أن باتت تتقبل مساعدته بعفوية.. ليحملها بعد ذلك ويمددها على سريرها وهي تجيبه بوهن: تعبت من ذا الطلعة.. خليفة بابتسامة: زين تعبتي يعني ما عجبتج كلش؟؟ جميلة بدون اهتمام: حلوة.. خليفة لم يتوقع منها ردة فعل أكثر من ذلك أساسا.. لذا جلس بهدوء وهو يقول: يضايقج أشوف مباراة عندج.. اليوم فيه مباراة للريال.. همست ببساطة واهنة: براحتك.. خليفة يغير بين القنوات يبحث عن قناة تتحدث بالانجليزية وتنقل المباراة حتى وجدها.. وجلس انتظارا لبدء المباراة بعد لحظات صمت همست جميلة بعفوية طبيعية: علي يشجع ريال مدريد.. بس كساب يشجع برشلونة.. حينها التفت لها خليفة.. لا يمكن أن يحتمل أكثر من ذلك.. طاقته استنفذت.. أي رجل هذا الذي يقبل أن يكون دائما مثار مقارنة عند زوجته وهي تعقد مقارنة دائمة بينه وبين رجال آخرين لذا هتف بهدوء كان تأثره يمور تحته: جميلة ما تشوفين إنه عيب في حقي.. إنه في كل سالفة لازم تدخلين عيال خالتج جميلة ببساطة بريئة: ما أشوف فيها شيء.. ليه؟؟ خليفة مازال يحاول الاعتصام بهدوءه: احترمي إني ريلج.. مافيه ريل يرضى بجذيه.. حينها هتفت جميلة ببرود: والله الرجّال هذا يوم خذني.. يعرف إني متربية مع عيال خالتي وما أعرف حد غيرهم فليش يستنكر الحين أني أسولف عنهم.. مهوب عاجبه.. الباب يفوت جمل.. خليفة يحاول جاهدا ألا يتسلل غضبه لصوته حتى لا يثيرها: والله أعتقد إن الريل هذا أنتي اخترتيه برغبتج على عيال خالتج الحين صار الباب يفوت يمل حينها نظرت له جميلة بشكل مباشر وهتفت بحدة: عقلي صغير وماعرفت أختار.. وما ينشره علي تكفيك هذي إجابة؟؟ خليفة تقلصت قبضتيه بشدة.. وغضب عات يمور في روحه.. من بين كل المرات التي أطالت لسانها عليه كانت هذه المرة هي الأقوى.. والأكثر قسوة وتجريحا.. لذا وقف حتى يخرج للخارج.. وهو يحاول قهر روحه وتذكيرها أنه مهما حدث.. فهي مريضة.. وكلامها لا يمكن أن يحاسبها عليه مهما كان جارحا له ولرجولته!! ******************************* " ها نروح مكان ثاني بعد؟؟" صوت فاطمة المتسائل.. كاسرة بحزم: لا كفاية كذا.. أبي ألحق على جدي قبل ينام.. يتعشى عقب صلاة العشا وينام على طول.. وأنا لو ماشفته قبل ينام وخذت علومه.. ما أرتاح تيك الليلة.. وضحى برجاء: مايصير كذا كاسرة.. كذا والله ما تلحقين تخلصين شيء.. تونا الحين قبل صلاة العشاء بشوي كاسرة بذات الحزم: تعرفين زحمة الدوحة.. على مانرجع للبيت بيكونون العرب صلوا العشا.. وجدي أبدى علي فاطمة بمودة: خلاص الله لا يخليش من جدش.. نرجع البيت.. حتى أنا ما ابي أتأخر على عيالي.. كاسرة بهدوء: أنا أبي أعرف أنتو ليه شايفين سالفة سوق العروس أزمة.. الوحدة ماراح تهاجر.. والسوق قريب.. عدا عن إن الوحدة أساسا قبل ما تتزوج عندها ملابس..وذا الاسراف والله ماله معنى.. وضحى بهدوء: بس الناس عينهم على العروس.. على الأقل لازم تكون لابسة حلو ومتألقة.. كاسرة بثقة: الدولايب مليانة ملابس.. وأعتقد أني متألقة ومتأنقة عشان نفسي مهوب عشان حد.. فاطمة بهدوء: خلينا على الأقل نلاقي لش فستان.. واللي غير كذا لاحقين خير.. كاسرة بحزم: نطلع السبت الضحى ونأخذ اليوم كامل.. طلعة وحدة بتكفي كل شي.. لأني زهقت من ذا السالفة ******************************** وضعت طفليها في السرير وحصنتهما بالأذكار ثم عادت لغرفتها.. تشعر بتوتر عميق.. لم تر صالحا منذ خرج صباحا.. حتى الظهيرة لم يعد شعرت أن غيابه مقصود..وكأنه يريد أن يمنحها فرصة للتفكير.. والمشكلة أن التفكير لديها معطل.. فهي غاضبة عليه.. وعلى أهلها.. وعلى كل شيء.. غاضبة من هذا الموقف السخيف الذي وضعت فيه.. من اضطرارها للتعامل مع موقف هي غير مستعدة له من تسرعها في قرار العودة لتعاقب نفسها قبل ان تعاقب أهلها.. فالقلوب مازالت لم تصفُ.. ولكن بما أنها كانت ستسافر معه قريبا.. فهل يختلف الأمر الآن عن سفرهما.. فتحت دولابها.. ماذا يفترض أن تلبس حتى تبدو طبيعية غير متكلفة.. ومتباعدة.. متباعدة جدا!! سحبت لها بيجامة قطنية واسعة وارتدتها.. ومشاعرها تنتقل من التوتر للتبلد.. تريد أن تشرنق نفسها بهذا التبلد حتى يصفو عقلها فهي غير مستعدة لصالح ولتاثيره عليها الذي تعلم أنه تاثير خطير حين يريد ذلك.. وهي في أفكارها.. وصل صالح.. هادئا غامضا.. ألقى السلام بهدوء.. لترد عليه بهدوء مشابه انحنى ليقبل جبينها.. لم تسمح له وهي تبتعد عن مدى شفتيه.. لم يعلق وهو يتجاوزها ليخلع ملابسه.. ثم يدخل ليستحم.. صلى قيامه.. حينما أنهى صلاته وورده.. توجه ليجلس جوارها على الأريكة ولكنها نهضت لتجلس على كرسي منفرد.. لم يعلق أيضا.. وعلائم الغموض المتلاعب ترتسم على وجهه بوضوح حينها نهض من الأريكة ليتوجه للسرير.. ويتمدد وينام دون ان يوجه لها حتى كلمة واحدة.. نجلاء استغربت بالفعل ردة فعله.. فصالح ليس هكذا مطلقا.. بل تعبيره عن مشاعره تجاهها مبالغ فيه في كثير من الأحيان فهو لا يعترف بالرفض ومثابر لأبعد حد على اقتحام حصونها مهما حاولت رفعها وتعليتها.. فما به اليوم يبدو مهادنا ومتفهما بهذه الصورة؟!! ولكنها ختاما حمدت ربها أنه تفهم رغبتها في الابتعاد عن تأثيره.. وبما أنه تفهم رغبتها هذه.. فلا معنى لنومها على الأريكة لذا توجهت لتنام جواره وهي تدير ظهرها له!! ********************************* "وش فيك طال عمرك؟؟ شكلك تهوجس في شيء؟؟" منصور يلتفت لفهد الجالس جواره في مجلسه الغاص بالضباط ويهتف بحزم: مافيه شيء.. مشاغل بسيطة فهد بابتسامة مغلفة بالاحترام: أفا وش ذا الشيء اللي يشغل بال أبو علي؟؟" منصور بابتسامة: تجيك العلوم قريب إلا قل لي.. وش علوم مدرسة السواقة؟؟ فهد يبتسم رغم إحساسه بالضيق: باقي لي أسبوع على التراي.. الشرطي اللي أنت مسكته موضوعي متحلف لي.. ويقول إن ذي وصاتك له.. منصور يبتسم بفخامة: أنا ماأبي إلا مصلحتك.. وأنت داري.. حينها هتف فهد بضيق لم يستطع منعه من التسلل لصوته: ومصلحتي إنك خليتني مسخرة الشباب على سبة ذا الموضوع.. حتى هزيّع يطوّل لسانه علي وهو يشوف سواق البيت يوصلني مشاويري.. والله لولا حشمتك وغلاك وأني ما أبي أفجر حلفك علي.. وإلا كان شقيت ثيابي من زمان منصور بحزم: اللي يقول كلمة.. قل له عشر.. واللي عنده ريال خله يقطعه.. ترا الروح يأبيك مهيب رخيصة.. (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وغير ذا وذا.. مابه حكي.. كان فهد يعلق على ماقاله له منصور.. ولكن منصور لم يسمع حرفا مما قاله وانسحب فكره من ضجيج مجلسه بالكامل وهو يتلقى رسالة على هاتفه رسالة رأى رقم عفراء يتصدرها #أنفاس_قطر# . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والعشرون حينما أخبره كساب أو بمعنى أصح "صدمه" برغبته في تزويج خالته من زايد لا يعلم أي مشاعر مجهولة غزته بكل الحدة والعنفوان وحركت رتابة حياته التي اعتادها حتى تغلغلت فيه برتابتها لم يكن مطلقا لأي من مشاعر الصبا أي حضور في عقله الظاهر.. فمشاعر الصبا دفنت مع الصبا ولكن مشاعر الخذلان لم تدفن أبدا!! لذا رفض أن تكون عفراء لزايد الذي حرمه منها.. الذي خذله.. الذي جرحه الجرح الأعمق وهو يفضل رجل غريب عليه.. على شقيقه الوحيد الذي لو طلب منه أن ينحر نفسه فداء له لم يكن ليتهاون وربما كان هناك شيء غامض في داخله ينبئه أنها لن تتزوج وهو يعلم تماما أنها أغلقت حياتها بعد وفاة زوجها ورفضت فكرة الزواج مرة أخرى.. شعر أنها محمية.. لن تعود لتصبح زوجة رجل آخر.. ستبقى مثله!! لذا شعر بغبن شديد حين علم أن زايدا قد خطبها مسبقا.. كما لو كنت تترك أمانة عند شخص ما.. فلا يكون حريصا عليها بل يسمح لنفسه أن يمتد تفكيره لها.. أ لم يكفه ما فعله مسبقا؟!! تخيلَ لو أن هذه الخطبة التي لم يعلم بها قد تمت.. كان مجرد التخيل قاسيا على روحه الحرة.. وهو يبعث فيها غضبا لا حدود له.. ربما لو كان زايد حينما كان يعرضها عليه قد قال له (إذا لم تتزوجها سأتزوجها أنا..) لربما كان قد تزوجها قبل زواجه الأول حتى.. لم يستطع مطلقا استساغة أن تكون عفراء لزايد.. أن تكون زوجة لزايد أن تكون حلالا لزايد مستعد أن يضحي بحريته ورغبته في العزوبية من أجل ألا يتحقق هذا الأمر... . بعد ذلك.. حينما أقدم على الفكرة راقت له.. راقت له بالفعل ولأبعد درجة.. شعر أن هناك روحا جديدة اقتحمت حياته المختنقة بالرتابة والملل ورفض عفراء أثار عناده ورغبته فيها أكثر وأكثر وجودها المختلف.. صوتها الرقيق الحنون.. حواره معها.. أشياء تمنى ألا تختفي من حياته.. ثم في الختام سيجد له روحا إنسانية تتحاور معه في لياليه الطويلة الباردة التي يقضيها وحيدا دون أنيس وبعيدا عن التسرع الذي قاده لخطبتها في البداية وبعد التفكير العميق.. وجد أن عفراء تعد خيارا مثاليا.. سيدة رزينة.. لن تصيبه بالجنون الذي أصبنه به زوجاته السابقات.. لن تحاول تقصيص أجنحته أو حد حريته الأمر المرفوض تماما عنده.. وهو من يشعر أنه نسر محلق ويريد أن يظل هكذا على الدوام.. والشيء الاخير أنه بالفعل ليس لديه رغبة في انجاب أطفال بعد هذا العمر.. وأي زوجة بظروف عادية سترغب حتما أن تنجب بينما عفراء لديها ابنة.. ولا يعتقد أن فكرة الإنجاب ستبدو مغرية لها.. لذا أصبحت عفراء تمثل له خيارا مثاليا عقلانيا لإيجاد شريكة تكمل معه مابقي من سنين حياته . وهاهو يمسك هاتفه بين يديه.. وينفصل عن كل ضجيج المجلس وهو يفتح رسالتها التي شعر فورا أنها تحتوي شيئا مهما فلا يعقل أن عفراء برزانتها المعروفة سترسل له شيئا غير مهم: " أنا موافقة عليك وعلى شروطك عزايمك فوق رأسي والعيال عندي الحمدلله بنت و أنا أساسا مالي خلق حمل وولادة عقب ذا السنين بس أنا بعد عندي شرط" منصور كان بوده أن يتصل بها فورا.. ولكنه لم يستطع ترك ضيوفه أو الانشغال عنهم.. لذا بقي يتقلب على جمر حتى غادر آخر ضيف كانت الساعة قاربت منتصف الليل.. وعفراء بالفعل خلدت للنوم حين تعالى رنين هاتفها التقطته بجزع وجميلة هي من تخطر ببالها: نعم من؟؟ منصور بثقة: من؟؟ أنا منصور عفراء انحدر صوتها لحرج شديد به رنة قلق: عسى ما شر يا أبو زايد.. حد فيه شيء؟؟ منصور بذات الثقة: أعتقد بيننا كلام معلق.. عفراء بضيق: أبو زايد مافيك تصبر للصبح.. صحيتني من نومي..والوقت أبد مهوب وقت اتصال حتى لو كنت أنا مانمت منصور بابتسامة: وأنا أقول البحة الحلوة هذي من وين جايه.. أثرها من أثر النوم.. عفراء شرقت واتسعت عيناها دهشة وحرجا وهي تكح بصوت مسموع بينما منصور أكمل حديثه بثقة وكأنه لم يكد أن يتسبب بأزمة قلبية لمن يحاورها بجرأته: دام أنتي وافقتي علي.. مسألة الوقت صارت مسألة شكلية واعتبر أني أقدر أتصل في أي وقت والحين أبي أسمع شرطش.. لأني أبي الملكة بعد بكرة وتجين بيتي على طول.. وبكرة الصبح مهرش بيكون في حسابش.. عفراء بدأ رأسها يؤلمها من الحرج من هذا الجريء الذي اقتحم أمسيتها الهادئة ولكنها حاولت دفع الثقة في صوتها وهي تقول: أنت عارف إن يمكن يكون سبب ترددي في الموافقة عليك هو طلاقاتك الثلاث.. حسيتك واجد تتسرع في الطلاق وكأنه هو الحل الأول عندك مع أنه مفترض يكون الحل الأخير بعد استنفاذ كل الحلول.. لكن بصراحة هذا بيكون شرطي الوحيد.. منصور بتساؤل فخم: مافهمت قصدش بصراحة عفراء بثقة: بنتي الحين ما اراح أبلغها بزواجي عشان ماشيء يأثر على علاجها.. لكن هي مسيرها تعرف فلو موضوع الزواج ضايقها وطلبت مني أني أتطلق.. تطلقني.. منصور بغضب مكتوم وهو يصر على أسنانه: لذا الدرجة مرخصتني من أولها.. تبين أطلقش لو بنتش بغت.. وش ذا الخبال.. عفراء بذات الثقة الهادئة: يا أبو زايد.. بنتي وحدة مريضة.. وما أدري وش ظروفها بترسى عليه.. ما أدري حتى لو هي بتستمر مع زوجها أو لا أنا أبي أتحسب للظروف بس.. وتأكد إن بنتي لو طلبت إني أتطلق بيكون عشان ظروفها ما تحتمل وجود زوج أم يعني يمكن تكون هذي احتمالية واحد في الميه.. وأنا أبي أحطك في الصورة ومثل ما أنا وافقت على شروطك اللي ما أعتقد إنه فيه حد بيوافق عليها تقدر توافق على شرطي أو ترفضه.. هذا احنا على البر منصور يريد أن يهشم الهاتف بين أصابعه من شدة ضغطه عليه ومع ذلك أجاب بحزم: ما أعتقد إن جميلة ممكن تجبرش على قضية الطلاق ذي...ما أدري ليه حاس إنش تلككين.. وتبين لش حجة.. عفراء بهدوء: يأبو زايد وحدة في عمري تأكد إن الطلاق صعب عليها وهي تتزوج عقب ذا السنين كلها لكن أنا ما أبي أخلي شيء للظروف.. منصور بثقة: زين يا عفرا.. انا موافق على شرطش.. مع أنه إن شاء الله ماراح يصير.. عفراء بغموض: ما تدري يمكن أنت اللي تصير تبي تطلق.. متعود على السالفة منصور بحزم: بلاها ذا الحكي المغطي.. وطاري الطلاق ذا ما أبي أسمعه.. وخلاص أتناش تنورين بيتش بعد بكرة إن شاء الله حينها هتفت عفراء بحزم مغلف بخجل وأدب رفيع: بس تخطبني من أبو كساب.. ويكون هو وليي في عقد الزواج.. أنا مارباني غير زايد.. وما ينكر الفضل إلا البوار.. وأنا ما أنا ببوارة *********************************** اليوم التالي صباح جديد صحا من نومه للتو على رأسها مستندا لكتفه..بعد أن كان حينما صحا لصلاة الفجر لم يجدها لأنها سبقته للقيام للصلاة وحين عاد كانت صلت ونامت معتصمة بطرفها البعيد وكأنها بذلك ترسل له رسالة ما.. لذا ابتسم وهو يتنفس من قرب خصلات الذهب وأمواج العسل يشعر كما لو كان يتنفس رائحة الحياة التي افتقدها طوال الأشهر الماضية مال بعفوية حانية ليقبلها.. لكنها ما أن شعرت بأنفاسه القريبة الثقيلة على بشرتها مع نومها الخفيف حتى قفزت مبتعدة لطرف السرير تبدلت نظرة الوله في عينيه لنظرة أخرى مجهولة.. وهو يقف دون أن يقول شيئا.. يغتسل ويرتدي ملابسه ويغادر دون أن يقول كلمة بينما استغراب نجلاء منه يتزايد ويتزايد وإحساس أقرب للوجل يتسرب لروحها فهذا الرجل بردات فعله غير المسبوقة يبدو عصيا على التفسير..مجهولا بالنسبة لها فهل تحاول اكتشافه من جديد؟؟ أو ما هذا الذي يحدث؟؟ ******************************* " منصور أنت من جدك؟؟ جاي تخطب عفرا؟؟ عقب ذا السنين كلها؟؟" منصور يرد على اندهاش زايد بحزم: عفرا شارطة إنك وليها في العقد.. وأنا واحد مستعجل أبي أتملك بكرة وتجي هي لبيتي حينها رد زايد بحزم غاضب: ودامكم متفقين وش شوري فيه؟؟ حينها هتف منصور باحترام فهو لا يرغب مطلقا في التقليل من قدر أخيه الكبير عنده: وش حن من غير شورك يأبو كساب جعلني فداك أنا قلت لكساب يأخذ شورها قبل أخطب رسمي.. ويوم وافقت هذا أنا جيتك.. نظر زايد لمنصور نظرة مباشرة وكأنه يريد أن يسبر ماخلف الملامح المشدودة بحزم غامض (ماذا تخفي يامنصور؟؟) هتف زايد بنبرة مقصودة: وممكن أعرف أسبابك اللي خلتك تبي عفرا عقب ذا السنين مع أني عرضت عليك واجد تاخذها وأنت كنت تعيي.. وش اللي تغير؟ كان منصور على وشك أن يقول (اللي تغير إن كسّاب كان يبي يزوجها لك) لكنه أمسك عبارته التي بدت له وقحة جارحة وخالية من أي تهذيب وقال بهدوء عميق فيه كم صراحة شاسع.. ففي نهاية هذه هي الحقيقة فعلا: اللي تغير إني حسيت عمري راح وأنا عايش بروحي تعبت يأخيك من الوحدة.. وما أبي لي بنت صغيرة تجنني أبي مرة عاقلة تونس وحدتي وأكون أنا وإياها على نفس المستوى من التفكير ومالقيت أنسب من عفرا.. وإلا انا غلطان في الاختيار؟؟ ابتسم زايد: إلا أشهد أنك اخترت وأحسنت الاختيار.. بنت محمد نادرة.. وانا أشهد إنه مافيه مثلها في النسوان الله يوفقكم.. وبكرة عشا ملكتك علي أنا وأنا اللي بأعزم عليه هنا في مجلسي.. منصور نهض ليقبل رأس زايد ويهتف بمودة شاسعة: اللي تقوله تم ولو أني كنت أبي العشا في مجلسي بس مجلسي ومجلسك واحد.. جعل المجلس مايخلا من راعيه.. *********************************** "من البارحة مندسة مني يالخايسة" همس جوزاء الودود وهي تقرص خد شعاع بمودة.. شعاع تبتسم وتهمس بعذوبة: أبي الحالة لين تستقر تمام ست جوزا.. وبعدين لقيت لي وقت أخلص المادتين اللي باقيات علي في الامتحانات خوش حبسة جات بنتيجة... جوزاء تبتسم: بس جد يا بنت أنش خطيرة... إذا انا صدعت روحي.. أشلون استحملتيني أنت شعاع بمودة: لأجل عين تكرم مدينة.. تدرين إني ابي مصلحتش ومصلحة حسن.. جوزاء تتنهد: والله العظيم اشعيع.. ما أدري أشلون أشكرش إنش ما طاوعتيني وعطيتيني الصور والله إني كنت أصارخ وكان ممكن أضربش لو فتحتي لي.. بس شيء في داخلي يقول يارب ما تفتح يارب ماتفتح حسن البارحة جنني.. ونام وهو يبكي يبي صور أبيه.. شعاع برقة: بس صحا اليوم وهو ناسي.. وهذا هو المطلوب ياجوزا.. صدقيني بكرة بعد يمكن يطلبهم ويبكي وبعد بكرة بعد.. ثم عقبها شوي شوي ويسج.. ولا تحاتين.. وراكم رجالة!! ********************************* "ماشاء الله زايدة 2 كيلو" هتاف داليا السعيد.. وهي تساعد جميلة لتنزل عن الميزان لترد عليها جميلة بدون اهتمام: يعني رجعت دبة مثل أول.. داليا بمودة: إذا وصلتي لـ80 هذاك الوقت قولي دبة.. جميلة تمسك خصرها المتخشب وهي تهمس بوهن: من الحين دبة.. بس خلاص ما يهم.. اللي تبوني أكله بأكله لو تجيبون لي خروف كامل كليته.. مايهم داليا تبتسم: الرجال يحبون الوحدة المليانة.. شو يعني ما تبين تعجبين أستاذ خليفة.. جميلة بذات النبرة الواهنة غير المهتمة: أنا ما أبي أعجب حد.. وأولهم خليفة هذا داليا بحذر: إلا أستاذ خليفة على غير العادة ساكت.. وما رضى يدخل معنا للميزان جميلة ترد بألم .. غيظ.. عدم اهتمام: الأخ زعلان من البارحة.. خله يزعل لين السنة الجايه بعد.. ********************************** " في ويش سرحان؟؟ تدري إن فنجالك برد.. ياولد تعال خذ ذا الفنجال وصب غيره" صوت مهاب يرتفع وهو يوجه حديثه لعبدالرحمن ثم لمقهوي مجلسه الذي تناول الفنجان من أمام عبدالرحمن الفنجان الذي برد بعد انشغل عنه عبدالرحمن بأفكاره الخاصة وهمومه التي أخذته للبعيد عبدالرحمن يقول بعمق وكأنه يحادث روحه: جايني منحة بحث في جامعة أمريكية ورفضتها.. مع إنها كانت بتكون في مصلحتي فوق ما تتخيل مهاب بغضب: وليش ترفضها زين..؟؟ يتنهد عبدالرحمن: عشان أمي وخواتي... ابي صاير عصبي عليهم بشكل... كفاية اللي جاهم وأنا في بريطانيا ماعندي استعداد ولا حتى واحد في المية إني أخليهم يعانون من جديد معه.. صمت مهاب.. فليس لديه ما يخفف به عنه.. رغم أنه كان يتمنى لو يحمل كل الهم عن توأم روحه.. ويدفنه في أعمق نقطة في روحه بعيدا عن حنايا عبدالرحمن الغالية ثم أردف عبدالرحمن بذات العمق المتجذر: امهاب.. طالبك شيء حينها انتفض مهاب حميةً.. وهو يهتف بحزم: تطلبني؟؟ آمرني وبس.. لو تبي رقبتي ماتغلى عليك عبدالرحمن يبتسم: الرقبة وراعيها سالمين لي.. أنا أبي أوصيك وصية.. مهاب بدهشة: توصيني؟!! عبدالرحمن بإيمان عميق: تدري يا سنايدي.. الدنيا موت وحياة.. وماحد يدري متى ساعته وأمي وخواتي مالهم غيري.. الحين تطمنت على جوزا إنها عندك.. بس باقي شعاع وحتى أمي امهاب وصيتي لك أمي وخواتي لو صار لي شي.. مهاب قفز بجزع وهو يهتف: فال الله ولا فالك لتصدم يده بالدلة الحارة التي كان المقهوي يحملها وتنسكب القهوة المغلية على يده عبدالرحمن قفز معه وهو يمسك بجزع مرتعب يد مهاب التي انسلخت فورا لشدة حرارة القهوة التي اُنزلت للتو من النار ويصرخ بغضب عارم: قسما بالله منت بصاحي.. ماتشوف ذا الرجال ودلته.. مهاب يصرخ بغضب مشابه وهو ينفض يده بألم: إلا أنت اللي منت بصاحي.. أنت وذا الفال الشين عبدالرحمن يشده خارجا وهو مازال يعنفه بغضب: أمش أوديك المستشفى يا الخبل.. والله ماعليك شرهة ********************************** " هلا والله بالغالية.. أشلونش وش أخبارش طمنيني عنش" مزون بابتسامة غلفت بها عمق شاسع به رنة حزن متجذرة: أخباري إني علقت سالفة الطيران كلها لأجل غير مسمى.. وسجلت ماجستير إدارة هنا في جامعة قطر وبأبدأ من فصل الخريف الجاي فخلاص هروبك من الدوحة ماله داعي.. ارجع يأختك.. والله إني محتاجتك جنبي علي بغموض: يصير خير يامزون.. يصير خير تنهدت مزون لأنه لم يرح قلبها ثم أردفت بابتسامة: وعندي خبر أهم متصلة أقوله لك.. وأتمنى ماحد سبقني.. علي بتساؤل: اللي هو؟؟ مزون بابتسامة شاسعة: عمي منصور بيتزوج بكرة علي بدهشة سعيدة: لا لا.. مستحيل أكيد هذي تأليفة من عندش.. مزون تضحك: والله العظيم بكرة ملكته والعروس بتجي لبيته على طول ثم صمتت لثانية وأردفت بنبرة مقصودة: وخالتي عفرا بعد بتتزوج بكرة حينها شهق علي من الصدمة: لا هذي أكيد من عندش.. مستحيل خالتي تتزوج صوت ضحكات مزون يتعالى: بسم الله عليك.. والله العظيم من جدي.. علي مازال مصدوما: عمي وخالتي في يوم واحد وش ذا الصدفة.. ثم أردف كالمضروب على رأسه وهو يشهق: إلا لو.. معقول...؟؟ مزون مازالت تضحك: أول مرة أدري إنك متنح كذا ياعلي... إيه معقول.. عمي بيتزوج خالتي بكرة... حينها بدأ علي يضحك بسعادة حقيقية: والله العظيم مايردني من الجية للدوحة شيء إن شاء ربي.. أنا بأرتب وضعي اليوم وخلاص جايكم الدوحة إن شاء الله مستحيل أفوت مناسبة مثل ذي.. عمي وخالتي مع بعض.. معقولة؟؟ والله لحد الحين ماني بمصدق.. كني في حلم!! **************************** "وين وضحى؟؟ ماشفتها اليوم.." همس كاسرة الهادئ مزنة تصب فنجان قهوة لوالدها.. وتقربه من يده حتى تضعه في باطن كفه وتحكم إغلاق قبضته عليه وتهمس بطبيعية: خبرش بكرة آخر امتحان عندها وتدرس حتى أبي أودي شبكة سميرة ومهرها.. وهي مترجيتني تقول تبي تروح معي.. فبنروح بكرة قبل المغرب لولا إن عرسش عقب 3 أسابيع وإلا كان قلت لش تروحين معنا.. كاسرة تميل على كتف جدها لتقبله ثم تهمس لأمها وهي تتجاهل حديثها عن موعد زواجها: قومي يمه أنا بأقهويكم مزنة بمودة: خلش جنب جدش.. أنا مشتهية أتقهوي وأقهويه.. كاسرة تلمس طرف لحيته الطويلة وتهتف بحنان: شعره ولحيته تبي ترتيب بأقول لامهاب يجيب له الحلاق بكرة.. الجد حينها هتف بوهن: تو الحلاق كان عندي ماله حتى أسبوعين.. كاسرة تحتضن عضده بقوة وهي تلصق خدها بكتفه وتهتف بمودة شاسعة: أنا أبي شكلك مرتب.. عشان نذوب قلوب العذارى الذايبة فيك الجد يبتسم: أشهد أنهم على العازة اللي مالقوا لهم حد يذوبهم غيري كاسرة تبتسم له بعذوبة خلابة: إلا كلهم نظر.. إذا أنت ما تذوب القلوب من اللي كفو يذوبها.. الجد حينها هتف بعمق: يالله حسن الخاتمة يأبيش.. أنا أشهد أني خذت حقي من الدنيا.. وحينها قفز ضيقها للذورة فورا.. ولكنها لم ترد عليه.. تعبت من تكرار الحكي والاعتراض.. صمتت.. ولم تجد شيئا سوى الصمت عم الصمت لدقيقة لتقول مزنة بعفوية: بلغتي شغلش بموعد عرسش على أساس تأخذين إجازة؟؟ كاسرة حاولت تنحية ضيقها من حديث جدها جانبا: مابعد.. تو الناس.. مزنة بهدوء: وش تو الناس.. عرسش عقب ثلاث أسابيع... بلغيهم من الحين عشان يوافقون على الإجازة.. وخذي لش فوقهم أسبوعين والا ثلاثة من رصيد إجازتش ذا السنة ماخذتي أي شيء منها كاسرة بحزم: مافيه داعي أخذ من إجازتي السنوية شيء.. كفاية الأسبوعين إجازة الزواج مزنة بحزم أشد: أنتي عارفة إنه نظام بيع الاجازات ألغوه.. ولو ماخذتي الإجازة بتروح عليش.. كاسرة بثقة: خلها تروح.. كفاية أقابل وجهه أسبوعين.. تبين أقابله شهر.. حينها هتفت مزنة بحزم بالغ الشدة: كذا يعني.. ها والله ثم والله إن قد تأخذين رصيد إجازتش كامل فوق إجازة الزواج حينها وقفت كاسرة وهي تنتفض غضبا: يعني عشان دارية إني ما أقدر أفجرش يوم حلفتي تسوين فيني كذا يعني أنتي تعاقبيني على صراحتي.. أنا كان أقدر أقول لش زين.. وعقب أسوي اللي في رأسي يعني هذي جزات صدقي معش.. حينها وقفت مزنة وهي تهتف بغضب مشابه: كم مرة قايلة لش إذا قدش تحاكيني يا بنت بطني قصري حسش... "وش فيكم صوتكم طالع؟؟" قاطع نقاشهم الحامي الوطيس صوت مهاب العائد من المستشفى بضماد شاش خفيف جدا فيه مادة دوائيه على يده ولابد أن ينزعه بعد قليل لأن الحريق لابد أن يكون مكشوف وهو يحمل كيس مراهم الحريق في يده الاثنتان شغلتا عن كل شيء به وهما تنظران بجزع ليده.. وإن كانت كاسرة عجزت عن التعبير عن اهتمامها وجزعها بانتاج الكلمات فإن مزنة صرخت بقلق جازع: وش فيك يأمك؟؟ مهاب بهدوء: حرق بسيط من قهوة.. مزنة بقلق: وحرق بسيط يخليك تلف يدك وشكلك جاي من المستشفى بالكيس اللي في يدك مهاب يصلهم ليقبل رأس والدته وجده الذي كان في عالم آخر حينها كما صار يحدث له مؤخرا ويبعثر شعر كاسرة بيده السليمة ويبتسم: والله العظيم بسيطة.. وأقلها حصلنا لنا إجازة طبية أسبوع حينها همست كاسرة بهدوء فيه رنة قلق: خلني أشوف يدك.. أشلون تقول بسيطة.. ويعطونك إجازة طبية.. لا وأسبوع كامل أنت عارف حتى يوم واحد ما يعطون إلا بطلوع الروح مهاب جلس وهو يهتف لجده باحترام ودود: أشلونك يبه اليوم؟؟ ثم يلتفت لكاسرة ويبتسم: يا شين تدقيقاتكم يارؤساء الأقسام أنتو.. توقفون المراكب السايرة الله رزقني بإجازة.. حاسدتني أنتي.. كاسرة بذات هدوءها المحمل برنة قلق وهي تحاول كبح جماح قلقها الاكبر خلف هدوءها الواثق: زين وش يضرك لا وريتني.. أصلا الحرق مهوب زين يتغطى مزنة ساندتها وهي تهتف بحزم: إيه يأمك خل نشوف حرق يدك زين وإلا مهوب زين ليرد الجد أخيرا وهو ينتبه لما حوله: سلامتك يأبيك ماتشوف شر.. أش قومك ما تريح أمك وأخيتك وتوريهم يديك كود يتريحون إذا شافوك طيب مهاب وقف وهو يبتسم وهو يخفي خلف ابتسامته إحساسه بألم مريع في يده التي تآكل جلدها الخارجي وهتف بذات الابتسامة: قلت لكم طيب .. تبون السالفة كايدة غصب ثم هتف وهو يستعد للمغادرة: بانسدح شوي لا حد ينسى يقومني لصلاة المغرب مهاب صعد.. بينما كاسرة التفتت لامها وهي تهمس بقلق: والله يمه إن حرقه مهوب زين وإنه مستوجع منه وإلا متى كان امهاب يرقد ذا الحزة إلا كنه جاي من رحلة ************************** "خالتي يا الله نروح السوق بسرعة" عفراء ترفع شعرها وتربطه وهي تنزل درجات السلم بهدوء وتقول بذات هدوء خطواتها: الناس يقولون السلام عليكم أول مزون باستعجال: السلام عليكم ويالله نروح صار لي ساعة أنتظرش تصحين من النوم عفراء ترد بصوت مازال أثر النوم فيه: اليوم أصلا ما طلعت من المدرسة إلا وأذان العصر يأذن.. جيت البيت صليت العصر نمت على طول حتى كساب ما أدري شيء عنه.. ما أدري لو تغدى وإلا لا مزون تنهدت.. لا تستطيع التغلب على هذا الحزن مهما مرت السنوات دونه.. بعد أن كانت من تعرف كل تفاصيل يوم كسّاب بدقة.. أصبح يومه وما يفعله فيه مجهولا لها.. وحتى بعد أن كان قلبها يطمئن برؤيته صاعدا أو نازلا من غرفته حُرمت من هذا الشيء وهو ينتقل للإقامة مع خالته من بعد خروجه من التوقيف.. هتفت حينها مزون بهدوء ساكن: كسّاب يصرف نفسه.. قومي نروح للسوق همست عفراء بهدوء: تبين شيء من السوق يعني؟؟ توسعت عينا مزون دهشة: أنا أبي شي من السوق؟؟ و اللي بتروح لبيت رجالها بكرة ماتبي شي من السوق؟؟ حينها وقفت عفراء وهي تتجه للمطبخ: أنا ما أبي شيء أبد.. بأقوم أسوي قهوة وشاي..أتقهوى أنا وياش مزون حينها وقفت وهي تهتف بحزم: بأقول للخدامة تسوي.. وانتي اطلعي البسي عباتش.. عفراء بهدوء: يأمش إذا أنتي تبين شيء وديتش.. شيء ثاني أنا آسفة حينها قالت مزون بخبث: إيه والله ناقصني أشياء واجد.. وديني خالتي تكفين.. حينها عادت عفراء وهي تتجه للدرج: خلاص خلي الخدامة تسوي لنا كأسين كرك... بس نعدل المزاج على السريع وأنا طالعة ألبس عباتي.. وكلمي جينا تشغل السيارة... ************************* " يمه... نجلا كلمتش اليوم؟؟" أم غانم المشغولة بالتبديل لصالح الصغير ترد بهدوء منهمك: إيه كلمتني.. سميرة بتردد موجوع: ما سألت عني؟؟ أم غانم بعفوية: والله مش فاكرة.. أكيد سألت.. حينها ردت سميرة بحزن لا يشبه أبدا روحها المطرزة بابتسامتها الدائمة: إيه صح.. أكيد سألت عني أم غانم بذات العفوية وهي تزيح صالح جانبا ثم تنتقل لمها الصغيرة لتبدل لها ملابسها: وأنتي زاكرتي زين؟؟ بكرة آخر امتحان صح؟؟ سميرة بعدم اهتمام: ذاكرت يمه.. هو أصلا امتحان سهل.. ثم أردفت بتردد: يمه ممكن بكرة أروح لنجلا.. "إذا كانت هي هربت مني فلن اسمح لها بمزيد الهروب إن كانت ترفض أن تكلمني ..ستجدني أمامها لن تفلتي نجلا.. لن أسمح لكِ ان تبتعدي وتبعديني أي قسوة هذه تقترفينها ضدي؟؟ تبتعدين عني وأنتِ تعلمين أن الحياة لا نكهة لها بدون رضاكِ وابتسامتكِ وحنانكِ ؟؟" أم غانم ترد وهي منهمكة: ماعليه يأمش مايخالف.. أوديش بكرة عقب المغرب إن شاء الله لأنه أم امهاب كلمتني تبي تجي العصر قبل المغرب يعني... إذا راحت أم امهاب رحنا لنجلا ولا يهمك ****************************** طرقات هادئة على بابه.. يخفي يده في زاوية غير مرئية جواره ويهتف بصوت عال: ادخل يا اللي عند الباب.. تدخل كاسرة بخطوات هادئة وهي تحمل بين يديها صحنا فيه مجموعة من الشطائر الصغيرة المتنوعة وكأسا من العصير وهي تبتسم: أخينا الكبير مسوي نفسه تعبان ويتدلع وحتى العشا ما تعشى.. مهاب يبادلها الابتسام: من وين الشمس طالعة الشيخة كاسرة بنفسها جايبة لي عشا.. كاسرة بهدوء واثق : يعني من بيجيب لك؟؟.. وضحى ماعلمناها عشان ماتسوي فيلم هندي وهي عندها بكرة أخر امتحان لم ولن تخبره أنها أصلا من أعدت عشاءه له حين أخبرتها والدتها أنه رفض أن ينزل للعشاء وتحجج أنه شرب كثيرا من القهوة والشاي في المجلس حينما عاد من صلاة العشاء ولكن كاسرة فهمت فورا أنه لا يريد أن يمد يده أمامهم حتى لا يعرفوا مدى سوء إصابته كاسرة سحبت طاولة صغيرة ووضعتها بقرب سريره ووضعت العشاء عليه ثم جلست جواره وقالت بحزم: يا الله ورني يدك اللي أنت داسها وراك.. مهاب مد يده لها ببساطة.. ولو كانت وضحى أو حتى أمه القوية من طلبت ذلك لتردد أن يصدمهما بمنظر يده المتسلخة ولكن كاسرة لا يخشى عليها الصدمة.. فهي مضادة للصدمات في نظره.. كاسرة تمنت أن تشيح بنظرها وقلبها يقفز في حنجرتها وهي تتأكد الآن من مقدار الالم الذي يعانيه ولكنها لم تستطع الإشاحة بنظرها حتى لو أرادت.. فهذا لا يتناسب مطلقا مع شخصيتها المرسومة للجميع وأمام الجميع سحبت لها نفسا عميقا قبل أن تجيب بحزم: يعني مستوجع؟؟ مهاب يجيب ببساطة وهو يرجع كتفيه للخلف: شوي. حينها وقفت كاسرة.. كانت تتمنى بداخلها لو استطاعت البكاء.. ولكنها لا تعرف كيف يبكون وكما هي على الدوام :لم تخلق يوما لتبكي لذا هتفت وهي تصر على أسنانها بغضب: لا مهوب شوي.. واجد وواجد بعد وش فيها لو خليتنا نشاركك شوي في إحساسك..؟؟ دامك مستوجع كذا.. أقلها قول إيه أنا مستوجع.. خلنا نقول لك كلام مؤازرة سخيف.. ونقول سلامتك وما تشوف شر وفي العدوين ولا فيك.. حينها ابتسم مهاب وهو يكاد يضحك: دامه كلام مؤازرة سخيف أنا وش عازتي فيه؟؟ كاسرة بذات الغضب: كذا.. عشان هذا هو طبع البشر.. يحبون حد يخفف عنهم بالهذرة.. حينها هتف مهاب بنبرة مقصودة: يعني أنتي لو كنتي مستوجعة من أي شيء.. تبين لش كلام مؤازرة سخيف بعد؟؟ كاسرة صمتت ولم ترد عليه.. حينها أكمل مهاب حديثه بحزم: يا بنت أمي .. أنتي لو تكونين بتموتين من الوجع جسدي وإلا نفسي ماقلتي لأحد أنا مستوجعة.. مستكثرة علي أنا الرجّال أحتفظ بوجعي لروحي ********************************** تجلس أمام المرآة.. تنظر لنفسها.. مشتتة.. وتغتالها الحيرة.. تشعر أنها تقف على أرض رخوة تميد بها " ما الذي يحدث بيني وبين صالح؟؟ تغيير صالح يصيبيني بالحيرة صالح الصامت المتجاهل.. مخلوق غريب بالنسبة لي سابقا كان من الممكن أن اتوقع ردات فعل صالح فهو لا يكل ولا يمل من التعبير عن مشاعره بكل الصور كنت أتوقع أن هذا هو ما سيفعله.. وأنا سأتقوقع داخل برودي حتى يصفى ذهني للتفكير في مشكلتنا فإذا به يفاجئني ببروده غير المعتاد.. منذ أن عدت للبيت.. ماعدت أراه حتى.. لا يهاتفني إلا لحظات ومن أجل الصغيرين فقط لا أنكر محاولاته للتقرب.. ولكنها محاولات لا تشبه صالح حتى فهذه المحاولات الخجولة المترددة التي تتوقف فورا مع صدي الأول له لا تشبه أبدا صالح الجريء الذي لا يقبل الرفض مطلقا وأنا من كنت أخشى أن تنهار مقاومتي له مع قدرته الغريبة للتسلل لطيات قلبي وهو يذيب هذا القلب مع غزله المنتقى بعناية ولكنه حتى الآن لم يلجأ إلى هذه القدرة.. أو ربما كان فقدها وأنا أقف أمام صالح جديد يشعرني بالحيرة لعدم قدرتي على توقع ردة فعله القادمة" وهي غارقة في أفكارها.. دخل بخطوات هادئة واثقة.. سلم بهدوء وردت السلام بتوتر اقترب منها ثم مال عليها ليقبل كتفها.. حين رأته يهوي عليها كان بودها أن تبقى ساكنة.. حتى ترى ماذا ستكون خطوته التالية ولكنها لا تضمن ردات فعل صالح ولا حتى رداتها المشوشة وهي لا تريد أن تفاقم المشكلة قبل أن تحلها عدا أنها فعلا غير متقبلة لأي لمسة من صالح مع غضبها منه.. لذا مالت بجسدها جانبا ونهضت قبل أن تصل شفتيه لكتفها صالح هز كتفيه بعدم اهتمام ثم اتجه للسرير وجلس على طرفه وهو يهتف ببرود حازم: نجلا ..اليوم ثالث يوم لش من يوم رجعتي لبيتش.. وأنتي حتى اللمسة العفوية اللي والله ما اقصد منها شيء منتي بمتقبلتها مني.. خلاص الرسالة وصلت يا بنت عمي.. أكمل عبارته ثم نهض بحزم وهو يخلع ملابسه ويتجه للحمام.. بينما نجلاء تتساءل في داخلها ( أي رسالة اللي وصلت؟) ******************************** " بصراحة أنتي استخفيتي على السوق اللي خليتيني أشتريه اليوم" عفراء المنهكة تلقي بالأكياس وترتمي على الأريكة مزون تلقي بأكياسها وترتمي بجوارها وهي تبتسم بتعب: صدق زطية ياخالتي.. الحين عمي حاط في حسابش فلوس وش كثر مهوب هاين عليش تشترين كم شغلة تلبسينهم قدامه.. تحسسينه إنه فعلا رجّال متزوج.. حينها اعتدلت عفراء بحرج: ليه عمش حط في حسابي شيء؟؟ ما انتبهت.. بعدين الملكة عادها بكرة.. ليه يحط اليوم.. مزون تبتسم: يعني ما انتبهتي للتضخم في رصيدش وأنتي تسحبين اليوم.. وثاني شيء إيه لازم منصور يدفع دم قلبه.. تبينه يتزوج بلوشي.. عفراء ترد عليها بثقة باسمة: الحمدلله ترا خيري واجد من قدام عمي.. عشان كذا ما انتبهت للبهانس اللي عمش حطها في حسابي حينها انفجرت مزون ضاحكة: إخس ياخالتو والله منتي بهينة ثم أردفت مزون بحماس: يا الله ياخالتي يانا متحمسة لبكرة.. أحس بكرة يوم أكشن من أوله من بكرة الصبح بأروح لبيت عمي أنا وشغالات بيتنا.. أشوف شنو قاصره وش يبي ترتيب.. خبرش ترتيب صبيان ما يعرفون في الترتيب شيء.. وهم في صوب والنظافة في صوب.. عفراء نهضت وهي تهتف بهدوء: خلش في تخطيطاتش وأنا خلني أقوم أجهز حق المدرسة بكرة.. مزون تمسك بخالتها وهي تقول بدهشة: من جدش خالتي بتروحين بكرة المدرسة.. عفراء تهز كتفيها باسمة: أكيد بأروح.. وليه ما أروح يعني؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والعشرون "وش فيش شكلش تعبانة موت وطافية؟؟" كاسرة بإرهاق: لأني فعلا طافية.. وما نمت أساسا وتقريبا جايه مواصلة فاطمة بقلق: ليش عسى ماشر؟؟ كاسرة بتعب: امهاب محترق حرق شين.. أنا من لما شفته البارحة كنت متأكدة إنه لازم بتجيه حمى عليه في الليل لأنه شكله ملتهب عشان كذا ماقدرت أنام وأنا كل شوي أطل عليه.. ثم ابتسمت بحنان: وأمي وتميم كان عندهم نفس التفكير.. كم مرة تقابلنا ثلاثتنا عند باب غرفته أخرتها تميم جاب فراشه ونام عنده.. وفعلا قبل صلاة الفجر ارتفعت حرارته فوق الأربعين ووداه تميم للمستشفى ولحد الحين مارجعوا فاطمة بتأثر عميق : زين والآنسة رقيقة وينها عنكم.. كاسرة بابتسامة مرهقة: وضحى ماقلنا لها شيء.. لأنه اليوم آخر امتحان عندها.. ولو كانت عرفت والله ماتدرس شي وكان عسكرت عنده في غرفته.. والحين إذا درت بتزعل علينا.. ثم أردفت وهي تنهض: أنا بأخذ أذن باتطمن على امهاب وبأرجع البيت أنام خلاص ما أقدر.. تعبانة وهي تنهض رن هاتفها.. التقطته بعفوية.. صوت أنثوي رقيق.. بعد السلامات المتحفظة لأنها لم تعرف من المتصلة همست كاسرة بلباقة حازمة: عفوا من أنتي؟؟ الصوت الأنثوب بذوق رفيع: أنا آسفة سامحيني.. حسبت أنش عرفتي صوتي بس طبعا مهوب كل الأصوات مثل صوتش ما تنسى أنا مزون بنت زايد أخت كسّاب.. حينها رحبت بها كاسرة بلباقة رغم استغرابها اتصالها.. لتهتف لها مزون بعذوبة: الليلة بيكون زواج عمي منصور من خالتي عفرا طبعا ماراح يكون فيه حد.. أنا بأعزمكم أنتو بس.. تفضلوا أنتي والوالدة وأختش حينها اعتذرت كاسرة منها بذات اللباقة: سامحيني والله كان بودنا.. بس والله عندنا ظرف يمنعنا حينما انتهى الاتصال سألت فاطمة عن الاتصال الذي بدا غريبا لها وأخبرتها كاسرة لتبتسم فاطمة وتسأل بخبث: وليش ما تبين تروحين؟؟ كاسرة تقف وترتدي نقابها وتهتف بحزم: يا شينش لا سويتي روحش غبية.. ماعليش مردود.. فاطمة تضحك: يعني عشان عرسش قرب بتحبسين روحش ما تقابلين الناس ذا الشيء كلش ما يركب عليش.. لا تكونين مستحية بس؟؟ كاسرة تستعد للخروج وتهتف بثقة: حتى لو ماكنت مستحية.. أنا وحدة أعرف الأصول.. يا زيني رايحة لبيته وأنا عرسي عقب 3 أسابيع!!! **************************** " هلا والله أبو علي؟" منصور بابتسامة: وهلا والله بأبوخالد عقبال ما نشوف خالد قريب.. فهد باحترام شاسع: في حياتك إن شاء الله.. وتراني بأسمي الأول منصور منصور بفخامة: يبشر منصور الصغير بسماوة ماجات لمولود في الدوحة.. فهد بابتسامة: كفو يأبوعلي كفو.. حينها هتف منصور بمودة وبلهجة حازمة أقرب للأمر فيها رنة غموض: زين أنا أبيك تجيني عقب صلاة العشا في مجلس أبو كساب.. فهد باستغراب: حاضرين.. ليه فيه شيء؟؟ منصور بابتسامة: أبيك تشهد على ملكتي... وعقبه العشا عند أبو كساب وأنت والوالد وأخوانك كلكم معزومين فهد بصدمة كاسحة: من جدك حضرت العقيد؟؟ أنت بتزوج؟؟ منصور انقلب صوته من الابتسامة للحزم: ليه مواضيع مثل ذي فيها شيء غير الجد فهد بحرج: السموحة مهوب القصد ثم بتر عبارته وهو يردف بحزم: خلاص تم.. أبركها من ساعة أنك تختارني أنا أشهد على عقد زواجك وتبديني على القادة والضباط الكبار.. ابتسم منصور: أبي عيالي هم اللي يشهدون.. أنت وكساب.. انتهى الاتصال وألقى فهد بهاتفه جواره بقوة وانفعال.. الصوت الذي لفت انتباه صالح الذي كان يجلس جواره غارقا في تفكيره الخاص..ولم ينتبه لشيء من مكالمة فهد.. والاثنان كانا ينتظران والدهما وهزاع حتى يتغدوا سويا... ابتسم صالح: وشفيك معصب يأخينا.. فكها الله يفكها عليك.. بغيت تكسر التلفون المسكين.. تراه ماله ذنب المسيكين.. فهد بضيق عمق كتم على نفسه: اسكت مني يا صالح.. ماني برايق لك.. صالح بذات الابتسامة: اخس ياوجه البومة وتنافخ بعد أنت ووجهك.. اعرف اشلون تكلم اخيك الكبير قدام أسنعك فهد كأنه يكلم نفسه: العقيد بيتزوج الليلة وعازمكم كلكم في مجلس أخيه صالح ضحك: عشان كذا زعلان.. المفروض تنبسط.. يالله عقدة العقيد انفكت.. باقي عقدتك.. فهد بضيق حقيقي: تدري إنك متفرغ.. حينها التفت له صالح بشكل مباشر وهو يقول له بجدية: الحين أبي أدري وش مضايقك أدري أنك تحب منصور وتحترمه وتغليه.. المفروض تفرح له فهد بذات الضيق العميق: منت بفاهمني ياصالح.. والله ما تفهمني.. صالح بذات الجدية الحازمة: جربني.. فهد كأنه يحادث نفسه: حضرة العقيد لي ولربعي مهوب مجرد قائد.. تقدر تقول اب.. رمز.. ملجأ لنا.. عمرنا ما تضايقنا وإلا صادفتنا مشكلة.. إلا يكون هو أول واحد نفكر نلجأ له مجلسه أول مكان الواحد منا يفكر يروح له.. وحنا كنا نأخذ راحتنا في انه ممكن نتصل فيه أو نجيه أي وقت لأنه حن ندري إنه ماوراه شيء يشغله.. لكن الحين مرة وعقب عيال.. تدري صالح.. حاس بإحساس اليتيم والله العظيم حينها هتف صالح بحزم: إلا إحساس الأناني وأنت صادق.. فهد انتفض بغضب: أنا.. أناني؟؟ صالح بثقة: إيه أناني.. ثم أردف وكأنه يحادث نفسه: وأنتو ياعيال آل ليث.. أنانيتكم غير شكل.. مايهمكم إلا نفسكم ومشاعركم.. واللي غيركم بالطقاق المهم يكون هو مسخر لكم وبس.. فهد بغضب متزايد: أنا ياصالح؟؟ أنا؟؟ رغم أن صالح في جزء الحديث الأخير كان يقصد فردا آخر من آل ليث غير فهد.. ولكنه عاد بذهنه إلى فهد وهو يهتف بثقة: الحين يا الشيخ.. منصور آل كساب اللي عايش طول عمره لكم.. وعمره راح وهو لا ونيس ولا ولد يوم جا بيتزوج.. تضايقت.. مسيره يشيب ويتقاعد.. وأنتو بتلهون في دنيتكم ولا حد منكم بطال في وجهه تبونه أنت وربعك يقعد بس ستاند باي لكم.. حقكم بروحكم.. ومستكثرين عليه حقه في السعادة وعقب ذا تقول أنك منت بأناني.. إلا أيش الأنانية غير هذي؟؟ يا الله قل لي.. فهد وقف وخرج وهو ينتفض غضبا من كلام صالح والذي ضايقه أكثر أنه بالفعل كان كلامه على جانب كبير من الصحة ************************** " ها وضحى منتي برايحة معي لسميرة؟؟" وضحى بعتب رقيق: لا ما أبي أروح.. باقعد عند امهاب.. مهوب كفاية البارحة كلكم تدرون وما علمتوني مزنة بهدوء حان: يأمش امهاب طيب.. وهذا هو في المجلس.. تبين تروحين يالله البسي.. ماتبين رحت للعرب عشان أرجع قبل آذان المغرب وضحى تجلس وهي تهمس بهدوء: لا يمه باقعد.. أخاف امهاب يجي وما يلقى حد.. صوت كاسرة التي كانت تنزل الدرج يصلهم واضحا حازما: وليش ما يلقى حد.. هذا أنا موجودة.. تبين تروحين مع أمي لصديقتش روحي وضحى بهدوء ساكن: مابي أروح.. أنا أساسا كلمتها وقلت لها.. مزنة ترتدي عباءتها وتستعد للخروج وهي تحمل أكياسا فخمة بيدها وتهتف بحزم: أحسن بعد.. خلني أروح وأرجع بسرعة من غير مريس البنات وتمرطاسهم كاسرة تجلس وهي تهمس بهدوء: وش سويتي في امتحانش..؟؟ وضحى من بين أسنانها لأنها كانت تعاني غضبا تحاول كتمانه: زين.. زين.. الامتحان التافه اللي ماعلمتوني بحرق امهاب عشان ما أنشغل عنه؟؟ كاسرة تنظر لها بنصف عين: إيه الامتحان التافه نفسه؟؟ حينها انفجرت وضحى بغضب: أنا أبي أعرف أنتو أشلون تسمحون لنفسكم تدسون علي موضوع مثل حرق امهاب ويتعب ويروح للمستشفى وأنا ما أدري عن شيء.. ماكني بأخته وأختكم كاسرة بهدوء حازم ودون أن تتغير جلستها المسترخية: قصري حسش.. تراني اسمع عدل.. مافيه داعي للاسراف في استخدام الحبال الصوتية عندش وضحى تحاول السيطرة على نفسها وتفشل: زين ومتى استخدم حبالي الصوتية وأنتي كاتمة علي كل وقت.. كاسرة بذات الهدوء المثير: والله الطبقة العالية من الصوت ذي لها مواقف تقدرين تستخدمينها فيها وأكيد مهوب منها أنش تبين تعاتبين أختش اللي ما بينش وبينها إلا شبرين.. ماقلنا لش عشان مصلحتش.. وإصابة مهاب شيء بسيط لاهو بمرقد في المستشفى ولا شيء وضحى ينحدر صوتها بألم لأنها تحاول منع نفسها من البكاء.. فآخر ما تريده هو أن تبكي أمام كاسرة لتجده سببا فعليا لتعنيفها: من حقي أدري.. وأنا اللي أقرر كايدة وإلا بسيطة.. حسسوني إني معكم في البيت.. إني ماني بطوفة في ذا البيت.. واشمعنى انتي تدرين وأنا لا ؟؟.. عشان أنا ما حد يهتم أدري وإلا عني مادريت بشيء.. بالطقاق كاسرة بذات هدوءها الحازم: أنا دريت لأني كنت موجودة يوم دخل امهاب علينا وأما على سالفة طوفة وماحد يهتم.. فعمري ماشفت وحدة تحور الحقايق مثلش.. لا تكبرين السالفة وهي صغيرة.. امهاب طيب ومافيه إلا العافية. ******************************** سميرة وأم غانم وصلتا بعد صلاة المغرب مباشرة.. وهاهي سميرة تجلس مع والدتها وأم صالح وهي تشعر كما لو كانت تجلس على نار متوقدة.. تود أن تصعد لنجلاء ولكنها تخجل أن تجد أحدا في طريقها.. وخصوصا ان عالية ليست هنا.. لترى لها الطريق..فهي مع خالها نايف من بعد صلاة العصر.. عدا أن عالية بنفسها حكاية آخرى تحتاج الحل.. بعد الكلام القاسي الذي جرحتها به في زيارتها الأخيرة لهم سميرة تنحنحت: خالتي أم صالح.. أبو خالد هنا وإلا أطلع لنجلا؟؟ أم صالح بحنان: لا يامش صالح أصلا ما رجع هنا من يوم طلع من صبح روحي يأمش استعجليها.. أنا أرسلت عليها الخدامة تعلمها.. قالت بتلبس وتنزل الحين سميرة صعدت بخطوات مترددة.. حتى وصلت لباب غرفة نجلاء.. تنهدت بعمق.. وطرقت الباب بخفة وصلها صوتها العذب الغالي على قلبها: دقيقة بس.. ألبس انتظرت قليلا ليفتح الباب وتظهر على عتبته نجلاء التي تغلق أزرار قميصها الأخيرة وهي تفتح باستعجال.. لتجف يدها على زرار عنقها الأخير وهي ترى العينان الدامعتان الظاهرتان من فتحتي النقاب سميرة خلعت نقابها وكأنها تريد من نجلاء أن ترى تأثير مافعلته به على ملامح وجهها المرهق.. نجلاء تأخرت خطوتين للداخل وهي تهمس بنبرة مموهة غير واضحة الملامح وهي تتحاشى النظر لسميرة: ادخلي.. دقيقة بس أسوي شعري وأنزل.. سميرة دخلت واغلقت الباب .. بينما نجلاء توجهت للتسريحة حتى تمشط شعرها.. ولكن سميرة لم تسمح لها بتنفيذ ماخططت له لأنها شدتها لتجلسها على السرير.. ونجلاء طاوعتها وهي مازالت تتحاشى النظر لها ثم ركعت سميرة جوار نجلاء وهي تنحني لتخفي وجهها في حجر نجلاء ثم تنفجر في بكاء هستيري عال الشهقات مثقل بالوجع لأبعد حد.. قلب نجلاء قفز لبلعومها وهي تشد سميرة عن الأرض وتجلسها جوارها وتحتضنها بحنو شاسع وتهتف بجزع قلق حنون: وش فيش يالخبلة؟؟ هذا سنع وحدة جايبين لها شبكتها اليوم.. أمي يوم كلمتني قالت لي تو أم امهاب طالعة منكم سميرة تدفن وجهها في ثنايا رائحة نجلاء وهي تشهق: والله ماحسيت بطعم شي وأنا دارية إنش زعلانة علي.. والله العظيم يانجلا إني ماقصدت أدس عليش شي.. الموضوع جا كذا بدون قصد.. والله العظيم إنش عارفة غلاش عندي.. أنتي أمي الثانية.. يهون عليش اللي سويتيه فيني.. من يوم طلعتي من بيتنا دمعتي ماجفت أنا اللي كنت ما أبكي إلا في المناسبات الرسمية كل عشر سنين.. أصير صياحة كذا تدرين يانجلا عادي عندي الدنيا كلها تزعل بالطقاق.. بس أنتي لا.. أنتي لا.. والله العظيم ضاقت علي الوسيعة من عقبش نجلاء ازدحمت العبرات في حنجرتها.. لم يخطر ببالها مطلقا أنها تسببت بكل هذا الحزن لصغيرتها التي ماعرفت الحزن يوما أن كانت سببا لاختفاء ابتسامة ماعرفت الانطفاء يوما أنها كانت السبب أن تذرف العينان الغاليتان كل هذا الكم من الدموع أنزلت شيلة سميرة على كتفيها وهي تدخل أناملها بحنان في خصلات شعرها وتهمس بحنان تخفي خلفه اختناق صوتها: تعرفين حن العجايز نحب نتدلع.. ونجرب غلانا.. سميرة تمسح دموعها وتدعك أنفها المتفجر احمرارا الذي بدا احمراره واحمرار خديها شديد الوضوح في شدة بياضها وتبتسم أخيرا بعد كل هذه الأيام: أنا قلت لش تدلعي على صالح.. شكلش فهمتي نصيحتي غلط حينها ابتسمت نجلاء: نصايحش كلها تودي في داهية.. ماقدرت أتدلع على صالح قلت أتدلع عليش.. سميرة تضحك بصوتها المبحوح ضحكة طفولية مغردة: والله أني اشتقت لش.. تكفين ما تزعلين علي مرة ثانية تدرين حتى شبكتي وكل هداياهم مارضيت أفتحها لين أنتي تجين وتفتحينها معي ******************************** انتهى عقد قران منصور وعفراء . أصبحا زوجين.. . قرار متسرع .. ولكن العجيب أنهما فكرا فيه بحكمة العمر يمضي.. والسنوات تمضي.. وسنوات غيرها قادمة لتحمل مزيدا من الوحدة والوحشة لكليهما كل واحد منهما محتاج لروح يأنس إليها.. يشكو إليها همه.. تشاركه أفكاره.. تحاوره.. تحتويه وتشعره بكينونته البشرية لم يعد أيأ منهما يبحث عن الحب ولا الولع ولا كل مسميات الغرام المتهاوية في نظرهما كلاهما يبحث عن شريك حياة.. رفيق درب.. روح يشعر بالانتماء إليها حين يعود في نهاية اليوم من عمله يريد أن يجد من يسأله (ماذا فعلت؟؟ كيف كان يومك؟؟) وليس مجرد بيت بارد تصفر رياح الوحدة في جنباته.. "مبروك ياعريس.. وأخيرا" منصور ينظر لكساب ويبتسم بثقة: الله يبارك فيك.. كساب يبتسم: إن شاء الله الرابعة ثابتة.. وخصوصا أني شاهد العقد.. توقيعي بيجيب لكم البركة.. منصور بثقة رائقة: بركاتك ياعم كساب.. مشاعر مجهولة تغزوه.. ليست المرة الأولى التي يجرب هذا الإحساس.. ثلاث مرات سابقة.. فلماذا يشعر هذه المرة بالاختلاف..؟؟ لماذا يشعر بلهفة حادة لرؤية عفراء لم يشعر بها مطلقا مع زوجاته السابقات؟؟ يتمنى أن ينتهي العشاء بسرعة.. هذه الرسميات التي كان طوال عمره حريصا عليها.. يتمنى لو ينسفها الآن يريد أن تمضي الساعات القليلة التي تفصل بينهما بسرعة.. حتى يستطيع أخذها لبيته.. يصبح له حق رؤيتها معرفة سبب إحساسه العميق بالاختلاف هذه المرة.. "في كل زواجاتي السابقة.. كنت أشعر بضرورة الزواج وليس ضرورة الزوجة نفسها علاقة اجتماعية رسمية لمظهري أمام الناس وأنجب أطفالا يحملون اسمي ولكن هذه المرة الأمر مختلف.. مختلف اهتمامي هنا هو بالمرأة نفسها فلم يعد الزواج كمظهر اجتماعي يهمني.. ولم أعد أريد أطفالا أريدها هي.. أريد روحها أن تنتمي لي أنا فقط أريدها أن تحتوي روحي التي أتعبتها الوحدة والترحال" كان منصور غارقا في أفكاره حينما سمع السلام الجهوري الذي أحدث موجه ترحيب هائلة سعيدة في كل أطراف المجلس الضخم ابتسامة شاسعة ترتسم على وجه منصور.. بينما قلب زايد غرد رغم أنه بالكاد مضى ما يقارب عشرة أيام على رؤيته له علي وصلهما ليسلم على الجميع.. ثم يهتف لعمه بمودة واحترام: مبروك ياعريسنا.. كان مستحيل أخلي مناسبة مثل ذي تفوتني منصور بمودة شاسعة وسعادة حقيقية: بصراحة مافيه أحلى من ذا المفاجأة.. كفاية تشوف التعبير اللي على وجه أبيك.. كنه واحد لقى شي مضيعه زايد يبتسم ويهتف بعمق شفاف: ليته بس يرد علي ضايعتي على طول.. مهوب يشفقني فيها ثم يأخذها.. علي مال على رأسه ليقبله للمرة الثانية: مايصير إلا اللي يرضيك إن شاء الله علي لا يريد إخباره أنه بدأ بالفعل في إجراءات عودته وطلب نقله لقسم آخر عدا التمثيل الخارجي يريد أن يتأكد من انجاز الإجراءات ثم يفاجئه بالخبر.. علي يلتفت لكساب ويهتف بمودة صافية: ها نروح نشوف العروس؟؟ كساب يبتسم بسعادة حقيقية: يا الله.. زايد يهتف للاثنين بحزم: لا تاخرون.. عشان تقلطون الرياجيل على العشا.. علي يرد عليه بمودة واحترام شاسعين: خمس دقايق بس ونعوّد.. وحن اللي بنقلطهم.. . . في الداخل.. عفراء متوترة.. بل غارقة في توتر عميق قلق حاد جوانحها تذوب قلقا وأكثر ما تخشاه هو ردة فعل جميلة ماذا ستقول لو علمت؟؟ لا تستبعد انها قد تقول (إنكِ تركتني هناك حتى تعودي وتتزوجي) والكلام مهما كان موجعا لا يهمها.. ولكنها تخشى أن يكون لذلك تأثير على صحتها وتحسنها لولا أنها صلت استخارة عدة مرات.. وكانت ترى نفسها شديدة الطمأنينة لهذا الزواج لم تكن لتقدم عليه شعرت أن الله سبحانه يهديها لخير ما ..كرهت أن ترفضه.. مزون كانت متأنقة لأبعد حد.. رغم أنه لا يوجد أحد سواها وخالتها.. ولكنها شعرت بالرغبة في التأنق لهذا الحدث الاستثنائي همست لخالتها بابتسامة صافية: عروستنا الحلوة وش فيها من يوم وقعت العقد وهي ساكتة..؟؟ عفراء تحاول ن تبتسم فتفشل وبجدارة فتهمس بهدوء: متوترة بس.. ليس إلا مزون بمرح: مافيه داعي للتوتر.. هذا منصور آل كساب على سن ورمح.. ثم أردفت وهي تنظر للساعة: تدرين خالتي فيه مفاجأة لش كان المفروض إنها وصلت.. ما أدري ليه تاخرت عفراء باستغراب متسائل: أي مفاجأة..؟؟ فور انهاءها جملتها.. تعالت طرقات على الباب.. لتقفز مزون بحماس: شكل المفاجأة وصلت ياخالتي.. فتحت الباب.. ليدخل علي يتبعه كساب.. ويشرق وجه عفراء بابتسامة حقيقية وهي تهتف بسعادة: علي؟؟ علي يتوجه ناحيتها ليحتضنها بحنو ويقبل رأسها ويهتف بمرح حنون: بحب بشويش بس..ما أبي اخرب شكلش.. ماشاء الله تبارك الله صدق أحلى عروس ألف مبروك ياخالتي... سبحان الله.. والله انكم متناسبين.. ما أدري ليه ماعمره خطر ببالي.. علي يفلت خالته ويتوجه لمزون ويحتضنها بحنو دافئ وهو يلصق خده بخدها ويهمس: عفية على اللي كتمت سر جيتي.. صدق كانت مفاجأة حلوة لهم.. بينما كساب يبتسم ويهتف بمرح مزاجه الرائق هذه الليلة: ترا ماخطر ببالك لأنهم مهوب متناسبين... لا تألف من عندك.. عمك جلف وثقيل طينة.. وخالتي رقيقة وعسل يلتف له علي ويهتف بمرح مشابه: إذا عمي جلف وثقيل طينة.. تراك مطوف عليه دبل الدبل.. الله يعينها بنت ناصر عليك كساب بذات الابتسامة الدافئة: إلا الله يعين بنت ناصر عليكم.. من الحين حطيتوها علكة في ثمكم.. مزون كان وجهها يشرق بابتسامة دافئة كذلك.. ابتسامة حقيقية تَشَارَكها الأشقاء الثلاثة الليلة حتى وإن كانت لا تشترك في الحوار.. فهي سعيدة جدا هذه الليلة ولن تفسد سعادتها بالتفكير في أي شيء يكدرها منذ زمن طويل لم تشعر بهذه السعادة.. شقيقاها أمامها مبتسمان سعيدان خالتها الغالية تجد لها سكنا حانيا قويا تلجأ إليه تكفيها كل هذه السعادة الليلة.. لن تطالب بالزيد!! . . بعد حوالي الساعة كساب يعود لبيت خالته.. لا يقول أي شيء.. فقط كان ينظر إليها بنظرة غامضة.. خليط من ود وعمق وغرابة وحنين عفراء تهمس له بحنو: وش فيك يأمك تطالعني كذا؟؟ حينها انحنى كساب عليها وأمسك عضديها بخفة ليوقفها.. قبل جبينها ثم همس في أذنها بعمق حنون: عمي ينتظرش برا.. ثم أردف بابتسامة: كنت أبي أوصلكم.. بس هو مارضى.. يقول مايبي دريول.. حينها ارتعشت عفراء.. وشعر كساب بارتعاشها بين كفيه عاود الهمس في أذنها بحزم: حتى لو كان عمي وغالي علي.. والله ثم والله لا أدري إنه قهرش وإلا ضامش وإلا حتى زعلش بأقل شيء وأنتي ماقلتي لي.. إن قد يصير شيء مايرضي حد منكم.. عفراء تنهدت وهي تهمس بصوت مبحوح عانى ليخرج من حنجرتها الجافة توترا: جعلني ماخلا منك يأمك.. قول آمين عفراء ارتدت عباءتها بذات التوتر الذي لا يفارقها وخرجت فقط بحقيبة يدها.. فيها أوراقها الثبوتية.. محفظتها وهاتفها.. بعد أن أخذت مزون اليوم عصرا كل أغراضها ورتبتها في بيت منصور تشعر كما لو كانت مسافرة فعلا.. تشعر بإحساس مسافر مهاجر.. يهاجر ليبدأ حياة جديدة مختلفة جذريا مهاجر يترك كل ما عرفه وأطمأن له في وطنه ليتوجه إلى وطن آخر مجهول ومهما وعده الوطن الجديد بالراحة والطمأنينة.. فالحنين للوطن القديم لا يمكن أن يخبو أبدا . . في الخارج كان منصور وزايد وعلي يقفون جميعا في انتظارها.. ومزون خرجت معها أيضا كانت عفراء تتحاشى بصورة عفوية النظر لمنصور.. وخجل عميق يجتاحها لم تعد صغيرة لتشعر بكل هذا الخجل.. ولكن هل للاحساس بالحياء عمر؟؟ ولم يكن ما تشعر به مجرد إحساس بالحياء.. بل تكاد تنكفئ على وجهها لشدة احتكام خجلها الذي زاده قلقها العميق من الحياة المجهولة التي هي مقبلة عليها حتى الأمس فقط كانت رافضة تماما لفكرة الزواج كما رفضتها طوال العشرين عاما الماضية. فإذا بها اليوم زوجة..فــــجـــأة!! هكذا بدون مقدمات أو تمهيد.. فهل استعجلت في الموافقة؟!! زايد كان أول من تحدث وهو يهتف بحزم صارم وفي ذات الوقت مثقل بالمودة: يا بنت محمد.. ترا بيتش مفتوح لش أي وقت.. وأنا على طول أخيش الكبير.. أنتي وصات الغالية الله يرحمها.. وأنتي أم عيالي اللي ربيتهم.. وجميلش فوق رأسي وإذا منصور في يوم ضايقش بأدنى شيء تراني بأقطع أذانيه.. وتراش المبداة عندي على خلق الله منصور يبتسم: وش ذا؟؟ من أولها تبون تعصون مرتي علي .. وتقوون رأسها علي.. زايد يلتفت له ويهتف بمودة: بنت محمد عاقل.. وحظ بيتك اللي بيضويها.. الله الله فيها علي يهتف بابتسامة: تراك خذت أمنا.. الله الله فيها.. أنا أعترف مافيني حيل أناطحك لو زعلتها.. بس بأغري عليك كساب يخبزك.. منصور يتجه ليشغل سيارته ويبتسم: الله يكفي شركم.. بنت محمد فوق راسي.. أزهلوها كلكم.. بس اطلعوا من بيننا.. عفراء بلغ تأثرها الذروة مع حديث زايد وابني شقيقتها.. ثم انقلب التأثر إلى الانفعال إلى توتر عارم.. وكساب يفتح لها الباب المجاور لعمه ويشير لها لتركب.. عفراء تقدمت بخطوات متوترة حاولت تغليفها بالثقة وهي تركب ثم شعرت حين استوت جالسة.. وتحركت السيارة أن الأكسجين بدأ يتناقص بسرعة حتى كادت تختنق ومنصور يهمس لها بصوت منخفض: حيا الله بنت محمد حاولت عفراء الرد ولكن الكلمات اختنقت في حنجرتها.. لم ترد مطلقا أن تبدو بهذا المظهر أمام منصور.. فهي ليست طفلة ولكن رغما عنها كانت تشعر بهذا الإحساس الخانق الذي تزايد مع خروجها من بيت زايد.. لتشعر كما لو كانت تدخل مرحلة عدم توازن وهي تغادر البيت الذي احتواها طوال سنين.. فهي لم تعرف لها بيتا غير بيت زايد منذ وفاة والديها وهي طفلة في الثامنة.. حتى حينما تزوجت خليفة غادرت البيت لثلاثة أشهر فقط عادت بها لتقضي حدادها في عند أختها وزايد حينها حلف ألا يدخل المنزل أبدا حتى تنهي حدادها.. وهو يقيم في المجلس الخارجي.. تشعر بامتنان عميق لزايد لكل مافعله من أجلها.. لم تشعر يوما في وجوده أنها دون سند.. أو تخاف من ظروف الحياة قطع حبل أفكارها صوت منصور الفخم ذاته: قلنا حيا الله بنت محمد.. وبنت محمد ماعبرتنا عفراء اغتصبت الكلمات بصعوبة وحاولت إخراجها رزينة هادئة: الله يحييك يا أبو زايد منصور يبتسم بتلاعب: وش أبو زايد ذي بعد؟؟ عفراء بحرج خجول: أنت قلت لي إنك تحب ينقال لك أبو زايد.. منصور بذات الابتسامة الغامضة: هذاك أول.. الحين قولي منصور صمتت عفراء والكلمات تجف على لسانها ثم تتبخر.. منصور تركها لصمتها بقية الطريق حتى بيته القريب الذي لا يبعد عن بيت زايد سوى شارع واحد.. ********************************** سيارة منصور تتوقف في باحة بيته.. تغتاله لهفة غريبة عميقة لرؤية وجهها يريد أن يرى ماذا بقي من الطفلة التي كان يشد ظفائرها الطويلة مشاكسا .. ليسكتها بعدها بقطعة من الحلوى وهو يسخر منها: "أنتو يا البنات كل شيء يبكيكم وكل شيء يسكتكم" يريد أن يرى ماذا بقي من الصبية التي كانت تسهره ليال طويلة خلف النوافذ يتصيد أي لمحة لها ..؟؟ يريد أن يرى ماذا بقي من حلم قديم أضناه التفكير به ثم أضناه نسيانه؟!! يريد أن يرى ماذا بقي من ملامح حلم أسكنه زايد قلبه رغما عنه ثم انتزعه رغما عنه كذلك؟!! . . دخل أمامها وهو يشرع الباب الخشبي الضخم ويهتف بترحيب فخم دافئ: نورتي بيتش يا بنت محمد عفراء دخلت بخطوات مترددة.. ثم همست بمجاملة: ماشاء الله بيتك حلو رغم أنها لم تكد تبصر شيئا لشدة ارتباكها...منصور اقترب منها خطوة وهتف بغموض: البيت بيتش مهوب بيتي.. وترا مافيه حد داخل البيت.. أنا نبهت على الصبيان كلهم يشيلون قشهم للغرف في المجلس الخارجي يعني اخذي راحتش عفراء صمتت وهي تشعر بتوترها يتزايد ويتزايد حتى كادت تختنق.. حينها أكمل منصور بنبرة مقصودة: ماتبين تحطين عباتش؟؟ عفراء بحرج شديد بصوتها المختنق: بلى .. بس وين؟؟ منصور تنهد وهو يردد في داخله (شكله عمري ماراح أفهم النسوان أشلون يفكرون) ثم قال لها بهدوء: تفضلي معي.. عفراء صعدت خلفه وتوترها وارتباكها في تزايد.. حتى وصلوا لغرفته الشاسعة وهو يهتف لها بتلقائية: سامحيني.. غرفة عزابي.. ما لحقت أغير شي.. واللي تبين تغيرينه.. غيريه بكيفش.. وعلى العموم أنا توني مغير الديكور كله قبل كم شهر الفاضي يعمل قاضي.. عفراء حتى لم تستوعب كلامه لأن توترها بلغ ذروته.. حين تزوجت لأول مرة شابة صغيرة في السابعة عشرة.. سعيدة بلعبة الزواج.. وأختها هيئتها مطولا.. وقضت وقتا طويلا في التجهيز.. لذا في ليلة زواجها شعرت أنها مستعدة لتقوم بدور العروس ولكن الليلة وبعد مرور عشرين عاما.. امرأة ناضجة تعي مفهوم الزواج ومتطلباته ولكنها سقطت في فخ الزواج بسرعة هائلة لم تتح لها حتى فرصة التهيؤ النفسي له سألت بتوتر: وين غرفة التبديل؟؟ أشار لها منصور لناحية غرفة التبديل.. وهو يخلع غترته ويلقيها على طرف الأريكة ثم يجلس مترقبا وعيناه تتبعان حركتها بلهفة غريبة عفراء توجهت لغرفة التبديل وأغلقت الباب عليها.. ثم جلست وهي تنزع نقابها عن وجهها وتسحب لها نفسا عميقا..وهي تحرك يديها أمام وجهها وكأن حرارة وجهها المشتعل ستبرد.. وتحاول تهدئة وجيب قلبها المتصاعد هلعا وتوترا.. مضت عدة دقائق وهي على ذات الوضع رأت أن موقفها بات محرجا.. وهناك رجل اسمه زوجها يجلس خارجا في انتظارها وهي أطالت في الإغلاق على نفسها خلعت عباءتها.. ورتبت شكلها.. وهي تكثر الدعوات وقراءة آيات الذكر الحكيم ثم خرجت.. رغم أنها كانت تتمنى لو تبقى لوقت أطول حتى تهدئ توترها الذي تجاوز كل حد ولكنها في الختام كانت تعرف أنها حتى لو بقيت حتى الصباح فإن هذا التوتر لن ينطفئ بتأخيرها للمواجهة.. كان منصور جالسا على الأريكة حين خرجت.. وقف.. لا يعلم لِـمَ شعر حينما سمع صوت الباب يُفتح أنه سيراها مازالت بعباءتها ونقابها لذا تسللت الابتسامة لشفتيه وهو يرى بهائها الكامل فستانها الحريري البنفسجي الذي احتوى تفاصيل جسدها باتقان.. شعرها المنسدل على كتفيها في تدرجات كثيفة تصل حتى منتصف ظهرها عذوبتها التي زادها خجلها وارتباكها عذوبة لا تقاوم عجزت عن إكمال طريقها لأي اتجاه والتوتر يشل حركة قدميها وهي عاجزة عن إكمال النظر لمنصور بعد أن رفعت عينها وأنزلتها بذات السرعة كانت تعرف شدة وسامته الطاغية.. ولكن رؤيتها في هذا الظرف وبهذا القرب.. بعثر أفكارها تماما وعلى كل حال يكفيها وجود رجل معها لتشعر أنها عاجزة عن التفكير.. وعلى كل حال أيضا هو لم يسمح لها بإكمال الطريق وهو يتجه ناحيتها متمعنا في تفاصيل وجهها.. تسللت ابتسامة دافئة لشفتيه...بدت له لم تتغير مطلقا عن المرة الأخيرة التي رآها فيها ملامحها مازال بها كم كبير من الطفولة.. يستحيل لمن يراها أن يصدق أنها سيدة متزوجة.. فكيف وهي لديها ابنة على أعتاب العشرين.. وصلها.. مد يده لها.. توترت أكثر ولم تحرك أصبعا وهي تنزل نظراتها للأرض ليمسك هو بيدها ويشدها.. إحساسه بنعومة أناملها بين صلابة أصابعه.. بدا له خياليا لحد الألم الموغل في شفافيته وبدا لها خانقا لحد الاختناق الحقيقي وأناملها تتصلب وأكسجين رئتيها المتناقص أصلا بدأ يتناقص أكثر.. منصور شدها ليجلسها على الأريكة ويجلس هو جوارها.. كانت عيناه تطوفان بها وهو يمسح كل تفاصيلها بدقة.. بينما عيناها مثبتتان على يديها التي تدعكها بتوتر.. مد أصبعه تحت ذقنها ورفع وجهها.. انتفضت بحدة شعر بها.. هتف لها بعمق دافئ: ليش متوترة كذا؟؟ لم ترد عليه مطلقا.. والكلمات التي أبت الانصياع تتبعثر وتهرب شاردة.. نقل يده من ذقنها ليدخلها في طوفان شعرها ويهتف بابتسامة متلاعبة: وين الجدايل الطويلة اللي كانت أول؟؟ عفراء بحرج دون أن ترفع بصرها مطلقا إليه: تذكرهم..؟؟ منصور يدخل يده الثانية في الناحية الآخرى من شعرها بينما عفراء كانت تحاول أن تتأخر فلا تفلح وهو يكمل بذات الابتسامة المتلاعبة: أكيد أذكرهم.. كم مرة شديتها؟؟ واجد.. عفراء تريد أن تقف ولكنها لا تستطيع وهو يمسك شعرها بهذه الطريقة ويوترها بنظراته التي كانت تتفحصها بعمق.. لذا همست باختناق: أبي أقوم أتوضأ.. ممكن تهدني لو سمحت.. منصور حينها همس بصوت خافت عميق النبرات: كلنا بنقوم نتوضأ ونصلي مع بعض ركعتين الحين بس أول شيء أنا كنت وعدت نفسي بشي صغير من زمان.. ولحد الحين ماصار.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والعشرون كفاه يسكنان طوفان شعرها وهو يهمس بصوت خافت عميق النبرات: كلنا بنقوم نتوضأ ونصلي مع بعض ركعتين الحين بس أول شيء أنا كنت وعدت نفسي بشي صغير من زمان.. ولحد الحين ماصار عفراء جفت الكلمات في حنجرتها مع تلميحاته الغامضة التي لم تفهمها منصور أكمل بعمق: تدرين وش وعدت نفسي..؟؟ أشوف عيونش عفراء بحرج: تشوف عيوني؟؟ منصور يبتسم: من أول ماخذ زايد أختش وأنتي عمرش 7 سنين وعقبها بسنة ماتوا هلش الله يرحمهم..وجيتي بيت زايد وأنا خاطري أشوف عيونش.. عفراء عاجزة عن رفع عينيها وهي تهمس باختناق خجول: وأنت شفتهم.. وواجد مهوب شوي منصور بابتسامة ذات مغزى: مثل ما أنا شايفهم الحين يعني.. عفراء صمتت بحرج.. بينما منصور مد يده ليرفع وجهها له وهو يهمس بثقل فخم: تدرين إنش من يوم أنتي بزر.. عمرش ما حطيتي عينش في عيني.. كان خاطري أشوف عيونش عدل حينها نظرت عفراء له ثم عادت لتنزل عينيها وهي تهمس بخجل عميق: أمي الله يرحمها كانت دايما تقول لي البنت ما تكاسر الرجّال حتى لو هو إبيها وإلا أخيها وذا الشي عمره ما راح من بالي.. (تكاسر= تنظر إلى العين بشكل مباشر) منصور همس لها بتلاعب: زين أنا أبيش تكاسريني..ارفعي عيونش خلني أشوفها يا بنت الحلال عفراء لم ترد عليه.. وارتباكها يتزايد ولكنها أدخلت يديها في شعرها وهي تمسك بيدي منصور الاثنتين وتبعدها عن شعرها.. بدت لها ضخامة كفيه لصغر كفيها مرعبة.. ومع ذلك أبعدتها وهي تقف مبتعدة وتهمس بخجل: أبو زايد.. خلنا نصلي منصور وقف وهو يردد في داخله (زين يا عفرا.. وين بتروحين مني) رد عليها وهو بتسم: نصلي أول.. أنا على وضي العشا.. توضي أنتي.. عفراء همست بحرج: أبي لي ربع ساعة.. عادي؟؟ منصور جلس: خذي راحتش.. عفراء متوترة بالفعل.. هذا القرب الرجولي الباذخ يشعرها بالارتباك.. لا تعرف حتى كيف تتعامل معه.. اعتادت التعامل مع كساب وعلي كابناء.. ولا تعرف كيف يكون التصرف مع رجل من هذا القرب خارج إطار دورها كأم.. مسحت مكياجها.. وخلعت ملابسها.. توضأت ثم بقيت محتارة ماذا ترتدي.. لتستقر لها جلابية حرير مغربية بما أنها تريد أن تصلي أولا تناولت سجادتها وجلال الصلاة من دولاب الملابس ثم خرجت.. منصور وقف حين رآها وهتف بحزم :نصلي.. اجابته بخفوت: نصلي.. وقفت خلفه وصليا.. وحينما أنهى الصلاة التفت لها ووضع يده فوق راسها ودعا بالدعاء المأثور "اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه.. وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه" ثم ردد في داخله بعمق شفاف( صليت ودعيت الدعاء مع كل وحدة تزوجتها.. وما الله كتب لي التوفيق يا الله أنك تكتبه لي ذا المرة) حينما أنهى الدعاء رفع وجهها ثم ابتسم: تدرين لا عاد تحطين مكياج أبد.. ما تحتاجينه.. وانا أحب أشوف شكلش طبيعي قدامي عفراء وقفت بخجل همست وهي تخلع جلالها: إن شاء الله.. كانت توشك على الاتجاه لأي مكان بعيدا عنه ولكنه شدها ناحيته: وين بتروحين؟؟ عفراء بخجل عميق: ولا مكان.. بقعد وكانت بالفعل بحاجة إلى أن تجلس.. فطوله جوارها أشعرها بالضآلة وإحساسها بقربه يوترها ويجعلها عاجزة عن التفكير شدها وأجلسها وجلس جوارها.. ثم هتف بثقة وهو يسند كتفيه للخلف: حاسة إني استعجلت عليش في موضوع العرس؟؟ عفراء ابتلعت ريقها الجاف ولم ترد.. منصور أكمل بذات الثقة: من يوم دخلنا هنا حتى كلمتين على بعض ما قلتيها أدري إني استعجلت عليش .. وانش أكيد متوترة ومستحية.. بس تدرين عفرا.. ماعاد حد منا بصغير وإلا يمكن يأخذ قرار مهوب عقلاني.. يعني ما اعتقد إنش وافقتي علي وأنتي مترددة لو واحد في المية.. صح وإلا أنا غلطان؟؟ عفراء تهمس بصوت مبحوح: أكيد إني ما وافقت إلا وانا مقتنعة أنا يا ابو زايد محتاجة بالفعل لشريك حياة منصور قاطعها بفخامة: قلنا منصور.. ولكن عفراء لم تستطع أن تنطق اسمه مجردا لذا أكملت حديثها بذات صوتها المبحوح الجاف: بس أنا طول عمري ويمكن من طفولتي وأنا أم.. ربيت مع وسمية الله يرحمها عيالها كلهم.. من أول واحد كساب وأنا عمري 8 سنين وأنا حاسة إني أمه مهوب خالته لين علي ومزون ثم بنتي.. عمري ما كنت أنثى بمعنى أنثى فسامحني لو ماعرفت أتصرف معك في البداية بالطريقة اللي ترضيك حينها مد منصور اصبعه ومسح على طرف خدها نزولا لعنقها وهو يهمس بثقل خافت: هذا كله ومنتي بأنثى.. أجل الأنثى من تكون؟؟ **************************** قبل ذلك بساعتين " عالية حبيبتي.. فيه عجوز تحت تقول لش عمتي أم صالح تقهوينها لين تجيش" عالية تلتفت لباب غرفتها حيث تقف نجلاء وهي تخلع عباءتها بعد عودتها للتو مع نايف: الحين أنتو منتظريني أرجع عشان تنطون في حلقي.. أقهوي عجوز النار.. قهويها يا بنت الحلال.. لين أخذ شاور.. وعقب يصير خير.. نجلاء تغمز وتبتسم : عجوز النار ذي جايه تخطب.. تعدلي بسرعة وانزلي سلمي وخلش ذوق معها.. أمش مادرت أنها بتجي ذا الحزة...وهي رايحة مع أمي يسلمون على جارتنا الوالدة.. فقالت لي خل عالية تقويها لين أجي حينها قفزت عالية بمرح: والله فلة.. وأخيرا حد تذكر يخطبني.. خلني أروح أشوف أم المعرس لا بارك الله فيه ولا في أمه..وش فيه أبطأ الخايس.. ومهوب لازم أتعدل.. واجد عليها شوف خشتي.. عالية تقفز الدرج وهي ترى الموضوع كله من زاوية مرحة.. بينما نجلاء تهتف وراءها: لا تفضحينا في المرة تراها غريبة شوي عالية تكاد تصل أسفل الدرج: أشلون غريبة لها قرون يعني... القرون أنا الحين بأطلعها لها هي وولدها.. عالية دخلت مجلس الحريم.. وهي ترحب بالطريقة المعتادة: ياهلا والله ومرحبا..حياش الله.. أمي على وصول مهيب مبطية اقتربت من الطاولة التي وضعت دلال القهوة عليها وهي تتمعن في العجوز التي لا يكاد يظهر منها شيء وهي ترتدي قفازات سوداء.. وتلبس نظارات عريضة وسميكة جدا فوق برقعها عالية همست لنفسها بصوت خافت: شكلها عميا مرة وحدة.. الله يستر لا يكون ولدها مثلها ثم أردفت بصوت عال: أشلونش يمه؟؟ أشلون صحتش؟؟ ولكن العجوز لم ترد عليها مطلقا....عالية صبت لها فنجان قهوة ومدته لها وهي تستغرب أن العجوز لم تتحدث مطلقا.. العجوز وضعت الفنجان على الطاولة الصغيرة أمامها.. ثم شدت عالية لتجلسها جوارها.. عالية اُحرجت من تصرف العجوز ومع ذلك بقيت جالسة جوارها ولكن ما لم تحتمله مطلقا أن العجوز بدئت في تحسس جسدها بطريقة محرجة.. حينها تفجر غضبها وقفزت وهي تصرخ بغضب: أنتي شتسوين؟؟ لا تكونين قاعدة تستكشفيني لولدش.. برا.. يا الله اطلعي برا.. لا بارك الله فيش من عجوز العجوز مدت عصاها وضربت عالية بخفة على فخذها.. عالية حينها صرخت بغضب: لولا إنش عجوز كبر جدتي وفي بيتنا و إلا والله لا تشوفين شي عمرش ماشفتيه.. أنهت جملتها واتجهت للباب.. لتفجع أن الباب انغلق عليهما.. التفتت ناحية العجوز.. لتجد العجوز تتقدم ناحيتها بظهرها المنحني تلوح بعصاها عالية صرخت: قسما بالله منتي بصاحية.. ياعجوز روحي وراش.. تراش منتي بمستحملة كفين.. خايفة من الله تموتين في يدي.. ولكن العجوز استمرت في التقدم لتهرب عالية منها ورعبها بدأ يتصاعد لأنها ايقنت العجوز يستحيل أن تكون طبيعية بدأت سلسلة من المطاردات عالية تركض والعجوز خلفها وهي تضربها بالعصا كلما تمكنت منها.. وعالية تصرخ برعب حقيقي: يمه.. نجلا.. افزعوا لي.. كانت عالية على وشك أن تصعد فوق طرف الأريكة حتى تصعب على العجوز الوصول لها لكن حينها لمحت ساقي العجوز التي رفعت عباءتها لتصعد خلف عالية كانتا ساقين ناعمتين مصقولتين ناصعتي البياض.. حينها نزلت وهي تغافل العجوز لتشد البرقع عن وجهها.. لتنفجر سميرة ضاحكة وهي تهتف بين ضحكاتها الهستيرية: عادي يا بنت الحلال تكفير عن مقالبش فيني أنا واختي طول ذا السنين وعلى إنش طولتي لسانش علي أنا ورجالي.. عالية بدأت تضربها وهي تضحك بصوت عال: صبيتي قلبي.. جعل رجالش يطلقش.. وحينها فُتح الباب لتظهر نجلاء التي كانت تسمع عبر الباب وهي تضحك أيضا بشكل هستيري: ها أكيد انبسطتوا.. خوش مقلب ياهل المقالب عالية تضحك ووجهها احمر من كثرة الضحك: أنا التالية ما تقعد فيني.. إذا مارديتها دبل فأنا ما أنا بنت خالد آل ليث.. سميرة مازالت تضحك : لا تكفين.. مافيه دبل لذي إلا لو أنتي ناوية تذبحيننا حينها التفتت عالية لسميرة وهمست برجاء لطيف شفاف: منتي بزعلانة علي.. صح؟؟ سميرة ابتسمت: لا.. خلاص.. تعرفينني أنسى بسرعة عالية حينها همست بضيق عميق: بس أنا زودتها..زودتها واجد بعد.. بس والله من غلاش عندي.. آجعني الموقف كله نجلاء تهمس بمودة: خلاص من غير عتب.. يالله اطلعوا لغرفة عالية.. وأنا بأروح أسوي لكم خوش عشا المهم لاعبوا عيالي وونسوهم معكم ******************************* "ماشاء الله طولتوا في السهرة؟؟" انتفضت وهي تسمع صوته الساخر وتراه جالسا على الأريكة ممدا ساقيه الطويلتين على طول الأريكة قالت بهدوء وهي تشيح بنظرها عنه وتتجه لدولابها: غانم توه جا وخذ سميرة.. تناولت بيجامتها واستحمت لتصلي قيامها.. وهو مازال جالسا على نفس الوضعية صالح أصبح مخلوقا غريبا بالنسبة لها.. أصبحت تشعر بعدم الأمان الفعلي فهي تجهل هذا الرجل الصامت المثقل بالغموض لا يشبه أبدا الرجل الذي عاشت معه ما يقارب عشر سنوات باتت عاجزة عن التفكير.. لأنها لا تعلم كيف ستكون نتائج التفكير سابقا كانت حينما تتصرف تصرفا ما.. كانت تتوقع تماما ردة فعل صالح.. ولكن الآن ردات فعله غير متوقعة مطلقا.. سابقا حينما كانت تغضب منه.. وتنام وهي توليه ظهرها.. كان يشدها ناحيته وهو يهمس لها بعمق عاشق: حتى لو زعلانة علي.. نامي على ذراعي.. تبين تعذبيني بزعلش وبعدش.. كفاية علي عذاب واحد.. ولكن هذه الأيام هاهي تنام جواره.. ويبدو كما لو كان لا يشعر بوجودها مطلقا.. يظل معتصما بطرف السرير.. حتى ينهض لصلاة الفجر ثم يعود ليتمدد قليلا حتى يحين موعد ذهابه لعمله ثم لا يعود بعد ذلك إلا ليلا.. حينما رسمت مخططها الفاشل مع سميرة.. كانت ستعذب صالح بالصد والبرود بينما هو سيظل يرتجي ويتودد ولكنها لن تلين حتى يشعر بفداحة الذنب الذي ارتكبه في حقها ويجعله هذا الأمر يفكر كثيرا قبل أن يكرر ذات التصرف ولكن لا شيء من هذا حدث.. فالمخطط انهار من أساسه لأنه رُسم من أجل صالح القديم.. ولكن هذا الصالح المريب مجهول التصرفات تماما مثلما فعل الآن وهو يتجه للنوم دون أن يقول لها حتى (تصبحين على خير) نجلاء تنهدت بحيرة وهي تتجه لتتمدد جواره وتغرق في أفكارها الخاصة.. **************************** " يا أبو زايد قوم.. ماعاد باقي على صلاة الظهر إلا ساعة " وصلها صوته الناعس العميق: قلنا منصور.. عفراء بحرج: قوم الله يهداك.. يا الله تلحق تتريق وتتوضأ وتروح للصلاة منصور يفتح عينيه بتثاقل وهو يبتسم: الذنب ذنبش انتي اللي سهرتيني لين صلينا الفجر عفراء تراجعت بحرج: أنا؟؟ منصور بذات الابتسامة: إيه أنتي.. وش ذا الهذرة اللي عندش كلها؟؟ تقولين صار لش سنين محرومة من الكلام حينها ابتسمت عفراء: والله أنت اللي تسأل وأنا كنت أجاوب بس.. ابتسم منصور وهمس بغزل رائق: أحلى ابتسامة في أحلى صبح مر علي بحياتي كلها.. عفراء تقوم من جواره وهي تهمس بعذوبة: يكونون يعلمونكم النصب في العسكرية.. شدها ليعيدها جواره وهو يعتدل جالسا: علمونا أشياء واجد.. بس النصب مهوب من ضمنها.. ثم أردف وهو يحتضن كفها: تبين نسافر مكان؟؟ عفراء ردت بحرج رقيق: لا طال عمرك.. الحين ماباقي شيء على نهاية الفصل أبي أخلص مع طالباتي.. ثم عقب لو ماعندك مانع.. أبي اسافر لبنتي إذا دكتورتها قالت إن حالتها تسمح تصلبت يد منصور التي تحتضن كفها..وهو يستعيد شرطها الوحيد للموافقة عليه.. البارحة تحدثا كثيرا وحدثته عن ابنتها مطولا.. بدت له ابنتها مدللة وعنيدة وبها كم كبير من الأنانية رغم أن عفراء كانت تتكلم عنها بحنان شاسع وهي تحاول إظهارها الابنة الأفضل في الكون ولكن لم يفت ذكاءه التقاط الإشارات بين السطور لا يعلم لِـمَ تصاعد قلق مر في روحه.. أ يعقل أن ابنتها قد تطلب مثل هذا الطلب؟؟ والمأساة أنه وافق طلبها ووعدها به.. ولكنه لأول مرة يشعر بالراحة مع مخلوق ما كما يشعر به معها بها كم حنان مهول.. وقدرة هائلة على الاحتواء ورغم أنه لم يعتد عليها بعد.. ولكن بدت له فكرة خسارتها.. غير مقبولة أبدا طوال حديثهما الطويل البارحة كان رأسه يتوسد فخذيها.. بدت له محرجة من جرأته وتحاول التفلت.. ولكنه لم يسمح لها بالافلات أو الابتعاد وهو يحاصرها بلمساته وبأسئلته كان يستحثها أن تتحدث بأسئلته التي لا تتوقف عن كل شيء في حياتها.. ابنتها أبناء شقيقتها.. عملها.. كان يشعر كما لو كان يعاني العطش طوال عمره.. ثم وجد نبعا متدفقا من الماء الأصفى والأعذب في الكون طريقتها في الكلام تصب في عمق الروح بحنانها واحتواءها.. شعر أنه مستعد أن يعيش حياته كلها رأسه في حجرها.. مكتفيا بالاستماع لأحاديثها وتنفس عبق أنفاسها من قرب عفراء همست له باستغرابخجول : منصور أشفيك؟؟ منصور شدها ليدفنها بين أضلاعه ثم همس في أذنها بعمق فيه نبرة حزن لا يعلم لها سببا: أول مرة أدري إن اسمي حلو كذا *********************************** "صباح الخير ياحلوة" مزون تنظر لعلي وتبتسم: الله يحلي أيامك علي يجلس وهو يضع غترته بحرص على الأريكة حتى لا تتجعد ثم يهتف بتساؤل: وين أبي وكساب؟؟ مزون أجابت وهي تسكب له فنجانا من القهوة: إبي طلع من بدري.. وكساب توه طلع من شوي.. ثم أردفت بألم: ماشرب إلا فنجان قهوة هو اللي صبه لنفسه وزين إنه سلّم على الكرسي اللي كانت قاعدة هنا.. علي يربت على كتفها ويهتف بحنان: مسيره يرضي.. تعرفين يباس رأسه.. مزون بألم: تعبت ياعلي من ذا الوضع.. الطيران وخليته.. وسجلت في شيء جديد.. أبي أعرف وش عاد اللي مزعله مني والله العظيم تعبت أدور رضاه وهو يتمنن به علي.. شكلي بأموت وهو ما رضى.. علي يحتضن كتفيها ويهتف بذات حنانه الخالص: بسم الله عليش.. صدقيني بيرضى.. ولو ما رضى هو الخسران حد يلقى له أخت مثلش ويزعلها.. والله ماعنده سالفة.. مزون تسند رأسها لكتفه وهي تحتضن خصره وتهمس برجاء عميق: تكفى علي وأنت بعد كفاية هربان منا... هذا أنا خليت اللي كان مزعلك مني أنتي بعد تكفى علي أنا محتاجتك جنبي.. كفاية علي اللي كساب يسويه فيني علي يشدد احتضانه لكتفيها ويهمس بعمق: يصير خير ياخيش.. يصير خير... ادعي بس الله يسهل ********************************* " أنا باروح أتوضأ ماعاد باقي على صلاة الظهر إلا شوي جهزي محضر اجتماع بكرة لين أجي" فاطمة تستوقف كاسرة وهي تقلب اوراق في يدها: لا تروحين الحمام.. الحمام بابه خربان قبل شوي تسكر علي.. ماحد فتحه إلا البوي الفراش مستخدم سكين.. كاسرة تقف لترتدي نقابها وتهتف بثقة: عادي لو تقفل علي.. ناديه يفتح لي.. وكلمي حد من تحت يجي يصلحه.. فاطمة تهز رأسها وهي مشغولة بالورق أمامها.. مرت عدة دقائق قبل أن تبدأ بشم رائحة دخان.. استغربت ولكنها لم تهتم ثم دقيقتين أخريين قبل أن تسمع جرس الأنذار وسماح تقتحم عليها الباب وهي تصرخ بجزع: المبنى يحترق.. يا الله بسرعة.. فاطمة قفزت وكل ما يشغل بالها كاسرة.. ارتدت هي أبضا نقابها على عجل وهي تركض لباب الحمام الخاص الموجود بجانب مكتبهم كانت ترى الجميع ينزلون ركضا والطابق يكاد يخلو صرخت برعب وهي تطرق الباب بهستيرية: كاسرة.. كاسرة.. كـــاســـــرة كاسرة همست بهدوء مستغرب: وش ذا الإزعاج اللي برا.. وش فيش روعتيني.. توني خلصت وضي الحين خلني لين ألبس عباتي فاطمة بدأت تبكي وهي تحاول فتح الباب وتصرخ: كاسرة المبنى يحترق.. بأروح أدور حد يفتح الباب حينها صرخت بها كاسرة بحزم: لا تدورين حد.. انزلي بسرعة.. أكيد المطافي على وصول.. فاطمة ركضت تدور بين المكاتب ولم تجد بالفعل أحد.. توجهت للمطبخ وأحضرت لها سكينا وبدأت تحاول معالجة قفل الباب وهي تصرخ وتكح: كاسرة أنا هنا الحين بافتح الباب.. كاسرة تصرخ بها بانفعال: أقول لش روحي.. أنا صرت أشم الدخان قريب.. أنا مسكر علي في حمام مهوب جايني شيء إن شاء ربي بس انتي في الممر.. والله إن قد تروحين.. حلفت.. يالله روحي فاطمة تعالى نشيجها وهي تحاول فتح الباب وتكح من رائحة الدخان بعد أن انتقل الحريق من الطابق الثالث للثاني حيث مكتبهم كاسرة تصرخ بها بانفعال أشد: فاطمة والله العظيم لو مارحتي الحين إنه عمري في حياتي كلها لساني ما يخاطب لسانش يا الخبلة عندش ولدين.. تبين ترجعين لهم ميتة وإلا محترقة.. كاسرة سكبت على نفسها الكثير من الماء وجلست في الزاوية على الارض وهي تحاول الاعتصام بالجَلد ومنع الرعب من التسلل لقلبها الذي تعالت دقاته بشكل هستيري خوفا وجزعا.. وهي تهتف في داخلها بلوعة حقيقية : " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يا ربي لو كان ذا آخر يوم عمري موتني مختنقة.. لا تموتني محترقة لا تفجع أمي فيني بذا الفجيعة!!" بينما فاطمة بدأت تنشج بهستيرية وهي ترمي بالسكين وتنزل راكضة للاسفل لتجد أن الحرق انتقل للسلم وتلسع يدها من النار وهي تركض للخارج حين رأت رجال الأطفاء بدأت تصرخ فيهم بهستيرية: فيه وحدة متسكر عليها في الطابق الثاني الإطفائي يصرخ بحزم: الطابق الثاني الحين انتقل له الحريق.. احنا الحين بنطفي الحريق.. وخبير اقتحام الحرايق الحين على وصول فاطمة لم تشعر بنفسها إلا وهي تهزه بعنف وتصرخ: يعني تبونها تتفحم لين يأتي خبيركم ذا الرجل يزيحها جانبا: مايصير إلا خير.. هذا هو على وصول **************************** قبل ذلك بدقائق كساب في سيارته متوجها لشركته.. رأى الدخان المتصاعد من المبنى الذي عرفه فورا.. مكان عمل زوجته وفي وقت الدوام الرسمي أيضا.. أوقف سيارته بعيدا لأنه رأى ازدحام الشارع بالسيارات المتوقفة.. وركض متجها للمبنى دون تفكير.. إحساس فطري بالشهامة والمسؤولية حاولوا منعه من الاقتراب لكنهم لم يفلحوا وهو يتعرف على السيدة التي كانت تبكي بهستيرية.. يتوجه لها بحزم ويسألها بنبرة أقرب للأمر العالي النبرة: شاللي صار؟؟ وفيه حد باقي فوق؟؟؟ فاطمة حينما تعرفت على صاحب الصوت تعالى صراخها: كاسرة فوق تقفل عليها الحمام.. وهم يقولون ينتظرون خبير يطلعها والحريق وصل للطابق اللي هي فيه... بتموت.. بتموت حينها صرخ فيها كسّاب بحدة: وين الحمام؟؟ فاطمة وهي تشهق: جنب مكتبنا على طول.. كساب توجه للمبنى وهو يركض.. حاول رجال الإطفاء منعه ولكنهم لم يستطيعوا أبدا إيقافه.. أوتثبيته في مكانه لم يكن لكون كاسرة زوجته أي اهتمام عنده.. ربما لو قالوا له أن هناك قطة في الأعلى لصعد لإنقاذها هناك روح تحتاج للإنقاذ ولن يتوانى هو عن تقديم المساعدة وخصوصا ان الموضوع كان هينا بل غاية في السهولة بالنسبة له وهو يدرس احداثيات المبنى ومعطيات المهمة في عقله بسرعة فائقة.. مبنى من ثلاثة طوابق.. بدأ الحريق في الطابق الثالث وانتقل للثاني ولجزء من الاول.. وهناك ضحية محتجزة في حمام في الطابق الثاني ( مهمة غاية في البساطة..) صعد متحركا بدقة وهو يدرس هندسة المبنى مع حركته البارعة.. فهناك أماكن تتأثر بالحريق أكثر من غيرها.. لذا كانت حركته مدروسة..لا تردد فيها وهو يتجاوز الأماكن التي يعلم أنها قد تنهار.. لسعت النار أطراف ثوبه وغترته ولكنه لم يصب مطلقا وهو يقفز ببراعة مذهلة من مكان لآخر ليصل في دقيقة واحدة لباب الحمام ويخلع قفله بركلة واحدة.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع في [ 2 ] .. من الجزء السادس والعشرين الى الجزء الخمسين .. شبكة روايتي الثقافية / .. روآية : بيـــن الأمس واليـــــــــــوم .. للكــآتبة / # أنفاس_قطر # [ 2 ] .. من الجزء السادس والعشرين الى الجزء الخمسين .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الامس واليوم/ الجزء السادس والعشرون كان الممر ممتلئا بالدخان إلى درجة العجز عن الرؤية.. ولكن الحريق -الذي بدأ ينطفئ بسرعة مع ازدياد ضخ مياه المطافىء- لم يصل لكل أجزاءه بعد.. ولكن الدخان مع انطفاء النار كان يزداد بصورة متضاعفة.. خلع كسّاب قفل باب الحمام.. وحين رأى أن الدخان مازال قليلا في الحمام.. عاود إغلاقه عليه بسرعة.. لأنه رأى المخلوقة الموجودة في الحمام يبدو أنها مغمى عليها ورأسها ينحني على ركبتيها ومعنى ذلك أنها ستحتاج للأسعاف الأولي قبلا.. ودخول الدخان للحمام.. قد يقضي عليها توجه أولا لنافذة الحمام وخلعها تماما من مكانها.. حتى يسمح للهواء بالدخول.. ثم مد وجهه عبرها وأخذ نفسا عميقا من الهواء النظيف ورأى عبر النافذة أنهم يكادون يسيطرون على الحريق وبسرعة هائلة كان يتحرك بتلقائية مدروسة دون أن يخطر له شيء سوى انجاز المهمة كما خطط لها كانت كاسرة قد أغمي عليها فعلا من رائحة الدخان.. ومن تناقص الأكسجين في الحمام.. كانت تجلس في الزواية ومازالت على نفس وضعية الجلوس كانت عباءتها مازالت معلقة على باب الحمام.. ولا ترتدي سوى تنورة وتيشرتا قطنيا واسعا.. وشعرها كان ملفوفا بشيلتها.. بعد أن تناولت شيلتها ولفتها على رأسها بإحكام حين علمت بالحريق ولكن خوفها من احتراق الباب جعلها تتأخر للزواية وفي ظنها أن الباب حين سيفتح عليها إن كانت مازالت حية فهي ستلتقط عباءتها ونقابها عن الباب بسرعة كان لديها إيمان كبير بالله أما أنه سينقذها أو سيميتها دون أن تتألم كان لديها ثقة برحمة الله على كل حال إن كان الحياة أو الموت لذا حاولت طمر إحساس الخوف المتزايد في قلبها وتهدئة روعها أن النجدة قادمة لا محالة. إما نجدة فعلية من رجال المطافئ أو رحمة الله تنتشلها للعالم الآخر دون تعذيب.. " ياآلهي سامحني إن كنت أذكرك في مكان لا يليق بجلال قدرك ولكنك معنا في كل مكان.. وهذه قد تكون لحظاتي الأخيرة في الدنيا فأشهد ألا إلا الله وأن محمدا رسول الله أشهد ألا إلا الله وأن محمدا رسول الله أشهد ألا إلا الله وأن محمدا رسول الله . يارب إن كان ما قد كتبته لي في علم الغيب عندك هو الحياة أو الموت فلا تكشف ستري يارب لا تكشف ستري يارب على كل حال" بقيت معتصمة بمكانها تكثر الدعوات والتشهدات في قلبها .. ولم تشعر بنفسها حين أغمي عليها وبقيت على نفس الجلسة. كسّاب توجه ناحيتها وهو يشدها ثم يمددها على أرضية الحمام.. كانت ملابسها غارقة تماما بالماء.. شعر أن رأسها ليس مستويا.. لذا انتزع شيلتها ليجد أن شعرها كان كصرة مبلولة مجموعة أسفل رأسها.. كان يتصرف بآلية مهنية .. أزال مشابك شعرها بسرعة.. وعاود تثبيت رأسها باحتراف.. ثم بدأ بإجراء تنفس اصطناعي لها للوهلة الأولى بدا الأمر له محرجا.. لكنه تذكر أن هذه الممدة أمامه هي في نهاية المطاف زوجته.. لذا باشر إجراء التنفس دون تفكير بدت له رائحة الأنفاس التي كان يخرجها من صدرها وهو يضغط بكفيه على رئتيها عطرة وعذبة بصورة بدت له غير طبيعية.. خيالية.. أشبه بشيء كالحلم.. ولكنه نحى كل التفكير جانبا وهو يركز على عمله لدرجة أنه لم يدقق في ملامحها حتى.. بعد نفسين وخلال النفس الثالث.. استعادت كاسرة وعيها..وفتحت عينيها.. لتفجع بكل رعب بالموقف.. كل ماخطر ببالها حينها أنها لابد تتعرض للاغتصاب ومع انتهاء كساب من دفع النفس الثالث في رئتيها حتى سمع كحتها وشعر في ذات الوقت بلكمات متتابعة توجه ناحية صدره.. كاسرة حين رأت الرجل أبعد شفتيه عنها سحبت نفسها للزواية وهي تحاول شد جيب تيشرتها القطني لأعلى بجزع كاسح.. ثم صرخت بتهديد حاد: يا ويلك تقرب مني.. كساب وقف على قدميه وهو يعيد وضع غترته على رأسه ويهتف بسخرية: هذي كلمة شكرا اللي تقولينها لرجّالش اللي رمى نفسه في النار عشانش.. حينها استوعبت كاسرة من هو الرجل أمامها.. بعد أن كان رعبها والوضع المريع الذي هي فيه لم يجعلها تدقق النظر فيه جفت الكلمات على شفتيها وهي ترى نفسها أمامه بدون غطاء وشعرها المبتل متناثر على كتفيها .. عدا عن ملابسها المبتلة التي التصقت بجسدها تماما ولكنها ورغما عنها في ختام الأمر حمدت ربها أن يكون هو وليس أحدا سواه.. حمدت الله الذي استجاب دعوتها وهي تشعر بتأثر عميق أنه لم يكشف سترها كما رجته.. وشعرت بتأثر آخر عميق مجهول وهي ترى ملابسه التي لسعتها النيران في أماكن متعددة " أ حقا ألقى بنفسه في النار من أجلي؟!" كاسرة بعد ذلك وقفت يغتالها طوفان مشاعر مختلفة أبرزها كان شعور حرج مر ومع ذلك هتفت بكل ثقة: خلاص مشكور اطلع خلني ألبس عباتي واطلع...أظني طفوا الحريق.. صح؟؟ كساب لم يجبها.. لم يجبها!! فهو أيضا كان للتو ينتبه للمخلوقة أمامه.. ولكن هل يصح أن يسميها مخلوقة؟؟ مجرد مخلوقة؟؟!! فهو شعر أن هذه الأنثى المستحيلة أمامه يستحيل أن تكون تنتمي لجنس البشر يستحيل أن تكون خُلقت لتمشي على سطح الأرض كباقي الخلق هذا التشكيل الرباني الذي يتجاوز كل حدود المثالية العصية على التخيل يستحيل أنه تشكيل لمخلوقة بشرية.. لو كان بالغ في استهلاك كل مخيلته ليصنع مجرد خيال امرأة حسناء لا وجود لها على سطح الأرض فبالتأكيد إن الكائن العصيّ على كل التسميات الذي يقف أمامه تجاوز كل الخيالات التي لا وجود لها بل التي يستحيل حتى مجرد تخيل وجودها!! فكيف وهو يراها أمامه.. متجسدة في صورة مخلوق بشري.. ويصدف أن هذا المخلوق هو زوجته هو!! زوجــتــه هــــو!! شعر أن ما يراه قد يكون نوعا من خداع البصر.. فمازال يظن ان ما يراه أمامه ليس إلا خيالا لا يمكن وجوده على أرض الواقع لذا تقدم خطوة للأمام وهو يمعن النظر إليها.. كالمبهوت.. المأخوذ.. المسلوب الفكر بوصلة نظره تتبع هذه التفاصيل المستحيلة المرتسمة أمامه كاسرة تأخرت خطوة للخلف وهي تهمس بثقة واستعجال تخفي خلفها حرجها وتوترها: كساب الله يهداك وخر .. ما أدري طفوا الحريق أو لا.. كساب حينها هتف بثقة طاغية: أنا متأكد أنهم طفوه الحين.. ظنش باخليش هنا وأنا عارف إن المبنى عاده يحترق لا يريدها أن تغادر .. يريدها أمامه كما هي الآن.. مازال يريد أن يتأكد ممايراه .. وخصوصا أن كل تفاصيلها وملامحها واضحة أمامه لدرجة صفاء الصورة المذهل.. التضاريس الأنثوية الباذخة.. البشرة المرمرية التي لا تصدق لشدة النقاء والشفافية العنق الشامخ الناصع في نحر أكثر سطوعا.. الشعر المعتم كليل سرمدي انحدر شلاله حتى خصرها وخصلاتها المبلولة تلتصق بأطراف وجهها في صورة مبهرة يعجز أعظم الرسامين عن رسمها.. ود أن يقترب أكثر ليتلمس تفاصيل وجهها..التي انسابت نظرات عينيه تتبعها تفصيلا تفصيلا التفاصيل المثالية أكثر مما يجب...الباهرة أكثر مما يجب.. الشاهدة على عظم خلق الخالق في تجلي مذهل " أ يعقل أن هاتين العينين المعجزتين لا تنتميان إلى حورية من حوريات الجنة؟!! وهذا الأنف المذهل المنحدر كأسطورة قد نُحت لمخلوقة أرضية؟!! وهاتان الشفتان المهلكتان الخياليتان المرسومتان كحد الحديد والنار.. الانتهاء والبداية قد خُلقتا لينتجان كلمات ككلمات كل البشر؟! وهذا الجبين المنير كشمس أشرقت للتو على استحياء حتى لا تحرق البشر بشدة سطوتها هو لمخلوقة تمشي بين البشر؟؟ أ يعقل أن كل هذا الحسن الذي لو وزع على كل نساء الأرض لكفاهم وزاد هو لي وحدي..؟ لي أنا فقط ؟!! " اقترب كسّاب أكثر.. ماعاد يعرف ما الذي يسيره.. كاسرة تأخرت أكثر ..ونظرات كساب المتفحصة تبعث توترا وخجلا طبيعين فطريين في نفسها تأخرت أكثر لتجد نفسها تلتصق بالحائط حينها همست بحزم: يا ويلك تقرب مني أكثر من كذا.. وخر خلني ألبس عباتي.. عاجبك الموقف السخيف اللي حن فيه؟؟ ياويلك تقرب بعد.. حينها انتبه كساب من الغيبوبة الساحرة الخيالية التي انتشى بها للحظات عاد إلى أرض الواقع وهو يرفع حاجبا وينزل الآخر ويهتف بلهجة متهكمة: تهدديني.. وتقولين ياويلك.. ليه أنتي شايفتني وحش باهجم عليش ثم أردف بنبرة مقصودة: يا حليلش!! ماحد قد علمش أشلون تكلمين على قدش.. زين وقربت.. وسويت أكثر من أنني أقرب.. أيش بتسوين؟؟ تصرخين؟؟ عادي.. أنتي مرتي وحلالي.. تبين تلمين جمهور يتفرجون؟؟ عادي ماعندي مانع.. حينها ابتسم بسخرية: وانا ترا ما أبي إلا بوسة وحدة.. اللي قبل شوي.. كنتي مغمى عليش.. ماحسيت فيهم.. أبي وحدة برضاش الحين.. وإلا غصبا عنش ما تفرق وعقب يالله أوصلش البيت حينها صرت كاسرة على أسنانها وهي تتحفز: إذا فيك خير.. سوها..وقرب مني والروحة للبيت والله ثم والله لو أنزل مكسرة.. مستحيل أروح معك حينها اقترب كساب أكثر منها.. لم يحاول مطلقا تقبيلها ولكنه أمسك كفيها الاثنتين بيد واحدة .. حاولت أن تقاوم لكنها لم تقدر مطلقا وهو يمد يده الثانية بسرعة هائلة ويضغط على عرق ما خلف أذنها بحرفنة عالية لتسقط فورا مغمى عليها بين يديه.. حينها أسندها لكتفه بيد واحدة وتناول عباءتها المعلقة ولفها بها .. ثم حملها وهو يخفي وجهها في صدره نزل بها السلالم بسرعة.. وهو يتحاشى المناطق التي مازالت تتجمر.. فاطمة التي كانت مازالت تنتحب.. حين رأته ينزل بها توجهت ناحيته وهي تصرخ بقلق: وش فيها؟؟ كساب بثقة وهو يغادر: مافيها شيء.. بأوديها بيتهم الحين.. الأطفائي استوقفه: وين بتروح يا أخ؟؟ كساب نظر له بقسوة: رايح أودي مرتي اللي كنتو بتخلونها تموت للبيت وإلا عندك مانع بعد؟؟ الإطفائي تأخر بحرج وهو يسأل إن كانت زوجته فعلا..وفاطمة تأكد له أنها فعلا زوجته وتوقع على ذلك.. بينما كساب توجه بها لسيارته والكل ينظر له مستغربا دون أن يهتم مطلقا بنظرات الاستغراب.. كل ماكان يهمه أن لا يظهر أي شيء منها.. حين وصل سيارته مددها على المقعد الخلفي.. ثم حرك سيارته.. بعد دقيقة واحدة وصله الصوت الساحر الغاضب: أنت أشلون جبتني هنا؟؟ وأشلون أغمي علي؟؟ كساب لم يرد عليها.. عاودت السؤال بنبرة أكثر حزما: أنت أشلون تجيبني وأنا حالفة ما أروح معك؟؟ كساب رد ببرود دون أن ينظر ناحيتها: ادفعي اطعام عشرة مساكين.. ماعندش عطيتش.. كاسرة بغضب: أنت وش جنسك.. أنا مستحيل أقدر أعيش مع واحد مثلك كسّاب بذات البرود: عادي أبركها من ساعة.. لا تكونين عشان أنا شفتش تظنين بأموت وأشق ثيابي على زينش لا يا شاطرة ترا الزين ماقام ولا قعد عندي.. المرة بدالها عشر.. والباب يفوت جمل.. كاسرة هتفت بثقة طاغية: والله ياطويل العمر.. فيه مرة ماتسوى حتى ربع مرة.. ومرة تسوى مية مرة.. وإذا أنت من أولها عندك إنك تقدر تبدلني بعشر.. فأنت ماعرفت قيمتي.. وماظنتي بأصبر لين تعرفها.. كساب بسخرية: بصراحة غرورش ماله حل.. وعلى العموم عشان تشوفين من البزر ذا المرة..اللي الانفصال أسهل كلمة على لسانها كاسرة تنهدت بغيظ عميق لم يظهر للسطح.. وهي تعلم أنه يلمح لمقابلتهم الأخيرة حين اتهمته أنه طفل.. والطلاق كلمة سهلة عنده.. بينما كسّاب أكمل بنبرة تهكمية بارعة مغلفة بثقة طاغية: اسمعيني ياحرمنا المصون إذا أنتي بتظنين إنه عشان أنا شفتش.. وشفت إنه مثل مازينش مافيه فهذا شيء أنا أعترف فيه إنه فعلا مثل زينش ماشفت ولا ظنتي بأشوف أنا تاجر شاطر وأعرف أقيم البضاعة عدل.. كاسرة تستمع له وهي تشعر أنها تريد أن تتقيأ من أسلوبه البغيض الكريه في الكلام.. " إن كان هذا هو الغزل الذي يعرفه فيبدو أن حياتي معه ستكون مأساة حقيقية " ولكنها لم تعلم ان كسّاب لم يهدف مطلقا للغزل ولكنه يهدف لشيء آخر بدأ يتضح وهو يكمل حديثه: لكن حطي في بالش إن الزين ممكن يحرك في الرجّال الإعجاب المادي.. مجرد إعجاب رجّال بمرة.. لكن عشان يكون فيه حياة زوجية بمعناها الحقيقي.. فيه شيء يتعدى الجمال بواجد.. والجمال أبد ماله أهمية وحتى لو كان مهوب موجود الحياة بتمشي وتستمر.. الحياة الزوجية تبي مرة تعرف أشلون تدير بيتها ..مهوب وحدة كل تفكيرها إنها شايفة نفسها فوق العالم... و.. كاسرة قاطعته وهي تلتقط فورا مقصده مما يقول: على فكرة.. إذا أنت ذكي نص حبه.. تراني ذكية عشرين حبة وذا الفلسفة الفاضية احتفظ فيها لنفسك.. مهوب أنت اللي بتعلمني أشلون أتصرف في حياتي الزوجية وما أبي حضرتك تعلمني شيء أنا عارفته.. لأنه فاقد الشي لا يعطيه قاعد تفلسف.. وتبي توريني إنك أبو العريف وحكيم زمانه.. وأنت مخك فاضي وما تعرف من الحياة الزوجية إلا اسمها كساب لم يهتم مطلقا لهجومها وهو يهتف ببرود مستفز: وأنتي وش عرفش إني ما أعرف.. تحكمين قبل ماتعاشريني؟؟ كاسرة تشيح بوجهها وهي تعدل وضع طرف العباءة على وجهها: ماشاء الله الكتاب باين من عنوانه.. حينها هتف كسّاب بحزم: زين إنش عارفة إن الكتاب باين من عنوانه.. وهل يا ترى عندش تصور أنا أشلون بأكون في حياتنا الزوجية؟؟ كاسرة بسخرية: بزر.. ماعنده استعداد يتحمل المسؤولية.. ويبيني أخليه برقبته يهيت.. لا أسأله وين رايح ولا من وين جاي.. كأنه في فندق يجي يرتاح فيه شوي ويروح كسّاب لا ينكر أنه مبهور بما قالته رغم غضبه منها ومن أسلوبها في قوله وهي تتهمه بهذه الطريقة المستفزة.. فرغم اختلاف المصطلحات والتعبيرات فالحقيقة واحدة وفي نهاية الأمر هذا هو ما يريده فعلا.. لا يريدها أن تقيد حريته أو أن تظن أنها تستطيع تغيير شيء في حياته.. لأنه يرى نفسه عصيا على التغيير ومافي رأسه وتغلغل في طباعه يستحيل أن يتغير أو يتبدل.. كساب بتهكم وثقة: أبهرتيني بصراحة.. زين إنش عارفة.. أنا واحد مستحيل أتغير أو أسمح لأحد يغيرني.. اللي أبيه هو اللي يصير.. وانتي عليش السمع والطاعة وبس.. كاسرة ترد عليه بتهكم مشابه لكنه مغلف بثقة صارمة: لا يا زوجي المبجل.. ماحزرت.. كون إني عارفة وش اللي أنت تبيه.. مهوب معناه أني بأنفذه.. أنت صرت رجّال متزوج.. غصبا عنك بتلتزم فيني.. وبتلتزم بواجباتك ومسؤولياتك.. وبتكيف حياتك كرجل متزوج.. لأنه العزوبية أيامها انتهت خلاص... آسفة ماراح أكون وسيلتك لحمل لقلب متزوج وأنت عايش عزابي.. كساب بسخرية عارمة: يعني من الحين تهدديني بالنكد الزوجي؟؟ كاسرة تتأخر للخلف وهي تسند رأسها لزجاج النافذة وتهمس بهدوء واثق: والله اعتبرها مثل ما تبي.. ما يهمني.. كسّاب بغموض: أمممممم مايهمش.. زين.. غرقت السيارة في صمت عميق لعدة دقائق.. ليهتف كساب بعدها بقسوة: كاسرة اعرفي أشلون تتكلمين على قدش لأنه هذي شكلها بتصير مشكلة كبيرة بيننا.. مشكلتش ما تعرفين حدودش.. شوفي وين حن الحين.. في شارع بيتي.. لو بغيت دخلتش الحين فيه.. والله ما تقدرين تفتحين ثمش بكلمة.. وعلى فكرة بيتي انا مافيه حد.. لكن أنا مستحيل أسويها لأني ماني برخيص أسوي مثل ذا التصرف.. أنا أرفع روحي عن الدنايس.. لكن أنا ما أحب حد يتحداني.. لأنه لو أنتي تبين تنكدين علي.. أقدر أوريش اللي أكبر من النكد بواجد.. كاسرة كانت تنظر برعب حقيقي لسور بيت زايد الضخم الذي تعرفه جيدا لأنه غير بعيد من بيتهم.. ولكنها استعادت توازنها بسرعة.. فهي لم تعتد إحساس الخوف.. ولن تسمح له أن يشعرها به.. ولكنها قررت أن لا تستفزه أكثر من ذلك.. لأنه بدا لها فعلا مستثارا من الغضب وهي بعقلانيتها لا تريد أن تزيد الأمر سوءا لذا همست بهدوء واثق: كساب لو سمحت.. بيتي صار قريب.. بتوديني وإلا كلمت هلي.. كساب يحاول السيطرة على ثورته: جبتش ذا المسافة كلها بأعجز أوصلش كم شارع يعني.. وبعدين وش ذا الذكاء اللي عندش.. أشلون تتصلين وأنتي تلفونش ما تدرين وينه قالها وهو يكمل طريقه باتجاه بيتها.. حتى دخل باحة بيتها.. كاسرة تنهدت بعمق وهي تحمد الله على انتهاء هذا الكابوس لم تعلم أن تنهيدتها كانت مسموعة حتى شعرت باليد التي امتدت بين المقعدين وأمسكت بعصمها ومنعتها من فتح الباب ويصلها همسه العميق الغامض: لذا الدرجة ماكنتي طايقة وجودش معي؟؟ كاسرة بثقة طبيعية: والله تفكيرك بصراحة ما يرقى لتفكيري.. فانت فسرها مثل ما تبي على قد تفكيرك الضيق المحدود.. حينها شد معصمها ناحيته أكثر وهو يهتف بذات الغموض: إذا على اللي تفكيري الضيق المحدود يبيه.. فهو هذا قالها وهو يقبل نعومة معصمها وباطن كفها ببطء.. وأنفاسه الدافئة تلفح يدها بتقصد كاسرة حاولت شد يدها بكل قوتها وقلبها يكاد يقفز من بين جنبيها.. وهي تشعر كما لو كانت قبلاته تحرق يدها فعلا صرخت من بين أسنانها: عمري ما شفت وقاحة كذا.. الحين لو شافك حد من أخواني.. أشلون موقفي أنا.. لأنه أنت ما تهمني.. على الأقل احشم مرتك قدام أهلها.. لم يرد عليها حتى شعر أنه أتلف أعصابها فعلا بقبلاته تمنى أن يجعلها تبكي وترجوه أن يفلتها حتى يحطم تكبرها.. وتمنى في ذات الوقت بقوة أكبر ألا تبكي.. تمنى أن يجعلها تبكي لأنه رآها كند أصابه بالقهر.. وتمنى ألا تبكي لأنها تبقى في الختام مجرد امرأة لا ترضى رجولته بدموعها ولكنها في كلا الحالين لم تبكِ.. ولكنه شعر من ارتعاش يدها بل جسدها كاملا أنها نضجت تماما من الرعب والحرج والجزع والتوتر.. لذا هتف بثقة وهو مازال يمسك بيدها: عشان تعرفين دايما أشلون تتكلمين على قدش وما تفكرين يوم تحطين رأسش برأسي.. أحيانا لساني وكلامي يكفوني عن كل شيء.. ووقتها بتمنين إنش مازعلتيني.. لأنش ما بعد جربتيني يوم أزعل.. ولا الكلام اللي أقوله أشلون ممكن يوجع.. وكل مرة بيكون الرد على قد سواتش.. يعني أكيد عقب عرسنا.. ماراح يكون أني أحرجش بمسكة يدش.. كاسرة انتزعت يدها منه وهتفت بهدوء تخفي خلفه غضبا عاتيا: من قال أحرجتني.. عادي.. ماخذت إلا حلالك.. وشيء ما يغضب ربي ماعليه منقود.. ثم هتفت بحزم وهي تستعد للنزول: وعلى فكرة حط في بالك أني ماحد يقهرني ولا يذلني.. ولا يخطر في بالك ولو لثانية أني بأصبر عليك لو أنت تجاوزت حدودك معي اعرف أشلون تحترمني.. لأنه زواج بدون احترام مستحيل يستمر وعلى فكرة بعد.. ترا أرخص تصرف يسويه رجّال إنه يخضع مرته لرغباته بالقوة الجسدية اللي هو يدري زين إنها ما تقدر تجاريه فيها كاسرة شدت عباتها عليها ونزلت.. وهي تغلق باب السيارة خلفها بكل هدوء.. بينما كانت تتمنى لو أغلقتها بكل قوتها وعلى رقبة كساب لو استطاعت في الوقت الذي كانت عروق كساب اشتعلت بغضب عارم وهو يراها تدلف البيت بخطوات واثقة.. بقي للحظات واقفا في مكانه.. حتى وصلت كاسرة لغرفتها.. نظرت عبر النافذة لا تعلم لماذا لتجده مازال واقفا.. أشاحت عن النافذة بنفور شديد.. وهي تخلع ملابسها المبتلة.. عشرات الأفكار كانت تدور في المخيلتين في ذات الوقت تلوح في الأفق صورة قاتمة لحياة زوجية ستكون سلسلة متصلة من المشاكل كلاهما أصبح يعرف عناد الآخر وقوة بأسه.. كلاهما بدا للآخر مخلوقا غير قابل للتعاشر.. ويبدو بالفعل أنهما يتجهان لنهاية متوقعة قبل أن تبدأ حياتهما الزوجية " هل يفكران كلاهما بالطلاق قبل أن يتزوجا فعليا!!!" ************************** " ما أشوفش كلتي شيء؟؟ " عفراء بابتسامة: أعذرني بس بصراحة ما اقدر أكل من طبخ هنودك.. ما أدري عن نظافتهم.. وبعد أذنك بكرة بأجيب شغالتي وبنطبخ في المطبخ الداخلي.. أبي أطبخ لك أنا منصور بفخامة: جعلني ما أخلا من الطبخ وراعيته.. ولا تشاورين في بيتش.. لولا إني عزايمي كثيرة وإلا كان سفرت الطباخين.. وما أبي أتعبش تطبخين لذا الأمة .. كفاية أذوق أنا اللي بتسوينه بيدش.. الحين أنا من أمس كلمت مقاول بيفصل بين البيت والمطبخ الخارجي بطوفة عشان يصير اتصاله بالمجلس الخارجي وبس وأنتي تأخذين راحتش في بيتش عفراء بحرج: كني سويت لك ربكة في بيتك؟؟ منصور بشفافية: ياحلوها الربكة اللي منك.. صار لي زمان وحياتي صاخة جامدة.. ذبحني الروتين.. ثم أردف وهو يتذكر شيئا: ترا كساب وعلي كلهم كلموني يبون يجيون يعني مسوين فيها ذربين ويستأذنون.. علي عادي تلبق عليه الذرابة بس كساب لا.. قلت لهم تعالوا أي وقت.. قالوا بيجون عقب العشا عفراء تقف وهي تهمس برقة: ومزون بعد بتأتي بعد المغرب.. ****************************** " ياي يا سوسو لو تشوفين الأكشن اللي صار اليوم زين لحقت على شنطتش وتلفونش سليمين وجبتهم.. بس جد أحلى شيء الإجازة اللي خذناها لين يلاقون لنا مبنى جديد وإلا يرممون مبنانا بس ماشاء الله أنتي اللي إجازتش صارت طويلة من قلب 3 أسابيع قبل الزواج وأسبوعين عقبها وعقبها إجازتش السنوية ماشاء الله" كاسرة تتنهد وتهتف بعمق: ماظنتي أني بأخذ ذا الإجازة كلها فاطمة بمرح: إلا تأخذينها ونص.. يستاهل أبو زايد من يتفرغ له.. عقب اللي سواه اليوم تخيلي.. تخيلي.. ياربي.. رياجيل الأطفاء ما قدروا يدخلون المبنى وهو دخل عشانش الله أكبر على عيون البنات طلعت من مكانها وهو نازل شايلش كل البنات يسألوني (هذا رجّال كاسرة؟؟) والله ماعلي منهم.. كبرت في وجيهم .. ومسكت في حلوقهم لين كلهم قالوا ماشاء الله ولا وحول ولا وقوة إلا بالله كاسرة بسخرية: من جدش؟؟ على شنو ياحسرة؟؟ على البودي جارد اللي الله أرسله لي؟؟ فاطمة باستغراب: اشفيش يا بنت الحلال.. أنتي اللي من جدش.. كاسرة تنهدت بعمق أكبر ثم هتفت بحزم: ترا يوم قلت لش يمكن ما أخذ الإجازة كلها ترا كنت أقصد أني أفكر أنهي سالفة العرس كله قبل يصير.. بس اللي هامني في الموضوع كله جدي.. ما أبيه يأخذ على خاطره وأنا وافقت علشانه.. لكن الحياة مع ذا الشخص مستحيلة فعلا فاطمة شهقت بعنف: قسما بالله أنش استخفيتي.. يوم الله هداش وأخيرا وافقتي على واحد ..تبين تطلقين أنتي عارفة وش الجريمة اللي تبين تسوينها في روحش ذا السنين كلها تردين الخطاطيب.. وعقبه يوم الله هداش وتملكتي تبين تطلقين يمديش على السمعة الحلوة اللي بتطلع عليش.. كاسرة بحزم: ما يهمني كلام الناس.. أنا الحين يهمني جدي أشلون أمرر السالفة بدون ما يدري بشيء فاطمة كسّاب واحد ما ينتعاشر.. والله العظيم ما ينتعاشر.. فاطمة بغضب: وش العيب اللي فيه؟؟؟ ماشفت منه إلا مواقف تدل إنه رجّال فيه خير.. إلا رجّال مافيه اثنين في حميته وشجاعته.. كاسرة بتهكم: وانا أبي لي واحد يشتغل لي بودي جارد..؟؟ أنا أبي زوج.. ثم أردفت بنبرة صوت أهدأ: اسمعيني فاطمة.. يمكن كسّاب كرجّال بشكل عام مافيه عيب ويمكن كزوج لوحدة غيري تحمد ربه عليه... لكن أنا شخصيتي ما تمشي مع شخصيته لما وافقت عليه عشان جدي.. قلت سنه صغير مهوب مشكلة.. أستحمل وأكبر عقلي.. لكن لما شفته وتعاملت معه..تأكدت إنه مافيه أي فرصة للتفاهم بيننا تقابلنا بس مرتين وقامت بيننا حرب.. وجرَّحنا في بعضنا فوق ما تتخيلين أشلون عقب حياتنا بتكون...؟؟؟ أنا والله أفكر في المستقبل.. بكرة بيكون بيننا عيال.. وطبايعه صعبه ودمه حامي وعلى أقل سبب ممكن يثور ويهدد ويتوعد وتعامله قاسي ومتحفز.. بصراحة ماني بمستعدة اقضي الباقي من حياتي في عذاب عشان واحد ما يستاهل ********************************* " أشفيك سرحان؟؟" كساب يتنهد بحزم: فيه شوي قررات تنطبخ في الرأس منصور بحزم مشابه: ممكن نعرف وش هالقرارات اللي شاغلتك؟؟ كسّاب بنبرة أقرب للسخرية: أفكر أطلق.. منصور بجزع: أنت تزوجت عشان تطلق.. وش ذا الخبال.. بنات الناس لعبة عندك كساب بحزم: محشومين بنات الناس.. بس إذا كانوا بنات الناس على قولتك ما ينفعون يكونون ربات بيوت وش حادني على الغثا؟؟ منصور بنبرة متهكمة: جبان يعني؟؟ تبي تهرب من الحياة الزوجية قبل تجربها حينها وقف كساب وهو يصر على أسنانه: ما أسمح لك ياعمي تقول عني جبان منصور يشير له بيده أن يجلس ويهتف بحزم شديد: ألف مرة قايل لك صوتك ما يرتفع علي وإيه جبان وألف جبان.. تبي تهرب من المواجهه قبل تصير حتى يا أخي على قولتك (كل السالفة مرة).. وش فيها المرة مخوفتك يعني حينها رد عليه كساب ببرود حازم: عمي مهوب أنا اللي أخاف من ألف رجّال عشان أخاف من مرة لكن ياعمي المرة ذي بتصير أم عيالي.. لو ما فكرت في نفسي بأفكر في عيالي عقب.. قاطع حوارهم صوت عفراء الحنون وهي تضع صحنا يحتوي عدة كاسات من العصائر المتنوعة ومزون خلفها تضع صحنا آخر: اشفيك يابو زايد شكلك مزعل كساب؟؟ منصور ينظر لكساب ويهتف بنبرة مقصودة: أنا وولد أخي لا تحاورنا.. حوارنا حاد شويتين الله مهوب هادينا لين روسنا تكسّر.. حينها وقف كسّاب وهو يهتف بحزم: لازم أروح.. وراي شغل والحقيقة أنه لم يرد أن يتطور الحوار بين بينه وبين عمه وأمام خالته ومزون.. فكلاهما متحفز حاد العبارات لأبعد حد حينما يغضب أو ينفعل أو يحتد.. عفراء برجاء: وين بتروح يأمك.. توك جاي.. وحتى علي مابعد وصل كسّاب يمد يده بكيس فخم كان جواره ويهتف بمودة: على جاته شغلة ضرورية وما ظنتي إنه بيجي والوقت تأخر كذا.. ثم أردف وهو يقبل رأسها: وهذي هديتش وسامحيني عالقصور عفراء تناولتها بخجل وهي تهتف له بحنان: زين يأمك تغدوا عندي كلكم بكرة.. كسّاب بهدوء مقصود: لا جعلني فداش.. اخذي راحتش أنتي وحضرت العقيد.. لأن العقيد شكله مهوب طايقنا.. قال العبارة الأخيرة بنبرة مقصودة وهو ينظر لعمه.. عفراء تنظر لمنصور ثم تنظر لكسّاب وهو تهمس برقة: تدري بغلاك عند حضرت العقيد وإن قال شيء ضايقك فأكيد عشان مصلحتك... حينها اقترب منصور وهو يضع أطراف أصابعه على كتفها ويهتف بابتسامة: الله لا يخليني من اللي ترقع لي.. عفراء حركت كتفها بحرج لكي يزيل يده عن كتفها ولكنه لم يستجب لحركتها المترجية بينما كسّاب كان يستعد للخروج ويبتسم: لولا ترقيعة بنت محمد وإلا كان علوم مزون حينها همست باختناق: كسّاب ممكن تأخذني معك..؟؟ كسّاب نظر لها بحدة.. ولكنه بعد ذلك هتف بحزم: أنتظرش برا فهو شعر بحرجها أن تبقى مع العريسين الجديدين بعد أن تأخر الوقت.. وقرر أن يأخذها معها من باب الذوق معهما وليس معها.. مزون ارتدت عباءتها وهي تقبل عمها وخالتها وتخرج على عجل.. بينما عفراء انشغلت بجمع الأطباق والكاسات.. منصور شدها لتجلس جواره وهو يهتف بحزم: خليهم.. إذا صرت موجود لا تنشغلين عني بشيء.. عفراء بحرج: إن شاء الله مع إن ما اسمي هذا انشغال أساسا.. أشلون لو انشغلت فعلا.. منصور مد كفه ليمسك بكفها وهو يمر أصابعه على كل أصبع من أصابعها ويهتف بمودة مختلطة بحزمه الطبيعي: أنا أكثر وقتي أصلا مشغول.. فشوي الوقت اللي بأكون فيه عندش أتمنى تكونين متفرغة لي أنا وبس.. عفراء التفتت له وابتسمت: بصراحة ديكتاتوري.. منصور مد سبابته ليمسح على طرف خدها وهو يهمس بخفوت: زين عرفتي من أولها أني ديكتاتوري لأن الديكتاتوري مايستحمل حد يخالفه.. عفراء أمسكت يده التي تمسح وجهها وأنزلتها بجوارها برقة وهي تهمس بذات الرقة أيضا: زين ياحضرت الديكتاتوري يا ليت ما تحرجني مرة ثانية قدام عيال أختي .. أحرجتني يوم حطيت يدك على كتفي.. حينها شدها منصور ليقبلها بولع دافئ وهو يهمس في أذنها: زين لو مسوي كذا قدام عيال أختش وش كان سويتي؟؟ ترا كل السالفة كفي على طرف كتفش بحركة عفوية.. ماقصدت شي عفراء تتخلص من حضنه بحرج .. مازالت تحتاج مزيدا من الوقت للتعود على جرأته التي تجده يغمرها فيها دون مقدمات أو تمهيد مازالت في طور التعود على محض وجود رجل في حياتها... فكيف بهذا الرجل الذي لم يمنحها وقتا للتعود حتى وهو يفرض نفسه على كل شيء ويريد امتلاك كل شيء فيها: ماعليه أبو زايد.. تكفى حتى يدي ما تمسكها قدام أحد.. ***************************** في خارج بيت منصور مزون تركب بجوار كساب بتردد.. هيبة الموقف ألجمت كل أحاسيسها.. أربع سنوات مرت لم تجلس مطلقا في هذا المكان بعد أن كان مكانها المفضل في كل مكان تخرج إليه... تعلم أن كل المدة التي ستجلسها جواره لن تتعدى دقائق فبيتهما قريب جدا تمنت أن يحدث شيئا يجعل هذه الدقائق تمتد وتمتد لم يوجه لها الحديث مطلقا ونظراته ثابتة على الطريق أمامه.. بينما كانت تسترق النظرات له.. تحاول أن تعرف ما الذي تغير.. من أين جاء بكل هذه القسوة؟!! كيف تغير هكذا؟؟ تأخذ لها نفسا عميقا.. حتى رائحة عطره تغيرت.. سيارته وحتى غرفته دائما مثقلة برائحة عطره الفاخر الثقيل الذي تبدو رائحة دهن العود هي الغالبة فيه.. بعد أن كان يفضل رائحة المسك.. كانت تود أن تسرق من هذا الزمن لحظات تعيد لها شقيقها الأثير ولو لحظات.. ولكن اللحظات انقضت سريعا.. كلمحة بصر لتتفاجأ بهما يصلان سريعا ويقفان في باحة بيتهما..شعرت بقلبها يهوي بعد لحظات سعادة يائسة مبتورة لم يكلمها وهو يستعد للنزول.. همست بصوت مختنق: كسّاب ممكن تعطيني ميدالية مفاتيحك؟؟ كساب حينها التفت لها بحدة: نعم؟؟ مزون باختناق: دقيقة وحدة وأرجعها لك.. كساب كان سيرفض قطعا.. ولكنه شعر بالفضول (لماذا تريد مفاتيحه؟) لذا أخرجها من جيبه وأعطاها له ببرود والسبب الآخر الذي ينكره على نفسه.. أنه لم يستطع ردها وهي تطلب هذا الأمر التافه بهذه النبرة الموجوعة.. فهو كان يقاوم في داخله رغبة أعمق.. وركوبها جواره يعيد له ذكريات قديمة.. أثيرة.. تبدو مشوشة غائمة خلف ضغط الجرح والتجريح مزون أخرجت من حقيبتها ميدالية أخرى.. نزعت ميداليته بحركة سريعة رشيقة ووضعت مفاتيحه في الميدالية الجديدة همست بضعف وهي تعيد المفاتيح له وتستعد للنزول: هذي هدية ملكتك.. شيء بسيط كنت بأعطيك إياها في علبتها مغلفة .. بس كنت عارفة إنك ماراح تفتحها حلفتك بالله ما تشيل مفاتيحك منها.. تراها قطعة حديد لا تأكل ولا تشرب ويارب أنك تقدر تحتوي صاحبة الحرف مثل ماحرفك احتوى حرفها تراها تيتمت صغيرة ومهما بدت للناس قوية.. تبيك تكون أقوى وأحن مزون أنهت عبارتها ونزلت.. بينما كساب تنهد بعمق وهو ينظر للميدالية البالغة الأناقة والفخامة والرقي .. بلاتين وجلد أسود.. على أحد وجيهها اسم ماركة عالمية شهيرة جدا وعلى الوجه الآخر حُفر على البلاتين حرفين كلاهما K الإنجليزي أحدهما كبير ويحتوي في داخله حرف K أصغر بطريقة فنية رائعة.. ابتسم كساب بسخرية مريرة موجوعة تنزف مرارة سرمدية لا حدود لانغراسها في روحه: احتويها وأنا ما أحتويتش؟!! إنا مخلوق صعب التعامل معي.. وقلبي أسود.. إذا أنا ماقدرت أحتوي الغالية اللي كانت قاعدة جنبي إذا انا ماقدرت أسامحها وهي أغلى من أنفاسي وأشلون وحدة ما أعرفها.. جايتني تظن إنها تقدر تفرض علي اللي هي تبيه أسهل ماعلي إني أكسر رأسها.. أخليها ما تسوى.. أعرفها حجمها وحدودها أخليها تعرف إنها مالها في حياتي قيمة .. أروضها وأمشيها على الصراط المستقيم لكن أنا ما أبي أقهر لي مره ثانية.. كفاية حسرتي بقهر مزون.. وقهري بحسرتها رفع يده ينظر للميدالية وهمس بحنان عميق مثقل بالوجع : بأخليها عشانش يامزون.. وإلا صاحبة الحرف ماتستاهل إلا اللي يدعس خدها خلاص باعتبرها أحرف اسم شركتي.. . . . آه يا مزون لو تعلمين كم أعاني بعذابي المخفي في أعماق لم يصلها أحد.. كم أعاني من ألم النكران والجرح ولبس ثياب التجاهل!! إذا كان جرحي في قلبك لا يتوقف عن النزيف فقلبي مطعون منك على الدوام إن كانت الطعنة قد انتهت عندك وبقي فقط ألمها ماثلا ينزف فأنا أشعر أن سكينك ماغادرت قلبي يوما ووهي تتحرك بشفرتها في كل الاتجاهات.. تقطع شرايين قلبي بلا رحمة هل تتصورين هذا الألم؟؟ هل تتخيلينه؟؟ أ لم يكن هذا ما فعلته مابي وأنتي تبعثرين كرامتي وكل محبتي لك دون أي اهتمام أو رحمة؟!! لذا أنا عاجز عن الغفران.. عن المسامحة. كيف أغفر أو أسامح من سكينها مازالت تغرسها بقلبي مهما حاولنا كلانا انتزاعها.. فالسكين رشقت في مكانها... وأبت أن تغادر كيف تغادر وأنتِ من تأكدتِ الآف المرات أنكِ غرزتها حتى أعمق الأعماق؟؟ كيف تغادر وأنتِ من تأكدتِ أنكِ ثبتها في مكان لن تصل له يد رحمة أو غفران؟؟ . . . قبل أربع سنوات.. تنزل الدرج متألقة.. سعيدة.. محلقة.. مغرقة في شفافية عميقة.. محاطة بالاحتواء والحنان وكل ذلك انعكس على روحها وحتى إحساسها بشكلها ومع نزولها للدرج كان يدخل هو من الخارج يحمل بيده كيسا بالغ الفخامة.. التقت النظرتان والابتسامتان.. تلاقيا في منتصف الصالة ..قبلت رأسه بمودة خالصة: وينك مختفي اليوم؟؟ اشتقت لك.. يجلس وهو يشدها جواره ويهتف لها بابتسامة حانية: رحت أجيب هديتش.. همست له بخجل: قلت لك مالها داعي.. ما أدري ليه سويت ذا الهدية قضية الشرق الأوسط يحتضن كتفيها ويقبل رأسها وهو يهتف بمودة مصفاة: ابي وعلي وحتى عمي وخالتي وجميلة كلهم جابوا لش هداياهم إلا أنا قدني متفشل من روحي.. بس شاسوي كنت أبي لش شي غير.. هذي هدية الثانوية العامة وأنتي بعد غير شكل بيضتي وجهي من قلب ما تخيلين وناستي الله يونسش بالعافية.. أنا يوم خلصت ثانوية ولا حتى الجامعة عقبها ما فرحت حتى واحد على ميه من فرحتي بنجاحش.. فقلت لازم الهدية على قد النسبة اللي جبتيها وعلى قد فرحتي أنا فيها.. صار لي أسبوع ماخليت محل في الدوحة مافليته فل.. مزون بتأثر عميق: الله لا يخليني منك.. ليه تكلف على نفسك كذا.. كساب بمودة: وش كلافته؟؟ عيب ذا الكلام... المهم خلني أكمل لش الفيلم الطويل اليوم ثالث مرة أجي نفس المحل.. فالبياع مستغرب مني.. يقول لي أنت وش تدور؟؟ صار لك كم مرة تجي.. لو تحب ساعدناك قلت له أبي هدية ماجا مثلها في الدوحة.. لأحلى وأشيخ بنت في الدوحة فطلع لي هديتش هذي .. كان على قولتها مخبيها لزباين خاصين.. ثم أردف وهو يبتسم: بس جد سويتي لي خلل في الميزانية... على الراتب اللي إبيش يعطيني عقب هديتش بتشوفيني أطر على بيبان المساجد مزون تبتسم: يا النصاب أدري عندك فلوس غير عن ورثك من أمي.. وبعدين أنت يأما تقول لابي يزيد راتبك أو تسوي لك أنت بيزنس خاص فيك.. كساب بجدية: ما أقدر أطلب من إبي كذا ولا أخليه بروحه في الشركة.. لأني فاهم ليه هو يسوي كذا إبي يبي يحكني.. يبيني أبدأ من أول السلم وأعرف الشغل صغيرة وكبيرة يعني من أول ما اشتغلت معه عقب التخرج قبل 4 سنين لين الحين صار عندي فرق شاسع في الخبرة.. مزون بحنان: بس جد أنا شايفة إبي يزودها عليك.. وخصوصا إني عارفة طبعك حاد شويتين.. كساب يبتسم: أنتي اللي قلبش رهيف... لو إبي ما سوى كذا أشلون باتعلم.. والطبع الحاد إلا لازم يظهر بس أكيد مهوب مع إبي.. كفاية علي ما يبي يشتغل معنا.. مخه مافيه الا السياسة.. ثم أردف باهتمام: إلا خلينا في المهم... الحين أنتي وش قررتي تدرسين؟؟ صمتت مزون باختناق.. كساب يستحثها للحديث: ها يا قلبي.... لا تكونين ما بعد قررتي؟؟ مزون جفت الكلمات في حنجرتها: إلا قررت... إبي ما قال لك..؟؟ كساب باستغراب: ومن متى كان فيه وسيط بيني وبينش؟؟ وليه إبي يقول لي؟؟ أبي أسمع منش مزون نهضت من جواره وجلست في كرسي مقابل له وهتفت بأحرف مقطعة: أبي أدرس طيران.. حينها انفجر كساب ضاحكا: حلوة ذي يا بنت.. طيران مرة وحدة... إلا ما تبين تدخلين الجيش مع عمي منصور بالمرة؟؟ مزون باختناق أكبر: كساب أنا من جدي.. أبي أدرس طيران حينها تغير وجه كساب للجدية: مزون يا قلبي السوالف ذي مافيها مزح.. مزون ابتلعت ريقها: وأنا ما أمزح حينها تنهد كساب بعمق ثم وقف وجلس جوارها احتضن كفها في كفه ثم هتف لها بعمق أخوي شاسع: يا حبيبتي أنتي .. اسمعيني... أدري إنه أحيانا ممكن يطري على الواحد أفكار مستحيلة أو صعب تحقيقها.. أنا وأنا بزر تمنيت أكون رائد فضاء ...ويمكن أنتي تمنيتي تكونين كابتن طيار بس الواحد يوم يكبر يشوف شنو ظروفه وإمكانياته تسمح له.. التحدي حلو.. والمجال الصعب مطلوب.. والاستثنائية أكيد مطلب لوحدة متفوقة مثلش واللي تبينه على رأسي وعيني.. بس مهوب طيران عاد... تبين طب؟؟.. هندسة..؟؟ حاضر... وأنا اللي بسافر معش لين تخلصين دراستش... تدرين إني ما أقدر أخليش تغيبين من عيني أنا باروح معش بدل السنة عشر سنين...تدللي مزون غير مقتنعة بما قاله لذا همست بذات اختناقها: وتعطل حياتك كلها عشاني؟؟ أنت وش حادك تتغرب؟؟.. بأدرس هنا.. وإبي ما عنده مانع كساب يعاود التنهد ويهتف بثقة: ماعليش مني ماراح تعطليني من شيء.. بأحضر معش ماجستير ودكتوراة ويمكن أسوي بيزنس هناك بأصرف روحي... المهم أنتي.. أما إبي فمستحيل مايكون عنده مانع.. أكيد إنه يظنش تمزحين.. مزون حنجرتها جافة لأبعد حد: إبي يدري إني ما أمزح... وأنا مصممة على ذا التخصص حينها هتف كسّاب باستغراب: نعم؟؟ مصممة؟؟ وإبي يدري..؟؟ ثم أردف بنبرة عدم تصديق: مستحيل أصدق ذا الخرابيط أصلا... بنت زايد آل كساب كابتن طيار مع الرياجيل كتف بكتف..!! مزون حينها هتفت بثقة: والله أنا تربيت عدل وهذا شيء أنت واثق منه... وفيه شغلات واجد فيها اختلاط حتى الطب والهندسة اللي أنت تعرضهم علي كساب بحزم: لا لا تألفين على كيفش... مافيه شغلة مثل الطيران.... أقل شيء فيها أنش بتسافرين بدون محرم... وإلا كابتن طيار بتأخذ محرمها في كل رحلة...؟؟ وبعدين في الطب ممكن تصيرين طبيبة نساء... أطفال.. وما تسوين شيء يغضب ربش والهندسة مع أنها فكرة صعبة... بس بعد ممكن الواحد يخليها تتناسب مع ظروفه.. الحين وش كثر سيدات الأعمال النسوان.. بنسوي لش شركة نسائية يعني في كل حال احنا نقدر نتحكم بالوضع لكن الطيران لا.... مجتمع مفتوح ومختلط لأبعد حد... شوفي أنا هذرت ذا كله... وأنا متأكد إنش مستحيل تكونين تكلمين من جدش مزون تنهدت بعمق ثم هتفت بتصميم: وأنا أتكلم من جدي.. من حقي اختار المجال اللي أبيه حينها وقف كساب هتف بحزم: وأنا مستحيل أوافق على ذا الخبال.. مزون بحزم: مهوب من حقك ترفض.. هذا مستقبلي أنا.. كساب بصدمة حقيقية: مزون هذي آخرتها؟؟.. توقفين في وجهي عشان موضوع ما يستاهل؟؟.. لو أنا منعتش من الدراسة كلها.. لش حق تعترضين لكن أنا أعطيش ألف خيار وأمنعش من خيار واحد أدري إنه ما ينفعش.. ليش العناد ذا؟؟ مزون برجاء: كساب تكفى لا تعقدها كذا.. كساب بنفس النبرة المصدومة: أعقدها؟؟ هي أصلا متعقدة بدون شيء.. مزون بتصميم: إذا بغيت أنت ما تعقدت.. حينها هتف كساب بحزم شديد: وأنا ما أبغي ذا السالفة كلها... وسكري ذا الموال كله ولا عاد أسمعه عندش مزون تنهدت بعمق ثم هتفت بحزم: وأنا ما عندي غير ذا الموال.. حينها وقف كساب ثم أوقفها... نظر في عينيها بشكل مباشر ثم هتف بصرامة: وأنا أقول لش يا أنا... يا ذا الخبال اللي في راسش أنا والله لحد الحين أظنش تمزحين لكن لو على فرض إنش جادة.. هذا أنا أقول لش لو دخلتي ذا التخصص انسي إن لش أخ اسمه كساب وأظني إنش تعرفين إني واحد ما أهدد.. ويوم أقول شيء أكون قاصده . . . بعد ذلك بعدة أيام الجو في البيت مكهرب لأبعد حد... الكل يحاول ثني مزون عن هذا التخصص وأولهم عمها وخالتها.. كساب كان ثائرا لأبعد حدود... وأكثر ما يؤلمه أنه بعد كل هذه السنوات التي قضاها أما لها وأبا تختار عليه شيئا تافها.. يحاول أن يجد لها عذرا ولكنه لا يستطيع.. لا يستطيع.. فجرحها في قلبه كان عميقا جدا.. (أعلمه الرماية كل يوم..فلما اشتد ساعده رماني) أن يكون قد أوقف كل حياته الماضية من أجلها.. كانت هي الأولوية في حياته لا يغادر الدوحة إلا في أضيق الحدود حتى لا يتركها تكون هي رقم واحد حتى على احتياجاته الخاصة... منذ أن تخرج من الجامعة وهو يتمنى لو أكمل دراسته العليا ولكنه أجل الموضوع بل مستعد لإلغاءه من أجلها ثم في أول موقف ينتظر منها أن تثبت له أن تضحياته من أجلها لم تذهب سدى لم يطلب منها شيئا كبيرا حتى... رفض فقط تخصصا لا يناسبها وفتح لها كل الأبواب عداه.. ولكنها لم ترد سوى هذا الباب بل وتفضله عليه فأي حزن أسود غرق فيه قلبه؟؟ مازال لديه أمل أنها قد تتراجع.. مازال لديه أمل أنه في النهاية سيكون له بعض الاهتمام عندها رغم أنها جرحته ومزقت شرايين قلبه بسكين صدئة ..ولكنه مستعد للمسامحة.. من أجلها مستعد للغفران.. لا يستطيع أن يصدق أنها فضلت عليه شيئا تافها كهذا.. ومع ذلك هو مستعد لتناسي هذا الجرح العميق المهم ألا تستمر في جنونها هذا!! . . هو وعلي يجلسان في الصالة السفلية ينتظران حضور زايد ومزون.. في قلب كل منهما أمل عميق أن تنتهي هذه المشكلة التي عصفت بأمان بيتهم.. فور أن دخلا من الخارج كساب وعلي كلاهما قفزا.. علي سأل بحذر: من وين جايين؟؟ زايد تنهد بعمق ثم أجاب بحزم: من كلية الطيران .. سجلنا مزون.. حينها صرخ كساب بانفعال كاسح: يعني خليتها تسوي اللي في رأسها.. خليتها تسوي اللي في راسها؟!!! مزون انكمشت واختبئت خلف زايد.. بينما علي توجه ناحيتها وهو يهمس لها بحنو: مزون عاجبش حالنا... ما يسوى علينا ذا التخصص أكثر ما أكثر الله الجامعات والتخصصات... اختاري اللي تبين حرام عليش أنا وكسّاب.. على الأقل فكري في شكلنا قدام الناس.. فكري بالكلام اللي بينقال عليش وأنتي بنت كل شيء بيأثر عليش مزون بتصميم وهي تسند جبينها لكتف زايد من الخلف: ماعلي من الناس.. حينها هتف علي بألم عتب شفاف: وحن بعد ماعليش منا؟؟ مالنا اهتمام عندش مزون بضيق عميق: أنتو مكبرين السالفة وهي صغيرة... أنا ما أشوف فيها شيء.. حينها انتفض كسّاب بعنف وهو يشدها ليتناولها من خلف زايد ويصرخ فيها بنبرة مرعبة: ما تشوفين فيها شيء؟؟ ما تشوفين فيها شيء؟؟ مزون انكمشت مع انقضاض كساب عليها بينما زايد لطم يد كساب التي تمسك بمزون وخلصها ليعيدها خلفه وهو يصرخ بنبرة مرعبة: وبتمد يدك عليها وأنا واقف مالي احترام ولا تقدير كساب يصرخ بكل وجيعة العالم وقهره: وبأكسر رجلها بعد... والله ما أخليها تروح ذا الكلية... زايد بحزم مرعب: إلا أنت اللي والله ثم والله لأدري إنك مديت اصبعك عليها إنه زعلي عليك دنيا وآخرة حينها بدأ كسّاب يصرخ بانفعال لا حدود له.. لا مقياس له.. غضب مجرد .. قهر مجرد.. حزن مجرد: تبون تقهروني؟؟ تبون تقهروني؟؟...خافوا الله فيني.. أنا وش سويت فيكم..؟؟ وش سويت فيكم.؟؟.. والله لو أني عدو ما تسون فيني كذا هي.. سنين عمري كلها وأنا حاطها فوق رأسي ومبديها على خلق الله وأنت.. طول عمري وأنا عصاك اللي ما تعصاك... وش سويت فيكم تسوون فيني كذا..؟؟ كساب كان يرتعش من الغضب والانفعال ووجهها يكاد يتفجر من الاحمرار والغضب والكلمات تتناثر كبركان ثائر من الغضب والقهر والانفعال علي التزم الصمت من شدة تأثره والكلمات تختنق في حنجرته.. ماعاد للكلمات معنى!! ماعاد للكلمات معنى!! بينما مزون بدأت تبكي وهي تنشج وتقول: كساب تكفى لا تسوي في روحك كذا والله السالفة بسيطة.. حينها صرخ بها كساب بكل انفعال الكون: خلاص شايفتها بسيطة.. خليها.. أنا لآخر مرة أقول لش يأنا.. ياذا الدراسة.. اختاري الحين مزون بألم عميق: كسّاب تكفى لا تقارن نفسك بشيء ما يسواك عندي.. بس في نفس الوقت ما أقدر أخليه.. أنا خلاص مستحيل أخلي الطيران.. كساب يصرخ بثورة هائلة: وانت يبه من جدك موافقها..؟؟ زايد بهدوء يخفي خلفه أملا وألما شاسعين.. فهو ممزق.. ممزق بينهم: أنا قلت لها وقدامكم أكثر من مرة إنه ذا التخصص ما ينفعها.. بس هي لزمت وقالت ماتبي غيره.. وأنا يوم وعدتها أخليها تدخل اللي تبي ماكنت أدري إنها تبي ذا التخصص والحين هذا أنا أقول لها قدامكم للمرة الأخيرة: يا أبيش ترا الفرصة قدامش تراجعين.. التخصص ذا ما ينفع لش وأخوانش زعلانين منه مزون باختناق: يبه أنت وعدتني.. وعدتني.. زايد بحزم: وأنا ما أرجع في وعدي.. وتدرين بذا الشيء زين... لكن لا تخلين وعدي لش سيف على رقاب أخوانش مزون تنشج وهي تخفي وجهها في عضده: يبه تكفى ما تحرمني من حلمي اللي أبيه.. أنت وعدتني.. زايد يتنهد بعمق مرير ثم يربت على خدها: خلاص يا أبيش خلاص.. لا تبكين.. ما تضامين وأنا راسي يشم الهوا.. كساب يصرخ بصدمة مريرة موجوعة: قد ذا اللي الله قدرك عليه (لا تبكين يا أبيش) خلها تبكي بدل الدموع دم.. بكرة بتدري إن حن كنا نبي مصلحتها.. تكفى يبه لا تطاوعها.. تكفى.. مزون تنشج: تكفى يبه ما تردني من شيء طول عمري أحلم فيه.. زايد بصرامة : خلاص الحكي خلص... مزون بتدخل اللي هي تبي... وإن شاء الله ما يلحقها شر وأنا وراها حينها انحدرت نبرة كساب بألم شديد: تكفى يبه.. تكفى.. طالبك طلبة.. طالبك ماتخليها تدخل ذا الكلية.. رد عليه زايد بنبرة باردة صارمة تفيض صقيعا مدروسا: أظني إني عادني حي.. وشورها في يدي وأنا قلت لها إذا جابت ذا النسبة .. بأخليها تدخل اللي هي تبي حينها انهار كساب على ركبتيه..وانكب على يد والده يقبلها.. وهمس باستجداء موجع.. موجع حتى عنان السماء.. موجع حتى نهايات الوجع الموغلة في اليأس والألم والتشبث بمعاني رجولته البدوية الغالية: تكفى يبه لا تخليها تفضحنا.. تكفى.. والله ماعاد أطلب منك شيء في عمري كله بس لا تردني.. تكفى.. تكفى طالبك يبه.. طالبك طلبة يبه تكفى.. ما تهمك سمعتنا بين الناس؟!! زايد انتزع يده بحدة وهو يحترق ألما لهذا الجاثي المبعثر عند قدميه.. يود أن ينتزعه من الأرض ليزرعه بين النجوم.. أن يمحي نظرة الإنكسار الذابحة في عينيه فهو الذي علمه ألا ينكسر ولا ينحني ولا يتردد.. تركه جاثيا في مكانه وابتعد عنه ليهمس بثقة صارمة.. مرعبة.. نبرة من لا يهمه في الحياة سوى قناعاته هو: أنا ما يهمني حد وهي بتدخل اللي تبي ولا حدن بقاهرها وأنا رأسي يشم الهوا شيء ما في روحه انكسر.. انكسر.. انكسر وتحطم إلى فتات متطاير يحاول أن يجمع أشلاءه المتناثرة .. أن يقف مانعا نزيف روحه من الظهور علانية وتحل في عينيه نظرة آخرى.. مختلفة.. مختلفة تماما وقف وهو يمد قامته.. ثم هتف ببرود صارم موجوع: خلاص يبه لا تقهرها.. لا تقهرها.. خلها تدخل اللي تبي.. بس من اليوم اعتبروا كسّاب مات.. ومالكم شغل فيه أنا من اليوم مقدم استقالتي من شركتك وهي أنا مقدم استقالتي من حياتها... تنسى إن لها أخ اسمه كساب أدري إنها مسيرها تندم ومسيرها ترجع تدور رضاي بس من الحين أقول لش.. اللي انكسر يامزون ما يتصلح وأنتي وابيش كسرتوني.. كسرتوني . . . اليوم يتنهد كساب بألم.. يحاول أن يتناسى هذا الألم.. فلا يفلح.. لا يفلح يشد على ميدالية المفاتيح بين يديه بقوة حتى شعر بألم انغزازها في كفه عل الألم الجسدي يلهيه عن ألم الروح.. ولكن لا فائدة.. لا فائدة فهذا الألم لا يتزحزح ولا ينتهي.. ولا ينقضي.. يتنهد تنهيدة أعمق ثم ينزل من سيارته متجها للبيت.. ****************************** الوقت يقترب من منتصف الليل مازالت عاجزة عن النوم.. تشعر أن يدها مازالت تحترق بأثر قبلاته.. وصدرها ممتلئ برائحة أنفاسه التي دفعت في رئتيها الحياة اليوم والأهم من هذا وذاك إحساسها بالنفور الغريب من لمساته وأنفاسه.. نفور لا تعلم كيف تفسره.. نفور معقد مضطرب تخجل حتى من تفسيره لنفسها.. تشعر أن الحياة معه مستحيلة... لم تستطع احتماله حتى لدقائق فكيف لسنوات ومع ذلك فإن الأغرب فهو رغبتها الجامحة أن تجرب كيف ستكون الحياة بقربه فعلا هذا الرجل الغريب بجاذبيته وشخصيته .. المعقد في تصرفاته التي يصعب تفسيرها كما يصعب تماما تفسير إحساسها الغريب به.. شعرت أنها تريد أن تتقيأ وهو يقبل يدها ومع ذلك ويا لا الغرابة -رأسها يؤلمها حرجا من مجرد الفكرة- مع ذلك تمنت ألا يتوقف.. تشعر أنها تريد أن تدعك يدها حتى تسلخ جلدها لكي تمسح أثر قبلاته الذي التصق ببشرة يدها ومع ذلك أيضا تشعر برغبة بذات القوة أن تتلمس بزهر شفتيها مكان شفتيه الدافئتين على حرير يدها.. وقفت وهي تنفض رأسها وتشعر بالحرج العميق من أفكارها.. يبدو أن هذا الكساب يقودها لجنون فعلي لابد أن تنقذ نفسها منه.. يستحيل أن تسمح لنفسها بالانخراط في حياة عبثية مثل هذه ومع رجل يبدو عاجزا عن فهمها أو حتى احترامها محض طفل يبدو أنه سيتعامل معها كلعبة لن يتردد في تحطيمها إن لم تعجبه قرار ما يرتسم في قرارة فكرها.. توجهت لحقيبتها... بحثت في ثناياها عن شيء معين بثقة... فهي حين تقرر لا تتراجع.. لا تتراجع أبدا !! ************************** قبل ذلك بحوالي ساعتين... "هلا حيا الله أبو زايد.. مهوب عوايدك راجع بدري" كساب يلقي غترته جواره ويهتف بهدوء: أولا مهوب بدري الساعة 10 الحين..وأنا مابعد تعشيت أنتظر علي نتعشى سوا زايد يغير لقناة اقتصادية ويهتف بهدوء مشابه: عليكم بالعافية.. ادعوا مزون عقب تتعشى معكم توها داخلة من بيت عمها.. كساب بهدوء: أدري.. أنا اللي جايبها زايد شعر باستغراب عميق أشبه بالصدمة.. ومع ذلك لم يعلق مطلقا.. يعلم أن مجرد تعليقه على الموضوع سيجعل كسّاب يتحفز لذا تنهد بعمق وهو يدعو الله من أعماق قلبه أن يكون هذا الأمر دلالة لتحرك شيء من الصفاء بين مزون وكساب.. زايد أراد أن يُظهر الأمر كأمر اعتيادي لذا هتف بحزم: بكرة بأخلي مدير مكتبي يتصل بسكرتيرك عشان يحدد موعد توقيع العقد المحامي خلص من كتابة العقد.. كساب هز كتفيه وهتف بحزم مشابه: أجل توقيع العقد .. لأنه يمكن ما نوقعه زايد باستغراب عميق: ليش؟؟ كساب بهدوء واثق: لأني ولد سوق.. وأحسبها بعقلي.. صحيح أنت بتعطيني مشروع بيقفز بشركتي خطوة كبيرة قدام بس في نفس الوقت بتورطني في مشروع فاشل من أساسه زايد بذكائه لم يحتج أن يفهم ما يقصده كساب بالمشروع الفاشل لذا هتف بحزم: هذي مساومة تبيني أرفع قيمة العقد عشان تستمر في المشروع الفاشل على قولتك؟؟ كساب استرخى في مقعده وهو يهتف بحزم صارم: لا طال عمرك.. نبي نفسخ العقد بكبره اختيارك ماجاز لي .. وأبي أطلقها #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والعشرون يعود لغرفته وهو ينتفض غضبا نعت كسّاب بمختلف النعوت.. نعته أنه جبان وليس برجل و (رخمة) أ بعد أن أصبحت كاسرة زوجته يريد أن يتخلى عنها بسهولة؟؟ أي جنون يعصف برأس هذا الفتى؟!! أ يريد أن يقهره ؟!! لا يستطيع أن يجد له مبررا آخر.. فهو لم يعرف الفتاة بعد .. فلماذا هذا التحامل الشديد عليها؟؟ يستحيل أن يسمح له أن يفعل هذا بابنة مزنة..فزايد مازال لم يدخل المعركة بكامل عدته وعتاده لن يسمح له أن يكون السبب في خدش مشاعر مزنة وابنتها!! يبدو أن هذا الفتى لا يعلم بماذا ورط نفسه... بما أنه دخل المعمعة لن يسمح أن يتراجع.. لن يسمح له!! فهو من أدخل نفسه عرين الأسد!! يبدو أن هذا الفتى لا يعرف من يناطح بعد فهو سيناطح -إن استمر في جنونه- زايد بن علي آل كساب شخصيا نعم أمهله طوال السنوات الماضية وهو يرجوه أن يتزوج بينما هو يرفض لكنه الآن فعلها.. فعلها.. أصبح رجلا متزوجا.. وانتهى الامر وهو من وافق بكامل رضاه!! إذن فليحتمل ما سيلاقيه!! لم تنتهِ معركتهما الحامية إلا مع دخول علي عليهما.. وهو يقوم بدور المصلح ولكن كلاهما قرر الانسحاب لغرفته تلافيا لمزيد من الشد بينهما فكلاهما كانا على وشك الإنفجار ليتركا علي يبتسم ويهتف لهما بمرح شفاف: زين واحد منكم يتعشى معي يا عيال الحلال.. وش ذنبي أنا؟؟ . . كساب في غرفته يزفر بحرارة.. يخلع ملابسه ويقرر القيام بتمارين الضغط للمرة الثانية اليوم.. حتى يفرغ بعض طاقة الغضب المتزايدة في روحه " أنا الغلطان من البداية يوم وافقته.. خليت الحق يركبني.. حسسني إني الكسبان.. وفي النهاية مافيه خسران غيري" . "زين لو جينا للحق البنت مالها ذنب تسوي فيها كذا أشلون ترضى على مرجلتك تضر سمعتها لو طلقتها قبل العرس بأسابيع بس؟" . "بس ما أبيها .. ما أبيها ما تنطاق.. ما تنطاق!! دسم على الكبد.. ما تنبلع ولا تنصرط!!" . " ليه بتلاقي أحلى منها؟؟" . يبتسم : " لا تذكرني بس لا تذكرت عيونها وإلا شفايفها وإلا نعومة بشرتها أحس عظامي تبرد وكهرباء تمشي بجسمي" . " يعني عقب ذا كله تبي تطلقها ؟؟ وذا الزين اللي أنت لمسته بيديك يصير لرجّال غيرك؟؟" . يزداد سرعة في القيام بتمارين الضغط وهو يزفر بغضب: " أعوذ با الله منك يا أبليس.. فارقني قدام أقتل قتيل الليلة" . " ومن قال لك أنا أبليس.. أنا أفكارك اللي في عقلك الباطن أنت عادي فكرت تطلقها عشان تريح بالك من غثاها بس ما فكرت إنك إذا طلقتها بتأخذ حد غيرك" . "خذك ربي ياعقلي الباطن أنت وإياها" . . مع تزايد أفكاره تعقيدا كان يزداد سرعة في القيام بتمارين الضغط ارتفاعا وانخفاضا فهو فعلا لم يرَ فيها أي ميزة سوى الجمال.. فهل تكفي هذه الميزة لصنع حياة زوجية؟؟ يخشى أنه بعد أن يعاشرها حتى جمالها سيتحول إلى قبح في عينيه.. ولكن جمالها كان بالفعل من النوع الذي قد يصيب بالجنون والهوس.. أن يعلم أن كل هذا الجمال الذي لا مثيل له والذي كان له.. قد يصبح محرما عليه قبل أن يكون له فعلا ويصبح من نصيب رجل آخر.. يلمس بيديه ما لمسه هو بنفسه اليوم.. يتحسس بشرتها.. شفتيها.. شعرها.. يتنفس من قرب رائحتها العذبة المسكرة التي شعر بها تلتصق به اليوم وهو يحملها قريبا من قلبه ازدادت حركته عنفا وهو يزفر أنفاسا محرقة.. غضبا محرقا مدمرا على هذا الرجل غير الموجود الذي سيمد يده عليها وهو خلال كل هذا يستمع لرنين الهاتف عدة مرات.. قبل أن يصمت ثم تصله رنة رسالة.. لم يهتم مطلقا حتى وصل للحد الأدنى من رضى التمارين ثم تناول منشفته ليستحم.. وهو في طريقه للحمام التقط هاتفه على عجالة اتصالان من رقم غريب ثم رسالة: " أنا كاسرة لو سمحت ابي أشوفك بكرة في بيتنا حدد الوقت اللي يناسبك " كساب استغرب بشدة.. قد يكون فعلا قابلها ولكن في مكان عملها.. ولكن في بيتها وأمام أسرتها .. أي أمر كبير تخطط له حتى تتجاوز بهذا الطلب كل العادات المعروفة؟!! لن ينتظر للغد حتى يعرف... اتصل بها فورا.. همسها الناعم الحاد الساحر الأثيري المثقل بالتناقضات: هلا كسّاب.. كساب بسخرية: المهلي ما يولي.. كاسرة بهدوء: أنت كذا على طول تمسخر على خلق الله كساب بتهكم: بزر.. وش تتوقعين مني؟؟ هزت كاسرة كتفيها بثقة: صحيح وش أتوقع منك؟؟ كساب يلقي منشفته على السرير ويتمدد ليصبح صوته أكثر ثقلا وتأثيرا: طيب ودامش ما تتوقعين من ورا البزر شيء.. ليش تبين تقابلينه..؟؟ كاسرة تنهدت بعمق وبدت له تنهيدتها أشبه بسحر مصفى وهي تنفث بعدها سحر صوتها ولكن بحزمها المعتاد: لولا إنه عندنا إجازة الحين من الشغل أو كان طلبت تقابلني هناك لأني ما أبي هلي يدرون بالكلام اللي بيصير بيننا لكن بما أنه الهيئة احترقت فما فيه مكان إلا بيتنا كساب يتجاهل ماقالته وهو يهتف بتهكم: خاطري أسمع منش شي غير عنطزتش وأنتي مسوية فيها السيدة الحديدية كاسرة تشعر بغيظ لم يظهر في هدوء صوتها: كساب أنا أبي أتكلم في موضوع مهم.. أجل مسخرتك لغيري.. حينها هتف كساب بحزم: نعم.. وش تبين.. واختصري.. أبي أقوم أسبح.. كساب بحزم مشابه: أفضل نتناقش وجه لوجه.. كساب بصرامة: مافيه داعي.. لا هو من سلومنا ولا من عوايدنا أجيش في البيت.. وأنا ما أقدر أحرج نفسي.. عشان خرابيط في مخش تبين تصدعيني فيها.. كاسرة حينها ردت بحزم: خلاص مثل ما تبي ثم أردفت وهي تستخدم نبرتها العملية الجدية : كساب أعتقد إنه ما يخفى عليك عقب ما تقابلنا إنه مابيننا أي توافق ولا تناسب ومبين إن الحياة بتكون صعبة بيننا.. هذا واحنا بعدنا على البر أشلون بكرة لا صار بيننا عيال المنطق يحكم علينا نفكر بمصلحتنا.. هذا مستقبل وعشرة عمر مهوب شهر ولا شهرين. صمتت لثانية ثم أردفت بحزم أشد : أنا أبيك تطلقني.. ودامك رجّال فيك خير وتعرف السلوم والعوايد.. أتمنى إنك أنت اللي تقول إنك طلقت من نفسك.. ما أبي هلي يدرون إني اللي طلبت الطلاق.. وخصوصا جدي.. ما أبيه يدري بأي شيء.. حينها انتفخت أوداج كسّاب غضبا كاسحا أشبه بالصدمة.. " أ حقا تجرأت هذه البغيضة وطلبت الطلاق مني؟!! أ حقا فعلت ذلك ؟! تطلب مني أن أطلقها؟؟ أي جنون هذا؟!" قد يكون هذا هو ما كان يريده.. لكن أن ينفذه من أجل رغبتها هي.. ثم تتزوج شخصا آخر تكون له.. لا وألف لا.. يستحيل!! أي جنون معقد بات يسيره؟؟.. وإلى أي جنون تقوده هذه الكاسرة؟! : تدرين والله ماعليش مردود.. وحدة عرسها عقب أقل من 3 أسابيع تبي الطلاق نعنبو ما تهمش سمعتش أنتي.. وش تبين الناس يقولون عليش أنا رجّال ما يعيبني شيء.. لكن أنتي الناس بيأكلون وجهش.. كاسرة بثقة: ما يهمني كلام الناس.. المهم حياتي أنا.. ماني بمستعدة أعيش حياتي الباقية كلها في تعاسة.. كسّاب بسخرية: لذا الدرجة شايفة حياتش معي مأساوية.. كاسرة بحزم: قلنا الكتاب مبين من عنوانه.. كساب بحزم كاسح: والكتاب يقول لش روحي بلطي البحر.. أنتي مرتي وبتكونين لي غصبا عنش وإلا برضاش ومستحيل تعرفين حد غيري عمرش كله.. لي أنا وبس.. واضح كلامي أو تبين أعيده.. كاسرة تنهدت بحزم وهي تبث أكبر قدر من الجدية والمنطقية في كلامها: صدقني كساب ماراح ترتاح معي.. أنا وحدة شخصيتي قوية ورأسي يابس... وبتتعب معي.. وش حادك على ذا الحياة.. أنا أحلك من كل شيء قبل ما تطيح الفاس في الراس خلك عقلاني.. وفكر بعقلك.. كساب هز كتفيه وهتف بحزم مرعب: نعم.. رأسش يابس؟؟ توش ما عرفتي وش يباس الرأس.. خلش تجين عندي.. وبأكسر لش راسش اليابس لم يكن مطلقا يريد أن يكون هذا آخر المطاف.. لم يكن يريد قهرها ولا إيذائها ولكنها من دفعته لذلك هي من دفعته للتحدي والتهديد.. يستحيل أن يسمح لها أن تفرض شروطها وشخصيتها بهذه الطريقة يستحيل أن تتقبل كرامته أو رجولته المفترضة المرسومة أطرها بتقليدية هذا الأمر!! كاسرة ردت عليه ببرود مدروس: أنت اللي نعم؟!! تكسر رأسي؟!! أنا ماحد يكسر رأسي ماعليه قلنا زوجي ولك الاحترام والتقدير على فرض إنه بنتزوج لكن إنك تظن إنك بتسيطر علي وإلا تخليني مسلوبة إرادة .. لا يا كساب ما عرفتني.. أنا مستحيل حد يفرض علي شيء... كساب بتهكم بارد: عادي.. نروضش مثل المهرة اللي تعسف لين يطيح اللي في رأسها.. حينها بدأت كاسرة تغضب لكنها ردت بحزم محترف: أنا ما أنا بحيوان تعسفني ولو هذا التفكير المتخلف هو اللي في رأسك.. صدقني الحياة بيننا مستحيل تستمر طلقني يا ابن الحلال.. أنا لولا خاطر جدي وإلا والله ثم والله لأخلعك.. عادي عندي كساب بغضب كاسح: نعم؟؟ تخلعيني؟؟ وتقولينها بكل وقاحة يا قوية الوجه.. زين يا كاسرة دواش عندي.. زين.. كاسرة ببرود مستفز: أعلى مافي خيلك اركبه .. صدق بزر وعصبي... أنا ما أبيك.. وقلتها لك بصراحة واحترام مثل ما الناس المتحضرين يتفاهمون لكن أنت أسلوبك همجي في الحوار والتعامل.. وتحد الواحد ينزّل مستواه في الكلام عشان تفهم عليه كساب بحزم صارم شديد: كاسرة اقصري الهرج الماسخ.. لا تحديني على شيء ما يرضيش أقلها أني ممكن بكرة أروح لأخيش وجدش وأقول عندي سفرة مهمة وأبي أروح بمرتي.. وأكنسل العرس.. وأخذش بدون عرس.. ثم أردف بتهكم حاد: اعقلي يامره.. وعندش ذا الأيام كلها تعودي على فكرة البزر اللي بتأخذينه.. *************************************** كان يصلي قيامه.. حين سمع صوت الباب يُفتح وخطوات ثقيلة تدخل لداخل غرفته حينما التفت بعد تسليمته وجد كسّاب يجلس على مقعد قريبا منه زايد لم يوجه له مطلقا أي حديث وهو يتناول مصفحه ويتلو ورده بصوت منخفض حينما انتهى اتجه لسريره ليتمدد دون أن يوجه كلمة واحدة لكساب الذي كان جالسا طوال هذا الوقت.. كساب اقترب من سرير والده وانحنى ليقبل طرف رأسه اليسار لأنه كان يتمدد على يمينه ويهمس في أذنه: لذا الدرجة زعلان عشانها..؟؟ زايد دون أن يلتفت ناحيته هتف بحزم: كسّاب اقصر الشر .. وفارقني لغرفتك أنت جاي لاحقني هنا.. تبي تكمل لغو لا تخاف بنكمل.. بس مهوب الليلة!! كسّاب ابتسم وهو يهتف بخبث: إلا جاي أقول لك لا تنسى بكرة تحدد موعد لتوقيع العقد.. حينها اعتدل زايد جالسا وهو يهتف بنبرة مقصودة: وش اللي صار.. فكرت وشفت إن المشروع ماحد يفرط فيه؟؟ كسّاب ينظر له بشكل مباشر ويهتف بنبرة ذات مغزى: إلا وأنت صادق صاحبة المشروع يبه والله لو حتى ما تبي تعطيني مشروع المجمع.. والله واللي رفع سبع سموات بليا عمد إنه مايردني منها شيء إلا الموت.. زايد يرفع حاجبا: غريبة !! وش غير رأيك؟؟ كساب يهز كتفيه ويهتف بذات النبرة المقصودة: مهرة يبه تبي من يعسفها.. وعلى قولت خالد الفيصل: أحب أعسف المهرة اللي تغلى وأنا أشهد يبه إنها تغلت.. خلها تغلى لأن مسيرها للعساف.. حينها ابتسم زايد وهتف بنبرة اعتزاز: كفو.. كفو ثم أردف بتساؤل خبيث: الحين قل لي..أنت شفتها وإلا كلمتها؟؟ كساب وقف وهو يتجه للباب ويرد على والده بشبح ابتسامة: كلها يبه.. كلها *********************************** "تأخر في العودة مابه هذا الرجل؟؟ أكاد أجن منه ليس مطلقا زوجي الذي عاشرته لسنوات شخص غريب لأبعد حد أين صالح المتدفق الشاعري الرومانسي بل حتى المندفع في كل شيء كان يغمرني في طوفان من مشاعره واشتياقه الدائم فأي برود هذا اللي تسلل لروحه وجعلني عاجزة عن معرفة ردة فعله القادمة" نجلاء تدور في الغرفة.. تقرر الليلة أن تلبس لباسا أكثر جرأة بقليل.. لا تعلم بالفعل إلى أي شيء تهدف.. فهي بالفعل لا تريد أن يقترب صالح منها.. ولكنها تريد أن تجري تغييرا ما.. عل صالح يصدر منه تصرف يدل على انه صالح القديم تشعر بالفعل بالتشويش.. تريد لها أرضا ثابتة تقف عليها.. ماعادت تعرف حتى كيف تجري معه حوارا ارتدت بيجامة بدون أكمام وبنطلونها يصل للركبة.. نثرت شعرها العسلي على كتفيها.. تعطرت بكثافة ثم جلست تنتظر كانت تشاهد لها برنامجا عن تأثيث المنازل.. ليثير البرنامج فيها شعورا عميقا بالحزن اخترق كل جوانحها حينما غضبت من صالح.. كان بيتهما الخاص على وشك الانتهاء.. ومع وصول البيت لتشطيباته الأخيرة.. كانت عصبيته بلغت الذروة.. كان يقضي طوال النهار مع العمال.. ويعود لها آخر النهار بغبار البيت وعرقه.. تحاول أن تحتوي تعبه وإرهاقه.. ولكنه كان ينفجر فيها بدون سبب ليعود بعد دقائق ليعتذر... شعرت أنه يستنزف كل طاقتها وصبرها ومرونتها كرهت ذلك الوضع.. ماعاد بها صبر.. بات كل شيء يستثيره.. غاضب على الدوام غاضب على الدوام من موضوع البيت.. وتأخر العمال.. وعدم دقة المهندس غاضب على الدوام من موضوع حملها الذي كانت تأجله.. بالفعل هو كان يتراجع معتذرا ما أن ينفجر فيها... لكنه لن يرتاح ما لم ينفجر تعبت من احتواء غضبه.. ثم مدارة حزنها حينها يأتيها يائسا معتذرا كانت تفضل أن تكتم في ذاتها على أن تؤذيه بأدنى شيء كانت تقول لنفسها: يكفيه مافيه.. لكنها وصلت لمنتهى الطريق... صبرها نفذ.. ومرونتها ماعادت تفيد.. تحتوي غضبه وإرهاقه وعصبيته وتضغط على كل مافيها من أجل إرضاءه ثم يكون رده عليها بعد كل ذلك معايرتها بأمها حينها قررت أن ترحل لبيت والدها... ولأول مرة تفعلها.. اعتذر لها كثيرا.. أكثر من كل مرة وأشد وأكثر حزنا...كان يعتذر ويترجى ويعدها ألا يتكرر هذا الامر ..وهما يتعاركان على حقيبتها... هي تضع ملابسها في حقيبتها... وهو يعيدها للخزانة رجاها بعمق ألا تفعل به هذا وفي هذا الوقت بالتحديد.. فهما كان يخططان لبدء تأثيث المنزل.. وهذا الأمر كان بالغ الأهمية عنده ولكنها هربت وتركته.. وهاهو البيت توقف على مراحله الأخيرة.. فصالح أوقف كل شيء بعد مغادرتها.. كم حلما معا بلون معين لغرف الاولاد.. ولغرف البنات اللاتي سيأتين.. خشب المطبخ.. وسيراميك الدرج ألوان الصبغ.. وأثاث الصالات... أشكال الستائر.. وحتى نباتات الحديقة الآن حتى لا تستطيع أن تسأله عن البيت.. أو عن أي شيء في حياتهما المشتركة كزوجين.. لا تستطيع سؤاله عن عمله الذي كانت تعرف أدق تفاصيله لأنه كان يخبرها بكل شيء.. لا تستطيع سؤاله إن كان مازال يخيط ملابسه عند ذات الخياط.. ويحلق عند ذات الحلاق.. لا تستطيع سؤاله هل مازال حريصا على رياضة المشي.. وهل مازال يحب أن يتناول قهوته بالقرنقل الذي كانت تنهاه عنه..لأن رأسه يؤلمه إن افتقده.. لا تستطيع حتى سؤاله كيف هو مستوى الكوليسترول عنده الذي اكتشف قبل خلافهما بقليل أنه مرتفع قليلا كانا لا يتوقفان عن الحديث.. عن كل شيء.. وحول كل شيء... وإذا بهما يتحولان إلى مخلوقين غامضين صامتين لا وجود لأي حوار بينهما فهل الذنب ذنبها أو ذنبه؟؟ هل تريد أن يحلا ما بينهما؟؟ أم لا تريد؟؟ "بالتأكيد أريد ولكني مجروحة منه.. لا أريد ان أغلق الجرح قبل تطهيره لا أريد أن يعاود الجرح الالتهاب أريد أن أحل كل ما بيننا قبل أن نستأنف حياتنا كزوجين" نسف تفكيرها دخوله الهادئ عليها.. ألقى التحية.. نظر لها نظرة توحي بعدم الاهتمام.. ثم انسحب للحمام صلى قيامه.. قرأ ورده.. ثم تمدد دون أن يوجه لها كلمة واحدة.. نجلاء كادت تجن منه.. اقتربت منه وهزت كتفه.. وهتفت بغضب: يعني عشان أنا اللي ذليت روحي لك.. وطلبت أرجع للبيت تعاملني كني والطوفة واحد.. قوم كلمني.. لمتى وحن على ذا الحال..؟؟ صالح اعتدل جالسا وهتف ببرود: نعم يأم خالد.. وش اللي يرضيك؟؟ وش إطار العلاقة الزوجية اللي ترضي أنانيتش؟؟ الحين أنا اللي حطيتش مثل الطوفة يا نجلا؟؟؟ مهوب أول كلمة قلتي لي إياها : "صالح اعتبرني ما رجعت.. اعتبرني ماني بموجودة" وعقبه أثبتي لي بالدليل القاطع إنه هذا فعلا اللي تبينه.. يعني ما راعيتي إني محروم منش كل ذا الشهور.. مااهتميتي من لهفتش عليش ما همش إلا نفسش ومشاعرش.. وأنا بالطقاق.. الحين أنا صرت اللي أعاملش مثل الطوفة؟؟؟ أنا ما سويت إلا تنفيذ رغبتش.. معتبر نفسي قاعد في غرفتي بروحي.. مثل ما كنت قبل ما ترجعين.. يعني من تبيني أكلم.. أكلم حد مهوب موجود.. يا بنت عمي إذا طاح الخبال اللي في رأسش.. أظني إني قريب.. قولي لي وقتها أنا رجعت يا صالح نجلاء انتفضت غضبا منه وهي تقرر أن تتوجه لتنام في غرفة ابنائها.. كعادتها حينما تعجز عن مواجهته.. تجد أن الهرب هو أسهل طريقة بينما صالح تنهد بعمق.. وهو يعاود التمدد على سريره وهو يعلم أنه لن يذوق النوم الليلة.. ****************************** " توك تتعشا؟؟" همس مزون الحاني لعلي الذي يجلس على طاولة مطبخ التحضير في الطابق العلوي علي يبتسم: شأسوي كنت متفق أنا وكساب نتعشى سوا.. بس ثارت القنابل بينه وبين أبيه ومارضى حد منهم يتعشى معي مزون تبتسم مثله: وش القضية ذا المرة؟؟ علي بمرح: والله ما أدري.. تقولين ديكة... كلمة من ذا وكلمة من ذا وما فهمت شيء.. بس اللي فهمته إنه عشان موضوع زواج كساب مزون بحنان ونبرة مقصودة: وأنت متى بيكون زواجك؟؟ علي يتنهد ثم يهتف بعمق: أنا تو الناس علي.. عندي مشاريع الحين في رأسي تبي لها تفرغ ولا والبال ولا الروح مستعدين لذا الموضوع ****************************** يفتح عينيه بكسل.. يتلمس المكان جواره فيجده خاليا يعتدل جالسا فيجدها تتحرك بخفة في أنحاء الغرفة هتف بصوت ناعس ثقيل: صباح الخير عفراء انتفضت بخفة ثم ردت بعذوبة: أنا قاعدة أتحرك بشويش ما أبي أصحيك أزعجتك؟؟ وإيه.. صباح النور والسرور منصور يبتسم وهو يعتدل ويضع المخدات خلف ظهره ويستند لها: لا ما أزعجتيني.. أنا صحيت بروحي وبعدين أنا ما أبي سلامات وصباحات بلوشي.. تقولين لي صباح الخير .. لازم تجين وتحبين خشمي.. عفراء تتوجه ناحيته وهي تبتسم بخجل: قلنا لك مهلك علينا يأبو زايد.. ثم انحنت لتقبل أنفه ليشدها هو إلى حضنه .. عفراء تحاول التخلص من عناقه برقة وهي تهمس بذات الرقة: منصور تكفى لا تاخرني.. حينها كان منصور هو من أبعدها عن حضنه وهو يهتف بصرامة: أوخرش عن ويش؟؟ عفراء وقفت وهي تهمس بطبيعية وهي تتناول حقيبتها وتضع فيها أغراضها: عن المدرسة طبعا حينها هتف منصور بحزم: وحدة توها متزوجة مالها ثلاث أيام.. وتبي تروح لدوامها إذا أنا على كثر مشاغلي أخذت إجازة أسبوع عفراء بخجل عميق: ماعليه السموحة يابو زايد.. بس أنت تدري إنه خلاص البنات أخر الفصل والامتحانات عقب كم يوم بس يومين أخلص شغلي وأسلمه زميلاتي.. وعقبه اوعدك أتفرغ لك.. منصور بحزم بالغ: آسف.. طلعة من البيت وأنا موجود آسف.. اتصلي واعتذري منهم عفراء تضايقت بالفعل من أسلوبه المستبد ومع ذلك همست برقة بالغة: منصور الله يهداك.. لو قايل لي من امس كان تصرفت بس الحين لازم أروح منصور يلقي بالغطاء جواره لتنتفض بخفة وهي ترى طوله الفارع جوارها ويهتف بحزم متزايد: وأنتي لو قلتي لي من أمس.. كان قلت لش أمس.. والحين انتهينا من ذا السالفة.. طلعة مافيه.. ثم تجاوزها وهو يجلس على الأريكة ويزفر بغضب.. عفراء تنهدت بعمق وضيقها منه يصل الذروة " يبدو أنني عرفت سبب عدم استمراره في زواج فمن ستحتمل كل هذا التسلط؟؟ هل أخطأت بالتسرع في الموافقة؟؟ ولكني صليت الاستخارة عدة مرات.. والله سهل الموضوع لا يمكن أن يخيبني الله" عفراء تتنهد وهي تقرر أن تغير استراتيجتها.. فهي تتعامل معه كما تتعامل مع كساب حينما تحاول أن تمتص غضبه بهدوءها وإن كانت هذه الطريقة تنفع مع كساب لأنه ابنها.. فهي تفشل مع زوجها الغريب الأطوار بتسلطه المتزايد.. فكيف تتصرف الانثى مع زوجها في موقف كهذا.. قررت أن تفكر قليلا.. وجدت أنها فاشلة جدا في التفكير بطريقة أنثوية بحتة.. ولكن لتحاول.. اقتربت لتجلس بجوار منصور رغم خجلها من أن تتصرف بجرأة معه.. لكنها بالفعل لا تستطيع التغيب عن المدرسة اليوم منصور استغرب التصاقها به.. ثم استغرب أكثر تصرفها التالي.. احتضنت عضده بنعومة.. لتقبل صدغه ثم تنقل شفتيها برقة لأذنه وتهمس بأكبر قدر من الرقة استطاعته: تكفى منصور لا تفشلني.. والله لازم أروح.. أوعدك بس اليوم أعطيهم كل أوراقي اللي عندي.. وعقبه أنا باقدم إجازة تكفى يا قلبي.. شعرت أن صوتها تحشرج مع أحرف كلمة (قلبي) المصنوعة.. وهي عاجزة عن رفع عينيها لمنصور وهي تلصق خدها بعضدها وتثبت نظرها على كفيها.. وتصمت بحرج عميق... منصور ابتسم وهو يمد ذراعه التي كانت تستند لها ويحتضنها بها ويهتف بنبرة ذات مغزى: والله تطورتي يا النصابة.. عشان تعرفين إني احترم حركة النصب اللي سويتيها واللي أدري أنها كانت صعبة عليش أنا اللي باوديش.. بس والله ما تعقبينها لين أنا أرجع لدوامي.. وهذا أنا حلفت... تروحين اليوم وبس.. عفراء قفزت وهي تكاد تنكفئ من شدة حرجها: إن شاء الله يأبو زايد.. اللي تقوله تم.. بينما تعالى صوت قهقهات منصور الذي كان يتجه للحمام.. ********************************** " وش ذا النهار المبارك.. أنتي عندي من أول النهار" كاسرة تميل على كتف جدها تقبله وتهمس برقة: وش أسوي؟؟ ما عندي شغل .. خلاص أنت شغلي.. الجد بحنو عميق: الحمدلله اللي أظهر رأسش.. كاسرة بابتسامة حانية: قلتها لي يبه من البارحة لين اليوم عشرين مرة فديتك ماجاني شي جعلني الأولة.. أول ما درينا بالحريق نزلنا.. الجد حينها سأل: إلا صدق كساب اللي جابش البارحة؟؟ حينها شعرت كاسرة رغما عنها بالحرج.. فمازالت ذكرى الأمس ماثلة تثير عشرات المشاعر المعقدة.. العصيّة على التفسير بالأمس حين أحضرها كساب للمنزل.. حمدت ربها أنه لم يراها أحد حتى استحمت حتى لا يسألها أحد عن ملابسها المبلولة فهي لم تكن تريد إثارة رعبهم حين يعرفون باحتجازها في الحمام والمبنى يحترق حينها أخبرتهم بالحريق ولكنها قالت أنها نزلت مع الموظفين الآخرين وأخبرتهم كذلك أن كساب هو من أعادها للمنزل.. بعد أن كان عابرا للمكان بالصدفة.. فهي لا تستطيع إخفاء أمر كهذا.. وترى أنه ليس من اللائق إخفائه همست لجدها بهدوء: إيه يبه كساب اللي جابني.. الجد بهدوء: وليه ما نزل يتقهوى عندي.. كاسرة تهمس لجدها برقة: يبه كان مستعجل يبي يروح لشغله.. حينها ابتسم الجد: جعل عمره طويل.. الله يخليه لزايد.. حينها تنهدت كاسرة وسألت جدها بعمق: يبه تعرف كساب زين؟؟ لا تعلم ما الذي يحدث لها.. كساب بات يحدث ثورة تفكير لا تتوقف في رأسها.. وثورة أوسع من التناقضات البارحة فقط كانت تريد الطلاق منه.. واليوم تتلهف بغرابة لأخباره!! الجد أجابها بنبرة طبيعية: رجّال والنعم.. كاسرة تنهدت تنهيدة أعمق: المشكلة والله يبه في مفهومكم للرجولة اللي ما أدري أشلون جاي.. الجد بتساؤل: يا ابيش ارفعي صوتش.. وش تقولين؟؟ كاسرة بهدوء: أقول يبه.. رجال والنعم أشلون؟؟ وش اللي خلاك تقول كذا؟؟ الجد بنبرته الاعتيادية: رجال رزين وكلمته موزونة ماكنه بشباب ذا الأيام الخفاف ودايما أصدفه في المسجد.... زايد يوم ربى .. ربى رجال.. من يومه صغير وأنا أقول لزايد ولدك ذا ذيب.. كاسرة بسخرية بصوت خافت: عدال على الذيب.. الله يستر على المسلمين ثم أردفت بصوت أعلى: إلا يا يبه.. كان دايم يجي مع أبيه عندك؟؟ الجد يصر عينيه الغائرتين قليلا.. ثم يهتف بتذكر: إيه دايم .. لين توفت أمه.. عقبه ماعاد شفته إلا في الأعياد يجيبه أبيه يعيد عليّ لكن عقبها دايم عليان هو اللي مع زايد.. لاصق فيه على طول.. كاسرة بتساؤل: علي هذا ولده الصغير؟؟ الجد يهز رأسه بالإيجاب.. بينما كاسرة تسائلت: بس يبه وأنا صغيرة كنت دايم عندك في المجلس.. ما أتذكره يعني حينها ابتسم الجد ابتسامة كاسرة الأثيرة.. الابتسامة اللطيفة الخالية من الأسنان: ماتذكرينه؟؟ عطيني يدش اليمين.. كاسرة استغربت طلب جدها ولكنها مدت يدها له.. الجد بنظره الضعيف ولكن ذاكرته الجيدة تحسس ذراع كاسرة حتى وصل إلى منطقة في منتصف باطن ذراعها.. علامة صغيرة... بالكاد تركت أثرا ولكنه كان واضحا ليصل إليه الجد مقارنة بالانسيابية الزبدية الفائقة ليد كاسرة ابتسم الجد ابتسامة نصر حين وصلها وهتف بابتسامة حانية: ما تذكرينه وذا أثر عضته في يدش.. حينها انتفضت كاسرة بجزع غير مفهوم وهي تشد يدها من جدها وتنظر بنفسها للأثر.. لطالما تسائلت ما سبب هذا الأثر ولكنها لم تسأل لأنها ضنته أثر قرصة نحلة أو أثر بقي من جدري الماء (العنقز) الذي أُصيبت به صغيرة تلمسته بغرابة ثم همست لجدها بابتسامة: تخليه يعضني وانا عندك.. قد ذي زبانتك لي..؟؟ (زبانتك=حمايتك) الجد يبتسم: وأنتي ما قصرتي.. عضيتي خده لين قطعتيه.. وأنتي البادية بعد.. ما عضش إلا يبيش تفكين خده.. حينها انتفضت كاسرة بجزع خجول لا تعرف له مبررا: أنا عضيت خده؟؟ الجد يبتسم وهو يصر بعينيه: وقعدت عضتش ماكنة في وجهه ومبينة كم سنة عقبها.. لين ضعف نظري وماعاد شفت.. ما أدري عادها بينة وإلا لا كاسرة تستعيد ملامح كساب التي حُفرت رغما عنها في أقصى ذاكرتها.. لا تتذكر علامة ما في خده... إلا إن كان شعر عارضيه يغطي عليها كاسرة أيضا رغما عنها ابتسمت.. تشعر بشعور أشبه بالنصر.. وشعور آخر أعمق واغرب ( أ حقا لامست شفتاي خده وأنا لا أتذكر أبدا؟! ) سألت جدها بابتسامة عذبة: وكم عمري وقتها يبه؟؟ الجد بتذكر: سنتين وإلا ثلاث .. كاسرة تضحك برقة: وذا صغري وعضاضة كذا!! عشان كذا ما أذكر الجد يتذكر وإبتسامة حنونة على وجهه: كنتي قاعدة في حضني.. وكساب قاعد جنب أبيه وأبيش الله يرحمه بعد كان قاعد.. فزايد يتعير علي ويقول: باخلي ولدي يحب بنتك في مجلسك وهي قاعدة في حضنك بعد.. (يحب= يقبل) فابيش الله يرحمه كان يضحك يقول: تهبون.. ولدك ما يحب بنتي إلا بشرع الله قال زايد: حاضرين لشرع الله.. بس هو بيحب أول..يبي يجرب قبل يتورط فزايد قوّم كساب وهو يقول له وهو يضحك: قوم حب البنت الزينة اللي في حضن جدك كساب كان مستحي ويقول: أنا ما أحب البنات.. فأنا قلت له: تعال يأبيك حبني وحبها.. فجاني وسلم علي وعقبه عطاش طرف خده.. يبيش أنتي اللي تحبينه... أنتي شفتي صفحة خده قرطتيها بسنونش المسكين والله ما صاح ولا بكى بس تناول يدش اليمين وعنّز سنونه فيها هو يعض وانتي تعضين.. يوم فكيتي فكش.. بس قد كل واحد منكم قاطع لحم الثاني... كاسرة تتنهد بعمق شاسع وهي تهمس بخفوت شفاف: شكلها يبه صارت عادة وبتستمر ماحد منا يفك الثاني لين يدري إنه وصل اللحم!! ********************************* "أنت مطول وأنت زعلان كذا؟!" همسها الساخر الممتلئ بالغيظ خليفة يزيح الجريدة جانبا وبهتف بهدوء: ومن قال لج زعلان؟!! جميلة بغيظ طفولي: زين وش تسمي إنك صار لك كم يوم ما تكلمني إلا بالقطارة..كنك شاح بكلامك علي؟!! خليفة بنبرة مقصودة: والله ما عودتيني إنج متولهة على كلامي عشان أشح فيه جميلة ببرود مستفز: قال وش حدك على المر قال اللي أمر منه... لقيت حد غيرك يحاكيني وقلت لا؟! حتى داليا رجعت البارحة للدوحة وخلتني!! خليفة يغلي من الداخل على طريقتها المستفزة القليلة التهذيب ومع ذلك هتف بهدوء محترف: خلاص يا بنت الحلال السكوت من ذهب لا صار الحجي موب من الخاطر.. ويغث.. قلته أحسن جميلة بغضب: تقصد إن كلامي يغث؟؟ خليفة رغما عنه يبتسم: لا محشومة.. انتي كلامج يغث.. كلامج عسل وسكر جميلة بغيظ : وتمسخر علي بعد ثم أردفت وهي تشيح بوجهها عنه: زين أمي كلمتك اليوم؟؟ كان خليفة على وشك أن يقول (ياحليلها أمج عروس وصاحية من بدري..) لكنه أمسك لسانه وهو يهتف بهدوء: كلمتني .. وتسلم عليج وايد وايد وتقول جان تحسنتي بتيي جريب تزورج جميلة بألم عميق: خلها تكلمني أول زين.. بأموت أبي أسمع صوتها بس تكفى يا خليفة والله إني تحسنت... وصاير وزني كل يوم أعلى من اللي قبله تكفى أبي أكلمها بس أكلمها!! أسمع صوتها مرة وحدة تكفى.. تكفى خليفة رغما عنه أيضا يشعر بألم عميق لألمها: كاهي بنت خالتج في اليوم تكلمج جم مرة.. حينها انسابت دموع جميلة المقهورة: مزون ما تقصر... بس مزون مهيب أمي.. مهيب أمي أنا بس أبي أعرف وش الحكمة تمنعوني منها... يعني تبون تعذبوني وتقهروني ************************************** " غريبة من وين الشمس شارقة؟؟ جايني في المكتب اليوم" يرد بمودة حازمة: لقيت نفسي فاضي اليوم قلت أجي أسلم عليك.. كساب بمودة مشابهة: حياك الله أنا بعد مابعد شكرتك فيس تو فيس على الخدمة اللي سويتها لي فعلا جعلني ما خلا منك... ما تخيل أشلون كنت أحاتي.. يهتف بابتسامة: خلاص يا ابن الحلال شكرتني في التلفون ولو أني والله لو في ظرف ثاني مستحيل أسويها هذي كان فيها مساءلة قانونية.. تخيل طلعت الطيارة وأنا ما عندي حتى إحداثيات الرحلة.. كساب يبتسم: وش أسوي أنا أصلا وقتها كنت في فرنسا.. وما دريت إنه رحلة اختي الأولى إلا من عمي منصور قبلها بكم ساعة بس وبصراحة كنت خايف عليها.. وما لقيت قدامي إلا أنت غانم بنبرة حذرة: أنا سمعت إنها علقت الرحلات خلاص.. كساب بحزم شديد: خلاص خلصت من ذا السالفة كلها.. غانم بذات الحذر: الله يوفقها.. أنا أشهد أنكم ربيتوا وأحسنتوا التربية.. كساب يتجه بالحديث لاتجاه آخر وهو يسأل غانم عن آخر أخباره.. فمهما يكن فهو يكره أن يتحاور عن شقيقته مع رجل غريب.. يكفي اضطراره المحرج أن يطلب من غانم أن يطير معها ولكن ماذا يفعل فهو لا يعرف سواه هناك عدا أنه كان يعرف تقبل غانم الشاسع لعمل مزون.. علاقته بغانم بدأت تتوطد قبل عامين... تقابلا في حفل للسفارة القطرية في لندن ولأن كلاهما من ابناء جماعة واحدة ويعرفان بعضهما قبلا تحادثا معا.. وكان المفتاح فعلا هو مزون.. فكساب يتحفز من الحديث مع شخص قد ينتقد تخصص شقيقته ولكنه وجد أن غانما كان يشكر في مزون بلباقة عالية محترفة دون إفراط أو تفريط فطال الحديث وتشعب.. وترافقا بعدها في عدة رحلات... ولكن علاقتهما بقي فيها نوع من الحذر غير المفسر.. حين علم أن مزون ستطير في رحلتها الاولى.. تصاعد قلقه عليها.. وحين علم أن الطاقم كلهم نساء.. زاد قلقه.. فهو مطلقا لا يثق بكفاءة النساء خاف أن يحدث شيء ما لها في رحلته الأولى.. لذا أكد على غانم أن يحاول أن يكون معها في رحلتها الأولى مع المساعدة الأولى ..وأن يبقي الأمر سرا بينهما ووصاه كثيرا عليها وهو يطلب أن يعتبرها كأخته.. كان الأمر غاية في الحرج له.. فرغم أن علاقته بغانم جيدة إلا أنه شعر أنها أضطرته للالتجاء إلى أقصى حدود الحرج وهو يطلب من غانم أن يكون مع شقيقته.. غانم كان صامتا ويغتاله حذر غريب (أتكلم؟؟.. أو لا أتكلم؟؟).. فهو اليوم لم يحضر فقط للسلام على كساب بل في رأسه هدف آخر هدف له زمن يتأرجح في داخله.. ثم حفزه له تخلي مزون عن سلك الطيران فمهما كان يحترم مزون ويقدرها فعملها معه في ذات مجاله سيفتح الباب للألسنة غانم تنحنح ثم هتف بثقة: كسّاب أنا أبي أكلمك في موضوع.. كساب بمودة: آمر.. وش له المقدمات؟؟ غانم بهدوء: إذا بغيتكم تشرفوني بنسبكم.. تجس لي نبض هلك قبل أخطب رسمي..؟؟؟ كسّاب بصدمة: تبي أختي؟؟ غانم بنبرة عتب: ليه مصدوم كذا؟؟ ما أنا بكفو؟؟ كساب باستنكار: إلا كفو ونص.. بس أنا استغربت ليس إلا غانم بثقة: ومستغرب معناه تقربني وإلا لا..؟؟ كساب بهدوء غامض: من صوبي أقربك.. بس تدري الشور للبنت ولأبيها غانم بحزم: دامك قربتني فأنت وسيطي.. بلغهم.. لو هم موافقين.. جيت أنا والوالد وعمي وخطبنا رسمي كساب صمت وإحساس غريب ينتابه صغيرته تخطب.. ستتزوج؟!!.. بدا له التخيل صعبا أن تتزوج وبينهما كل هذه التعقيدات أن يكون عاجزا عن تقبيل جبينها في ذلك اليوم.. ضمها لصدره.. وأن يوصي زوجها فيها أمامها أن تكون تسمع وهو يقول له أن لا يجرؤ يوما على التفكير بمضايقتها لأنه سيكون ورائها من سيلتهمه حيا لو تجرأ على مضايقتها بأدنى شيء تنهد كساب وهو يزفر أنفاسه بحرارة ويرد على غانم بحزم: خلاص عطني كم يوم وأرد عليك . . . . في ذات الوقت مجلس منصور آل كساب " ياحياك الله.. وش ذا الساعة المباركة... مهوب عوايدك تمرني الضحى" فهد يهتف بغموض مختلط بابتسامته: توني خذت الرخصة.. وجيت أبشرك منصور بابتسامة عريضة: مبروك ألف مبروك.. أجل هدية الرخصة سيارة حينها انتفض فهد باستنكار شديد: لا والله ما يكون .. سيارتي قدني حاجزها ودافع عربونها بعد.. منصور بحزم: انا قلت خلاص هديتك سيارة من عندي.. وانا ما أرد عطيتي كيفك فيها تبي تبيعها بيعها يعني عقب اللي سويته فيك يوم فشلتك وخليتك تدخل مدرسة السواقة من جديد.. ما تبي لك عوض مني؟!.. حينها أردف فهد بغموض: ومن قال ما أبي عوض منك ... أبي منك عوض وأغلى من السيارة بعد.. عطني إياه والسيارة خلها ما ابيها.. منصور بابتسامة: آمر تدلل.. فهد بذات الغموض: ولو الشيء اللي أبيه غالي واجد... بتشوفه خسارة فيني؟؟ منصور بمودة شاسعة: حتى رقبتي مهيب خسارة فيك.. فهد بمودة واحترام متجذرين: الرقبة وراعيها فوق رأسي أنا أبي نسبك يأبو علي.. منصور بدهشة: تبي نسبي؟؟ فهد بحزم: أبي بنت أبو كساب.. وأبيك تكلمهم وتأخذ رأيهم.. قبل أجيب أبي وعمي.. أنا شاري نسبكم وأتشرف به.. وبنتكم فوق رأسي.. فهد أيضا منذ مدة وخطبة مزون في باله.. لكنه كان يخشى شيئين: دراسة مزون غير المقبولة ثم وجود ابنة عم له مازالت لم تتزوج.. كان متأكدا أنه ما أن يطلب من والده أن يخطب له فأن أول شيء سيقوله له (وبنت عمك؟؟) فإذا بالموضوعان يحلان وفي وقت واحد... مزون تترك مجال الطيران.. الخبر الذي عرفه من أطراف حديث وصل لأذنه بين منصور وكساب ثم تأكد منه هو بشكل شخصي من معارفه في المطار وسميرة تتزوج بعد ذلك بفترة قصيرة جدا وكان الله يكافئه على صبره .. وأي مكافأة؟!! أن يناسب منصور آل كساب شخصيا!!! ************************** منكب على مكتبه.. يرصد الدرجات النهائية لطلابه وطالباته.. خطواتها الرقيقة تقتحم عليه الغرفة يبتسم وهو يلتفت لها: عطيني خمس دقايق وأتفرغ لش.. تبتسم له بحنو: تبي مساعدة..؟؟ عبدالرحمن بمودة: يمكن أبيش عقب بس تشيكين على الدرجات وتأكدين من الجمع لا ينط واحد من العيال وإلا البنات في رقبتي ويقول نسيت نص درجة.. شعاع تجلس قريبا منه تصمت لدقائق ثم تهمس برقة: عندك تدريس صيفي..؟؟ عبدالرحمن باستنكار: لا إن شاء الله... الحين الجو ما ينطاق.. أشلون شهر 7 و8 شعاع تبتسم: لا ومع لونك وحمارك.. بتصير طماطة.. عبدالرحمن يرد عليها بابتسامة حانية: أنا الطماطة يا مجاعة أفريقيا شعاع تتجاهل ما قاله وتهمس بنبرة مقصودة مغلفة برقتها المعتادة: زين ودامك فاضي في الصيف.. اشرايك نلاقي لك شغلة تشغلك؟؟ عبدالرحمن يبتسم: ومن قال لش أبي شغلة.. أبي ارتاح.. شعاع بخبث لطيف: لا هذي شغلة تونس.. نبي ندور لك عروس.. خلاص عبدالرحمن والله ما يصير قعدتك كذا.. شيبت وأنت عزابي عبدالرحمن وهو مشغول بما بين يديه ويهتف بابتسامته ذاتها: شكلش عندش حد معين خلصينا وقولي من؟؟ #أنفاس_قطر# . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن العشرون اقترب موعد السفر كثيرا باتت تعلق هذا السفر كثيرا من الآمال فهي ماعادت تعرف كيف تفتح بابا للحوار مع صالح وخصوصا بعد ما حدث البارحة.. وهو يضعها أمام المدفع ويحملها المسئولية كاملة.. بينما هي يستحيل أن تعتذر له أو تبادر بإرضاءه بينما هو من أخطأ بحقها ولكن بدلا من يرضيها كما توقعت هاهو يزداد تباعدا وبرودا كبرياءها أرجع سبب ذلك إنه يغيب طوال اليوم عنها.. يهرب منها ومن تأثيرها عليه لكن في السفر سيلتصقان معا طوال اليوم.. لن يستطيع الانفكاك عنها حينها ستعرف كيف تؤدب هذا الصالح الذي (عيرني بعيارته.. وركبني حمارته) فبدلا من أن يسعى لرضاها.. يريدها أن تسعى لرضاه كيف جعل الموزاين تنقلب هكذا؟؟ كيف استطاع أن يُشعرها بالذنب.. الشعور الذي تنكره على ذاتها!! كيف استطاع قلب الطاولة عليها وإظهارها بمظهر المذنبة بينما لا مذنب سواه!! يا له من خبيث لئيم؟!! وهي غارقة في أفكارها دخلت عليها عالية.. كانت صامتة على غير العادة جلست جوارها وهي غارقة في الصمت نجلاء مدت يدها ووضعتها على جبين عالية وهي تهمس بنبرة مصطنعة: بسم الله عليش مسخنة يأمش.. وش فيش نازل عليش سهم ربي عالية بسكون: جايني معرس.. نجلاء تبتسم: بس لا يكون مثل المعرس اللي جبته لش أنا وسمور عالية بهدوء عميق: والله العظيم من جدي.. شعاع كلمتني عن اخيها عبدالرحمن.. حينها أشرق وجه نجلاء بسعادة: ماشاء الله عالية.. عبدالرحمن مخبر ومنظر.. أنا شايفته بنفسي في التلفزيون قبل فترة شنو شخصية .. شنو رزة.. شنو كلام.. يجنن.. يجنن.. حتى سميرة ماتت على شكله.. تقول ما كنت أدري إن عبدالرحمن اخ شعاع هو نفسه ذا ثم أردفت نجلاء ضاحكة: بس تبتوب شوية.. عالية بضيق: نجلاء واللي يرحم والديش.. مالي مزاج مزح الحين نجلاء برقة: زين وليه تتضايقين.. تبينه قولي وعطي البنت القرين لايت تخلي الرياجيل يكلمون الرياجيل ما تبينه قولي لها بعد .. العرس قسمة ونصيب.. عالية بتوتر: تدرين نجول.. أنا ماعادني ببنوتة صغيرة.. عمري 24 سنة.. ويمكن الخطاطيب اللي جاوني قبل مهوب واجدين على أساس أني صار لي ست سنين برا الدوحة.. ومن اللي يبي يربط نفسه بوحدة مطولة لين ترجع.. أو يمكن أنا أبي أقنع نفسي إن هذا هو السبب المهم..مع كذا كل اللي خطبوني ماحد منهم دخل مزاجي... بس عبدالرحمن غير.. دخل مزاجي من قلب بس أنا وحدة مخي أحيانا يفوت وأصير غثيثة.. ومزحي دمه ثقيل.. أشلون بيستحملني دكتور الجامعة..؟؟ نجلاء بحنان وهي تحتضن كف عالية: علوي قلبي أنتي مافيش قاصر.. كلها كم شهر وتصيرين مهندسة جينية كم مهندس جيني عندنا في قطر... وبعدين حلوة وقلبش طيب.. وبنت خالد آل ليث اللي يأخذش يحب يده مقلوبة... ثم أردفت بمنطقية: وعلى سالفة المزح الثقيل.. البنت عقب العرس غصبا عنها تتغير وتعقل... ثم ابتسمت: أما لو تبين تقعدين على خبالش عقب العرس... اللي عودتي علينا في ساعة.. عالية بذات الضيق: كلمي سميرة خلها تجي.. ونعقد مجلس مشاورات ثم أردفت بشبح ابتسامة: خلها تعرف أني أحسن منها.. ***************************** "منصور من جدك اللي تقوله؟؟ " منصور يثبت نظارته الشمسية على عينيه وينظر للطريق أمامه بعد أن أخذ عفراء من مدرستها قبل دقائق ويهتف بحزم: ليه ذا السوالف فيها مزوح؟؟ عفراء برقة: مهوب المقصد طال عمرك.. بس كساب توه مكلمني يقول لي غانم آل ليث يبيها وأنت الحين تقول لي فهد آل ليث يبيها.. واثنينكم تقولون لي جسي نبضها.. حينها عقد منصور حاجبيه: الحين أنتي اللي من جدش؟؟ عفراء بهدوء: والله من جدي.. منصور هز كتفيه وهتف بحزم: اثنينهم ما فيهم قصور.. بس أنا أبيها لفهد عفراء ابتسمت: وكساب يبيها لغانم.. منصور يبتسم: ما عليش من كسّاب.. اسمعي شوري وبس.. خله يولي زعلان عليها ذا السنين كلها وعقبه جايب لها معرس!! عفراء بهدوء: مزون ذا الأيام تدرس اختبار التوفل عشان قبول الماجستير عطوني كم يوم لين تمتحن وعقبه اسالها.. وهي من حقها تختار اللي تبيه.. ثم أردفت بابتسامة حانية: ياقلبي مزون.. اثنين مرة وحدة منصور يمد يده اليمين لناحيتها ليمسك بكفها ويحتضنها بقوة حانية ويهمس بابتسامة: بس لازم لي أنا وولدي فهد دفعة مدح وإقناع من عندش.. لا تخذلينا تراني معتمد عليش والحين خلنا منهم... أنا عازمش على الغدا برا... ****************************************** كاسرة توجهت بعد صلاة الظهر لاستلام شهادة دورتها الأخيرة كان تميم من أصر على إيصالها... وهاهما عائدين للبيت في السيارة يتبادلان بعض الاشارات الطفيفة.. لأن تميم لابد أن يركز نظره على الطريق وفي أغلب الوقت يغرقان في صمت الإشارات حتى تميم من بعد عقد قرانه وهو يزداد هدوءا وصمتا .. أمر غريب أن يُقال عن من هو صامت دوما أنه إزداد صمتا ولكن هذا ما حدث مع تميم فهناك سكون غريب يلفه... لم يعد حتى يكثر من الحديث مع وضحى كما كان سابقا ووضحى لاحظت ذلك طبعا.. وهي تحاول جاهدة اقتحام حصونه ولكنه لا يشجعها مطلقا بروحه الخالية من الحماسة شيء ما في روحه إنطفأ.. فأقسى ما قد تواجهه روح شفافة كروحه هو إجبارها على عناق روح لا تتقبلها ولو كان يعلم أن ختامه في زواج كهذا كان ليؤجل فكرة الزواج لعدة سنوات أخرى فروحه الفتية مازالت غضة.. طرية.. لا تحتمل قسوة هذا الإجبار.. وربما بعد سنوات كان ليقتنع برأي والدته حين تصيبه عقلانية الكبار البليدة.. لكن الآن أفكاره التي تنبع من روحه الوثابة الأبية هي ما تسيطر عليه الأخرى جواره... غارقة في أفكارها الخاصة موعد زواجها يقترب.. والمشكلة أنها تشعر بنفسها غير مستعدة له.. غير متقبلة لهذا الزوج تحاول أن تلتزم بالحكمة.. وتجعل نفسها الحكيمة في هذا الموقف.. ولكن كل حِكم العالم وحكمته ماعادت تنفع في تفسير كل هذه الفوضى أو تهدئة هذا التوتر!! يرن هاتفها.. تستغرب من سيتصل بها في وقت الظهيرة هكذا لا أحد سوى فاطمة.. رفعت الهاتف.. لتنظر للرقم.. لتشعر بنفورها الغريب يتصاعد في روحها فهي لم تنسَ بعد الرقم الذي اتصلت به بالأمس " وش يبي ذا الوقح بعد صدق ماعنده ذوق وش ذا اللزقة ياربي" لم ترد عليه.. اتصل مرة أخرى لم ترد.. حينها وصلها رسالة: " يا مدام يا بنت الأصول يا للي من زود الذرابة والأدب اللي فيش تشوفين رقم رجالش وتسفهينه عباتش ترا طالعة برا ليتها تلتف على التاير ورقبتش.. ونخلص منش" حينها التفت كاسرة بحدة جوارها لتراه في سيارته من ناحيتها رأت ناظره معقود بغضب وهو ينظر ناحيتها ثم أشاح بنظره عنها في نظرة ازدراء مقصود تماما.. وأسرع بسيارته ليتجاوزهما بينما أشارت هي لتميم حتى يخفف السرعة.. لتفتح الباب ..وتدخل عباءتها دون أدنى اهتمام بنظرة الازدراء من صاحب السيادة.. بعد دقائق يصلون المنزل.. تميم يشير بالسلام ويصعد ومزنة تهتف بقلق فور رؤيتها لها: توني فقدتش.. وين رحتي؟؟ كاسرة تبتسم: رحت أجيب شهادة دورتي الأخيرة قبل أنسى.. جيت بأقول لش عينتش تصلين الظهر.. قلت بأروح وأرجع بسرعة خص إن تميم اللي موديني مهوب مع السواق والخدامة مزنة بتأثر: يامش من أمس وأنا ممتغثة من حريق شغلش الله يكفينا.. كاسرة برقة: ياذا الحريق اللي سويتوه أزمة.. ماصار إلا الخير وهذا أنا قدامش مافيني إلا العافية حينها قاطع حديثهم صوت وضحى المرح: بركات البطل الهمام اللي جابش.. كاسرة تلتفت لها بغيظ ثم تبتسم وترد عليها بخبث لطيف: ذا الأيام شايفة لسانش طايل وعينش زايغة وضحى تضحك: على قولت هريدي خال سميرة (خدي بختك من حجر أختك) مزنة تنهرها: عيب يا بنت.. وضحى تصلهم وهي مبتسمة: لا تكونين صدقتي أنتي وبنتش ... فكوها الله يفكها عليكم.. طالبتكم كاسرة تجلس وتبتسم: فكيناها يا بنت الحلال مزنة تهتف بهدوء: باروح أجهز الغدا للغرف.. قولوا لتميم .. امهاب اليوم عنده رحلة.. وضحى تجلس جنب كاسرة ثم تهمس بتردد: ودي أسأل عن شيء بس أخاف تأكليني كاسرة تهمس لها بخبث لطيف: إسالي عن أي شيء إلا عن كسّاب.. وقتها ماني بماكلتش لا تخافين وضحى بخيبة أمل: يمه سكنية... يأختي بأموت خاطري أدري وش قال لش وهو جايبش أمس الطريق من مكان شغلش لين بيتنا طويل تقريبا يأخذ 40 دقيقة في زحمة الدوحة... مستحيل إنه قعد ساكت أبو الجراءة اللي نط عندش في مكتبش عقب الملكة بكم يوم تكفين علميني!! كاسرة حينها ضحكت برقة: أنتي اللي يمه منش... وحاسبتها بالدقايق.. وأشرايش أقول لش وش صار من الدقيقة واحد لين الدقيقة 40 بالتفصيل الممل وضحى تبتسم: ماعندي مانع.. كلي أذان صاغية.. ولو تبين تحطين عليها بهارات تخليها ساعة ونص يعني مدة فيلم ماعندي مانع بعد حينها همست لها كاسرة بنبرة تشويقية.. فهي ترى الموضوع بات مسليا وفتح حوارا لطيفا بينها وبين شقيقتها: تدرين.. إذا كبرتي شوي علمتش حينها وضعت وضحى يدها على قلبها وهمست بنبرة تمثيلية: يا ويل قلبش يا الوضحي... السالفة فيها لين تكبرين بعد.. اللي رحت وطي الحين بأحط إعلان في الجريدة إني كبّرت عمري 10 سنين عشان نثبت التاريخ الجديد في الأوراق الرسمية يا الله خلاص عمري 32 سنة.. علميني... تكفين كاسرة كاسرة تغمز بعينها: إذا جبتي لي بطاقتش الشخصية بتاريخ ميلادش الجديد... علمتش.. ***************************** "غريبة.. المطعم فاضي" منصور يجلس بعد أن جلست عفراء ويهتف بهدوء: خبرش اليوم دوامات والساعة الحين توها وحدة..عشان كذا مافيه حد عفراء برقة: يعني أقدر افسخ نقابي؟؟ منصور يبتسم: افسخيه خلني أمتع عيوني وأنا أكل.. وعلى العموم أنا اللي وجهي ناحية الباب.. وستاف الخدمة كلهم حريم لو حد دخل باقول لش تلبسينه بعد أن طلبا طلبهما وهما في الانتظار دخلت سيدتان ومعهما طفل جلسوا جميعا والطفل كان يدور بين الطاولات.. ولأن الطاولة الوحيدة المشغولة كانت طاولة منصور وعفراء فهو كان يعبر من جوارهما.. عفراء نادته وأجلسته معهما على الطاولة همست له برقة: وش اسمك يا حلو الطفل بعذوبة : همودي.. منصور يبتسم: حيا الله حمودي الطفل ينظر لمنصور ثم يسأله بصوت خافت: ماعليه أدول لها أنتي هلوه؟؟ منصور حينها انفجر ضاحكا: قل لها أنتي حلوة.. مرخوص.. الطفل حينها ألتفت لعفراء وغمز بعينه ثم قال لها بنبرته الطفولية المحببة: أنتي هلوة منصور حينها ضحك : أنا قلت لك قول حلوة.. مهوب تغمز بعد وأنا قاعد كني طوفة الطفل يضحك: كالي يدول لي.. قول أنتي هلوة وسوو ئينك كدا.. (قالها وهو يغمز بعينه) عفراء تبتسم له برقة: الله يصلح خالك على ذا التعليم.. خوش تعليم... الام نادت ابنها وهي تشير بتهذيب لعفراء... عفراء أخرجت من حقيبتها مصاصة وأعطتها له ثم قبلته وهي تهمس: هذي تأكلها عقب الغدا.. زين الطفل يشير برأسه إيجابا ثم يقفز جوار والدته وهو يفتحها من فوره.. منصور باستغراب: من وين جبتي المصاصة؟؟ عفراء بتلقائية: دايما معي في شنطتي حلويات.. تعودت كذا.. أحب أونس البزران اللي ممكن أصدفهم سواء كنت مسيرة على حد من جماعتي أو في مكان عام منصور بنبرة ذات مغزى: يعني شفقانة على البزران؟؟؟ عفراء بحرج مصدوم: منصور ماله داعي ذا الكلام.. لا تخرب شيء حلو تعودته من سنين منصور بحزم: زين إنه ماله داعي لذا الكلام.. لأنه أنتي عارفة إنه سالفة العيال هذي مابي أسمعها ولا حتى أسمع تلميح عنها مثل التلميح البايخ اللي قبل شوي عفراء بصدمة حقيقية: أنا ألمح منصور؟؟؟ ثم أردفت بعتب: منصور ما تحس إنك زودتها شوي؟!! منصور بتصميم حازم : لا زودتها ولا شيء بس أنا واحد صريح.. وأحب كل شيء واضح قدامش عفراء بذات نبرة العتب الرقيقة: بس ترا فيه خط تماس بين الصراحة واللباقة والوقاحة بعد حينها انقلب وجه منصور وهو يصر على أسنانه: وقاحة؟!! عفراء بألم: منصور لا تمسك لي عالكلمة.. كفاية وجيعتي منك منصور بدهشة: أنا آجعتش؟!! عفراء تتنهد ثم تهتف بألم شفاف: أجعتني؟؟ وتأكيدك بذا الطريقة الجارحة إنك ما تبي شي يربطك فيني ماتشوفه يوجع يعني؟!! منصور أنا ماني ببزر.. وقلت لك أنا موافقة على اللي تبيه.. فليش تبي تحرجني وتجرحني بذا الطريقة؟!! أنهت عبارتها ثم تشرنقت على نفسها تماما.. لم تسمع كلمة واحدة مما قاله منصور بعد ذلك... ولا تريد أن تسمع فصدمتها من تجريحه المباشر لها جعلها عاجزة عن الاستماع لشيء مما يقوله لماذا يريد أن يفسد روح الصفاء التي بدأت تشعر بها تحيك علاقتها به؟؟ لماذا يكون حادا بهذه الطريقة في وقت أبعد ما يكون عن الحدة؟؟ لماذا يريد إفساد عادتها الجميلة بإحادية نظرته؟! بــــــل لماذا يريد بالفعل أن يؤكد لها أنه لا يريد رباطا فعليا يربطها به؟! فرغم أنها وافقت على شرطه.. لكنها في داخلها وأساسها وكينونتها أم.. على الدوام هي أم.. وهي ترى بالفعل أنهما غير كبيران على أن ينجبا أكثر من طفل..تمازج فعلي لروحيهما وارتباط أبدي بينهما أرواح صغيرة عذبة تبعث الحياة في برودة أيامهما.. ولكن هذا كان مجرد تفكير شفاف قررت دفنه في قرارة نفسها.. فلماذا يريد نبشها وتجريحها بهذه الطريقة؟!! لماذا يستكثر عليها حتى مجرد التفكير في الخيال بعد أن حرمها من الحقيقة؟! **************************** " جد ياعلوي يالدبة أنش طحتي واقفة الدكتور الدحمي مرة وحدة... مذوب قلوب بنات الجامعة هو صحيح مهوب ذابحة الزين بس خبرش حن يا بنات الجامعة لا تمر علينا عنز لابسة غترة تسدحنا تحت أرجيلها" عالية تضرب سميرة وتهتف بنبرة غضب تمثيلية: احترمي جوزي يا مئصوفة الرئبة.. هدا حرم عالية آل ليث قصدي بعلها!! نجلاء بنبرة رجاء لطيفة: تكفين علوي بلغي شعاع موافقتش... عشان تملكون قبل أسافر.. حينها احمر وجه عالية رغما عنها... سميرة حينها صفقت وهي تفتح عينيها على اتساعهما وتهتف بصدمة مصنوعة: يا لهوي ... البت طلعت بت على آخر الزمن بتختشي يا بغاشة؟؟ يا جمالو يا جمالو عالية تعاود ضرب سميرة وتهمس باختناق مرح: صدق ما تستحون أنتي وأختش.. هذي تبيني أتملك في ساعة وهذي اشتغلت علينا بخبالها سميرة تمسح يدها مكان ضربة عالية: ول عليها ..إيدها زي المرزبة على قولت خالي هريدي الله يعين الدحمي عليش... الولد أحمراني وتبتوب... عقبش بيسود ويجيه هزال من يدش اللي ما تسنع ضربتها تجين تبين تمزحين معه تقصين عرق المسكين عالية تشعر بتوتر تحاول إخفائه: خلاص يا بنات انتهت المشاورات بكرة أبلغ شعاع سميرة تقفز: وش بكرته... أنتي مهوب صليتي استخارة مرتين وانخمدتي الظهر وقمتي منشرحة للدحمي قومي قولي لشعاع الحين.. وصلي بعد في الليل... لو غيرتي رأيش كلميها الصبح أكيد ماراح يخطبون قبل بكرة عالية بحرج: من جدش أنتي... تقول علي مطفوقة على أخيها... كلمتني اليوم الصبح أرد عليها عقب العشا.. وش ذا الركادة زينة... سميرة تتناول هاتفها: خلاص أنا بأقول لها... وانتي خلش في دور المستحية اللي هو شرق وانتي غرب عالية تقفز بجزع وتتعارك مع سميرة على الهاتف.. بينما نجلاء تقول لعالية بحنو: شعاع وسميرة ربع خليها تبلغها وتفكش من الإحراج.. يعني مافيه داعي تسوين كذا... خلينا نسمع المكالمة وننبسط بعد دقائق شعاع انهت مكالمتها مع سميرة التي بعثت سعادة عميقة في أوصالها رغم قرب وضحى الشديد من روحها ومحبتها التي لا شك فيها لها لكن رفضها لعبدالرحمن جرحها.. فعبدالرحمن هو مصدر السعادة الحقيقية في حياتها فهي كانت ترى شقيقها لا يُرفض.. تعلم أنه مجروح من الرفض حتى وإن لم يبين ذلك لذا قررت أن تبدأ تبحث له عن من يمكن أن تعوضه عن رفض وضحى له وجدت حينها أن عالية تقفز لمخيلتها بقوة جميلة.. قوية الشخصية.. مرحة.. مستواها الفكري والتعليمي سيناسب عبدالرحمن فعلا.. واسرتها أسرة معروفة بالخير والأصل عدا أنهما كان بينهما نسب سابقا... حينما تزوج عبدالله من جوزاء العلاقة بعدها أصبحت بين العائلتين أكثر قوة.. مع وجود طفل بين العائلتين.. رأت أن عالية تناسب عبدالرحمن من مختلف الجوانب حتى ما قد يعتبره البعض عيبا وهو مرحها الزائد... شعرت أنه سيدفع بعضا من الحياة في حياة عبدالرحمن الرتيبة لذا عرضتها على عبدالرحمن.. عبدالرحمن لم يكن راغبا في الزواج فرفض وضحى مازال ماثلا أمام عينيه لم ينسَ جرحه بعد!! لكن شعاع حاصرته: عالية باقي لها فصل واحد وتخلص دراستها اسبق قبل ماحد يسبقك عليها تملكوا الحين.. وإذا رجعت هي من فرنسا نهائي حددوا موعد الزواج حاصرته بشدة..وهي تستخدم مسياستها المغلفة برقتها وعذوبها وافق.. رغم أنه يشعر بقلق عميق أن يُرفض فكرامته لن تحتمل رفضا ثالثا أبدا ولكنها منحته أملا شاسعا أنه سيتم قبوله.. والقبول قد يكون له دفعة إيجابية عميقة في روحه وخصوصا أن نسب رجل جليل كخالد آل ليث لا يُرفض.. وخصوصا أيضا أنها صورت له الفتاة بصورة بالغة الإيجابية وهو يعرف أن شعاع لا يمكن أن تبالغ كذبا.. فهو يعلم أن من المؤكد أن هناك مبالغة حدثت كمحاولة منه لاقناعه وهو ليس غبيا ليعرف أنها تبالغ ولكنه يعلم أنه على الأقل لمبالغتها أساس من الصحة!! وهاهي الآن تدخل عليه بعد أن عاد من صلاة العشاء وعاد لتصحيح ما تبقى من امتحانات طلابه تحاول أن تمنع ابتسامتها من الظهور فلا تستطيع.. لذا تجلس خلفه حتى لا يرى وجهها.. عبدالرحمن يهتف لها بمودة وعيناه مثبتتان على أوراقه: شعاع ياقلبي كأس كرك تكفين.. أبي أمخمخ.. الولد ذا إجاباته بتجيب لي السكتة الحين شعاع تحاول أن تحمل صوتها بالجدية: زين قبل الكرك ما تبي تعرف رد بنت آل ليث؟؟ حينها تيبست أصابع عبدالرحمن على القلم.. ولا شعوريا جف ريقه.. فمطلقا لن يحتمل الرفض الذي بات يشعر أنه سيكون مصيره الدائم هتف بهدوء عميق: مسرع ردوا.. توش قبل الظهر كلمتيهم.. وإلا الرفض مايبي له وقت للتفكير؟!! شعاع حينها وقفت واحتضنته من الخلف وهي تلصق خدها بخده وتهمس بسعادة: إلا الموافقة على عبدالرحمن بن فاضل ما تحتاج تفكير وأنت الصادق عبدالرحمن بذات هدوءه العميق: وافقوا؟؟ شعاع بسعادة عميقة: أكيد وافقوا... ليه تظن كل البنات غبيات مثل بنات خالك.. عبدالرحمن بعتب: شعاع عيب تكلمين كذا على بنات خالش... ماحد ياخذ إلا نصيبه ثم أردف بابتسامة: شعاع والله لا تكونين ورطتيني في عالية ذي.. إن قد يكون العقاب لش مهوب لها على كل شيء بتسويه فيني شعاع تضحك برقة: عالية صحيح ورطة... بس أحلى ورطة.. الله يعينك عليها!! يا الله بكرة خذ إبيك وروح اخطب.. لا تفشلوني في العرب.. مثل ماهم ماقصروا وردوا بسرعة... بينوا بعد أنكم مقدرين موافقتهم السريعة.. ********************************* "تدرين كم مرة قلت آسف من الظهر لين الحين؟؟" منصور يهمس في أذن عفراء بعمق وهو ينحني من عليائه ليحتضن خصرها من الخلف بينما هي تقف أمام المرآة تمشط شعرها عفراء ردت عليه بهدوء تخفي خلفه ضيقها منه: ولا مرة.. من الظهر وأنت تلف وتدور وماقلت لي آسف يعني يوم تجرح.. تكون صريح وما تعرف تلف وتدور.. لكن يوم تجي تعتذر تلف وتدور.. منصور يديرها ناحيته فتنزل عينيها للأرض .. يمد يده ليرفع وجهها إليه.. فلا ترفع نظرها إليه أيضا حينها همس منصور بحزم: عفرا حطي عينش في عينش وأنا باقول لش آسف عفراء تخلصت من قبضته وجلست ثم همست بهدوء عميق: تدري منصور.. أحيانا الواحد من كثر ما يكون متضايق يبي بس يقعد بروحه.. يصفي ذهنه ويريح نفسيته.. وهو بينسى بروحه منصور يجلس جوارها ويهتف بنبرة مقصودة: يعني أفهم من كذا إنش تبيني اخليش لين تروقين بروحش..؟؟ عفراء بذات الهدوء العميق: لو سمحت.. حينها هتف منصور بحزم وهو يشدها بحنو ناحيته: في هذي أقول لش آسف ماني بمخليش أكثر شي أكرهه في الدنيا إني أخلي شيء معلق عشان ينحل بروحه شايفتني غلطت في حقش؟؟.. خلاص أنا أقول لش السموحة وحقش على رأسي لكن إني بأخليش تنامين وأنتي زعلانة علي .. لا والله إنه مايصير ولا يكون ****************************** بعد ثلاثة أيام " بصراحة ماني مصدق.. وأخيرا يا الدب.. ما بغيت" عبدالرحمن بابتسامة: الله يبارك فيك يا الرشيق.. وإلا بس تبغي أنت اللي تصير في حزب المتزوجين وأنا قاعد عزابي مهوب كفاية إنك أنت بتعرس عقب شهرين وأنا قاعد لين حرمنا المصون ترجع عقب ست شهور وعقبه نحدد موعد العرس ما أدري متى مهوب لو الشيخة ماخذه صيفي كان افتكينا..بدل ماهي قاعدة ذا الصيف بدون فايدة؟؟.. امهاب انفجر ضاحكا: نعنبو حاسبها الدكتور بالورقة والقلم... تدري خلني أنا أعرس أول.. عشان يجون عيالي أكبر ويكفخون عيالك مثل ماكنت أكفخك واحنا صغار عبدالرحمن يضحك: تهبى أنت ووجهك... لا تحور الحقائق... أنا الكبير وأنا الدب... وأنا اللي كنت أكفخك امهاب مازال يضحك: خلاص عيالي ينتقمون لي... ثم أردف مهاب بابتسامة: على طاري عيالي.. قم جيب لي ولدي العود.. قد لي يومين ماشفته عبدالرحمن يغمز بعينه: هذا كله حب لحسن وإلا تدور ريحة أم حسن.. مهاب يغمز له بعينه أيضا: يا شينك لا سويت روحك ذكي عبدالرحمن يتوجه للداخل ليطلب من جوزاء تجهيز حسن ليذهب معه للمجلس لأن مهابا يريد أن يراه جوزاء جهزته ولبسته ثم همست لعبدالرحمن بتردد خجول: عبدالرحمن فديتك قل لامهاب لا عاد يعطره تكفى.. هو مايدري إن حسن معه ربو المرة اللي فاتت رجعه لي غرقان عطر.. سبحته والريحة بعد لاصقة فيه ماراحت عبدالرحمن يبتسم بخبث: يبيش تشمين ريحة عطره يا بنت.. حركات يعني.. جوزا تفجر وجهها احمرارا وبدأت تكح من الحرج... بينما عبدالرحمن انفجر ضاحكا: يا بنت الحلال والله العظيم إن لدش هو اللي خذ غرشة العطر من سيارة امهاب وتسبح فيها بروحه شعاع تبتسم برقة بعد خروج عبدالرحمن حاملا حسن: ياسلام على المستحين.. جوزاء تجلس وهي تهتف بتوتر: تدرين شعاع والله لحد الحين ماني بمصدقة إني مرت امهاب.. شعاع تبتسم: وليش إن شاء الله؟؟ جوزاء بتردد حزين: أحسه شيء فوق اللي أستاهله.. حينها انتفضت شعاع غضبا رقيقا كرقتها: رجاء جوزا الكلام السخيف ذا ما أبي أسمعه ألف مرة قلنا مافيش قصور.. مافيش قصور.. متى بتقتنعين؟؟ جوزاء تهمس بألم: إذا اقتنعت بنفسي ومن نفسي *************************** من بعد عقد قرانها وهي معتكفة في غرفتها تعرف أن دور الخجولة لا يناسبها ولكنها بالفعل تشعر بخجل عميق.. تشعر أنها قد تموت حرجا لو وقعت عينها في عين والدها أو أحد أشقائها يكفيها مالاقته من هزاع من تعليقات حينما حضر مع الشيخ حتى يأخذ موافقتها وتوقع العقد.. شعرت حينها أن وجهها تورم حرجا وكان الله عز وجل ينتقم لكل من فعلت فيهم مقالب بحياتها كلها سمعت طرقات هادئة على الباب.. نهضت لتفتح وهي تدعو أن يكون الطارق نجلا عادت من بيت أهلها أو أحد الخادمات.. وليس أحد آخر لأنها تشعر بالخجل حتى من أمها.. فتحت الباب لتجد أمام الباب سلة فخمة راقية من الورد والشيكولاته يتوسطها علبة جلدية بالغة الفخامة مفتوحة ليظهر محتواها عن ساعة رائعة وأنيقة ذات ذوق عال جدا كانت عالية على وشك الانحناء لتأخذ البطاقة المعلقة بها لتتفاجأ بمن قفز أمامها صائحا: ســـربـــرايـــز عالية انتفضت بجزع وخجل: خالي.. صبيت قلبي نايف يشدها ليحتضنها ثم يقبل جبينها ويهتف بمودة شاسعة: مبروك ياقلبي أم صالح قالت لي ان مرت صالح عند أهلها عشان كذا قررت أسوي لش مفاجأة بنفسي عالية انسحبت للداخل وهي تهمس بحرج: أحلى مفاجأة خالي.. مشكور فديتك نايف كان قد حمل هديته ووضعها على مكتبها وهتف بمرح: ياحليلها علوي.. مسوية مستحية على نايف عالية تدير وجهها المحمر: نايف الله يهداك خل القافلة تسير.. لا تعرقلها.. ترا القافلة صدق مستحية.. صدق أو لا تصدق نايف يضحك: لا والله طال عمرش.. لا أصدق.. يا الله هاتي يدش خلني أشوف ذوقي عالية بحرج: خالي ليش مكلف على نفسك.. كان خليت الهدية في العرس نايف يلبسها الساعة ويهتف بمودة صافية: لا يا قلب خالش.. هدية العرس شيء ثاني ثم أردف بمرح: هذي هدية الاحتفال بصيد الفريسة.. بعدين أجيب لش في العرس هدية التهام الفريسة عالية غصبا عنها تبتسم: لذا الدرجة أنا مأساة..؟؟ نايف يبتسم: ليه يعني تبين حد يعرفش شي أنتي عارفته زين... الله يعين الدكتور عليش.. بس صدق ياعلوي ربي رزقش على قد خبالش عبدالرحمن مابعد شفت أوسع من خاطره.. يعني لو حد بيستحملش فبيكون ذا المسكين عالية بغيظ: يعني إنك أنت اللي مستحملني ذا السنين.. ماكني اللي بمستحملة غثاك..؟؟ حينها احتضن نايف كتفيها وهتف بعمق شفاف: ليتش بس تغثيني على طول.. وما تخليني بروحي ******************************* " يا الله وش تبين أجيب لش من فرنسا هدية عرسش؟؟" سميرة بمرح: كل شيء... ما نئولش لأ أنتي كريمة واحنا نستاهل قصدي أبو خالد كريم وأنتي تستاهلين وحن عقبش نستاهل اللي تستاهلينه نجلاء تنهدت بعمق: والله أبو خالد ماعاد كريم مثل أول؟؟ سميرة حينها هتفت بقلق: صالح مقصر عليش بشيء؟؟ نجلاء هزت كتفيها بألم: ليت من قالوا مقصر.. كان تقصيره فلوس وبس البخل بالمشاعر أشين أنواع البخل.. وخصوصا يوم تكونين متعودة إنه أنتي غرقانة في المشاعر وبعدين قحط مشاعر غير طبيعي.. سميرة بقلق: صالح عاده على عادته الغريبة اللي طالعة جديد لا بارك الله في العدوين؟؟ نجلاء بألم: على نفس عادته.. تعبت سميرة.. ما أدري وش فيه.. صاير بارد بشكل ما تعودت على صالح كذا.. عشان كذا حتى أنا صايرة متوترة على طول سميرة تعقد حاجبيها: أنا خاطري أعرف أشلون ذا السالفة بدت؟؟ فجأة صار بارد بدون السبب نجلاء بحرج: لا مو فجأة فجأة.. حينها رفعت سميرة حاجبها وهمست بنبرة ذات مغزى: نجول اعترفي أنتي وش مهببة مع صالح؟؟ نجلاء أخبرت سميرة بكل ماحدث بعد عودتها لصالح... سميرة عقدت حاجبيها وهمست باستغراب: ترا بشكل عام ممكن نقول إن أي رجال بينحط في ذا الموقف.. ممكن يكون ذا تصرفه بس صالح يموت على الأرض اللي تمشين عليها.. على كثر ماكنتي تسفهينه ما يتوب ولا يتعظ وش الصحوة اللي حلت على كرامته المتمرمطة ؟؟ نجلاء حينها قاطعتها بغضب حقيقي: سميرة ما اسمح لش تتكلمين عن أبو خالد كذا سميرة تشير بيدها: بس لا تاكلينا عشان رجالش.. أنا اتكلم من جدي صالح في راسه موال.. وموال كبير بعد.. ومثل ماهو غير مخططاته.. انتي غيري مخططاتش.. نجلاء بضيق: يعني شأسوي؟؟ سميرة تهز كتفيها: ما أدري صراحة.. مخي وقف.. ماعاد نعطي نصايح.. سكرنا الدكان.. ثم أردفت وهي ترقص حاجبيها: مخي الحين فيه تميم وبس.. وبعدين أنا وحدة عرسي عقب شهرين.. المخ اللي فيني باخليه لي... ********************************* "وش فيش شكلش متضايقة" كاسرة تسأل وضحى بحزم ذا مغزى وضحى بهدوء ساكن: من قال لش متضايقة؟؟ كاسرة تنزل حاجبا وترفع آخرا: لا حاشاش منتي بمتضايقة كنتي تضحكين وتسولفين وأول ما سكرت أمي التلفون مع عمتي التي كانت تبي تبشرها بملكة عبدالرحمن وأمي قالت لنا... وأنتي مثل تلفزيون من أعلى صوت للصامت.. لا وتقومين وتسكرين على نفسش في غرفتش وعقبه تقولين منتي بمتضايقة... وش الضيقة زين؟؟ وضحى حينها همست بضيق: حتى لو كنت حاسة بالضيق مهوب من حقش تفتشين مشاعري.. من حقي أتضايق مثل ما أبي حينها أمسكت كاسرة بعضد وضحى وغرزت أناملها فيه: لا مهوب من حقش تتضايقين ليش؟؟ لأن رفض عبدالرحمن كان قرارش.. حتى لو تضايقتي وندمتي على قرار غبي سويتيه ما تخلين حد يتشمت فيش.. بكرة بنات عمتش يبون يفتشون في عيونش على الندم على أنش ضيعتي أخيهم من يدش إياني وإياش تعطينهم ذا الفرصة... ما أقول إن بنات عمتي نفوسهم شينة.. حاشاهم بس هم مجروحين من رفض أخيهم.. ويبون ينتقمون حتى لو بإحساس مخفي في قلوبهم حينها همست وضحى بضيق عميق: كاسرة أنا ما أنا بمتضايقة عشان عبدالرحمن خذ عالية الله يوفقهم لكن حسيت إنه كان مستخف فيني.. يعني رفضته من هنا.. راح خطبتها من هنا يعني كنه ما صدق.. كاسرة بحزم: لا تفكرين بذا الطريقة.. عبدالرحمن من حقه يدور على شيء يرد كرامته لا تستكثرين عليه ذا الشيء... مثل ما أنتي شفتي إنه خطبته لش كان فيها أخذ من كرامتش رفضش له جرح كرامته... وعلى كل حال... السالفة كلها انتهت... وعبدالرحمن شيليه من بالش.. إنسيه ثم اردفت بحزم أشد وعيناها تنظران بشكل مباشر لعيني وضحى: سمعتيني... إنسيه ويا ويلش أشوف عيونش وإلا في صوتش ضيق عشانه ما أبي شيء مثل ذا يهزش وإلا يأثر عليش ************************************ "يبه عطني فنجالك.. أصب لك" زايد يهز فنجانه.. وبهتف بحنو: شكّرت يأبيك وبعدين ذا الصبي المقهوي واقف.. ما أدري ليه ملزم أنت اللي تصب.. علي بمودة: أبي أنا اللي أقهويك جعلني فداك.. زايد بمودة مشابهة: إلا يومي قبل يومك.. ثم أردف بأمل شاسع وهو يشد له نفسا عميقا: أنت أربك منت برايح قدام عرس كساب..؟؟ خلاص ماعاد إلا أقل من أسبوعين.. ما يثمن تروح وترجع.. علي ابتسم: لا ...قاعد.. أشرق وجه زايد: الله يبشرك بالخير.. زين أربك بتقعد عندنا عقب العرس شوي بعد؟؟ أدري إني مسختها يأبيك.. بس كساب رايح.. وانت بعد تبي تروح معه..؟ ابتسامة علي تتسع: وقاعد بعد عقب عرس كساب.. لين تزهق مني.. زايد بحنو: إذا بتنتظرني لين أزهق..عز الله ما شبرت برا الدوحة.. (ما شبرت= ماخرجت حتى شبرا) حينها وصلت ابتسامة علي لحدها الأقصى: وحن ماعادنا بمشبرين برا الدوحة حينها اختنقت الكلمات في حنجرة زايد.. أ حقا ما فهمه؟!! أ حقا لن يغادره علي.. يخشى أن يسأله فيكون مافهمه خطأ فتنحر فرحته الوليدة ويخشى ألا يسأله ويكون يعلق نفسه في سعادة ستنتزع منه قريبا لذا هتف بهدوء حازم رغم انشداد أوتار قلبه لحدها الأقصى: أشلون يعني؟؟ علي مال على كتف زايد ليقبله ثم يهمس بابتسامة ودودة: خلاص خليت مكتب التمثيل الخارجي.. ونقلت هنا...قاعد عندك.. صحيح السالفة كانت بتتعقد شوي.. قالوا لي أنت تكلم انجليزي وفرنسي ومحتاجينك في السفارات برا.. بس أنا أقنعتهم إني في مراسيم استقبال الوفود بأكون أنفع.. وخلاص هذا أنا عندك.. حينها اتسعت ابتسامة زايد لحدها الأقصى وقلبه حلق ومشاعره غردت وهو يمد كفه ليربت على كتف علي ويهتف بسعادة صافية: الله لا يخليني منك يأبيك.. تو ما برد قلبي اللي له أربع سنين ماعرف راحة الله سبحانه أكرم من كل شيء كساب يريح بالي ويتزوج اللي أبيها له.. ومزون تخلي الشغلة اللي كانت مروعتني عليها وعمك منصور يتزوج عفرا.. وختامها مسك.. أنا أشهد إن ختامها مسك برجعتك لي.. ما أبي زود.. اللهم لك الحمد والشكر ********************************** "جاهزة لبكرة" يهمس بإرهاق وهو يلقي غترته.. نجلاء بخفوت: كل شيء جاهز.. صالح بهدوء: الطيارة الساعة 11 الصبح أنا بأطلع الصبح بدري.. فيه أوراق للشغل بأسلمها واحد من الربع وأرجع الساعة 8 ونص ألاقيكم جاهزين.. نجلاء بنفس الخفوت: إن شاء الله يغلق عينيه وهو يسند رأسه لطرف الأريكة تنظر له بشفافية.. يبدو مرهقا فعلا.. خطوط وجهه.. والهالات حول عينيه كم تتمنى لو استطاعت مسح ملامح التعب عن وجهه كم تتمنى لو تمسح على صفحة خده تخلل أناملها خصلات شعره التي تشعر بلهفة لملامستها يبدو أنه مرَّ قرن منذ آخر مرة عبثت أناملها بمفارق رأسه كم تتمنى لو تقبل أجفانه المثقلة بالإرهاق.. تلصق حرير خدها بخشونة عارضه!! ترتمي في حضنه وتختبئ بين عضلات صدره.. تتنفس عطره من قريب تستمع لأحاديثه التي لا تنتهي حول كل شيء وهو كعادته يداعب خصلات شعرها أو يشد أناملها قريبا من قلبه.. لماذا بات كل شيء معقدا هكذا؟؟ لماذا؟؟ لــــمـــــاذا؟؟ لـــــــمـــــــاذا؟؟ *************************************** "حبيبتي الحلوة.. عادها زعلانة عليّ" يهمس في أذنها وهي مازالت نائمة ليعقب همسه بقبلاته المرفرفة عفراء تفتح عينيها وتهمس بصوت ناعس رقيق: هذي طريقة تصحي فيها النايمين؟؟ منصور يبتسم: يخسون النايمين.. هذي طريقة لحبيبتي بس.. يا الله عادش زعلانة..؟؟ عفراء تعتدل جالسة وهي تمسح وجهها.. وتعيد شعرها للخلف وتهمس برقة خجولة: شكلك تبي تزعلني غصب يا أبو زايد.. من اول يوم قلت لك الحطب طاح منصور يبتسم ابتسامة شاسعة: بس أنا أدري إنش أول يوم قلتي لي الحطب طاح عشان تخلصين من إلحاحي بس.. عفرء تمد يدها لتمسح على خده وتهمس بعذوبة: زين إنك عارف إنك لحوح.. يتناول يدها من خده ليقبل باطنها ثم يشدها لتقف ويهتف بجدية: اليوم مزون بتمتحن خلاص.. أبيش تكلمينها عن فهد عفراء تتناول روبها وتلفه على جسدها وتجلس لتهمس بهدوء: إن شاء الله يأبو زايد.. لا تحاتي منصور يجلس جوارها ويحيط كتفيها بذراعه ويهتف بهدوء باسم: خلصتي التجهيز لعرس كساب؟؟ حينها اتسعت ابتسامتها بشفافية عميقة: خلصت كل شيء ثم أردفت بعمق أمومي حميم: فديت قلب كساب يامنصور.. ماني بمتخيلة إنه بيتزوج أخيرا.. وإنه إن شاء الله عقب سنة بأصير جدة كساب يستاهل يرتاح.. طول عمره راكبه الهم.. وباله مشغول.. حينها أردف منصور وهو يقلد طريقتها : (فديت قلب كساب يامنصور) وإلا منصور مسيكين مايطري على حد يطري قلبه بكلمة.. عفراء بحرج: منصور لا تمسك لي عالكلمة.. منصور يبتسم: عطيني كلام مثله وأنا ماعاد أمسك فيه عفراء تقف هاربة: بأروح أجهز فطورك..على ما تلبس منصور يضحك: يازين الهريبة ياناس ثم أردف بابتسامة: أكيد مستانسة إني راجع الدوام عشان ترجعين لطالباتش تحاتينهم كنهم بناتش.. حينها توقفت عفراء وهي تهمس بهدوء عميق: على طاري البنات.. البارحة كلمت دكتورة بنتي.. صار لها كم يوم راجعة تقول إني أقدر أشوف جميلة عقب أسبوعين ثلاثة.. فلو ماعندك مانع .. أبي أروح لها عقب عرس كساب.. ولو أنت ما تقدر خليت علي يوديني.. تجمدت أصابع منصور انفعالا لم يظهر للعيان وهو يهتف بحزم: لا أنا اللي بأوديش متى ما بغيتي عفراء ابتسمت بشفافية وهي تدخل الحمام: الله لا يخليني منك يابو زايد منصور مازال جالسا في مقعده ويهمس بعمق خافت به رنة وجع خفية بعد أن أغلقت عليها الباب: ولا يخليني منش.. بعد حوالي 40 دقيقة منصور في سيارته متوجه لعمله.. تخطر له الكثير من الخواطر المزعجة التي باتت تبعث ضيقا عميقا في روحه يكره إحساس التشويش والفوضى الذي يعيشه ..يريد أن يقف على أرض صلبة أن يعلم أين رأسه من قدميه؟؟ فهل يبقى متوترا هكذا من شبح شيء قد لا يكون له أهمية؟؟ لذا يقرر إجراء اتصال عله يريحه قليلا ولو أنه علم أن هذا الاتصال سيرفع قلقه للذروة القصوى ماكان مطلقا ليجريه ولجعل لنفسه مهلة يتأرجح فيها الأمل في جوانحه.. بدلا من نحره!! وصله صوتها الرقيق محملا بالقلق: فيه شيء يا عمي؟؟ منصور بمودة: وعشان أتصل أصبح على بنتي لازم يكون فيه شيء؟؟ مزون بابتسامة قلقة: لا فديتك.. بس الساعة توها ست ونص الحين.. وتروعت منصور بذات المودة: أدري إنش أكيد قاعدة تدرسين لامتحانش.. وحبيت أصبح عليش وأقول الله يوفقش حينها ابتسمت بشفافية: صباحك كله خير جعلني الأولة.. ودعواتك.. منصور يبتسم: أنتي ماشاء الله ما ينخاف عليش... ثم أردف بنبرة غامضة: مزون لو بغيت أسألش سؤال غبي شوي تجاوبيني وتخلينه سر بيننا مزون رغم استغرابها ابتسمت: حاضرين عمي.. وعيوني لك.. ولا تحاتي السرية.. توب سيكرت حينها أردف منصور بحزم: مثل منتي عارفة جميلة صارت بنتي بس أنا مابعد أعرف طبايعها.. فلو هي.... بدا له السؤال صعبا على كرامته واعتداده بنفسه ولكنه مجبر عليه لذا أردف بحزم أشد: فلو هي عرفت بزواج أمها.. وش ممكن تكون ردة فعلها؟؟ حينها ضحكت مزون برقة: كل شيء ممكن يطري على بالك.. جميلة دلوعة وواجد متعلقة في خالتي.. منصور بنبرة غموض حاول أن يجعلها في طريقة سؤال مرح: يعني مثلا ممكن تقول لها تطلقي؟؟ مزون مازالت تضحك: أووووه ..هذا أصلا أول شيء بتقوله.. وبتسوي فيلم هندي على سبته.. وبتبكي وبتصارخ وتعاتب بس من اللي بيأخذ بكلام جميلة؟؟ أنت وخالتي اسمعوا من هنا وطلعوا من هنا.. مسيرها تكبر وتعقل.. أصابع منصور تيبست على هاتفه وضيق عظيم يتصاعد في روحه لم يظهر في صوته الحازم: يا الله يأبيش ما أعطلش أكثر من كذا.. والله الله بالدراسة!! أنهى اتصاله وألقى بالهاتف على المقعد الخالي جواره وهو يصر على أسنانه بقهر عظيم: ليتني ما كلمتها!! ليتني ما كلمتها!! ********************************** في سيارة أخرى بعد ذلك بساعة رجل آخر تشغل تفكيره امرأة أخرى وما لا تعلمه أنه مثلها يعلق على السفر أمالا كثيرة أنه سيفتح بابا جديدا للصفاء بينهما يستنزفه اشتياقه لها ويستنزفه ابتعاده عنها ويستنزفه هذا الجو المتوتر حولهما!! ولكن كرامته ماعادت تحتمل المزيد فلأنها تعرف بتمكنها في قلبه.. ظلت تعبث به طوال هذه السنوات.. تقربه حين تريد وتبعده حين يريد ولكنه قبل ذلك لم يكن يسمح لها أن تبعده.. كان دائما يقتحم حصونها التي تتمترس داخلها كان دائما هو من يبادر للارضاء والمصالحة.. حتى مع شدة غضبه من موضوع تأخيرها للحمل.. لم تعتذر له هي يوما جعلت لنفسها الأعذار في حرمانه من حقوقه.. أوجدت لنفسها كل عذر بينما هو لم تجد له أي عذر طوال السنوات الماضية.. عشقها كما لم يعشق رجلا امرأة.. لا يستطيع أن يكون جاحدا وينكر أنها تبادله المشاعر فهو يعلم أن نجلا تحبه كما يحبها.. وكانت بالفعل كزوجة وأم وربة بيت بل كإنسان مثال رفيع للعطاء ولكنها في الحب نفسه أنانية.. تريد أن تأخذ أكثر مما تعطي.. تعب من كل هذا.. يريد أن يكون إحساسها به كأحساسه بها.. يريدها أن تهبه مشاعرها بلا مقياس كما كان دائما يغرقها في طوفان مشاعره بلا حساب.. فربما بعد تجاهله الأخير.. عرفت ذنبها في حقه وربما يكون هذا السفر هو السبيل لإنهاء المشاكل العالقة بينهما وهو غارق في أفكاره رن هاتفه.. التقطه.. لا يظهر له رقم.. فقط كلمة (مكالمة) استغرب.. تناول هاتفه ورد وصله صوت الطرف الثاني.. صوت ثقيل صاف النبرات: صباح الخير صالح بهدوء رغم استغرابه: صباح النور ذات الصوت الثقيل برزانة: حضرتك صالح بن خالد آل ليث الــ صالح باستغراب فعلي: نعم؟؟ فيه شيء؟؟ ومن حضرتك؟؟ الرجل بنفس التبرة الثقيلة: معك وزارة الخارجية من مكتب الارتباط الخارجي.. ونبيك تجينا الحين.. صالح باستغراب: بس انا وراي طيارة..ومسافر بعد شوي الرجل بحزم: اسمعني ياخوي صالح.. الموضوع ما يتأجل.. وبصراحة أنا اتصلت فيك لأني ما أبي اتصل في الوالد.. لأني والله بعدني ما نسيت إللي صار لأبوك عندنا هنا قبل حوالي 4 سنين والله إني وقتها ندمت إني اتصلت فيه.. تمنيت لو اتصلت بحد غيره منكم فلو أنت ما تقدر تجي بأتصل في أخوك فهد.. الأرقام كلها قدامي الحين تفجر قلق صالح عاتيا: لا أنا اللي بأجي.. لا تتصل في فهد بس إبي وش دخله في السالفة.. وأنتو وش سالفتكم؟؟ الرجل بذات الحزم: تعال الحين وأنت بتفهم السالفة.. أنا بأحط اسمك عند السيكورتي عند الباب.. عطهم الاسم أول ما توصل وهم بيوصلونك لين مكتبي صالح بقلق شاسع: زين أعرف على الأقل الموضوع وش هو الرجل ألقى قنبلته التي تفجرت براكين عاتية مدمرة مصدومة في داخل صالح : الموضوع يخص أخوك عــبــدالله.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والعشرون "حياك الله.. أنا أبو محمد.. نورت مكتبنا" "الله يحيك ويبقيك" " وش تشرب طال عمرك؟؟" " اشرب؟؟ لا طال عمرك.. شربتني من الروعة ما يكفي وزود.. طمني وبس.. دخيلك يابو محمد .. وش السالفة؟؟" أبو محمد يتنهد بعمق عانى صعوبة في نفث زفراته.. ثم هتف بحزم مهني ضروري: والله العظيم ماني بعارف من وين أبدأ.. وخصوصا إنه أنا سبحان الله اللي بلغت أبوك قبل حوالي 4 سنوات وتدور السنين وأرجع أبلغك أنت بشيء ثاني..وكل السالفتين توجع تدري يأخوي صالح.. إنه عقب اللي صار لأبوك في مكتبي هنا.. إني قعدت كم يوم بعدها أحلم فيه كل ليلة يا سبحان الله لأبوك هيبة وقدر وتأثير ما تتخيل أشلون أثر فيني انا ترا جيت وعزيت في عبدالله مع أني ما أعرفه ولا أعرفكم بس حبيت أتطمن على أبوك عقب اللي صار له هنا يانا تفاجأت من وقفته كنه يا جبل ما تهزك ريح وهو يستقبل المعزين وأنا عارف إنه فجيعته فوق كل حد.. صالح بقلق شديد: الله يهداك أنا بروحي متروع من حكيك وزود روعتني على إبي.. تكفى وش اللي صاير..وإبي وش سالفته معكم؟؟؟ . . . قبل أقل من 4 سنوات .. نفس المكتب.. نفس الشخص.. لكن مع فرد آخر من عائلة آل ليث تختنق الكلمات في حلق أبي محمد.. لم يتخيل أن المهمة ستكون صعبة هكذا تمنى لو أنه لم يتصل بالوالد.. تمنى لو أنه أتصل بأحد الأشقاء كم بدا له مؤلما حتى نخاع النخاع كسر كل هذه الهيبة.. هذا الجلال.. هذا الاعتداد العظيم!! ولكن ما باليد حيلة.. فالشيخ يقف أمامه ويسأل عن سبب استدعائه بهذه الطريقة العاجلة: وش فيك يا ولدي ساكت؟؟ أنتو طالبيني.. وصار لي عندك ربع ساعة وأنت تلف وتدور يأبيك عندك شيء تبي تقوله، قوله.. ماعندك ، خلني أتسهل أبو محمد بالفعل اختنقت الكلمات في حنجرته: ولدك عبدالله.....؟؟ حينها تقلصت قبضة أبي صالح بعنف وقلبه قفز لحنجرته التي تشققت جزعا مفاجئا وهو يحاول الاعتصام بالجَلَد: وش فيه عبدالله؟؟ أبو محمد بكلمات مبتورة تمنى لو يغير من حقيقتها التي لا تتغير شيئا: يـ ـطـ لـ بك الـ.. يطلبك البيحة... حــــيــنــهـــا حــيــــنــــــــهــــــــا أي كلمات تصف شعور الفجيعة حينها؟؟ كل الكلمات قاصرة.. هزيلة.. لا معنى لها.. أ هكذا يُفجع أنه لن يراه مرة أخرى.. وهو من كان يعد الساعات والدقائق لعودته!! أي فجيعة هذه؟؟ أي فجيعة؟؟ اسودت الرؤية.. غامت النظرة انهار كتفا الرجل العظيم ليغوص رأسه بينهما... وهو يسند رأسه لكفه ويغمغم بصوت مختنق قادم من هوة بلا قرار: يطلبني البيحة؟؟ تقول يطلبني البيحة؟؟ يهز رأسه عاجزا عن التصديق.. بل رافضا أن يصدق: عبدالله مات.. مات خلاص؟؟ أبو محمد وقف وتوجه لأبي صالح وربت على كتفه وهتف بإيمان موجوع: قول إنا لله وإنا إليه راجعون.. أبو صالح غمغم بصوت مكسور مبحوح: إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون يا الله الثبات من عندك.. يا الله الثبات من عندك.. ثم بقي لدقيقة عاجزا عن النطق.. لا يجد حتى الكلمات.. فهو هاتفه للتو من أيام.. ثم استغرب انقطاعه عنه..وكان يحاول الاتصال به ولكن هاتفه كان مغلقا على الدوام.. ولكن منذ أيام فقط كان صوته الغالي يصب في عمق قلبه فأي صوت بعد صوتك ياعبدالله؟؟ أي صوت؟؟ سحب له أنفاسا شعر بها كشفرات تمزق رئتيه المختنقة: وش سببه بعد الله سبحانه؟؟ نبي نروح نجيبه يدفن هنا يأبيك؟؟ أبو محمد يشعر أنه سيبكي نيابة عن هذا الرجل العظيم الذي ضن عليه شموخه بالبكاء حتى وإن كانت روحه تنزف كل دموع الأرض: ما تقدر تجيبه ياعمي.. ما تقدر حينها غامت عينا أبي صالح بجزع إن كان يصح تسمية هذا الشعور المرير الجارح المتغلغل صدمة ووجعا مجرد (جزع): حتى جثة تقر عيني بشوفتها مافيه...ليه؟؟ ليه؟؟ لــــــيـــــه؟؟ ولدي أشلون مات.. أشلون مات؟؟ وين جثته؟؟ أبو محمد باختناق: ما لقوا له جثة.. والله أنهم حاولوا.. والسفارة والخارجية قدمت مذكرة بإعادة البحث.. بس مالقوها.. والله العظيم مالقوها أي ألم هذا أي ألم.. قفز أبو صالح عن مقعده صائحا بكل ألم الدنيا: أشلون ما لقوها؟؟ حينها ألقى أبو محمد قنبلته المؤلمة الموجعة التي تفجرت في روح خالد قيحا وصديدا لم تتوقف مرارتهما من ذلك الحين: ياعمي ولدك انتحر.. قط روحه في البحر من فوق جسر.. انتهى انفجار قنبلة أبي محمد ليبدأ مفعولها المتوحش في روح أبي صالح حــيــنـهــا انـــهـــار.. انهدم جالسا على مقعده.. انهار وهو يتمتم بكلمات ميتة: ولدي ما يموت كافر.. ولدي ما يموت كافر ولدي ما يموت كافر!! ليتعالى صراخه الموجوع: ما يموت كـــــــافــــــــر.. ما يموت كــــــــافـــــــــر.. قل لي إنه سوى حادث.. قل لي إنه احترق.. قل لي تفجرت به طيارة.. قل لي أي شيء.. أي شيء ممكن يفجع أي إب على ولده.. أي فجيعة إلا ذا الشيء يا ولدي.. إلا ذا الشيء.. تكفى.. تكفى قل لي إن ولدي مامات كافر.. لا تقول لي إنه مطرود من رحمة ربه.. تكفى يأبيك.. قل لي شيء غير ذا.. طالبك.. طالبك.. ولدي ما يموت كافر.. ما يموت كافر.. تكرم لحيته اللي ربيتها على الدين والمراجل.. فأشلون يموت كافر؟؟ أشلون؟؟ . . . اليوم " أخي ما يموت كافر.. مستحيل أصدق.. مستحيل عبدالله مصلي.. والفرض ما يفوته مستحيل.. مستحيل.." صراخ صالح الموجوع يتعالى اليوم كما تعالى صراخ والده في ذات المكان قبل حوالي أربع سنوات أبو محمد يشير لصالح أن يهدأ رغم تأثره العميق من ثورة صالح الموجوعة ويهتف له بهدوء: وأخيك فعلا ما انتحر بس هو ضبط السالفة وأقنع الكل إنه انتحر.. وأخفى كل اثر له تخيل حتى الشرطة الأميركية مادلته.. ملابسه خلاها فوق جسر بروكلين في نيويورك في أقصى شرق أمريكا وعاش عقبها في بورتلاند ولاية أريغون في أقصى غرب شمال أمريكا.. صالح صرخ بكل ذهول العالم وصدمته: يعني عبدالله حي؟؟ أبو محمد بهدوء شديد الحذر: حي.. ثم أردف وهو يمد يده لورقة على مكتبه ويمدها لصالح: هذي الرسالة اللي هو خلاها مع جوازه وملابسه اللي كانت عند الجسر عطيتها أبيك ذاك اليوم وقراها.. ثم داس عليها برجله وهو يقول بوجيعة ما نسيتها عمري (مات كافر وخسيس) وأنا احتفظت فيها من ذاك اليوم لأنها تعتبر مستند.. صالح تناول الرسالة بيد مرتجفة وفضها بقلب أكثر ارتجافا: " يبه.. صالح.. أنا عارف إن واحد منكم هو اللي بيقرأ رسالتي أنا تعبت من ذا الدنيا عندي مشاكل كثيرة ما تدرون عنها وخلاص ما أقدر أعيش مع ذا المشاكل أبي أرتاح من ذا الدنيا... أدري إن ذنبي كبير أطلب منكم السماح... ودايما ادعو لي.. وتراني ظلمت جوزا كثير..ظلمتها فوق ما تتخيلون.. تراها وصيتي لكم تكفون ما يلحقها ضيم لين ربي يشوف لها نصيب أحسن مني" صالح يغمض عينيه ويغلقهما.. عاجز عن التصديق.. عاجز عن التفكير أ حقا كل هذا الجنون؟؟ وما الذي يدفع عبدالله لكل هذا؟؟ لماذا يؤلف حكاية كهذه؟؟ وكيف استطاع أن يجعل والده يواجه كل هذا الألم وهو يخبر الجميع أن عبدالله توفي في حادث سيارة هناك وأن السفارة ستتولى دفنه.. وحلف على صالح أن لا يذهب هناك رغم أنه كان سيجن ليذهب لإحضاره يحاول صالح تخيل كل هذا الألم الذي عاناه والده وحيدا.. فلا يستطيع التخيل حتى!! الآن فهم رفضه تسمية حسن باسم والده.. الآن فهم نظرة الغضب والأسى العارمين التي كانت تلون وجهه كلما سمع ذكر عبدالله الآن فهم السنوات التي تضاعفت على كاهل والده الآن اكتملت الصورة.. كان يستغرب رفضه لذكر عبدالله عنده وكان يحاول تفسيره أن ذكر عبدالله يؤلمه لأنه يقلب مواجعه.. ولكن هذا التفسير لم يكن يقنعه.. لم يكن يقنعه.. ولكنه لم يجد سواه.. الآن يستطيع تفهم أي صراع نفسي مرير عاشه والده طوال السنوات الماضية وأي ألم هو؟؟ أي ألم؟؟ أبو محمد يكمل حديثه بحذر: ترا كان مع الورقة ذي ورقة ثانية.. بس ما أدري أبيك قراها أو لا.. لأنه بعد ماقرأ الرسالة.. قط الاوراق كلها وداسها وطلع صالح بتساؤل: أي ورقة؟؟ أبو محمد بذات الحذر: عقد طلاق موثق في السفارة القطرية في واشنطن.. يومها يوم شفته.. قلت رجال يبي ينتحر.. ليش يطلق مرته.. بس الحين فهمت.. صالح ينتفض بغضب وحرقة: وعبدالله ليش يسوي ذا كله؟؟ وأشلون هنّا عليه كلنا.. هان عليه يسوي فينا كذا.. ليه يا عبدالله؟؟ ليه؟؟ ليه؟؟ ******************************* تكاد تجن من القلق... الظهر أذن.. وموعد الطائرة فات.. وماعاد يهمها موعد الطائرة مطلقا.. لا تريد أن تسافر حتى تريد فقط أن تطمئن عليه.. البيت كله في حالة استنفار.. بعد تأخر صالح عن أخذ أولاده للرحلة ثم وهو لا يجيب مطلقا على أي اتصال... فهد وهزاع وحتى غانم ونايف... كل واحد منهم توجه لجهة للبحث عن صالح... فغيابه بهذه الصورة لم يكن طبيعيا أبدا أم غانم وسميرة حينما علمتا أن نجلا لم تسافر وزوجها غائب.. قررا أن يتوجها لها من باب المؤازرة خوفا أن يكون قد حدث له سوء وتريدان أن تكونا مع نجلا حينما تتلقى الخبر ولكن رؤيتهما كان لها تأثير عكسي تماما على نجلا كانت تجلس مع أم صالح وعالية في الأسفل كل واحدة منهن تحاول الاعتصام بالقوة حتى لا تثير القلق في الاثنتين الأخريين ولكنهن ثلاثتهن كن يذبن قلقا وجزعا.. وأناملهن تمر على هواتفهن بجزع متوتر أم غانم وسميرة دخلتا.. نجلا حينما رأتهما.. جف ريقها.. وقلبها هبط بين قدميها وهي تتمتم بصوت خافت: صالح فيه شيء؟؟ صالح فيه شيء؟؟ ليبدأ صوتها بالارتفاع: صالح فيه شيء؟؟ لتصلها والدتها وهي تربت على كتفها بحنان: مافيه شيء يأمش.. ليش تفاولين؟؟ ولكن صوتها تحول لصراخ مفجوع: وش انتو داسين علي؟؟ صالح وش فيه؟؟ صالح وش فيه؟؟ ليتعالى صراخها بهستيرية أكبر والكل يحاول تهدئتها.. والكل مصدوم من ثورتها فلطالما كانت نجلا شديدة التحكم بأعصابها وانفعالاتها ولكن صراخها تعالى أكثر وأكثر.. وجسدها يرتعش بعنف ليسقط مغشيا عليها بين أيديهن.. ****************************** بعد صلاة الظهر بساعة.. صالح صلى هناك وعاد لإكمال حواره مع أبي محمد.. فور انتهائهما من الحديث هتف صالح بحزم بالغ أخفى خلفه صدمته وألمه لما حدث لشقيقه: أنا أبي أسافر لواشنطن في أسرع وقت.. بس خايف من تأخير الفيزا.. تقدرون تساعدوني؟؟ أبو محمد أجابه بتصميم: تبي تسافر الليلة؟؟ صالح بلهفة ورجاء شديدين: ياليت.. يا ليت أبو محمد بثقة: عطني جوازك وصور شخصية لك الحين.. الوزير بنفسه مهتم من موضوع أخوك احنا بنتوسط لك عند السفارة الأميركية تخلص الفيزا اليوم روح انت احجز وعلى العصر ارجع على السفارة إن شاء الله إنك تلاقي فيزتك جاهزة صالح يقف ويهتف بتصميم شديد: مشكور ياخي الله يكثر من أمثالك أنا طالع الحين أحجز على أقرب طيارة.. أبو محمد يصافح صالح ويهتف له: هذا رقم تلفوني حدد لنا موعد وصولك وبتلاقي مندوب من السفارة ينتظرك هناك.. صالح خرج من عنده... لم يكن في رأسه سوى أن يحجز فقط تفكيره غارق في التبلد وليس فيه سوى عبدالله وماحدث عبدالله وأنه لابد أن يراه في أقرب فرصة.. لو استطاع أن يطير حتى لطار ليس به صبر.. ليس به صبر.. توجه لأقرب محل سفريات.. عانى قليلا ليجد له حجزا مستعجلا في طائرة تطير قبل المغرب بقليل هاهو يقود سيارته عائدا للبيت وغارقا في الهم والتفكير أ يعقل كل ما حدث؟؟ أ يعقل أن عبدالله مازال حيا؟؟ أي صدمة هذه؟؟ كيف يستطيع اخبار أهله بهذا؟؟ كيف يستطيع أخبارهم كل هذه التفاصيل الفاجعة؟؟ وكيف أخفى عليه والده كل هذا؟؟؟ لو أن والده أخبره.. كان يستحيل أن يصدق أن عبدالله قد يفعل ذلك كان قد شك أن هناك ما هو أكبر كان ليذهب بنفسه ويتأكد.. هو كان سيعرف كيف يجده.. حتى لو أختبأ في بطن الحوت لأنه يعرف أساس الحكاية التي لا يعرفها والدهما!! يتنهد بعمق.. لا يستطيع إصلاح الماضي.. فما مضى قد مضى ومن معرفته لوالده.. يعرف أنه يستحيل يسامح عبدالله بعد مافعله بهم.. لذا يجب أن يدرس خطواته بدقة تحسبا للتاثيرات أول شيء سيفعله أنه لن يخبر أحد بسبب سفره .. سيخترع لهم أي سبب.. وهو غارق في أفكاره تذكر بجزع أكبر الرحلة التي فاتته وأهله الذين لابد جزعين عليه.. كان يقترب من بيتهم والوقت قبل صلاة العصر بقليل.. "كيف نسيَ أن يطمئنهم؟؟ كيف نسيَ؟؟" تناول هاتفه ليفجع فعلا من عدد الاتصالات التي لم يرد عليها تجاوزت المئة اتصال.. من والده وأشقائه وعمه وغانم ونايف.. والدته وعالية ونجلا وحتى بعض خالاته.. ضرب مقدمة رأسه وهو يلوم نفسه على نسيان أن يتصل بهم ليطمئنهم ولكن مع الخبر الصدمة الذي صُدم به كيف يجد له مساحة للتفكير بشيء آخر؟! تنهد بعمق وهو يشد أنفاسه ويتناول هاتفه ويتصل .. في ذات الوقت.. في مجلس الحريم في بيت خالد آل ليث نجلاء تنتحب بصوت خافت على كتف والدتها التي كانت دموعها تنساب بصمت على حال ابنتها سميرة وعالية تجلسان متجاورتان.. توترهما قفز للذروة.. ولكنهما كلاهما تحاولان الاعتصام ببعض قوة فآخر ما ينقص الجميع هو أن يزيدا الوضع سوءا يكفيهما ما حدث لنجلاء التي كادت تموت بين أيديهن.. أم صالح كانت ترفض في داخلها أن تبكي.. لن تبكي.. البكاء يعني أن هناك سوء حدث له.. وهي تريد أن تحميه حتى من مجرد سوء أفكارها كانت تتمتم بالدعوات في داخلها.. تدعو الله عز وجل بكل عمق أن يحفظه ويعيده لها.. فقلبها المفجوع الذائب لن يحتمل فقدا آخر.. لن يحتمل أبدا وهي غارقة في دعواتها رن هاتفها كانت تجيد قراءة الأسماء.. لذا حين رأت الاسم الذي ينير على الشاشة لم تحتمل وكل مقاومتها الهشة انهارت وهي تنتحب بألم يمزق نياط القلب ألقت هاتفها على عالية جوارها وهي تشير لها أن ترد.. والجميع تحفزوا مع الموقف عالية التقطت الهاتف بيد بينما شدت بيدها الأخرى على يد سميرة الجالسة جوارها من الناحية الأخرى وهي تهمس بلهفة وتخوف: صالح..؟؟ جاءها صوته مرهقا هادئا: ليه حد بيتصل من تلفوني غيري.. وين أمي؟؟ عالية تنظر بقلق وتأثر لأمها الباكية جوارها: أمي تكرم في الحمام.. أنت بخير..؟؟ صالح بهدوء: بخير مافيني شيء... بس جاني شغل ضروري وتلفوني خليته في السيارة عالية بعتب: وش الشغل اللي يخليك تخلينا على أعصابنا كذا؟؟ أم صالح التقطت الهاتف من يدها وهي تحاول أن تخفي رنة البكاء من صوتها: وينك يأمك؟؟ وش سويت فينا الله يهداك؟؟ صالح بحنو شاسع: والله أني طيب.. وجايش الحين.. أم صالح أنهت المكالمة والتفتت للجميع وهي تهمس بصوت مبحوح: صالح طيب وجاي الحين قلب آخر كان يستمع للمكالمة وهو ينتفض بعنف.. كانت صوت بكاءها يرتفع وهي تتمتم بالحمد لله والشكر له لا تعلم ما الذي حدث ولا يهمها أن تعلم .. يكفيها أنه بخير تشعر بجسدها يغرق في عرق بارد.. تشعر كما لو كانت قضت يوما طويلا في السباحة ضد التيار وألم عظيم يستشري في عظامها ومفاصلها التفتت لوالدتها وهمست بخفوت من حنجرة ممزقة: يمه اسمحي لي باروح أسبح قدام يجي صالح ما أبيه يشوف حالتي كذا.. يتروع أم غانم ربتت على خدها بحنان: روحي يامش.. حن بنكلم غانم وبنروح للبيت أصلا ماعاد باقي شي على صلاة العصر نجلاء صعدت لغرفتها وهي بالكاد تسحب جسدها المكدود.. بعد دقائق وهي في منتصف استحمامها سمعت طرقات على الباب.. تحفزت وهي ترد: من؟؟ وصلها صوته العميق المرهق الذي بعث رعشة عميقة في أوصالها: أنا صالح.. اطلعي نجلا.. ابيش ضروري..أبي أكلمش وماعندي وقت نجلاء بخفوت وحرج: خمس دقايق صالح بس.. وصلها صوته محملا بالضيق وخيبة الأمل: ما أقدر أنتظر .. باتصل لش تلفون.. نجلا حين سمعت أنه لا يستطيع الانتظار وأنه قد يذهب –ربما للصلاة- دون أن تراه خرجت من فورها وهي تلف جسدها الغارق في رغاوي الصابون بروبها.. عدا عن الرغاوي التي كانت تحيط بشعرها وتتساقط على وجهها فُجعت حين خرجت أن المكان كان خاليا من صالح وفجعت أكثر أن الحقيبة التي كانت أعدتها له من أجل سفرهما غير موجودة أيضا!! ************************************* بعد عشر دقائق في صالة بيت خالد آل ليث السفلية.. نزلت نجلاء باستعجال وهي تلف شعرها المبلول بجلالها الواسع وتغطي وجهها بطرفه خشية أن تجد أحد أشقاء صالح معه.. وقلق مرعب غير مفسر يلتهم روحها لتجد عالية تجلس وحيدة.. ينتابها سكون عميق غريب همست لها بنفس مقطوع: وين صالح؟؟ عالية ردت بسكون: راح نجلا بصوت مبحوح: راح الصلاة؟؟ عالية نظرت لها بعينين غائمتين: لا سافر أمريكا.. نجلا انهارت جالسة وهي تشهق بصدمة كاسحة: ويش؟؟ أمريكا؟؟ عالية بقلق: يقول عنده شغل.. ماقال لش؟؟ نجلاء بصدمة موجوعة: كنت في الحمام.. وبعدين من متى وصالح عنده شغل في أمريكا؟؟ عالية بضيق عميق: إبي متضايق حده من سفرة صالح.. تدرين ما يداني طاري الروحة لأمريكا من عقب مامات عبدالله هناك بحادث سيارة نجلاء بألم: وش ذا السفرة الفجاءة؟؟ عالية بألم مشابه: ليتش بس شفتي وجهه.. مسود.. وباين عليه الهم.. وعقبه يقول رايح شغل.. ومارضى يقول لاحد أي تفاصيل يقول شغل ضروري وبس والله ما أبي أروعش عليه.. بس أنا بروحي متروعة.. نجلا تكفين كلميه شوفي وش سالفته؟؟ طيارته يقول قبل المغرب.. نجلاء تنهدت بألم عميق وهي تعاود سحب نفسها للأعلى.. صلت العصر.. ودعت الله طويلا أن يحفظ صالحا لها ولأولادها ولأهله.. بعد أن نهضت عن سجادتها.. تناولت الهاتف لتتصل ولكن أناملها جفت على أزرار هاتفها تشعر بخجل عميق من صالح.. في كل خلاف بينهما.. كانت تبرئ نفسها من أي ذنب.. وتحمله مسؤولية كل شيء.. لا تنكر أنه أخطأ في حقها خطأ لا يُغتفر.. ولكنها عجزت دائما عن إيجاد حل.. عجزت عن إيجاد منطقة وسطى بينهما اكتفت باعتذاراته وباستنزاف مشاعره كلها من أجلها.. دون أن تحاول حل المشكلة من جذورها.. كانت تتصرف كما يتوجب من زوجة خلال حياتهما اليومية.. لكن حينما يحدث خلاف تعجز عن المواجهة.. ورغم شدة محبتها لصالح إلا أنها لم تشعره بعمق هذا الحب كما كان يشعرها به.. ورغم معرفتها اليقينية لتشوقه لإنجاب فتاة.. إلا أنها لم تمنحه هذه الأمنية.. ولم تفكر أن تعتذر حتى عن حرمانه من هذا الحلم.. شعرت أن من حقها أن تعاقبه بهذه الطريقة.. مادام سمح لنفسه بتجريحها وإهانتها.. وإن كان بعد ذلك أعتذر واعتذر واعتذر.. فهي لم تفكر في الاعتذار يوما استكثرت عليه مجرد حقه في أن ينال اعتذارا على ما سببته له من ألم!! تشعر الآن بصفاء شديد في التفكير.. في أحيان كثيرة نحتاج لموقف صادم حتى يوقظنا من غيبوبتنا الفكرية.. ولكن السؤال هو : هل استيقظنا في الوقت المناسب أو بعد فوات الأوان؟!! تناولت هاتفها وضغطت آخر رقم لديها في قائمة الصادر.. حينها كان صالح أنجز إجراءاته وينتظر موعد الصعود للطائرة الذي لم يتبق عليه سوى القليل كان فهد هو من أوصله للمطار بعد أن مرا بالسفارة الأمريكية وأخذ فيزته طوال الطريق وفهد يستجوبه بإصرار غاضب عن سبب سفره ولكن صالح لم يجبه بغير جملة (شغل ضروري ما أقدر أجله) فصالح بطبيعته ليس من النوع المراوغ أو الذي يجيد الكذب أو الدسيسة أو حتى الاحتيال الذي قد يكون ضروريا بعض أحيان ولكنه من الناحية الأخرى بئره عميق جدا.. وإن كان لديه سر فيستحيل أن يخرج سره.. ومن ذلك سر عبدالله الذي عرف به قبل حوالي خمس سنوات ونصف ومع ذلك لم يخبر به أحدا أبدا.. وهاهو الآن جالس في صالة الانتظار يسند رأسه المنهك إلى كفه اليمين انتزعه من أفكاره رنين هاتفه.. حين رأى اسمها يضيء على شاشة هاتفه شعر بحنين عميق.. وشجن أكثر عمقا.. ولام نفسه بشدة أنه لم يكن هو من أتصل بها.. تناول هاتفه ورد بعمق خافت: هلا أم خالد.. عانق شرايين قلبه قبل أذنه صوتها العذب المرتجف: هلا بك يأبو خالد.. ثم أردفت بعتب رقيق: يعني ماقدرت تنتظرني دقايق لين أشوفك؟؟ رد عليها صالح بعتب مشابه: ماهقيت إن شوفتي تهمش.. نجلا بألم شفاف: ماله داعي لذا الكلام.. لأنك عارف إنه أكيد شوفتك تهمني.. وتهمني واجد مهوب شوي صالح رد عليها بنبرة مقصودة: وش يدريني؟؟ هل تكرمتي مرة وقلتي لي يعني؟؟ أو تبيني أعرف الغيب؟!! نجلا صمتت لثانيتين.. بدا لها ما ستقوله صعبا عليها وهي تدفع في عروقها الشجاعة التي لطالما نقصتها تريد أن تعتذر له بعمق.. لا يمكن أن تدعه يسافر هو وهو عاتب عليها هكذا بعد أن انهارت مخططاتها في سفرهما سويا.. همست برقة وهي تبتلع ريقها: صالح أبي أقول لك شيء.. لكن صالح قاطعها باستعجال: أدري إنش تبين تدرين وش موديني أمريكا عندي شغل ضروري والله العظيم الحين ينادون صعود الطائرة بأكلمش إذا وصلت نجلاء همست برجاء موجوع: بس صالح.. صالح قاطعها بتصميم: يالله في أمان الله.. خلي بالش من نفسش ومن العيال ثم أنهى الاتصال وهو يتجه لبوابة الصعود للطائرة باستعجال.. فلهفة عميقة وحزن أعمق يخترمان روحه يشعر بتخوف عميق لما سيواجهه هناك.. ليس التخوف بمعناه المادي ولكن بمعناه المعنوي الجارح الحاد كل هذه السنوات ماذا أخذت من شقيقه وماذا أبقت منه؟؟ ماذا بقي من عبدالله الذي يعرفه؟؟ وهذه المصيبة التي مر بها عبدالله أخيرا والتي عرف بها صالح اليوم كفيلة بتحطيم كيان أي إنسان.. فماذا بقي من عبدالله.. ماذا بقي منه؟؟ على الطرف الآخر ألقت هاتفها جوارها بقهر.. ثم أنكبت جواره تسيل دموعها المقهورة بصمت "أ كان عسيرا عليه أن ينتظر لدقيقة واحدة يستمع لما أقول؟؟ بالكاد استجمعت شجاعتي والموقف أعطاني دفعة معنوية للتشجع فكيف سأجد هذه الشجاعة مرة أخرى؟؟ كيف سأجدها؟؟" ************************************ " خالتي من جدش؟؟ وإلا تمسخرين علي؟؟" عفراء تمسح على شعر مزون بحنو: ليه السوالف ذي فيها مزح؟؟ مزون بخجل عميق: مهوب المقصد.. بس عمري ماحد خطبني.. ويوم انخطب يكون اثنين مرة وحدة وعيال عم بعد السالفة محرجة وغريبة.. عفراء بحنان: ما يهمش شيء من غرابة السالفة وإحراجها.. المهم أنتي تفكرين زين وتختارين واحد منهم مزون بذات الخجل: بس خالتي... قاطعتها عفراء بابتسامة: لا تبسبسين.. أنا بجيب لش مواصفات الثنين كاملة من كساب ومنصور وانتي عقب اختاري استمر الحوار بين الاثنتين لفترة .. وعفراء اتصلت بالفعل بكساب ومنصور وسألتهما عن الشابين أمامها وهي تسمع وكانت تقصد أن تفعل ذلك أمامها حتى تسمع بنفسها وساطة كلا منهما بينما مزون كانت مشوشة.. ويغتالها شعور عميق بالغرابة والحرج والتردد شعور عميق جدا بالتردد!! تحاورت طويلا مع خالتها.. ولكن الحوار زاد ترددها وتشوشها بدلا من أن يدفعها لاتخاذ قرار أو في اتجاهه.. بعد حوالي ساعتين.. هاتف عفرا يرن.. كان منصور يستعجلها للخروج فهو ينتظرها في السيارة.. في السيارة عفراء تهمس له برقة: واشفيك تأخرت علي؟؟ منصور يشد على يدها ويهتف بعمق: اشتقتي لي؟؟ عفراء بخجل: مشكلتك واثق من نفسك زيادة اللزوم.. منصور بثقة: إذا صار للثقة أساس.. ماعلينا شر.. وإلا الثقة مالها أساس؟؟ عفرا تغير الموضوع: لا جد.. قلت لي بتجي الساعة 9 والساعة الحين صارت 11.. تروعت عليك ليس إلا منصور بغموض: انشغلت شوي بسالفة.. حينها وصلا لبيتهما وكانت عفرا على وشك النزول.. لولا اليد القوية التي منعتها.. ومنصور يمسك بعضدها ليوقفها.. عفراء نظرت له مستفسرة برقة: فيه شيء يابو زايد؟؟ منصور ينقله كفه لكفها ويتناوله ليطبع في باطنه قبلة عميقة.. عفراء تلفتت بحرج: منصور الله يهداك.. حن في الحوش منصور يبتسم: حوش بيتنا.. ومافيه حد غيرنا ثم أردف بثقة: أبي أطلب منش طلب.. ممكن؟؟ عفراء برقة: آمرني.. مهوب تطلب بس منصور بذات الثقة الحازمة: مثل منتي عارفة عرس كسّاب عقب أقل من أسبوعين وأنا داري إنش تبين تسافرين لبنتش عقبه.. لكن أنا عقبه عندي شغلة بسيطة.. ممكن نأجل السفر بس 3 أسابيع عقب العرس حينها انتفضت عفراء بجزع وشعر هو بارتعاش كفها الساكن في كفه: تكفى يأبو زايد دخيلك.. مافيني صبر.. قلبي ذايب على بنيتي.. لو علي ودي أروح اليوم قبل بكرة.. منصور بغموض: زين أسبوعين بس عقب العرس.. عفرا برجاء عميق: خلاص منصور.. بأخلي علي يوديني.. واوعدك أرجع بسرعة.. بس أشوفها.. منصور في داخله (وأنا وش خايف منه إلا ذا الشوفة) ثم هتف بحزم: عفرا ياقلبي ما طلبت منش شي.. بس أسبوعين عقب عرس كساب وأنا اللي بأوديش.. أبي أتعرف على جميلة بنفسي يهون عليش تخليني أترجى فيش كذا؟؟ وبعدين أنا ما أستحمل تسافرين وتخليني.. يهون عليش منصور يعني؟!! عفراء بضيق وخيبة أمل: خلاص منصور مهوب مشكلة.. اللي صبرني ذا الأيام كلها .. يصبرني كم يوم بعد ماأقدر أردك.. اتسعت ابتسامة منصور بانتصار: الله لا يخليني منش.. قولي آمين.. ************************************* مضى من الليل أكثره قلبان رقيقان ساهران أحدهما يفتقد شريك حياته والآخر يفكر في اختيار شريك حياة . . . تنظر للمكان حولها بحنين قد يكون طوال الأيام الماضية يعمره البرود والسكون ولكنه على الأقل كان هو موجودا يغمر المكان حوله بحضوره ويأخذها الحنين لأيام أقدم من ذلك قبل عام من الآن وصالح يحتويها بدفء مشاعره اللا محدود تشعر بضيق عميق يكتم على روحها.. من نفسها.. من هذا العمل التعيس المفاجئ الذي أبعد صالح عنها تقف.. تفتح الخزانات .. تريد شيئا تلتهي به.. كعادتها عندما تشعر بالضيق تعيد ترتيب بعض الأشياء تعثر لها على شيء.. تنظر لشريط الأقراص الطويل الذي مازال في نفس مكانه الذي تركته به قبل عشرة أشهر تتناول كل الأشرطة الموجودة وتلقي بها في سلة القمامة... . . . في مكان آخر قلب شاب غض ساهر تدور في غرفتها.. ولا تفتأ تنظر بشجن وابتسامة لانعكاس صورتها في المرآة لا تنكر شعورها بالنشوة العارمة بعد إحساس نقص لازمها لسنوات وإحساسها الدائم أنها لن تكون يوما زوجة ولا أما فإذا بها تتفاجئ أن تكون مطلبا لشابين لا يُرفضان كلاهما يتميز بمواصفات فريدة.. ولكن خلف إحساس السعادة البريئة هذه كان يكمن إحساس آخر أعمق وأخطر " يا الله ألهمني الصواب يا الله ألهمني الصواب وش ذا اللي يصير لي يارب معقولة؟!! معقولة كذا؟؟ " *********************************** كانت غارقة في نومها حين أفزعها رنين الهاتف ألتقطته بفزع وهي ترد دون ترى المتصل: ألو وصلها صوته ساخرا كالعادة: ليش متروعة كذا؟؟ لذا الدرجة أنا أخوف حين تعرفت على المتصل.. تنهدت بعمق وهي تدعو الله أن يلهمها الصبر.. اعتدلت جالسة وهمست بصوت ساحر علقت في أطرافه رقة النعاس: وهذا وقت حد يتصل فيه إلا لو كان وراه مصيبة رغما عنه شعر بقشعريرة باردة تجتاح خلاياه وصوتها الخلاب الغريب يثير فيه مشاعر يعجز عن تفسيرها ومع ذلك وذاك أجاب ببروده المعتاد: شكرا يا مدام على ذوقش يعني رجّالش ماوراه المصايب.. كاسرة أجابت بتهكم بارد: لا محشوم رجالي.. بالعادة لو وحدة يتصل لها زوجها ذا الحزة.. يكون يبي يقول لها كلام حلو يا ترى وش الكلام الحلو اللي أنت متصل تقوله لي؟؟ يطيح السقف علي ويكسر عظام صدري.. مثلا حينها ابتسم كساب وهتف بخبث: وقلبش أسود بعد.. وما تنسين!! كاسرة ببرود: كساب لو سمحت وش تبي؟؟ كساب بنبرة مقصودة: اليوم الصبح ما قدرت أقرأ كل الجريدة.. والحين تو كملتها كاسرة شعرت بغيظ لم يظهر في صوتها الواثق: ويا ترى تبي تسولف لي عن أخبار الجريدة كساب بذات النبرة المقصودة: لا هو خبر واحد بس.. عن ورشة عمل لرؤساء الأقسام في الهيئات الحكومية في معهد التنمية الإدارية.. حينها كاسرة بذكائها عرفت سبب الاتصال ولكنها تركته يكمل حديثه بذات نبرته المقصودة: وأنا أقرأ الأسماء.. تخيلي من اللي لقيت اسمها؟؟ حرمنا المصون والمشكلة إنها خذت الورشة هذي عقب ماصارت مرتي.. وبدون ما تستأذني تخيلي!! كاسرة شدت لها نفسا عميقا ثم همست بحزم: والله يا زوجي المبجل أعتقد أني اشترطت عليك شغلي وأنت وافقت.. وهذي كانت ورشة ضرورية وكانت يوم واحد بس كساب ببرود حازم: والله أعتقد أني وافقت على شغلش .. مهوب على دورات مختلطة مع رياجيل كاسرة همست بحزم: والله أنا ماخذت دورة مفتوحة أنا خذت ورشة لرؤساء الأقسام بس.. وما كنت فيها بروحي كان معي حريم ثانين.. وأحنا قاعدين في صوب والرياجيل في صوب ثم أردفت بتهكم: يعني ما كنت قاعدة جنب واحد وماسكة في يده حينها انفجر كساب بغضب (أتجرؤ أن تقول له هو هذا؟ أتجرؤ؟) : هذا اللي ناقص يا بنت الأصول.. هذا مزح تمزحينه مع رجالش ياللي ما تستحين..؟؟!! كاسرة ببرود: من طق الباب سمع الجواب... كساب يهتف بحزم بالغ: زين يأم الباب والجواب.. والله ثم والله لو أدري أنش رايحة ورشة مثل هذي مرة ثانية.. يايصير شيء ما يرضيش كاسرة تكاد تنفجر غضبا منه ومن تحكمه وهي مازالت في بيت أهلها كادت تقول له (والله اللي يشوف ذا الغيرة والحمية اللي عندك مايقول إن أختك دراستها كلها مع الرياجيل) ولكنها شعرت أنه مهما بالغ كساب في مضايقتها.. فلا يمكن أن تستخدم أخته سلاحا ضده.. شعرت أن في هذا خسة لا تتناسب مع رؤيتها الشريفة للحرب حتى لذا همست له بحزم شديد: ترا منت بأحرص علي من هلي.. وهلي طول عمرهم واثقين فيني.. ويعرفون إني ما أروح في طريق خمَل (خمل =شبهة) وأتوقع منك أقل شيء يكون عندك ثقة فيني.. كساب ببرود: ومن جاب طاري الثقة؟!... الموضوع كله.. أني ما أرضى مرتي تكون في مكان مختلط بذا الطريقة ماعليه رضيت بشغلش .. وهذا واجد عليش... لكن أي شيء ثاني مستحيل حينها همست كاسرة بنبرة مقصودة: غيرة هذي؟! لم يسمح لها أن تحشره في الزاوية وهو يرد بذات نبرتها المقصودة: إن كان هذا واحد من أحلامش الوردية اللي أدري أني ما أفارقها فما راح أكسر بخاطرش اعتبريها غيرة إذا هالشيء بيرضي غرورش.. لم تسمح له أيضا أن بشعرها بالحرج وهي ترد بخبث مغلف بغرورها: حلوة لعبة قلب الأدوار هذي أنا اللي أحلم فيك؟!! أو أنت اللي أنا متأكدة إنك كل ليلة مشغول تفكر فيني من عقب ما شفتني لدرجة إنك منت قادر تنام مثل ذا الليلة..ومولع من الغيرة عليّ لكن أنا نايمة ومكبرة مخدتي بعد.. وما أحلم ولا حلمت.. حينها هتف لها كساب بخبث شاسع: وأنا أعترف.. كل الليلة أحلم فيش وبالي مشغول فيش تبين أحكي لش وش يصير في أحلامي وأفكاري بالتفصيل؟؟ حينها اشتعل وجه كاسرة احمرارا من تلميحه.. وفي داخلها كانت تسب نفسها وتسب كساب وتسب الورشة التي كانت سببا لاتصاله الليلة ثم دفعت في عروقها أكبر قدر من الحزم وقاطعته قائلة: الوقت تأخر كساب تصبح على خير.. ثم أنهت الاتصال وهي تشعر بضيق عميق انها سمحت له أن ينتصر عليها هذه المرة فهي مهما يكن يستحيل أن تجاريه في وقاحته هذه.. ولكن إن كان انتصر في جولة.. فليس معنى ذلك انتصاره في الحرب!! أبـــــــــدا!! على طرف المعركة الآخر كان كساب يسترخي على سريره وهي يمرر هاتفه على شفتيه بابتسامتهما المتلاعبة: زين يا كاسرة.. ياحليلش طلعتي تستحين.. طلع فيش شيء طبيعي يشبه طبايع البنات!! ********************************* " أنت أشفيك من الصبح تطالعني كنك أول مرة تشوفني؟" خليفة انتفض من صوتها المغتاظ المدلل على الدوام وهو يهتف بحرج أخفاه خلف هدوء ابتسامته: أطالعج عادي.. تبين أصد صديت؟؟ جميلة بجمود: عادي يا ابن الحلال.. طالع وتمسخر بعد.. ما تفرق عندي جميلة أعادت خلف أذنها خصلات شعرها الخفيف الذي قمن الممرضات مؤخرا بقصه قصيرا جدا حتى ينمو بشكل أفضل مع تحسن صحتها ثم أخذت تنظر أمامها دون تحديد... وسرحت بينما عاد خليفة لمراقبتها.. ليس اليوم فقط.. بل كل يوم ليس لديه شيء يفعله سوى مراقبتها.. ومراقبة التغييرات السريعة التي بدأت تطرأ على شكلها لم يكن يتخيل أن بضعة كيلوجرامات قليلة قد تبدأ بتغيير شكل هذه المخلوقة اليابسة.. بدا يتضح خلف تقاطيع وجهها الهزيل ملامح حسن شفاف.. بات يتخيل كيف كان شكلها قبل أن تفقد وزنها.. بات يتخيل هذه الملامح على وجه وجسد مرتويين.. في أحيان كثيرة يحتقر تفكيره ولكنه يعود ليفكر أنه لا شيء عنده يفكر به سواها وما يرتبط بها بات ينظر لها كبذرة يابسة يعلم أنها تخفي خلف جفافها وضمورها حياة متدفقة بالحسن والامتلاء والنضارة... يتشوق بالفعل لوصول هذه البذرة لمرحلة نضجها النهائي.. يعلم أن توقعاته قد لا تكون صحيحة.. وأن تصوره لحسنها المختبئ ليس سوى خيالات رجل يشعر بالملل ويريد أن يصنع بخياله شيئا خارقا للعادة.. ولكن حتى وإن كان.. فيكفيه الآن التسلية التي يشعر بها وهو يراقبها ويساعدها على الخروج من غلاف البذرة القاسي للحياة والشمس والاندفاع!! ************************************** صباح الدوحة مازالت لم تنم مطلقا تعلم أن رحلته تستغرق حوالي 14 ساعة متواصلة كان بإمكانها أن تنام وتصحو ولكنها لم تستطع.. لم تستطع.. بالها مشغول عليه.. وقلقها وصل مداه.. تريد الاطمئنان عليه بعثت له عشرات الرسائل أن يطمئنها فور فتحه لهاتفه.. وهي لا تعلم حتى إن كان سيفتح هاتفه أو سيأخذ شريحة أمريكية من المطار.. المهم أن يتصل بها وهاهي في الانتظار.. ذات الوقت ليل واشنطن... طائرة صالح تنزل في مطار واشنطن دالاس القريب من واشنطن دي سي قضى رحلة مرهقة مليئة بالأفكار والهموم لا يعرف حتى كيف سيقابل شقيقه.. وبأي طريقة سيخفف عنه مصيبته الهائلة التي مازال صالح عاجزا عن تصديقها حتى ويعتقد أنهم ربما بالغوا في تصوير ماحدث.. لأن صالحا عاجز أن يتصور حدوث شيء متوحش كهذا؟؟ وها هو الآن محصور بين مشكلتين عويصتين وضع عبدالله هنا.. ثم وضعه حينما يعود به للدوحة.. فهو يعلم أن والده وحده سيكون مصيبة حين يعلم أن عبدالله خدعه وأن انتحاره لم يكن سوى تمثيلية سخر بها منهم جميعا.. ولكن الظرف المرير الذي يعانيه عبدالله الآن يحتاج أن تلتف عائلته كلها حوله فكيف سيقنع والده بتقبل عبدالله بعد كل هذا؟؟ صالح يعلم أن لابد لعبدالله مبررا قويا جعله يقنعهم بموته.. فعبدالله يستحيل أن يفعل كل هذا إلا لسبب قاهر ولكن ماهو السبب؟؟ ماهو السبب؟؟ وهو غارق في أفكاره.. لمح اللافتة التي تحمل اسمه.. كان مندوب السفارة الذي ساعده على انجاز إجراءاته ثم استخراج شريحة اتصالات أمريكية سارع فيها للاتصال بأهله وهو يطمئن الجميع عن وصوله باستعجال لم يسمح لأي أحد منهم بالاسترسال معه في الحديث ولا حتى نجلا ورجاءاتها فتفكيره مشغول بعبدالله وعبدالله فقط.. حينما أصبح في السيارة سأله المندوب: وين تبي تروح؟؟ فأجابه صالح بتصميم: للمستشفى طبعا.. أبي أشوف عبدالله.. #أنفاس_قطر# . . . وكأضاءة مادام الموضوع حضر.. نفعنا الله وإياكم وجعلنا ممن تحفهم الملائكة اعلم أن البعض قد يعترض مثلا على أن أبو صالح تلقى العزاء في ولده مادام يظنه انتحر.. أو لماذا كان يطلب من والدته أن تدعو له.. وأنا هنا أقول أني بحثت كثيرا وسألت بنفسي عدة مشايخ لأنه الشائع عند العامة فعلا أن المنتحر كافر ولكن المنتحر هو مرتكب كبيرة وهنا جزء من نص فتوى حول هذه القضية عن فتاة انتحرت: " وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : يصلى عليه ، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله ، وصلت عليه الصحابة " انتهى . " شرح مسلم " ( 7 / 47 ) . أي ثبت أن الصحابة صلوا على المنتحر في وجود الرسول صلوات الله وسلامة عليه ورسول الله لم ينهاهم عن الصلاة عليه.. ولكنه صلوات الله وسلامه عليه لم يصل معهم زجرا للناس أن يفعلوا كفعله ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة ، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس ، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها ، فلا تتهاونوا بالدعاء لها ، وأخلصوا فيه ، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها . والله أعلم" وعلى العموم طبعا وما يهمنا في القصة أن عبدالله لم ينتحر.. لكن أنا أردت أن يكون السبب قوي لغضب والده عليه وأن تتوقعوا أي سبب هو هذا الذي قد يدفع عبدالله نفسه أن يكون أهون عليه أن يظن والده أنه مات منتحرا رغم بشاعة الأمر.. ولا يعرف الحقيقة!!!! أما على سالفة الأربع سنوات وليش بالذات خليته 4 سنوات هي بالتحديد موب اربع سنوات إنما أقل من كذا والمهم في السنين هذي عندي موب عدة سنوات المفقود مثل ماظنوا الغوالي إنما المقصود في ذلك هو عمر حسن الصغير *ــ^ وللحديث بقية!! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اللهم أني استغفرك وأتوب إليك من كل ذنب وجهل . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثلاثون مضت أكثر من نصف ساعة وهو يجلس على مقعد أمام غرفة عبدالله المندوب احترم رغبة صالح في البقاء وحيدا وتركه على أن يعود له فيما بعد وصالح بقدر لهفته لرؤية شقيقه بقدر توجسه الجارح من رؤيته فما سمعه عن حالته كان مؤلما.. مؤلما لأقصى حد يريد له وقتا للاستعداد للمواجهة!! مازال جالسا رأسه مدفون بين كفيه غارق في الهم والتفكير .... والذكريات!! . . . قبل حوالي 5 سنوات و ثلاثة أشهر " أنت ياعبدالله.. أنت.. ؟؟ هذي آخرتها.. ماهقيتها منك.. لو فهيدان أقبلها منه.. بس أنت يالعاقل تسويها!! وقد لك ثلاث شهور بعد حتى أنا داس علي" عبدالله يتنهد بعمق في مقابل ثورة صالح المتزايدة ويهتف بعمق وهو يشد صالحا ليجلسه جواره: اقعد يابو خالد الله يهداك.. اقعد جعلني فداك.. خلني أشرح لك أنا أبيك تصير لي عوين مهوب فرعون صالح يلطم يد عبدالله بحدة ويقف وهو مستمر في غضبه: وأنت خليت فيها عقل وإلا تفاهم.. يوم لك خاطر في العرس.. وإلا تبي لك مرة تحصنك في الغربة كان قلت لنا وزوجناك شيخة النسوان تروح معك مهوب تأخذ كافرة مالها أصل ولا دين.. عبدالله بضيق عميق: أنا داري إني غلطان إني تزوجت بذا الطريقة وأدري إني ضعفت قدامها بس صدقني أنا مقتنع فيها راكيل فيها بذرة خير ما تتخيل أشلون.. وخاطرها تسلم... صالح مستمر في غضبه: كنك يعني ما تسمع البلاوي اللي تسير مع المساكين اللي خبالهم حدهم على أجنبيات مثلك... وبعدين ابيك مستحيل يوافق.. مستحيل.. وأنت أكثر واحد عارف ابيك حرام عليك ياعبدالله... أنت عارف غلاك عند ابي.. تسوي فيه كذا.. عبدالله بضيقه المتزايد: تكفى صالح أبيك تساعدني عليه... أنا بعد ست شهور تقريبا راجع وأبي أرجع فيها معي.. صالح غاضب فعلا ولكن ما باليد حيلة.. فالمرأة أصبحت زوجته لذا سأل عبدالله بذات نبرة الغضب: عبدالله صارحني... مرتك ذي أنت مقتنع فيها؟؟ وعندك إنها تقدر تعيش في مجتمعنا وتتبع عوايدنا.. حينها أشرق وجه عبدالله بشبح ابتسامة: مقتنع فيها وواثق منها... راكيل تموت في طبايع العرب.. وأمنية حياتها تعيش في مجتمع عربي صالح حينها هتف بعزم: تدري.. لا تقول لأبي شيء.. والمرة الجاية إذا جيت جيبها معك.. ونحطه أمام الأمر الواقع وقتها مايقدر يطردها عقب ماجبتها.. ثم أردف بنبرة ذات مغزى: ولو أني باقعد أدعي في كل صلاة إن ربي يفكك من شرها.. عبدالله بابتسامة: راكيل شر!! راكيل ملاك نازل من السما !! *********************************** قبل حوالي 4 سنوات وثمانية أشهر يجلسان في زوية المجلس الكبير بعد انتهاء عشاء عبدالله وعودته بشهادة الماجستير صالح يهمس في أذن عبدالله باهتمام: أنا قاعد على أعصابي من يوم دريت إنك بتجي خايف من صدمة هلي بمرتك.. ويوم شفتك جاي بروحك يأنا أنبسطت.. بس قلت عقبها ليتك جبتها معك دامك فيها وش أنت تتنيها ليه ما جبتها معك.. وخلصتنا من ذا السالفة الغثيثة... وخصوصا إن ابيك وأمك يخططون يزوجونك وملزمين بعد؟؟ حينها عبدالله همس بغموض: أنا وراكيل انفصلنا خلاص صالح بصدمة مغلفة بفرحته العارمة: صدق؟؟ الله يبشرك بالخير ثم أردف باستغراب: بس غريبة لين آخر مرة كلمتك وأنت تمدح فيها مدح العباير.. عبدالله بتهكم موجوع بل بما يتجاوز كل معاني التهكم لألم صاف مجروح: ممثلة درجة أولى.. خلاص ياصالح تكفى ماعاد تجيب سيرتها عندي المرة ذي لطخة سودا في حياتي.. وأبي أمسحها من حياتي وذاكرتي الله يقدرني بس.. صالح بحذر: ليه ما تقدر؟؟ تحبها لذا الدرجة؟؟ عبدالله ببغض شديد: أحبها؟؟ أنا عمري ماكرهت حد في حياتي كثر ماكرهت ذا المخلوقة لكن اللي هي سوته فيني.. شيء صعب أنساه وياخوفي يظل مرافقني في حياتي.. صالح بحذر اكبر: ليه هي وش سوت؟؟ عبدالله يريد اغلاق الموضوع تماما: تكفى صالح انسى السالفة خلاص حينها لمعت عينا صالح: تبي أنسى وتنسى.. خلنا نزوجك شيخة من بنات العرب الأجواد تطيب كبدك من الحرشاء الغبراء عبدالله بجزع: لا تكفى وش عرسه.. ماني بمستعد أرتبط بوحدة وأنا مجروح بذا الطريقة من علاقتي بمرتي الأولية حينها غمز صالح بعينه: ما يفل الحديد الا الحديد وانا اخيك.. ********************************* بعد ذلك بأربع أشهر "ريقي نشف معك .. من متى وأنت تعصاني كذا" انتفض بجزع: أعصاك؟! جعله يومي كني عصيتك آمر على رقبتي يأبو صالح بس أنا رجّال.. تبي تغصبني على العرس؟؟ أبو صالح بحزم: ماحد يغصب على العرس يأبيك غير أنا أبغيك تعقل وتعرف صلاحك وش عاد مقعدك دون عرس.. وضعك وشغلك كلها زينة وسنانينك قد عندهم عيال ثم أردف برجاء شفاف أخفاه خلف حزم صوته العميق: يأبيك خاطري أشوف عيالك.. مهوب كفاية صالح أبطى لين جاله صيب.. ريح بالي يأبيك.. لو علي كان مزوجك من زمان.. مهوب كفاية روحتك للدراسة ذي أول شيء اقنعتني أخلي عالية تروح مع خالها وعقبها أنت تروح على طول كنك مرتبها لأنك داري إني مستحيل أرخص لعالية وأنت بعد رايح وتراني بلعتها بمزاجي.. وما بغيت أخرب عليك ولا على أختك حقي عليك الحين تريح بالي وتستقر مثل باقي رياجيل خلق الله وأنا ما أحدك إلا على خير يأبيك.. بنت عربن أجواد ترادك الصوت وتجيب لك الولد.. عبدالله يشعر بصداع فعلي من هذا الموال اليومي الضاغط.. تعب بالفعل.. كيف يتزوج وهو مازال لم يحل مشاكله العالقة مع زوجته الأمريكية التي ترفض توقيع أوراق الطلاق.. وإن كان عبدالله قد قال لها على طريقة المسلمين (أنتي طالق) وهو ينويها فعلا لكنها في الأوراق الرسمية هناك مازالت زوجته وخصوصا أنها تطارده بالاتصالات بشكل لحوح.. وبات يخشى أن تصاب بحالة جنون ويراها أمامه هنا في قطر وهي تهدد بشكل صريح أنها لن تتركه أبدا ومع كل ذلك يكره أن يجعل والده يترجاه كل يوم بهذه الطريقة.. يؤلمه قلبه من رجاءاته وهو الذي اعتاد أن والده لا يكرر الأمر له مرتين لأنه ينفذ من المرة الأولى لذا هتف بحزم: خلاص يبه تم.. قوم نخطب اللي تبون ******************************* الــيــوم "من أنت؟؟" صالح يرفع رأسه استجابة ليد صاحب السؤال تربت على كتفه وتعيده من دوامة أفكاره صالح ينظر للطبيب أمامه ويجيب بهدوء: أنا شقيق عبدالله.. الطبيب بمهنية: جيد أنك حضرت...عبدالله بالفعل محتاج لأسرته.. صالح يشعر بألم عميق: وأنا أريد أن أعود به معي لبلدنا وأهلنا.. ثم أردف بألم أعمق أعمق: كيف حاله الآن يادكتور؟؟ الطبيب بهدوء مهني: نحقنه بالمهدئات على الدوام أنا شخصيا لو كنت مررت بما مر به.. كنت فقدت عقلي تماما ولكن هو محتفظ بشكل كامل بعقله وذكرياته.. لذا ألمه لا حدود له.. فالتجربة التي مر بها قاسية جدا.. في البداية عانى انهيارا عصبيا حادا.. ثم بعد ذلك تحول الانهيار لثورة حادة.. صالح وقف وهو يقول بتردد: أقدر أشوفه ؟؟ الطبيب بهدوءه المهني: بالتأكيد تستطيع هو الآن مخدر.. لكن مفعول المخدر سيزول بعد ساعتين أو ثلاث وأنا أفضل ألا نحقنه مرة أخرى.. فهو لابد أن يواجه الواقع فلو كنت تستطيع تهدئته إذا صحا.. ستكون ذا منفعة هائلة لنا فهو ما أن يصحو حتى يبدأ بالثورة والصراخ .. ولا نستطيع السيطرة عليه إلا بمساعدة اثنين من رجال الأمن حتى نعود لحقنه صالح بثقة: إن شاء الله أقدر.. صالح توجه لباب الغرفة وهو يفتحه بتردد.. خطوات مترددة نقلته حتى السرير الأبيض شعر أنه سينهار... لذا جذب مقعدا وجلس قبل أن ينظر لوجه عبدالله.. تنهد بعمق.. فتح عينيه وأغلقهما.. سمى بسم الله.. ثم رفع عينيه لمحيا عبدالله ألم عميق اجتاح روحه.. ألم لا حدود له.. كان أول ما صافح عينيه شعيرات بيضاء غزت سواد عارضي عبدالله يبدو كما لو كان كبر كثيرا في العمر سابقا كان من يرى عبدالله مع فهد يظن ان فهدا هو الأكبر في السن.. رغم أن عبدالله أكبر من فهد بأربع سنوات ولكن من يراه الآن سيشك أنه أكبر من صالح حتى!! صالح يمسح ملامح عبدالله وتفاصيل وجهه بحنين عميق من كان يظن أنه سيراه مرة أخرى وأنه سيعود من خلف غياهب الموت صالح نهض ليطبع على جبين عبدالله قبلة عميقة ودون أن يشعر خرت من عينه دمعة لم يشعر بها إلا حينما رأى التماعتها على خد عبدالله مسح خد عبدالله قبل أن يمسح عينيه ثم همس في أذن عبدالله بخفوت مختنق: الله يواجرك يأخيك.. أدري مصابك كبير.. بس تدري إن الله مع الصابرين.. عاد ليجلس جوار عبدالله وهو يضع يده على عضده ويدعو.. دعا الله كثيرا أن يفرج هم أخيه ويشرح صدره ويمنحه الصبر والسلوان من عنده ولشدة استغراقه في الدعاء لم يشعر بالخطوات الهادئة التي دخلت الغرفة حتى شعر بالظل الواقف جواره وقـــف كان شابا بدت ملامحه المرهقة الحزينة عربية فور وقوف صالح سلّم عليه الشاب ورحب به حرارة دافئة بقدر ماسمح له حزنه وإرهاقه ثم هتف له بصوته المبحوح: أنا فيصل صديق عبدالله.. وأكيد إنك صالح أخ عبدالله.. السفارة بلغوني بوصولك بس أنا توني واصل من بورتلاند.. رجعت هناك عشان .. عشان.. عشان اختنقت الكلمات في حنجرته حزنا... بصقه حشرجات موجعة: عشان أدفن خالد الصغير سامحني ياخوك أني تصرفت من نفسي بس أنا كنت أبي أدفنه أول ماخلصوا تشريح وتحقيقات.. ماكنت أبي عبدالله يشوفه أو يلزم إنه ياخذه يندفن في الدوحة.. مابغيت جروحه تقعد مفتوحة أدري إن عبدالله ماراح يسامحني على اللي سويته.. بس أنا سويته عشان مصلحته صالح شعر باختناق عميق وهو يتذكر ابنيه خالد وعبدالعزيز.. لو حدث لأحدهما ما حدث لابن عبدالله.. نفض رأسه جزعا مرعبا من الفكرة ومن مجرد تخيل ما رآه أخوه وهو يهتف باختناق: جزاك الله خير يافيصل.. ونعم ما سويت.. نعم ما سويت أردف صالح باختناق عظيم: قالوا لي أنك أنت اللي بلغت عن الحادث... وأنت اللي طلبت من السفارة تطلب حد من أهله.. فيصل بحزن عميق: اللي شفته شيء عمري ما تخيلت أنه ممكن يصير لبشر خالد كان ولدي.. أنا ربيته مع عبدالله كان عمره شهور أول ما عرفت عبدالله.. أول ماشفته ماهضمته قلت هذا مافيه دمنا.. أشقر وعيونه زرق.. بس سبحان الله اللي زرع حبه في قلبي كنت استحقر إن عبدالله يرضعه ويبدل له.. تعرف أفكارنا المتغلغلة فينا عقبها صرت أنا أبدل له وأرضعه إذا صار عبدالله مشغول.. شهق فيصل غصبا عنه: حسبي الله ونعم الوكيل أقول لك ولدي.. يمكن لو أنا جبت ولد ما يكون غلاه مثله.. ابتلع عبرته التي سدت حلقه ثم أكمل: بالعادة كان عبدالله يوديه للنيرسري وهو رايح شغله.. وأنا أجيبه.. كنت أقعد عندهم في بيتهم أكثر من قعدتي في السكن..ولولا أني أبي قرب الجامعة أو كان سكنت معهم.. هذاك اليوم.. رحت النيرسري قالوا لي ماجا.. استغربت.. لأن عبدالله حتى لو كان خالد مريض يوديه ويقول لهم انه مريض ويعطيهم أدويته.. شيسوي لازم يروح شغله اتصلت في عبدالله مارد علي رحت لبيته أنا معي مفتاح.. فتحت.. وليتني مافتحت.. ليتني ماشفت ذا الشوفة حينها لم يحتمل انهار جالسا وهو ينتحب بخفوت..: حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل.. جعلها تشوفه في نفسها وفي أهلها ذبحته قدامه.. ذبحته قدامه.. وعبدالله يشوف.. تخيل.. تخيل فيه إجرام كذا دخلت لقيت عبدالله مربوط ومكمم.. والولد الولد...... عجز عن الإكمال وصوت نحيبه يرتفع شيئا فشيئا.. صالح اختنق حلقه بالعبرات وغامت عيناه تماما ربت على كتف فيصل: خلاص لا تكمل لا تكمل.. ولكن فيصل أكمل حديثه بين موجات نحيبه الخافت: كانت سكرانة وجايبة معها اثنين بودي جاردز عبدالله من يوم هي دلت طريقه وهو متوتر منها.. طول السنين اللي فاتت وهو مرتاح منها.. ما أدري أشلون دلته.. أنا كنت موجود أول مرة جات... سألت خالد وش الأشياء اللي هو حافظها؟؟ خالد بكل براءة سمّع لها السور القصار ... عبدالله كان محفظه كل السور القصيرة ليتك شفتها.. صارت كنها ثور هايج.. وهي تهدد عبدالله إنها تأخذ الولد لانه خربه بأفكار دينه المتخلف لكنها بدل ما تأخذه خذت روحه... تخيل خنقته قدام عبدالله اللي ربطوه البودي جاردز في العمود وكمموه.. الولد كانت أرجيله ترجف وترجف لين همدت وقعدت عينه شاغرة يوم شافت الولد مات في يدها قطته قدامه وهربت.. تخيل طول الليل ولين ثاني يوم وهو مرمي قدام أبوه وعينه مفتوحة في عينه تخيل ذا المنظر.. تخيل زين إن عبدالله ما أستخف.. قاطع فيصل عبرات فيصل المسفوحة وهو يصرخ بغضب: الحيوانة اللي مالها ذمة ولا دين.. والله يادم ولدنا ما يروح هدر.. حينها تماسك فيصل من انهياره وهتف لصالح بهدوء منطقي بصوته المبحوح تماما: اسمعني ياصالح طليقة عبدالله أهلها ناس واصلين فوق ما تتخيل هي الحين اعترفت بجريمتها.. والمحاكمة بتتم على أساس إنها بين أطراف أمريكين لكن لو أنت يا للي جاي من برا ومسلم وعربي صعّدت السالفة.. بيقلبون السالفة ومهوب بعيد تطلع هي براءة ويطلع إن عبدالله كان يعذبها وهو اللي جاب لها عقدة نفسية خلتها تذبح ولدها ما تعرف أنت أشلون الامور هنا تصير.. والإعلام أشلون يضغط.. وهم لحد الحين ما دققوا في سالفة إن عبدالله عربي.. انتظر عليهم لين ينتبهون.. بينقلب الوضع 180 درجة.. والإعلام اللي ضدها الحين بيصير معها أنت اطلع بعبدالله من ذا الديرة في أسرع وقت.. عبدالله محتاجكم أنا ما أدري وش سبب القطيعة اللي كانت بينكم .. بس هذا لحمكم ودمكم **************************** " ياكثر ما تسبحين!! كم مرة تسبحين في اليوم أنتي؟؟ خمس مرات؟؟ " جوزاء تنظر لناحية الصوت المرح حيث تتمدد شعاع على سرير جوزا بجوار حسن النائم.. تبتسم جوزا وهي تشد روبها على جسدها: وإذا سبحت خمس مرات.. شيء من حلالش.. وبعدين تراني ماسبحت إلا مرتين مرة الصبح والحين.. ياختي حر حر.. شعاع تعتدل جالسة وهي تنزع يدها برفق من تحت رأس حسن وتبتسم: يأختي خايفة عليش تسيحين.. وبعدين وش عليش.. أنتي طقيتي للحمام ونقعتي فيه.. وخلتيني أبتلش في ولدش أكل أبو مخي بحنته... جوزاء تقف أمام المرآة وتجفف شعرها بالمنشفة وتهمس وهي تبتسم: أنتي صاحبة اقتراح حرمانه من صور أبيه.. أول كان يقلب في الصور لين ينام بروحه.. الحين ما ينام إلا عقب محايل وحنة.. شعاع تضحك: بس حنه على مستوى.. ما يسكر حلقه.. شعاع تعقد حاجبيها: الله أكبر.. قولي ماشاء الله.. شعاع تبتسم: وش بأنظل ياحسرة.. حنت ولدش.. خليني أنظله يسكر حلقه شوي.. جوزاء تتجه للسرير وتميل على ولدها وهي تقبل كفيه وقدميه بحنان مصفى: الله يخليه لي ويحن على كيفه شعاع بعفوية: تدرين جوزا يوم رحت مع أمي لعالية عشان تودي هداياهم أنا وعالية رحنا لغرفتها.. فرجتني صورهم القديمة ياربي ما صدقت.. عبدالله وهو صغير نسخة من حسون.. شيء غير طبيعي.. جوزاء بشبح ابتسامة باهتة: وش قلنا ؟؟ مهوب قلنا بلاها سيرة عبدالله.. شعاع تنهدت وهي تمسح على شعر جوزا المبلول: تدرين جوزا أحيانا أقول لازم تنسين سيرة عبدالله وأحيان أقول دامش تحسسين من سيرته.. باقي في خاطرش شيء خلي عبدالله موضوع طبيعي.. حتى لو سمعتي سيرته.. المفروض ما يهز فيش إلا مشاعر الترحم عليه لأنه مهما كان عمر سيرته ماراح تنتهي.. هذا ابو ولدش.. وبيظل اسم ولدش دايم يذكرش فيه.. جوزا هزت رأسها بألم: الله يرحمه.. أنا بايحة منه على شين اللي هو سوا فيني.. الله يبيح منه ويغفر له.. شعاع بتردد: ما أدري جوزا ليه أحس دايم فيه حلقة مفقودة في حياتش مع عبدالله أنتي تعمدتي ما تقولينها لي.. يعني كون إن عبدالله كان يتجاهلش أو ما يكلمش.. ما يستدعي العقدة الكبيرة اللي عندش جوزا أنتي عقب حياتش القصيرة مع عبدالله تغيرتي كثير... حتى هذا الهوس بالنظافة ماطلع إلا عقب مارجعتي علينا من بيت أبو صالح جوزا تغتصب ابتسامة: يا شينش لا شغلتي مخش المصدي... خليه مطفى أحسن وش باخبي عليش يعني؟؟ شعاع بنبرة مقصودة: أنتي أدرى... جوزاء تدفع شعاع برفق لتنهي هذا الحوار : يالله خلاص روحي خليني أنام... بكرة الصبح عندي بروفة فستاني.. شعاع تبتسم: ياي حتى أنا متشوقة أشوف البروفة.. البروفة اللي فاتت كانت خيال عليش.. ولو أني مثل العجايز كان ودي أقول لها توسعها شوي.. خايفة عليش من عيون المشفح... وأنتي بعد طالبة الفستان ضيق لين تحت.. فيه عروس ما تلبس شوي جيبون تحت ينفخ الفستان.. ويخبي شوي من تفاصيل جسمها جوزا بألم: خلاص لبست الجيبون تيك المرة.. هالمرة أبي أكون غير في كل شيء.. تدرين لولا إن امهاب من حقه يشوف عروسه في فستان عرس.. وإلا يمكن كان مالبست فستان تعقدت من الثوب الأبيض... شعاع تبتسم: وأنتي ماسويتيه أبيض.. سويتيه ذهبي.. جوزاء تتنهد.. تعبت من كل هذا الحديث الذي يلامس أطراف الروح ولا يجرؤ على اختراقها: خلاص يا الله روحي أبي أنام.. شعاع خرجت وأغلقت الباب خلفها.. بينما شعاع تمددت جوار حسن قبلت وجنتيه وجبينه وكفيه وهي تحصنه بالأذكار.. ثم سالت دموعها بصمت وهي تتذكر رغما عنها.. مهما حاولت التناسي ليلة زواجها القاتمة قبل حوالي أربع سنوات... وما تلاها من أيام سوداء.. ******************************* قبل أربع سنوات وشهرين مضت ثلاث ساعات منذ دخولهما لجناحهما والصمت هو المسيطر بينهما هو حينما دخلا ألقى بغترته وببشته الأسود على طرف الأريكة ثم اعتصم بمقعده بينما هي تشعر أنها أصبحت عاجزة عن التنفس من جلستها الطويلة بالفستان والألم ينتشر على طول ظهرها ستموت تريد الدخول للحمام.. ولكنها تكاد تذوب خجلا وهذا الحائط الجالس أمامها لا يبذل أي جهد لمساعدتها توقعت أنه سيحاول أن يحادثها.. يهدئ روعها.. كما يتوقع من أي عريس ليلة عرسه.. توقعت أي شيء إلا هذا الصمت غير الطبيعي إطلاقا أ يعقل أنه يشعر بالحرج أو ربما الخجل مثلها؟!! كانت تسترق النظرات له بينما هو ينظر لا تعلم أين لا تنكر أنها شعرت بارتباك ما من وسامته الطاغية كان هذا الارتباك ليتحول لشعور دافئ شفاف لو أنه أشعرها باهتمام ما لكن تجاهله غير الطبيعي لها جعل إحساسا بالضآلة يتسرب إلى روحها "أ يعقل أنني لم أحرك فيه أي شيء ولا حتى مجرد الرغبة بالحديث كبشر حُكم عليهما ان يكونا وحيدين في مكان مغلق قد يكون وسيما جدا لكن أنا أيضا جميلة أ لستُ جميلة ؟! " " وما يدريني قد يكون لا يراني جميلة إطلاقا" عادت لاستراق النظر لبهائها المكتمل في تلك الليلة الاستثنائية في إحدى المرايا الكثيرة المنتشرة على امتداد الجناح.. "لستُ سيئة لستُ قبيحة أ لستُ كذلك؟! " شعور بالتوتر والحرج والمرارة يتصاعد في روحها بغزارة مهينة بعد مرور ساعة أخرى شعرت أنها ستبكي من حاجتها للذهاب للحمام شعرت أن كل أحاسيسها تتأخر أمام نداء الطبيعة الغير قابل للتأجيل وشعرت حينها بالفعل أنها ستبكي وهي تضطر أن تكون أول من تتكلم همست بصوت مبحوح مختنق من الخجل: لو سمحت.. بدا لها أنه لم يسمعها رفعت صوتها باختناق أكبر: لو سمحت.. حينها ألتفت إليها هتف بهدوء عميق: نعم.. جوزاء باختناق عظيم: أبي أروح للحمام لو سمحت.. حينها انتفض وهو يهتف بأدب يشبه أدب موظف مع زميلته في العمل: سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء تفضلي الحمام من هنا تبين مساعدة؟؟ جوزاء لاحظت بألم أنه يخاطبها دون أن ينظر إليها بشكل مباشر.. همست له بصوت بدأت العبرات تخنقه: لا شكرا ما أبي مساعدة توجهت للحمام وهي تكاد تنكفئ على وجهها من انعدام الرؤية أمامها لامتلاء عينيها بالدموع خلعت فستانها بعد معاناة.. واستحمت بدموعها قبل أن تستحم بالماء كانت تدعك وجهها بحدة وهي تزيل بقايا تزينها جرح أنوثتها بشدة تجاهله لها في الليلة الأهم في حياتها بكت مطولا في الحمام.. ولم يفتقدها مطلقا.. ولم يسأل عن سبب تأخرها في الحمام "ربما لو متت في الحمام لن يفتقدني!!" قررت ختاما أن تخرج فهي تريد أن تصلي كانت والدتها من رتبت أغراضها في الجناح.. تركت لها قميص نوم في الحمام كان قميصا ملكيا يليق فعلا بعروس ليلة زفافها.. ولكنها لم تشعر بأدنى رغبة لارتدائه ولكن لأنها لم تجد سواه.. ارتدته بعد أن جففت شعرها نظرت بتوتر لنفسها في المرأة إن كانت لم تلفت انتباهه وهي بكامل زينتها.. فكيف الآن بوجهها الخالي تماما من المساحيق تنهدت في داخلها بوجع: هي ليلة وكسة من أولها.. وش بيضر تاليها يعني!! حين خرجت وجدته يصلي قيامه.. تناولت سجادتها وصلت هي أيضا قيامها.. أنهت صلاتها وهو مازال يصلي.. بقيت جالسة على سجادتها تنتظر انتهاءه حينما أنهى صلاته عاد ليجلس على مقعده.. حينها همست له جوزاء باختناق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟ مهما بدت لها بداية حياتها معه ملتبسة وغير سعيدة.. فهي لا يمكن أن تنسى هذه السنة إن كان هو قد نساها أو تناساها.. تمنت بالفعل أن تكون الصلاة فاتحة خير في حياة لا توحي بالخير غام وجهه لدقيقة ثم هتف بهدوء دون أن ينظر ناحيتها: قومي نصلي صلت خلفه.. وكل منهما دعا لوحده.. بشيء خاص به.. دعت هي بعمق أن تكون هذه الليلة مجرد كابوس لليلة واحدة.. وألا تكون حياتها معه على هذا الموال ولكن لله حكمة فيما يفعل ويريد!! انهى صلاته وعاد لمكانه... بينما هي خلعت جلال الصلاة.. رتبت شكلها بارتباك.. وعادت لتجلس أمامه شعرت أن تجاهله لها ازداد.. كما لو كان يقصد فعلا إشعارها بهذا التجاهل بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر.. حينها قررت جوزاء ألا تنتظر أي بادرة منه بدا لها غاية في الألم أن تتجاهل خجلها وكل تخيلاتها البريئة لهذه الليلة.. وتبادر للتصرف كما يخطر ببالها فهذه الليلة لم تكن أكثر من مذبحة لثقتها بنفسها وأنوثتها وحتى فرحتها البريئة.. تركته معتصما بصمته وأريكته.. توجهت للسرير تمددت غطت جسدها كاملا حتى رأسها ثم انخرطت في بكاء صامت أغرقت بدموعه الغزيرة مخدتها ************************************ بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر " حاولتُ جاهدة تجاوز مرارة ليلة زفافي رغم أن طعم مراراتها بقي كالعلقم في حلقي أن تكوني محملة بعشرات الأمنيات الوردية لحياتك الزوجية ثم تجدين كل هذه الأماني تُنسف بلا رحمة.. بلا سبب.. بلا تفسير تمنيت فقط أن أفهم لماذا يعاملني بهذه الطريقة!! خلال الشهر الماضي كنت أتجاوز خيباتي المتكررة وأحاول من جديد كنت كل يوم أبالغ في التأنق والتجمل والتعطر وأحاول أن افتح معه أي حوار ولكني لا أجابه سوى بردود مبتورة وهو يتجاهل حتى النظر إلى أنا متيقنة أنه يعاني من ضعف جنسي.. ولكن هذا الأمر لا يهمني.. أعلم أنني لن أكون الزوجة الأولى أو الأخيرة التي تجابه مشكلة من هذا النوع.. ولكن هل الحياة الزوجية تتوقف على هذا الجانب فقط؟! أريده فقط أن يحادثني.. يشعرني أنني بالفعل زوجته.. شريكة حياته لا أطلب المزيد... عالية سافرت قبل يومين.. عادت لدراستها كان وجودها يخفف عني كثيرا بمرحها ومقالبها.. كانت تأخذني من عالمي الصامت وكآبتي.. لكن الآن البيت يغرق في الصمت فعلا.. أشعر بالوحشة بعد ذهابها.. نجلا زوجة صالح لا تقصر مطلقا.. لم أرَ مطلقا من هي في طيبة قلبها أو رقتها ولكن لديها طفلان صغيران ليس بينهما سوى عام.. وهي مشغولة على الدوام بهما والدة عبدالله حنونة جدا.. أم فعلا.. لكن .. لكن.. خالاته أشبه بأفاعي فعلا.. بالأحرى اثنتين منهما : نورة وسلطانة كانت عالية من تسكتهما حين يبدأن بتلميحاتهما القميئة.. لكن الآن من سيدافع عني... يبدو أنني يجب أن أتجنبهما قدر المستطاع فخجلي وترددي يمنعاني من الرد على سيدات أكبر مني.. ومهما يكن يبقين خالات زوجي ربما لو كنت أحيا حياة زوجية طبيعية .. لم أكن مطلقا لأهتم لما يقلن فالحياة مليئة بهواة الكلام والتجريح!! ولكن كلامهن كالملح الذي يذر على جروحي.. لقد جعلن علاقتي تتوتر بابنة خالي بعد أن كانت علاقتي رائعة بها.. كلما رأينها .. أخذن يعقدن مقارنة مبطنة بيني وبينها!! أن مثلها هي من يجب أن تتزوج من هو مثل عبدالله أ حقا لأني لست بجمال يرقى إلى وسامة عبدالله.. هو عاجز حتى عن النظر إلى أو حتى التواصل بالكلام معي؟!! . . طوال الشهر الماضي كنت أسهر دائما في انتظاره مهما أطال السهر مثل الليلة التي أعلم أنها ستكون تماما مثل الليالي الماضية واللاحقة " كانت جوزاء تتأكد للمرة الألف من شكلها في المرآة كانت تبالغ في التأنق للحد الأقصى وباتت تتجنب أن ترتدي قمصانا للنوم.. حتى لا تضايقه أو تبدو كما لو كانت ترسل له رسالة هو عاجز عن الاستجابة لها فهي الآن متأكدة أنه لابد يعاني ضعفا جنسيا من نوع ما.. ولكن كل ما كانت تريده هو تواصله الروحي والإنساني لا الجسدي.. عدلت خصلات شعرها.. زينتها.. فستانها كانت ترتدي فستانا حريريا أسود ضيقا تصل أطرافه السفلية لتحت ركبتيها (هاي نك) بدون أكمام.. خال من أي تفاصيل عدا حزام فضي مشدود على خصرها ليكشف عن تفاصيل بالغة المثالية في انحناءاتها دخل..سلَم دون أن ينظر ناحيتها كما يحدث كل ليلة.. وككل ليلة أجابته بخفوت: وعليكم السلام ثم أردفت: تبي عشا؟؟ وككل ليلة أيضا أجابها بهدوء: متعشي في المجلس ثم دخل للحمام توضأ وصلى قيامه وقرأ ورده.. ثم تمدد على الأريكة ... ونام دون أن يوجه لها كلمة واحدة وككل ليلة أيضا زالت بعض زينتها من دموعها التي سالت على خديها قبل أن تزيلها فعليا ورغم كثرة ما كانت تبكي إلا أنها لم تسمح له أن يرى دموعها ولا لمرة واحدة استحمت وارتدت لها بيجامة حريرية بأكمام طويلة أنهت صلاتها ووردها.. ثم توجهت للسرير وهي تندس فيه.. ترويه بعض دموعها الليلية المعتادة!! *********************************** بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف الليلة تنتظره كعادتها وحدث كما يحدث كل ليلة تماما.. ذات السيناريو دون تغيير لكن هي قررت أن تبادر بتصرف إذا كان هو مطلقا لن يبادر بشيء.. فلتحاول هي كان قد تمدد على أريكته لينام.. لولا صوتها المختنق الذي أوقفه: عبدالله جلس معتدلا وهتف لها باحترام: نعم.. جوزاء همست باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟ عبدالله أغتصب ابتسامة : ومن قال لش أني متضايق منش.. جوزاء تحاول منع عبراتها من القفز لبلعومها وكلماتها تنهمر بوجيعتها : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود.. عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة.. عبدالله هتف لها بهدوء حان: شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع جوزاء بصدمة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك.. أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص.. عبدالله تنهد: يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير.. وبالفعل عبدالله ذهب بها لأهلها اليوم التالي.. ورغم أنها كانت تزور أهلها بشكل متكرر..لكن رؤيتها بحقيبتها أثار مخاوف والدتها: فيه شيء بينش وبين عبدالله؟؟ جوزاء بإدعاء للهدوء: لا يمة مافيه شيء.. عبدالله بنفسه اللي جايبني.. بس اشتقت أقعد عندكم شوي.. حينها أشرق وجه أم عبدالرحمن: لا تكونين توحمين.. ومقروفة من بيتش.. جوزاء كحت بحرج: لا يمة الله يهداش .. وش وحامه؟؟ جوزا قضت تلك الليلة ليلة هادئة بعيدا عن الضغط النفسي والتوتر والدموع الليلية التي لا تنتهي وهي تدعوا الله أن ينسى عبدالله مدة الأسبوع.. وتطول لأسبوعين أو ثلاثة فهو على كل الأحوال ينساها وهي معه في ذات الغرفة.. فكيف وهي بعيدة عنه؟! ولكن ما صدمها فعلا اليوم التالي أنها وهي تستعد للنوم رن هاتفها كان عبدالله هو المتصل.. توترت.. ماذا يريد؟؟ ردت بتوتر: هلا عبدالله رد عليها بهدوء: هلا بش زود جوزاء بذات التوتر: فيه شيء عبدالله؟؟ عبدالله بذات الهدوء: أنزلي أنا أتناش تحت في السيارة جوزاء بجزع: بس احنا متفقين أقعد أسبوع.. توني ما قعدت حتى ليلة.. عبدالله بحزم: جوزا خلاص .. قلت أنزلي.. انزلي.. لا تناقشيني.. جوزاء كانت بالفعل تريد أن ترفض.. لكنه رأته تصرفا لا يليق بتربيتها ولا بالاحترام المفترض لزوجها.. أبدلت ملابسها.. ولم تحمل معها حقيبة.. فلديها هناك من الملابس التي لا أهمية لها ما يكفي وزيادة.. كادت تنكفئ حرجا وهي ترى والدها ووالدتها في الأسفل.. أبو عبدالرحمن قفز حين رآها: وين بتروحين؟؟ جوزاء بخجل عميق: عبدالله ينتظرني برا أبو عبدالرحمن يتناول هاتفه غاضبا: باكلمه.. هذا وقت ياتي ياخذش فيه.. خله يرجع بكرة جوزاء بجزع: لا يبه فديتك خلاص.. ما يصير هذا هو في الحوش.. أبو عبدالرحمن بغضب: إلا اللي ما يصير طلعتش ذا الحزة.. تناول هاتفه وأتصل بعبدالله.. عبدالله حينما رأى اسم عمه على الشاشة.. رد باحترام جزيل وهو يسبقه بالكلام: حيا الله أبو عبدالرحمن.. ما دريت إنك عادك ذاهن وإلا كان حولت أسلم عليك جعلني فداك أبو عبدالرحمن بنبرة محايدة: جعلك سالم.. يا أبيك ماذي بحزة تاخذ مرتك.. روح وتعال بكرة.. عبدالله بذات الاحترام: والله إني داري جعلني فداك.. بس أنا عاد البيت بيتي وأنا كان عندي شغل توني خلصته وماهقيت إن دخلتي لبيتي ذا الحزة بتضايقك السموحة يبه.. خلاص تبيني أروح بأروح... وجوزا بأخذها بكرة أبو عبدالرحمن شعر بالحرج من عبدالله.. فلو قال له أن يذهب.. معناها أنه يأكد له أن البيت ليس ببيته.. لذا هتف بهدوء: لا خلاص أخذ مرتك...والبيت بيتك يا أبيك.. بس دايما السنع سنع.. عبدالله بنبرة انتصار: جعلك ذخر دوم.. وتعلمنا السنع.. أبو عبدالرحمن أشار لجوزاء أن تذهب.. جوزاء شعرت باختناق حقيقي وهي تقبل جبينه وجبين والدتها وتسحب نفسها للخارج فهي تمنت بالفعل أن يقتنع عبدالله بالذهاب وتركها هنا ركبت جواره صامتة.. دون سلام حتى.. لأنها شعرت أنها إن سلمت فستنخرط في البكاء.. هو أيضا لم يكلمها.. بقيا صامتين حتى وصلا لغرفتهما.. وأكملا رحلة الصمت المعتادة جوزاء كانت في حالة صدمة حقيقية.. فهو حينما أعادها الليلة.. رغم كل الألم الذي شعرت به إلا أنها شعرت بأمل ما.. أن يكون أعادها اليوم لأنه قرر أن يغير طريقة تعامله معها ولكن لا شيء تغير.. لا شيء تغير لا تلك الليلة ولا الليالي التي تلتها حتى... *********************************** بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفره بثلاثة أيام الليلة قررت ألا تنتظره.. الأمر بات جارحا لها أكثر من المحتمل.. أن تقضي ساعات تتأنق له.. ثم لا تجد ردا ولو حتى مجرد ابتسامة قررت أن تنام قبل أن يأتي.. لا تريد أن تراه حتى تعبت من كل هذا.. باتت كل أمنيتها أن يطلقها ويتركها تعود لأهلها.. ولكنها تخجل أن تطلب منه طلبا كهذا فهي استنفذت كل طاقتها.. ولا سبيل مطلقا لصلاح الحال بينهما.. فلماذا الاستمرار في حياة فاشلة كهذه؟!! شابة صغيرة مازالت في الحادية والعشرين.. كانت تنظر للحياة بمنظار وردي.. أصبحت نظرتها للحياة سوداوية.. وكأنه تضاف سنوات وسنوات فوق عمرها كان ذهنها مرهقا بأفكارها المؤلمة وهي تتمدد على وسادتها.. حتى نامت.. في وقت ما من الليل صحت على حركة غريبة قريبا من عنقها شعرت أنها تتخيل ربما.. لكن الحركة تكررت وكأن أحدهم يحرك شعرها ويزيحه عن عنقها ووجهها فتحت عينيها كانت الإضاءة خافتة.. استدارت لتصدم بجزع بوجه عبدالله قريبا جدا منها كانت تريد أن تجلس ولكنه لم يسمح لها وهو يشدها قريبا منه همست جوزاء بصوت مختنق: فيه شيء عبدالله؟؟ ولكنه لم يجبها وهو يتمعن النظر في تفاصيل وجهها وفي عينيه نظرة غريبة عجزت عن فهمها بدأ الخوف يتسرب إلى قلبها وهي تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها من قرب حاولت أن تبتعد عنه.. ولكنه منعها للمرة الثانية وهو يمرر أنامله على وجهها ويهمس لها بحنان عميق: لا تخافين .. ماني بجابرش على شيء كان الأمر بمجمله صدمة حقيقية لها.. إذا لم يكن يعاني من ضعف.. فما الذي كان يحدث طوال الشهرين الماضين؟؟ لتتكشف لها حقيقة مزقتها تماما وهو يصرخ فيها بغضب هادر: قومي اسبحي الحين.. جوزاء بجزع ضمت أطراف روبها عليها وهمست بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول ولكنه استمر بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين.. جوزاء بحركة لا شعورية أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة حرام عليك تقول لي كذا... ثم انخرطت في بكاء حاد.. وهي تقفز للحمام.. ربما قضت ساعات وهي تستحم وتبكي.. والحقيقة في ذهنها تبدو واضحة تماما.. لم يكن يقترب منها ليس لأنه يعاني من ضعف ما.. بل لأنه يشعر بالقرف منها.. قادته غريزته إليها.. ولكن حينما نال مراده.. وعاد له عقله.. عاد له قرفه منها.. كانت كلما فكرت هذا التفكير زاد بكائها عنفا.. شعرت أنها لا يمكن أن تتمزق أو تُجرح أكثر من هذا.. لا يمكن أن يكون هناك ألما أكثر من كذلك.. وصل الألم والجرح والتمزق عندها لحدوده القصوى.. ماعاد هناك مجال لأي مزيد حين خرجت من الحمام .. كانت عيناها مشتعلتين احمرارا ككرتين من الدم.. لطول مابكت واستحمت.. تمنت ألا تراه حينما تخرج.. ولكنه كان جالسا.. شعرت أنه يريد أن يقول شيئا.. ولكنها لم تسمح له وهي تتناول سجادتها وتخرج لغرفة عالية الخالية وتقضي ليلتها هناك سمعت طرقات على الباب بعد صلاة الفجر.. ثم همسه المكتوم الحازم: جوزا بلا فضايح.. تعالي خلينا نتفاهم.. ولكنها لم ترد عليه.. لا تريد أن تسمع شيئا منه.. أبدا.. أبدا.. اليوم التالي حاولت أن تتحاشاه قدر الإمكان.. بقدر ماكان يبدو أنه هو يريد أن يحادثها في ذلك اليوم على غير العادة لم يخرج مطلقا من البيت إلا للصلاة ويعود وكأنه يتصيد فرصة لمحادثتها ولكن جوزاء ليست مستعدة لمزيد من التجريح.. وأي محاولة للتبرير منه ستزيد الوضع سوءا لذا بقيت معتصمة بغرفة أولاد نجلا مع نجلا.. لأنه المكان الوحيد الذي تعلم أنه لا يستطيع اقتحامه.. وأغلقت هاتفها حتى لا يتصل بها مضى اليوم كله على هذا الموال.. حتى جاء الليل.. كانت مرهقة تماما جسديا ونفسيا.. انتظرت حتى توجه الجميع لغرفهم ثم توجهت هي لغرفة عالية أغلقت الباب عليها.. لتتفاجأ بالصوت الحازم البارد: هذا السنع يا بنت الأصول.. طول اليوم وأنتي طاقة من رجالش كان يجلس على الأريكة شابكا يديه أمامه.. جوزا ما عادت تريد أن تكون مهذبة أو رقيقة لذا ردت عليه بحدة: رجالي له شهرين طاق مني.. حليت في عينه الحين عبدالله وقف وهو يقول لها بحزم: امشي لغرفتنا نتفاهم هناك.. جوزاء بتصميم: آسفة الغرفة تيك ما عاد أدخلها وأنت فيها.. حينها هتف لها عبدالله بحزم بالغ: تروحين معي وإلا أشلش غصب.. جوزا بعناد وألم: قلت لك آسفة.. وما بيننا كلام.. الحياة بيننا مستحيلة.. طلقني خلني أروح لهلي.. عبدالله حينها انفجر بغضب: أطلقش هذا في أحلامش.. وإذا قلت كلمة.. لا تراديني.. قالها وهو يقترب منها ويحملها فعلا.. جوزا حاولت التخلص منه وهي تفرغ كل طاقة غضبها بلكم صدره بعنف.. بدا أنه لم يهتم لا من صراخها المكتوم ولا من لكماتها وهو يتجه بها ناحية الباب بثبات.. حين رأت جوزا أنه فتح الباب فعلا.. همست بحرج وغضب: خلاص نزلني بأروح معك بروحي.. لا تفضحني.. حد يشوفنا وأنت شايلني كذا حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم: عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا عبدالله شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟ أنت ذبحتني يا عبدالله عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها وهو يهمس في أذنها بشجن عميق: جوزا والله العظيم أني أبيش.. جوزاء بعدم تصديق: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني.. عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. شعرت أن دقات قلبه تحت أذنها أشبه بمطارق تمزق رأسها ألما بديا كلاهما كمخبولين في لوحة غير مفسرة هي تريد أن تبتعد عنه وهو لا يسمح لها وهو يشعر بالقرف منها ومع ذلك لا يريد إفلاتها مضت دقائق وهما على هذا الحال.. ولم تبدو على عبدالله أي بادرة أنه سيفلتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره انتفض بجزع وهو يفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها.. ولكنه منعها وهو يمسك وجهها بين كفيه ويهمس بألم عميق: تبكين..؟؟ جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟ تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني.. عبدالله همس لها بعمق: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر.. جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة.. عبدالله بألم: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد.. حينها انتفضت بغضب وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد توجهت للحمام لتتوضأ وتفرغ مزيدا من دموعها.. حينما أنهت صلاتها دعت الله مطولا أن يفرجها عليها. . كل يوم تقول ماعاد بها طاقة لاحتمال المزيد فيأتي المزيد والمزيد والمزيد كان هو أيضا يصلي.. انتهت قبله.. ثم توجهت للسرير لتندس فيه.. بعد لحظات شعرت بحركته على الطرف الآخر من السرير جلست بشكل حاد وهي تصرخ بألم: لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك.. عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك.. ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. حينها همست جوزاء بضعف متألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني.. عبدالله أسند رأسها لعضده وهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني.. كان رأسها مختبئ في صدره.. وهو يشد عليها بكل قوته.. وكأنه يخشى أن تهرب كانت جوزاء تتنفس رائحة عطره الفاخر الذي يبدو كما لو كان تغلغل في جسده وفي الوقت نفسه أيضا كانت تشعر بألم عظيم أن تكون رائحتها هي غير مستحبة بعد الذي قاله لها البارحة.. رغم أنها بالغت في الاستحمام والتعطر والبخور ولكنها بالفعل بدا لها أن رائحتها غير مستحبة.. بعد أن تسربت هذه الفكرة لعقلها الباطن.. كانت تحاول أن تبتعد عنه قبل أن يبعدها هو قرفا منها ومن رائحتها.. ولكنه لم يفلتها أبدا بعد ذلك همس لها بهدوء ناعس: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت.. بدا الأمر لها أشبه بتعذيب نفسي.. لأنها شعرت أنها بدأت تعرق من الحرج والحرارة.. خشيت أن رائحتها تزداد سوءا والمشكلة أنه يبدو نام فعلا وصوت تنفسه ينتظم.. بعد أن يئست جوزاء أنه قد يفلتها بدأت تذهب في دوامات تفكير بما أن النوم بدا حلما بعيد المنال " يا ترى ليش يعاملني كذا؟؟ حاسة إنه هذا هو المرحلة الثانية من التعذيب أكيد هذا واحد متعقد من النسوان أو يمكن العقدة فيني أنا ؟؟ أولها يتجاهلني لين ظنيت إنه ناسي وجودي وعقبها يخنقني بذا الطريقة بقربه وأنا عارفة إنه مهوب طايق ريحتي يا الله يا كريم فرّجها من عندك ماعاد فيني صبر.. قربت انهار من ذا الحال ليتني قعدت عند هلي ولا وافقت على ذا العرس الحين ماعاد باقي لي إلا مادتين.. فصل واحد من دراستي يا ترى أشلون بأكمل ذا الفصل وأنا نفسيتي زفت كذا ليتني على الأقل أجلت الموافقة على موعد العرس لين أخلص دراستي لا حول ولا قوة إلا بالله... قدر الله وماشاء فعل" بقيت الأفكار كأمواج تتلاطم جوزا بين تيارات غضبها وهي تشعر أن عظامها بدأت تؤلمها من وضعية النوم غير المريحة الخانقة التي حكم بها عليها هذا المجنون تستغرب كيف استطاع هو أن ينام على هذا الحال هزته برفق وهي تهمس بصوت مبحوح : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت.. أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكنها فوجئت به يمسك بكفها ثم يطبع في باطنها قبلة عميقة جدا ثم يضعها تحت خده ويهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة.. جوزاء شعرت بدقات قلبها تتصاعد بعنف.. بدت له حركته العفوية هذه مؤلمة إلى أقصى حدود التعذيب والعذوبة.. حينها سمح لها وضعها أن تراقب تفاصيل وجهه الوسيم المسترخي وهو يتوسد كفها تعبت من محاولة إيجاد التفسيرات والتبريرات تعبت من جفاءه ثم تعبت أكثر من قربه أي رجل محير هو هذا الرجل؟؟ أو ربما هو ببساطة رجل معقد؟؟ أو ربما كانت هي المعقدة الفاشلة في فهم عوالم الرجال؟؟ أي هذه الأسباب هو السبب.. بقيت ساهرة لم تنم حتى أذان الفجر.. حينها همست بإرهاق عميق وهي تهز كتفه بيدها الحرة : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر.. فتح عينيه.. وكان أول ما فعله أن عاود تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس: تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش جوزاء همست بألم عميق: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟ عبدالله يجلس وهو يهمس بعمق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!! جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين.. عبدالله بعمق: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق جوزاء بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة.. عبدالله بنبرة إقناع: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا.. ثم أردف بنبرة ولع غريبة : جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا سبحان الله شيء مثل السحر حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت.. شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟! صمتت جوزاء.. بداخلها تتمنى أن تصدقه.. هذا القلب البريء الذي لا يعرف الزيف أو التدليس بوده أن يصدقه فهذا الرجل هو شريك حياتها الذي ربطها الله به لحكمة رغما عنها وجدت نفسها تهز رأسها بخجل.. وليتها ما فعلت!! ليتها مافعلت!! فهي لم تكن سوى حمقاء كبيرة لتصدقه.. "أ بعد كل ما فعله بكِ تصدقينه أيتها الحمقاء؟؟ أتنتظرين أن يقطع لحمك لقطع صغيرة بعد أن طعنك في عمق قلبك وإنسانيتك وكينونتك؟؟" " أصمت.. أصمت.. لا أريد أن أسمعك أنا أريد أن أمنحه فرصة.. فكما جرح قلبي.. لن يداوي جرح قلبي سواه أنظر إليه كم يبدو صادقا" " هذا لأنك طفلة بلهاء لا تفهمين حينما يرميك كقمامة المرة القادمة لا تأتي إلى طالبة المعونة" " وإذا لم أستعن بك يا عقلي بمن سأستعين؟؟" "بقلبك الأبلة الذي فضلته علي والذي سيقودك هو للهاوية حينها لا أريد أن أرى لكِ دمعة واحدة لأن كل ما سيحدث لكِ هو قرارك أنتِ أمامك ألف دليل مادي على أن هذا الرجل لم يفعل سوى طعنك المرة تلو الأخرى ولكنك تتركين كل هذه الأدلة وتركضين خلف وعده الكاذب" جوزاء هزت رأسها بإصرار وهي ترفض تصديق هواجسها عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي صلت الفجر وهي تشعر بانشراح عميق.. دعت الله ألا يخيبها.. فقلبها الطري بالكاد قرر أن يشعر بالسعادة كثير كل هذا الحزن على قلب غض كقلبها فهل هذا الوعد بالسعادة كثير عليها؟! حينما عاد عبدالله من صلاة الفجر .. كانت تشعر بارتباك كبير وخجل عميق شفاف .. كانت تجلس على طرف السرير.. جلس جوارها ليطيل النظر إليها بنظراته الآسرة المجهولة .. ثم يشدها إليه.. خليط من سعادة مبتورة وخجل رقيق.. لأول مرة تشعر بإحساس عروس فعلا إحساس لم يستمر حتى لساعات لينتزع منها بأبشع طريقة.. أبشع حتى من طريقة الليلة قبل الماضية إن كان تلك الليلة صرخ بها.. فهو الآن يهمس لها ووجهها مدفون بين كفيه: جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين حينها شهقت جوزا.. عاجزة عن التنفس فعلا.. قد يكون طعنها في عمق قلبها كثيرا.. ولكنه هذه المرة تأكد من تمزيقه تماما.. ماعاد هناك شيء ليطعنه.. ماعاد هناك قلب يستطيع استقبال طعنته القادمة.. مجرد أشلاء قلب متناثر همست بحقد وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك.. حسبي الله ونعم الوكيل أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك.. دخلت للحمام وانهارت تماما في داخل المسبح لم يهمها إن كان يسمع صوت نحيبها العالي ماعاد يهمها أي شيء.. تتمنى فقط لو تستطيع أن تشعره ببعض الألم الذي تشعر به فقط بعضه.. هذا البعض تعلم أنه كفيل ببعث ألم لا حدود له في روحه ولكن بدا لها مخلوق مجرد من الإحساس.. شيطان ربما!! أي قلب يحتويه هذا الرجل؟!! يستحيل أن يكون لديه قلب حتى!! هل كان سيضره أن يطلق سراحها قبل أن يتسبب بكل هذا الأذى النفسي لها؟!! هل كان سيضره ان يطلق سراحها وهي لديها بقية من قلب وروح؟؟ لماذا حرص على أن يدمر كل شيء فيها؟؟ أي ذنب أذنبته استحقت من أجله كل هذا التعذيب؟؟ هل كونها غير جميلة أو رائحتها لا تعجبه سبب يستحق أن يدمرها بهذه الصورة؟!! بكت مطولا في الحمام والماء ينسكب على جسدها الذي بالغت في فركه وتنظيفه وكأنها تريد أن تزيل بقايا لمساته المريضة التي أشعرتها بالقرف من نفسها تماما كما يشعر هو بالقرف منها خرجت من الحمام وقد قررت تماما أن ألا تبقى ولو يوما واحدا مع هذا المريض المخبول.. يستحيل أن تبقى في هذا المكان الذي بات يذكرها بالكثير من الآلام والمرارة حين خرجت سمعته يتكلم في الهاتف كان يتحدث بالانجليزية وفي صوته غضب هادر مرعب لم تلتقط مما يقول سوى قوله : أنا قادم على الفور حينما أنهى اتصاله كانت تقف تنظر إليه بكراهية شديدة بينما كان هو ينظر لها بنظرة عجزت عن تفسيرها استمرا يتبادلان النظرات لثوان.. انحنى بعدها تحت السرير ليستخرج حقيبته ويضع ملابسه على عجالة فيها همست له بنبرة ميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا همس بنبرة ميتة مشابهة: أنا مسافر.. بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟ لم يرد عليها.. نظر إليها فقط.. لسبب لا تعرفه بعثت نظرته في أوصالها رعشة عميقة لم تعرف لها تفسيرا... أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع.. يارب تروح ما ترجع.. أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه هو نحيبها ودعواتها عليه.. بعدها جوزاء بالفعل عادت لبيت أهلها.. علمت من أهله أنه سافر في رحلة عمل لأمريكا ستستغرق أسبوعا واحدا .. قررت أن تنتظر حتى يعود لتطلب الطلاق منه.. يستحيل أن تكمل حياتها معه.. ولا حتى مع سواه.. فهي تشك إن كانت ستتجاوز ما فعله بها.. حينما مر الأسبوع وهو لم يعد ولم يتصل.. بدأ قلق رقيق يتسرب إلى روحها هل من المعقول أن الله استجاب دعائها عليه؟؟ هي بالفعل لا تريده... ولكن لا تريده أن يموت.. له أهل يحبونه وهي أحبتهم.. لا تريد مطلقا أن يُفجعوا فيه بعد أسبوع آخر نضجت فيه من القلق.. فاجأها اتصاله الليلي بها.. كانت نائمة حين أيقضها رنين الهاتف وحين رأت الرقم الطويل شعرت بريقها يجف ودقات قلبها تتصاعد.. شعور ملتبس خليط من الكراهية والقلق والرغبة في الانعتاق.. ردت بصوت مبحوح متوتر: ألو.. ولكن لا إجابة.. عاودت الهمس: ألو.. وأيضا لا إجابة... حينها همست بتساؤل مرهق: عبدالله؟؟ شعرت بصدمة كاسحة في عمق قلبها حين أجابها بلهفة موجوعة : لـبـيـه.. أصابها الخرس..لم تعرف ماذا تقول.. أفكارها تبعثرت تماما.. من كلمة واحدة فقط!! كلمة كانت أشبه بطعنة لا حدود لعذوبتها الخالصة حتى وإن كان لا يعنيها!! استمر الصمت بين الطرفين لدقيقة وكل منهما يستمع لصوت أنفاس الآخر المرتفعة بوضوح.. في إيحاء شفاف بعمق انفعال كل منهما بعد ذلك همس عبدالله بنبرة مموهة: أشلون أمي؟؟ أجابت جوزاء بصوت مختنق: أمك في بيتها وطيبة وبخير.. أنا في بيت هلي.. صمت لدقيقة أخرى ثم همس بصوت مرهق تماما: خلاص سلمي لي عليها.. جوزاء تشعر باستغراب عميق لهذا الاتصال الغريب: الله يسلمك.. يوصل.. ثم انتهى الاتصال.. وسط استغراب متعمق من جوزاء ومازالت حتى الآن كلما تذكرت طريقته وهو يقول لها (لــبـــيـــه) رغما عنها تشعر بذات الألم العذب الشفاف في عمق قلبها ************************************** بعد سفر عبدالله بشهر رغم تأخر موعد دورتها الشهرية لأكثر من أسبوعين إلا أنها كانت تحاول إلغاء فكرة الحمل المرعبة من بالها تدعو الله بعمق ألا يعاقبها بحمل ناتج عن كل هذه الكراهية والتعقيد.. تريد أن تتخلص من عبدالله فكيف ترتبط بولد منه سيبقى يذكرها دائما بما فعله والده بها؟!! كانت صلت العصر للتو حين جاءتها أمها لتخبرها أن عمها يريدها في الأسفل شهقت جوزاء: عمي أبو صالح؟؟ أم عبدالرحمن بطبيعية: إيه يأمش.. تحت في مجلس الحريم وابيش معه.. جوزاء التفت بجلال واسع ونزلت.. فور أن دخلت شعرت أن هناك شيء غير طبيعي حدث فأبو صالح ووالدها كلاهما وجهه مسود .. اقتربت وقبلت أنف عمها وسلمت عليه السلامات المعتادة وبعد ذلك هتف لها: يأبيش أبغيش تروحين معي لبيتش.. جوزاء حينها همست باختناق: بس عبدالله مابعد رجع.. أجابها أبو صالح بحزم: البيت بيتش مهوب بيت عبدالله.. امشي معي يأبيش أنا ملزم.. بدا لها أن والدها غير راض.. وأن ذهابها مع أبي صالح لا يرضيه.. ولكن مادام لم يتكلم وجدت نفسها مجبرة على التنفيذ لم تستطع رد عمها وهو من أتى لها بنفسه.. احترامها له منعها.. ارتدت عباءاتها وحملت معها بعض أغراضها على عجالة.. وركبت معه.. كانت تشعر بحرج عميق أن تركب جواره ويكون هو من يسوق السيارة ولكنها بلعت حرجها طوال الطريق حتى وصلا لبيته.. حينها همس لها عمها بحنان موجوع: انزلي يأبيش.. همست جوزاء باختناق: عمي تكفى أنا ما أبي عبدالله.. تكفى طلقني منه.. عدني مثل عالية بنتك.. أنا وعبدالله العشرة بيننا مستحيلة.. بدا كما لو أنه يغالب عبرات سدت حلقه ومع ذلك أجابها بحزم: ربي خلصش منه يأبيش عبدالله يطلبش البيحة.. وأنا أبيش تحادين هنا في بيتش.. حينها شهقت جوزاء بعنف.. شعرت كما لو كان مبنى هائلا انهار فوق رأسها شعرت كما لو كانت هي من قتلته.. وأن عمها يعلم ذلك وإلا لماذا يقول أن ربها خلصها منه.. إلا إن كان يعلم أنها دعت عليه وخصوصا أنها أخبرته الآن أنها لا تريد ابنه أي مسلسل للعذاب لا ينتهي هذا.. أما لعذابها من نهاية!! مرت أيام العزاء عذاب لا يوصف على جوزاء كان يكفيها أن ترى حال أم صالح حتى تنهمر دموعها سيلا لا يتوقف.. شعرت أنها هي من حرمتها منه أنها وجه النحس عليه كما يطعنها خالاته باتهاماتهن المبطنة.. كانت حالة أم صالح مزرية تماما.. لا تجهد حتى على الوقوف.. وكانت هي ونجلا من يتبادلن المبيت والبقاء ملاصقتين لها وخصوصا أن الجميع اتفقوا على عدم إخبار عالية بشيء.. بعد ذلك جوزاء باتت ترفض أن تبقى نجلا مع أم صالح لأن نجلاء مشغولة بطفلين وليست حملا للمزيد لذا تولت جوزاء مسؤولية أم صالح بالكامل.. ولم تخبر أحدا بحملها الذي تأكدت منه... ولكن حتى رعايتها المتفانية لأم صالح رغم كل جروح قلبها النازف لم تسلم من تعليقات خالات عبدالله ورغم كل ذلك فإن أكثر ماكان يؤلمها هو نظرات أبي صالح حينما يدخل عليها ويجدها بجوار أم صالح .. أ كانت نظرات عتب أم لوم أم اتهام ؟!! حينما تحسنت صحة أم صالح.. رجت جوزاء عمها طويلا أن يسمح لها بالعودة لبيت أهلها.. ولكنه رفض أ كان يريد أن يتأكد من تعذيبها وتقييدها في هذا البيت الذي يذكرها بأبشع ذكرياتها؟!! لم تعلم مطلقا أن هذا الشيخ كان يظن أنه ببقائها أمام عينيه يريد أن يعوضها عما فعله ابنه بها أراد أن يتأكد أنه لن يلحقها ضيم أو ضيق حتى تنتهي من عدتها التي طالت طويلا مع الحمل.. خبر حملها بعث في قلب أم صالح سعادة عميقة.. وغمغمة غامضة من أبي صالح.. جوزاء ظنت أنه لا يريدها أن تنجب ابنا من ابنه بينما هي وجه النحس عليه.. شعور جارح جديد اُضيف إلى عشرات المشاعر التي امتلئت بها روحها صديدا مرا تمنت جوزاء بعمق ألا تنجب ولدا.. لم تكن تريد ولدا حتى لا يُسمى باسم عبدالله كما هي العادة مرت أشهر الحمل ثقيلة طويلة متطاولة مثقلة بالمرارة.. كل شيء في بيت أبي صالح كان يجرحها ويؤلمها ويثير أسوأ ذكرياتها.. كانت تخشى بشدة ألا تحب مولودها لأنه ابن عبدالله.. ولكن هذا الظن انهار تماما حين حملته للمرة الأولى بعد الولادة مباشرة حينما نظرت ليديه الصغيرتين لبشرته المزرقة المتغضنة..بكت بشفافية حزينة.. شعرت أنها خُلقت لتكون أما لهذا المخلوق الضئيل بكت لأنها ظنت مجرد ظن أنها قد تكرهه.. كيف تكره هذه الروح العذبة.. كيف تكره عصارة روحها ونبض أيامها وكل مستقبلها؟!! سعدت كثيرا حين سماه عمها باسم حسن.. رغم أنها بعد أنجبته لم تكن لترفض أن يسمى بأي اسم حتى لو كان عبدالله.. يكفيها أن يبقى في حضنها أما كان من أكثر ما جرحها بالفعل خلال الفترة الماضية أنها اضطرت أن تعتذر عن دراستها.. وكما هو القانون في جامعة قطر يحق لها الاعتذار عن ثلاثة فصول دراسية وخلال حدادها الطويل اعتذرت إجباريا عن فصلين... ومن أجل ابنها الذي انجبته للتو اعتذرت عن الفصل الثالث..بعدها لم تستطع العودة.. صديقاتها تخرجن.. وهي أصبحت مثقلة بالمرارة عدا عن اهتمامها الشديد بولدها وكونها لا تريد تركه ولا لدقيقة واحدة لتضيع كل فرصها في إكمال دراستها.. احتسبت كل ذلك عند ربها.. وهي تعود لبيت أهلها.. ولكن الفتاة البريئة الشفافة التي خرجت من البيت قبل حوالي عام غير الأنثى المعقدة المليئة بالأفكار الملتبسة وانعدام الثقة التي تعود اليوم.. أصبحت حادة.. ولسانها حاد ومتحفز.. حتى خالات عبدالله نورة وسلطانة حينما كن يأتين لزيارتها أيام نفاسها كانت تعرف دائما كيف تجرحهن أو تحرجهن في انتقام متأخر ما عاد له نكهة.. ولكنها أصبحت ممن يؤمنون (أن الانتقام وجبة يُفضل تناولها باردة).. بعدها توقفن عن زيارتها واكتفين برؤية حسن الصغير حينما يأتي في زيارات لجدته.. مضى منذ ذلك الحين ثلاث سنوات وثلاثة أشهر هي عمر حسن.. حسن الذي بات هو رقم واحد في كل شيء في حياتها ************************************** هناك على الجبهة الآخرى.. جبهة عبدالله فيصل غادر صالحا لينجز بعض الإجراءات.. وصالح بقي جالسا ينتظر استيقاظ عبدالله الذي اقترب موعده.. حينما بدأت الأجهزة الحيوية تعطي إشارات عن انتهاء مفعول المخدر وعودته لوعيه أعطى الطبيب إشارة لصالح.. ثم تأخر للزاوية وجلس وجهاز استدعاء الأمن في يده.. عبدالله فتح عينيه ببطء.. ثم كانت ردته التالية المفاجئة غير المتوقعة مع تأثيرات المخدر أنه قفز واقفا وهو يصرخ بالانجليزية: أين القذرة؟؟ أين هي؟؟ ثم توجه ركضا للباب لولا اليد القوية التي شدته بقوة وثبتته على الحائط.. كان عبدالله على وشك توجيه لكماته لمن ثبته لولا الصوت الذي لم يتوقع سماعه ولا حتى في أعذب أحلامه صوت صالح يصرخ به في حزم: اذكر الله يارجال.. اذكر الله قول لا إله إلا الله.. كانت يدا صالح الاثنتين تثبتان كتفي عبدالله للحائط وحينها وقعت العين في ألم العين الشوق بارتدادات الشوق .. الوجيعة بنداءات الوجيعة.. عاصفة من الخدر اجتاجت عظام عبدالله الذي كان ثائرا لأبعد حد.. شهق رغما عنه وهو يرى صالح هنا لم يخطر في باله ولو لثانية واحدة أنه قد يرى أحدا من أهله بعد مرور هذه السنين حينها ارتمى في حضن صالح وانتحب.. انتحب . وانتحب رغم أنه منذ الفاجعة التي مر بها لم تهطل من عينه دمعة واحدة انهار جالسا وهو يشد صالح معه.. الطبيب كان يشير لصالح بعلامة النصر لأن تعبير المريض في عرفه عن ألمه هو أول الطريق لتقبل الحقيقة ولكن صالح لم ينتبه مطلقا لإشارات الطبيب فعقله وقلبه مع هذا المنتحب بين ذراعيه الذي بدأ يئن كأنين المذبوح: ذبحته قدامي يا صالح.. قدامي يا صالح.. شفت الروح تُسحب منه شوي شوي... قدامي مر شريط حياته في لحظة.. أول سن طلع له وأول خطوة خطاها وأول كلمة قالها.. كل شيء خذته مني في لحظة... ما كفاها أني عشت حياتي السنين اللي فاتت أتعذب بعيد عن هلي من سبتها كرست حياتي كلها لذا الولد.. وعقبه أشوفه يذبح قدامي ولا أقدر أسوي شيء.. وطول الليل هو قدامي.. عينه فيني.. أبي أسكر عينه بس.. ماقدرت ماقدرت.. ربطوني الكلاب مثل كلب ما منه فايدة.. وبالفعل انتبه صالح حينها لأثار الحبال الغائرة في جسد عبدالله ..التي تكشفت من عدة نواحي من روب المستشفى ولأنه كان يحاول باستماتة تخليص نفسه أخذت الحبال تحز في جسده أكثر مع كل محاولة.. ومع ذلك استمر في المحاولة حتى بدأ جسده ينزف من كل ناحية من شدة إحكام ربط الحبال ومن قوة محاولته تمزيقها أو إرخائها دون فائدة.. صالح همس لعبدالله والعبرات تخنقه: اذكر الله.. قل إنا لله راجعون.. اللي تسويه في روحك مهوب راده.. حينها انتفض عبدالله بغضب: أدري مافيه شيء بيرده... بس أبي أخذ روح اللي خذت روحه.. صالح شده وأعاده للسرير وهو يهتف له بمنطقية: الكلبة مسجونة.. وأنت عارف إنك منت بقادر توصل لها.. خلنا نرجع لديرتنا ونطلع من ذا الديرة سالمين... كفاية اللي صار لك.. حينها انتفض عبدالله كما لو كان ينهض من غيبوبة..كأنه يكلم نفسه: أرجع الدوحة.. الدوحة.. أرجع لهلي؟؟ ثم أردف بألم ممزق من قلبه المثقل بالحزن والفجيعة: أنا ما أدري من اللي منك استلم رسالتي.. وعارف أن اللي استلمها منكم ماراح يقول للباقيين عن أني مت منتحر لكن لو كان ابي.. أنت عارف إنه مستحيل يسامحني.. مستحيل صالح تنهد: وهو ابي.. وابي قال لنا كلنا أنك مت في حادث سيارة.. بس الحين ماحد يدري إنك حي إلا أنا... امش معي للدوحة بأخلي فهد يفرش مجلسي وغرفتين في البيت على السريع وباقعد أنا وأنت هناك.. لين نمهد لابي الموضوع.. ******************************* بعد يومين صالح أنجز إجراءات العودة.. واتصل فعلا بفهد وطلب منه أن يحاول بأقصى سرعة انهاء تشطيبات البيت على الأقل مجلس الرجال الخارجي وغرفتين من البيت حتى لو واصل الليل بالنهار لانجاز المهمة ثم يقوم بفرشه دون اهتمام بالمبلغ.. المهم أن يكون المكان جاهزا قبل وصوله.. وها هو الآن مع عبدالله في شقتهما المستأجرة.. بعد أن استقر وضع عبدالله.. وكان لوجود صالح معه تأثير أشبه بتأثير السحر على اطمئنان روحه.. لم يصدق أن رائحة أهله معه وتحتويه بعد جوع كل هذه السنوات وغربتها وبرودتها القاسية.. عبدالله كان ينظر عبر النافذة الكبيرة التي تطل على ميدان واشنطن سكوير.. يخطر بباله سؤال يحاول قمع نفسه عنه فلا يستطيع فصالح طوال اليومين الماضيين أخبره أخبار أسرته بالتفصيل الممل حتى عقد قران عبدالرحمن من عالية.. ولكنه لم يخبره بوجود ابن له.. أراد أن يتمهل قليلا في اخباره ولكن منذ معرفته أن عبدالرحمن شقيقها تزوج شقيقته والسؤال يلح عليه بإصرار.. إنها النفس البشرية العصية على التفسير!! تنحنح عبدالله وهتف لصالح الذي أنهى لتوه اتصالا مع فهد يتأكد من سير ترتيب البيت بنبرة اجتهد لتخرج طبيعية: صالح.. مرتي اللي كنت متزوجها.. وش صار عليها؟؟ صالح بطبيعية: أم حـ.... لكنه بتر عبارته وهو يهتف بنبرة حاول أن تكون طبيعية أيضا: تزوجت.. لم يستطع منع نفسه من الإحساس بالألم..بل بما يتجاوز الألم.. فذكراها لأسباب عميقة جدا لم تفارقه مطلقا طيلة السنوات الماضية ومع ذلك ذلك هتف باصطناع بارع: الله يوفقها حينه هتف له صالح: تعال اقعد جنبي وعلمني الحين بالتفصيل كل اللي صار عليك.. ووش اللي حدك على ذا كله أظني خليتك ترتاح واجد..صار لي يومين أنا أتكلم وأنت تسمع... الحين حقي عليك أعرف كل شيء.. عبدالله جلس جواره تنهد ثم بدأ يحكي: تذكر أكيد زواجي براكيل الله يقطع سيرتها... كنت توني مالي شهرين في أمريكا وهي عرفت فعلا أشلون تصيدني.. كانت أكبر مني في السن.. هي كانت في الدكتوراه وأنا في الماجستير.. اقنعتني بطريقة الحيايا أنها مهتمة بالإسلام وتبي تسلم وما لقت اللي يمسك بيدها.. وفعلا تزوجتها.. كانت من شدة تمثيلها تلبس طويل وواسع وتغطي شعرها لما تكون معي كنت كل ليلة أدرسها الإسلام.. واحاول اقنعها تعلن إسلامها.. لكنها كانت تقول تمهل علي.. أبي أسلم عن اقتناع كامل.. بعدها بالفعل حسيت إني ماني بمرتاح معها.. فيها شيء بدأ ينغز قلبي منها.. وفعلا قلب المسلم دليله.. اتفقت معها إنه مانبي عيال الحين.. لين نستقر في الدوحة.. عقبها بدأت ألاحظ عليها كلام مايعجبني عن الحوار بين الأديان والحضارات وأن اليهود أكثر ناس انظلموا في التاريخ.. تعرضوا للظلم والمذابح ومالقوا حد يدافع عنهم.. والعالم كله مهوب قادرين يفهمونهم كانت تحاول تجذبني لذا الأفكار بالتدريج.. مخطط طويل المدى.. لكن أنا كان يزداد نفوري منها شوي شوي.. وكل يوم كان النقاش يصير حاد بيننا على سبت ذا الموضوع وأقول لها لو هي تبينا نستمر سوا لازم تشيل الكلام السخيف هذا من رأسها.. لحد اليوم اللي خلصت دراستي خلاص وأنا لحد الحين مهوب مستقر معها.. وندمان على تهوري في الزواج منها.. وبديت أفكر جديا في الانفصال عنها رجعت البيت ما لقيتها.. بعدين لقيت على الطاولة أوراق لشغلها.. كنت أعرف إنها تشتغل أعمال تطوعية لكني اكتشفت أن الاعمال التطوعية وين... كانت في المجلس الصهيوني الإعلامي المدام كانت من كبار المسؤولين هناك وتلعب علي.. شوي اتصالات سريعة اكتشفت إنها من أكبر أسرة يهودية لها نفوذ في أمريكا.. واسمها اليهودي طبعا راحيل.. صالح بصدمة كاسحة كان يهز رأسها رفضا: مرتك كانت يهودية..؟؟ عبدالله بألم: تخيل يا صالح ومهوب يهودية بس.. لكن صهيونية.. وتشتغل في دعم صورة الصهاينة.. حسيت صالح أني أقذر مخلوق على وجه الأرض.. حسيت أن قذارة جسمها لصقت فيني.. طلعت من البيت.. اتصلت بها وقلت لها أنتي طالق.. ووقعت أوراق الطلاق وتركتها عند المحامي ورجعت للدوحة لكنها رفضت توقع.. وظلت تطاردني بالمكالمات.. وتقول إنها تحبني ومستحيل تخليني.. غيرت تلفوني مرتين ومع كذا كل مرة تجيبه.. المرة الثالثة تذكر.. طلعت رقم باسمك أنت... تخيل اتصلت في فهد وخذت الرقم منه.. قالت له إنها تبيني في شغل.. يعني قدرت تطلع رقم فهد.. ماكان فيه شيء يردها من اللي هي تبيه.. تذكر إلحاح إبي علي أني أتزوج وكنت رافض.. كنت خايف أتزوج ألاقيها ناطة عندي في الدوحة.. بس عقبها قلت إن شاء الله ربي ما يخيبني.. وافقت وتزوجت.. انقطعت اتصالاتها عني فترة.. وحمدت ربي لكن عقب عرسي بشهرين اتصلت بي.. قالت لي إنها ولدت.. جابت ولد مني.. انصدمت لأنها ماقالت لي إنها أبدا أنها حامل قالت لي لو ماجيت الحين: أنا بجي لك.. طبعا سافرت لها بسرعة.. تخيلها جاية الدوحة وتقول عبدالله آل ليث عنده ولد من يهودية.. تبي الصراحة يوم شفت خالد يجعله من عصافير الجنة... شكيت يكون ولدي.. مافيه أي شيء مني.. يشبهها بالكامل.. خليت وحدة من الممرضات تسحب لي عينة من دمه ووزعتها على ثلاث مستشفيات عشان فحص الحمض النووي وفعلا أكدوا لي أنه ولدي... وقتها صارت الصدمة عندي.. مثل منت عارف في الدين اليهودي مايصير يهودي إلا اللي أمه يهودية.. خفت على ولدي وقررت أهرب به منها.. واعتبرت إن هذا هو جهادي في الدنيا.. لكل إنسان في الدنيا جهاد.. أول شي قلت بأرجع به للدوحة... بس لأني عارف عنادها وخبثها.. كنت متأكد إنها بترفع قضية علي هناك... تخيل الفضيحة اللي بتلحقكم كلكم يوم يقولون الناس ولد آل ليث مرته يهودية قلت الحل الوحيد أني أختفي أنا وولدي.. لكن صارت المشكلة عندي أشلون اختفي.. حاولت أألف عشرات السيناريوات لحكاية موتي أنا وولدي كان كل سيناريو فيه ثغرة إلا سيناريو الانتحار.. أدري إنه كان أمر صعب بس مالقيت غيره.. والوقت عندي ضيق درست حالات الانتحار فوق جسر بروكلين بالذات.. كثير من الجثث مايلقونها لأن بروكلين على إيست ريفر.. وذا النهر يصب في المحيط الأطلسي وين الواحد بيلقى جثة سحبها المحيط وكلتها أسماك القرش وفعلا خطفت الولد من المستشفى وخليت مع ثيابي رسالة لكم وجوزاي القطري وخليت مع ثيابه رسالة لها: أني أفضل ولدي يموت معي ولا إنها تربيه على دينها.. والله العظيم فكرت وقتها أقول لها هي اني انتحرت.. وانتوا أبلغكم موتي بطريقة ثانية.. بس الطريقة هذي كان فيها ثغرة كبيرة بتكشفني لأنها أكيد أول شيء بتسويه بتسأل في السفارة.. فما لقيت لي حل غير الانتحار... يظنوني الناس مت منتحر أهون علي من إن ولدي تربيه يهودية.. وإلا تفضحني بين ربعي وجماعتي كانت الخطوة الثانية اللي حست فعلا أنها من رحمة ربي بي إن ماحد انتبه لها.. كانت جنسيتي الأمريكية راكيل كانت قدمت لي على القرين كارد اللي يأهل للجنسية الأمريكية.. بس أنا ما اهتميت بالموضوع.. ولما كنت في الدوحة بعثوا لي إيميل إن إجراءات الجنسية انتهت جيت واستلمتها.. ثم رتبت لي سكن في بورتلاند بعيد جدا عن مكان راكيل وأضفت الولد لي وبديت حياتي هناك... حياتي كلها كانت خالد ماعندي شيء غيره كنت أقول أبي أربيه مثل ما ربانا أبي... بس جات هي مثل حيه ما أدري أشلون دلت طريقي.. ما كفاها أني من سبتها عشت أتعذب بعيد عن ديرتي وهلي.. صالح أنت ما تخيل السنين اللي طافت أشلون عذاب بالنسبة لي.. ماشربت فنجال قهوة إلا وأتذكر أمي وأحس مرارة الفنجال وقفت في حلقي.. ما أشوف شايب يتعكز على عصاه إلا أقهر نفسي لأقوم أحب كتفه وإيديه ما أشوف بزران صغار إلا ويطرون علي عيالك..وأموت أبي أضمهم أقول يمكن أشم ريحتك فيهم.. ما أشوف حد مسرع في سيارته إلا ويطري علي فهد.. وما أشوف شاب صغير إلا ويطري علي هزاع.. لا شفت حد يضحك.. طرت علي عالية ومقالبها.. كل شيء مهما كان تافه وبسيط يذكرني بكل واحد منكم.. وأنا أشرب حسرتي كل يوم ألف مرة تدري يا صالح إني في كل عيد كنت أتصل في البيت.. أبي أسمع صوت أي حد منكم.. احترق من أقصاي لين أقصاي يوم أسمع صوت أمي ترد ولا أقدر أرد عليها وعقب ذا كله تدل الحية طريقي.. ذا اللي سويته كله في النهاية ما جاب نتيجة استغربت إنها ما بلغت الشرطة علي.. كل يوم كانت تنط عندي.. وقالت للولد أنها أمه.. ويوم درت أنه حافظ قرآن عصبت وهددتني تأخذه مني كنت خايف تنفذ تهديدها.. والقانون معها وأنا بانسجن وهي بتأخذ خالد مني.. كل يوم كنت عايش في رعب من ذا السالفة لين.. لين................ صمت عبدالله.. ماعاد قادرا على الاكمال..سدت العبرات حلقه.. شد صالح على كفه : بس يأخيك بس خلاص يكفي يكفي... قوم معي نروح للسفارة عندي كم شغلة هناك.. عبدالله شعر أنه مستنزف من الحديث تمدد على الأريكة وهمس لصالح روح أنت.. أنا تعبان.. أبي أنام شوي تمدد عبدالله وعقله يطوف به إلى ذكريات أشعرته بكثير من الألم.. والشجن.. والندم... ***************************************** قبل أربع سنوات وشهرين.. ليلة زفاف عبدالله وجوزاء " لماذا أبدو أبلها و(غشيما) رغم أني لست واحدا منهما فلست بالأبله ولا الغشيم وليست هذه بالتأكيد هي تجربتي الأولى في الزواج ولكن لم أتوقع مطلقا أنها قد تبدو طاهرة ونقية إلى هذه الدرجة الموجعة أشعر بطهارتها تحيط بها كهالة.. أ مثل هذا الجسد الطاهر يقذر ببقايا نجاسة راكيل التي لم أكن حتى الرجل الأول في حياتها؟! ألا أخاف الله في مثل هذه الروح النقية أن أطبعها بسواد روحي يا الله ألهمني الصواب ألهمني الصواب " يحاول ألا ينظر إليها.. يشعر أن حتى مجرد النظر لها ليس حقا له.. ولكن نظراته رغما عنه كانت تتجه ناحيتها وتترصدها كبوصلة لا تستطيع تغيير اتجاهها عن الشمال كان ينظر بشغف غريب لارتباكها.. توترها.. خجلها الرقيق.. ارتعاش فكها.. فركها لأناملها لكن ما أن يشعر أنها تكاد ترفع بصرها حتى يوجه بصره إلى أي مكان عداها وحين تعود للنظر ليديها المشبوكتين في حضنها يعود لترصدها يشعر كما لو كان يعود مراهقا ..وهذه الطفلة تعبث به بطريقة غير معقولة ولا مفسرة لم يظن ولا حتى للحظات أن هذه المشاعر الغريبة ستغزوه.. كان يظن أنه وافق والده وسيتزوج كما يتزوجون الآلاف.. بينهما الاحترام.. ينشئان أسرة.. ويربيان الأولاد.. لم يخطر له ولو لثانية أن هذه الأفكار الغريبة في مشاعرها.. في مثاليتها.. ستغزوه بهذا العنفوان... ومن مجرد النظرة الأولى.. بينه وبينها سبع سنوات.. يشعر بها كطفلة.. فليس بينها وبين صغيرته عالية سوى عام واحد.. يشعر أن بين جوانحها قلب طفلة طاهر لم يمس.. كره أن يؤذيها أو يجرحها.. أو ينجس طهارتها بأي صورة شعر أنه مقارنة بها مخلوق مدنس.. قذر.. لا يستحق شرف ملامسة جسدها ولا حتى مشاعرها قرر أن الطريقة الأسلم هي في التمترس خلف بروده.. ألا يتواصل معها بأي صورة حتى تصفو الرؤية أمامه ويرى ماهو فاعل.. وهو غارق في أفكاره.. سمع همسها الرقيق: لو سمحت.. لم يستوعب حتى سمع ذات الهمس يتكرر بارتجاف مختنق: لو سمحت انتفض دون أن تظهر انتفاضته للسطح.. (أ تتكلم هذه أم تغرد؟!!) رد عليها بهدوء ظاهري عميق يختلف عما يمور داخله: نعم؟؟ ردت عليه باختناق عظيم آلمه لأبعد حد: أبي أروح للحمام لو سمحت.. تأثر بشدة إلى أنه أضطرها إلى إحراج نفسها بهذه الصورة.. هتف لها بأقصى نبرة احترام استطاعه عله يعوضها عن إحساس الحرج: سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء تفضلي الحمام من هنا تبين مساعدة؟؟ همست له باختناق شعر أنه يذيب قلبه بصورة غير معقولة: لا شكرا ما أبي مساعدة.. كان فعلا يحاول ألا ينظر لها.. لا يعلم متى أصبح بارعا بالتمثيل هكذا.. في الوقت الذي كان يبدو لا ينظر لناحيتها كان يقتنص غضها لبصرها بعيدا ليلتهمها هو بنظراته.. كأنه يكتشف عالم النساء لأول مرة.. فأي سحر تحتويه هذه الصغيرة؟؟ أي سحر غير متصور وعصي على كل تفكير؟!! تابعها بنظراته وهي تتعثر في خطواتها لناحية الحمام... حالما دخلت سمح لنفسه بإطلاق تنهيدة طويلة.. وهو يقفز ناحية شرفة الجناح ويخرج للهواء الطلق رغم أن الجو كان حارا حينها ومثقلا بالرطوبة.. إلا أنه كان بالفعل بحاجة لهواء طبيعي.. شعر مهما كانت الحرارة لاهبة.. فهي لا تقارن بالحرارة التي شوت جسده ومشاعره في الداخل.. استند على حاجز الشرفة وهو ينظر للبحر.. " ما هذا الذي يحدث لك يا عبدالله؟؟ ماذا يسمون ما يحدث لك؟؟ تبدو كما لو كنت مراهقا يرى امرأة للمرة الأولى في حياته أي سحر في هذه الجوزاء؟؟ سوى كونها الجوزاء نفسها؟؟ لها من أسمها كل النصيب... نجمة عالية في السماء ارتفعت عن أدناس الأرض وقذارتها.. ولأنها شيء سماوي رفيع فما شعرتُ به هو على مقدار سماويتها وارتفاعها أ مثل هذه تقارن براكيل أو سواها؟؟ أ مثل هذه تكون الزوجة الثانية في حياة رجل بينما يجب أن تكون الأولى والوحيدة" عبدالله بعد أن شعر أن عرقه تصبب غزيرا من كل أنواع الحرارات التي اغتالت جسده في هذه الليلة قرر أن يستحم.. توجه للحمام الآخر.. استحم.. وقرر أن يصلي قيامه..رغم قلقه من تأخرها.. ولكنه كان محرجا من اقتحام خصوصيتها لذا قرر تركها كيفما تشاء.. سمع صوت الباب يُفتح وهو مازال يصلي.. استمر في صلاته.. وحينما انتهى كانت تجلس على سجادتها.. شعر بحنان عميق يغمر قلبه ناحيتها كانت تبدو مرهقة محرجة.. وعذبة لأقصى أقصى درجات العذوبة.. تنهد في داخله تنهيدة بحجم الكون ربما.. وهو يتجه ليجلس على الأريكة حينها سمع همسها الرقيق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟ آلمه قلبه بشدة أنها لم تنسَ.. أنها تحلم بالفعل بحياة طبيعية مع مخلوق ماعاد طبيعيا.. غام وجهه حزنا وهو يهتف لها بنبرة محايدة: قومي نصلي حينما انتهيا من الصلاة.. دعا عبدالله بعمق أن يلهمه الله الصواب.. ألا يؤذيها أو يجرحها بأي صورها.. حينما نهضا عن سجادتيهما.. كان عبدالله يراقب حركاتها المتوترة الخجولة.. وهي تخلع جلال الصلاة وتطويه بدقة.. كأنها تفرغ ارتباكها فيه تعدل شعرها بارتباك..ثم تعود لتجلس أمامه.. عبدالله زفر بداخله (أوف وش ذا التعذيب؟؟) كان شكلها الحالم تعذيبا حقيقيا له ولرجولته.. بدت في عينيه أكثر من موجعة في رداءها الملكي الأبيض الذي كان يكشف بدقة راقية عن تفاصيل جسد بالغ المثالية.. هذه المرة لم ترفع عينيها مطلقا.. طوال جلوسها أمامه وهي تدعك كفيها بارتباك وعقلها يطوف بها لا يعلم إلى أين.. بينما كانت عيناه تترصدها بدقة.. بدءا من صندلها الحريري الأبيض في قدميها الناعمتين وصولا لعناق شعرها مع نحرها في صورة بدت له غاية في الإبهار وهي تحرص بين الفينة والأخرى على شد جيب روبها لتتأكد من سترها لصدرها وحركتها الخجولة تصيبه بما يشبه الحمى.. بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر... حينها توجهت هي لتنام على السرير.. بينما بقي هو على أريكته عاجز عن النوم.. عاجز عن الفهم.. عاجز عن السيطرة على دقات قلبه التي أعلنت العصيان عليه وكأنها تتنتقم منه على خطيئته في زواجه من راكيل.. ******************************************* بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر أنا متيم بها... هكذا ببساطة.. ومنذ اللحظة الأولى التي عانقت عيناي محياها الخجول لا أعلم كيف حدث هذا ولا بأي صورة في أحيان كثيرة أشعر أن هذه هي عقوبة من الله عز وجل أنني خالفت عقلي وفطرتي اللذين كانا ينهياني عن راكيل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس..) كان يجب أن أعلم أن زواجي من راكيل هو أثم.. لأني خشيت أن يعرفه الناس لو أنه كان صوابا لم أكن لأخشى أحدا وأعلم الآن أن الله عز وجل غاضب علي لأنه لم يبتليني بحب جوزا فقط ولكن منعني أن أمد يدي إليها وجعل منعي لنفسي ينبع من نفسي ليزداد عذابي أكثر.. أكاد أجن من رغبتي فقط في وضع عيني في عينيها .. أريد فقط أن أضمها لصدري أشعر بأنفاسها في حناياي.. أتلمس خصلات شعرها.. حرير خديها.. ولكن كل هذا يبدو بعيد المنال... يستحيل أن أرتكب هذه الجريمة في حقها.. كل يوم يمر يثبت لي مقدار طهارتها وبراءاتها التي لم أتوقع لها نظيرا على سطح الأرض منذ زواجنا وهي تستميت في لفت انتباهي.. أريد أن أصرخ فيها.. لا تحاولي لفت انتباهي.. لأنكِ أشعلته اشتعالا بت ألاحظ تغييرها لنوعية لباسها.. ولست جاهلا لأعرف سبب هذا التغيير فهذه الطفلة العذبة تشك في رجولتي.. وحرصا على مشاعري لا تريد أن تضايقني بلباس قد يبدو كدعوة ما.. ألم أقل أن عذوبتها وبراءتها لا حدود لها؟!! بعد هذا الشهر الذي كان عذابا متواصلا وأنا أمثل التجاهل والبرود بينما أنا أشتعل بكل معنى الكلمة قررت أن هذه الطريقة في تجاهلي لها هي الأسلم حتى تمل وتعود إلى أهلها دون أن أدنس جسدها أو روحها أن ننفصل بطريقة ودية تحفظ احترامها لنفسها واحترامي لها فكرت أن أكون قاسيا حتى أضايقها تعجيلا بذهابها لأهلها ولكني لم استطع لم أستطع.. لا أستطيع أن أقسو عليها بأي صورة.. من يستطيع أن يقسو على ملاك مثلها..؟؟ أصبحت الآن كل أمنيتي هي أن تذهب لأهلها قبل أن أفقد ما تبقى من عقلي أعلم أن ذهابها سيكون صعبا علي.. ولكن مهما كان صعبا سيكون أهون كثيرا من وجودها أمامي (شوف وحر جوف) مثل هذه الليلة تماما التي تمثل حالنا طيلة الليالي الماضية . . وقفت أمام باب الغرفة لعدة دقائق وأنا أدعو الله أن يلهمني الصبر وأحاول أن أتلبس وجه الجدية واللا مبالاة الذي أرسمه بمهارة كل ليلة سلّمت فردت.. ثم همست لي بسؤالها الليلي الذي لا أعرف ماذا تقصد به حقا.. فربما كان يجب أخر ما تهتم به هو هل تعشيت؟؟ وأجبتها إجابتي الليلية المعتادة: متعشي في المجلس واهتمامها بي تجاوز مجرد سؤالي عن هل تعشيت أو تغديت.. كالشيء الوحيد الذي تستطيع أن تسألني عنه بغير حرج فهي تهتم اهتماما بالغا بكل ما يخصني.. ملابسي.. متعلقاتي الشخصية.. وحتى أحذيتي.. تتفانى في كل ذلك لأبعد حد.. وأجدني عاجزا حتى عن قول كلمة شكرا لها أو حتى أرجوك توقفي عن ذلك.. فأنا لا أستحق اهتمامكِ الليلة كانت مبهرة تماما.. أنثى حقيقية تتدثر بالغموض الأسود المثير المسبب للهلوسات فهل هناك من هي مثلها جمعت الطفولة والأنوثة من أقصى طرفيها؟! أجبرت نفسي على غض البصر وهل هناك مصيبة أعظم أن يغض الرجل عينيه عن حلاله؟! صليت قيامي وأنهيت وردي.. وهي جالسة في مكانها.. صامتة.. شاردة.. ساحرة.. موجعة.. ابتلعت تنهداتي.. حتى تصبحين على خير لم أستطع قولها وأنا أندس في أريكتي التعيسة وأوليها ظهري وأنا أعلم أن النوم هو حلم صعب المنال... ***************************************** بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف الليلة يحدث شيء غير طبيعي فلأول مرة منذ زواجنا تقاطع جوزا تمثيلية النوم التي أمثلها كل يوم كنت قد تمددت حين سمعت اسمي الذي يذيب عظامي حين أسمعه منغما بين شفتيها: عبدالله جلست معتدلا وأنا أهتف لها باحترام أجدني مجبرا عليه تجاهها: نعم.. شعرت أنها طعنتني في عمق قلبي وهي تهمس باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟ حينها حاولت أن أبتسم رغم أني شعرت أن قلبي يُعصر : ومن قال لش أني متضايق منش..؟؟ هل حقا تحاول منع نفسها من البكاء أم يخيل لي ذلك : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود.. عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة.. كلماتها كانت كحراب مسنونة رشقت في أعماق روحي.. لم أتخيل أنها تحمل في داخلها كل هذا الألم ولكن أ ليس هذا ما أردته .. أن أضايقها حتى تعود لأهلها.. لذا وجدتها فرصة أن أقترح عليها ذلك.. لأريحها وأرتاح: شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع آلمتني صدمتها البريئة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك.. أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص.. تنهدت وجعي.. (ليس لدي حلا سواه يا أميرتي) : يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير.. بدا لي أن كل شيء انتهى... وحياتي القصيرة معها التي كانت كحلم عذب مرير أوشكت على النهاية شعرت بألم لا حدود له وأنا أخذها إلى بيت أهلها وأقرر أنني لن أعود لأخذها مرة أخرى سأنتظر شهر أو شهران قبل أن أطلقها.. كنت أرى وهي تدلف لبيت أهلها وكأنها تنتزع روحي معها وتذهب بها معها.. طوال ذلك اليوم كنت في غير وعيي.. أشعر كما لو كنت مخدرا.. يسير متخبطا أشعر بصداع مؤلم.. وأشعر كما لو أن هوة لا قرار لها سكنت يسار قفصي الصدري.. حتى صالح وفهد كلاهما لاحظا شرودي وحالتي غير الطبيعية يسألاني مابي.. فأجيبهما: لا شيء.. مرهق قليلا في العمل ماذا أقول لهما.. هل أقول لهما أخوكما عاشق أبله.. حُكم عليه بالهوى ليتعذب عذابا مُستحقا؟!! تلك الليلة كرهت أن أعود لغرفتي.. قضيت الليل ساهرا.. في المجلس.. ثم بعد ذلك خرجت مع فهد ودرنا قليلا في الشوارع.. ولكن حرارة الجو.. أجبرتنا على العودة.. صليت الفجر.. ثم وجدت نفسي مجبرا على العودة.. فجسدي وعقلي كلاهما كانا يئنان من الإرهاق.. حين دخلت الغرفة.. كنت أحاول أن أغض بصري عن كل شيء يثير ذكراها وإذا بغض البصر نفسه يذكرني بها وبحالي معها أغراضها مازالت منثورة في المكان.. كل شيء هنا بات يحمل رائحتها وبصمتها كل شيء هنا يحز في عروقي لتنثر دمي اشتياقا لها قلت لا بأس.. سأعاني لعدة أيام وبعد ذلك سأعتاد غيابها.. فإذا بي أتفاجأ بنفسي في الليلة التالية أقف في باحة بيت أهلها أنتظرها وأطلب منها أن تنزل لي أي جنون أرتكبه في حق نفسي وحقها؟؟ أ بعد أن خطوت الخطوة الأولى في سبيل تحريرها مني.. أعاود تقييدها لأسري مرة أخرى؟؟ كانت المسألة ستتعقد وبدا أن والدها يرفض مغادرتها في هذا الوقت المتأخر بينما أنا شعرت أنني سأموت فعليا إن لم أراها الليلة آلمني حزنها الشفاف الذي شعرت به يتسرب من حناياها وهي تركب جواري صامتة لأعيدها إلى سجنها بقربي أنا الكاذب الصامت المحترق عدنا إلى غرفتنا صامتين اكتفيت فقط بوجودها معي في نفس المكان.. لا أريد المزيد أبدا كوني معي فقط .. أرجوكِ ********************************************* بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفر عبدالله بثلاثة أيام كعادته كل ليلة وقف أمام الباب يدعو الله أن يقوي عزمه ولكنه حينما دخل فوجئ أنه لا حاجة لتقوية العزم لأن مشتتات العزم المعتادة كانت نائمة استغراب عبدالله قفز للذروة.. وحزن شفاف خالج روحه وأنفاسه (خلاص مليتي ياجوزا..؟؟ خلاص رفعتي الراية البيضاء؟؟ خلاص شفتي مافيني رجا؟؟!!) شعر بألم أقرب للاختناق الذي جعل أضلعه تطبق على رئتيه.. دخل للغرفة كانت الأضواء مطفئة عدا ضوء خافت بقرب الأريكة..مكانه المعتاد.. وكأنه تريده أن يتعرف على مكانه وسط الظلام تقدم للداخل.. نظر ناحيتها.. كانت تغطي جسدها كاملا.. عدا عن الظلمة التي تحيط بالسرير توضأ.. صلى.. وقرأ ورده المعتاد.. حاول أن يتمدد على أريكته.. ولكنه لم يستطع.. كيف ينام وهو لم يراها حتى؟؟ قرر أن يجلس في المجلس حتى صلاة الفجر.. نزل.. ولكنه ما أن وصل إلى أسفل الدرج حتى عاد مرة أخرى وكأن قوة قاهرة تجبره على العودة قوة تفوق قوته على الاحتمال والصبر.. عاد لغرفته.. (أريد أن أراها فقط.. فقط أراها!!) توجه إلى السرير ليندس جوارها بهدوء.. وهو يشعل الضوء الخافت بجوار السرير كانت توليه ظهرها.. وشعرها ينسدل على وجهها.. مد يده.. ثم عاد ليكفها.. يشعر أن هذه اليد النجسة لا يحق لها ملامسة هذا المحيا الطاهر.. ومضت له عدة دقائق وهو على هذا الحال. يمد يده.. ليعاني ألما مبرحا وهو يقهر نفسه ليكفها.. حينها تمدد جوارها وهو يستند على كفه.. تنفس عطرها الرقيق العذب من قريب.. كان كلما شدَّ له نفسا كلما شعر بألم فعلي يتصاعد بين طيات قلبه نغزات قوية كانت تخترق قلبه معلنة احتلالا من نوع جديد.. ماعاد له طاقة على دفعه.. يشعر بما يشبه الدوار..وقربها يسكره بطوفان مشاعر لا يعلم أ رحمة هي أم عذاب.. قرب أنفه من عنقها وهو يرتجف كالمحموم.. ثم عاد للتأخر حين رأى انها تحركت بخفة.. عاد ليمد يده ليزيل شعرها عن وجهها وعنقها لكي يراها بوضوح حينها شعر بارتجافها وهي تفتح عينيها برعب ثم تلتفت ناحيته وتهمس باختناق: فيه شيء عبدالله؟؟ "بماذا أجيبها؟؟ ماذا أقول لها؟؟ هل أقول لها أنكِ أصبتني بالجنون؟؟ هل أقول لها أنني معكِ ومن أجلكِ تعلمت الحب كيف يكون؟؟ هل أقول لها أنني لم أؤمن بوجود أسطورة الحب حتى رأيتكِ؟؟ هل أقول لها أن ما يحدث بيننا ليس عادلا ولا منصفا؟؟ ولكن متى كان الحب يعرف العدل أو الإنصاف؟؟ هو هكذا ينتزع الإنسان بلا هوادة بلا رحمة بلا تفسير . وفي الختام لم أقل لها شيئا أكتفيت بالنظر لعينيها اللتين أرهقني الاشتياق للثم رموشهما اكتفيت أن أشدها لصدري المحترق ألما اكتفيت أن أشعر بارتعاش جسدها الغض بين ضلوعي وأنا أذوب لها حنانا هامسا : لا تخافين.. ماني بجابرش على شيء . ولكن أ حقا لم أجبرها قد يبدو ظاهرا أني لم أجبرها.. وكل شيء تم برضاها ولكنها لم تكن سوى قلب طاهر لا يعرف التلون استجاب لنداء عواطفي أنا ضغطت عليها بدون أن تشعر كان يجب أن أمنع نفسي.. فمثلي لا يستحق مثلها لذا حينما ذهبت السكرة وحلت الفكرة وجدتني أصرخ بها غاضبا من نفسي ومن حقارتي: قومي اسبحي الحين.. كم آلمني رؤية جزعها الطفولي وهي تضم أطراف رداءها وتهمس بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول ولكني كنت لا أرى من الغضب.. شعرت أنها يجب أن تسرع بتنظيف جسدها من قذارتي.. يجب أن تسرع قبل أن ينطبع سواد روحي على بياض روحها لذا استمريت بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين.. حينها شعرت أنها نحرتني حين رأيتها كقطة مبللة أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة حرام عليك تقول لي كذا... صمتت مفجوعا.. بينما قفزت هي تبكي للحمام.. كيف خطرت ببالها هذه الفكرة المريعة.. سأظل حتى أموت اقول أنها كتلة مجردة من البراءة وإلا من يخطر بباله فكرة مريعة كهذه.. أ تنسب كل شيء لنفسها.. حتى قذارة الآخرين؟!! أ يكون أول ما يخطر ببالها أن تعيب نفسها بينما هي مبرأة من العيوب والعيب كله عيب سواها " عبدالله انتظرها مطولا حتى تخرج.. ربما قضت ساعات في الحمام وحين خرجت صدمه منظرها.. احمرار وجهها وعينيها شعر فعلا أنه يتمزق من الألم من أجلها.. حاول أن يكلمها رغم أن كل الكلمات تموت على شفتيه ولكنها لم تمنحه الفرصة حتى للكلمات الميتة تناولت سجادتها وخرجت لغرفة عالية وتركته خلفها مثقلا بالجراح.. قرر تركها تهدأ قليلا.. ولكن يستحيل أن يتركها مجروحة أو متألمة هكذا بعد صلاة الفجر.. توجه لغرفة عالية ولكنها رفضت أن تفتح له قرر أن يتركها ترتاح مزيدا من الوقت على أن يكلمها في الصباح ولكنها طوال ذلك اليوم ظلت تتحاشاه رغم أنه لم يغادر البيت محاولا اقتناصها كل ساعة تمر وهو يعلم أنها مجروحة منه.. كانت تزيد في ألمه.. لم يكن مطلقا هشا هكذا.. بل كان دائما أقرب لصلابة الشخصية الشديدة المغلفة بالدبلوماسية لكن هذه الصبية قلبت كيانه تماما.. جعلت قلبه يذوب كذوب الماء من أجلها اتصل لها عدة مرات ولكن هاتفها كان مغلقا ولأنها بريئة وتفكير الأبرياء دائما يسير في طريق مستقيم فهو عرف تماما ماذا ستفعل.. علم أنها ستنتظر نوم الجميع لتذهب لغرفة عالية لذا قرر أن ينتظرها هناك.. ليباغتها هناك يقلب أوراقها ويجبرها أن يذهبا لغرفتهما ليتناقشا.. حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم مزق حناياه الذائبة لأجلها : عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا عبدالله حينها شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف يعلم أن الحق معها.. وهو يعلم أن الوضع معقد بينهما.. والتفسيرات قد تجرح أكثر مما تداوي شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟ أنت ذبحتني يا عبدالله عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا شعر أنه مخنوق.. مخنوق.. أتقول أنه ذبحها.. بينما هو مستعد لنحر روحه.. ولا تسيل من أطراف أصابعها قطرة دم أ تقول أنه ذبحها.. بينما هو من ذبح نفسه ببعدها ثم قربها ألف مرة يريدها.. يريدها .. يعلم ذلك.. والآن هو متيقن من ذلك تماما جنون عودتها لمنزل أهلها ماعاد واردا إطلاقا كل ما يريده الآن قليل من الصبر منها.. قليل من الصبر حتى يتجاوز أثار علاقته براكيل التي أثرت فيه بعمق فهو مازال يشعر أن علاقته براكيل لوثت روحه وجسده.. يحتاج وقتا حتى يتجاوز هذا الإحساس.. تمنى لو استطاع مصارحتها بكل هذا ولكنه يخشى ما أن يصارحها حتى تجد ذلك سببا وجيها للهرب منه.. مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها.. يريدها قربه.. وأقرب من ذلك لو أستطاع.. همس في أذنها بشجن عميق: جوزا والله العظيم أني أبيش.. يعلم أنها لا تصدقه.. بدا ذلك واضحا في نبرة صوتها: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني.. عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. تمنى لو أستطاع أن يدخلها بين ضلوعه.. أن يهرب بها من هذا العالم الذي ظلمه وظلمها.. كان يشعر برغبتها للتفلت من أحضانه ولكنه لم يسمح لها وهو يلصق أذنها بدقات قلبه وكأنه يقول لها اسمعي هذا الخافق الذي يناديكِ وأصابه الجنون ولعا بك!! ولم يكن يريد مطلقا إفلاتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره انتفض بجزع وهو يشعر كما لو أن هذا البلل نار أحرقت جسده.. أفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها.. ولكنه منعها وهو يمسك وجهها الأثير بين كفيه ويهمس بألم عميق وتأثر أعمق: تبكين..؟؟ جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟ تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني.. عبدالله همس لها بعمق مجروح مثقل بالصدق والأسى: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر.. جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة.. عبدالله أنتفض جزعا... (ليتكِ تعلمين.. أرجوكِ لا تبكي.. لا تمزقيني ببكائكِ) هتف لها بألم حقيقي.. أسمى صور الألم وأقساه: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد.. فاجأها انتفاضتها الغاضبة غير المتوقعة وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد تركته لتركض للحمام.. بينما بقي هو خلفها يتنهد بعمق ووجيعة على هذا الحال غير الإنساني في ألمه بينهما قرر أن يتوجه لمولاه يدعوه بالتفريج من عنده.. أن يشرح صدره.. وأن يصلح بينهما.. خرجت من الحمام وهو مازال يصلي.. لتصلي وتنتهي وقبله ثم تندس في السرير حتى لا تسمع منه كلمة حينما انتهى.. نظر لها بغضب.. يبدو أنه يجب أن يتصرف معها بطريقة أخرى.. لابد أن يجبرها على تقبل وجوده.. حتى وإن كان أخطأ.. فهو اعتذر.. ومن حقه أن تمنحه فرصة أخرى.. هل فرصة أخرى أمر صعب عليها؟؟ توجه إلى طرف السرير الآخر وتمدد عليه فهو قرر ألا يتركها تبتعد عنه بعد اليوم.. ليتفاجأ بها تقفز لتجلس بشكل حاد وهي تصرخ بألم: لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك.. عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك.. ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. ليدفنها فيها بكل شوقه الذي لا ينطفئ لها حينها هزه بعنف همسها المتألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني.. (أتشك أنني قد أقهرها.. أقهر نفسي ولا أقهرها أريد قربكِ فقط يا صغيرتي أشعر بلين جسدك بين ذراعي.. رائحة أنفاسكِ في صدري سكينتك تهدئ روحي الملتاعة هل ما أطلبه كثير؟؟ لا تكوني قاسية هكذا) أسند رأسها لعضده وهو يشدها ليدفنها بكل قوته بين أضلاعه ويهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني.. حينها شعر بطمأنينة عميقة تحل على روحه.. ورغم أنه كان يشعر بضيقها ورغبتها للتفلت ولكنه كان يستحيل أن يتخلى عن هذا الإحساس السماوي براحة نفسية لم يشعر بمثيل لها لذا همس لها بصوت ناعس فعلا: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت.. وبالفعل نام ورائحتها العذبة تدفئ حواسه وتريح أعصابه بصورة غير معقولة.. ليصحو بعد ذلك على يدها الرقيقة تهز كتفه وهي تهمس : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت.. أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكن أمسك بكفها ثم طبع في باطنها قبلة عميقة جدا وكأنه يبث في قبلته شكره وامتنانه لها ثم وضع كفها تحت خده وهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة.. وعاد لينام.. نومة مازال يتذكرها حتى الآن كالحلم.. مازال حتى الآن يحلم برائحتها تلك الليلة تخدر حواسه ومشاعره بصورة بالغة الشفافية لم يصحو إلا على صوت تغريدها العذب المرهق وهي تهزه برفق : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر.. فتح عينيه.. شعر أنه يحلم الحلم الأجمل في كل الكون وهو يصحو على محياها القريب منه.. يصحو على نغمات صوتها العذب تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس: تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش لا يعلم لماذا أشعرها هذا الكلام بالألم: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟ حينها جلس وهو يهمس بعمق غريب صادق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!! جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين.. عبدالله مثقل بالأمل .. يريدها بكل مافيه.. ماعاد في القلب احتمال على بعدها أو بقائها بعيدا عنه همس لها بكل عمق الكون وأمله: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق للمرة الألف ربما يشعر بالألم من ردة فعلها وهي ترد بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة.. يحاول أن يقنعها.. أن يحشد كل قدراته في الإقناع.. فهو بين حدي الحياة والموت: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا.. ثم أردف بنبرة ولع مفرطة علها توصل ولو جزءا بسيطا من ولعه المتزايد فيها : جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا سبحان الله شيء مثل السحر حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت.. شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟! جوزاء هزت رأسها بخجل.. لتتفجر السعادة أسرابا أسرابا في روح عبدالله المرهقة عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق صادق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي هكذا كان يظن.. تمنى ألا يجعلها تندم.. تمنى أن يكون هو السكن لروحها.. كما بات يتيقن أنها هي السكن لروحه دعا الله في صلاة الفجر أن يعينه على ذلك.. ألا يخيبه أو يخيبها ولكن لله دائما حكمة فيما يفعل أو يريد عاد من صلاة الفجر.. كأنه يطير من الشوق لها.. قلبه كان يحلق.. ومشاعره مثقلة بالدفء لها ومن أجلها شعر أنه يتنفس أنفاسا جديدة عامرة براحة نفسية مختلفة.. لا يريد أن يضغط عليها بشيء.. يريدها جواره فقط يشعر أن الشهرين الماضين كانت فوق احتمال كل بشر.. كان يعاقب نفسه ويعاقبها على ذنب لم يرتكباه.. صعد الدرج ربما ثلاث درجات معا حتى يصلها.. حين وقعت عيناه في عينيها.. ابتسم لا شعوريا.. لأنها ما أن رأته حتى أنزلت وجهها واشتعل خديها احمرارا كانت تجلس على طرف السرير حين دخل.. جلس جوارها وهو يريد أن يشيع نظرا لها فلا يشبع كان يشعر أن كفيه يرتعشان.. لمس طرف خدها بأنامله المرتعشة كانت أنامله ترتعش لفرط انفعاله الذي يحاول السيطرة عليه فلا يستطيع شدها بحنو ليدفنها بين أضلاعه.. عل هذا الوجيب المتزايد في قلبه يرتاح حين يراها ملتصقة به.. كان يحلق بها ومعها.. ساعات مسروقة من عمر زمن ضن عليهما بالسعادة ثم لا يعلم أي جنون أصابه.. وراكيل تقفز أمامه بكل بشاعتها وقذارتها وهو يشعر أن قذاراتها تلتصق بجسد جوزاء الطاهر وهو كان الوسيط الذي نقل هذه القذارة .. كان يتمزق وهو يهمس لها ووجهه مدفون بين كفيه: جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين حطم كل ما بينهما بكلمة.. ماعاد هناك مجال للتراجع وهو يسمعها تصر بين أسنانها بحقد أرعبه وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك.. حسبي الله ونعم الوكيل أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك.. تركته جالسا على السرير.. مازال يخفي وجهه بين كفيه.. قفز برعب حين سمع صوت نحيبها العالي يصدر من الحمام كان على وشك تحطيم باب الحمام عليها.. ولكنه توقف في اللحظة الأخيرة بأسى ( حس ياخي حس على دمك حتى حقها في البكا من فعايلك تبي تحرمها منه وش عاد باقي لها إلا البكا وأنت وش باقي لك إلا الحسرة على بكاها) شعر أنه مشوش تماما.. عاجز عن التصرف.. لم يعرف أبدا كيف هي الخطوة التالية.. وكيف تكون حتى لا يتخيل حياته خالية منها... ولكنه أيضا لا يتخيل نفسه يطلب منه فرصة مرة أخرى.. أ يطلب منها الفرصة ليخذلها؟؟ ليجرحها؟؟ هو مطلقا لا يستحقها حتى يستحق الفرصة الثانية.. هذا هو الكلام الذي كان يهذي به لنفسه ولكنه بدا له أمرا عصيا على التنفيذ " إذن ماذا أفعل.. سأحاول مرة ومرتين وألف.. لن أسمح لها أن تتركني أو أن تنبذبني.. أ بعد أن وجدتها تحصل كل هذه التعقيدات ؟؟ لماذا يارب .. لماذا؟؟؟ " وماكان ينقصه فعلا هو اتصال راكيل به في هذا الوقت تماما.. زفر بضيق وهو يكتم الاتصال.. ليصله رسالة " لو لم تجبني ستجدني غدا في بلدك ومع ابنك" اتسعت عينا عبدالله صدمة.. وهو يعاود الاتصال بها بجزع (أي جنون تهذي به هذه المخبولة) مفجوع تماما... آخر ما كان ينقصه مع كل مشاكله.. هو طفل من راكيل.. ولكن لابد أن يذهب للتأكد بنفسه فمثل هذا الأمر لا يُترك معلقا... حينما أنهى اتصاله فوجئ بجوزاء تقف خلفه.. شعر أنه وصل منتهاه من الوجع وهو يرى نظرة الكراهية في عينيها العينان التي تمنى بكل الألم والأمل أن يرى الحب فيهما.. ولكن كم بات هذا الحلم مستحيلا.. نظر لها بولعه الذي اُغتيل في مهده.. نظر لها بحب عميق لم يستطع أن يغرقها فيه كما تمنى.. أكتفى من نظرة كراهيتها حتى شرق بها.. أشاح بوجعه.. وهو ينحني تحت السرير ليستخرج حقيبته...ويضع ملابسه على عجالة فيها حتى الوجع الشفاف وهو ينظر لمحياها ماعاد هناك وقت له ماعاد للتمزق معنى وهو يسمع نبرته الميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا رد عليها بنبرة ميتة مشابهة.. فكلاهما ميت.. ميت: أنا مسافر.. بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟ لم يرد عليها.. نظر إليها فقط بعمق شفاف عل نظرة عينيه توصل لها ماجُبن عن قوله.. عل نظرة عينيه تتسلل لروحها التي عجز عن الوصول لها أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع.. يارب تروح ما ترجع.. أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه وعلق بذاكرته هو نحيبها ودعواتها عليه.. وكأن دعواتها تُستجاب.. هاهو لم يعد.. لم يعد حينما وصل لأمريكا صُدم بما حدث... حينها وجد نفسه مضطرا أن يطلقها.. فهو لا يستطيع تركها تحاد عليه بينما هو حي.. مازال حتى اليوم يذكر ذلك اليوم في السفارة بحذافيره بقيت يده متخشبة على القلم.. عاجز عن التوقيع حتى شعر بحرج موقفه.. والشهود ينتظرون توقيعه ليوقعوا.. حينها أستأذنهم لدقيقة أراد أن يسمع صوتها لمرة واحدة قبل أن تصبح محرمة عليه كان يعرف أن الوقت متاخر في الدوحة ولكنها فرصته الأخيرة حين سمع همسها الناعم المرهق.. شعر أنه اختنق.. عجز أن يرد عليها فقط كانت أنفاسه تتصاعد بألم ماهو مقدم عليه وحين سمعها تهمس باسمه .. تناديه (عبدالله) تفجرت مشاعره وهو يرد عليها لا شعوريا (لـــبــــيـــه) تبادلا الصمت والأنفاس الثائرة.. كل ما بقي له هو ثوان يستمتع فيه بصوت أنفاسها قبل أن ينسحب من حياتها لم يعرف ماذا يقول لها.. أنهى الاتصال بسرعة.. وهو يشعر أن هذا الاتصال بدلا من أن يبرد بعض ناره أشعل كل نيرانه حتى الترمد عاد ليوقع على الطلاق وهو يشعر كما لو كان يوقع على ورقة إعدامه كأنه يوقع على ورقة يقول فيها انتزعوا قلبي من مكانه واتركوه ينزف حتى تجف عروقه طوال السنوات الماضية لم تغب جوزاء مطلقا عن باله.. كان يقول لنفسه في أحلامه " لو كُتب الله لي يوما أن أعود في حلم مستحيل سأقول لها لقد تطهرت يا ملاكي.. يا طفلتي البريئة لقد مر على روحي من الآلام ما طهرها ها أنا أعود روح أنهكها الوجع أنهكها الاشتياق للثم روحك أقسم أني تطهرت.. فهل أستحقكِ الآن؟؟ " طوال السنوات الماضية كانت جوزاء حمامة بيضاء تحلق في أحلامه.. حلم عذب يقصر لياليه الطويلة كل ذكرى لها انغرزت في روحه طُبعت كوشم ماكن كان يشعر بشعور غامض أنها مثله .. لم تتزوج.. لا يعلم أي شعور غبي هذا ولكنه كان مؤمنا به إيمان اليقين يستحيل أن تكون لرجل آخر بعده.. لذا كان آلمه عميقا حين علم من صالح أنها تزوجت... رغما عنه شعر أنها خانته " أ هكذا يفعل الطاهرون ياجوزائي؟!! أ هكذا تفعلين بي ألا يكفي كل الألم الذي أشعر به لفقد ابني حتى أفقدكِ أنتِ أفقد حقي في مجرد التفكير بكِ فأنتِ أصبحتِ لسواي ماعاد يحق لي مجرد التفكير في حلال غيري" شعر أن كلمة "حلال غيري" تخنقه.. كان يحرر جيب عنقه وهو غارق في أفكاره التي انتزعه منها صوت صالح القلق: عبدالله وشك فيك؟؟ عبدالله فتح عينيه بإرهاق وهمس بمودة: مافيني شيء جعلني فداك صالح يجلس جواره وهو يضع يده على فخذه ويهتف بحزم: تجهز إن شاء الله بعد بكرة راجعين للدوحة عبدالله هتف بحزم مشابه: لا جعلني فدا خشمك.. عطني يومين ثلاثة لين أرجع بورتلاند وأخذ لولدي تصريح يندفن في الدوحة وناخذه معنا صالح تنهد بعمق ثم هتف بأشد حزم استطاعه: أنت اللي مالك لوا.. خالد الصغير اندفن من ثلاث أيام والأرض كلها أرض ربك.. وكرامة الميت دفنه.. حينها صرخ عبدالله بصوت مرعب وهو يقفز واقفا: وأشلون تسوون كذا من وراي.. أشلون تجرأون تسوون كذا.. أنا إبيه.. وأنا اللي أقرر أنا مستحيل أطلع من هنا بدون ولدي.. أشلون أقعد في ديرة هو مهوب مدفون فيها تقر عيني بشوفت قبره.. حينها هتف له صالح بغضب حازم: يعني وش تبي تسوي؟؟ تنبش قبره؟؟ وبعدين هذا أنت فجعت أبيك فيه.. حتى جثة تقر عينه فيها مالقاها لك مثل مافكرت في ولدك.. ليش ما فكرت في إبيك؟!! عبدالله مستمر في غضبه: لا لا تقارن.. إبي أنتو كلكم عنده تردون قلبه لكن أنا ماعندي غير ذا الولد وخلاص ما أظن عمري بأقدر أبدأ حياة جديدة ولا أتزوج.. ولا أجيب عيال ماعندي غيره.. افهمني.. حينها نظر له صالح نظرة مباشرة وهو يهتف له بنبرة مقصودة: ومن قال ماعندك غيره؟؟ ربك يأخذ ويعوض.. ولكلن غلاه وأنت عندك ولد يأخذ معاليق القلب يابو حسن.. #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والثلاثون صالح يجلس جوار عبدالله وهو يضع يده على فخذه ويهتف بحزم: تجهز إن شاء الله بعد بكرة راجعين للدوحة عبدالله هتف بحزم مشابه: لا جعلني فدا خشمك.. عطني يومين ثلاثة لين أرجع بورتلاند وأخذ لولدي تصريح يندفن في الدوحة وناخذه معنا صالح تنهد بعمق ثم هتف بأشد حزم استطاعه: أنت اللي مالك لوا.. خالد الصغير اندفن من ثلاث أيام والأرض كلها أرض ربك.. وكرامة الميت دفنه.. حينها صرخ عبدالله بصوت مرعب وهو يقفز واقفا: وأشلون تسوون كذا من وراي.. أشلون تجرأون تسوون كذا.. أنا إبيه.. وأنا اللي أقرر أنا مستحيل أطلع من هنا بدون ولدي.. أشلون أقعد في ديرة هو مهوب مدفون فيها تقر عيني بشوفت قبره.. حينها هتف له صالح بغضب حازم: يعني وش تبي تسوي؟؟ تنبش قبره؟؟ وبعدين هذا أنت فجعت أبيك فيه.. حتى جثة تقر عينه فيها مالقاها لك مثل مافكرت في ولدك.. ليش ما فكرت في إبيك؟!! عبدالله مستمر في غضبه: لا لا تقارن.. إبي أنتو كلكم عنده تردون قلبه لكن أنا ماعندي غير ذا الولد وخلاص ما أظن عمري بأقدر أبدأ حياة جديدة ولا أتزوج.. ولا أجيب عيال ماعندي غيره.. افهمني.. حينها نظر له صالح نظرة مباشرة وهو يهتف له بنبرة مقصودة: ومن قال ماعندك غيره؟؟ ربك يأخذ ويعوض.. ولكلن غلاه وأنت عندك ولد يأخذ معاليق القلب يابو حسن.. عبدالله لم يستوعب ما قاله صالح.. هتف بعدم فهم واختناق أقرب للصدمة: نعم؟؟ من أبو حسن هذا؟؟ صالح بشبح ابتسامة موجوعة: أنت أبو حسن.. الله يجعل خالد من عصافير الجنة.. ويكون شفيع لك يوم القضا والحساب عبدالله ابتلع ريقه بصعوبة.. صورة ما بدأت تتكون في ذهنه.. لكنه عاجز عن إكمالها.. فقلبه المجهد المثقل بمختلف الآلام.. لن يحتمل أملا كهذا صمت.. لم يجرؤ على السؤال حتى.. (أ يعقل ابن؟؟ ومن جوزاء بالذات؟) ولكن صالح لم يسكت وهو يقتحمه وينسف قلبه المنهك بحماسته المتدفقة: حسن فديت قلبه تو كمل 3 سنين من 3 شهور.. يا لبي قلبه.. قطعة منك ثم غمز بعينه وهو يردف: الظاهر أم حسن كانت تحبك أكثر ما تحبها.. عشان كذا الولد كله لك عبدالله انتفض قلبه بعنف.. بدا كما لو أن صالحا يرتكب فيه جريمة ما وهو يعذبه بهذه الصورة.. فهو مازال عاجزا عن التصديق.. فكيف بكل هذا الانثيال العاطفي المتحمس من قبل صالح: والله لو مهما أقول لك عنه ما أوفي.. حبيب قلب الكل.. عيالي المساكين مايسوون عنده.. لو مر يومين ثلاثة ماجانا في البيت شفت أبو صالح وعياله الثلاثة مرتزين في مجلس أبو عبدالرحمن كل واحد منهم يحك رأسه.. صالح بحماسة أخرج هاتفه المحمول: خلني أوريك صورته.. معي صورة له توها مالها كم يوم.. عبدالله انتفض بجزع وهو يقف: صورته؟؟ ثم أردف بألم عميق.. عميق: صالح أنا صدق عندي ولد؟؟ وإلا تلعب علي؟؟ صالح رفع حاجبا: ألعب عليك؟؟ وليه هذا موضوع ألعب فيه؟؟ أنت سافرت وأم حسن حامل.. والمسكينة حادت عليك ثمان شهور حينها انتفض عبدالله بغضب كاسح: تخلونها تحاد 8 شهور وأنا مطلقها... ليش؟؟ ليش؟؟ صالح بهدوء: ابي من زعله منك ماشاف ورقة الطلاق.. عبدالله مستمر في غضبه: وهذا التبرير بكل بساطة؟؟ 8 شهور ما تطلع من البيت بدون سبب.. ودراستها زين متى لحقت تكملها؟؟ صالح بذات الهدوء: ما كملت دراستها.. عبدالله جلس من ثقل وطأة الصدمة عليه: أشلون؟؟ كان باقي لها مادتين بس.. صالح هز كتفيه: هذا اللي الله كتبه.. وبعد أم حسن من النوع اللي يحاتي واجد.. وما حبت تخلي حسن وهو صغير.. عبدالله يفتح عينيه ويغلقهما ويهمس بأمل موجوع: يعني صدق أنا عندي ولد من جوزا؟؟ صدق يا صالح؟؟ تكفى لا تكون تلعب علي والله ما استحمل صالح كان يهز له رأسه بينما عبدالله أردف بغضب تفجر فجأة وهو يتذكر شيئا: وإذا أنا صدق عندي ولد..أنتو أشلون تخلون ولدي يربيه رجّال غريب ماكن له أهل صالح يشير له أن يهدأ: أول شيء أم حسن توها تملكت من كم أسبوع بس.. ومابعد عرست.. وابيك اللي مارضى حد يتعرض لها قال كفاية اللي اخيكم سواه فيها.. والله ماحد منكم يقهرها على ولدها وقتها ما فهمت ابي ليه سوى كذا.. بس الحين فهمت وما ألومه أنت تقول أنك ظلمت البنية بنفسك وأم حسن ذا السنين كلها وهي ترفض تتزوج.. والحين جاها واحد ما ينرد من وجهة نظر ابيك.. وحلف علينا ماحد يتدخل عبدالله حينها شعر أنه يحترق حتى أقصاه من ناحية.. قشعريرة غضب وغيرة عارمين اقتحماه بلا هوادة رغم محاولته دفعها.. ومن ناحية أخرى شعر براحة غير مفسرة.. أنها مازالت لم تصبح لرجل آخر بعد ولكنه هتف بغضب مر من بين صرير أسنانه: ومن حضرته اللي ما ينرد؟؟ صالح ببساطة: امهاب آل يحيا... *************************************** كانت على وشك النزول للأسفل.. رأت طيف فهد الذي عرفته ببدلته العسكرية.. لذا عادت لناحية قسمها.. حتى يتوجه لقسمه هو هزاع في الناحية الأخرى من الطابق وبقيت قريبا من الباب المفتوح اقتحمها الصوت الواضح القريب في منتصف الصالة.. صوت فهد الذي هتف بإرهاق: جيت والله جابك.. تكفى ياخيك.. صوت هزاع المرح: وفيها تكفى بعد... كم تدفع؟؟ فهد بذات الصوت المرهق: اللي تبي.. والله أني حاضر هزاع يضحك: غريبة الأخ طافي مرة وحدة.. يا الله احتراما للأخوة ولأخي الشيبة آمرني.. فهد حينها أمر بحزم: بس إياني وإياك حد يدري باللي أنا اقوله لك هزاع (بعيارة) : خلصني.. يعني باروح أنشر اللي بتقوله في وكالات الأنباء فهد بأمر: روح الحين لبيت صالح.. بتلاقي عمال يشطبون غرفتين داخل.. تقريبا هم خلصوا.. بس باقي شغلات بسيطة أبيك تقعد فوق روسهم لين يخلصون.. لأنه بعد شوي بتجي شركة التنظيف لأني بكرة لازم أفرش الغرفتين ذولا والمجلس.. صالح جاي بعد بكرة.. ولو ماخلصت متحلف فيني يعلقني على باب بيته.. هزاع يحك رأسه: متحلف فيك يعلقك؟؟ هذي تخليني أفكر أفرك لها وأخليك تورط.. عشان أجي عقب وأضحك.. فهد بنفاذ صبر: هزاع بلا عباطة.. والله أني ميت من التعب توني جاي من الزام هلكان.. على الأقل بأنام ساعتين وأنا بجيك عقب حينها هتف هزاع (بعيارة) : إلا وش عنده اخيك الكبير مكتم على الموضوع.. لا يكون رايح أمريكا يبي يجيب مرته الجديدة ويسكنها في البيت.. وحاشرنا على سبت ذا الموضوع.. حينها ابتسم فهد: الظاهر شكله كذا..لا وأزيدك من الشعر بيت.. مارضى يقول عن وقت رحلته بالضبط.. يقول مايبي حد يستقبله.. بيجي على تاكسي الأخ الظاهر غيران حد يشوف المدام الجديدة.. هزاع يضحك: لا لا أنا معترض.. البيت الجديد حق بنت عمي أم خالد.. تبيه يجيب الجديدة على رأسها ويعطيها بيتها بعد.. شين وقوات عين فهد يتوجه لناحية قسمهما: اعترض على كيفك.. خلني أنام بس.. هزاع يستوقفه وهو يهمس بنبرة مقصودة مرحة: يا حضرت الملازم ترا نتيجتي قربت تطلع.. جهز نفسك للوعد عند الحلاق.. فهد كان قد وصل إلى باب القسم دون أن يلتفت أشار بيده: احلق حواجبي مع شنبي كنك جبت نتيجة بس.. هزاع نزل.. وفهد أغلق باب غرفته عليه.. وهناك مستمع ثالث انهار جالسا على الأرض تعلم أنهما يمزحان.. ولكن خلف المزح حقيقة جلية واضحة صالح طلب تشطيب البيت وفرشه دون علم أحد.. فإلى ماذا يهدف من ذلك.. أمنياتها البريئة حاولت أن تقنعها أنه ربما كان يريد مفاجئتها بذلك كصلح بينهما ولكن عقلها رفض هذا التبرير الغبي.. تشطيب غرفتين فقط وبشكل عاجل وسري كل هذا يشير إلى توقع واحد مرعب.. هزت رأسها رعبا جزعا.. وقلبها يهوي بين قدميها : لا لالالالالالالالالالا.. لالالالالالالا.. صالح ما يسويها فيني ******************************** " منصور حبيبي.. صار لك كم يوم وأنت بالك مهوب رايق وش فيك ياقلبي؟؟" حينها التفت منصور لعفراء التي جلست لجواره للتو وهمس بشفافية عميقة بها رنة وجع عميقة مخفية: ويا ترى أنا حبيبش وقلبش.. وإلا كلمة فض مجالس؟؟ عفراء أنزلت عينيها بخجل: يعني لازم تدقق على كل كلمة.. منصور بذات النبرة الشفافة الموجوعة المختبئة خلف ثقة صوته المعتادة: أدقق؟؟ لا صارت الكلمة حلم أتمناه.. أشلون ما أدقق عفراء تتنهد ( ليتني ماقلت له شيء.. إلا لازم يحرجني بتدقيقه) همست وهي تتهرب من الرد: يعني مسكت في أطراف الكلام وخليت لبه.. وش مشغل بال أبو زايد؟؟ منصور تنهد وهو مصر على مافي رأسه.. تحسس طرف خدها وهو يهمس بخفوت: هو عندش أطراف كلام لكنه عندي لبه وأساسه.. عفرا أبي أكون قلبش وحبيبش صدق مهوب كلام بس عفراء صمتت وخجلها يلتهمها.. بينما منصور عاود التنهد وهو يهتف بحزم: وعلى العموم اللي شاغل بالي شوي تخطيطات عفراء حاولت أن تبتسم تجاوزا لحرجها: تخطيطات عسكرية أو حياتية؟؟ ابتسم منصور وهو يطوق كتفيها بذراعه: شوي من هذا وذاك.. تعرفين حن العساكر قانوننا الأزلي.. ضحي بالمهم عشان الأهم وهذا اللي أنا قاعد أسويه ذا الأيام.. عفراء بتساؤل رقيق: وياترى وش مقياس المهم والأهم عندك؟؟ منصور استدار ليواجهها.. وهتف لها بشجن: خلني أشوف عيونش وأقول لش عفراء حاولت رفع عينيها فلم تستطع.. ابتسم منصور وهمس لها بنبرة دافئة شعرت بها تذيب خلاياها: المهم أنه الليلة كان فيه احتفال بترقية زميل عزيز بس أنا لأني طلعت اليوم قبل صلاة الفجر.. وماشفتش الا لمحة ما أشبعت شوقي فصار الأهم عندي أني أشوف عيونش .. لانه زامي بكرة مثل زامي اليوم (الزام/الدوام) ومعنى كذا أني لو رحت العشا ما راح أرجع إلا متأخر ولا أقدر أشبع من قعدتش.. فاعتذرت عن الاحتفال والعشا.. وجاي مبلط عندش من بدري وهذي طبعا تعتبر من المعجزات.. ومع ذا كله حضرتش شاحة علينا حتى بنظرة عيونش عفراء شعرت بارتعاشة شفافة تجتاح جسدها ..فهي أصبحت تعرف اهتمام منصور المبالغ فيه بمجاملة زملائه في مناسباتهم.. وهو بالفعل نادرا ما يعود في وقت مبكر فهو يبقى في مجلسه حتى منتصف الليل أو ماقبل ذلك بقليل.. لذا استغربت عودته المبكرة اليوم.. وربطتها بتغييرات لاحظتها عليه الأيام الماضية ولكن أن يصدمها بكل هذا الحنان غير المتوقع.. فهذا كان عاصفا بمشاعرها بالفعل لذا رفعت عينيها له.. ثم تجرأت أكثر لتمد جسدها قليلا وهي تميل عليه لتقبل هي عينيه وتهمس له بعذوبة من قرب: الله لا يخليني من عيونك منصور وضع يده على قلبه: وينش يمه؟؟ تعالي شوفي ولدش راح في خبر كانا عفراء عاودت الجلوس والنظر ليديها بخجل.. منصور نظر لها بابتسامة: تونا وش حليلنا وما أسرع قلبنا عفراء ابتسمت بخجل دون أن تنظر إليه.. ثم همست له بسعادة وهي تتذكر شيئا: نسيت أقول لك... اليوم كلمتني جميلة... دكتورها رخص لها.. ياربي يا منصور.. يأنا انبسطت.. كنت بأموت من الشوق لصوتها يا قلبي صوتها متحسن واجد.. وطمنتني إنها تحسنت.. بس تقول إنها مشتاقة لي.. قلت لها حتى أنا مشتاقة لش واجد وبجي لش قريب.. منصور كان ينظر لعفراء كيف أشرق وجهها مع ذكر ابنتها وهي تنثال بسعادة لم يراها مسبقا فيها.. كانت روحها تغرد.. شعر بسعادة في عمق روحه لسعادتها: الله يخليها لش.. ويخليش لي.. لا تحاتين ياقلبي قريب إن شاء بأوديش موضوع جميلة هو بالفعل يشغل بال منصور.. ومهما حاول ترجئة الحديث عن هذا الموضوع يجده يقفز لبؤرة التفكير عنده لذا مد يده لعفراء الجالسة جواره وأمسك بكفها بين كفيه ثم هتف بحزم: تدرين عفرا أنا فعلا فيه شي شاغل بالي.. ومن يوم تزوجنا مهوب جديد يمكن أحيانا يكون فيه مخططات الواحد يحب يحتفظ فيها لنفسه لسبب معين لكن لما يكون في الرأس سؤال أنا ما أقدر أصبر ولا أراوغ أحب أسأل بشكل مباشر وأتلقى جواب مباشر بدل ما أقعد أفكر وأقول يمكن كذا أو يمكن كذا عفراء بتساؤل: أبو زايد ليش ذا المقدمة.. عندك سؤال اسأل وأجاوبك من عيوني.. منصور شد له نفسا ثم أكمل بذات الحزم: قبل ما نتزوج.. يمكن كل واحد منا شرط على الثاني شروط بس شروط وانت على البر غير يوم تدخل البحر.. يعني يا عفرا أنتي شرطتي رضا بنتش عن زواجنا.. لكن فرضا إنها ما رضت.. وقالت يا الله يمه تطلقي تسوينها.. تطلبين الطلاق مني؟؟ يهون عليش تقولين منصور طلقني عشان بنتي اللي عند رجّالها مهيب راضية؟؟ عفراء بدأت تشد أصابع منصور ارتباكا وتوترا دون أن تشعر وهمست بتوتر: ما تشوف يا منصور إن هذا كلام سابق لأوانه وماله أي سبب الحين منصور بحزم: أنا بصراحة كاره شعور القلق والمحاتاة اللي أنا فيه.. عفرا أنا ما أتخيل حياتي من دونش خلاص.. تخيلي يقولون لش ممكن نحرمش من الهواء أو الماء.. هل بتعتبرين الكلام عن الموضوع أو محاتاته كلام سابق لأوانه؟؟ عفراء احتضنت كف منصور برقة وحاولت دفع أكبر من المهادنة والرقة في صوتها.. فنبرة منصور بعثت قلقا وتوجسا عميقين في روحها: حبيبي منصور فيه أمور ما تعالج بذا الطريقة يعني أنت كل شيء عندك يا أبيض يا أسود.. ترى فيه ألوان ثانية.. خلك مرن شوي.. ومافيه داعي تفكر في ذا الموضوع بدون سبب.. اقعد يا قلبي ريح أعصابك وخلني أسوي لك أحلى عشا حينها انتزع منصور يده منها بحدة وهو يقف ويهتف بنبرة مثقلة بحزم مصفى: وياترى لوني أنا وش هو عندش يا عفرا..؟؟ لون ماله لازمة..؟؟ تدرين ..خلي عشاش لش.. وفوقهم حبيبي وقلبي.. اللي أكيد هم بعد من لون ماله لازمة.. مثل اللي تنقال له.. منصور توجه للدولاب يأخذ له ثوبا وغترة.. بينما تبعته عفراء بجزع.. يقف أمام الخزانة لا يرى من الغضب الذي يحاول كتمانه فلا يفلح.. وهو ينتزع الثوب بحدة حتى كاد يمزقه فكلما تمكنت عفراء من روحه.. كلما أصبح شرطها جارحا أكثر لمشاعره وكرامته.. ثم بعد ذلك تريده أن يرى كل الألوان!! (أي ألوان تريد أن أراها وأنا أشتعل هكذا أي ألوان أراها وأنا أعلم أنه في الوقت الذي باتت هي أنفاسي دون أشعر في الوقت الذي تسللت لتقيم تحت جلدي هي على استعداد أن ترمي بي بدون اهتمام ثم بعد ذلك تقول لي كن مرنا.. انظر لكل الألوان لقد بت أكره كل الألوان التي هدفها إبعادك عني نعم أريد فقط الأبيض والأبيض لا أريد الأسود حتى أريد فقط بياضك أنتِ) أخذه من أفكاره الغاضبة عفراء تمسك ذراعه وتهمس برجاء عميق: تكفى حبيبي لا تطلع وأنت معصب كذا.. خلاص سامحني أنا آسفة.. منصور التفت لها بحدة وعيناه تطلقان شررا ملتهبا: لا تقولين حبيبي.. فاهمة.. شيء ما تقصدينه لا تقولينه.. لا تقولينه.. تحبيني وأنتي حاطتني ستاند باي.. لو بنتش الدلوعة قالت يمه ما أبيه.. مستعدة ترميني بدون تفكير.. عفراء بدأت تختنق بعبراتها: تكفى منصور والله مهوب كذا.. والله مهوب كذا.. زين اقعد خل نتفاهم.. منصور لم يرد عليها وهو يرتدي ثوبه..ثم يتجه للمرآة وهو يلبس ساعته وأزرته ويعدل غترته.. بينما عفراء بقيت واقفة بجوار الخزانة قررت ألا ترجوه أكثر من ذلك لأنه بدا ثائرا فعلا وخشيت أن يحتد أكثر في الغضب.. كما أنها خشيت أن ترجوه أكثر فتنهمر عبراتها التي تسد حلقها لم ترد أن تبدو بمظهر طفلة باكية أمامه لا تعلم كيف انقلب بهذه الصورة.. منذ دقائق فقط كان رائقا جدا كبحر رقراق هادئ فإذا البحر ينقلب إلى أمواج عاتية غاضبة.. كان وصل للباب حين استوقفه همسها المختنق: على الأقل قل لي وين بتروح.. لا تخليني أحاتيك تكفى.. منصور هتف ببرود وهو عند الباب ودون أن يلتفت لها: غريبة تحاتين ذي!!.. تحاتيني اليوم وأنتي بتبيعيني بكرة؟!! رايح لعشا ترقية زميلي أبرك لي من ذا القعدة التي تقصر العمر.. ************************************** " وش رأيك تخاويني؟؟" كان أبو عبدالرحمن يهمس بهذه الكلمات وهو يشير حسبما يستطيع لتميم وخصوصا أن الاثنين بينهما تفاهم عميق جمعهما عليه اشتراكهما في هواية القنص بالصقور.. تميم ينزل فنجانه ويشير له بمودة : وين؟؟ أبو عبدالرحمن يحرك شفتيه بهدوء حتى يفهمه تميم: باكستان.. أبي اشتري لي طيور من ذا الحين قبل موسم القنص تميم يشير برأسه بالموافقة ويشير له : متى؟؟ لازم أكون هنا قبل عرس أختي أبو عبدالرحمن يبتسم: ذا اليومين.. بنروح ونرجع قبل العرس.. يبتسم له تميم ويشير برأسه: متى ما بغيت أنا جاهز.. أبو عبدالرحمن يبتسم بمودة كبيرة: جعل بنت آل ليث ما تجيب لك إلا عيال.. تجيب لك عشرة.. قل آمين.. في زاوية أخرى من المجلس نفسه.. مجلس فاضل بن عبدالرحمن "امهاب قوم فارق لبيتكم.. بدل ملابسك" مهاب يلتفت لعبدالرحمن بنصف عين: قاعد فوق رأسك أنت.. قاعد في مجلس عمي حبيبي.. عبدالرحمن يضحك: الله يهني سعيد بسعيدة.. بس ثوبك وسخه حسن بالشكولاته.. لا يجينا رياجيل وأنت كذا يقولون وش ذا الكابتن المعفن؟؟ امهاب بمرح: عاجبني ثوبي.. وكيفي أنا وولدي.. حلاله خله يوسخ ثوبي المسكين ارتاع يوم لقى ايديه وسخه.. مالقى له منشفة غير ثوبي عبدالرحمن يضحك: بلاك ماتدري وش بليتك أنت وإياه.. مرتك وامه.. لو شافت ثوبك وسخ ..وإيديه وسخة ..مهوب بعيد تحطكم اثنينتكم في الغسالة مجنونة نظافة.. مهاب عقد حاجبيه: من جدك أنت؟؟ عبدالرحمن يبتسم: إيه.. من جدي.. ما تشوف حسون 24 ساعة يلمع كنه مراية.. مهاب أدخل يده في ماء فناجين القهوة أمامه .. ثم رش عبدالرحمن بأطراف أصابعه لتصل بعض نقاط الماء لوجه عبدالرحمن: اذكر الله .. بتطس الولد عين بعد.. عبدالرحمن يمسح وجهه ويضحك: زين إن ابي وتميم لاهين وما شافونا.. وإلا كان وريتك شغلك ياقليل الحيا امهاب يضحك: جزاك وأقل من جزاك.. قاعد تنظل مرتي وولدي على نظافتهم.. ثم أردف ببعض الجدية: إلا لا تكون أم حسن تعصب على حسن إذا لقته موسخ نفسه وإلا ثيابه..؟؟ عبدالرحمن بنبرة دهشة: تعصب عليه..؟؟ جوزا على نظافتها يمكن لا يجيها حسون طالع من بلاعة ما تعصب عليه.. عمري ماشفت أم تحب ولدها وحنونة عليه مثل جوزا.. غمز مهاب بعينه: عقبال ما ينولني من الحب جانب.. غمز له عبدالرحمن: اصبر على رزقك.. ثم أردف بجدية: شوف يا امهاب أنا وأنت واحد... ما أكذب عليك.. جوزا فيها عيوب واجد.. وأشين عيب فيها إذا عصبت وخر من طريقها لأنها تضيع مفتاح لسانها.. وهذي طبعا نصيحة لك.. إذا شفتها عصبت لا تكلمها بس جد جد فيها صفتين يدور عليها كل رجال في بيته.. تقدر تأمنها على بيتك وأنت مالي يدك .. والشيء الثاني اللي أنا من الحين أحاتيه إذا راحت.. إنها تسنعك عدل يعني على أني الولد الوحيد وأمي موجودة وعندي أخت ثانية.. لكن كل شيء يخصني جوزا مسؤولة عنه ثيابي وأغراضي كلها مرتبة مثل المسطرة.. وشوفت عينك حتى أنا ملمعتني ومسنعتني.. وبتجي أنت وتأخذها باردة مبردة مهاب يضحك: الله أكبر عليك.. أشفيك اليوم مشغل الأربع عيون كلها حتى مرتي بتناشبني عليها... كفاية عليك بنت آل ليث عبدالرحمن بمرح: ياحي طاري بنت آل ليث.. طاري ولا به شوف.. مهاب يستعد للوقوف: زين خلك تحلم ببنت آل ليث وأنا بأروح للبيت أتسبح وأبدل.. كساب كلمني يقول يبي يجيني ************************************* كان يسترق النظر إليها ويبتسم رغما عنه وهو يخفي وجهه خلف جريدته كان وجهها مشرقا وعيناها تلمعان بفرحة طفولية بعثت في روحه سعادة غير مفسرة كانت تنظر لوجهها في المرآة الصغيرة التي طلبتها للتو من الممرضات.. وطلبت شيئا آخر.. ملمع شفاه زهري.. طلبته منهن بدلال.. وجدن أنفسهن يستجبن له بابتسامة فهذه المخلوقة المدللة.. تعرف كيف تتدلل براعة.. دلال لا تستطيع أن تكرهه منها.. من يكره مثل هذا الدلال الرقيق؟؟ هكذا كان يفكر خليفة.. وهو يراها تنظر للمرآة وتدلل شفتيها باللون الزهري الذي زاد إشراق وجهها إشراقا.. ثم اصطادته ببراعة وهي تهمس بدلال رقيق: خليفة أدري أنك تطالعني من ورا جريدتك وتمسخر في قلبك.. بس عاد خلك جنتل وقول أني حلوة من ورا قلبك خليفة أنزل جريدته جانبا وابتسم: وأنتي حلوة ومن قلبي بعد.. ابتسمت بشفافية: أدري انك كذاب.. بس عادي اكذب علي..اليوم أنا مبسوطة اتسعت ابتسامته أكثر: وابتسامتج تينن.. ياليت تتكرمين علينا فيها من وقت للثاني.. اتسعت ابتسامة جميلة أكثر وهي تهمس بعذوبة: لا عاد هنا مهوب كذب بس.. إلا نصب على مستوى.. *********************************** " ادخل يا اللي عند الباب" اعتدلت كاسرة جالسة حين رأت وضحى تفتح الباب وتدخل بخطوات مترددة وفي وجهها حديث ثم تهمس بخفوت وهي مازالت واقفة قريبا من الباب: ليش ما تعشيتي؟؟ كاسرة بهدوء: تونا شربنا كوكتيل واحنا راجعين قبل المغرب.. حاسة ما همضته بعد وضحى اقتربت خطوتين وهمست بشبح ابتسامة: تمنيت أسمع اجابة ثانية كاسرة أشارت لها أن تجلس في المكان الخالي جوارها على السرير وهي ترفع حاجبا وتنزل الثاني: وشنهي الإجابة الثانية اللي تنتظرينها؟؟ وضحى جلست وهي تهز كتفيها بتردد: أنش مثلا متوترة إن عرسش قرب.. وعشان كذا نفسش مسدودة.. حينها ضحكت كاسرة بعذوبة: بصراحة الإجابة هذي ما تشبهني ولا واحد في المليون.. وضحى تهز كتفيها وتهمس بتلقائية: بس تشبه أي بنت طبيعية عرسها عقب حوالي أسبوع.. حينها نظرت لها كاسرة نظرة مباشرة وهمست بذات المباشرة الواثقة: يعني أنا شايفتني بنت غير طبيعية؟؟ صمتت وضحى وهي تخشى انفجار كاسرة فيها.. لكنها فوجئت أن كاسرة تعاود التمدد بشكل نصف مائل وهي تعدل المخدة خلف ظهرها وتبتسم: وأنا ما أبي أكون طبيعية.. وما أبي أكون أشبه أي بنت.. لأن أنا هي أنا.. ومافيه حد يشبهني.. وضحى بتردد رقيق: طيب والبنت الخارقة ما تبي أختها تساعد في تجهيز شناطها؟؟ كاسرة ابتسمت: عشان أنا مروقة الليلة بأعدي الخارقة ذي يا يا غرانديزر وأكيد باعتاز اختي تساعدني بس تو الناس على ترتيب الشناط ذي وضحى حينها انفلتت بحماس هو مادفعها للحضور: لا مهوب تو الناس لأنش لازم تجهزين الأغراض اللي بتروح لبيتش.. والشنط اللي بتأخذينها معش السفر حينها اعتدلت كاسرة بحدة وهي تسأل بحزم: أي سفر؟؟ وضحى انكمشت قليلا: سفرش.. شهر العسل.. كساب كان هنا قبل شوي وقال لأمي أنكم بتسافرون ليلة عرسكم على طول كاسرة ضاقت عيناها قليلا وكأنها تحادث نفسها: كساب كان هنا؟؟ ثم أردفت بغضب: وأمي أشلون ما قالت لي؟؟ وضحى بهدوء متردد: مابعد لحقت يمكن.. لأنه توه راح من شوية.. وهذا أنا قلت لش.. ثم أردفت وضحى بابتسامة: ياربي يا كاسرة.. رجّالش وذوق وجنتلمان بشكل جايب لأمي هدية خيال..خيال.. كاسرة كانت تعض شفتيها دون أن تشعر (يعني غاثني بالاتصالات والمسجات اللي كنها وجهه ويوم يصير موضوع مهم مثل ذا.. بدل ما يقوله لي ..يبلغه لأمي.. وش يقصد من ذا الحركة يعني؟؟ وجايب لأمي هدية بعد من زود الذرابة والأدب يعني الله أعلم وش يقصد؟؟ الذيب ما يهرول عبث!! نشوف وش أخرتها معه ذا الكساب المصدي؟) وضحى شعرت أنها ربما أخطأت بإبلاغ كاسرة وأنها كان من المفترض أن تترك هذه المهمة لأمها لذا انسحبت بهدوء وأغلقت الباب دون أن تنتبه كاسرة لخروجها أبدا لشدة استغراقها في أفكارها الغاضبة من كساب.. ******************************** في غرفتها.. مستغرقة في دوامة أفكارها التي تلتهمها منذ أيام... زواج.. حياة جديدة.. مسؤولية مختلفة هل هي مستعدة لكل هذا مع إحساسها الدائم بثقل ما في روحها؟ تشعر أنها غير مستعدة أن تخطو هذه الخطوة بينما في حياتها الحالية خطوات معلقة هل تتزوج لترحل لبيت جديد بينما كساب مازال غاضبا منها؟؟ حينها أي فرصة ستكون لحل ما بينهما.. ستبتعد لتبدأ حياة جديدة بعيدا عنه.. وحينها لن يجد له سببا للرضا عنها تريد حينما تنتقل لحياتها الجديدة أن تكون بكامل عافيتها النفسية في حياتها الحالية لا تريد أن تنقل أحزانها معها هناك.. لا تنكر أنها في داخلها كانت كفة غانم ترجح لسببين السبب الأول والأهم أنه من طرف كساب.. والسبب الثاني هو غانم نفسه لأنه رأته بنفسها.. فصورته واضحة في خيالها.. وليس مجرد خيال غير معروف كابن عمه الآخر وحينما صفت رؤيتها الآن بعد ابتعادها عن ضغط جو العمل تتذكر الآن تعامل غانم معها.. التعامل الذي ضايقها في حينه لأنها كانت متضايقة ومتحفزة ولكنها تراه الآن قمة في الذوق والشهامة والتهذيب ولكنها مترددة جدا في الموافقة عليه فبداخلها حزن بعمق الكون.. حزن لا حدود له.. وهي جربت جفاء الأقارب ووجيعته..وتكره أن تكون هي من تهديه لغيرها قد تقول لنفسها وما يهمني من الأمر...ولكنها لم تستطع قول ذلك لنفسها لا تتخيل حياتها مع رجل قد تكون هي سبب القطيعة بينه وبين ابن عمه حتى لو لم تحدث قطيعة .. سيبقى دائما في القلب مافيه سيبقى دائما يتذكر أنها سبب الجفاء وانقطاع المودة.. وقد يظن أحدهم أن الثاني قد خطب على خطبته.. فكيف سينظران بعدها لبعضهما؟! ومن ناحية أخرى تخشى أن توافق على غانم فيحز ذلك في خاطر عمها منصور وخصوصا أنها تعلم قرب فهد آل ليث من عمها واعتباره له كابن له.. تشعر بالحيرة والضياع والتشوش من كل ناحية.. تشعر كما لو كانت في لجة بحر عميق.. كلما رفعت رأسها شعرت أن هناك مايشدها للأسفل ليغرقها أكثر وأكثر!! تتنهد للمرة الألف هذه الليلة وهي تقطع غرفتها ذهابا وإيابا وعقلها لا يتوقف عن التفكير الذي أجهدها وأرهقها لأبعد حد تقرر ختاما أن تتوقف لتصلي صلاة الاستخارة للمرة العاشرة ربما منذ أخبرتها خالتها بموضوع الخطبتين ****************************************** "أنت عطني جوالي صار لك ساعتين تمقل فيه.. أبي أكلم" عبدالله لم يسمع صالح حتى.. فتركيزه كله مع صور حسن.. إحساس مذهل وغريب وغاية في الانتشاء يشعر به مطلقا لا يأخذ ابن مكان ابن آخر.. فلكل واحد منهما معزته ولكن هناك ابن اختفى وبقي لاختفائه هوة عميقة في الروح كادت تلتهم عبدالله فإذا بالهوة تُردم وتمتلئ حد الانفجار بمحبة عميقة غريبة..متأصلة كأنه يعرف هذا الصغير منذ الأزل كأنه ينبض بين جوانحه.. وروحه الشفافة تُسكن روح والده الملتاعة ينتزعه من أفكاره يد صالح تهز كتفه: أقول يأخينا عطني جوالي بأرسل لك صور ولدك أبلشتنا يالنشبة.. عبدالله التفت لصالح وهتف كأنه يكلم نفسه: صالح مانبي ننتظر لبعد بكرة.. خلنا نروح بكرة أو حتى اليوم لو قدرنا صالح يجلس وهو يبتسم: لو داري كان قلت لك عن ولدك أول ماجيتك عبدالله يضيق عينيه: هذي أصلا يبي لها حساب ثاني.. صار لك أكثر من يومين تهذر على رأسي.. وماخطر على بالك تسولف لي بالمرة عن ولدي يالله ياصالح قم خل نغير حجزنا.. صالح بابتسامة: شكلك ياخ أنت ناسي ليه حجزت أنا بعد بكرة.. لأنه بكرة عندك جلسة التحقيقات الأخيرة أنت بروحك قايل لي أمس عقب ماطلع المحقق من عندك أنت وفيصل.. عبدالله يضرب جانب رأسه.. فظهور حسن قلب موازين تفكيره.. يهتف بتوجس: تدري يا صالح والله ما أبي جلسة التحقيق ذي خصوصا عقب ماعرفت بحسن.. قلبي ناغزني من الجلسة صالح بقلق: ليه؟؟ عبدالله يشد له نفسا: المحقق يقول إن راكيل تبي تشوفني وتكلم معي.. وأنا رفضت.. بس المحقق قال لازم تقابلها عشان نسمح لك تطلع وأنا حاس إن هذا تخطيط على كبير من محاميها.. اللي هو أكبر محامي في نيويورك ويهودي مثلها والمحامين ماتعرفهم هنا شياطين.. هو أكيد عارف أني كنت في المستشفى وكنت أهدد كل ماصحيت أخذ روحها فالسيناريو اللي أنا خايف منه أني فعلا يوم أشوفها.. بانط في حلقها أخنقها مثل ما خنقت ولدي.. وطبعا هم بينقذونها من يدي.. لكن أنا بألبس السالفة كلها.. وبأصير أنا اللي حديتها على كل ذا.. لأنها أكيد تندمت على اعترافها وبما أنها خلاص اعترفت بجريمتها لازم تلاقي لها سبب خلاها تسوي كذا وأنا بأكون السبب القوي والمنطقي.. صالح تصاعد قلقه: طيب يوم أنت عارف إن هذا اللي هم يبونه.. حاول تمسك أعصابك.. لين تخلص الجلسة عبدالله بكره عميق: قلبي محروق ياصالح.. ما أضمن نفسي..لو شفتها ما أدري وش ممكن أسوي فيها صالح بألم: أرجع أقول كله ذنبك.. وإلا حد يحده النصيب على يهودية.. أشلون فات ذكائك ذا الشيء..؟؟ عبدالله بألم مشابه: والله العظيم دققت في ذا السالفة.. قالت لي أنها من المسيحين الأرثوذكس.. وأقنعتني إنها تبي تسلم.. وما شفت من عايلتها إلا إبيها مرة وحدة بس.. الله ياخذها أخذ عزيز مقتدر.. ما أدري وش تبي فيني بعد تخيل صالح.. عقب مارجعت ودلت طريقي.. كانت تقول لي رجعني وأنا مستعدة أنسى اللي سويته كله وطبعا رفضت وطردتها.. وهي ساعة تترجى وساعة تعصب.. وأخرتها أستغفر الله وأتوب إليه تقول أنا أبي أعيش معك حتى لو ماتبي تتزوجني مهوب لازم المهم أرجع لحياتك.. وعقبها تحط حرتها في ولدي وتعصب عشانه حافظ قرآن.. وعقب ذا كله تقول أنت لي امسك أعصابك.. انا قلبي شايل منها فوق طاقته.. خلاص بانفجر يا صالح.. على كل اللي هي سوته.. عمري مامديت يدي عليها.. أبي أبرد حرتي فيها.. أبي أبرد حرتي فيها ياناس.. عبدالله بدأ ينفعل وصوته يرتفع وعيناه تطلقان شررا ملتهبا.. وأنفاسه تعلو وتهبط صالح خاف عليه فعلا.. إذا كان ذكرها قد جعله يثور هكذا.. فكيف رؤيتها في الغد صالح شده وهو يهتف بتهدئة: قل لا إله إلا الله.. اذكر ربك.. عبدالله تنهد وزفر أنفاسا لاهبة: لا إله إلا الله.. صالح هذي كانت حية خربت حياتي كلها..أدري إن السبب لحظة ضعف مني.. ولو أنا كنت ضعيف إيمان كان قدرت تكمل مخططها كامل علي.. حتى يوم أصرت هي تقدم لي على القرين كارد.. قلت لها ماله داعي أنا قاعد كم شهر وبننزل عقبها الدوحة.. ولو أبيها قدمت عليها بروحي.. بس هي أصرت وجابت لي ألف عذر.. كانت تبي تزرعني هنا جنبها.. كانت تخطط على كبير كانت تحاول تقنعني أشتغل في معهد دراسات عالمي مشبوه.. هدفه المعلن السلام في العالم.. ويتلقى الدعم من اليهود.. وما يشتغل فيه إلا اللي معه جنسية أمريكية.. كل شيء نجس فكرت فيه بدقة الله ياخذها.. الله يحرق قلبها مثل ماحرقت قلبي.. ضيعتني وضيعت ولدي صالح بتهدئة: ماعليه ادعي عليها.. وتوجه لربك يأخذ حقك منها بس الحين عبدالله تذكر حسن.. لو أنت خليت الغضب يعمي عيونك وش بتستفيد؟؟ ما تبي ترجع الدوحة؟؟ ما تبي تشوف حسن؟؟ صالح لم يجد له شيئا يهدئ عبدالله به سوى ذكر حسن.. حينما رأى شدة فرحته به..تلمس شيئا يستطيع به أن يضغط عليه ولكن ذلك لم يمنع من تسرب خوف متزايد في روح صالح توجسا مما سيحدث في الغد في جلسة التحقيق.. فهو يخشى حتى الموت أن هدوء عبدالله الظاهري سرعان ما ينتزع لتظهر ثورته العارمة تحته.. ************************************* " الحين أنت من جدك الحركة اللي مسويها؟؟ " علي يلتفت لكساب ويهتف بهدوء باسم: إيه من جدي.. على طول وأنت تخطط.. خل حد يخطط عنك.. ريح بالك واستمتع بس كساب بجدية: علي أنت تحرجني بذا الطريقة.. أنا مارفضت هديتك اللي أنت فرضتها علي.. حتى أني بلغت عمتي الليلة بموعد سفرنا بس على الأقل عطني برنامج الرحلة.. أنا واحد مخي مخ بيزنس مان.. ومتعود على السفر اللي قبله تخطيط دقيق علي بابتسامة دافئة: وسفرتك مخطط لها تمام.. من يوم توصل جنيف لين تطلع منها.. إذا أنت بيزنس مان.. أنا دبلوماسي.. واحنا خير من يخطط نخطط أحسن منكم يأهل التجارة.. ثم أردف علي بمودة كبيرة: أنا قصدي من كل هذا.. أني أحسسك بجو مغامرة غير..صدقني إحساس ماراح يتكرر..وخصوصا أنه شهر عسلك وأنا عارفك.. الرومانسية مضروب جنبها عندك.. منت بعارف تسوي برنامج متكتك مثلي.. أبيك تستمتع بكل خطوة بالكامل بدون ما تشيل هم اللي بعدها.. اللي بتكون في وقتها مجهولة لك.. تأكد إن كل شيء مدروس.. لا تخاف ماراح أفشلك في بنت ناصر.. حينها ابتسم كساب: زين وسألتني بنت ناصر.. احنا وين بنروح عقب.. أقول لها والله يا بنت ناصر رجّالش ثور الله في برسيمه.. مايدري وين الله حاشره.. كساب سر رغبته في المعرفة هو كاسرة بالذات.. ربما لو كانت زوجته صبية أخرى سواها .. شابة بليدة تتقبل الأمور كما هي دون أن تسأل أو تعترض لم يكن ليهتم أبدا لكنه لا يريد أن تجد عليه كاسرة ممسكا كأن لا يكون يعرف ماهو مخطط رحلتهما فلماذا كانت جميلة لهذا الحد؟؟ وذكية لهذا الحد؟؟ لماذا لم تكن كما قال المثل العتيد: كوني جميلة واصمتي لماذا تريد قلب قواعد اللعبة عليه ولكن على كل حال.. ليس هو من يخشى شيئا.. أبــــــدا!! علي أجابه بمرح وهو يغمز بعينه: ما ينخاف عليك .. آخر شي أنت تحاتيه أنك تلاقي كلام.. بتفر مخ بنت ناصر.. وحينها غمز كساب له بالمثل: وأنت متى بيفرون مخك؟؟ علي يضحك: هي كل المواضيع اللي في الدنيا خلصت.. ماحد يشوف وجهي الا يبي يزوجني أنت وابي ومزون وحتى عمي وخالتي باقي الجيران وراعي البقالة وتكملون.. كساب بثقة: خلاص أنا خلصوا مني.. صار الدور دورك.. علي بمودة باسمة: إذا صرت عم.. هذاك الوقت تزوجت عشان أزوج عيالك الشيان.. عشان ما يطيحون في كبدك.. " يكفيهم إنهم عيال كساب عشان ينفقون" يلتفتان لوالدهما الذي دخل عليهما دون أن ينتبها.. ليقاطع حديثهما.. ابتسم علي: أوه شكلك راضي على كساب.. عقبالنا.. زايد يصلهما ليقفزا كلاهما ويقبلان أنفه.. بينما زايد هتف بمودة عميقة لعلي: أنا دايما راضي عليك.. الله يرضي عليك ربك ويحبب فيك خلقه فهتف كساب بنبرة مقصودة: يعني أنا اللي الرضا علي له حزات وحزات؟؟ زايد جلس وهتف له بذات نبرته المقصودة: والله ذا الأيام إن شاء الله إني راضي عليك ولو أنك تسمح خاطر أخيتك اللي مالها غيركم كان رضاي عليك تام!! كساب صمت ولم يرد عليه.. فأخر ماكان يريده هو تعكير صفوه بهذا الموضوع علي أيضا صمت.. فهو كان شاهدا على كسر كساب قبل أربع سنوات ورغم تمزقه من أجل مزون.. إلا أنه لا يستطيع أن يساهم في عملية الضغط على كساب.. لأنه يفهم كساب وشخصيته جيدا ويعرف أن ما مر به لم يكن بسيطا أبدا على روحه الحرة .. بل كان مؤذيا وجارحا لأبعد حد.. وخصوصا أنه كان يعلم يقينا استماتة كساب في إرضاء مزون وتدليلها لأبعد حد زايد بذات النبرة المقصودة يكمل: ليه ماترد علي.. ماشاء الله لسانك دايما جاهز.. وين راح؟؟ مزون وخلت كل شيء كان مضايقك عليها ما تشوف أنك مسختها وزودتها على غير سنع.. كساب حينها هتف ببرود: والله يبه عمر القلوب ما تغصب على شيء ماتبيه.. حينها هتف زايد بحزم: أنا سكتت ذا السنين كلها لأنك كان لك عذرك.. لكن الحين لا تخليني أربط رضاي عليك دنيا وآخرة.. برضاك على أختك انتفض قلب كسّاب بعنف بين حناياه ومع ذلك هتف بحزم مشابه لحزم والده: يبه وزين غصبتني أقول لها أنا رضيت عليش.. لكن القلب جرحه فيه ما تشافى ثم أردف بألم عميق أخفاه خلف حزم صوته: يبه خل الرضا يجي من القلب ولا قدك أنت راضي عليها.. ماعليها من رضى غيرك زايد حينها وقف وهو يهتف بحزم : زين يا كسّاب بأخليك الحين تفكر براحتك.. بس تذكر يأبيك أن الدنيا دوارة.. وأنه مابه شيء في الدنيا يستاهل تسوي في أختك كذا ************************************** " سمعتي آخر الأخبار.. عندي لش خبر فريش" سميرة كانت تتمدد على بطنها.. اعتدلت جالسة وهي تهتف في هاتفها بحماس: الله.. أخبار.. علوم.. أحمدك يارب شعاع تضحك: ليه حد قايل باعطيش ذهب وإلا فلوس.. سميرة ترقص حاجبيها: أنا ودي بالأخبار أكثر من الذهب والفلوس.. حينها همست شعاع بخبث رقيق: زين ماسمعتي خالش هريدي يقول: ياخبر النهاردة بفلوس يبئى بكرة ببلاش ؟؟ فردت عليها سميرة بخبث مشابه وأكثر رقة: إلا سمعت خالي هريدي يقول: احييني النهاردة وموتني بكرة.. شعاع تضحك: زين ياللي تبين الحياة اليوم.. الخـــبـــــر هــــو إن رجالش....... حينها غاص قلب سميرة بين قدميها بشكل مفاجئ.. فذهنها كان خاليا تماما.. لتقلب شعاع كيانها تماما بكلمة واحدة تستحضر "تميم" إلى بؤرة تفكيرها قاطعتها سميرة بتوتر: وش فيه تميم؟؟ شعاع تبتسم: وش فيش طفيتي؟؟ مافيه إلا العافية بيروح مع إبي لباكستان.. يشترون طيور حينها ابتسمت سميرة: وأنتي ابيش وش يبي برجالي؟؟ كل شوي لاقطه مكان.. شعاع تضحك بعذوبة: نعنبو متى صار رجالش ذا سميرة حينها همست بنبرة تحذير: اسمعيني.. علمن ياصلش ويتعداش وبلغيه عمي فاضل مع الاحترام طبعا.. قولي له بياخذه الحين.. ياقدرة الله ما اقدر أسوي شيء بس إياني وإياه يجبي يأخذه في موسم القنص.. لأنه ذاك الوقت خلاص دخل ممتلكاتي الخاصة.. ياختي عروس أبي أشبع من قعدة رجالي.. خلي ابيش يطلع من بيننا.. مهوب يصير طبينتي ... (الطبينة =الضرة) حينها اشتعل وجه شعاع احمرارا وهمست بخجل: ياوجه استح.. أعوذ بالله البنت فسخت الحيا.. عيب عليش والله عيب.. سميرة بمرح : يعني جايه ومبلغتني هذا الخبر السعيد.. وش تبين ردة فعلي وياختي عقبال مانشوفش عروس ونشوف السحا ذا وين بتودينه *************************************** " يأمك ذا الروحة مالها داعي" كان تميم ينظر لإشارة أمه ثم يشير لها بحركة مقصودة : ليه يعني؟؟ خايفة علي؟؟ مزنة تشير بحركة مقصودة مشابهة: أنت رجال وما ينخاف عليك يعني بأخاف عليك من روحة تشترون طيور من باكستان وأنا ماخفت عليك من روحاتك القنص للعراق والجزائر وأفريقيا.. ومن يوم عمرك 16 سنة.. تميم حينها ابتسم بشفافية: إذا عشان عرس كاسرة.. بأرجع قبله.. مزنة بحنان: يأمك كاسرة يوم درت أنا حسيت إنها تضايقت.. وانت عارفها حتى لو تضايقت بتكتم في نفسها.. وأنا خايفة أنك تبطي في سفرتك.. الواحد ما يدري وش ظروفه..يمكن يصيدكم شيء يأخركم تميم يشير بمودة: إن شاء الله ماني بمتأخر.. وكاسرة أنا بطيب خاطرها.. أنا عطيت أبو عبدالرحمن كلمة.. ما أقدر أخلف معه بعد دقائق.. دقاته الهادئة ترتفع على باب كاسرة التي عرفته من دقاته.. منذ جاءتها والدتها وأخبرتها بالخبرين معا.. سفرها ليلة عرسها وسفر تميم الآن وهي تشعر بضيق عميق من أجل سفر تميم على الخصوص.. لا تتخيل أنها قد تتزوج وأحد أخويها غير موجود في تلك الليلة.. مهما هم تناسوا أو هي من جعلتهم يتناسون بقوة شخصيتها فهي صبية في ليلة زفافها تريد أن يكون أهلها كلهم حولهم.. تريد حينما يأخذها كساب أن يرى أخويها بجوارها.. حتى وإن كانت تعلم أنها لا تخشى أن يظلمها هذا الكساب أو يضيمها .. ولكنها بداخلها تبقى تريد الإحساس بالعزوة والانتماء والسند.. المعاني التي يمثلها أخوتها لها.. حينما سمعت طرقات تميم على بابها نفضت أفكارها وأخفت ضيقها خلف ابتسامة هادئة وهي تفتح له.. تميم دخل بخطواته الهادئة ابتسم بمودة وهو يشير لها: يقولون شيختنا زعلانة عشاني بأسافر ابتسمت كاسرة وأجابت باصطناع بارع لإشاراتها وملامح وجهها: لا.. من قال زعلانة.. تروح وترجع بالسلامة تميم مال عليها ليقبل جبينها ثم أشار بمودة: بأرجع قبل عرسك.. هذا وعد إن شاء الله.. وعد الحر دين عليه.. السالفة كلها 3 أيام بس.. كاسرة حينها قبلت خده وأشارت بشجن عميق حاولت إخفاءه خلف حزم إشارتها وملامحها: يطري علي يا تميم لو وضحى اللي عرسها عقب أسبوع بتسافر سفرة أنت عارف أنك يمكن تبطي فيها أنتو رايحين تشترون طيور.. يمكن ما تلاقون اللي يعجبكم.. بترجعون يعني وأنتو ما اشتريتو؟! حينها ابتسم تميم وأشار بحنان مصفى: لا شكلش شايلة في قلبش ومن قلب.. يعني أول مرة أحسش متضايقة كذا ومن سبتي خلاص يالغالية ماني بمسافر .. لا تضايقين.. مادريت أني مهم كذا عندش.. انتفخ رأسي.. كاسرة هزت رأسها رفضا: لا والله ما تفشل روحك في عمي أبو عبدالرحمن وأنت وعدته.. خلاص روح.. بس أنت وعدتني ترجع قبل عرسي.. يعني حتى لو مالقيت الطيور اللي تجوز لك بترجع تميم يبتسم إبتسامته الشفافة..ويشير بثقة: وعدتش إن شاء الله إني هنا قبل العرس بيومين على الأقل.. كاسرة ردت على ابتسامته بابتسامة أكثر رقة وشفافية وهو يشير لها بالسلام ويخرج ليغلق بابها خلفه.. كاسرة اتسعت ابتسامتها أكثر لاطمئنانها بوعد تميم لها.. وهي تتراجع لتتجه للحمام حتى تتوضأ فإذا برنين هاتفها يرتفع معلنا إزعاجا من نوع آخر التقطته لترى على شاشته أخر اسم تتمنى رؤيته وهي في هذا المزاج الرائق لأنه عكّر مزاجها فورا.. وإلى جانب تعكير المزاج.. هناك دائما مشاعر غريبة أشبه بنفور غير مفسر يجعل دقات قلبها تتسارع بغيظ.. توتر..غضب.. إجهاد.. ترتبط هذه المشاعر الغريبة العصية على التفسير دائما باسم الرجل الأغرب الأكثر استعصاء على التفسير كـــــســـــاب #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والثلاثون للمرة الثانية يتعالى رنين هاتفها مع تصاعد مشاعر نفورها الغريبة من صاحب الاتصال ختاما قررت أن ترد.. فرغم أنهما لم يتعاشرا بعد.. فهي أصبحت تعرف أن أبرز صفاته هي العناد والتصميم مادام قرر أن يضايقها الليلة باتصاله.. فلا شيء سيرده ردت بهدوء حازم: ألو.. جاءها صوته العميق الساخر أبدا: ألو حاف كذا؟! ردت عليه بتهكم رغم أنها فهمت فورا قصده غير البريء: اشرايك أغمسها لك بالسمن؟؟ رد عليها بذات التهكم: صدق همش على كرشش.. على طول سمن مرة وحدة.. ردت عليه بسخرية: أحب أجاوب الناس على قد تفكيرهم.. فرد عليها فورا: إلا وأنتي صادقة.. كل وعاء بمافيه ينضح.. كاسرة بنبرة مقصودة: أنا أبي أدري ليه مكلف على نفسك اتصال بدون سبب.. كساب بحزم: ومن قال بدون سبب.. أنا متصل أبلغش بشيء.. كاسرة قاطعته بحزم بالغ: أمي بلغتني.. مشكور.. وصل الخبر.. يعني دايما اتصالاتك بدون سبب ويوم صار عندك شيء مهم تقوله.. رحت تقوله لأمي.. وهي ما قصرت بلغتني.. وأنت خلاص مالك دور حينها ابتسم كساب بخبث: هذا كله متضايقة عشان ما أتصلت لش أول أبلغش.. اشتقتي تسمعين صوتي؟؟ بس على العموم أنا متصل أبلغش بشيء أمش ما تدري فيه.. أمش قالت لش بنسافر ليلة زواجنا.. بس ماقلت لها أني بأخذش من القاعة للمطار على طول.. فجهزي نفسش لذا الشيء يعني ممكن ترجعين لغرفتش في الأوتيل تبدلين بسرعة.. ونطلع.. رغم صدمة كاسرة البالغة مما قاله إلا أنها لم تظهر صدمتها وهي تهمس بثقة: وليش ذا الاستعجال؟؟ كساب ببرود: والله الحجز جاء كذا.. كاسرة حينها همست ببرود مشابه: زين كساب أنت ماشاء الله عندك أخت وخالة.. ممكن هم يبلغوني بذا التفاصيل.. مافيه داعي تتعب نفسك.. كساب حينها هتف لها بثقة: أخليهم يبلغونش لو أنا وأنتي ما بيننا تواصل.. لكن أخليهم يبلغونش وأنا أقدر أبلغش بنفسي هذا اسمه عبط.. كاسرة تريد انهاء الاتصال لذا همست بحزم: خلاص صار عندي خبر.. شيء ثاني..؟؟ حينها همس لها كساب بنبرة متلاعبة خافتة مثقلة بدفء مدروس: إيه.. فيه.. قولي لي تصبح على خير حبيبي عشان أسكر.. كاسرة حينها شعرت كما لو أن أحدهم صفعها على وجهها بكل قوته.. وطنين مرتفع يمزق تلافيف مخها بشكل مفاجئ صرت على أسنانها بغضب وهي تهمس بحزم بالغ: بصراحة مثل وقاحتك ما شفت.. حينها ارتفعت قهقات كساب على الطرف الآخر بينما شعرت هي أنها ستنفجر منه كانت ستغلق الهاتف في وجهه لولا أنها أوقفتها نبرته المتلاعبة بمهارة وهو يهمس بها بخفوت مثير: خلاص أنا أقول تصبحين على خير حبيبتي قال (حبيبتي) وهو يصر على أحرفها ببراعة دافئة بصوته المثقل رجولة وعمقا بينما كاسرة سارعت لإغلاق الهاتف في وجهه وهي تنتفض غضبا من أسلوبه الرخيص في التلاعب ولأنها رغما عنها شعرت بتأثر عميق غريب كرهته.. وشيء ما داخلها ينتفض مع همساته الدافئة التي لامست منطقة محظورة لم تمس مطلقا من قبل.. رغم أنها ليست المرة الأولى التي تسمع فيها غزلا.. بل سمعت غزلا أشد من ذلك وهي تتعرض للمعاكسات في الأماكن العامة..لم يثر فيها سوى الرغبة بصفع المعاكس هذه المرة ترغب أيضا لو كان كساب أمامها لتصفعه.. ولكن مع تلك الرغبة كان هناك إحساس غريب مجهول... كرهته حتى النخاع!! بينما هو على الطرف الآخر كان يهدف إلى شيء آخر من هذا التلاعب.. استراتيجية حرب تسمى تخدير مشاعر العدو..للوصول لمرحلة أخرى يتمنى بالفعل أن يرى هذه الصبية حينما تسلم رايتها.. يريد أن يشعر بها أنثى تذوب من كلماته.. ترتعش من همساته التي سيتفضل بها عليها يريد ربما أن يرضي غروره حينما يرى أنه أخضع هذه الأنثى القوية لما يريد.. وما يريده هو أن تكون هي كما يشاء يريد إعادة صنعها كيف يشاء مادامت قد ارتبطت به وأرتبط بها.. يعلم أنها مهمة عسيرة.. ولكن ليس عليه ليس عليه هــو !! *************************************** اقترب آذان الفجر .. هو لم يعد ولم يتصل.. ولم يرد على اتصالاتها ورسائلها حتى.. تكاد تذوب قلقا.. وحزنا.. حتى وإن كان غاضبا منها.. فلا يليق مطلقا أن يتصرف تصرفات المراهقين هذه فكلاهما شخصان ناضجان.. من المفترض أن يتعاملا مع مشاكلهما بالنضج الكافي.. ألا يكفي أنه رفض مجرد الجلوس والتحاور..رغم أنه دائما يتبجح أنه يرفض ترك مشاكله معلقه ثم بعد ذلك خرج بطريقة أقل مايقال عنها غير مهذبة.. ثم بعد ذلك كله يقتلها بالقلق عليه.. هذه الليلة هي الليلة الأولى بعد زواجهما التي تكون فيها وحيدة من غيره الليلة الأولى التي تقضيها ساهرة بعيدا عن حضنه لا تنكر أبدا أن شعورا مرا بالخواء تسرب إلى روحها.. وهي تجلس على سريرها وتنظر إلى مكانه الخالي جواره.. وتهمس بألم وهي تميل لتمسح المكان: الله لا يخلي المكان من راعيه.. تنظر لساعتها.. لم يبق على آذان الفجر شيئا.. من المفترض أن يكون في دوامه الآن.. فكيف يكون ذهب وهو لم يعد لارتداء بدلته العسكرية سالت دموعها حارة لاهبة رغما عنها.. شعرت أنها عاجزة عن سحب أنفاسها وضيق عميق يطبق على روحها أسندت رأسها لركبتيها التي ضمتها لصدرها وهي تجلس على سريرها لتهدر مزيدا من دموعها ودعواتها أن يحفظه المولى وألا يريها شرا به رنة رسالة انتزعتها من حالتها.. التقطت الهاتف بلهفة.. بقلق.. وتوتر.. سمت باسم الله وهي تفتحه: " أنا في الدوام طوّل العشا شوي.. فطلعت للمعسكر على طول" حينها ألقت بالهاتف جوارها وهي تشهق شهقات خافتة تبكي لأنها اطمئنت عليه بعد كل هذا الشد وتبكي لأنها غاضبة منه .. أولا تجاهل اتصالاتها ورسائلها كل هذا الوقت الطويل ثم حين يرد عليها.. يستكثر أن يتصل بها.. و يرد عليها بهذه الرسالة الباردة.. ****************************************** " والله ماهقيت الموضوع بيعدي كذا.. اللهم لك الحمد والشكر كنت قاعد ماسك على يدك وأنا أشوف أشلون يدك ترجف وعيونك تولع وأدعي ربي وأقول يا الله سترك.. يا الله سترك" عبدالله يسند رأسه للخلف بإرهاق عميق وهو يهمس بنبرة موجوعة: حتى أنا ماهقيت أني بأمسك أعصابي.. أنت بنفسك شفت أشلون كانت هي ومحاميها قاعدين يستفزوني تدري يا صالح كل ماطرى علي مشهد موت خالد.. أحس أني أبي أقوم أنط في حلقها.. وكل ماجيت بأقوم طرا علي حسن أقول فيه واحد مات وواحد حي.. من اللي محتاجني أكثر.. ساعتين التحقيق كانت عذاب .. حسيت أني بأموت من القهر والوجيعة صالح يبتسم وهو يربت على كتف عبدالله : الحمدلله يا ابن الحلال.. المهم أنه خلاص خلصنا.. وبكرة راجعين لديرتنا.. عبدالله يهمس بشجن موجوع: والله مافيني صبر.. ثم أردف بألم عميق: ظنك إن ابي بيبطي لين يسامحني ؟؟ *********************************** طرقات هادئة ترتفع على باب غرفة غانم الذي كان يستبدل ملابسه.. هتف بحزم: دقيقة ياللي عند الباب.. ثم فتح ليجد نجلاء أمامه.. هتف بترحيب وهو يقبل جبينها: حيا الله أم خالد.. ياهلا والله بالغالية.. حين دخلت لاحظ هالات سوداء حول عينيها توحي بإرهاق يخفي خلفه حزنا وتوترا وقلقا يتجاوز الإرهاق وكل معانيه غانم مد يده ومسح خدها بحنان وهو يهتف بقلق: نجلا اشفيش؟؟ تفاجئ غانم بل فُجع بها ترتمي على صدره وتنتحب.. فنجلاء بالذات معروفة لدى الجميع بسيطرتها على نفسها.. ونادرا جدا ما رآها غانم تبكي لذا علم أن خلف البكاء أمرا جللا لذا شدها لحضنه وهو يهددها: نجلا عسى ماشر ليش ذا الدموع؟؟ قولي لي جعلني فداش.. أفا عليش.. تبكين وإلا تتضايقين وغانم موجود.. نجلاء منذ سمعت حوار فهد وهزاع البارحة وهي دوامات صراع مزقت روحها.. لم تستطع أن تنم مطلقا وعشرات الصور المتخيلة الكريهة تقفز لذاكرتها لا تستبعد أبدا فكرة أن صالح قد يتزوج.. فهو سبق أن خطب أرملة عبدالله لكنها حينها لم تقلق.. لأنها كانت تعلم أن جوزا لن توافق عليه فهي بداخلها كانت مطمئنة أنه سيبقى لها.. ولكن أن يتزوج وبهذه الطريقة الجارحة لها.. لم يفعلها وهي غاضبة في بيت أهلها.. فيفعلها الآن بعد أن عادت إليه (ولكن هل أنتي فعلا عدت إليه يا نجلا؟؟ أتخدعين نفسكِ أم تخدعينه؟!) (حتى ولو.. نعم.. عدت له وأنا الآن في بيته لا يجوز أن يتصرف معي هكذا يريد أن يتزوج من حقي أن يحترمني ويصارحني لا أن يتزوج في السر ثم يريد أن يسكنها في بيتي) (الآن أصبح بيتكِ وأنتِ من هربت من البيت وصاحبه؟؟) (نعم بيتي.. وقبل ذلك زوجي لا يهمني البيت.. يهمني صاحبه يستحيل أن أتنازل عن صالح لسواي) (صحوة متأخرة جدا هذه الصحوة الآن تريدين صالح أين كنتِ طوال الأشهر الماضية وهو يرجوكِ ويسكب مشاعره تحت قدميك دون أدنى رحمة منك) (جرحني.. جرحني..!! وجرح الغاليين غال) (واعتذار الغاليين أ ليس غاليا مثلهم؟!) (مرهقة أنا.. يكفيني مابي لا تزدها علي أرجوك أشعر أني على شفير هاوية وأنتظر فقط من يدفع بي حتى أهوي) غانم تنهمر مشاعره مع هذه الباكية بين ذراعيه ولا تجيب عن تساؤلاته: أم خالد بس قطعتي قلبي.. وش اللي يخليش تبكين كذا؟؟ نجلاء بين شهقاتها: صالح تزوج علي أو بيتزوج علي.. حينها تصلب جسد غانم وشعرت هي بذلك وهو يبعدها عن حضنه لينظر إلى وجهها الذي تفجر احمرارا واضحا في بياضها وهو يهتف بغضب: وذا البكاء كله عشان صالح تزوج او بيتزوج إذا هو ماعرف قيمتش.. هلش يعرفونها مابه شيء يستاهل دموعش.. وصالح مهما صار يظل أخي وأنتي أختي..بغيتيه.. فهو رجالش وأبو عيالش.. ومهوب أول رجّال ولا أخر رجال يعرس ما بغيتيه.. بيت هلش مهوب عاجز منش حينها جلست نجلاء على السرير وهي تنتحب: هذا وأنا جايتك أبي مساعدتك تسوي فيني كذا غانم يتنهد: زين أشلون تبين أساعدش.. تبين أهدد صالح وأقول له لو عرست على أختي كفختك... تراني حاضر نجلاء تحاول تهدئة نفسها: لا أبي خدمة أبسط من كذا.. صالح جاي بكرة على رحلة من أمريكا ما أدري بالضبط أي وقت.. وأنت عارف فيه كم طيارة تنزل المطار جايه من عدة ولايات في أوقات مختلفة ويمكن يكون بيسافر ترانزيت.. أبيك تعرف بالضبط على أي طيارة هو.. غانم هز كتفيه: هذي سهلة.. أقدر أطلعها من السيستم.. وغيرها؟؟.. نجلاء بتردد: أبيك تستقبله وتشوف من هو جايب معه.. لأنه مهوب راضي حد يستقبله ولا يقول لأحد هو متى جاي وقلبي قارصني من ذا السالفة.. وخصوصا أنه طلب إن البيت يتشطب في السر هذا كله ما تشوفه شيء مريب.. حينها هتف غانم بغضب: ماهقيتها منك ياصالح.. عرس وفي السر يبي يعرس على بنتنا.. يأتي ويبلغنا لأن السنع كذا والله ماهقيتها منه أبو خالد... نجلاء تختنق ضيقا: الحين أنت سويتها سنع ومهوب سنع.. أنا ما أبي صالح يعرس علي.. في السر وإلا في العلن.. غانم يشير بيده : خلاص خلاص.. الحين وأنتي قاعدة بأطلع لش على أي طيارة جاي... هذا لو كان حجزه على الخطوط القطرية غانم أنهى عبارته وتناول هاتفه ليقوم باتصال سريع .. وكما هو معروف حجز الطائرات يكون باسم العائلة لذا أعطى الطرف الآخر اسم عائلته قبل اسم صالح.. الطرف الآخر بنبرة مهنية: أي واحد تسأل عنه صالح خالد آل ليث الـ وإلا عبدالله خالد آل ليث الـ.. غانم شعر كما لو أن قنبلة تفجرت في منتصف رأسه وريقه يجف تماما وهو يسأل بحذر: نعم عيد ما سمعتك.. الطرف الآخر بنفس النبرة المهنية: أقول عن أي واحد تسأل صالح خالد آل ليث الـ وإلا عبدالله خالد آل ليث الـ.. غانم شعر بعينيه تغيمان وروحه تُسحب منه وهو يحاول أن يهتف باصطناع فاشل: خلاص خلاص شكرا.. بأكون هناك.. ثم جلس بجوار نجلا على سريره.. شعر أن قدميه عاجزتان عن حمله..وأنه سيهوي ساقطا على الأرض نجلاء استدارت له بقلق وسألته: وش فيك غانم؟؟ غانم لا يستطيع حتى النظر إليها يخشى أن تفضح نظراته صدمته الكاسحة (معقولة عبدالله يرجع من الموت مستحيل.. مستحيل.. مـــســــحـــيــــل !! بس الاسم.. نفس الاسم ومع صالح على الطيارة عبدالله عبدالله حي؟؟ معقولة؟؟ إذا كان فعلا حي.. فتصرفات صالح كلها مبررة الحين ومفهومة) غانم يقفز لينتزع من الدولاب لباس الطيارين... رغم أنه عاد للتو من المطار ففي رأسه موال ما.. سيكون على متن الطائرة التي ستسافر بعد قليل.. لتعود في الغد.. سيسافر حتى لو كمساعد ثالث.. أو مجرد عضو في الطاقم لأنه هذه الطريقة الوحيدة ليسافر.. فليس هناك وقت ليحجز كمسافر.. لابد أن يتأكد بنفسه لن يستطيع الانتظار للغد.. نجلاء تفجر قلقها أمواجا عاتية.. وهي ترى غانما يتحول لآله لا تفكر.. وهو ينتزع ملابسه ويتجه بها للحمام ويلبس في أقل من دقيقة وينزل راكضا دون أن يغلق أزرار قميصه حتى ودون حتى أن يسمع نداءاتها ورجاءاتها الحارة التي تحولت بعد ذلك لشهقات عالية وهي تنهار على رخام غرفته البارد.. ********************************* كانت نائمة بعد الليلة المريعة التي قضتها البارحة من بعد صلاة الفجر استلقت على فراشها.. حاولت تنحية ألمها من تصرف منصور جانبا.. ولكنها لم تستطع.. قضت وقتا طويلا تفكر قبل أن تنام لا يخلو بيت من المشكلات.. ولا توجد علاقة بين زوجين تخلو من المنغصات تعلم ذلك جيدا.. ورغم أن منصور بدأ بالفعل يستحوذ على جزء كبير من تفكيرها ومشاعرها ولكن شخصيته الحادة المسيطرة توتر شخصيتها الرائقة الهادئة.. قد تقول أنهما قد يكونان هكذا متناسبان.. وهي بمرونتها تحتوي صلافته وتشدده.. ولكن الاحتواء في العلاقة الزوجية لابد أن يكون متبادلا لا يمكن أن تكون هي الطرف المحتوي طوال الوقت.. سيأتي حينها يوم تُستنفذ كل مرونتها وتنفجر.. ولشد ما تخشى ذلك.. فهي ليست هكذا.. ولطالما احتملت الكثير طوال حياتها..وأكثر من ذلك بكثير... ولكن أ لم يئن الأوان لترتاح؟! كانت هذه هي أفكارها حينما نامت وهي تشعر بصداع شديد..مازالت تشعر به حتى وهي نائمة.. فليلة البارحة كفيلة بتفجير أقوى صداع.. لم تتناول شيئا من بعد الغداء لأنها لم تتعشَ بعد مغادرة منصور عدا البكاء والتوتر وجلستها الطويلة المتصلبة في انتظاره فهل تحول الصداع لطرقات ناعمة على عضدها الآن؟! طرقات ناعمة على عضدها.. ثم همسات دافئة في أذنها.. ثم قبلات حانية على صدغها ويديها.. فتحت عينيها بخفة ثم عادت لإغلاقها لشدة إحساسها بالألم في رأسها وانتفاخ عينيها.. همست بألم دون أن تفتح عينيها: جيت حبيبي؟؟ وإلا ممنوع أقول حبيبي؟؟ منصور تمدد جوارها وهو يدخل ذراعه تحت رأسها ثم يضمها لصدره وهو مازال بلباسه العسكري الكامل حتى الحذاء والقبعة العسكرية ويهتف وهو يبتسم: إلا حبيبش ونص.. وإلا عندش حبيب غيري؟؟ حينها دفنت عفراء وجهها في صدره وبكت بشفافية: دام حبيبي ونص.. ليه اللي سويته البارحة..؟؟ منصور اعتدل جالسا بميل وهو يُجلسها معه ثم هتف بجزع: تبكين يا قلبي؟؟ أفا عليش.. ترا حتى منصور ما يستاهل دموعش سامحيني يالغالية.. أدري زودتها البارحة بس والله من غلاش عندي.. عفراء تجلس بشكل مائل وهي مازالت تسند رأسها لصدره وتهمس من بين دموعها التي تسيل بصمت وعيناها مازالتا مغلقتان: تدري منصور.. والله ماهمني اللي قلته البارحة كثر ماهمني اللي سويته فيني عقب يعني ماهان عليك تطمني عليك وانا محترقة من المحاتاة منصور بمودة شاسعة: سامحيني ياقلبي.. والله العظيم التلفون على الصامت في مخباي.. ما أحب كل شوي أرد إذا كنت في جمعة رياجيل كبيرة ومع إنه والله العظيم إن العشا ماطب حلقي بس السهرة طولت شوي ويوم شفت الساعة إلا دوامي مابقى عليه شيء طلعت للمعسكر دايركت وبدلت هناك.. وكان عندنا تدريب مبكر.. وقتها شفت اتصالاتش حتى المسجات مالحقت أفتحها.. طرشت لش على السريع ووالله العظيم إن قلبي قارصني عليش.. وعقب ماقريت المسجات ودريت إنش متروعة علي كذا حتى الدوام ماقدرت أكمله.. رجعت بسرعة عقب ماخلصت شغلاتي الضرورية.. ها سامحتيني وإلا لا.. لأني أنا ترا ماسامحت نفسي.. عفراء تقبل صدره مكان رأسها وتهمس بإرهاق: ما أقدر أزعل عليك ياقلبي.. بس تكفى ما تسويها فيني مرة ثانية.. حتى لو كنت زعلان علي.. منصور يهتف بحنان: زين يوم أنتي منتي بزعلانة.. بطلي عيونش أشوفها.. عفراء بصوتها المرهق: حاولت منصور بس ماقدرت.. عيوني منتفخة.. ورأسي بينفجر من الصداع.. شكله الضغط مرتفع عندي.. منصور بجزع: ضغط..؟؟ ثم أردف بغضب من نفسه: كله مني.. كله مني.. يالله قومي أوديش المستشفى.. عفراء برفض رقيق: مافيه داعي.. بس تكفى عطني بنادول من جنبك.. وبأنام شوي.. وبأقوم زينة.. أبي أنام بس.. منصور يتصل بالخادمة في الأسفل حتى تحضر حليبا باردا حتى لا تتناول المسكن على معدة خالية.. ثم يلتفت لعفراء ويهمس لها بحنان مصفى: والله يا قلبي مالي وجه منش .. سامحيني يالغالية.. أنا بأخليش تنامين الحين لكن لو رجعت وانتي تعبانة بأشلش غصب وأوديش المستشفى كان عندي موعد العصر.. خلاص بأروح له الحين.. عشان أتفرغ لش . . . . منصور كان متوجها لموعده حين رن هاتفه.. نظر للاسم ثم التقطه رد بابتسامة: هلا والله بالغالية.. صوتها الرقيق: الله يغليك عن ربعك.. رد عليها بمرح: أبي أكون غالي عند خالتش وبس.. ردت عليه مزون بابتسامة: وأنت غالي عند خالتي.. وعلى طاري خالتي أتصل عليها ماترد علي.. مهوب عوايدها راقدة لذا الحزة.. منصور يرد عليها بهدوء: خالتش راقدة.. تعبانة شوي.. توني خليتها الحين.. حينها أشرق وجه مزون وهي تهمس بخجل باسم تخفي خلفه سعادة عارمة: مبروك ياعمي.. بس توه ما يبين وحم.. صح وإلا أنا غلطانة؟؟ حينها انفجر منصور ضاحكا: ياحليلش يامزون.. وين راح مخش؟؟.. بتباركين لنا إن شاء الله قريب.. بس مهوب الحين تو الناس.. وجه مزون اشتعل احمرارا وهي تسب نفسها (صدق إني ملقوفة.. حامل وإلا مهيب حامل.. مالقيت حد أبارك له إلا عمي.. بس اللي صار.. فلتت الكلمة) همست بخفوت تخفي خلفه حرجها: زين أقدر أروح لها.. منصور بحنان: والله يأبيش هي الحين نايمة... تعالي العصر.. . . . بعد نصف ساعة " ها يا دكتور؟؟ طولت فحوصك" الطبيب يرفع عينيه عن الأوراق أمامه استجابة لعبارة منصور الحازمة.. ويبتسم: شوف يا أستاز منصور.. زي مائلت لي تمام في الفحص اللي عملته ئبل.. أنت عندك مشكلة بسيطة خالص.. وعلاجها سهل خالص كمان.. ومضمون بإزن الله مية في المية.. منصور بحزم: هذا كله أنا عارفة.. متى بنبدأ العلاج.. وأهم شيء متى بيعطي نتيجة.. الطبيب بابتسامته المهنية: ست سبع شهور بإزن الله وتكون في السليم.. منصور قفز بشكل حاد وهو يميل على مكتب الطبيب ويهتف بغضب: نعم وش قلت؟؟ الطبيب رغما عنه انكمش قليلا وهو يرى طول منصور الفارع يميل عليه وهتف بصوت أخفت: بائول ست سبع شهور بس.. منصور شد له نفسا عميقا ثم عاود الجلوس وهو يهتف بثقة: أنا ما اقدر أصبر حتى شهر واحد.. أبي نتيجة فورية.. الطبيب بذات النبرة المهنية: استاز منصور اللي بتئوله مش منطقي خالص دا طب.. مش سحر زي أفلام الكارتون.. يعني الدوا لازم ياخد وئته ومفعوله.. عشان يجيب نتيجة حينها وقف منصور وهو يهتف بحزم: هذا أخر كلام..؟؟ الطبيب هز كتفيه: أكيد أخر كلام.. ولو رحت لألف دكتور هيئول لك نفس الكلام.. منصور بحزم بالغ: خلاص مع السلامة.. الطبيب باستغراب: والعلاج؟؟ منصور بذات نبرته الحازمة: خلاص ما أبي أتعالج.. الطبيب باستغراب أشد: استاز منصور.. كلو بإزن الله.. بس لو أنته ماخدتش العلاج.. مستحيل يصير حمل منصور يغادر: بعد ست وإلا سبع شهور الله عالم وش يصير.. منصور غادر العيادة وضيق غاضب يتصاعد في روحه على كل الأطباء الفاشلين.. كان صعبا عليه أن يتخذ قرارا بالعلاج.. لأنه كان مقتنعا بعدم رغبته بالأطفال.. ولكنه رأى أن الوسيلة الوحيدة التي ستربط عفرا به هي طفل.. فإذا كانت مستعدة أن تتخلى عنه من أجل ابنة ماعادت تحتاجها فمن باب أولى أنها ستتمسك به من أجل طفل هو من يحتاجها.. بدت الفكرة له أول مافكر بها : مقيتة وجارحة ومهينة.. أن يفكر هو العقيد منصور أن يربط امرأة به رغما عنها ولكنه كما قال لعفراء.. فكر بطريقة العساكر.. الأهم فالمهم.. والأهم عنده هو عفرا.. وعفرا فقط.. بعد ذلك بدت له الفكرة غير سيئة إطلاقا.. بل مثيرة وجذابة وإنسانية لأبعد حد.. يكون أبا.. ولطفل من عفرا.. وبعد ذلك وهو يجري الفحوصات سيطرت فكرة الطفل عليه تماما وهي تلغي كل أفكاره البالية القديمة فعلا شروط وأنت على البر مختلفة حينما تدخل البحر.. هو الآن يريد درزينة من الأطفال إن كانت عفراء أمهم.. لكن بما أن العلاج يريد وقتا.. يريد أن يضمن قبلا أن عفراء ستبقى معه.. ومن أجله هو فهو لا يستطيع منعها من زيارة ابنتها طوال هذا الوقت.. ورغم كل الضيق الذي يشعر به لفشل مخططاته ولكنه لن يستسلم.. لن يتخلى عن عفراء بعد أن وجدها.. لذا فلينقل معركته إلى ساحة قتال أخرى ******************************************* عاد منصور بعد صلاة الظهر محملا بضيقه المتزايد الذي لم يظهره للسطح.. دخل إلى غرفة نومه متسللا بهدوء حتى يرى إن كانت قد نهضت من نومها ولكنه تفاجأ أنها غير موجودة والغرفة مرتبة ومبخرة.. رغما عنه لا يستطيع دفع هذا الألم المتزايد الذي يطبق عليه بشراسة حينما يتخيل حياته تعود خالية من وجود عفراء.. ولمسات عفراء ..وحنان عفراء أي حياة هذه؟؟ الحياة ستكون محض قبر موحش بدونها.. تنهد وهو يغلق باب الغرفة لينزل بحثا عنها ليتفاجأ بها خلفه.. متأنقة له كعادتها..مبتسمة كعادتها قبل جبينها وهو يسألها باهتمام: شأخبارش الحين؟؟ ابتسمت له برقة: طيبة مافيني شيء.. كنت أدلع عليك بس.. منصور بحنان: واللي تبي تدلع ومش منزلها..؟؟ ليه ماقعدتي ترتاحين في غرفتش..؟؟ عفراء برقة: رحت أسوي لك غدا مخصوص.. مهوب كفاية إنك ماتعشيت البارحة.. واكيد ماتريقت اليوم.. منصور مد ذراعه ليلف بها كتفيها ويعود بها لغرفتهما وهو يهتف بمودة مصفاة: لا تعبين نفسش تكفين.. أنا باكل أي شيء حتى لو شاهي وخبز.. عفراء تبتسم: حضرت العقيد يتغدى شاهي وخبز.. لا والله مايكون منصور بولع حقيقي أخفى خلفه حزنه وتوجسه من المجهول: الله لا يخلي العقيد منش .. والعقيد يسألش يقول متى تبي تسافرين لجميلة تراه حاضر شعر بارتعاش كتفيها تحت ذراعه وهي تهمس بتردد عذب: يعني لو بغيت أسافر عقب عرس كساب على طول.. مايأثر على شغلك؟؟ منصور بثقة: شغلي باخلصه قبل عرس كساب.. بكرة أو بعد بكرة باخلصه إن شاء الله وتبين عقب عرس كساب على طول رحنا..؟؟ حينها مدت عفراء جسدها وهي تقف على أطراف قدميها حتى تطوق عنقه وهي تهمس بسعادة غامرة: مشكور يابو زايد مشكور.. الله لا يحرمني منك.. ************************************ " ياحياها الله عروستنا" مزون بحرج: أي عروسة خالتي الله يهداش.. أنتي العروس.. عفراء تبتسم: أي عروسه الله يهداش أنتي.. عقب ماشاب ودوه الكتاب.. مزون تبتسم وهي تميل على كتف خالتها تقبله: وأحلى عروس بعد.. وهذا أنا شايفتش قدامي منورة ليه عمي خرعني عليش وقال تعبانة... وإلا العم العزيز يبي يزحلقني بس عفراء بمودة: لا والله كنت تعبانة شوي بس الحين زينة.. حينها ضحكت مزون وقالت: تدرين خالتي شر البلية مايضحك.. اليوم جبت العيد عند عمي يوم قال لي تعبانة.. قلت له على طول مبروك..حسبتش حامل.. يا الله ياخالتي.. فشلني عمي من قلب... غصة مجروحة قفزت فورا لحنجرة عفراء وهي تشعر بألم صدمة موجعة استنزفت مشاعرها الرقيقة.. وبدلت فرحتها الشفافة التي شعرت بها اليوم..إلى حزن امتهان موجع لكرامتها وأنوثتها (حتى مع بنت أخيه وبنت أختي.. عادي عنده يبين إنه مايبي عيال مني ماحتى احترمني قدامها أشلون الحين أحط عيني في عينها) لم يمر حتى يوم واحد على مافعله بها البارحة حتى يطعنها طعنة جديدة اليوم!! عفراء تشاغلت بصب الشاي لمزون وهي تنحي عبراتها التي تجمعت في حلقها جانبا وتحاول أن تتحدث بنبرة طبيعية: خلش مني أنا وعمش منصور.. ما تشوفين أنش طولتي وأنتي تفكرين في سالفة عيال آل ليث حينها غام وجه مزون بشفافية وهمست بذات الشفافية: تعبت خالتي من كثر ما فكرت.. أقدر قول لش قراري وخلاص.. عفراء باستغراب حنون: أكيد تقدرين مزون بهدوء شفاف: ما أبي ولا واحد منهم.. عفراء بصدمة: من جدش؟؟ وش ذا ؟؟ يأمش فكري زين هذا عرس مهوب لعبة مزون هزت كتفيها: والله فكرت وصليت واجد.. وهذا للي الله هداني له.. صعب علي خالتي أرضى بواحد وأرفض ولد عمه..يمكن لو كان واحد منهم هو اللي تقدم لي كان تفكيري اختلف بس الحين الله سبحانه خلاهم يخطبون مع بعض عشان أرفضهم كلهم.. عفراء بذات الصدمة: خلش من ذا الخبال والأفكار المثالية.. زين وكلهم تقدموا.. ترا ماحد منهم يدري بخطبة الثاني مزون بعذوبة شفافة: بس يوم أوافق على واحد منهم.. الثاني بيدري.. تخيلي فشيلته وحتى ضيقه من ولد عمه.. عفراء باستغراب غاضب: كيفه هو وولد عمه.. يحلون مشاكلهم بنفسهم.. فكري في مصلحتش وبس.. مزون تنتهد: خالتي أنتي خايفة انه ماعاد يجيني خطاطيب.. صح؟؟ وحدة مثلي ويجيها اثنين ماعليهم كلام.. وترفضهم.. تكون تردي نصيبها.. هذا تفكيرش صح؟؟ عفراء بجزع حنون: أشلون طرت ذا الأفكار على بالش.. يابنتي مهوب زين نطب النصيب الزين يوم ياتي.. والا الخطاطيب يا مالش من الخير جاي.. مزون عاودت التنهد بعمق أكبر: على قولتش خالتي..الخير جاي وترا ياخالتي واحد+واحد= اثنين.. يعني لاحظي ماحد خطبني لين خليت الطيران حتى الطيار اللي كان معي.. معنى كذا أن العيب الكبير مهوب فيني لكن في دراستي وشغلي.. ومعنى كذا لي نصيب عاده جايني الله ما كتبه.. شفتي ياخالتي الشينة اللي فلوس ابيها تنفقها هذي أنا.. كنت أقول أول حتى لو أنا مهوب حلوة.. المثل يقول (الدراهم مراهم تخلي الوحشة حلوة واللي مش فاهم فاهم) بس أثر الطيران عيب غطى حتى على حلاوة الفلوس وهذا هو العيب انكشف.. لو لي نصيب بياتي.. عفراء بغضب: مزون وش ذا الكلام السخيف.. أنتي مافيش قصور ومهوب أنتي اللي تزينها الفلوس ثم أردفت بحنان : أنتي على قولت ابن فطيس: زينش يزينه فعل أبيش وجدش....... وأنتي بدورش للنقا كسابة مزون بألم: خلاص خالتي خلي لكل وحدة قناعتها.. أنا فعلا ما أبي أتزوج الحين والمشكة بيني وبين كساب ما انحلت.. عفراء رفعت حاجبا وأنزلت آخر: قولي إن السالفة فيها كساب.. بدون ذا الخرابيط كلها.. مزون نظرت لساعتها: خلاص ردي صار عندش بلغيه عمي وكساب وعلي الحين بيجي يأخذني حينها انتفضت عفراء بخفة: مزون حبيبتي اقعدي عندي عمش يقول عنده بكرة شغل من فجر وماراح يرجع إلا بكرة في الليل متاخر امسي عندي الليلة.. عفراء تريد أن تبقى مزون عندها كدرع تحتمي به من منصور الذي تشعر بغضب عميق منه.. ولا تريد أن يكونا لوحدهما الليلة فرؤيته دون حاجز حامي ستفتح جروحها التي بدأت تتكاثر منه... مزون أجابتها بمودة: يا ليت أقدر بس تدرين ابي ما يرضى بس أوعدش بكرة أجيش من بدري وأسهر عندش لين متأخر الليلة خلي حضرت العقيد يشبع من قعدتش بدون عزول.. عفراء تنهدت بوجع (شيدريش أني أبيش تقعدين عزول) لم تكن عفراء مطلقا تريد أن تبقى وحيدة مع منصور هذه الليلة فبقائهما وحيدين سيفتح مساحة للبوح هي غير مستعدة لها مع تعاظم تجريح منصور لها.. حتى وصل إلى حد السخرية بها أمام ابنتها مزون غادرت.. وخلا المكان على عفراء وأعشبت مساحات الألم التي وجدت لها مرتعا خصبا من غضب وعتب وألم.. قد تقبل أي شيء منه إلا أن يهينها أمام أبنائها.. تقبل بأي شيء إلا أن يكسر صورتها أمامهم.. فكيف واتته الجرأة أن يذكر أمام مزون أنه لا يريد أطفالا منها؟؟ أي زواج هذا الذي يكون خاليا من أدنى احترام مفترض بهذه الصورة تنهدت بعمق لاسع.. وزفرت غضبها بحرارة.. رغم أن عمر زواجها القصير لم يخل من إساءات منصور لها ولكن من بين كل الإساءات هذه كانت الأعظم بلا مقارنة.. ما بينهما - مهما كان جارحا- صداه محدود بينهما لكن أن ينقله خارج حدودهما فهذا يعني انتشارا لا محدودا لصدى الجرح.. فهل كان يهدف من ذلك إلى الانتقام منها لما حدث البارحة حينما ناقش شرطها؟! أ يعقل أن منصور قد ينحدر إلى هذا التفكير المنحط الدنيء؟؟ أ يعقل؟؟ ثم كيف يكون حقا له أن يناقش شرطها ويغضب منه بينما شرطه لا يُمس ولا يُناقش كأنه حقيقة مُسَلمة لدرجة أن يُشرك مزون فيه بأي صورة حتى لو كان مزاحا؟؟ ألا يكفي معرفة كساب له إحراجا لها؟؟ بينما شرطها له سر بينهما لا يعرفه سواهما فهل هكذا الشهامة في عرفك يامنصور؟؟ ألا يكفي أنه فعلا بدأت تسيطر عليها رغبتها بإنجاب طفل منه..باتت تتخيل أطفالا يشبهونه.. ولهم نفس عنفوانه الآسر ولكنها يستحيل أن تضايقه بهذا الطلب وهي تقمع هذه الرغبة التي هي حقها الطبيعي ثم بعد ذلك يزيدها عليها بتصرفاته.. كيف يريدها أن تقتنع أنه يحبها وحريص عليها لدرجة هذا الغضب الهادر من شرطها.. وهو يتصرف معها على ها النحو الذي يثبت أن كلامه محض ادعاء وكذب فكلامه شيء وتصرفاته تثبت عكس مايقول.. تستطيع أن تخبره ببساطة أن شرطها كان خط حماية لحياة مجهولة معه لا تعلم كيف ستكون وأنها لو أيقنت أنه سيكون الحماية والاحتواء لها ولابنتها .. فشرطها لا داعي له ولكنه لم يشجعها على ذلك وهو يثير في روحها قلق دائم من حياتها معه.. التهمها هذه الأفكار وهي تدور في البيت.. تحاول الالتهاء فلا تلتهي عن أفكارها كانت غارقة في أفكارها وهي تجلس على أريكة في صالة الطابق العلوي حين فوجئت بمن ينحني عليها من الخلف ويقبل رأسها..وهو يلقي السلام ردت السلام بهدوء استدار ليجلس جوارها وهو يهتف بحنان: أشلونش الحين يا قلبي؟؟ (قلبك يا النصاب؟!) هكذا قالت عفراء في ذهنها وهي ترد بنبرة محايدة: الحمدلله تمام.. تبي عشا؟؟ مد يده ليطوق كتفيها وهو يشدها ناحيته ليقبل خدها وهو يجيب: متعشي في المجلس.. ولكنه فوجئ بها تنفض كتفيها وتنهض.. فهي لا تستطع تقبل لمساته بعد ما تظنه فعله حينها هتف بحزم غاضب وهو مازال جالسا وهي واقفة: عسى ماشر؟؟ عفراء بذات النبرة المحايدة وهي تستعد للمغادرة: مافيني شيء تعبانة وأبي أنام.. فوجئت به يقف وينتزعها من عضدها بحزم: ياويلش مرة ثانية تخليني وأنا أتكلم معش.. عفراء همست بنبرة حزم لم يعتدها منها: أيش بتسوي يعني؟؟ بتضربني؟؟ ولو سمحت فك يدي لأنك آجعتني.. منصور أفلت عضدها وهو يهتف بحزم: مهوب أنا اللي أمد يدي على مرة.. بس أنتي الليلة منتي بطبيعية.. خليتش المغرب مافيش شيء عفراء تشعر أنها تريد أن تبكي وتمنع نفسها وهي تدفع القوة في عروقها: يعني ما يحق لي مرة أزعل أو أتضايق وأنت تستحملني شوي.. منصور بذات النبرة الحازمة التي حملت هذه المرة دفئا عميقا: أنا استحملش عمري كله.. بس أظني أنش صرتي عارفتني.. أسلوب المراوغة ما أحبه.. وأنتي مبين أنش زعلانة مني.. قولي لي أيش اللي مزعلش.. عفراء حينها تنهدت بألم رغما عنها.. وشعر منصور أن تنهيدتها نفذت من صدره ولم يشعر بنفسه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويهتف لها بحنان مصفى: وتنهيدة بعد .. أفا يا الغالية.. وش اللي مضايقش؟؟ أدري أني أجيب الهم والضغط... بس والله ذا المرة ما ظنتي إني سويت شيء علميني منصور أبو دم ثقيل وش سوى؟؟ عفراء اشاحت بوجهها لتبتعد عن مدى كفيه.. حينها تأخر منصور للخلف وهو يهتف بحزم عاتب: وحتى أقل لمسة ما تبينها مني... والله أن الزعلة كايدة.. شوفي خرابيط خلني بروحي.. وأبي أختلي بنفسي.. هذي ما أبي أسمعها الحين تقولين لي وش اللي مزعلش مني؟ حينها رفعت عفراء عينيها الغائمتين له وهمست باختناق:زين يوم أنت حريص على الحوار ليش أمس طلعت وخلتيني وأنا أقول لك اقعد نتفاهم وإلا بس هذا حقك بروحك؟؟ وعلى العموم خلنا في اليوم...تشوف إن الكلام اللي قلته لمزون مايزعل.. ليش تسوي فيني كذا يا منصور؟؟ ممكن أقبل منك أي شيء إلا إنك تفشلني في عيالي.. منصور بصدمة: أنا فشلتش في مزون.. شكلش تخيلين شيء ماصار.. عفراء بألم أكبر: وبعد شايف إن اللي أنت قلته لها مافيه شيء.. خلاص منصور.. ما قصرت.. تصبح على خير.. منصور بغضب: وش تصبح على خير ذي.. تقطين الكلمة وتروحين.. مافيه.. اقعدي وفهميني.. حينها جلست عفراء وانخرطت في بكاء خافت وهي تشهق: بس منصور حرام عليك .. لازم توصلني لأخري.. ارحمني الله يرحم والديك منصور حينها استعد لمغادرتها لغرفته وهو يهتف بغضب حازم: ذا اليومين ما أدري وش فينا... شياطيننا متركزة.. الله يكفينا شرها.. بأخليش يأم جميلة.. بأروح أنخمد وراي شغل من فجر.. وانتي اشبعي بالتفاهم مع روحش يمكن توصلين مع روحش لحل لمشاكلش مع رجّالش اللي طلعتيه من السالفة.. عفراء رفعت عينيها وهي ترى ظهره داخلا لغرفتهما ثم يغلق الباب خلفه بدوي هائل كأنه سيحطم الباب انتفضت من الصوت وهي تستغرب قوله لها أم جميلة.. هي بالفعل تحب أن يُقال لها أم جميلة.. ولكنها المرة الأولى التي يقولها لها منصور ( أ هذه رسالتك الجديدة يا منصور فلست زوجتك عفرا ولكن أم جميلة فقط أ تشير إلى أنني قد أختار جميلة عليك.. لذا يجب أن أكتفي بكوني أما لها وليس زوجتك وشريكة حياتك؟؟ ماذا أفعل يا منصور إن كنت لا تسمح لي أن أكون أما لسواها.. هل تظن أنه لو كان بيننا أطفال أنني قد أتركك.. أقسم لك أنني لا أريد تركك بدون أطفال.. فكيف لو كان هناك مايربط بيننا.. أريد أطفالا تكون أنت والدهم.. ولكنك ترعبني من الحياة معك.. تعبت يا منصور.. تعبت ونحن ما زلنا في أول الطريق يا لك من رجل مستبد متسلط.. لا تكتفي بأوساط الحلول ولا أوساط المشاعر!!) قضت عفراء ليلتها جالسة في الصالة.. صلت هناك وأخذت من سجاجيد وأجلة الضيوف لم تدخل على منصور ولم تستبدل ملابسها ولم تأخذ سجادتها تشعر أنها منهكة تماما من التعب والتفكير .. تمددت بشكل مائل على الأريكة ونامت.. صحت على هزات حانية على كتفها ..فتحت عينيها ..حين رأت وجه منصور القريب وملامحه المرهقة شعرت أن عبرتها قفزت لحلقها وقف وهو يهمس لها بعتب عميق مخلوط بالحزم: قومي نامي في غرفتش.. المتوحش اللي بيأكلش طالع لشغله.. البارحة ماجاني نوم.. وأنا أقول كل شوي بتجيني.. لأني كنت أظن أنه مايهون عليش تنامين بعيد عن حضني مادريت قلبش قاسي كذا.. أنهى عبارته.. ونزل.. وعفراء يتنازعها الاستغراب والألم من أشياء ثلاثة.. كلامه العاتب لها وهو يحملها مسؤولية ماحدث كله ويبرئ نفسه.. وأنه نزل بثوبه وغترته.. وليس بلباسه العسكري.. وأنه كان يحمل حقيبة صغيرة في يده!! **************************************** في صالة الانتظار لصعود الركاب مازالت البوابة لم تفتح.. ولكن لم يعد به صبر.. قضى البارحة ليلة منهكة في رحلته وهو يتطفل على الطاقم كعضو زائد لم يكن له عمل.. ولم يستطع مطلقا أن ينام.. وهو لم يكن قد نام قبلها.. ليصبح له يومين متواصلين لم ينم.. وهاهو يدخل اليوم الثالث.. كان يريد الوقوف عند البوابة تماما حتى يراهما فور وصولهما.. ولكنه رأى أن هذا سيكون محرجا له ولهم.. عدا أنه مازال عاجزا عن التصديق يريد له جوا ومكانا يستطيع التحكم بنفسه فيه لذا بقي جالسا في زاوية الصالة ينتظر وصول الركاب علاقته بابناء عمه علاقة أخوة خاصة.. فإن كان الله لم يرزقه بأخ سوى بصالح الصغير قبل عام.. فلطالما اعتبر ابناء عمه خالد أخوة له كان خبر وفاة عبدالله فاجعا له كما كان فاجعا لصالح وفهد وهزاع وماهزَّ غانم أكثر أنه يعلم قُرب عبدالله من عمه.. كان يعلم أن فجيعة عمه هائلة في هذا الشاب الذي انطفئت شمعة حياته في زهوتها لم يكن أبلها كي لا يلاحظ أن عمه منذ وفاة عبدالله وهو يزداد وهنا وضعفا يحاول إخفائه خلف صلابته المعتادة لطالما شعر غانم بغصة كلما رأى حسن الصغير .. طفل يتيم لم يعرف له أبا .. وغصة أخرى حين يرى شدة شبهه بعبدالله.. صورة من والده.. وكأن الله عز وجل يريد أن لا ينتهي امتداد عبدالله فإذا بأصل هذا الامتداد موجود.. لم يمت.. أي صدمة هذه؟؟ يفكر غانم الآن بعمه.. عمه بالذات.. كيف ستكون ردة فعله.. كانت هذه أفكار غانم.. حينما التقطت عيناه الجسدان اللذان يعبران البوابة انتفض بعنف حاد..كأنما أصابته حمى حقيقية.. أحدهما رآه منذ أيام فقط.. لكن الآخر مضت سنوات منذ آخر رآه.. هـــو بذاته.. يبدو أكبر قليلا.. لكنه هــو.. هو عبدالله.. طوله وعرضه وحتى وسامته التي لم يستطع أحد منهم منافسته فيها رغم كل ما فعله غانم وهو يأخذ هذه الرحلة ويأتي بنفسه لواشنطن حتى يتأكد لكنه في داخله كان عاجزا عن التصديق.. إذا كان لم يمت فأين كان طيلة السنوات الماضية؟؟ وهاهي شكوكه كلها تتفجر أمامه وعيناه تتبعان بصدمة الشقيقين حتى جلسا انتظارا لموعد صعود الطائرة بعد دقائق.. كان يحاول أن يقف فلا يستطيع.. وتفكيره يعود مرة أخرى لعمه.. بل حتى لوالده.. إذا كان هو لم يحتمل رؤية عبدالله حيا.. ومازال عاجزا عن الاستيعاب ومشاعره تضغط عليه بعنف غير معقول.. خليط من سعادة وصدمة هائلتين.. فكيف ستكون ردة والده وقبل ذلك ردة فعل عمه؟؟ قلقه يتصاعد عليهما من شدة الصدمة.. ختاما حاول شد نفسه وهو يتوجه لهما.. حينها كان صالح وعبدالله مستغرقان في الحديث.. الذي قطعه عليهما الظل الطويل الذي وقف جوارهما وهو يضع يده على كتف عبدالله عبدالله رفع عينيه..شهق بصدمة.. ليقفز بعدها مباشرة.. وهو يحتضن غانما دون تفكير لم يفكر حتى كيف أن غانم هنا.. أو لماذا؟؟ لم يشغل نفسه سوى بفرحة عميقة اخترقت قلبه الذي أثقله الحرمان سعادة عميقة وهو يرى رائحة أخرى من روائح أهله الطيبة تقف أمامه.. أراد أن يطفي بعضا من شوقه.. جوعه لكل واحد منهم.. أراد أن يشعر باحتواءهم يسكن أيام غربته وضياعه.. بادله غانم الحضن بحضن أشد وكأنهما كلاهما يريدان تعويض سنوات متطاولة مرت دون سلام.. دون تحية.. دون دفء مودتهما المتبادلة!! ووعشرات الذكريات المشتركة تغتال أفكار كل منهما!! صالح يهمس بابتسامة : فكوا ياجماعة الخير.. فضحتونا.. يفكرونكم تسوون فيلم هندي.. صالح لم يستغرب رؤية غانم.. فغانم طيار وارجع رؤيته إلى رحلة مصادفة.. أفلت كل منهما الآخر وكلاهما يحاول منع عبرة متجبرة من القفز لحلقه.. وغانم يهتف بترحيب عميق عميق: الحمدلله على سلامتك.. ليجيبه عبدالله بتأثر أعمق: الله يسلمك.. بارك لي إن عيني قرت بشوفتك.. غانم بشجن: وين كنت ذا السنين كلها؟؟ قبل أن يجيب عبدالله سارع صالح ليجيب بنبرة حاول أن تكون غاية في الطبيعية: صارت له شوي مشاكل.. توه خلص منها.. وموته خبر وصلنا بالغلط.. نظر غانم لصالح .. وفهم أنه لا يريد التحدث في الموضوع أو الأسباب.. وفي ختام الأمر غانم لم يهتم بالسبب.. مادام ابن عمه أمامه سليما معافى فأين كان قبل ذلك لا يهمه بأي حال من الأحوال.. فهو من معرفته لعبدالله يعلم أن السبب لن أبدا يصل إلى الدين أو الشرف.. وماعدا هذين الأمرين لا يهمه.. لذا رد بمودة عميقة: المهم إنه قدامي مافيه إلا العافية .. غير كذا ما يهمني.. عبدالله بلهفة: أشلون عمي؟؟ وأشلون أم غانم وخواتك؟؟ واخوانك الصغار؟؟ صالح علمني إنه صار عندك تالي أخت وأخ.. غانم ابتسم: كلهم طيبين وبخير .. وإيه عندنا صالح ومها.. صالح يبتسم بسعادة: سميي صالح طير حوران.. وعمك مهوب هين.. جاب اثنين قبل يحيلونه للتقاعد أما عاد خواته.. تحشم.. تسأل عن المدام وأنا موجود.. حينها التفت غانم وهمس له بابتسامة كبيرة: أما على طاري المدام.. شكلك بتعلق من كراعينك إذا رجعت الدوحة.. غانم يضحك: أفا ياذا العلم.. ليه وش مزعل أم خالد علينا.. غانم يضحك: مرتك الجديدة أنت رايح تجيبها من أمريكا غانم أخبر صالحا الحكاية على عجالة وهو يضحك.. ومعها سبب حضوره وهم يتجهون لداخل الطائرة.. بينما عبدالله كان فقط يستمع باستمتاع حد الوجع.. حتى النخاع أن يجد نفسه يعود لجوه الأسري.. مشاكلهم الصغيرة ...مشاحناتهم الدافئة... كل هذا دفع دفئا شفافا إلى روحه المثقلة بالبرد والجمود.. ************************************ بعد حوالي 14 ساعة.. الطائرة تحط في مطار الدوحة الدولي ينزلون ثلاثتهم لأرض المطار.. قلب أحدهم يذوب..يذوب.. يذوب حينما لفحت وجهه حرارة الجو.. شعر كما لو أن هذه الحرارة تنزل في روحه بردا وسلاما.. رغما عنه سالت دموع حاول جاهدا كبحها فلم يستطع.. لم يظن أنه قد يعود إلا في أحلامه العذبة المستحيلة بقيت الدوحة وأهلها حلما مستحيلا عذّب ليالي سهده الطويلة بمشاعر لا قياس لها من الألم والشوق والوجع كم ليلة صحا من نومه وهو يئن كأنين الملسوع..الذي يشعر بسريان السم في جسده.. يشعر أن جسده وروحه يتمزقان ألما لايستطيع رده لأنه كان يرى في الحلم أنه هنا ثم حين ينتفض من السعادة ويقفز.. يجد نفسه هناك.. ليبدأ في أنين مكتوم ينزف فيه جروح قلبه.. أنين سريان السم في الجسد.. أنين يكتمه بوضع طرف اللحاف في فمه حتى لا يوقظ الصغير النائم جواره بشدة أناته التي ترتفع بحرقة يشعر بألمها تمزق أمعائه ويبقى يئن.. ويئن.. حتى صلاة الفجر.. ينحني حينها على سجادته ويدعو ربه بلوعة: أشعر أني أموت يا الله.. وروحي تذوي أعلم أن الموت أفضل من هذه الحياة.. ولكن هذا الصغير لا أحد له سواي أبقني بقوتي من أجله.. أرجوك يارب.. كل ليلة أشعر أنك ستنزع روحي من مكانها أعلم أن ذنبي كبير.. ولكن رحمتك أكبر يارب العالمين حينما ينهي صلاته ودعواته الطويلة.. يعود ليلقي جسدا متهالكا بجوار خالد الصغير.. يضمه لصدره.. وينام ساعات قليلة قبل أن ينهض لينخرط في حياة باردة مملة موجعة.. لا يوجد فيها سوى خالد وفيصل.. وأنينه الليلي الموجوع وأحلامه تأخذه إلى بلده وأهله.. ثم اليوم يجد نفسه هنا.. هنا في بلده.. وقريبا يرى أهله.. ( أحقا أنا هنا؟؟ أ حقا لست أحلم؟؟ أ هذه أنتِ الدوحة؟؟ أيام الطفولة وليالي الصبا وابتسامات الشباب؟؟ أ حقا لست أحلم؟؟ إن كنت أحلم فلا توقظوني أرجوكم.. لا توقظوني ماعاد في روحي مكان للأنين والحرقة والحسرة) أيقظه من أفكاره يد صالح تشده: عبدالله مطول وأنت واقف على الدرج؟؟ الناس كلهم نزلوا حينها التفت عبدالله وهمس لصالح باختناق: صحيح يا صالح أنا في الدوحة؟؟ ابتسم صالح بألم وهو يشعر بألم شقيقه: ليه الحر ذا كله ماعطاك كف على وجهك وقال لك مرحبا بك أنت في الدوحة؟؟ حينها أكمل عبدالله الخطوات المتبقية للأسفل ثم سجد ليقبل أرض المطار صالح بصدمة كان يشد عبدالله وهو يهتف بغضب: وش تسوي يا الخبل؟؟ عبدالله ابتسم وهمس بكل شجن العالم: أنا نذرت لو الله كتب لي أرجع يوم للدوحة هذا أول شيء بأسويه.. أحب أرضها.. غانم وصلهما من خلفهما وهو يهمس بتأثر يخفيه خلف ابتسامته: والله وصاير الأخ حساس.. عقب ماترس روسنا فلوع.. أكملوا طريقهم وغانم يأخذهم معه على باص الطاقم وصالح يهتف لهما: غانم يأخيك أبيك أنت تأخذ عبدالله لبيتي وأنا باكلم فهد وهزاع ينتظرونكم هناك.. وتراني مخليها مفاجأة لهم.. ومابغيتهم يستقبلوننا في المطار ينصدمون قدام العالم... وأنا بأروح أجيب حسن ولد عبدالله وبجيكم هناك... #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثلاثون بعد رحلة طويلة استغرقت حوالي 14 ساعة.. الطائرة تحط في مطار الدوحة الدولي ينزلون ثلاثتهم لأرض المطار.. قلب أحدهم يذوب..يذوب.. يذوب حينما لفحت وجهه حرارة الجو.. شعر كما لو أن هذه الحرارة تنزل في روحه بردا وسلاما.. رغما عنه سالت دموع حاول جاهدا كبحها فلم يستطع.. لم يظن أنه قد يعود إلا في أحلامه العذبة المستحيلة بقيت الدوحة وأهلها حلما مستحيلا عذّب ليالي سهده الطويلة بمشاعر لا قياس لها من الألم والشوق والوجع كم ليلة صحا من نومه وهو يئن كأنين الملسوع..الذي يشعر بسريان السم في جسده.. يشعر أن جسده وروحه يتمزقان ألما لايستطيع رده لأنه كان يرى في الحلم أنه هنا ثم حين ينتفض من السعادة ويقفز.. يجد نفسه هناك.. ليبدأ في أنين مكتوم ينزف فيه جروح قلبه.. أنين سريان السم في الجسد.. أنين يكتمه بوضع طرف اللحاف في فمه حتى لا يوقظ الصغير النائم جواره بشدة أناته التي ترتفع بحرقة يشعر بألمها تمزق أمعائه ويبقى يئن.. ويئن.. حتى صلاة الفجر.. ينحني حينها على سجادته ويدعو ربه بلوعة: أشعر أني أموت يا الله.. وروحي تذوي أعلم أن الموت أفضل من هذه الحياة.. ولكن هذا الصغير لا أحد له سواي أبقني بقوتي من أجله.. أرجوك يارب.. كل ليلة أشعر أنك ستنزع روحي من مكانها أعلم أن ذنبي كبير.. ولكن رحمتك أكبر يارب العالمين حينما ينهي صلاته ودعواته الطويلة.. يعود ليلقي جسدا متهالكا بجوار خالد الصغير.. يضمه لصدره.. وينام ساعات قليلة قبل أن ينهض لينخرط في حياة باردة مملة موجعة.. لا يوجد فيها سوى خالد وفيصل.. وأنينه الليلي الموجوع وأحلامه تأخذه إلى بلده وأهله.. ثم اليوم يجد نفسه هنا.. هنا في بلده.. وقريبا يرى أهله.. ( أحقا أنا هنا؟؟ أ حقا لست أحلم؟؟ أ هذه أنتِ الدوحة؟؟ أيام الطفولة وليالي الصبا وابتسامات الشباب؟؟ أ حقا لست أحلم؟؟ إن كنت أحلم فلا توقظوني أرجوكم.. لا توقظوني ماعاد في روحي مكان للأنين والحرقة والحسرة) أيقظه من أفكاره يد صالح تشده: عبدالله مطول وأنت واقف على الدرج؟؟ الناس كلهم نزلوا حينها التفت عبدالله وهمس لصالح باختناق: صحيح يا صالح أنا في الدوحة؟؟ ابتسم صالح بألم وهو يشعر بألم شقيقه: ليه الحر ذا كله ماعطاك كف على وجهك وقال لك مرحبا بك أنت في الدوحة؟؟ حينها أكمل عبدالله الخطوات المتبقية للأسفل ثم سجد ليقبل أرض المطار صالح بصدمة كان يشد عبدالله وهو يهتف بغضب: وش تسوي يا الخبل؟؟ عبدالله ابتسم وهمس بكل شجن العالم: أنا نذرت لو الله كتب لي أرجع يوم للدوحة هذا أول شيء بأسويه.. أحب أرضها.. غانم وصلهما من خلفهما وهو يهمس بتأثر يخفيه خلف ابتسامته: والله وصاير الأخ حساس.. عقب ماترس روسنا فلوع.. أكملوا طريقهم وغانم يأخذهم معه على باص الطاقم وصالح يهتف لهما: غانم يأخيك أبيك أنت تأخذ عبدالله لبيتي وأنا باكلم فهد وهزاع ينتظرونكم هناك.. وتراني مخليها مفاجأة لهم.. ومابغيتهم يستقبلوننا في المطار ينصدمون قدام العالم... وأنا بأروح أجيب حسن ولد عبدالله وبجيكم هناك... **************************************** قبل ذلك بسبع ساعات منصور يصل إلى أنسي.. في رحلة رتبها له علي باستعجال وهو يوفر له سائقا استقبله في مطار جنيف وأخذه فورا لأنسي القريبة على الحدود الفرنسية السويسرية.. على أن ينتظره السائق ليعيده للمطار مرة أخرى بعد انتهاء مهمته.. وهكذا هي عنده -رغم قساوة المسمى- " مهمة" ..ولكنها هذه المرة تختلف عن مهماته العسكرية مهمة إنسانية بامتياز.. رغم أن منصور غادر عفراء والجو بينهما غير صاف.. ولكن منصور يُرجع كل ذلك إلى أن بينهما تعقيد يجب حله.. وهو لم يعتد فعلا العيش في جو متوتر بينما القرار بيده كما اعتاد.. فيجب أن تعرف جميلة بزواجهما وتقبل به.. حينها سيخبر عفراء أنه مستعد للعلاج من أجلها لينهي كل منهما شرطه السخيف... وهاهو يصل لأنسي تحقيقا لمهمته.. خليفة ينتظره عند باب المصحة بعد أن هاتفه وأخبره بوصوله.. فهو من بعد زواجه بعفراء في كل مرة كانت عفراء تكلم خليفة ومنصور موجود..يحادثه منصور ويسأله عن أحواله وأحوال جميلة.. وأصبح بينهما معرفة مسبقة.. وهاهما كل منهما يسلم على الآخر بحرارة .. ثم يتجهان للداخل.. **************************************** " غانم أنا اللي أبي أسوق" غانم كان على وشك تشغيل سيارته التي كانت متوقفة في مواقف موظفي المطار التفت لعبدالله وابتسم: وش معنى؟؟ عبدالله بشفافية: خاطري أسوق في شوارع الدوحة... اشتقت حتى للسواقة فيها غانم يلقي المفتاح لعبدالله ويستدير للباب الثاني: يالله تعال مكاني.. بس ترا شوارع الدوحة قبل 4 سنين غير عنها ذا الحين.. عبدالله بابتسامة: خلني أجرب... صدقني قلبي بيدلني.. غانم اعتدل جالسا في المقعد المجاور للسائق: وش فيه الأخ صاير عاطفي كذا..؟؟ حينها همس عبدالله بوجع: الغربة جعلك ما تذوقها.. ولا يحكم على مسلم بها.. ثم أردف عبدالله وهو يحرك السيارة ويبتسم: وعلى طاري عاطفي.. منت بناوي تصير أنت عاطفي عاطفي؟؟ هتف غانم بنبرة غموض باسمة: الله يكتب اللي فيه الخير.. لو علي ودي أصير عاطفي من اليوم.. بس طولوا مارضو بعاطفيتي كان عبدالله على وشك الاستفسار من غانم حول عبارته الغامضة لكن قطع استفساره بسؤال ملح: أكمل الطريق سيده وإلا ألف يسار..؟؟ ابتسم غانم: لا يسار.. إذا أنت ضيعت وحن عادنا في منطقة المطار.. وش بتسوي لين توصل بيت صالح.. عبدالله بحماس شفاف: استحملني شوي.. يمين يسار.. مهيب اللي توجع حنوكك.. وبعدين إن شاء الله ما أحتاج منّتك علينا.. بدل بروحي.. بس هنا غيروا اللفة ساق عبدالله لحوالي نصف ساعة.. ثم تفاجأ غانم به يركن سيارته جانب الطريق وينزل.. ويطلب من غانم أن يعود هو للسواقة وهو يهتف بوجع: ماهقيت ديرتي بتغير علي شوارعها كذا في 4 سنين بس.. ابتسم غانم وهو يحرك سيارته: لو أنت في ديرة ثانية صدقني ما يتغير شيء عليك بس الدوحة هي اللي تغيرت تغير كبير خلال السنين اللي فاتت لأنك سافرت قبل (أسياد 2006) من عقبه وكل شيء يتغير بسرعة.. مباني جديدة.. شوارع جديدة.. وبعدين على ضمانتي أنك يومين وأنت دال كل شيء.. مهوب من كُبر الدوحة يعني.. عبدالله يبتسم بألم: قاعد تشرح لي كني سايح.. لمعلوماتك كل يوم أفلفل جرايد قطر على الانترنت من أول خبر لين أخر خبر.. غير عن المنتديات القطرية يمكن حتى ما صارت حفرة في شارع داخلي مادريت عنها وعن القطاوة اللي طاحت فيها.. وش حيلة العاجز غير مطالع السما!! غانم بمودة عميقة: الحمدلله على سلامتك..وهلا بك في ديرتك وبين هلك كانا يقتربان من منطقة بيت صالح غير البعيدة عن بيت والده ولا حتى بيت عمه.. حينها هتف عبدالله بألم: أرضي كانت جنب أرض صالح لاصقة فيها.. الله أعلم من صارت له الحين.. ابتسم غانم: ماصارت لأحد.. عمي أبو صالح قال تقعد لحسن لين يبنيها أو يبيعها.. كيفه فيها.. الحين أنت رجعت.. خلاص تبني أنت بيتك إن شاء الله.. تأثر عميق تسرب لروح عبدالله وعيناه تتبعان بشغف بيوت المنطقة التي كانت أكثرها خالية حينما سافر.. حتى وقف غانم بجانب مجلس صالح الخارجي.. وكانت هناك سيارة أخرى بداخل الباحة.. عبدالله شعر كما لو أن قلبه يُعصر بقسوة وهو يمسك بذراع غانم ويوقفه عن النزول ويهتف باختناق: سيارة من هذي؟؟ غانم بطبيعية: أظني سيارة فهد الجديدة... مابعد شفتها.. بس هو قال لي عنها.. ثم ابتسم: وترا فهد عقبك يمكن بدّل 20 سيارة.. غانم كان يريد أن ينزل ولكن عبدالله منعه للمرة الثانية وهو يهتف باختناق أشد: هزاع طلع له شنب؟؟ أتذكره لين سافرت بيموت عشانه تأخر ماطلع له شنب.. رغم غرابة السؤال.. ولكن شعر غانم باختناق عظيم وهو يشعر بمدى ثقل ووطأة مشاعر عبدالله الملتبسة عليه.. حاول أن يرد بابتسامة فاشلة: ياه.. شنبات وعوارض وعضلات.. التتو صار كنه طوفة.. عبدالله مازال يمسك بذراع غانم وهو يشد له نفسا عميقا: تكفى غانم انتظر شوي.. زين فهد تغير؟؟ غانم بات يشعر أن كل هذا كثير عليه فكيف على عبدالله.. هذه المرة أجاب بسكون عميق: فهد ما تغير.. هو هو نفسه.. ثم انثال بوجيعة ماعاد يستطيع دفعها : بس عمي هو اللي تغير واجد ياعبدالله.. من عقبك تقول كبر 20 سنة.. تغير وجه عبدالله ليمتليء بتفاصيل الحزن وخطوطه.. وجبينه يتقطب بوجيعة وهو ينزف صريرا بين أسنانه: كله مني.. كله مني!! ماراح يسامحني ياغانم.. أدري إنه ماراح يسامحني.. غانم ليس غبيا ليعلم أن هناك أمرا كبيرا خلف اختفاء عبدالله.. ومادام يقول أن والده لن يسامحه هاهو يؤكد ظنونه.. ولكن كما فكر سابقا معرفة السر غير مهمة عنده...لأنه متيقن أنه لن يصل إلى حد يمس مقدسات المبادئ التي لا تتجزأ.. وعدا ذلك لا يهمه.. لذا هتف بمساندة وهو يربت على يد عبدالله التي تمسك بمعصمه: إن شاء الله بيسامحك.. الدم عمره مايصير ماء يا الله قول بسم الله.. أخوانك الحين تلاقيهم بالهم يجيب ويودي ليش صالح طالبهم.. في الداخل.. الاثنان يشاهدان برنامجا رياضيا وهما يختبران جهاز التلفاز الجديد هزاع يسأل فهد: وش عنده شيبتنا داعينا لاجتماع قمة مفاجئ؟؟ فهد يرقص حاجبيه: يبي يعرفنا على المدام.. يمكن يبي يعرف راينا قبل يعرضها على الشيبان هزاع (بعيارة) : زين ماجاب خوات المدام معها.. يمكن يعجبنا الستايل ونعرضهم كلهم بالمرة.. فهد بتهكم: زين خلص الثانوية اللي عفنت فيها وعقبه فكر بالستايلات.. هزاع بثقة: قلت لك بإذن الله ذا السنة جايبها جايبها.. وشنبك ذا استمتع فيه باقي ذا الأيام..قدام تودعه.. لا وفوقهم حواجبك بعد كان الاثنان في حوارهما حين انفتح باب المجلس من ناحية الشارع التفتا كلاهما للباب ثم وقفا مرحبين حينما رأيا غانما يدخل وابتسامة ترحيب ترتسم على وجهيهما.. لينزاح غانم جانبا ويظهر شخص آخر خلفه.. شخص ماعادت رؤيته متوقعة ولا حتى في أعتى المعجزات حـــيــنــهــا... تبدلت ملامحهما جذريا إلى صدمة كاسحة موجوعة وهما يقفزان كالملسوعين وكأنهما ضُربا بصاعقة مباشرة فلقت رأس كل منهما نصفين.. وعيناهما تنفتح على اتساعها وهما يتعرفان على الخيال المستحيل الذي عاد من الموت وفي الوقت الذي وقف فهد كإشارة مرور متخشبة فإن هزاع برّك على ركبتيه بشكل مفاجئ.. وجسمه ينهدم كأنه خال من أي عظام تسنده.. عبدالله ركض إليه وهو يحاول أن يرفعه له .. ولكن هزاع لم يستطع الوقوف وهو يشد عبدالله له ويجلسه معه على الأرض.. ثم يدفن وجهه في صدره وهو ينتحب كطفل صغير موجوع.. وبين شهقات نحيبه.. كان يقبل بلهفة متحسرة وهو يئن ويرتعش كل ما يقع عليه من جسد عبدالله.. وجهه.. صدره.. كفيه..ذراعيه..كتفيه.. عنقه.. عبدالله يكاد يجن وهو يرى حالة هزاع وهو كريشة مرتعشة بين ذراعيه.. ولا يريد إفلاته... تمنى عبدالله أن صالحا لم يفجع هزاع برؤيته بهذه الطريقة.. وأنه مهد له .. كان عبدالله يشد هزاع لصدره وهو يحاول تهدئته دون فائدة.. وفي الوقت الذي غانم جلس معهما على الأرض وهو يضع يده على ظهر هزاع ويقرأ عليه آيات من القرآن..وقلقه يتفجر على هزاع لأنه خشي عليه أن يفقد عقله.. لشدة نحيبه وارتعاشه وتمسكه في عبدالله فأن فهد بقي واقفا كنُصب خال من الحياة..حتى عيناه لا ترمشان.. (أحلم.. أنا أحلم... يارب هذا حلم وإلا حقيقة؟؟ يارب خله حقيقة.. يارب خله حقيقة أخاف أرمش ألقى الصورة كلها اختفت.. وأنا وهزاع بروحنا في المجلس) فهد انتفض وهو يرمش رغما عنه.. حينها ألقى غترته جانبا وترك الثلاثة الباركين على الارض واتجه للحمام وهو يفتح صنبور الماء على رأسه حينها عاد ليطل عليهم في المجلس.. وجد الحلم لم يختفِ.. فعاد مرة أخرى وفتح الماء على رأسه.. ثم عاد لينظر.. حينها شهق بأمل: أرجاك ياربي ما تفجعني عقب ما أملتني.. ثم ملأ كفيه بالماء وعاد للثلاثة ليجد هزاعا توقف عن النحيب وتقبيل عبدالله لكنه يرتعش بعنف بين أيديهم كمصاب بحمى شديدة.. حينها سمى بسم الله ورش الماء على وجه هزاع.. ليشهق هزاع بعنف.. ثم يسحب نفسه سحبا لزواية المجلس ليتقوقع على نفسه فيها.. و هو ينتحب بخفوت.. حينها شد فهد عبدالله من الأرض وأوقفه وهو ينظر إلى عينيه بمزيج مستعر سرمدي لا نهائي من الغضب والحنين والوجع .. غرز أصابعه في عضدي عبدالله وهو يختنق بشوك مرٍّ أدمى حنجرته: عبدالله وين كنت؟؟ وين كنت ذا السنين كلها اللي فاتت؟؟ تدري إن حن في ذا السنين كلها مامر علينا يوم ما تحسرنا فيه على شبابك اللي ماعشته.. ما مر يوم ما تحسرنا على ولدك اليتيم ما مر يوم ماتحسرنا على ذكرياتنا معك.. وكل شي وأقل شيء يذكرنا فيك.. سنة مرت وسنتين وثلاث وأربع.. ماكفتك ترجع من الموت.. يالظالم أربع سنين هذي.. فيها حياة وموت.. لو أمي وإلا ابي صار لهم شيء وهم ماشافوك ولا دروا أنك حي.. أشلون بتسامح روحك.. قل لي أشلون بتسامح روحك كان صوت فهد ينحدر من اختناق لاختناق أشد وهو يمنع نفسه من الانخراط في البكاء مثل هزاع.. حينها عبدالله شد فهد لحضنه بكل قوته وهو يهمس في أذنه بألم اشتياق شفاف: فيه أشياء واجد أنا ما أقدر أسامح روحي عليها.. خلني الحين أشبع من ريحتك تكفى.. وعقبه عاتبني مثل ماتبي.. فهد كان يحتضن عبدالله بقوة وهو يشد له نفسا عميقا.. وكأنه يريد أن يتأكد أنه في حضن عبدالله.. ويتنفس رائحة عبدالله.. رغم كل مشاعره الثائرة المضطربة...إلا أنه مازال يخشى أنه يحلم.. يشعر أن كل هذه السعادة فوق كل ما يستطيع احتماله حينها كان يتحسس عبدالله وهو يهمس في أذنه بألم: أنا زعلان عليك.. بس تكفى لا تكون حلم.. طالبك ما تكون حلم لو كنت حلم بأزعل عليك عمري كله.. بس لو كنت حقيقة.. بأفكر أسامحك.. عبدالله بشفافية مثقلة بالألم: يبقى خلاص غصبا عنك تسامحني لأني حقيقة.. وأبيكم قدامي حقيقة..شبعت من الحلم خلاص وخلني أشوف هزاع.. ما تخيلته صار حساس كذا.. فهد يبتسم بألم وهو يلتفت لهزاع: هزاع حساس؟؟ هذي نكتة القرن.. بس عشان تدري إن شوفتك مهيب هينة.. تكفى ما تفجعون الباقين بذا الطريقة خل نمهد لهم تمهيد طويل.. عبدالله يجلس بجوار هزاع الذي ما أن رأى عبدالله جواره.. حتى دفن رأسه في حجره وهو يتمدد على الأريكة ودموعه تسيل بصمت.. عبدالله وضع يده على رأس هزاع ثم هتف بقلق بالغ: فهد تكفى قم وده المستشفى.. الصبي تعبان.. عروق رأسه كلها تنبض.. ورأسه مولع حرارة هزاع بصوت أشبه بالأنين: أنا طيب مافيني شيء.. بس تكفى خلني كذا.. خلني أتاكد أنك هنا.. عبدالله برجاء آمر: هزاع الله يهداك قم للمستشفى أنا بأروح معك بنفسي.. غانم برفض: وين تروح؟؟ صالح راح يجيب ولدك.. هزيع قم من غير دلع.. أنا وفهد بنوديك.. نص ساعة ونرجع.. وعبدالله هنا مهوب رايح مكان.. فهد وغانم كل واحد منهما أمسك هزاع من ناحية ليسنداه.. وتوجها لسيارة غانم المتوقفة خارجا.. رغم أن فهد وهزاع كلاهما لا رغبة لهما إطلاقا بمغادرة المكان فهما لم يتأكدا بعد أن عبدالله عاد لهم من الموت.. يخشيان كلاهما أن يذهبا.. ثم يعودا فلا يجداه.. حينها لا يعلمان ما الذي قد يحدث لهما المجلس خلا على عبدالله...وقرر حينها أن يرتدي له ثوبا.. صالح أخبره أنه طلب من فهد أن يحضر بعضا من ملابسه ويضعها في داخل البيت دون أن يبدي له سببا لحاجته لملابس فهد.. ينظر في نفسه في المرآة.. أ حقا هو يعود لجلده؟؟.. أربع سنوات مرت ما لامس الثوب جسده.. هاهو يشعر به يلامس روحه.. كم اشتاق لنفسه التي يشعر بها تعود لحناياه رويدا رويدا!! الثوب والغترة ليسا مجرد غطاء جسد ورأس.. هما احتواء لروح عرفت نفسها مدفونة في جوع الصحراء وحضارتها وصلابتها وحتى ألمها المختلف الذي لا يعرفه سوى أهلها .. عاد للمجلس ليجلس هناك.. وقلقه يتصاعد على هزاع الذي لم يتخيل أن ردة فعله ستكون عنيفة هكذا.. فكيف إذن بردة فعل والدته أو شقيقته؟!! بل كيف حتى بردة فعله هو؟؟ يشعر أن رؤيته شقيقيه هزته بعنف انفعال انغرس حتى عمق عظامه.. يخشى رؤية كل منهما.. وأكثر من يخشى رؤيته ويتمناها... والده ولكنه الآن يفكر فيمن سيراه بعد لحظات... المخلوق العذب الصغير الذي لم يعرف بوجوده إلا منذ أيام فقط!! فرغم لهفته الكبيرة لرؤية ابنه.. إلا أنه تمنى لو أجل رؤيته قليلا.. فيكفيه اليوم ماحدث له مع شقيقيه.. يشعر أنه لن يحتمل المزيد اليوم.. وخصوصا أنه متأكد أنه في الوقت الذي سيموت رغبة في دفن صغيره بين أضلاعه فإن حسن الذي لا يعرفه سيهرب منه لا محالة.. يعلم أن هذا تصرف طبيعي من طفل تجاه الأغراب الذين لا يعرفهم ولكنه يشعر منذ الآن بالألم أن ابنه سيحتمي بصالح منه ولكن لا يستطيع مطلقا أن يلومه..بل يلوم نفسه فقط.. يؤلمه أنه قد يحتاج لفترة طويلة حتى يجعل ابنه يعتاد عليه.. فكيف بجعله يحبه ويتعلق به كما يتمنى.. يحتاج فعلا إلى محبة هذا الصغير حتى يتوازن.. حتى يستطيع مواجهة الحياة وحتى ذلك الحين.. يشعر أنه سيغرق في لجة من الضياع وانعدام التوازن انتظارا حتى يعرفه حسن ويعرف أنه والده ويحبه كما يفترض.. هذا أن أحبه!! كل هذه الأفكار بعثت وتبعث في عبدالله ألما ومرارة لا حدود لهما.. ففي الوقت الذي كان هو يهتم هو بكل صغيرة وكبيرة تخص خالد الصغير كانت هناك روح صغيرة.. قطعة منه.. تنمو بعيدا عنه دون علم منه.. لو كرهه حسن –كما يظن ويخشى بكل وجع العالم- فهو يعلم أن هذا هو عقاب رب العالمين له على ما فعله بوالده.. يأخذ منه خالد.. ثم حين يشعر أن محبته لحسن باتت تغتال روحه حتى جذور الجذور..محبة أشبه بالسحر..فأن حسن سيصفعه بكراهيته له.. ولا شيء يؤذي الروح مثل كراهية طفل.. فهذه الأرواح الشفافة لا تعرف الكراهية.. وحينما تكره.. تكون هذه هي النهاية.. كانت هذه هي أفكار عبدالله التي قاطعها نحنحة صالح وهو يحمل حسن الصغير الذي كان متعلقا بشدة بعنق صالح لأن المكان كان مجهولا بالنسبة له عبدالله لم يتحرك من مكانه.. لم يفتح ذراعيه كما كان يحلم ويتمنى قال لنفسه: هذه المرة ساكتفي بالنظر والحسرة.. لأني لو سمحت لنفسي باحتضانه.. أعلم أني سأخيفه لأني لا أضمن ردة فعلي.. كان ينظر لحسن بين ذراعي عمه وهو يقترب.. والصغير مشغول بالتلفت حوله اكتشافا للمكان الجديد.. بينما عبدالله يكاد يبكي وعيناه تتبعان كل تحركات صغيره ونظراته بجوع مرير وهو ينهر نفسه ويقهرها حتى لا يقفز وينتزعه من بين يدي صالح ليدفنه بين أحضانه ويشبع روحه من أنفاسه (ولدي.. والله العظيم ولدي لو شفته في أي شارع.. حتى لو كنت ما أدري إني عندي ولد..كان عرفته.. دمه يناديني.. روحه تناديني كل شيء فيه يناديني.. ويا سبحان الله!! له نفس نظرة عيون أمه التي كانت تذوبني أموت واحضنه.. أحضنه بس.. أشم ريحته ) ثم كانت الصدمة غير المعقولة غير المتوقعة من أي أحد.. أن حسن الصغير حينما انتبه لوجود مخلوق ثالث معهم في المجلس.. تخلص من يدي صالح بشكل مفاجئ وهو يقفز ليتجه ركضا لعبدالله ويتعلق بعنقه.. وهو يهذي بسعادة طفولية: بابا .. بابا.. بابا.. عبدالله كاد يجن ورعشة هائلة تجتاح كل خلية في جسده وهو يدخل الصغير بين أضلاعه.. ويغمر وجهه وكفيه وحتى قدميه بقبلاته.. ويهتف لصالح بعبراته التي ازدحمت في حلقه: عرفني يا صالح.. عرفني.. يقول لي بابا.. عرفني.. يقول بابا.. صالح كان يقف وهو مذهول تماما.. فحسن ليس من النوع الذي يعتاد على الغرباء بسرعة.. وحتى حينما يكون عندهم ضيوف في المجلس يتجه ليسلم عليهم بعد رجاءات عدة.. وكان صالح يحمل هم إقناع حسن أن يقبل عبدالله ولو قبلة واحدة على سبيل السلام.. لكن ماحدث أمامه كان غير معقول أبدا.. ولم يخطر بباله إطلاقا.. وهاهو ينظر لهما بعد أن هدأ عبدالله من فورة مشاعره الهائلة.. وحسن الصغير مازال متعلقا بعنقه ويستكين في حضنه.. وعبدالله يمسح على خصلات شعره ومشاعره كلها تختلج كالبراكين في روحه وهو لا يتوقف عن نثر قبلاته على جسد الصغير صالح اقترب.. يريد أن يتأكد من شيء... شد حسن الصغير قليلا.. وهو يهمس له بحنان: تعال عندي يأبيك.. حسن الصغير هز رأسه رفضا.. وعبدالله حينها انتفض بعنف وهو يضمه لصدره بقوة حانية ويغمر وجهه بالمزيد والمزيد من قبلاته صالح حينها ابتسم: تعرف من هذا حسون؟؟ حسن الصغير ابتسم وأجاب بنبرته الطفولية المحببة: هذا بابا.. عبدالله باختناق: يا لبي الصوت وراعيه..يقوله لك بابا.. ثم أردف وهو يوجه الحديث لصالح وخاطر مزعج مؤلم يكاد يفسد عليه فرحته الكبيرة: صالح هو متعود يقول لكل الناس بابا.. ويحبهم بذا الطريقة؟؟ صالح بدهشة: أبد.. ولا أي أحد.. ما يحب إلا بالقطارة وعقب طلايب بعد.. وبابا ما يقولها لأحد.. كلنا ينادينا باسمائنا.. وجدانه يقول جدي.. حينها فرحة عميقة تصاعدت في روح عبدالله المستنزفة من الألأم.. ومعها أيضا تصاعدت دهشة عميقة.. لذا توجه لحسن الصغير بالسؤال: حبيبي حسون.. من قال لك أنا بابا؟؟ حسن يعبث في ساعة يد عبدالله وهو يجلس في حضنه: ماما دالت لي.. تل يوم أثوف ثورتك.. وتل يوم أكي أبي أثوفها.. حينها شعر عبدالله كما لو أن سهما مُراشا اخترق منتصف قلبه بلا رحمة.. شهق بأنة خافتة لم تصل إلى مسمع صالح ولكنها اخترقت روحه بقسوة حانية " أنتِ ياجوزا صاحبة الفضل في كل السعادة التي أنا أشعر بها؟؟ أنا أهديتكِ الألم والتعاسة ولا شيء غيرهما.. وأنتِ تهديني هذه السعادة كلها.. أحقا احتفظتِ بصورتي طوال هذه السنوات وكل يوم تُرينه إياها حتى حفظ شكلي وهو يعلم أني والده رغم أني كنت رجلا ميتا في عرف الجميع؟؟ أيعقل ذلك؟؟ أ يعقل أن هناك من قد يفعل مثلك؟؟ طوال عمري كنت أقول وسأبقى أنه كطهارتكِ وبراءة قلبكِ يستحيل أن يوجد في هذا العالم لا يفعل هذا الفعل المثقل بالطهر سوى قلب كقلبكِ ولكن لماذا فعلتِ هذا؟؟ لماذا؟؟ هل أستطيع أن أأمل في شيء غبي ما؟؟ أعوذ بالله من وسوسات الشيطان وصحبه لقد أصبحت لرجل آخر.. لا يحق لي مجرد التفكير فيها فلماذا أنا عاجز عن إخراجها من رأسي؟؟ أو لماذا أنا عاجز عن إخراجها من قلبي!!" ************************************ " جميلة فيه ناس واقفين برا يبون يسلمون عليج" جميلة رفعت رأسها عن مجلة كانت تتصفحها.. فهم في المصحة يختارون مجلات معينة بعناية ثم يلقونها في الغرف دون أن يطلبوا من المريض حتى أن يتصفحها وهذه المجلات تحتوي مقالات كُتبت بحرفنة عالية على يد خبراء نفسيين ودُعمت بصور جذابة.. تدعوا بطريقة غير مباشرة إلى تقبل الذات وفي ذات الوقت السعي الإيجابي نحو الأفضل.. تدعو إلى تدعيم التفكير المنطقي والعادات الصحية في الطعام والرياضة.. كثير من الموضوعات التي تحاول خلق شخصية واثقة منفتحة إيجابية.. وفي غرفة جميلة وضعوا المجلات المكتوبة بالانجليزية التي تجيدها جميلة.. وجميلة منذ تحسنها وهي تلتهم هذه المجلات التهاما.. رفعت رأسها لخليفة وهي تهمس بدهشة: من اللي يبي يسلم علي؟؟ رجّال وإلا مرة؟؟ خليفة بهدوء يخفي خلفه توتره: ريال.. جميلة شدت حجابها لتلبسه وهي تهمس له بتلقائية: يكفي حجابي وإلا لازم أغطي وجهي بعد؟؟ خليفة كان سيقول لها لا داعي لهما كلاهما.. ولكنه لم يرد أن يصدمها لذا هتف لها بهدوء حاول أن يكون طبيعيا: حجاب يكفي.. ريال عدت أبوج.. حينما قال لها أنه رجل كأبيها.. شعرت جميلة بتحليق غامر في قلبها... أ يعقل أن عمها زايد قد حضر لزيارتها..؟؟ استغربت قليلا.. فهو كان هاتفها بالأمس هو ومزون.. وقالا لها أنها سيحضران لزيارتها بعد زواج كساب.. وزواج كسّاب تبقى عليه عدة أيام بعد ربما كان يريد عمل مفاجأة لها...ابتسمت بسعادة عميقة وقلبها يرفرف.. كم اشتاقت له!! حتى وإن كانت لا تستطيع تقبيله ولا احتضانه.. يكفيها تكحيل عينيها برؤيته.. كانت تريد القيام والوقوف ليراها أنها أصبحت أفضل الآن.. ولكنها قبل أن تقف.. فُجعت بمن دخل عليها.. أخر شخص في العالم توقعت أنه قد يزورها منصور آل كساب شخصيا وبكامل أناقته.. بثوبه وغترته كأنه في قلب الدوحة "منصور آل كساب هنا؟؟" الرجل الذي منذ طفولتها وهي تشعر أن له هيبة تشبه هيبة الأساطير التي كانت تشاهدها في أفلام الكرتون ارتاعت وهي تغطي طرف وجهها الأسفل –أنفها وشفتيها- بطرف حجابها.. كانت تريد أن تصرخ بخليفة كيف يحرجها بهذه الطريقة.. ولكنها ابتلعت صرخاتها حرجا من هذا الذي ملأ أقطاب الغرفة بحضوره اقترب خطوتين وهو يبتسم بفخامة: مساش الله بالخير يأبيش.. جميلة باختناق: هلا والله حياك الله يأبو علي.. وش ذا الساعة المباركة اللي شفناك فيها... أما ماكاد يفقد جميلة صوابها هو أنه تقدم حتى وصلها ثم انحنى وقبل رأسها.. جميلة صُعقت وهي تتأخر وتلصق ظهرها بظهر السرير.. وهي ترتعش وتنظر لخليفة بخليط متفجر من غضب وعتب وصدمة.. كيف يسمح لرجل غريب أن يقبل زوجته بينما هو واقف ببلاهة يوزع الابتسامات؟؟ أما ماكاد يقتلها فعلا هو أن خليفة حينما رأى منصور شد مقعدا وجلس جوارها أنه هتف باحترام بالغ بغيض: تبي أخليكم بروحكم؟؟ فأشار له منصور بحزم: لا خلك.. أي شيء بأقوله أبيك تسمعه.. جميلة تكاد تبكي من الرعب والمهانة.. "أي رجل لا غيرة لديه هذا؟؟ يستحيل أن أبقى على ذمته بعد اليوم... يستحيل!! ثم كيف يفعل منصور آل كساب هذه التصرفات التي لا تليق مطلقا برجل مثله؟" منصور حينها هتف بهدوء حازم دون أن ينظر ناحية جميلة لأنه شعر بحرجها منه.. ولو أنه نظر ناحيتها لرأى عيناها الظاهرتان كأنهما بحيرتان تكادان تفيضان من شدة احتقانهما بالدموع لفجيعتها في خليفة قبل فجيعتها فيه: اسمعيني يأبيش.. أنتي أول عدت بنتي.. لكن الحين أنتي بنتي صدق.. وأبغيش تعتبريني كذا.. وأظني يابنتي أنش منتي بجاهلتني.. وتعرفين أني ما أقول شيء ما أقصده.. جميلة رأسها يدور.. ولا تفهم شيئا مما يدور حولها.. لكنه رأت أنه من الأدب الذي لا يستحقه أحد منهما أن تجيب: الله يكبر قدرك يأبو علي.. منصور بذات الهدوء الحازم: أنا ما أنا بطالب منش تقولين لي يبه.. بس تراني أتمناها منش.. جميلة بدأ الصداع يطرق رأسها (هذا اش فيه؟؟ أكيد استخف!!) بينما منصور أكمل كلامه: تدرين يابيش الدنيا ما تأتي للواحد دايما على كيفه.. وأحيانا يكون الإنسان في ظروف تحده يسوي شيء يمكن يزعل الناس الغالين عليه لكن إذا حن نغليهم مثل ما يغلوننا.. لازم نقدر ظروفهم اللي حدتهم على ذا الشيء.. ولازم نحب لهم الخير مثل ما نحبه لأنفسنا جميلة بعدم فهم: أبو علي أنت وش تقصد من كلامك.. والله العظيم رأسي آجعني.. منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف: تدرين يا جميلة أنتي عند أمش أغلى خلق الله كلهم.. ماشفت أم تحب بنتها مثل أمش.. حينها همست جميلة بتوجس متوحش: وأنت وش عرفك أن أمي تحبني وبشوف عينك بعد؟؟ حينها ألقى منصور قنبلته.. فهو تعب من محاولات اللف والدوران التي لا يتقنها: أنا وأمش تزوجنا من أكثر من 3 أسابيع... جميلة حينها سقطت يدها التي تغطي وجهها وهي تنقل نظراتها بارتياع بين خليفة ومنصور وهي تهمس بنبرة زائغة: من أكثر من 3 أسابيع.. يعني عقب مارجعت من عندي على طول.. يعني حذفتني هنا ورجعت تتزوج.. وطول ذا الأسابيع كلها وهي ناسيتني وتوه يطري عليها تبلغني.. كني ولا شي.. ثم ألتفتت لخليفة وهي تصرخ فيه بوجيعة: وأنت كنت تدري بعد ومخبي علي.. ليه تسوون فيني كذا..؟؟؟ ليه؟؟ ليه؟؟ ثم تعالى صراخها أكثر وأكثر وأكثر وبشكل هستيري في ثورة ذكرت خليفة بثوراتها في أيامهما الأولى هنا.. كان خليفة على وشك استدعاء الممرضات ليحقنوها بإبرة مهدئة.. لولا صدمته من تصرف منصور غير المتوقع فمنصور وقف ليجلس جوارها على السرير.. ثم يحتضنها لصدره بكل قوته.. حاولت جميلة التفلت منه وهي تلكم صدره وتصرخ ولكنه لم يفلتها وهو يهدهدها بصوته العميق وبنبرة شديدة السكون والهدوء: بس يأبيش اهدي.. اهدي.. اذكري الله.. أمش ماسوت حرام ولا عيب.. هذا حقها.. مثل ماكان حقش إنش تختارين خليفة وتصرين عليه.. أمش ما يصير تقعد ساكنة بروحها حتى لو صار لها أي شيء في الليل ماحد درى عنها.. جميلة تبكي وتشهق وهي تحاول دفع منصور عنها: ما أبيها تزوج.. ما أبيها تزوج.. هذي أمي أنا.. طول عمرنا مع بعض.. أشلون تخليني الحين.. منصور يمسح على رأسها بيد وهو يمسكها باليد الثانية: يأبيش أمش ماخلتش ولا عمرها بتخليش.. عفرا قبل ما تصير مرتي هي أمش.. وأنا الحين صرت أبيش.. وإلا ما تشوفيني كفو أكون اب لش..؟؟ جميلة سكتت رغما عنها وهي تهدأ رغما عنها كذلك.. بل تجبر نفسها على أن تبدي هدوءا يختلف تماما عن الأعاصير الثائرة في داخلها.. صمتت والغضب يتحول لمشاعر أعمق من الخذلان والحزن.. أصمتها شعورها بالخجل من منصور.. رغم رغبتها العميقة أن تصرخ وتصرخ وتصرخ حتى تفرغ كل ما لديها من مشاعر سلبية موجوعة أ يعقل أن تفعل أمها بها ذلك... تتزوج بعد كل هذه السنين.. ودون أن تستشيرها حتى؟؟ إن كانت تريد الزواج.. لماذا لم تتزوج من زايد؟؟ لماذا لم تحقق لها أمنيتها أن يكون زايد والدها فعلا؟؟ هذا الأب (المودرن) الوسيم لا تريده أبا لها.. كيف يكون مثل هذا أبا لها ؟! منصور حين رآها هدأت أفلتها بهدوء حان.. بينما خليفة كان مصدوما من ردة فعل منصور السريعة والمتمكنة.. (كيف لم يخطر لي أن افعل مثله في أيام ثوراتها الأولى التي كانت تخترق جمجمتي بصراخها فيها) حينما رأت أن منصور ابتعد قليلا عنها.. لم تستطع حينها أن تمنع نفسها من دفن وجهها بين كفيها لتسمح لطوفان دموعها بالانهمار دون قياس.. الرجلان معها صمتا وهما يحترمان رغبتها في البكاء.. كلاهما أصبح يعرفان أن البكاء أحد لوازم المرأة التي لا تستطيع التخلي عنها.. بعد دقائق من بكاءها الصامت... شد منصور له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: من حقش تبكين وتطيبين خاطرش.. بس من حق نفسش عليش ومن حق أمش عليش.. أنش تفكرين بشوي منطقية لو فرضا ابيش عاده حي.. هل ابيش بيأخذ أمش منش ؟؟ عديني مثل ابيش صدق مهوب مجرد كلام.. أمش ما تتخيلين أشلون شايلة هم ردة فعلش إذا دريتي وخايفة أنه ذا الشيء يأثر على علاجش.. وهذا السبب الوحيد لتاجيلها تبلغيش بالخبر جميلة رفعت وجهها المحمر وعيناها المحمرتان وهمست بصوت مختنق من أثر البكاء: قل لها إنها ماقصرت وياتي منها أكثر.. وألف مبروك.. منك المال ومنها العيال مطلوب مني شيء ثاني؟؟ منصور منذ فكر أن يأتي هنا وهو يعلم تماما أن جميلة لن تتقبل زواج والدتها بسهولة.. هذا إذا تقبلته!!.. لكنه أراد من كل هذا أن يمتص هو الصدمة الأولى.. حتى حينما يحضر مع عفراء تكون جميلة تأقلمت مع الخبر..واتضحت الفكرة في بالها.. وعلى الأقل تكون استبعدت فكرة أن تضغط على والدتها حتى تتركه.. منصور ابتسم وهو يهتف لها بفخامة حميمة وهو يمد يده لكيس كان معه ووضعه جواره: أنا كنت جاي مستعجل بس جبت لش معي هدية صغيرة.. وإن شاء الله يعجبش ذوقي... اعتبريها هدية متأخرة شوي لعرسش حينها نظرت له جميلة بحذر متألم: هدية وإلا رشوة؟؟ حينها قفز منصور وهو يهتف بنبرة مخيفة مرعبة: لي أنا تقولين ذا الكلام؟؟ جميلة انكمشت على نفسها وانخرطت في بكاء حاد.. حينها اقترب خليفة منها وهو يضع يده على كتفها.. جميلة طوقت خصره بذراعيها لأنها كانت تجلس على السرير وهو يقف.. ودفنت وجهها في أسفل صدره وهي تنتحب وتهمس له بصوت خافت: تكفى قل له يطلع خلاص.. خله يطلع.. قل له يرجع لها.. خلاص ما أبي حد منهم.. خليفة أشار لمنصور أن يخرج برجاء عميق.. وهو يحتضن جميلة بحنو ويحاول تهدئتها... منصور كان يشتعل غضبا أ له يقال أنه جاء ليرشيها... بينما جاء وهو يقدم استعداده الكامل والصادق أن يكون أبا لها... ؟؟ منصور خرج فعلا لأنه خشي فعلا أن يتصرف معها تصرفا آخر... فيبدو أن الجميع عاجز عن إيقاف هذه الفتاة المدللة عند حدها وتعليمها كيف تحترم الآخرين وأين حدودها معهم.. وللحق فعلا كان جزء من تفكيره كأب.. فهي مهما يكن ابنة عفراء.. أي ابنته... ولو كانت فعلا ابنته لم يكن ليرضى أن تكون تصرفاتها على هذا النحو فور خروج منصور.. جميلة دفعت خليفة بعيدا عنها وهي تصرخ: أنت بعد وخر عني... ما ابي حد منكم.. أنت بعد روح معه يالخاين.. كذا تسوي فيني كذا تتفق معهم علي...كذا تسوي فيني يا الخاين؟؟؟ خليفة تأخر وهو يتنهد بعمق...حتى متى سيبقى عاجزا عن فهم تقلبات هذه الفتاة كلما شعر أنه اقترب منها خطوة... أبعدته عشرات الخطوات!! فمتى سيستقر الحال بينهما؟؟ خليفة غادرها لمنصور الواقف خارجا... حالما رآه أخذ يعتذر له عن تصرف جميلة منصور هتف بثقة: لا تعتذر يا ولدي.. ما أقول إلا الله يعينك.. وتراها ياولدي بنية عمك ويتيمة.. هذا من صوب والصوب الثاني.. لا تزعل مني.. بس جميلة الحين بنتي.. وتراني ما أرضى حد يضميها ولا يقهرها.. ابتسم خليفة: لا تخاف عليها ياعمي.. تاخذ حقها وزيادة.. ابتسم منصور: لا تقول لي.. شفت بروحي.. ثم أردف بعمق: والحق يقال إن الغلط غلط عفرا اللي ماعرفت تربيها عدل ثم أردف بنبرة أخفت وأعمق وأكثر حزما: وترا يابيك الرجّال الصدق ما يعجز في المرة.. يقدر يمشيها على شوره بدون مايكسرها ولا يهينها والحين أسلم عليك.. وأي شي تبيه تكفى مايردك شي.. خليفة مودعا: سلامتك عمي.. سلم لي بس على عمتي.. وسامحنا على اللي صار ************************************* " يا الله انزلوا.. فضحتونا في المستشفى كنكم تقلوون على فرن.. كنكم خايفين أخيكم يطق" هزاع الممدد على المقعد الخلفي يرد على غانم بابتسامة مرهقة: إيه والله خايفين.. مهوب أول مرة يسويها.. له سوابق.. غانم يضحك: صدق شر البلية ما يضحك يالله انزلوا... ميت تعب أبي أروح أصلي العشا وأرقد.. ذبحتوني اليوم ياعيال عمي فهد بحزم: لا والله إن قد تحول تصلي معنا ثم تعشى معنا.. أنا طلبت عشا خلاص.. غانم برفض قاطع: استغفر وأنت مكانك.. وأطعم لك عشر مساكين ما أقدر.. منتهي من التعب 3 أيام ما رقدت.. ماعادني أشوف أصلا.. فهد بحزم: يا ابن الحلال طالب ذبيحة.. حول تعشى معنا.. حن بس مامعنا حد.. غانم يبتسم: هزيع على الروعة اللي جاته الليلة.. بياكل الخروف بروحه.. هزاع يئن بابتسامة: لا حد يطري علي العيشة زعت عليكم.. غانم بمرح: حوّل.. الله يرضى عليك.. فيها زوع.. روح زوع في موتر فهيدان الجديد.. ماني بناقص قرف.. فهد يفتح الباب لهزاع وهو يهتف بمرح مماثل: وليه يعني الشيخ مايزوع إلا في سيارة.. هذي القاع وسيعة.. هزاع يتسند على فهد بإرهاق.. فمؤشراته الحيوية كلها اضطربت اليوم.. ودقات القلب عنده قفزت للذروة... لذا يشعر بإنهاك عام في مفاصل جسده كلها... حين دخل الاثنان تفاجأ بالمشهد .. صالح وعبدالله جالسان يتحدثان.. لا غرابة حتى الآن.. ولكن كل الغرابة في المخلوق الصغير الذي يقف خلف عبدالله وهو يطوق عنقه من الخلف.. بينما عبدالله يمسك ذراعيه ويميل به إلى الأمام قليلا ثم يعود للخلف في حركة متكررة ليلاعبه وبين كل حركة والأخرى يمسك ذراعيه الصغيرتين ويقبلها.. ويبدو على وجه عبدالله ملامح استرخاء وسعادة لا حدود لها الاثنان ألقيا السلام.. عبدالله وصالح كلاهما هاتفا شقيقيهما عدة مرات حتى خرجا من المستشفى.. هزاع مال يقبل رأس الاثنين ثم جلس جوار عبدالله ليحتضن عضده ويقبل كتفه.. بينما صالح هتف بابتسامة: راحت على أبو خالد خلاص.. نقرت رأسي كنك مان علينا بحبتك هزاع حتى وهو متعب لا يستطيع أن يتخلص من مرحه التلقائي: واجد عليك بعد.. زهقنا منك خلاص.. ترا حبيت رأسك وكبدي لايعة علي بعد صالح يضحك: زين يا هزيع.. ذا وجهي كني جبت لك هدية لنجاحك.. حينها قفز هزاع ليقبل رأس صالح عدة مرات هو يهتف بابتسامة: يقطع أبو الماديات اللي خربت أخلاقنا.. فهد جلس في الزواية المقابلة وهو يهتف: وش عنده حسون أفندي كنه شمبانزي في ظهر أبيه..تعالي حبني يالخايس.. حسن كان خلف والده يهز رأسه رفضا.. بينما عبدالله يبتسم: شمبانزي وخايس بعد.. وتبيه يحبك.. روح بس.. حينها نظر فهد لعبدالله نظرة مباشرة: بيحبني غصبن عن خشته.. بس خلني لين أروق له.. الحين نبي ندري وين كنت غاط ذا السنين كلها... وأشلون يوصلنا خبر موتك في حادث.. أنت داري إن هلك ذا السنين اللي فاتت باقي يمنعوني من السواقة.. هزاع الجالس بشكل مائل وهو يتسند على (المركا) يهمس بإرهاق: يمنعونك قومهم شين سواقتهم... لبسها عبدالله بعد؟!! فهد بغضب: تلايط أنت.. الكبار يتكلمون الصغار يتلايطون.. حينها هتف صالح بغضب: اجل انت بعد تلايط.. تسكته وحن قاعدين.. هذا حن أكبر منك... فهد شد له نفسا عميقا: ذا الكلام كله ما يهمني... حتى لو منعوني من السواقة مهيب ذي القضية.. القضية عبدالله وين كان؟؟ عبدالله تنهد ثم ابتسم: الحين أنت وش يهمك وين كنت؟؟ مهوب المهم أني قدامك طيب وبعافية... وأقول لك أن السبب اللي لدني منكم ذا السنين كلها مافيه شيء يلحق الدين ولا الشرف.. يكفيك كذا وإلا لا؟؟ فهد بتصميم غاضب: لا ما يكفيني... من حقي أعرف وش السبب اللي يخلي أخي يختفي أربع سنين وينقال لنا إنه مات.. عبدالله أمي كانت بتموت عقبك.. جاها اللي ما تمناه لعدوك دون صديقك.. وابي إسأل اخوانك عنه... جاه السكر والضغط وتشوفه تقول كنه شيبه في التسعين.. عالية كانت في فرنسا وما رجعت إلا عقب الخبر بـ3 شهور.. وحن كل مرة تسأل عنك وتقول أن جوالك مسكر نتحجج لها بألف حجة ويوم درت جاها انهيار وأسبوع كامل ما طب بطنها شيء.. وكل ما أكلناها غصب رجعت.. وعقبه دخلت للمستشفى من الجفاف وذا الصبي اللي أنت مستانس به... شوف أشلون متعلق فيك.. وذ ذنبه 3 سنين عايش يتيم... وأم حسن اللي حادت عليك وانحبست 8 شهور وضاع مستقبلها ودراستها.. وعقب ذا كله تقول أنا ماسويت شيء يمس الدين ولا الشرف.. اللي سويته في هلك في أي دين هو؟؟ في أي دين؟؟ عبدالله كان وجهه يتلون بألم مع انثيال فهد الغاضب.. وكل كلمة يقولها يشعر بها طعنة تتجدد في جراحه التي مازالت تنزف.. هزاع حينها انتفض بغضب: بس فهد اسكت... أنت ليه تبي توجعه كذا؟؟ عبدالله أشار بيده لهزاع: هزاع خله يقول اللي يبي... أنا أستاهل اللي قاله وأكثر ثم توجه بحواره لفهد وهو يتناول حسن من خلفه ويضعه في حضنه ويهتف بألم عميق: وأنت ظنك يا فهد أني ذا السنين اللي فاتت قاعد بعيد عنكم مستانس.. إذا كل واحد منكم ذاق وجيعة وحدة.. فقد ولد وإلا فقد أخ.. فأنا ذقت الوجايع ألوان.. فقدت الوطن والأم والأب والأخوان والأهل والأمان وحتى الراحة النفسية.. أنا كنت عايش ..بس ما أفرق عن أي ميت غير أني أتنفس.. تبي تحاسبني حاسبني.. حسابك مهوب الشيء اللي بيوجعني.. أنا مرت على الأوجاع كلها لين أقصاها.. أقصاها حينها وقف صالح وهو يهتف بحزم شديد: خلاص حكي في الموضوع ما أبي أسمع عبدالله ورجع.. شيء ثاني ما أبي أسمعه.. المشكلة الحين مهيب عبدالله وين كان لأن هذا شي فات.. المشكلة الحين أشلون نوصل الخبر لامي وابي وعالية وحتى عمي راشد وخالاتي وباقي جماعتنا.. حينها همس هزاع بوجع: تكفون ماتفجعون أمي وعالية.. إذا أنا الرجال ما استحملت.. عطوهم الخبر شوي شوي.. صالح توجه للباب : بنتفق عقب أشلون نوصل الخبر لهم.. وأول حد بنبلغه عالية.. والحين بأروح أسلم على أمي وأبي وانتو خلكم عند عبدالله ثم فهد عقب رجّع حسن لأمه.. عبدالرحمن كلمني يقول يبي يأتي يأخذه.. قلت له لا ..حن بنرجعه... ************************************* "أوف خالتي ميتة تعب" عفراء تلتفت لمزون بحنان: أكيد لازم تتعبين.. تجهيز عرس مهوب شيء هين عقبال ما أجهز لعرسش أنتي وعلي إن شاء الله مزون بتساؤل: عمي متى راجع الليلة؟؟ عفراء توترت قليلا لذكر منصور.. لا تنكر أنها حاولت الاتصال به مرتين اليوم.. لكن هاتفه كان مغلقا.. شعرت كما لو أن هذا الإغلاق هو رسالة موجهة لها أشعرتها بكثير من الألم عفراء حاولت أن تهمس بطبيعية: ما أدري بالضبط بس في الليل متأخر.. مزون بتلقائية: زين نرجع البيت وإلا عندنا مشوار ثاني؟؟.. عفراء بهدوء: والله كنت أبي أمر الدكتورة.. بس ما أظني الوقت يكفي.. الساعة الحين 7 ونص وهي تسكر 8... مزون بقلق: دكتورة ليش؟؟ عفراء بتلقائية: الدورة تأخرت على أكثر من أسبوع وصايرة أحس بألم في بطني من تحت.. أخر مرة جاتني قبل زواجي باسبوعين أبي أكل حبوب تنزلها.. بس قلت أستشير الدكتورة أول.. مزون تبتسم وهي تهتف للسائقة: جينا.. قدامش مختبر البرج وقفي عنده لو سمحتي عفراء بدهشة: والمختبر ليه؟؟ مزون بسعادة: خالتي أنا اللي أعلمش.. بدل ما تقولين أكل حبوب تنزل الدورة قولي أسوي فحص حمل.. عفراء بصدمة كاسحة : وش حمله الله يهداش؟؟ مزون باستغراب: إلا أنتي خالتي الله يهداش.. هذا الشيء المتوقع.. انتي دورتش كانت منتظمة مثل الساعة.. وتأخير أكثر من أسبوع معناها شيء واحد ليش مستبعدته يعني؟؟ عفراء برفض تام: لأنه مستحيل يامش.. مزون بحذر خجول: ليه خالتي؟؟ أنتي تاكلين مانع؟؟ عفراء تنهدت بعمق.. لم ترد أن تطيل الحوار أكثر من ذلك مع مزون.. قررت أن تجري الفحص حتى تسكتها.. لم تردها أن تسأل أكثر من ذلك وبالفعل نزلتا في المختبر.. وسحبوا عينة دم من عفراء.. ووعدوهما بالنتيجة بعد حوالي 40 دقيقة.. عفراء لم تكن تريد الانتظار العبثي هذا.. تنتظر شيئا غير موجود بل يستحيل وجوده.. ولكنها لم ترد أن تكسر بخاطر مزون التي كانت غاية في التحمس.. لذا كانت الأربعين دقيقة غاية في الثقل والملل... بعد الانتهاء.. خرج الطبيب بورقة في يده.. مزون قفزت لناحية المكتب وهي تهمس بسعادة حذرة: بشر يا دكتور.. بينما عفراء جالسة دون أدنى اهتمام.. وكل ماتريده هو انتهاء مزون من لعبتها حتى تعود للبيت.. الطبيب بابتسامة مهنية: نتيجة إيجابية.. مزون بسعادة محلقة: أشلون إيجابية.. حامل يعني..؟؟ الطبيب اتسعت ابتسامته: آه.. حامل إن شاء الله.. عفراء كأنها سمعت كلمة (حامل) لكنها أرجعتها لخلل في السماع.. أو ربما كان يقول لها (غير حامل).. مزون كادت تجن من السعادة: دكتور أقدر أعطيك بشارة؟؟ الطبيب يضحك: خلاص البشارة بتاعتي.. الفرحة دي.. عفراء أصيبت بالجمود والتيبس (ماذا يقولان هذان؟؟ يبدو أنهما يهذيان؟؟ أو أنا من تهذي وتتخيل؟؟) مزون قفزت بجوار خالتها وهي تحتضنها والكلمات تختلط على لسانها من سعادتها: مبروك ياخالتي مبروك... سبحان الله كنت أتمنى أكون أول من يعرف ويبارك والله حقق لي أمنيتي.. اللهم لك الحمد والشكر.. عقبال فرحتي بحمال مرت كساب.. عفراء كانت جالسة متخشبة (أتخيل؟؟ أكيد أتخيل!! مستحيل!! مستحيل!! أشلون أنا حامل؟؟ ومنصور؟؟) مزون تهز خالتها: خالتي بسم الله عليش.. عفراء انتفضت بخفة وهي تقف وتسأل الطبيب: دكتور أكيد أنا حامل؟؟ الطبيب بمهنية: إن شاء الله دا تحليل دم مش بول.. والدورة تأخرت أكتر من أسبوع.. أكيد إن شاء الله حينها عاودت عفراء الجلوس.. صدمة هائلة مزقت حواسها... دون أن تشعر مدت يدها لبطنها.. وذكريات مشوشة لحملها بجميلة تعود لذاكرتها ولكن فرق شاسع بين بساطة مشاعرها وفرحتها البريئة آنذاك وبين تعقيد مشاعرها وفرحتها المعقدة الكثيفة العارمة اليوم!! نعم... فـــرحــة!!.. رغم كل التعقيدات.. رغم كل التوتر.. رغم كل التأزم.. هي سعيدة.. بل سعيدة جدا.. كانت تتمنى طفلا من منصور وهاهي حصلت عليه.. لا تعلم كيف؟؟ ولا يهمها كيف؟؟ هي رحمة رب العالمين ورغبته ومشيئته التي لا يقف أمامها شيء.. كانت تخرج مع مزون وابتسامة متلاعبة شفافة ترتسم على وجهها.. قد تكون فاشلة جدا في التصرف بالخبث الأنثوي الذي قد يكون مطلوبا في بعض الأحيان.. ولكن حملها هذا ستجعله سلاحا ضد منصور المتبجح!! تستطيع قلب الطاولة عليه.. وقبل أن يغضب هو من حملها ستغضب هي منه.. لأنه خدعها وقال لها أنه يعاني من عيب يمنعه من الإنجاب فإذا به يورطها في حمل لم تكن هي مستعدة له أطلاقا.. " يالها من مسكينة!! " اتسعت ابتسامتها حتى كادت تتحول لقهقهه منعتها حتى لا تفضح نفسها في مزون (طيب يا منصور!! زين ربي أكرم من كل شيء أقوى من تسلطك وتجبرك وشروطك انتظر علي شوي بس شوي يا منصور!!) ********************************** " خلاص أبو عبدالرحمن شنطتك جاهزة.. واللي قلت لي عليه كله حطيته فيها" أبو عبدالرحمن يلتفت لأم عبدالرحمن وهو يجلس على السرير ويضع أوراقه وماله وجواز سفره في حقيبة صغيرة معه ويهتف لها بحزم: أنا معزوم على العشا.. وما قدرت أعتذر من الرجال.. بارجع بسرعة عقبه وبأخذ شنطتي وبيمرني تميم .. امهاب بيودينا المطار أم عبدالرحمن بتردد: والله ذا السفرة مالها سنع.. عرس بنت ناصر عقب أسبوع.. وأنت بعد ماخذ أخيها معك أبو عبدالرحمن بذات نبرته الحازمة: ما أقدر أجلها.. فضل المنان يقول إنه حاجز طيور لي.. وماقدر يخليها أكثر من أسبوع ولولا أن أبيه الله يحسن خاتمته هو اللي موصيه إنه إذا جاته طيور زينة يخيرني فيها أول حد.. أو كان باع بدون ما يهتم مني.. وما أقدر بعد أقول له احجزها أكثر من أسبوع.. ما أرضى له الخسارة...أنا وأبيه صحبة وأكثر من أخوان بعد من أكثر من 35 سنة.. أم عبدالرحمن بذات التردد: زين روح أنت جيب طيورك وخل تميم.. خاف يتأخر على عرس أخته.. حينها ابتسم أبو عبدالرحمن: ما أقدر أروح بدون تميم.. أستبشر بوجهه.. العام الأول حدني أشتري فرخ وأنا ما أبيه كلش.. بس شريته لأني ما أحب أخالفه تميم دايما رايه إهدا (الهدا=الصواب) مايحدني إلا على خير وذا الحين ذا الفرخ صار خيرة طيوري.. والعام يوم رحت بدون ما أقول له عشانه كان مريض.. زعل علي إني رحت وخليته.. وش تبيني أسوي يعني؟؟ أنا ماغصبته... أنا قلت له تخاويني.. وإن شاء الله محن بمبطين.. 3 أيام وإلا 4 بالكثير ومعودين تنهدت أم عبدالرحمن: أنت بعد يا فاضل غلطان من يوم ولعت الصبي في القنص.. وإلا حد مثل تميم يقنص.. ابتسم فاضل بشفافيه وهتف كأنه يكلم نفسه: والله إنه أخير من كل الصقارين.. صقار بالفطرة.. نبيه وفطين.. هذا أنا كنت أخذ عبدالرحمن وامهاب كلهم معي.. لو أني اللي أولعهم في الشيء كان ولعت ولدي.. بس ماحد منهم اهتوى القنص إلا تميم لأنه قرم في رأسه حب ما طحن.. ما يطحنه غير حوال الطير نكاسي.. والله ثم والله لو أني داري إنه له طاري بالعرس من وحدة مهيب مثله.. ماكان أخليه يروح على شعاع.. أم عبدالرحمن بجزع: من جدك يافاضل.. تميم ولد أخي واحبه مثل ولدي.. بس شعاع بنتي وأبي لها الزين.. أبو عبدالرحمن قلب شفتيه: هذا عشانش مرة عقلش ناقص.. أنا أشهد أنش ما تعرفين الرياجيل..وإلا تميم يسوى عشر رياجيل ثم أردف بحزم وهو يشير للتسريحة: تراني خليت لش ظرف فيه فلوس في الدرج الأول.. أم عبدالرحمن تغلق حقيبته وتهتف بتلقائية: ماله داعي يابو عبدالرحمن.. عبدارحمن موجود.. حينها هتف بغضب: ما حد مسئول عن بيتي غيري.. وما تأخذون مصروفك من غيري.. حينها هتفت أم عبدالرحمن بوجع مخفي: وهي المسئولية فلوس وبس.. الله لا يخلينا منك ولا من عبدالرحمن.. أبو عبدالرحمن يشد حقيبته وهو ينزلها على الأرض ثم يهتف لها بتحذير: إياني وإياش مرة ثانية تخلين شعاع تروح بروحها من السواق والخدامة..والله لا يصير شيء ما يرضيش.. شعاع ما تطلع مكان إلا معش أنتي أو مع أخيها أو مع جوزاء وبس... حتى مع بنات خالها ما تروح سامعتني؟!! أم عبدالرحمن بجزع: الله يهداك ماصارت إلا مرة وحدة عشاني ماكنت موجودة.. راحت تصور ملزمة في المكتبة القريبة عشان الامتحانات.. وهذي الامتحانات خلصت وشعاع جاها ماكفاها منك تيك المرة.. أبو عبدالرحمن بغضب: جزاها وأقل من جزاها... أنا منبه عليها ألف مرة... ثم تعصاني.. ثم أردف بتصميم : وإيه.. أمنتش الله ما ترقدين لين تأكدين إنش قفلتي البيان وسحبتي المفاتيح.. أم عبدالرحمن بسكون: يا فاضل الله يهداك.. كل ماجيت تسافر توصي نفس الوصايا والله أني حفظتها.. لا توصي حريص أبو عبدالرحمن وهو يستعد للخروج: واسمعيني يأم عبدالرحمن تراني مخلي مع الفلوس.. فلوس هدية بنت ناصر.. لا تقصرون فيها تراها مالها خوال ولا عمان.. وأنتي عمتها الوحيدة.. أبي هديتش لها بهدية عشر عمان.. ******************************************* " عبدالرحمن فديتك.. تكفى جيب لي حسون الساعة صارت تسع ونص.. متى بألحق أعشيه واسبحه وانيمه؟؟" عبدالرحمن يهتف في هاتفه بمودة: جوزاء ياقلبي والله أني كلمت صالح كم مرة قال لي إن فهد بيجيبه... كلمت فهد يقول حسون مهوب راضي يرجع معه.. قلت لهم أنا بأجيكم أجيبه.. فهد يقول إنه مطلعه يلعبه.. وبيرجعه جوزاء بقلق: والله تاخر ياعبدالرحمن... صالح خذه من عقب العصر.. من الساعة أربع ونص.. الحين صارت تسع ونص لو كان ماخذه الصبح كان عادي عندي.. بس الحين تأخر الوقت عبدالرحمن بطمأنة: وش تاخر يابنت الحلال.. تو الناس.. والله مايأكلونه عمانه.. ولا يهمش أنا بكلم فهد لو ماجابه الحين.. باروح له بنفسي الألعاب.. جوزا ألقت بهاتفها جوارها وهي تمسح على وجهها بإرهاق.. شعاع الجالسة جوارها تقلب في جهازها الحاسوب همست لها بهدوء: أشفيش متوترة كذا... ترا مهيب أول مرة يأخذونه هله.. وأحيانا ياخذونه أكثر من كذا وخصوصا عقب مارجعت عالية يكون معها طول اليوم.. وش معنى اليوم متوترة كذا؟؟ جوزاء بتوتر وقلق عميقين: أنا كلمت عالية عقب المغرب.. قالت لي ماشافته.. قلبي قارصني 5 ساعات قاعد في المجلس؟؟... أنا خايفة يكون مسك دلال القهوة وإلا طلع الشارع وإلا صار له بعيد الشر شيء.. عشان كذا عمانه مايبون يروعوني ياربي شعاع... والله العظيم قلبي قارصني.. وقاعدة أطمن روحي شعاع بطمأنة: ما أشين فالش.. مابه إلا الزين.. . . ذات الوقت.. فهد يبتسم: أنت خلصنا من ولدك اللزقة.. خاله صدعنا يقول أمه صدعته.. عبدالله لا يريد تركه يغادر فعلا.. مازال لم يشبع عينيه وروحه منه.. ولكن هل ساعة أو ساعتين آخريين سيكفيانه.. يشعر أن العمر كله لا يكفيه حتى يعوضه عن تركه له طيلة السنوات الماضية وخصوصا أن حسن لا يريد تركه مطلقا..ويبدو متعلقا به بصورة غريبة مبالغة.. أ لم عميق يتصاعد في روح عبدالله على حال هذا الصغير الذي عاش علاقة أبوة مع مجرد صور.. ورق مصفر.. أشباح باهتة لخيال أب كان.. بينما والده حي يرزق.. ينظر إلى حسن الجالس على ركبتيه ويعاود احتضانه ربما للمرة الألف هذه الليلة .. ولا يرتوي من رائحته ولا من قرب جسده الضئيل فهد يعاود الإلحاح: لا تزعل علي بس تراني بشله غصب وبوديه لامه.. نبي نرجع نتعشى ونتصل في صالح يجينا.. عبدالله يقف وهو يحمل حسن بين ذراعيه: أنا باروح معك نوديه.. فهد بتوجس: أخاف حد يعرفك.. ما أبي حد يبلغ هلي الخبر قبل ماحنا نقول لهم.. عبدالله بهدوء واثق: يا ابن الحلال أنا باتلطم.. وأقعد جنبك...وأنت انزل وعطه خاله.. صار لك ساعتين تحايل فيه وهو مهوب راضي.. فهد باستغراب: صراحة تعلقه فيك غير طبيعي.. متى لحق يعرفك عشان يتعلق فيك كذا؟؟ وبعدين ماشاء الله تعاملك معه تعامل واحد خبير ومحترف بعد.. مهوب واحد المفروض إنه عليمي.. عبدالله يبتسم: الأخ مركز في كل شيء.. هذي اسمها تناجي أرواح يا متنح.. ولد وابيه.. الروح تنادي الروح فهد يضحك: الكلام كذا كني سمعته في فيلم هندي قديم.. يا الله قوم قوم... نسيبنا دخل في مخ مخي... الله يعين عالية عليه ويعينه على عالية عبدالله وفهد يتجهان للخارج.. تاركين هزاعا الذي كان نائما في المجلس وعبدالله يسأل فهد بابتسامة: عالية ماعقلت.. ؟؟ فهد يبتسم: إذا عقل حسون عقلت عالية معه.. عبدالله بمودة عميقة: وخالي نايف وش أخباره؟؟ صالح يقول لي باقي له سنة ويخلص ماستر.. فهد بمودة مشابهة: نايف طيب لو أن الله يخلصه من حنت خالاتك.. هم موذين العالم فكيف أخيهم الوحيد ثم أردف فهد وكأنه يتذكر شيئا: تدري عبدالله حتى يوم كانت أم حسن في الحداد.. كنت دايم أشوف عالية مفولة من خالاتي خصوصا خالتي نورة وسلطانة تقول أنهم حاطين دوبهم دوب المسكينة ومطفرينها من عيشتها.. عبدالله شعر كما لو كان تكهرب وتيار لاسع يمر عبر كامل جسده: أشلون يعني؟؟ فهد بعدم اهتمام: ما أدري.. اسأل عالية عقب.. عبدالله سكت باقي الطريق وهو يحتضن حسن الذي يستكين على صدره (هل تبقى شيء يا جوزاء لم أجرحكِ فيه؟؟ حتى أبسط شيء.. أتركك عرضة للألسنة تلتهمكِ دون أن أكون موجودا لحمايتكِ!! للتخفيف عنك!! تركتكِ براءة عذبة مغبونة مجروحة في عمق أنوثتها ضاعت فرصتك في اكمال دراستك في حداد ماكان يجب أن تخضعي له وبعد ذلك حتى من أذية الكلام لم يرحموك وأنا السبب في كل ذلك!! دائما أنا السبب!!) عبدالله كان مستغرقا في أفكاره التي يأخذه منها أحيانا حديث فهد الذي كان يجيبه باقتضاب بعد أن صدمه بوجيعة جوزا الجديدة أي فرحة هذه التي خالجتها الأوجاع حتى صميم الروح؟؟ أي فرحة هذه التي ما ابتسم فيها ابتسامة حتى سالت خلفها روحه دمعات وآهات؟؟ "وصلنا!!" انتزعته كلمة فهد الحادة القاطعة من أفكاره بالكامل والسيارة تقف أمام بيت أبي عبدالرحمن ************************************ قبل ذلك بحوالي ساعة... بعد صلاة العشاء مباشرة تجلس في غرفتها.. تحترق.. تفكر.. تنطفئ لتعاود الاحتراق بلا هوادة تعلم أنه عاد.. وتعلم أنه كان في الأسفل سلم على والديه وشقيقته وولديه.. ثم ذهب للمسجد مع والده لصلاة العشاء كل هذه الأخبار أبلغها بها ولديها اللذين ذهبا هما أيضا مع والدهما للصلاة بينما هي كانت في أثناء حدوث ذلك تلتهي بترتيب ملابسهما عن الهموم التي تكاثرت في روحها والتي زادها عليها أن غانم لا يرد على اتصالاتها أبدا.. بعد خروجه المفجع بالأمس.. الذي زاد قلقها قلقا عادت لغرفتها وهي لا تعلم حتى إن كان صالح سيتذكر أن يصعد لرؤيتها أو ربما كان مستعجلا للعودة لشيء آخر!! بداخلها ترفض فكرة أن صالحا قد يتزوج عليها.. لا يمكن أن ينهار كل الحب الذي يحبها صالح في لحظة.. يستحيل أن يستبدلها بآخرى تطوف ببالها مئات من ذكرياتها مع صالح.. العاشق الذي لم تطفئ جذوة حبه لها أي ظروف.. لا خلافاتهما ولا بعادها ولا السنوات.. دائما كان عاشقا متجددا.. وكأنهما عريسان في شهر زواجهما الأول.. رغما عنها شهقت بألم.. هي من أضاعته من يدها.. صالح على الدوام كان رجلا استثنائيا.. تكاد تقسم أنه قد لا يوجد على كوكب الأرض رجلا أغرق زوجته في مشاعر عشق مستحيلة كما فعل صالح أخطأ في حقها خطأ كبيرا.. ولكنها هي من لم تعرف كيف تتصرف حينما حدث الخطأ في مرته الأولى.. ومراته التالية.. كانت تهرب لغرفة ابنائها ثم تدعي أنها رضيت سريعا رغم أنها بداخلها لم ترضَ.. شيء ما بقي حاجزا بينها وبينه حاجز كان يثير جنون صالح الذي يريد امتلاكها حتى أخر نفس.. ولكنها ربما كانت تعاقبه بهذه الطريقة.. كانت تعلم استماتته في إشعال مشاعرها لكنها كانت تبقي لها دائما حاجز ما من تباعد وبرود لا تعلم هل (غرّها الغلا)؟؟ هل كانت طريقتها في التعامل مع صالح فاشلة؟؟ (بالتأكيد هي فاشلة وأنا فاشلة!! وإلا لماذا وصلنا إلى هذا الحال لماذا وصلنا هنا.. رغم كل الحب الذي جمعنا أو بمعنى أصح حب صالح الذي كنت أستقبله دون مقابل يوازيه!!) كانت أفكارها الجارحة الثقيلة تدمي فؤادا أرهقه اليأس والسهر والقلق والغيرة.. وشهقاتها الخافتة تحاول كتمانها فلا تفلح.. حتى سمعت الطرقات الهادئة على الباب التي أجبرتها على ابتلاع شهقاتها.. ******************************** يتنهد بعمق وهو يدخل إلى بيته.. تجاوزت الساعة منتصف الليل.. لا يعلم هل كانت مهمته ناجحة أو فاشلة ولكن أكثر ما يخشاه أن تؤدي لتأزم الوضع بينه وبين عفراء يخشى أن تكون جميلة اتصلت بوالدتها بعد مغادرته ولا يعلم كيف نسي حدوث مثل هذا الاحتمال المتوقع جدا.. احتمال كهذا قد ينسف كل مافعله.. وغلطة الشاطر بألف.. بل غلطة كهذه بملايين الملايين.. يخشى أكثر من أي شيء أنه لن يجدها حتى هنا.. قد تكون غضبت وعادت لبيتها.. وهذا هو المتوقع منها.. فبعد اتفاقهما أن يؤجلا إبلاغ جميلة بزواجهما حتى تذهب عفراء لها كان هو من خرق الاتفاق وهو يبلغ جميلة ودون علم عفراء حتى.. يخشى بشدة أن تسيء فهم سبب تصرفه هذا.. أو تبرره بسوء نية مقصود منه.. كانت هذه الأفكار تدور في رأسه وهو يصعد للأعلى ومع كل خطوة يخطوها يغتاله أحساس مر أنه لن يجدها .. لن يجدها وأنه سيجد فقط أطلالا مهجورة تستحضر ذكراها في المكان #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والثلاثون مشاعر ثقيلة جدا أورمت قلبه الذي ماعاد يحتمل المزيد وهو يقف أمام باب بيت أبو عبدالرحمن من الخارج بينما حسن حين عرف البيت شدَّ على عبدالله وهو يهز رأسه بعناد طفولي: مابي.. مابي.. أبي بابا بث.. مابي ألوح.. عبدالله يحتضنه بخفة ويسأل فهد بشجن: كنهم مغيرين واجهة البيت والصبغة؟؟ فهد بدون اهتمام: ما أدري يأخيك.. الظاهر عبدالله تنهد بألم شفاف وهو يهمس في داخله: (أنا اللي أدري.. أنا اللي أدري كان باقي أعد خطوط البيت وأنا أنتظرها تطلع علي في كل مرة كنت أوديها لأهلها أحاول أتشاغل بشيء.. ألهي نفسي عن شوقي لها ألهي نفسي عن قلبي اللي أحسه ينشلخ ألف مرة) بينما عبدالله لاه في أفكاره وهو يشد ابنه إلى صدره كان فهد ينهي اتصالا ثم يلتفت لعبدالله: عبدالرحمن عاده في الطريق ويبي له شوي.. ويقول ا ن ابيه معزوم على عشا خل نعطي ذا الأذوة واحد من صبيان المجلس ويعطيه الخدامات يوصلونه لأمه.. عبدالله بصدمة: من جدك أنت؟؟ تبي تعطي ولدي واحد من الصبيان يوصله للخدامات.. قسما بالله منت بصاحي ولا تأمن على الولد... عسى مهوب أنت اللي ترجعه كل مرة..؟؟ فهد يضحك: وانا وش عرفني بالبرتوكول لإعادة صاحب السمو... رجعته كم مرة.. بس كل مرة عبدالرحمن موجود وإلا جده وهم اللي يأخذونه عبدالله بقلق: فهد أمنتك الله.. لا تكون مرة سويتها وعطيته الصبيان..؟؟ فهد يضحك: والله العظيم مابعد سويتها... خاطري تشوف وجهك.. لابس دور الأب مضبوط.. ثم أردف بابتسامة: يا الله قل لي وش تبينا نسوي.. نقعد واقفين لين ياتي عبدالرحمن ويعرفك كان مخططنا أني أنا بأنزله المجلس وبأجيك.. الحين وش السواة.. عبدالله تنهد: اتصل في أمه.. خلها تخلي وحدة من الخدامات تطلع لنا.. وبننتظر هنا لين أشوفها دخلته داخل البيت.. فهد حينها تفجرت في رأسه قنبلة ما.. شهق ثم كح وهو يهتف لعبدالله برعب حقيقي: على طاري أم حسن.. عبدالله أنت الحين ما متت.. والمرة حادت عليك.. وحتى عدة الغياب ماكملتها لك بالضبط 3 سنين و11 شهر ووأم حسن الحين على ذمة ولد آل يحيا.. لازم تسأل شيخ .. عبدالله ألا يكفيه مافيه من أوجاع حتى يذكره: أم حسن أنا طلقتها وأنا في أمريكا.. وعقد الطلاق موثق ورسمي وموجود الحين في الخارجية للي يبي يتاكد.. فهد بصدمة: عبدالله أنا مصدوم فيك.. يعني مخطط لكل شيء.. ليه ذا كله.. ليه؟؟ عبدالله لم يرد عليه.. حينها زفر فهد بغضب متزايد على عبدالله: باتصل في عالية أخذ رقم البيت منها عبدالله بسكون: مافيه داعي أنا حافظه.. إذا هو نفسه ماتغير.. فهد أخذ الرقم من عبدالله وهو مازال يغلي من الغضب.. في الداخل.. جوزا تذهب وتعود.. ماعادت قادرة على الجلوس بينما شعاع مازالت تعبث بأزرار حاسوبها وهي تهمس بهدوء: جوزا الله يهداش عبدالرحمن الحين مكلمش ويقول أنه جاي اقعدي حولتيني.. جوزاء بغضب: خلش في اللي أنتي فيه.. ومالش شغل.. رن الهاتف بجوار شعاع .. التقطته وعينها على شاشة الحاسوب: مرحبا.. صوت رجولي غاضب: وين أم حسن وإلا أم عبدالرحمن يا بنت..؟؟ شعاع مصدومة من هذه الوقاحة.. (بدون سلام حتى؟؟).. بينما فهد كان يظن أن من ردت عليه طفلة صغيرة.. شعاع تحاول الاعتصام بالأدب وهي تتكلم بطريقتها الهادئة الرقيقة التلقائية المعتادة: أم حسن موجودة.. وأم عبدالرحمن تصلي.. من تبي منهم؟؟ حينها علم فهد أنها ليست طفلة بل صبية يقطر صوتها رقة وعذوبة أشعرته بمزيد من الغضب.. لأنه يكره بشكل عام يكره (الميوعة) في البنت.. وهو حسب ظنه شعر أنها تتحدث بميوعة زائدة مع غضبه الذي قفل عروق التفكير في رأسه: اصطلبي يا بنت لا تسيحين.. ماعلموش هلش أشلون بنت الحمايل ترد على الرياجيل.. شعاع شهقت بشدة وهي تلقي الهاتف والحاسوب وتقفز راكضة للأعلى حينها انتزع عبدالله الهاتف منه بغضب كاسح: قسما أنك مستخف.. هذي أكيد شعاع.. البنية أذكرها هادية خلقة ربي يا الجلف.. الله يأخذ عدوك فهد لم يهتم.. وعبدالله يأخذ منه الهاتف ويقرر أن يطلب منها إرسال أحد للخارج فهو متأكد أنها لا تتذكر صوته ولكنه مع التقاطه للهاتف كان صوتا آخر يهتف بقلق عميق: من أنت؟؟ ووش قلت للي ردت عليك ؟؟ حينها عبدالله عاود إلقاء الهاتف لفهد و يشير له أن يرد ..وهو يشعر أن قلبه مزقته قنبلة مدمرة إلى مئات الشظايا يكاد يقسم أنه يشعر بألم فعلي في كل نواحي قلبه.. صوتها.. هي.. همساتها!! قبل أن تتحدث حتى ..عرفها.. عرفها..!! شعر أن أول نفس عانق وتين قلبه والنفس الثاني مزقه تماما.. ثم بقية الأحرف عبثت بقلبه الممزق ذهابا وإيابا ( يا الله.. يارب هل حكمت على سواي بعذاب حب كهذا؟؟ كنت أخدع نفسي أنني سأنساها أو حتى أتناسها بعد ان كانت ذكرياتي الشاردة معها زادا يدفئ قلبي المجمد طوال كل دقيقة في السنوات الماضية فإذا بحلم النسيان مجرد حلم مستحيل وأنا أسمع همساتها اليوم يا الله كم اشتقت لها.. كم اشتقت!! يا الله مابقي فيَّ قلب يحتمل كل هذا!! وكل ماقلت هذا.. جاء مزيد مما لا أتحمله أموت لأسمع همساتها مرة أخرى.. مرة بعد! اللهم أني استغفرك وأتوب إليك يا الله انزع حبها من قلبي.. يا الله اعني على نفسي ) فهد حينما تناول الهاتف عرف صوت جوزا.. هتف باحترام: هلا أم حسن جوزاء بتوتر: هلا أبو خالد.. حسن فيه شيء؟؟ فهد يهتف بهدوء رغم أنه مازال غاضبا وسماع صوتها ذكره بسبب غضبه من عبدالله: لا.. والله مافيه إلا العافية جوزا بحرج: زين دام مافيه شيء ليش تروعت أختي كذا؟؟ فهد بثقة: قلت لش مافيه إلا العافية.. بس ماكان راضي يرجع أنا واقف عند باب الحوش من برا.. طرشي لي الخدامة تأخذه.. جوزاء أرسلت الخادمة ووقفت أمام النافذة تنظر للسيارة.. كانت الرؤية غير واضحة لأنهما لم يكونا يقفان في داخل الباحة لكن أمام الباب الخارجي ولكنها متأكدة أن السيارة كان فيها شخصين والشخص الذي ناول الخادمة الولد كان من يجلس بجوار السائق.. شعرت باستغراب عميق وهي ترى حسن لا يريد التخلص منه ثم وهي تسمع بدء تعالي صرخاته وهو يرفس الخادمة التي تحمله ويحاول التخلص منها.. وفعلا أفلت منها ونزل وعاد ركضا للسيارة.. حينها تفجر قلق جوزاء عارما.. أخذت الرقم من الكاشف وعاودت الاتصال بفهد بينما حسن عاد لوالده ورفض النزول والخادمة تحاول أن تنزله فهد بقلق يهتف لعبدالله: شكلنا بننفضح الليلة من سبت ولدك اللزقة هذا.. عبدالرحمن على وصول تعالى رنين هاتفه كانت المتصلة هي جوزاء وهي تهتف بقلق: أبو خالد ولدي مهوب طبيعي الليلة.. أمنتك الله وش صاير له أنا بألبس عباتي وأجي اخذه بنفسي.. فهد قلقه بدأ بالتصاعد ومع ذلك هتف بثقة: لا والله ما تجين أنا بأنزل فيه للمجلس وبأنتظر عبدالرحمن فهد أغلق الاتصال ثم ألتفت لعبدالله بحزم: أنت أنزل وسق بدالي وأرجع لبيت صالح.. وانا بأنزل بولدك الفضيحة .. وكن فيه خير خله يتفلت مني بانتظر عبدالرحمن ثم بخلي صالح يمرني فهد نزل بالفعل وشد حسن بقوة حانية.. ولأن فهد ليس كالخادمة طبعا فحسن لم يستطع التفلت منه بينما عبدالله كان ينزل ليتجه لمكان السائق وهو يهتف برجاء أقرب للأمر: فهد تكفى شوي شوي.. آجعته... فهد بغضب يتجه بحسن الباكي للمجلس: ما آجعته بس هو متدلع بزيادة.. بينما صراخ حسن يرتفع : أبي بابا أبي بابا.. الخادمة عادت للداخل.. وجوزاء أمسكتها لتحقق معها: حسن وش فيه؟؟ الخادمة بطبيعية: مافيه سي.. بس يبكي يبي بابا.. جوزاء باستغراب: أي بابا ياخبلة؟؟ الخادمة تتجه للداخل: أنا مافي معلوم.. جوزاء انتظرت على أعصابها المتفلتة قلقا لمدة خمس دقائق هي المدة التي استغرقها وصول عبدالرحمن ثم إحضاره لحسن الذي مازال ينتحب بعناد: أبي بابا أبي بابا.. جوزاء حين رأته تناولته وهي تحتضنه وتهدئه: وش فيك حبيبي؟؟ حسن تعلق بعنقها وهو يبكي: ماما أبي ألوح بابا.. بس سوي.. سوي بس.. جوزاء اختنقت: أي بابا ياقلبي؟؟ حسن مازال يبكي: بابا عند ثالح.. أبي ألوح بابا.. ثم ألتفت لخاله: دحمان ودني بابا.. عبدالرحمن يتناوله من جوزاء ويحمله وهو يقبله ويهمس له بحنان: خلاص بكرة حبيبي أوديك.. جوزاء بغضب عاتب: عبدالرحمن ألف مرة قلت لك لاعاد تمنيه شيء ماتقدر تسويه عبدالرحمن بإرهاق: خرق مخي في المجلس وهو عند فهد.. يبكي كأنه مقروص.. ترا ماهدا إلا يوم شافش... جوزاء بقلق تنظر لحسن المستمر في البكاء: ليه هو ذا الحين ينقال له هدأ؟؟ عبدالرحمن يطبطب على ظهر حسن ويهتف بتعب: أهون من قبل شوي بواجد..قسما بالله صدعت من صياحه جوزاء صعدت بابنها.. رفض أن يتناول العشاء.. وطوال ماكانت تحممه كان مستمرا في البكاء وفي طلب وحيد: أبي بابا.. حينها توجهت جوزا لغرفة شعاع التي كانت مازالت تعاني من حرج عميق من موقف الاتصال السخيف الذي عرفت تاليا من صاحبه ومع ذلك خرجت حين سمعت بكاء حسن وحاولت مع جوزاء تهدئته أو جعله يتناول العشاء .. ولكنه رفض وعادت لغرفتها حين كانت جوزاء تحمم حسن جوزاء كانت تحمل حسن الذي بدأ مرهقا من كثرة البكاء ومع ذلك مازال يبكي.. دخلت على شعاع وضعته على السرير وهمست لها برجاء عميق: تكفين شعاع.. تكفين طالبتش.. بس ذا المرة.. الولد مات من البكاء عمره ماصار له كذا.. عطيه صور أبيه بس الليلة.. خليه ينام.. شوفي أشلون وجهه متورم من البكاء.. تكفين شعاع عشان خاطري .. والله جاني الليلة ماكفاني.. شعاع تهز رأسها رفضا وهي تهمس بعمق شفاف: جوزا على ويش احنا متفقين.. كذا بيرجع حسن يتعلق في الصور جوزاء بألم: يرجع يتعلق؟؟ ليه هو نسى؟؟ ياربي حاسة أن الذنب اللي سويته في حسن ذنب كبير واجد وأنا أعلقه في أب ميت.. تكفين شعاع بس الليلة.. بس الليلة.. أنا تعبانة حدي.. شعاع رغم رفضها لذلك لكن حسن بالفعل كان هذه الليلة أكثر من كل ليلة.. وزاد عليها أن جوزاء كانت تبدو بالفعل على وشك الانهيار لذا تناولت مفتاحها وفتحت دولابها المغلق وأحضرت الألبوم ووضعته على ساقي حسن الباكي وهي تهمس بحنان: هذي حبيبي صور بابا.. خلاص لا تبكي ثم كانت الصدمة الكاسحة لهما كليهما.. أن حسنا ألقى بالألبوم على الأرض دون أن يفتحه وهو يصرخ بعناد: ما أبي ثورة..أنتي خبلة.. أدول أبي بابا.. أبي بابا.. ************************************** طرقاته.. من سواه.. تصاعدت طرقات قلبها التي بدأت مع الطرقات وزادت مع انفتاح الباب لتصل ذروتها وهي ترى صالحا يتقدم ناحيتها.. صالح أصبحت لديه معرفة عن حالها وظنونها.. وغيرتها.. لا ينكر سعادته المخفية في أعماقه.. دائما الغيرة هي دليل حب وتملك.. قد تختلف الآراء والمضامين حولها.. لكن في حالهما هما هي دليل حب لا شك.. صالح لا يشك في محبة نجلا له لكنه بات يشك في مكانته عندها.. فالإنسان مثلا قد يكون يحب شيء معين.. لعبة قديمة.. صورة.. أو حتى قطعة ملابس.. وقد تكون عزيزة جدا عليه لكنه قد يضعها في دولاب ثم ينساها لأنه يعلم أنها محمية ولن تصلها يد لكن حينما يشعر أنها مهددة فأنه ينتفض للدفاع عنها.. هكذا كان حالهما.. فهي ركنته في الدولاب المحمي.. ولهت في حياتها مطمئنة أنه سيبقى دائما لها.. ولكنها يبدو أنها نسيت أن تغلق الخزانة جيدا.. فهي تركتها مواربة لذا لم تستطع منع وصول يد أخرى إليه كما كانت تظن.. تريده أن يعود لها وحدها حينها ستتأكد من قفل الخزانة جيدا وإلقاء المفتاح في البحر.. لأنها في حينها ستغلق على نفسها معه في ذات الخزانة.. ولكن هل مازال لديها فرصة.. وهي تراه يتقدم نحوها بوجه خال تماما من التعابير وكأنه لا يحمل أدنى اهتمام بها.. أو ربما يريد اخبارها بخبر زواجه ثم العودة لزوجته الجديدة..؟؟ تريد أن تبكي.. تشعر برغبة حادة للبكاء.. لكنها لم تفعلها.. لم ترد أن تبدو بمظهر معدومة الكرامة التي تستجدي حنانه بينما هو قد يكون أصبح لأخرى فما فائدة الدموع التي ماعاد لها فائدة؟!! كان من المفترض أن تبكي له ومن أجله وأمامه قبل الآن ولكن الآن لا تريد أن تستجلب شفقته عليها وهي قد تكون فقدته.. لا تريد شفقته.. تريد حبه وولعه وغرامه.. المشاعر التي كان يغرقها في طوفانها والتي قد تكون فقدتها للأبد تزداد رغبتها في البكاء.. ومعها إحساسها بضرورة التماسك مادامت قد تكون فقدته.. فلتحتفظ ببعض كرامتها!! صالح يعلم أن دفاعاته معدومة.. لو همست الآن باسمه فقط.. سينهار كل تمثيله الهش.. فهو مشتاق حتى النخاع.. عاشق حتى نخاع النخاع ولكنه يتمنى أن يحتفظ ببعض جلده حتى يحلا بشكل تام مابينهما من مشكلات فهو من ناحيته يرى أن جزء كبير من مشكلتهما يرجع إلى كونها متأكدة من قوة مشاعره ناحيتها.. المشاعر التي كان يصدح بها لها ليلا ونهارا والتي جعلتها هي في موقع القوة!! لابد أن تشعر فعلا أنها ستفقد هذه المشاعر.. لتشعر بقيمتها.. صالح دخل بخطوات ثابتة.. كانت تجلس على السرير ووقفت احتراما حين رأته وصلها وهي تتحاشى النظر له.. ألقى السلام وهو يلصق خده بخدها في سلام بدا باردا لكليهما ظاهرا ولكنه كان مشتعلا في خلايا كل منهما كل واحد منهما تمنى أن يطول هذا السلام ويتحور لصورة أكثر قربا وحميمية علها تريح بال كل منهما من أفكاره ولكن السلام انتهى خاطفا.. كما بدا خاطفا.. صالح اتجه للتسريحة وهو يخلع ساعته وأزرته ويهتف بهدوء مصطنع: أشلونش وأشلون العيال؟؟ عسى ما قصركم شيء؟؟ همست بذات اصطناعه ولكن بحذر أشد فهي تخشى ماهو قادم بينما هو الصورة واضحة تماما لديه: الحمدلله بخير.. جعلك سالم.. استدار صالح ليهتف بطبيعية: أنا بأدخل أسبح.. جهزي لي شنطة لو سمحتي.. فيها ملابس داخلية فنايل وسرويل وفوط.. والثياب خليها معلقة.. حينها سقط كل اصطناعها وانهار وهي تشهق بجزع مرتعب كأن روحها استلت من جنبيها: يعني صحيح صالح سويتها وتزوجت علي؟؟ صالح يريد أن يضحك لذا استدار حتى لا ترى وجهه وهو يهتف ببرود: من اللي قال لش ذا السخافات؟ نجلاء تمنع عبراتها المتفجرة من الظهور في صوتها: مايحتاج حد يقول لي السالفة بينة.. صالح بحزم: نجلا أنا ماني بفاضي لذا الخرابيط.. باسبح.. أبي أطلع ألقى شنطتي جاهزة.. عندي شغل ضروري ثم أردف بنبرة مقصودة: نجلا إذا جيت بأعرس ترا أنتي أول حد بيدري لأني لو بأعرس بتكونين أنتي السبب.. وأنتي عارفة ليه؟؟ صالح دخل الحمام..نجلاء سحبت لها حقيبة من أسفل السرير.. وهي تكاد تسكب فيضان دموعها فيه (ما دام قال إنه ما تزوج علي.. مستحيل يكذب صالح ما يكذب بس ليش الشنطة ياربي.. ليش؟؟) فتحت الحقيبة فوق السرير.. وبدأت تضع الملابس فيها التي غرقت من دموعها التي كانت تمسحها بكفيها وهي تضعها في الحقيبة انتهت من تجهيز الحقيبة وأغلقتها وأخرجت ثيابه وتركتها في علاقاتها فوق حقيبته.. أنجزت مهمتها على أكمل وجه في انتظار خروجه حالما خرج استدارت حتى لا يرى دموعها وهي تخرج له ملابس أخرى ثم ناولته إياها دون أن تنظر إليه صالح عاد لغرفة التبديل ليرتدي ملابسه.. بينما هي كانت تلتهي بشيء غير معلوم في الخزانة... حينما خرج كانت مازالت مستمرة في التهاءها بينما توجه هو للتسريحة ليمشط شعره.. ثم تناول غترته ليلبسها... خلال هذه الخطوات الكثيرة كلها كانت نجلاء توليه ظهرها وهي تشهق في داخلها وتنتظر منه كلمة واحدة تطمئن نفسها به.. ولكنه كان صامتا كبئر مهجورة.. حين رأته تناول حقيبته وملابسه وسيخرج دون أن يقول لها شيئا.. همست له باختناق: كم يوم بتسافر؟؟ صالح دون أن يلتفت: ماني بمسافر.. بأروح أقعد في بيتي.. عندي شغل لازم أخلصه هناك.. نجلاء بصدمة: زين ليش صالح ذا كله؟؟ صالح بسكون: لا تسألين.. الشيء اللي يهمش.. ريحي بالش عرس ماني بمعرس.. نجلاء تحاول أن تتماسك بفشل: زين ما تبي تعرس.. بس تطلع وتخليني بدون ما تشرح لي.. زعلان علي.. خلاص اقعد خل نتفاهم.. ولا تكلمني وأنت معطيني ظهرك .. لذا الدرجة ما تبي تشوفني صالح لا مقاومة فعلية لديه.. يعرف نفسه.. لا يستطيع مقاومتها.. لذا كان يكلمها دون أن ينظر لها.. تعب من كل هذا.. لابد أن يجد له حلا جذريا.. لذا هتف بهدوء: بنتفاهم بس مهوب الحين.. أنتي يانجلا تبين لش وقت تفكرين زين.. وأنا بعد.. نجلاء باختناق: زين والتسع الشهور اللي فاتت ما كفتك تفكر صالح بنبرة مقصودة: والله أنا كفتني وزود عن الزود لين طلعت روحي.. بس أنتي ما كفتش.. تبين لش زود.. حينها انصدم صالح بذراعيها الرقيقين تطوقان خصره من الخلف وهي تدفن وجهها في ظهره وتهمس باختناق: والله العظيم كفتني..وكفتني.. وكفتني... تكفى صالح لا تروح صالح شعر أن كهرباء لاسعة صعقت سلسلة ظهره بشكل صادم..ناسف.. رغم أنهما زوجان منذ سنوات.. لكن على الدوم كان يشعر أن كل لمسة لها هي لمسته الأولى لشدة ولعه الغير طبيعي بها.. الولع الذي كانت هي غير حريصة عليه..وجعلته في حالات كثيرة يفقد توازنه.. لا يبرئ نفسه من خطئه الذي لا يغتفر في حقها.. ولكنه لا يبرئها من عجزها عن مد حبل التواصل والتفاهم بينهما كما يجب ولكنه رجل عاشق.. عاشق كما لم يعشق رجل من قبل!! فكيف يستطيع التوفيق بين مايريده الآن حالا.. ومايريده دائما؟!! الآن يشعر أنه سينهار وهو يشعر بدفء أنفاسها في منتصف ظهره.. يريد أن يلقي بكل مافي يديه ويستدير ليحتضنها ويشعر بأنفاسها هذه قريبا من قلبه هذا ما يريده الآن وحالا !!.. وكان سينفذ فعلا.. لولا هاتفه الذي رن بإصرار وأخذه من عالمه الخاص هو وإياها.. حينها هي أفلتته وتأخرت.. وهو وضع حقيبته وتناول الهاتف... كان فهد يستعجله أن يأتي لأخذه من بيت أبو عبدالرحمن صالح تنهد وهو يسب فهدا في داخله الذي اتصل في وقت غير مناسب.. وفي ذات الوقت يشكره على اتصاله في الوقت المناسب.. لم يكن يريد أن ينهار هكذا من محاولتها الأولى.. حينها ستعلم أنها عادت لموقع القوة والسيطرة عليه!! صالح غادرها.. بينما هي تراجعت لتجلس على السرير وهي تلكم المخدات بغيظ (ماراح أبكي.. ماراح أبكي.. النذل أقول له أقعد ويطنشني. أنا يسوي فيني كذا يبي يخليني أفكر قال.. وإلا يبي يطفش مني ويلاقي له سبب؟؟ ماراح أبكي عشانه.. كفاني الدموع اللي صبيتها عشانه الأيام اللي فاتت وهو ما يستاهل ما يستاهل.. ما يستاهل دموعي مستحيل أبكي عشانه مرة ثانية مستحيل) كانت تصرخ في داخلها بحرقة دون أن تشعر بسيول عارمة من الدموع كانت تنسكب على خديها تزامنا مع صرخاتها أنه لا يستحق دموعها وأنها لن تبكي أبدا أبدا من أجله!! *************************** طرق الباب بخفة.. فتح الباب ليعبر صالة والده التي كانت تغرق في أضواء خافتة ثم مد رأسه لداخل غرفة النوم بحذر خشية أن يكون نائما "تعال يأبيك!!" زايد أغلق كتابا كان يقرأ فيه حين رأى رأس علي يطل عليه.. علي ابتسم وهو يتقدم: أزعجتك؟؟ زايد أعتدل جالسا: لا يأبيك.. كنت أقرأ بس.. علي جلس جواره وهتف بابتسامة: عاد عندك وقت تقرأ يبه؟؟ زايد ابتسم: لكل شيء وقته يأبيك.. علي بمودة: ماشاء الله عليك يبه.. تبادلا الحوار العام لعدة دقائق هتف بعدها علي باحترام: يبه ترا أبي أسوي عشا لربعي في المنصب الجديد.. وأبي أسويه في المزرعة.. زايد بحزم: تشاور في حلالك؟؟ ابتسم علي: لا جعلني فداك.. بس أبي أشوف الوقت اللي يناسبك.. كلهم يبون يتعرفون عليك.. زايد قطب جبينه: سوه ذا اليومين قدام عرس كساب.. لأني عقب العرس واعد مزون أوديها لبنت خالتها.. علي بشهامة تلقائية : تبي أكفيك كفيتك ووديتها أنا.... وحينها كما لو أنه ضُرب على رأسه وهو يستوعب ما الذي فعله.. يذهب هو بمزون هناك.. حيث هي وزوجها الذي فضلته عليه!!! زايد بتلقائية: جعلني ما أبكيك.. أنا بروحي أبي أشوف جميلة..وأتطمن عليها.. وكنه ما لدني شغل ضروري أنا اللي باودي مزون بنفسي وإن لدني شيء.. جعلني ما أبكيك وتكفيني دوم.. علي تنهد وهو يقف ويقبل رأس زايد وهو يغادر ويسب نفسه: (يا شين اللقافة.. ليتني قعدت ساكت يا الله ما يلده شغل ذاك الوقت يارب يا كريم) ******************************** تحتضنه وهو نائم.. ودموعها عجزت عن إيقافها.. ورعب متصاعد يتزايد في قلبها على صغيرها.. تضع يدها على جبينه وتنقلها لخده ثم تتحسس جسده.. وهي تكثر من قراءة الأذكار عليه يستحيل أن يكون ماحدث له اليوم طبيعيا بأي صورة.. تخشى أن يكون ابنها أصيب بلوثة ما في عقله.. وأكثر ما تخشاه أنها هي سبب هذا اللوثة.. بل لا يوجد لها سبب سواها.. فهي من علقته بأب ميت.. بمجرد صور.. وهاهو الطفل بات يتخيل أن هناك أب فعلا له.. ما أثار جنونها وجعلها تبكي بلا توقف.. أنه الليلة بعد أن هدأ قليلا وهي تحاول معه أن ينام.. كانت تمدده على ذراعها لتحكي له حكاية قبل النوم كما اعتادا ولكن حكاية ماقبل النوم اليوم كانت من نصيبها .. فحسن انثال يحدثها بحماسة عن والده.. ووالده فعل كذا وكذا.. حمله على ظهره.. ودار به.. ورفعه وجعله يلمس الإضاءة.. حينها بدأ وجهه يضيء .. ثم بدأ يضحك بهستيرية وهو يحكي لها بسعادة طفولية غامرة ماذا فعل والده.. ومع كل حكاية يحكيها كانت جوزاء تختنق وتختنق ودموعها تنسكب وتنسكب.. ( الولد استخف.. استخف وأنا السبب.. ياربي ماعندي غير ذا الولد لا تعاقبني فيه.. أرجوك يارب.. سوو اللي تبي فيني بس ولدي لا.. ولدي لا) جوزاء كانت تحاول أن تتمسك بخيط أمل أخير وهي تمنع نفسها أن تشهق وهي تسأل حسن: حسن حبيبي من اللي لاعبك اليوم.. بابا صالح.. وإلا بابا فهد..؟؟ رغم أنها تعلم أن حسن لا ينادي أي أحد بابا.. ولكن كان لديها أملا ما.. أن هذا الأمر تغير الليلة.. وأن من يحكي عنه هو واحد منهما لذا انهارت مقاومتها تماما وهو يجيبها: ثالح وفهد مو بابا.. ما أحب فهد.. عثانه ماخلاني أروح مع بابا جوزاء بدأت تشهق وهي تهمس له: حبيبي بسم الله عليك.. أنت ماعندك الحين بابا.. بعدين بيصير عندك بابا امهاب.. حسن يعبث بأزرار بيجامتها وهو يولي وجهه ناحيتها: هاب مو بابا بعد.. أنا عندي بابا حقي بلوحي.. بابا عدالله حينها فعلا انفجرت جوزاء في شهقات حارقة.. واسم عبدالله يبعث قشعريرة مرارة في كل خلايا جسدها.. حسن يعرف فعلا أن اسم والده هو عبدالله..ويعرف فقط أن عبدالله هو من يراه في الصور فمن أين أتى بعبدالله هذا هذه الليلة؟؟ ( الولد استخف يا الله العفو واللطف منك يا الله لا تفجعني.. لا تفجعني ممكن أستحمل أي شيء في الدنيا إلا شيء يلحق ولدي يا الله لا تفجعني فيه) مازال لديها أمل وحيد أن ابنها فعلا هناك من لاعبه في بيت أهل والده.. والولد يحكي عنه.. تريد أي شيء يطمئنها أن ابنها بخير وطبيعي.. رغم أنها بدأت تشك في ذلك.. لا تستطيع الانتظار للغد .. فماذا تفعل؟؟ ماذا تفعل؟؟ ****************************** "قل لي وش مخططاتك الحين؟؟ " عبدالله ينظر لصالح الذي يجلس متربعا فوق السرير ويهتف بسكون: تدري المخططات تضاربت في رأسي.. أنتظر بلهفة شوفتي لهلي.. بس لين ذاك الوقت فيه شوي إجراءات لازم نخلصها بكرة أبي أروح أنا وأنت للمحكمة عشان نثبت أني عادني حي.. وأبي أشوف لي طريقة أرجع شغلي.. ما تعودت أقعد بطالي.. ابتسم صالح: لا تخاف.. الحين هنا اللي يعرف انجليزي هو اللي مأكل الجو في الوظايف... وأنت أول تعرف انجليزي زين.. والحين عقب ذا السنين كلها في أمريكا ومنقطع عن الرجعة والعرب.. أكيد صرت تحكي مثلهم.. حتى لو مارجعت وظيفتك القديمة... أنا ضامن لك وظيفة أحسن.. عبدالله بسكون: الله يكتب الخير.. رأسي مختبص.. وأبي أبدأ أنضم حياتي ثم أردف وكأنه يتذكر شيئا : إلا أنت وش اللي مقعدك لين الحين هنا؟؟ حتى فهد وهزاع راحوا عشان مايحس هلي بشيء صالح ينظر لعبدالله الذي يخلع ملابسه بينما هو تمدد على السرير ويرد عليه بابتسامة: وين تبيني أروح.. هذا أنا جبت ثياب لي ولك.. وقاعد عندك مثل ما اتفقنا من يوم حن في امريكا عبدالله يرد بابتسامة مشابهة: لا طال عمرك ما اتفقنا.. أنت قلت وما خذت رأيي وبعدين استح على وجهك.. لا تكون خايف علي وتبي تحرسني ثم أردف وابتسامته تتسع: وإلا لا تكون خايف علي أسرق بيتك؟؟ قوم روح .. لا تدعي علينا أم خالد.. صالح يضحك: وأنت وش عليك.. أنا أصلا أبي أم خالد تشتاق لي.. عبدالله يغمز له: والله أخبرك أنت اللي على طول مشتاق ومتولع.. وإلا لا تكون راحت على بنت العم.. صالح باستنكار عفوي: الله لا يقوله.. تروح على العالم كله ولا تروح عليها.. عبدالله يضحك وهو يجلس جواره: إيه هذا صالح اللي أعرفه.. بنت العم كفو.. عارفة تمسكك من حلقك مضبوط صالح يبتسم: الشرهة علي اللي كنت أئتمنك على كل شيء.. تعلق علي بعد!! عبدالله يتنهد ثم يرد بنبرة شفافة: تدري يا صالح أحس من كثر ما كنت أعلق عليك قبل ما أتزوج أنا.. إنه ربي حافاني بحال أردأ من حالك وش رجّال يحس روحه معلقة في يدين مره.. إن بغت خنقت قلبك بدون تفكير.. صالح بنبرة مقصودة: أنا وأنت عارفين اللي خانقة قلبي.. بس أنت شيء جديد.. وش ذا البلوة اللي ابتلى بها عيال خالد آل ليث.. بلعون أن ابي ربانا على قوة الباس.. بس ماعلمنا يوم يصير غريمك قلبك وش تسوي قبل أن يرد عبدالله على صالح قاطعهما رنة رسالة وصلت صالح.. وفتحها صالح بلهفة ظنا منه أنها من خانقة قلبه.. لكنه تفاجأ بشدة أنها من شخص آخر: " سامحني يابو خالد أدري والله مهوب وقت مكالمة بس أنا بأموت من الروعة ومحاتاة ولدي تكفى كلمني وأبي أم خالد تكون موجودة وتسمع ولدي الليلة مستحيل يكون طبيعي أبي أسمع منك شيء يطمني عليه تكفى طالبتك " صالح أزاح الهاتف عن مدى بصره ثم ألتفت لعبدالله وهتف باستغراب: مسج من أم حسن تبيني أكلمها.. حينها ورغما عنه اشتعلت غيرته لاهبة محرقة وهو يصر على أسنانه: وأم حسن متعودة ترسل لك مسج ذا الحزة وتطلب أنك تكلمها؟؟ صالح ضرب عبدالله على صدره بالهاتف الذي ألقاه عليه بعنف وهو يرد عليه بغضب: تخسى أنت ووجهك.. وتكرم أم حسن.. صدق أنك مستخف.. هاك اقرأ مسجها عبدالله رفع المسج وقرأه ثم هتف لصالح وهو يمسح وجهه ويستعيذ من الشيطان: سامحني يأخيك.. بس لو أنا قلت لك إن أم خالد أرسلت لي مسج ذا الحزة وش كانت ردة فعلك؟؟ صالح بغضب: كان ردت فعلي أعبر منك وأقوى... بس أم خالد مرتي.. عبدالله رد بغضب مشابه: وأم حسن مــرتــ عبدالله بتر عبارته وألم الحقيقة يجفف الكلمات على لسانه.. بينما صالح تركه غارقا في أفكاره وتناول الهاتف ليتصل بجوزاء. حينها عبدالله هتف له بحزم: مادام الموضوع يخص ولدي.. من حقي أسمع.. حطه على السبيكر.. جوزاء التي كانت تنتظر اتصال صالح بقلق عارم ردت فورا بحرج خانق: هلا بوخالد.. أرجوك سامحني على الإزعاج صوتها.. السحر الخالد الذي ما انفك رصده عنه يوما.. انسكب في روحه العطشى لنبراتها التي ارتفعت لتحلق في أثير الغرفة التي يجلس فيها وكأن همساتها تحلق به هو على موجاتها التي آسرت روحه للأبد صوتها هو ذاته لم يتغير.. فقط أكثر نضجا وتأثيرا !! صالح رد عليها باريحية: مابه ازعاج يام حسن .. آمريني؟؟ جوزاء حينها سألت باختناق: أنتو كان عندكم حد اليوم غريب لاعب حسن وشاله.. تكفى جاوبني حينها شعر عبدالله أن عرقه سيتصبب.. كما لو أن لحظة الحقيقة حانت واقتربت.. وأكثر ما يخشاه تأثير عودته عليها صالح بحذر: ليه تسألين ؟؟ حينها اختنق صوتها بالعبرات: يابو خالد الولد الليلة مهوب طبيعي.. أول شي ساعتين يبكي يبي أبيه.. وعقب قبل ينام يسولف لي عنه سوالف وش كثر إنه شاله وأنه لاعبه.. ثم حينها انفجرت في البكاء: والمشكلة إنه يقول بابا عبدالله... وهو يعرف شكل عبدالله عدل من صوره.. فأشلون يقول إنه شاف ابيه الليلة الولد استخف يابو خالد.. استخف.. كان صالح على وشك أن يرد عليها لولا الطرف الثالث الذي أذابته شهقاتها والذي انتزع الهاتف من صالح وأغلق السماعة لينسكب صوتها وأنينها وأنفاسها في أذنه هو فقط وهو يهمس لها بحنان ذائب لا مثيل له: تكفين يأم حسن لا تبكين.. حسن مافيه الا العافية..حسن شاف ابيه صدق.. شافني جعل يومي قبل يومه.. جوزاء شهقت بعنف جازع وهي تلقي الهاتف من يدها كما لو كان الهاتف شظية من نار أحرقت يدها.. ثم تتراجع لتلصق ظهرها بظهر السرير.. ثم تنتزع ولدها النائم جوارها وتضعه في حضنها وتضمه لصدرها بكل قوة وهي ترتجف وصور سوداء مرعبة لذكريات قاسية تعبر روحها الجازعة.. وأنفاسها تضيق وتضيق: كابوس هذا مجرد كابوس.. أنا أحلم بكابوس.. عبدالله مات وشبع موت .. مستحيل يرجع.. مستحيل يرجع عشان يعذبني مرة ثانية كانت تشد على ولدها الصغير في حضنها وارتجافها يتزايد وهي تكلم نفسها وكلماتها تتبعثر برعب متوحش: أتخيل.. أتخيل.. كابوس هذا.. عبدالله مات.. مات.. الميت مايرجع ظلت على هذا الحال لمدة خمس دقائق كأنها خمس سنوات لثقل ووطأة ماشعرت به من مرارة وقسوة على روحها.. شعرت كما لو أن جبلا هائلا أطبق على قفصها الصدري وهي ترزح تم أغلاله.. كانت تشد على حسن الصغير ورأسها يميل للأمام والخلف مع جسدها كاملا الذي يتأرجح كعقرب ساعة تروح وتأتي تشعر بسعير حارق يعبر جسدها محرقا لاهبا وكأنه يذيب خلاياها لشدة ماشعرت من الوجع والحرقة.. وكأنها حُشرت بين عقارب الساعة التي تنهش لحمها في كل حركة.. بين ثانية وأخرى ودقيقة وأخرى.. الصور كلها تداخلت والخيالات والأزمنة والذكريات والآلام.. " أ لم يكفه مافعله بي حتى وهو ميت حتى يعود من الموت..؟؟ أ لم يكفه أني مازلت حتى الآن عاجزة عن نسيان مافعله بي حتى يأتي ليفعل المزيد؟؟ أ لم يكفه أنني بسببه خيال أنثى.. ومحض وجيعة.. وبقايا إنسان؟؟ أ لم يكفه أنني بسببه مجرد شيء هلامي مضغته الآلام.. ثم لفظه رحم الوجع؟؟ أ لم يكفه أنه حولني لمسخ .. زاده التجريح والحقد والرغبة في الانتقام من كل شيء؟؟ ثم بعد ذلك كله.. حينما بدأت أفكر أن أنسى كل ذلك.. أن أبدأ حياة جديدة يعود في هذا الوقت بالتحديد.. وكأنه علم أنني أفكر أن أتجاوز سجنه لروحي في قفص ظلمه.. عاد ليعلن رفضه لتحرر روحي.. عاد ليخبرني أنه لا فكاك لي من سجنه.. وأنني سأبقى للأبد أسيرة لجرحه وظلمه وقسوته... من أجل أن يستمر في ذبحي.. هو مستعد للعودة من الموت حتى!! " كانت تفكر بكل هذا وهي مستمرة في حركتها الدورية ذهابا وإيابا.. وجهها يحتقن وعيونها تسيل وأنفها يسيل وهي تمسح وجهها دون أن تشعر بطرف كمها في حركة يائسة.. وهي على هذا الحال فوجئت بعدها بدخول عبدالرحمن الفجائي عليها الذي كان يبدو كما لو كان أوقظ من نومه.. وجهه محتقن وأنفاسه تعلو وتهبط.. عبدالرحمن جلس جوارها ووضع يده على رأسها وهمس لها باختناق: اذكري الله.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.. وإذا كان عبدالله حي.. هذي حكمة رب العالمين وحكمه جوزاء حينها انفجرت ببكاء خافت وهي تضع جبينها على كتف عبدالرحمن وصغيرها النائم في حضنها بينهما: تكفى عبدالرحمن قل لي إنه كابوس.. كابوس.. الميتين مايرجعون مايرجعون ما أبيه يرجع.. ما أبيه يرجع.. صح هذا حلم حلم عبدالله مات من سنين.. أشلون يرجع.. عبدالرحمن تناول حسن من حضنها.. تشبثت به.. خلصه عبدالرحمن من بين يديها ووضعه على السرير... وهو يهمس لها بحنان عميق: لا تخافين على حسن مستحيل حد يأخذه منش.. لا عبدالله ولا غيره.. جوزاء ارتمت في حضنه وهي تشهق: هو بيأخذه.. رجع من الموت عشان يأخذه مني.. ماشفت أشلون الولد تعلق فيه من ساعات بس.. أشلون عقب أيام حتى أنا يمكن ما يبيني... عبدالرحمن يحتضنها وهو يربت على ظهرها ويهدهدها: لا تصيرين خبلة.. مافيه حد عند البزر مثل أمه.. جوزاء مستمرة في بكاءها الهستيري: عمري ماشفت منه الا البلاوي.. وهذا هو راجع يكمل على اللي باقي مني.. يبي يأخذ ولدي.. بيأخذ ولدي مني.. أدري إن هذا اللي بيسويه.. ماباقي شيء محسسني إني عايشة وأني إنسانة غير حسن.. عشان كذا يبي يحرمني منه.. جوزاء عاودت انتزاع حسن من جوارها وضمه لصدرها وهي تصرخ بهستيرية وتنفجر في شكل لم يحدث لها أبدا من قبل: ماحد بماخذ ولدي مني.. ماحد بماخذه مني.. عبدالله أنا أكرهك.. أكرهك.. مستحيل أخليك تأخذ ولدي.. هذا ولدي بروحي.. متى عرفته أنت؟؟ جاي الحين تبي تاخذه على الجاهز؟؟ أكرهك.. أكرهك.. أكرهك.. حسن صحا من نومه وبدا يبكي.. عبدالرحمن يحاول تهدئتها أو أخذ حسن منها دون أن يفلح... وصراخها يتزايد مع تزايد تشجنات جسدها وهي مازالت متشبثة بحسن الذي زاد بكاءه توجه عبدالرحمن بسرعة لإيقاظ شعاع... وطلب منها أن تبقى معها حتى يحضر أي طبيب.. فجوزا بدت مستثارة بشكل غير طبيعي أبدا.. ولابد من حقنها بمهدئ.. وفوجئ حينها بوالدته تحاول أن تفتح الباب وهي تترنح لأن قدميها أصابهما الخدر حين صحت برعب على صرخات جوزاء سارع لها ليسندها ليجدها ترتعش والكلمات جافة على لسانها: أختك وش فيها؟؟ أختك وش فيها؟؟ عبدالرحمن باختناق لجزعه على أمه أيضا: والله العظيم مافيها شيء.. متروعة عشان رجالها الأولي طلع حي تكفين يمه أبيش قوية.. كفاية جوزا.. أبيش تهدينها.. تكفين عاد كله ولا أنتي.. . . . في ذات الوقت عبدالله كان يروح ويأتي: تكفى صالح كلم عبدالرحمن تطمن عليها.. تكفى يأخيك.. صالح بحزم: عبدالله مالنا طريقة على أخت الرجال.. خلاص كلمته وعلمته باللي صار عشان يروح لها.. وأكثر من كذا ما أقدر.. عبدالله بيأس: صالح تكفى.. أنت ماسمعت شهقتها في التلفون.. حسيت كن روحها طلعت.. صالح بنبرة مقصودة: عبدالله اهتمامك بها مهوب طبيعي أبد.. شوف وجهك.. حاس أنك لو تقدر تروح بنفسك كان رحت عبدالله بألم: صالح تكفى لا تنبشني.. المرة حتى مهوب حلال لي أفكر فيها.. وأنا ماني بقادر أطلعها من رأسي.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك خلني الحين أقول إنه روعة على أم ولدي.. تكفى كلم عبدالرحمن.. صالح تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل رغم شعوره العميق بالحرج: هلا أبو فاضل.. آسف على الإزعاج.. بس نبي نتطمن على أم حسن .............................. صالح بصدمة: ويش؟؟ أنت طالع تجيب دكتور؟؟ لذا الدرجة تعبانة ............................. صالح بحرج أشد: والله مالنا وجه منك يابو فاضل.. ماكنت أبي أصدمها كذا.. بس هي اللي لزمت تعرف من اللي كان حسن يقول إنه بابا وكانت متروعة عليه ما قدرت أدس عليها موضوع مثل ذا يوم شفت روعتها.. عسى بس أبو عبدالرحمن ما زعل علينا من روعة تالي الليل ذي؟؟ .......................... صالح ينهي الاتصال: الله يكبر قدرك.. تكفى طمنا على أم حسن.. صالح التفت لعبدالله الذي كان وجهه مخطوف اللون وهو يهمس كأنه يكلم نفسه: لذا الدرجة تعبانة..؟؟ صالح يتنهد: منهارة شوي.. لا تلومها.. وعبدالرحمن راح يدور دكتور يضربها إبرة مهدئة.. وعلى الطاري ترا عبدالرحمن يتحمد لك السلامة... والله أنه ذوق ذا الرجال.. حتى روعته ما نسته.. وربك يحبك إن أبو عبدالرحمن مسافر توه الليلة.. وإلا يمكن كان سود عيشتك على ترويعك لبنته..تعرفه إذا عصب ما يتفاهم.. عبدالله تنهد وهو يدعك جانبي رأسه.. هذا الوضع الذي يعيشه لا يمكن أن يكون طبيعيا.. مازال يحاول أن يجد له مجرد أرض صلبة يقف عليها.. فإذا بكل الأرضيات هلامية.. رخوة.. والصدمات تتوالى عليه من كل جهة دون هوادة أو رحمة.. ************************************ كان قد وصل إلى باب غرفته مع إحساس يقيني متزايد أنه لم يجدها فتح الباب بحذر لتستقبله أولا الرائحة العذبة الكثيفة .. فتح الباب بحذر أكبر ليجد المفاجأة الصادمة في انتظاره.. هي هكذا..لا تعرف كيف يكون التلون أو كيف تتلون.. حين عادت للبيت كانت تخطر ببالها عشرات الأفكار لإصابة منصور بالجنون..ومعاتبته على خداعه لها بكذبة عدم قدرته على الإنجاب.. حتى تقلب الطاولة عليه قبل أن يغضب من حملها ولكنها مع مرور اللحظات كانت كل الأفكار والخطط تتسرب أمام حقيقة واحدة.. سعادتها بحملها الذي حتى لا تستطيع تمثيل أنها غاضبة منه.. وان منصور لم يعد زوجها فقط ولكن والد طفلها.. حنان غامر شعرت به ناحية الاثنين: منصور وابنه.. وحتى غضبها منه يتبخر ستتصرف كما تمليء عليها سريرتها النقية.. بما أنها سعيدة ستشعره بهذه السعادة وستشركه بها.. وإن كان فعلا يحبها كما يقول دائما فهو سيسعد حملها وكما يقول شروط على البر غير عنها حينما تدخل البحر.. أما لو غضب من حملها فمعنى ذلك أنه يرفضها وحينها يستحيل أن تبقى معه.. أرادت أن يكون كل شيء واضحا أمامهما منذ البداية.. فهذا الملاك القادم لن يكون أبدا لعبة بينهما.. فهو يستحق الأفضل.. وإن كان والده لا يريده.. فهي تريده ولن تكون هذه المرة الأولى التي تربي طفلا لوحدها... رغم أنها كانت في داخلها ترتجف من هذا الاحتمال وترفضه بكل أمنيات قلبها السعيد.. فهي تتمنى أن تتشارك مع منصور -الذي بدأ يستولي على روحها- في تربية هذا الصغير كانت هذه هي أفكارها التي ملئت روحها وهي تستعد لاستقبال منصور استقبالا حافلا بحجم الخبر السعيد.. كانت تشعل الشمعة العطرية الأخيرة حين انفتح الباب.. ودخل منصور بخطواته الواثقة المعتادة.. وقف للحظات وهو ينظر للزاوية حيث الجلسة الصغيرة التي غرقت في أضواء الشموع المعطرة وروائحها.. وفي وسطها تقف الشمعة التي أنارت حياته المعتمة كانت غاية في التألق والتأنق في فستان مشجر بتدرجات الأزرق وكأنها تستعد للذهاب إلى حفل كبير ما ابتسم بشفافية وهو يلقي السلام ويتقدم ناحيتها.. يشبع عينيه نظرا لفتنتها فلا يرتوي.. رغم تفاجئه من كل هذا إلا أنه لم يرهق ذهنه بالتساؤل عن الأسباب.. فهو أصبح يعرف أن هذه المخلوقة العذبة قلبها لا يعرف أن يحمل أصرا أو غضبا.. ويكفيه هذا ليهتنئ به ومن ناحية أخرى اطمئن أن خبر زيارته لجميلة لم يصلها بعد وإلا ماكانت لتستقبله هذا الاستقبال.. فهو يريد أن يكون من يخبرها بنفسه عفراء استقبلته لتطوق عنقه بذراعيها وتهمس له برقة: نزل رأسك شوي زين منصور انحنى قليلا لتلصق خدها بخده وتهمس في أذنه بدفء: اشتقت لك.. حينها غمر بشغف عميق وجهها بقبلاته.. ثم همس في أذنها بخفوت: وأنا اشتقت لش أكثر.. شدته عفراء من يده لتجلسه وهي تهمس برقة: اقعد تعشى وبعدين تأكل من كيكة السربرايز.. عندنا اليوم حدث سبيشل.. منصور يجلس وهو يطوق كتفيها بذراعه ويهمس بشجن: كل يوم معش هو عندي يوم سبيشل.. شأخبارش اليوم ياقلبي؟؟ وش سويتي في غيبتي؟؟ عفراء تسكب له كوبا من العصير: أبد اليوم كله مع مزون.. ثم أردفت بنبرة ذات مغزى: ثم ختمناه بمشوار ختامها مسك منصور حينها قطب جبينه: إلا مزون ماردت على خطبة فهد.. عفراء تبتسم: تكفى منصور ما تزعل.. بس مزون ماوافقت عليه.. منصور حينها همس بغضب عاتب: أكيد وافقت على غانم عشان كساب.. وأنا مالي قدر عندها عفراء قبلت يده التي ترتاح كتفها وهمست بابتسامة: حرام عليك.. ومارضت في غانم بعد.. ماحبت تزعل حد منكم.. كساب يوم بلغته يقول إنها مارضت بغانم عشانه من طرفه.. خفوا على البنية.. منصور يتنهد: والله أني أبي لها الزين.. فهد والله رجّال مثايله نادرين.. يُعتمد عليه صدق.. كان فيه عذروب السواقة والتسرع.. وإن شاء الله إنه انصلح وبينصلح حاله.. عفراء أسندت رأسها لكتفه واحتضت خصره بيد وهي تشد يده الحرة وتضعها على بطنها بيدها الأخرى.. تشعر بجيشان مشاعر عميق تود أن توصل له بعضا منه فقط.. تتمنى في هذه اللحظة لو استطاعت حتى أن تنفذ من بين أضلاعه لتختبئ بين جنبيه وتستكين بفرحتها الغامرة همست له بنبرة مقصودة مثقلة بالعذوبة: تبي تكلم مزون بنفسك كلمها.. وبعدين الليلة حقي أنا وإياك بروحنا.. مانبي نتكلم في مشاكل غيرنا.. قل لي أنت وش أخبارك؟؟ وأشلون النفسية اليوم عشان أتشجع؟؟ قالتها وهي تشدد احتضان كفه على بطنها.. منصور تنهد وهو يجيبها بصراحته المعتادة وانشغاله بموضوع جميلة يعميه عن ملاحظة تلميحاتها البريئة: أخباري إني توني راجع من أنسي.. من عند جميلة.. يعلم يقينا أنه استعجل في إخبارها الخبر وخصوصا أنه بإخبارها سيفسد هذا الجو الرائق بينهما الذي هو أكثر اشتياقا منها له.. لكنه على الناحية الأخرى يعلم أنها لو علمت حتى غدا صباحا ستعاتبه مرتين على ذهابه وعلى تأجيله إخبارها الخبر.. أو لو علمت من سواه.. كيف ستكون ردة فعلها... لذا قرر أن يكون هو من يخبرها وفورا حتى يتحكم في ردة الفعل من أولها.. تصلب جسدها بعنف.. وهي تبعد يده عن بطنها.. ثم تبتعد هي كليا عنه.. وتقف لتهمس بصوت مبحوح: وليه سويت كذا يا منصور؟؟ منصور بحزم: لأني حبيت أكون أنا اللي ابلغ جميلة عشان إذا رحت أنا وأياش تكون امتصت الصدمة وما تنفجر فيش.. وقبل ما تسيئين الظن فيني..ترا مقصدي اني بغيتها تكون في وجهي ولا في وجهش.. ارتعشت شفتا عفراء واختلجت أنفاسها: وأكيد جميلة عصبت.. واتهمتني أني رجعت هنا عشان أتزوج واخليها.. صح وإلا أنا غلطانة؟؟ منصور بحزم: هذا أنتي عارفة بنتش زين.. بتخلين دلعها وأنانيتها حاجز بيننا؟؟.. عفراء غرقت روحها في حزن شفاف شدها من قمة الجبل الذي كنت فيه إلى الحضيض: يعني شفت دلعها وأنانيتها.. وماشفت أنانيتك أنت..؟؟ شفت دلعها وأنانيتها وماشفت مرضها..؟؟ يا ترا استمتعت بقهرها وبكاها ووجيعتها؟؟ عسى بس حسيت برجولتك وأنت رايح تقول لها ترا أمش خلتش وتزوجتني؟؟ يا عسى بس انبسطت بتضحيتك وأنت تضحي إن الخبر يكون في وجهك عشان تحميني من بنتي؟؟ عفراء صمتت لثوان ثم همست بجمود : تصبح على خير يا منصور.. والحمدلله على السلامة.. قالتها وهي تطفئ الشمعة الأولى بباطن كفها ثم تنتقل للشمعة الثانية قبل أن يمسك بها منصور الذي كان يقف مصدوما مذهولا من هجومها الناعم المدمر عليه ثم انتفض قبل تطفئ الثانية أمسك بكفها وهو ينفخ في باطنها المحمر ويصرخ بغضب: أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟ عفراء جاوبته بذات الجمود: مجنونة من يوم وافقت أتزوج وأنا خلاص المفروض أقول كفاية علي أربي أحفادي رغم وجيعته من كلماتها ولكنه شدها من يدها حتى أوقفها أمام التسريحة ثم فتح الجارور الأول ليستخرج مرهم الحرائق ثم أخذ بعضا منه ليمده في باطن يدها.. ولم يستطع حينها إلا أن يرفع يدها إلى شفتيه ليقبلها بحنين وحنان عميقين ويهمس لها: عفرا لا تخلين زعلش علي يعميش عن غلاش عندي لم تمنعه ..لم تجيبه.. ولم تتجاوب معه.. حينما أفلتها.. اتجهت بصمت لغرفة التبديل وفي الوقت الذي جلس هو على أقرب مقعد وشد له نفسا عميقا وهو يحاول أن يصفي تفكيره كانت هي تنهار على أرضية غرفة التبديل وهي تضم ركبتيها لصدرها ودموعها تنساب بقهر وألم وخيالها يصور لها عشرات الصور المؤلمة لاستقبال جميلة الخبر بينما هي لم تكن جوارها في هذه الصور. من قال له أنها تريده أن يتلقى غضب جميلة بدلا عنها.. كيف يقرر هو نيابة عنها بأي حق هو من يقرر حتى في ابنتها؟؟ كانت تريد أن تكون هي من تتلقى غضبها..إن كان تنفيسها عن غضبها فيها سيريحها.. كانت تريد أن تكون موجودة حتى تعلم كيف سيكون تلقي جميلة للخبر لم تكن تريد أن تعاني جميلة بسببها وتكون هي غير موجودة وقبل ذلك كله أرادت أن تراها قبل أن تعلم.. بكت بغزارة أكثر ووجيعتها تنهمر: " كنت أبي أشوف الشوق في عيونها.. قبل ما تدري.. كنت أبي أستمتع بضمتها لصدري بدون زعل كنت أبي أشبع من ريحتها قبل ماياخذها زعلها مني.. حتى ذا الأمنية سلبها مني!! أشلون الحين لاشفتها وهي تشح بنظرة عينها علي؟؟ أشلون أجي اضمها لصدري وتصد عني؟؟ يعني عقب ماقلاني الشوق أجيها الاقيها زعلانة وليتها على الزعل بس.. الله يستر على بنتي ما يتاثر علاجها.. ليه يا منصور؟؟ ليه تسوي فيني كذا؟؟" بعد نصف ساعة مازالت معتصمة فيها بجلستها في غرفة الملابس.. قررت ختاما أن تنهض حتى تستحم.. ذهنها مشوش وعاجزة عن التفكير في شيء غير غضبها من منصور سمعت طرقات منصور على الباب تلاها صوت منصور الحازم: عفرا أنا طالع للمعسكر جايني استدعاء.. ردي علي عشان أتطمن عليش وأروح عفراء لم تستطع أن ترد عليه مع اختناقها بعبراتها.. ارتفع صوته بجزم أكبر: عفرا بتردين وإلا كسرت الباب.. حينها همست عفراء باختناق: خلاص.. سمعتك.. تنهد منصور وهو يشد قامته ويكف يده حتى لا يكسر الباب فعلا..وغضب كثيف على كل شيء يتصاعد في روحه لا يعلم لماذا تعقد كل شيء هكذا؟؟ لماذا لا يستطيع اقتحام هذا الباب الهزيل الفاصل بينهما ليشدها ويدفنها بين حناياه حيث يجب أن تكون وحيث يجب أن يكون مكانها الوحيد.. جواره.. وفي داخله.. وحوله ******************************** " ممكن أعرف ليه رفضتي غانم؟؟ عشانه من طرفي رفضتيه؟؟" مزون انتفضت بجزع.. بلهفة.. لأول مرة منذ سنوات يوجه لها خطابا مباشرا بهذه الصورة.. دائما كان كل مابينهما سلاما باردا يلقيه صاعدا أو نازلا وكأنه يلقيه عليها تأففا وتفضلا منذ أبلغته خالته منذ أكثر من ساعتين برفضها لغانم.. وعشرات الأفكار تمور في رأسه.. أولا قرر ألا يكلمها مطلقا أو حتى يلمح لها بالموضوع فالأمر ختاما شأنها ولا يهمه.. ولكنه لم يستطع أن يقف على الحياد وهو يراها تضيع رجلا كغانم من يدها وبسببه.. لأنها تهمه مهما أخفى ذلك عن العالم كله.. ومصلحتها لديه في المقام الأول.. مزون أجابته بهمس وهي تنظر لكفيها: لو كنت بأوافق عليه.. كان وافقت عليه عشانه من طرفك وعشان أرضيك بس.. حينها هتف لها كساب بحزم صارم: وأنا ما أبيش توافقين عشاني.. أبيش توافقين عشان نفسش أنا ما أدري لين متى قراراتش بتكون كلها تخبط في تخبط؟؟.. تدرين مزون مثل ماقررتي قرار غلط قبل 4 سنين وندمتي عليه ولا فادش الندم رفضش لغانم قرار غلط وبتندمين عليه وقت مايفيدش الندم فيه.. حينها رفعت مزون نظرها إليه وهتفت بحزم: تدري يا كساب.. أنا ماراح أطلع منذ ذا البيت لين أنت ترضى علي.. أشلون أبدأ حياتي كزوجة وأم.. وأنا لحد الحين فاشلة أكون أخت.. خطوة تترتب على فشل بتكون خطوة فاشلة.. كساب حينها لم يجبها وهو يتجاوزها.. ويصعد للأعلى وغضبه من نفسه يتصاعد ويتصاعد (حتى متى وأنا قلبي الأسود لا يعرف كيف يسامح أويغفر؟؟ يا الله كم اشتقت لطفولتها العذبة.. ابنتي التي لطالما هدهدتها بين ذراعي حتى تنام!! يا الله تعبت من كل هذا!! حتى أنا أتمنى أن أسامحها!! أتمنى ذلك أكثر منها بكثير!! ولكن ماذا أفعل بهذا العقل الذي لا يتزحزح عن أفكاره وعناده الصوان؟؟ وماذا أفعل هذا القلب الذي جمع كل متناقضات العالم بين رغبة عارمة في التسامح وبين قسوة عجزت أجد لها حلا) وصل لغرفته وغضبه من نفسه يتصاعد.. صلى قيامه وقرأ ورده.. هدأت روحه قليلا.. ولكنه ما أن تمدد لينام حتى عادت أفكاره تنهشه كم آلمه ربطها لحياتها القادمة برضاه!! (وإن كنت أنا عاجزا عن السماح هل تدفنين حياتك في انتظار رضا قلبي الأسود؟؟ يا الله أفرجها من عندك!!) كان سيقوم ليُجري بعض التمارين الرياضية علها تشغله عن التفكير وترهقه حتى ينام.. حينما وصلته رسالة من مشكلته الأخرى: " لو سمحت ممكن تجاوب على سؤال محدد إجابة محددة كم يوم بتكون رحلتنا عشان أعرف وش كثر أخذ معي ملابس؟؟ " حينها عاود التمدد وهو يجد له شي يشغله عن الألم ليأخذه إلى عوالم الترقب المسلية..وهو يرسل لها رسالة: " كلميني وأقول لش " وصله الرد: " أنت عندك خلل في رأسك يخلي رأسك مايعرف يمشي سيده خلاص شكرا ما أبي أعرف الجواب بأخذ معي شناط وش كثر تغطي وتزيد وأنت عاد الله يعينك على ثمن الشحن أدري ما يهمك.. خلاص ادفع" ابتسم وهو يهمس في داخله (خبلة ذا البنت) ثم أرسل لها: " أنا قلت لش كلميني شكلش في راسش نفس المشكلة اللي راسي طلبت طلب محدد تنفيذنه تنفيذ محدد ك ل م ي ن ي فهمتي وإلا لا؟؟" كاسرة على الطرف الآخر كانت هي أيضا تسترخي على سريرها وتهمس في داخلها بتهكم (صدق إنك سخيف وشايف حالك على الفاضي!! ليتني ما سألته.. ماصدق سواها سالفة يلزق بها) أرسلت له : " ومن قال أني أبي أسمع صوتك عشان أكلمك يعني عشان أنت مافيك صبر خمس أيام بس ماصدقت تلقى سالفة تلزق فيها؟؟" كساب حينما تلقى ردها ضحك (ياحليلها.. تحسب إنها أحرجتني وأني بأموت من الحرج الحين قلت لها قبل إنها ما تعرف تتكلم على قدها) كساب ابتسم بخبث وهو يرسل لها : " ومن قال لش فيني أصبر خمس ساعات عشان أصبر خمس أيام؟؟ كلميني!!" حينما وصلت الرسالة لكاسرة اعتدلت جالسة ووجهها يتفجر احمرارا رغما عنها (النذل يبي يسكتني للمرة الثانية!! لا والله إنها ما تصير) أرسلت له وهي لا تكاد ترى الشاشة لشدة خجلها لكن لا يمكن أن تسمح له أن يمسك بيدها التي تؤلمها.. حينها سيتمادى أكثر: " مافيك صبر؟؟ أنت كلمني!!" حين وصل ردها لكساب انفجر ضاحكا (والله أنش خطيرة... ملعوبة يا بنت بس أنتي تلعبين مع كسّاب مهوب مع اي حد!!) تناول هاتفه ليرسل لها رسالته الأخيرة: " تدرين؟؟ أجلي المكالمة بعدين نعسان وأبي أنام إيه.. وقبل أنسى سفرتنا مدتها أسبوعين بالضبط.. شنطة وحدة زيادة أنتي اللي بتدفعين شحنها!!" كاسرة ألقت هاتفها جوارها بعنف وغيظها منه يتصاعد (نذل ووقح...زين يا كساب إن ماطلعت ذا كله من عينك ما أكون بنت ناصر زين كلها مردودة) ************************************* " أنت وش مقعدك عندي.. قوم روح لشقتك" خليفة ينظر لجميلة بنصف عين : والله أنتي اللي حاكمة علي كل ليلة أبات عندج اش معنى الليلة أروح لشقتي؟؟ جميلة بغيظ: ما أبيك تبات عندي لا الليلة ولا كل ليلة عقبها.. لأني خلاص الحين زينة.. ومانيب في حاجة حد.. خليفة لم يرد عليها وهو ينظر لوجهها الذي تورم لكثرة ما بكت اليوم فهي منذ مغادرة منصور لم تتوقف عن البكاء الصامت حينا.. والنحيبي حينا آخر وبين كل فترة وأخرى تطلق عتابها القارص حينها له وأحيانا أكثر لوالدتها وهي تصور نفسها ضحية لجريمة نكراء اتفق الاثنان على ارتكابها فيها ومنذ أكثر من ساعتين صمتت عن البكاء وهي تغرق في صمت غريب ختمه طلبها منه أن يغادر.. كم تثير هذه الفتاة حيرته.. بقدر ماهي مدللة وهشة وبكاءة إلا أنه يشعر أن بداخلها قوة عجز عن تفسيرها خليفة وقف.. حينها همست هي بغيظ أشد: ما صدقت أقول لك عشان تخلص مني... كلكم ما تبوني.. ماحد يبيني.. خليفة يريد أن يضحك فعلا.. لكنه يعلم أنه إن ضحك فأنها ستغضب غضبا عارما هتف لها بنبرة حاول ان تكون طبيعية: يا الدلوعة ما راح أروح مكان.. راد أنام عندج.. بس أبي أودي هدية عمج لأمانات المصحة.. أخاف أنام تنسرق.. جميلة بغيظ: خلها تنسرق..من زينه هو وهديته.. ولا تقول عمي.. خليفة يبتسم: الريال متخسر وايد في هديتج وأنتي بصراحة ما تستاهلين.. حتى قولت عمي ما تبين تقولينها له.. لو ياي يده فاضية وايد أبرك له.. ليش الخساير جميلة بغيظ: أنا ما أستاهل خليفة.. أنا؟؟ روح فارق.. ود هديته الخايسة مثله قطها في الزبالة...ولا ترجع ما أبي أشوف وجهك الليلة.. ولا حتى بكرة.. خليفة ضحك: تدرين أحسن شيء أدور لي ممرضة حلوة أعطيها الهدية.. خلها تحلل الساعة في يدها الحلوة جميلة بدأت تصرخ بغيظ متزايد: أقول لك فارق.. فارق.. خليفة ماعاد يأثر فيه جنونه وثوراتها.. ابتسم: يا الله رايح شوي وراجع.. بأدور كاترين هي اللي تستاهلها.. بينما صرخاتها ترتفع خلفه: دب.. وما أحبك.. وخلك عند كاترين لا أشوف وجهك توطوط عندي خليفة غادر بينما عادت هي لبكاء خافت محترق وعميق.. (لماذا هم عاجزين عن فهمي هكذا؟؟ مدللة.. عنيدة.. وأنانية كلمات تقال أمامي ومن وراء ظهري كلمات يلقون بها ذنوبهم على كاهلي ليتخلصوا من عبئها وأتحملها أنا والآن يريدني غيورة.. يريد أن يشعر برجولته مع شبح أنثى وفي هذه الليلة التعيسة بالذات أحاول أن أتماسك.. بينما روحي تذوب ألما الليلة أنا موجوعة أكثر حتى مما أستطيع أن أحتمل أعلم أنه من حقها أن تتزوج.. لست طفلة ولكنني طفلتها هي.. وأحتاجها.. ألم تستطع أن تنتظر لأشهر فقط حتى أتحسن أعلم أني من رفضت بداية أن تكون جواري.. أخطئت.. كل البشر يخطئون فهل تعاقبني على خطيئتي بهذه الطريقة؟؟ العقاب على قدر الخطيئة وليس أضعافا مضاعفة هكذا أعلم أنني أخطئت وأخطئ وسأخطئ.. ولكن أ في كل مرة لم ولن تكن هي جواري لتوجهني؟؟ حزينة أنا ولا أجد صدرا أنثر عليه بعض دموع حزني.. أعلم أنه يحاول.. ولكني مازلت أشعر أنني لا أنتمي إليه وبكائي على صدره لن يكون راحتي!!) *********************************** صباح جديد مختلف عن كل صباح.. قلوب أنضجها الوجد.. وقلوب أنضجها الرعب آمال تتجدد.. وذكريات ترفض الانزياح . . . " صبحش الله بالخير.. وين أمي؟؟" عالية ترفع بصرها لفهد الذي يغلق الزر الأخير في بدلته العسكرية حول عنقه وتهمس بابتسامة: ماني بتارسة عينك.. هذا أنا قايمة من صباح الله خير أمسك موقع امي الاستراتيجي فهد يجلس بينما هي تصب له فنجانا من القهوة ويهمس بقلق: لا بس مهوب عوايد أمي.. لا تكون تعبانة.. عالية بمودة: بسم الله عليها... بس بنت جيراننا ولدت البارحة.. وأمك لزمت إنها تودي لهم ريوق في المستشفى من بدري.. فهد ينظر لساعته ويبتسم: الساعة ست ونص الصبح.. مغثة ذا مهوب ريوق.. عالية ترقص حاجبيها: لو دارية أنها مغثة كان أنا اللي وديته.. بعد تبادل سريع للتعليق والحكايات وفهد يتناول إفطاره.. هتف بنبرة مقصودة: تدرين عالية.. البارحة طول الليل أتحلم بعبدالله.. عالية ردت عليه بشجن: جعل قبره برايد عليه أبو حسن.. لازم تطلع صدقة له.. فهد بذات النبرة المقصودة: إن شاء الله.. تدرين في الحلم أشوفه راجع لنا.. وكني في الحلم أقول له أنت ما متت ياعبدالله.. يقول لي لا.. أنتو شفتو لي جثة عشان تقولون أني متت.. عالية رغما عنها انتفضت وهمست بضيق: وش ذا الحلم الغريب.. تكفى فهد أنتظر دقيقة أنا بأقوم أجيب فلوس من عندي.. أبيك تطلع له صدقة عني بعد.. أبو حسن خيره سابق دايما.. . . بعد ثلاث ساعات.. هزاع ينزل.. يجد عالية أيضا تجلس مكان والدتها التي عادت ولكنها في غرفتها صلت ضحاها..ثم قررت أن تتمدد هزاع ينحني عليها ويسلم مقبلا رأسها: حيا الله أختي العجوز.. عالية تبتسم: عجزوا عدوينك قول آمين..حاط أخواني شيبان... وأنا عجوز يا النونو.. لا تكون مرة تقول أختي العجوز عند عبدالرحمن سويتك شاورما هزاع يرقص حاجبيه: لا عند عبدالرحمن أقول أختي الخبلة عقلها باقي له ربع برج ويطير.. عالية تهدده أن ترشه بالماء وهي تهمس بتهديد مرح: أفطر ثم قم وانت ساكت لا أسبحك وأخرب كشختك.. تقول رايح تخطب.. الا تعال على وين إن شاء الله؟؟ هزاع يدعي الجدية: أبي أقدم على فيزا أبي أروح لأمريكا.. بس لا تقولين لأحد.. حينها همست عالية بقلق: من جدك؟؟ وش فيكم على أمريكا؟؟ صالح توه راجع البارحة وأنت تبي تروح اليوم.. وش السالفة؟؟ هزاع بنبرة سرية: أبي أشوف قبر عبدالله بعيني.. ما أدري ليه تطري لي طواري عقب سالفة صارت لخويي.. عالية تصاعد توترها: أي سالفة؟؟ هزاع بنبرة خافتة: خويي ولد عمه متوفي قد له عشر سنين في ديرة ثانية.. وقالوا انه اندفن هناك.. وتخيلي ولد عمه رجع لهم قبل كم يوم مافيه الا العافية حينها كانت عالية تمد لهزاع كوبا من الكرك.. انتفضت حينها يدها وانسكب على يدها السائل الساخن.. وضعت يدها في ماء الفناجين أمامها وهي تشهق برعب: من جدك؟؟ هزاع مستمر في تمثيليته: إيه من جدي.. وولد عمه زعلان على هله.. يقول أنتو شفتو جثتي والا قبري.. والا حد منكم راح يدور لي.. ماصدقتوا جاكم خبر اني ميت عشان تصدقون وتنسوني... عالية حينها شعرت بقشعريرة باردة مرت عبر كل فقرات ظهرها: معقولة ياربي.. بس من جدك أنت تفكر أنه ممكن عبدالله........... لم تستطع حتى إكمال عبارتها التي اختنقت بها.. حينها بالفعل تناولت كوبا مملوءا بالماء ورشته على هزاع بغضب.. هزاع شهق بعنف وهو ينظر لملابسه ووجهه الغارقين بالماء.. صرخ بغضب عارم وهو يعتصر كفيه: والله لو أنش منتي بالكبيرة يا الدبش.. إن قد أكوفنش اليوم ولا يفكش من يدي حد.. حينها صرخت عالية بغضب أشد: أجل هذا كلام تقوله لي.. إياني وإياك تقول ذا التفكير الغبي عند أمي.. تبي تخبل فينا يا الخبل.. رغم غضب هزاع الشديد منها إلا أنه قرر أن يضبط أعصابه وهو يتناول كمية كبيرة من علبة المناديل أمامه ويمسح وجهه وعنقه بها ويهتف من بين أسنانه: الشرهة عي اللي حبيت أشركش في أفكاري يا المتخلفة.. والله لو فيه أمل واحد في المليون إن عبدالله حي إني ما أفوته من يدي والله إذا أنتي تبينه ميت.. هذا شيء راجع لش.. لكن واحد ماشفنا جثته ولا حتى ندري وين قبره بالضبط ولا عمر حد منا راح يشوف القبر وشيدريش إنه ميت صدق.. شيدرينا مايكون شيء لده هناك .. وينتظر حد منا يساعده مهوب نقول مات الله يرحمه.. كانت دقات قلب عالية ترتفع.. بدا لها الأمر مستحيلا لأبعد حد.. ومع ذلك هذا هو طبع الإنسان.. يبحث عن الامل مهما كان بعيدا ومستحيل التحقق يقولون لإنسان على شفير الموت هناك أمل في شفائك فيركض خلفه إلى أخر العالم حتى وهو يشعر بنزعات الموت.. عالية قفزت ووجهها يحتقن: والله لا تكون عطيتني ذا الأمل مهما كان سخيف مثلك.. ثم تطلع كلها خرابيط في مخك أني ما أسامحك عمري كله وهذا أنا حلفت.. والحين بأقوم معك .. بأقدم على الفيزا معك.. هزاع بغضب: مافيه تروحين معي.. انطقي هنا وتجيش العلوم.. والحين باروح أبدل ثيابي.. عالية بغضب مشابه: مهوب على كيفك.. رجلي على رجلك.. وترا العلم جاك.. انتهت مهمة هزاع.. وصعد للأعلى.. لتبدأ مهمة صالح الذي عاد لتوه من المحكمة مع عبدالله.. وتلقى كل ما قاله فهد وهزاع.. صالح دخل وسلم.. سأل عن أمه.. وأجابته عالية وهي تنظر له بنظرة سابرة وكأنها تريد اختراق عقله: أمي دخلت تصلي ضحاها ثم قالت إنها بتنسدح شوي لين صلاة الظهر.. حينها سألها بحذر أخفاه خلف حزم صوته: ووين نجلاء والعيال؟؟ عالية مازالت تنظر وهي تصر عينيها: نجلاء كانت هنا قبل شوي.. وطلعت تلبس عيالها.. تقول تبي تستاذنك توديهم جنغل زون.. ثم أردفت بنبرة مقصودة: المساكين كانوا موعودين بديزني لاند.. وما أدري وش ذا الشيء الكايد اللي خلي ابيهم ينط يوم سفرهم لأمريكا بدون تفكير.. صالح ابتسم في داخله.. لأنه عرف أن جيشا من الفئران بدا يلعب في خيالاتها.. أجابها بذات نبرتها المقصودة: ما ودى ابيهم إلا موضوع أخطر من كل شيء وأهم من كل شيء وإن شاء الله أنهم معوضين.. صالح وقف ليتجه للأعلى بينما عالية همست بحزم: لا تروح ماخلصت كلامي صالح عاد ليجلس وهو ينظر لها بتأنيب قارص: لا تأمرين يا الشيخة.. تراني أخيش الكبير كنش ناسية.. عالية بتصميم: والله أخواني اليوم كبارهم وصغارهم ماخلو فيني عقل يفكر.. تراني بعد أبي أروح أمريكا الشيء اللي وداك وبيودي هزاع.. بيوديني بعد.. حينها ضحك صالح ثم هتف بنبرة مقصودة وصوت خافت وهو يميل عليها: ما تدرين يمكن الشيء اللي في أمريكا أقرب مما تتوقعين.. حينها انتفضت بشدة وهي تتراجع للخلف وكأنها تحتمي من شيء مجهول.. كانت تريد أن تتكلم فشرقت ثم كحت.. صالح ضرب ظهرها بخفة.. بينما كانت دموعها تسيل من احتقان وجهها وهي تهتف بغضب: تبون تقتلوني عشان ترتاحون.. ترا ماعندكم أخت غيري خافوا الله في ابيكم وأمكم تيتمونهم عقبي.. حينها وقف صالح وهتف بحزم مختلط بابتسامته: ذا المرة ياويلش تقولين اقعد بأروح أشوف مرتي وعيالي نشبتي في حلقي.. ولا تقولين مافهمت وإلا اقعد اشرح لش.. أعرفش فطينة وتلقطينها وهي طايرة.. وعقب ذا التلميحات كلها لو مافهمتي ماعاد فيش رجا عالية لم تستطع أن ترد وعيناها تغيمان.. منذ هزاع والفكرة تمزق عقلها لدرجة الأمل المضني.. ولكن صالح أكدها لها لدرجة الحقيقة الفاجعة لم تستطع حتى أن تتكلم أو تصرخ كما تريد.. بينما صالح استعد للصعود وهو يهتف لها بتصميم: ترا التمهيد لأمش مسؤوليتش أنتي.. وتراني معتمد عليش.. تجيبنها لها بأخف طريقة.. عالية قفزت لأقرب حمام لها.. حمام مجلس الحريم.. شعرت أنها لو صعدت لغرفتها فستنهار على الدرج.. انحنت على المغسلة وهي تغسل وجهها بكثافة.. تحاول أن تمنع نفسها من البكاء فلا تستطيع ودموعها تختلط بالماء الذي أغرق وجهها مازالت عاجزة عن التخيل.. ومجرد التخيل بعث ألما قارصا في كل خلية في قلبها (حي.. حي.. حي.. حي .. حي!!) كانت هذه هي الكلمة التي تهرس مخها وتتردد على لسانها.. لم تجرؤ حتى أن تقول (عبدالله حي) بدا لها الربط بين الاسم والحقيقة مؤلما لقلبها الذي أجهدته الصدمة المفرحة (أقرب مما أتوقع.. يعني موجود هنا في الدوحة؟؟ معقولة ياربي؟؟ معقولة؟؟ حي؟؟ حي؟؟) حينها بدأت تقهقه بسعادة طفولية شفافة غامرة دون أن تشعر ودموعها وأنفها يسيلان.. حينها سمعت طرقات على الباب ثم صوت هزاع: يالخبلة حد يضحك في الحمام.. اطلعي لا يدخلون سكون زيادة فيش.. كفاية سكونش اللي فيش ************************************** في الأعلى صالح يصل لباب غرفته.. يشد له نفسا عميقا قبل أن يدخل.. يفتح لها فلا يجدها.. فيتوجه لغرفة ابناءه ليجدها بالفعل تلبس أولادها.. صالح غاضب بالفعل أنها بدأت تلبس الأولاد دون أن تستأذنه حتى في ذهابهم صالح دخل وسلم.. والصغيران حينما رأيا والدهما.. ركضا ناحيته وكل واحد يقبله من ناحية.. صالح جلس على طرف السرير وهو يُجلس عبدالعزيز الذي أنهى اللبس على فخذه بينما نجلاء كانت تلبس خالد صالح هتف بنبرة عتب حازمة: وش ذا الروحة اللي مادريت عنها؟؟ نجلاء بهدوء: توني كنت ألبس العيال.. وأبي أوديهم جنغل زون وكنت بأكلمك الحين صالح حينها هتف بغضب خافت من بين أسنانه: قصدش تعطيني خبر.. ترا المعنى يختلف.. نجلا بجزع: لا والله مهوب القصد يابو خالد.. بس أدري ماعندك مانع.. ولو عندك خلاص مالها لازم.. صالح مازال يحاول كتم غضبه الشفاف: وهذي بعد ترا اسمها لوي ذراع.. العيال صاروا لابسين.. وأنتي منيتيهم خلاص.. أحزنهم وأقول مافيه روحة يعني.. نجلاء بضيق: آسفة صالح.. ولا يهمك آخر مرة.. حينها أنزل صالح عبدالعزيز وهتف بحزم: أتمنى صدق أنها أخر مرة.. لأنه عيب عليش فعلا اللي سويتيه.. العيال أنا بأوديهم خلاص.. وأنتي ارتاحي نجلاء كانت تلتقط ملابس أولادها من الأرض وتهمس دون أن تنظر ناحيته: الله لا يخليهم منهم.. حط بالك على عزوز تدري به أحيان يتفلت.. صالح نزل بأولاده للأسفل ليجد عالية تجلس وعلى وجهها تبدو علائم البكاء والسعادة والشجن وكل المتناقضات.. ابتسمت حين رأتهم وهمست للصغيرين: يا الله بوسة لعميمة صاحبة الفكرة.. صالح يعدل غترته امام المرآة ويهتف بهدوء: أي فكرة يأم الأفكار؟؟ عالية أهلكت الصغيرين بقبلاتها الكثيرة فهي اليوم سعيدة.. سعيدة: فكرة روحتهم اليوم لجنغل زون.. خليتهم يأكلون كبد نجلا.. وإلا هي كانت تبي تمشي على النظام وتأخذ أذن أول وتنتظر الرضا السامي.. بس أنا قلت لبسيهم الحين وكلمي صالح عقب.. أحب أسوي قلب أدوار شوي... رغم تفاهة الموضوع وبساطته إلا انه بعث حزنا شفافا في روحه.. لو كانت الأمور بينهما على مايرام لم يكن ليهتم.. ولكن الآن كل تصرف بسيط يُفسر بتفسيرات ضخمة.. وأكثر ما ضايقه الآن أنها اعتذرت دون أن تبرر أو تحاول توضيح ماحدث هل لأن غضبه أو رضاه لا يهمانها لذا لم تتعب نفسها بالتبريرات؟؟ أو لأنها لم ترد أن تذكر اسم عالية في الموضوع ؟؟ أيهما السبب؟؟ أيهما السبب؟؟ ****************************************** " زين.. الحمدلله ماهقيت إنه بنخلص كذا على طول ونشتري.. يا الله عشان نرخص للطيور بكرة ونرجع بعد بكرة إن شاء الله" كان أبو عبدالرحمن يشير لتميم بإشارات أكثرها غير دقيق.. ولكن تميم أصبح يتعرف على هذه الإشارات التي يشترك في فهمه لها قراءته لحركة الشفاه هز تميم رأسه : إن شاء الله كان الاثنان يجلسان في غرفتهما في الفندق بعد أن انتهيا من شراء الطيور حينها أشار له تميم بتساؤل: اب الرجّال اللي حن نشتري منه الطيور وش فيه؟؟ من زمان أبي أسألك بس كل مرة أنسى أبو عبدالرحمن لم يفهم ما يعنيه تميم تماما.. فأعاد له تميم السؤال بإشارات أكثر تبسيطا.. حينها تنهد أبو عبدالرحمن تنهيدة عميقة جدا: عبدالجبار.. الله يحسن خاتمته بس.. أنا أشهد يأبيك إنهم يوم يعدون الرياجيل إن عبدالجبار ذا رأسهم رجّال نادر.. أعرفه من 35 سنة ..عاد ولده عبدالمنان ذا أبو خمس سنين.. تدري إني وش كُثر كنت أخذ منه طيور بالدين وأحيانا بالميتين ألف.. عمره ما قال لي وين فلوسي؟؟ وإذا قلت له وأنا أضحك ماتخاف ياعبدالجبار أني أروح بفلوسك ولا عاد أرجع كان يقول لي الفلوس تفدا الرياجيل اللي مثلك.. الرياجيل هم اللي يجيبون الفلوس.. مهيب الفلوس اللي تجيب الرياجيل تميم استطاع أن يلتقط ويفهم ما يقصده أبو عبدالرحمن لذا أشار بمرح: أنا أشهد إن عبدالمنان مهوب مثله أجابه أبو عبدالرحمن بشجن: عبدالمنان تاجر.. وإلا عبدالجبار لولا نيته صافية وربه عطاه على قدها وإلا فعايله فعايل شيخ مهوب تاجر.. أخر مرة جيت أبي أعطيه دينه قبل 15 سنة.. انصدمت يوم شفته.. الرجّال اللي كنه جبل مايهزه ريح.. ماعاد فيه شيء يتحرك إلا عين(ن) شاغرة.. أقول له وأنا أبي أضحك له ولا أقدر: جبت لك فلوسك يا بو عبدالمنان..يا الله قوم ما أنسى نظرته كنه يقول لي وش فود الفلوس عقبها!! ما يكسر ظهور الرجال كون النسا تدري يأبيك أني شليتها على يدي مولودة.. وقعدتها في حضني تمشي كانت تزوغ بقلب أبيها.. كان مقعادها دايمن جنبه.. وربعه وجماعته يلومونه كان يقول ربي عطاها المحبة من عنده.. فلا تلوموني في عطا ربي كل ماجيت من الدوحة جبت لها معي هدية.. يستانس بهديتها أكثر من وناسته حتى بفلوسه.. ثم أردف وهو يخفض رأسه: سبحان رب(ن) خلقها مزيونة وهادية من هداوتها ما تحس بها.. كن زولها لا تذكرته زول شعاع.. تميم يشعر كما لو أن تواصله من القصة ينقطع وإشارات أبو عبدالرحمن تتباطأ وحركة شفتيه تتحول لتمتمة.. لذا أشار له تميم: وبنته وش صار لها؟؟ أبو عبدالرحمن أسود وجهه: ما حد يدري.. أصبحوا ما لقوها.. وأغراضها كلها في البيت ما تحرك منها شيء.. عمرها ثَم أم 15 سنة.. ماحد يدري هي طقت من البيت.. هي خطفت.. اختفت كنها ملح(ن) ذاب.. ابيها بغى يستخف.. أسبوع كامل يدورها بروحه في كل مكان حتى الليل ما يمسيه.. وعقب الأسبوع طاح ذا الطيحة اللي أنت شايف سبحان الله كن روحه معلقة بها.. ويوم توكد إنها صدق اختفت.. اختفت روحه معها.. الله يستر على بناتنا وبنات المسلمين.. وجعلك يأبيك ماتذوق خلفة البنات وهمهم.. حينها ابتسم تميم: لا والله ياعمي.. أنا أبي لي بنات.. الرسول صلى الله عليه وسلم وصانا في تربية البنات وإن اللي يحسن تربيتهم من هل الجنة ما قال تربية العيال.. لا تكون ياعمي ما تحب بناتك؟؟ حينها ابتسم أبو عبدالرحمن بشفافية: هو أنا موجعني غير أني أحب بناتي.. بس البنت عُور في وجه أبيها.. أدنى شيء يجيها في وجهه عشان كذا الواحد لازم يشد عليهم.. ولازم يخافون من كل شيء عشان مايوزهم تفكيرهم.. تمنيت لي يأبيك عيال واجد.. بس الله ما كتب لي.. ولولا غلا عبدالرحمن كان عرست.. كنت أبي لبناتي أخوان سنايد لهم.. بس الحمدلله على كل حال.. عبدالرحمن عندي بعشر عيال جعل عمره طويل لأمه وخواته من عقبي ***************************************** " شأخبارها الحين؟؟" عبدالرحمن يشد شعاع خارجا حتى لا تسمعه جوزاء التي كانت مستغرقة في النوم.. وشعاع ملازمة لها شعاع أجابته بإرهاق: ماصحت لحد الحين.. عبدالرحمن بإرهاق مشابه: وحسون وينه؟؟ أجابته شعاع وهي تشعر بعبرة تقف في حلقها: راقد عند أمي.. ياقلبي البارحة كله يقول أبي بابا وحنا متروعين نحسب الصبي استخف ثم أردفت بتساؤل حذر: إلا أنت تأكدت صدق إن عبدالله حي؟؟ عبدالرحمن تنهد: طبعا تأكدت.. اتصلت في صالح ولقيتهم في المحكمة ورحت لهم هناك.. وأنا بعد اللي شهدت معهم إنه فعلا عبدالله عشان يثبتونه في الأوراق الرسمية شعاع حينها همست بقلق عميق: زين جوزا وش وضعها الحين قانونيا؟؟ عبدالرحمن شد له نفسا عميقا: وضعها سليم.. لأن عبدالله أساسا طلقها عقب ماسافر أمريكا.. صالح بنفسه قال لي.. شعاع شهقت بصدمة كاسحة وكلماتها تتبعثر: يا قلبي ياجوزا.. وليش يطلقها اللي ماله ذمة ذا؟؟ لا والمسكينة حادت عليه وضاعت عليها فرصة إنها تكمل دراستها وهي مطلقة وأشلون ماوصلنا خبر الطلاق..؟؟ أشلون ؟؟ سالفة مثل ذي ما تتنخبى عبدالرحمن يكمل لها: عقد الطلاق موجود في الخارجية من 4 سنين.. وأنا بنفسي تأكدت من ذا الشيء أشلون ما وصلنا الخبر ما أدري.. أنا من يوم دريت وأنا مثل اللي انضرب على وجهه كف.. ما أدري أيش اللي بيصير الحين.. شعاع بتحذير موجوع: أهم شيء ما يفكر ياخذ حسن إذا تزوجت جوزا.. والله لا يفكر يقرب من حسن إن جوزا تستخف عبدالرحمن يضغط رأسه بإرهاق: حسن الحين صغير وفي حضانة جوزا.. بس إذا تزوجت حقها في الحضانة يسقط وتصير الحضانة لأبيه دامه موجود كذا الشرع والقانون يقولون.. بس ممكن نرفع قضية ونطلب الحضانة لأمي أنا بس إن شاء الله ما توصل السالفة للمحاكم.. حينها تفاجأ عبدالرحمن بالصوت الحازم الذي قاطعهما رغم الإرهاق العميق والوجع الأكثر عمقا المتبدي في ثناياه: وأنا مستحيل أعرض ولدي لذا المشاكل كلها أنا ما أبي أعرس خلاص.. كفاية علي أربي ولدي.. وما أبي عبدالله يلقى طريقة يقدر يأخذ فيها ولدي تكفى عبدالرحمن قول لامهاب يطلقني.. تكفى ****************************************** " وش فيك يأمك؟؟ مهوب عوايدك ترجع ذا الحزة البيت" نبهه صوتها الحنون من أفكاره.. اعتدل جالسا من تمدده على سريره وهتف لها بهدوء: مافيني شيء جعلني فداش.. مزنة جلست جواره وهي تضع كفها على فخذه وتهمس بحنان: علي يأمك؟؟ وضع كفه فوق كفها وهتف بذات هدوءه: متضايق شوي يمه مزنة بجزع حان: أفا.. وش اللي مضايقك؟؟ مهاب تنهد: عبدالله آل ليث طلع حي.. ورجع الدوحة البارحة.. مزنة بصدمة: الصبي اللي صار له أربع سنين ميت.. يطلع حي.. يا سبحان الله.. ووين كان ذا ووش سبته؟؟ ثم أردفت بصدمة أشد: امهاب.. ومرتك وش وضعها الحين؟؟ مهاب يهتف بذات الهدوء الذي يخفي قلقا وتوجسا عميقين: طلقها أصلا من أربع سنين بس اللي أحاتيه الحين يمه حسن.. تدرين لا تزوجنا حضانته تصير لأبيه إلا لو هو خلاه من خاطره وأنا ما ظنتي يخليه.. مافيه رجال يرضى أن رجال غريب يربي ولده وهو موجود وأنا خايف إن ذا الشيء يأثر على جوزا.. أو حتى يأثر على زواجنا.. مزنة بقلق مشابه: وش ذا المصيبة اللي ماكانت على الخاطر.. عرسك عقب حوالي شهر ونص.. حينها شد مهاب له نفسا عميقا.. لم ينسَ أبدا لتذكره!! سأل والدته بحذر: يمه لو حطيتي نفسش مكان جوزا.. وش القرار اللي بتقررينه؟؟ مزنة حينها وقفت وهي تهمس بحزم أخفت خلفه تعاظم حزنها الشفاف على مايحدث لابنها: يأمك لكل وحدة تفكيرها.. وأنا ما أقدر أفكر عن غيري مهاب أمسك بمعصمها وهتف بحزم: أفا يأم امهاب.. أعرفش ما تهربين من شيء أنا ما أقول لش فكري بعقل غيرش... أقول لش فكري بعقل أم!! حينها التفتت له مزنة وهتفت بحزم يذوب حنانا: يأمك مهوب جاهلني قصدك من أوله.. بس بعض الشيء تركه أحسن.. حينها وقف مهاب وقبل رأسها وهتف بثقة: وأنتي بعد منتي بجاهلتني.. فجاوبيني تكفين.. مزنة بحزمها الطبيعي رغم شعورها أنها ستختنق بالكلمة: لو أنا مكانها ....... بأطلب الطلاق منك !!!! ************************************** باله مشغول تماما بها.. منذ غادرها البارحة وهي من تلتهم أفكاره كلها وهاهو يعود الآن وهو لا يعلم ما الذي سيواجهه أو حتى كيف استقرت حالتها الآن بعد الكلام المؤلم الذي صفعته به البارحة رن هاتفه .. نظر للاسم وتنهد.. (بنت حلال.. كنت أبي أكلمها بنفسي عشان سالفة فهد) رد عليها بحميمته الفخمة: هلا بالغالية.. مزون انهمرت بسعادة شفافة: هلا بك زود.. هالمرة أقدر أقول مبروك وأنا مالية يدي فحص الحمل كان قدام عيوني.. مافيه تزلحقني ألف ألف مبروك ياعمي.. ما تتخيل وش كثر فرحانة.. ما أتخيلك وأنت أب وشايل ولدك في يدك ياربي.. حاسة إن هالولد غلاه بيغطي على خلق الله.. وإيه قبل أنسى تراه محجوز حق بنت عمه وبنت خالته مافيه كاني ماني.. كانت مزون تنهمر وتنهمر بسعادتها الطفولية العذبة.. في الوقت الذي كان منصور ينهمر صداعا مؤلما طرق كل خلايا دماغه كان بداية عاجزا عن الفهم ثم مصدوما ثم مذهولا وهو يتمتم بجمود: الله يبارك فيش يأبيش.. الله يبارك فيش #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثلاثون لم يشعر في حياته كلها بصداع كما يشعر اليوم.. وفي هذه اللحظة بالذات.. رأسه سينفجر من قوة نبض العروق.. يوقف سيارته جانبا.. ليضغط على جانبي رأسه.. ويحرر عنقه من جيبه المغلق وهو يفتح أزرته العلوية منذ أنهى اتصاله مع مزون.. وهو في حالة انعدام وزن.. كما لو كان انفصل عن الكون كله ويحلق في العدم... وقدماه لا تلمسان الأرض حتى ومشاعره غاية في التبلد.. عاجز عن التصديق أو حتى مجرد التصور.. " حامل.. حـــامـــــل مستحيل.. مـــســتــحــيــل.. أكيد مزون فاهمة الموضوع غلط.. أكيد فهمت السالفة كلها غلط أنا إنسان مؤمن ..مافيه شيء بعيد على ربي.. ومزون تقول إنها راحت معها بنفسها للفحص.. معقولة.. معقولة.. رأسي بينفجر بس.. بس بس ليش لو كانت حامل أعرف الخبر من مزون؟؟ ليش مهوب منها..؟؟ ليش تخلي خبر خاص فينا مثل هذا يوصلني من غيرها؟؟ ليه؟؟.. . بس.. البارحة كانت تبي تقول شيء.. بس أنا ماخليتها كانت تبي تتكلم بس أنا خنقت كلامها في حلقها" حينها نظر منصور ليده اليمنى التي وضعتها على بطنها كالملسوع.. وهو يتذكر كمن ضُرب على رأسه كل تلميحاتها البريئة العذبة البارحة.. ويهز رأسه بقوة ويقطب جبينه وهو يشعر بضغط هائل على كل مفاصله.. كما لو أن عظامه ستتفجر من قوة الضغط " ياقلبي ياعفرا.. وأنا خربت عليها فرحتها كلها يعني وش كان بيضر لو شاركتها الفرحة بدون ما أكدر عليها يعني أنت يامنصور ما تعرف إلا المغثة . بس صدق حامل..؟؟ معقولة؟؟ معقولة؟؟ سبحان الله ياربي.. ما أعظم قدرتك ورحمتك معقولة أنا أب وعقب ذا السنين كلها!! وعقب ما يأست أني ممكن أسمع كلمه يبه.. لين كرهت حتى اني أكون اب معقولة؟؟" حينها بدأت ابتسامته تتسع وتتسع دون أن يشعر.. وألم الجسد والصداع يتحوران تدريجيا لإحساس خيالي بخفة في الروح والجسد لم يشعر بمثلهما سابقا أبدا يشعر كما لو أنه يحلق تحليقا يختلف عن تحليقه قبل دقائق قبل دقائق كان يحلق إحساسا بالصدمة غير المعقولة ولكنه الآن يحلق إحساسا بسعادة مختلفة لم يتذوق مثلها أبدا سعادة لها نكهة مختلفة لم يظن أنها موجودة على وجه الأرض بهذه الصورة الشفافة الموغلة في العذوبة والدفء كانت هذه هي مشاعره التي انتفضت من تحت الرماد وهو يشغل سيارته ثم يغير اتجاهها لاتجاه آخر غير البيت.. وسعادة عميقة جدا ومختلفة جدا تتسلل إلى روحه بتمكن غامر.. "طـــفــــل ؟!!ومن عفراء؟!!.." أي سعادة كان يخبئها له هذا الصباح المختلف؟؟ . . . بعد ساعة يفتح باب غرفته بهدوء وهو يحمل كيسا غاية في الفخامة في يده فمناسبة كهذه لا يمكن أن تمر دون هدية لآسرة قلبه.. رغم أن كل هدايا الكون لا يمكن أن تعبر عن إحساسه بالسعادة والاختلاف الذي يزداد عمقا بتمكن في كل دقيقة تمر تفاجأ منصور أن الغرفة مازالت تغرق في ظلام خافت من جراء الستائر الداكنة المسدلة شعر بانقباض في قلبه وعيناه تبحثان عنها.. كانت هناك.. ارتعاشها واضح تحت الغطاء.. زاد انقباض قلبه.. "تــبــكــي؟! " فتح الستائر قليلا وتوجه ناحيتها.. رفع الغطاء عنها بخفة.. ليتفاجأ من منظرها .. كانت تحتضن نفسها ..تبكي وترتعش.. ويبدو أنها على هذه الحال من مدة طويلة لأنه حين رفع الغطاء عنها جلست بحرج.. وهي تبعد شعرها المشعث التي التصق بعرق وجهها بعيدا عنها.. وبدت أثار أناملها غائرة في عضديها العاريين من شدة احتضانها لنفسها.. شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. أن تحتضن هي نفسها بينما من كان يجب أن يكون جوارها ويحتضنها حتى لو رفضت.. لم يكن ليسمح لها بالرفض.. لم يقل لها شيئا.. أجلسها ليمسح وجهها بكفيه.. ثم انتقل ليدعك احمرار عضديها بخفة وألم قلبه يتزايد رغما عنه.. همس لها بحنان عميق: عفرا ليه ذا كله ياقلبي؟؟ همست بصوت مبحوح دون أن تنظر ناحيته: البارحة كلمت جميلة.. عقب ما أنت طلعت.. ما قدرت ما اتطمن عليها.. حينها هتف منصور بحزم رغم إحساسه بالحزن من أجلها: وأكيد أجعتش بالحكي؟؟ حينها دفنت وجهها بين كفيها وبكت بحرقة عميقة.. منصور حينها أبعد كفيها عن وجهها واحتضنها بحنان وقوة وهمس في أذنها: أدري أنش زعلانة علي.. وأدري أني أستاهل.. بس لا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماراح أسمح لش.. آلمه كثيرا تصلب جسدها بين ذراعيه.. وكأنها ترفض قربه منها.. حينها أبعدها عنه قليلا وهو يلمس بطنها بخفة حانية.. انتفضت عفرا بشدة بينما هتف هو بحزم حنون: إذا مهوب عشاني ولا عشانش.. عشان ذا الروح اللي هنا.. خافي ربش فيه تسوين في نفسش كذا حينها بالفعل ارتمت في حضنه وهي تشدد احتضانه وتبكي بنحيب عال بينما شعر هو براحة ما تتسلل إلى روحه أنها تعود إلى أحضانه وبرغبتها.. رغم تيقنه أن موضوع جميلة لن يمر أبدا بسهولة عليهما ولكنه من أجلها والآن من أجل طفلهما أيضا هو مستعد للقتال حتى الرمق الأخير.. فهو لم يخلق سوى للمعارك!! كان يهدهدها بحنان خالص ويهمس لها بثقة غامرة: هدي حبيبتي.. هدي.. واللي ركب رأسي ورأسش إنه مايصير الا اللي يرضيش أمنتش بالله لا تزعلين نفسش ياقلبي وإلا زايد الصغير ماله خاطر عند أمه؟!!... ************************************* " السلام عليكم هلا والله بالشيبان المتجمعين وش ذا الصباح المبارك اللي الواحد يتصبح بوجيهكم" كان غانم ينحني مسلما على رأس عمه في الوقت الذي كان والده يجيبه مبتسما: ماعاد هو بصبح يأبيك.. قدنا قريب الظهر عساك بس منت بتعبان.. البارحة رقدت عقب العشا على طول ورجعت ورقدت عقب صلاة الفجر إلى ذا الحين غانم ينحني على والده ويجيبه: لا جعلني فداك..بس مرهق شوي.. رحلة أمريكا طويلة شوي أبو صالح يهتف بمودة: جعلك على القوة يأبيك.. غانم يلتفت لعمه ويهتف له باحترام ومودة: ويقويك ويطول عمرك في الطاعة ثم أردف وهو يشير للمقهوي أن يتقدم: أقهويكم؟؟ أبو صالح أشار للمقهوي ألا يحضر وهو يهتف بحزم: شكّرنا يأبيك.. القهوة بعد مهيب زينة لي ترفع الضغظ عندي بس وش نسوي بروسنا لا أجعتنا عند حِلها أبوغانم يتوجه بالسؤال لغانم: إلا وش سالفة رحلة أمريكا.. ماخبرت إن أمريكا على خطك ذا السنة.. غانم بهدوء: رحلة جات فجأة كذا ثم أردف بنبرة مقصودة: وإلا شفت لكم شوفة في ذا السفرة.. طيرت عقلي أبو غانم يبتسم: عساها شمحوطة بس.. ؟؟ غانم يضحك: زين يأبو غانم.. إن ماعلمت أم غانم عليك أبو غانم يضحك: أنت اللي تقول.. بتقط بلاك علي ياولد.. أبو صالح بعتب: احشموني تراني قاعد.. غانم باحترام جزيل: محشوم ياعمي.. بس صدق والله العظيم شفت لي واحد طار قلبي يوم شفته.. وش أقول لكم نسخة عبدالله الله يرحمه.. أبو غانم بشجن: الله يرحمه أبو حسن ويبيح منه.. بينما أبو صالح صمت ولم يعلق.. وأبو غانم أكمل: وهو ويش هو امريكاني وإلا عُربي؟؟ غانم بنفس النبرة المقصودة: ما أدري بس والله العالم دمه عربي.. أقول لك عبدالله بشحمه لحمه كني شايفة قدامي.. كنت أبي ألحقه بس فات علي.. هو داخل وأنا طالع حتى الآن كانت الحكاية لا بأس لها.. ومحتملة.. ومعقولة إلى حد ما.. حتى أكمل غانم حديثه قائلا: والله من شكي إنه هو.. بأطلب لي رحلة على خط واشنطن عشان أروح السفارة القطرية هناك أتأكد.. قلبي نط من مكانه يوم شفته.. ماني بمرتاح لين أشوف قبر عبدالله بعيني.. أقول لكم شايف عبدالله قدام عيني هو هو... حينها انتفض أبو صالح انتفاضة لم تظهر للسطح وهو يهتف بحزم: وش لك يأبيك بذا الشغلة كلها.. عشان واحد يشبه عبدالله الله يرحمه تبغي تعنّى للسفارة وتسأل.. عبدالله اطلبوا له الرحمة.. وحكي الخبلان ذا مامنه فود.. وفي الوقت الذي كره أبو صالح أن يعرف غانم حقيقة انتحار عبدالله التي أخفاها عن الجميع حين يذهب هناك .. فإن أبا غانم كان على عكسه انتعشت روحه بأمل بريء هش: خالد الله يهدك.. خل الصبي يروح.. كود إن به شيء خافينا.. طالبك يأخيك.. أبو صالح بحزم أشد: مابه شيء خافينا.. عبدالله مات.. وانتهينا من ذا الحكي.. غانم قرر أن يقف حتى لا يتهور عمه ويحلف عليه.. ولأنه تأكد أن عمه يعلم شيئا عن وفاة عبدالله المزعومة لا يريده أن يعلمه... وهو يريد الآن أن يجعل عمه يظن أنه سيفعلها وسيذهب حتى يتحرك لمنعه بطريقة تمهد له معرفة عودة عبدالله.. وهو يقرر أن يبلغ صالحا حتى يتولى هو الخطوة التالية.. غانم هتف بحزم وهو يستعد للمغادرة: الرجّال اللي شفته.. مستحيل مايكون عبدالله.. وأنا ماني بخبل عشان أجهل ولد عمي وش بيضر لا رحت وتاكدت.. يمكن عبدالله هناك فيه شيء لاده من المجي.. أنا لازم أتاكد.. أبو غانم ارتعش بخفة (معقولة عبدالله؟؟ لا لا أكيد غانم تشابه عليه الشوف لو كان حي وينه ذا السنين كلها.. لا لا مهوب صحيح) بينما قلق أعمق وتوجس أعمق وأعمق تصاعد في قلب الشيخ الذي أثقلته الهموم ( لا حول ولا قوة إلا بالله الحين لا راح غانم ودرى إن عبدالله مات......... اللهم أني استغفرك وأتوب إليك خوفي لا يوصل العلم أم صالح والله إن قد تروح فيها وش السواة؟؟ وش السواة؟؟ صافية ما تمسي الليل تدعي له.. أشلون لا درت إنه مات منتحر وكافر مابقى لها منه إلا ذكراه الطيبة عندها.. حتى الذكرى يأخذونها منها!! ) ************************************** " صفوي.. وش ذا النوم اللي عندش اليوم؟؟ ماباقي على صلاة الظهر إلا شوي وإلا الصبا نوام على قولتهم " أم صالح تعتدل جالسة وهي تهمس بصوت ناعس: أي صبا الله يخلف علي بشوفت عيالش إلا قولي ماعاد به حيل.. عشاني مارقدت عقب صلاة الفجر أسوي ريوق البنية الوالدة.. حسيت جسمي متهدد عالية تجلس بجوار والدتها تحتضن عضدها وتقبله وهي تهمس بحنان: يمه واللي مثلش عادها تطبخ.. عندش الخدامات.. وش هم جايين من بلادهم له؟؟ أم صالح تبتسم وهي تمسح على شعر عالية: بدل ما تقولين أنا بأكفيش.. عالية تضحك وهي تتناول كف والدتها من فوق رأسها وتقبلها: لا يمه هذا تهور أنا ماني بقده.. مع أني أم التهور.. بس عاد هذي فيها تسمم لمخاليق ربي عالية بعد ذلك وضعت رأسها على فخذ والدتها وتمددت على السرير وهي تعبث بيد والدتها التي كانت تمسكها.. بينما أم صالح تداعب شعر عالية بيدها الحرة.. عالية تمسح أنامل والدتها وتهمس بتقصد: إلا يمه لو مثلا في يوم من الأيام.. قالوا لش إن الله سبحانه بيرجع لش واحد ميت للحياة .. من تختارين؟؟ أم صالح ابتسمت: وش سوالف الخبلان ذي؟؟ عالية برجاء: يمه لعبة هذي.. علميني.. أم صالح بعفوية: باختار أمي جعل ترابها الجنة.. عالية مدت شفتيها: يمه جدتي أم نايف الله يرحمها.. جابت نويف عمرها 54 سنة.. يعني لو رجعت لش الحين عمرها 79.. وش يعني تقعد معش سنة وإلا سنتين وتودع؟؟ أم صالح ضربت عالية بخفة على رأسها وهي تبتسم: مهوب تقولين لعبة... كيفي أنا أبي أمي.. أحس أني ما شبعت منها.. حينها همست عالية بنبرة مقصودة: وهي بس أمش اللي ماشبعتي منها.. مافيه غيرها؟؟ حينها ارتعشت أم صالح ارتعاشة لا يكاد يُشعر بها.. ولكن عالية شعرت بها ووالدتها تربت على كتفها وتهمس بحنان: قومي الله يصلحش.. أبي أروح الحمام أتوضأ ************************************* " أنا بصراحة لين الحين مصدوم فيج.. معقولة الكلام اللي قلتيه لأمج البارح" جميلة نظرت بغيظ لخليفة: مالك شغل بيني وبين أمي.. خليفة تفجّر غضبه: إلا لي شغل ونص.. ترا ربج وصاج فيها.. ماوصاها فيج.. لكن اللي أشوفه العكس.. الحين أنتي يوم اخترتيني.. وخلج من خرابيط اخطأت الاختيار لأنها ما تهمني خلنا في انج اخترتيني وفرضتيني عليها مع انها ما كانت راضية.. وهي اللي أمج.. ومع كذا عاملتني مثل ولدها وماضايقتني بكلمة.. ولا حتى ضايقتج لكن انتي شوفي نفسج وش سويتي.. أنتي ما تخافين ربج في الكلام اللي جرحتيها فيه اتقي الله جميلة في أمج.. اللي شافته منج موب شويه.. حينها انخرطت جميلة في البكاء.. بينما خليفة أكمل بذات الغضب: تمثيلية البجي هذي خلاص ما تمشي علي.. دوري غيرها يعني البارح كله تبجين ويوم عمتي اتصلت صرتي ترعدين وتبرقين ولسانج شبرين.. حينها شهقت جميلة: ما أبيها تعرس وتخليني.. ولو أعرست ما أبي منصور هذا.. ليش ماخذت عمي زايد؟؟ خليفة بحزم: تأخذ اللي هي تبي.. مثلج.. مالج حق تفرضين عليها شريج حياتها وخصوصا واحد مثل منصور ما أعتقد فيه عيب عشان ما يعجب جنابج وبعدين ما أعتقد إن منصور غريب عليج دامج متربية في بيت أخوه أنا سامعة بأذوني يقول لج (أنتي قبل مثل بنتي.. والحين بنتي صدق) يعني علاقته قبل فيج زينة؟؟ صح والا انا غلطان؟؟ شنو اللي تغير الحين؟؟ قولي لي.. جميلة بغضب وهي تمسح أنفها المحمر: صحيح إني تربيت في بيت عمي زايد.. بس مهوب معناها إن منصور رباني.. ثم أردفت بغضب أشد: أما على قولته مثل بنتي.. فهذا شيء في رأسه هو.. يعني عشاني بنت المدام صرت بنته؟؟ ما أنكر إن منصور كان يعاملني مثل مزون لأني كنت على طول عند مزون.. وما تغطيت منه إلا قبل كم سنة بس.. بس هذي كانت مجاملة منه.. طول عمري حاسته إنسان بعيد.. هيبته تخوف.. عمري ماحسيته أب مثل عمي زايد.. يا أخي المحبة من الله.. غصب أحبه وأرضى فيه أب.. ما أبيه.. ما أبيه حينها هتف خليفة بغضب عنيف: الله الغني من حبج.. والناس اللي أنتي حبيتهم وش لقوا من محبتج يعني.. الأحسن الواحد يدعي ربه إنج تكرهينه وما تذوقينه محبتج اللي مايلاقي منها إلا نكرانج له وقسوتج عليه.. أنتي وش هالقلب اللي عندج؟؟ ماحد يهمج غير نفسج.. أمنتج الله قولي لي موقف واحد بس فضلتي غيرج على نفسج.. مع أني ماعرفتج إلا من كم أسبوع.. لكن أقدر أحلف إنه يمكن مافيه في حياتج كلها يوم واحد فكرتي أنج تقدمين إنسان على رغباتج أنتي.. أولها هالسخافة اللي سويتيها في نفسج وأنتي تجوعين نفسج لين صار شكلج جذيه.. ماهمج حد.. لا أمج ولا بنت خالتج ولا عمج زايد.. الناس اللي تقولين أنج تحبينهم وهم يحبونج.. ما اهتميتي إلا بتفاهات في رأسج أنتي وسويتها وعقبها حتى موافقتج علي.. اتضح إنها بسبب أنانيتج بس.. فكرتي بشيء في رأسج الله أعلم شنهو.. وما اهتميتي بأحد حتى الإنسان اللي ترك كل شيء وراه ويا وياج ما اهتميتي بمشاعره وأنتي تقولين عنه اختيار غلط أنتي تبين كل الناس يسخرون حياتهم لج أنتي وبس.. وأنا منهم.. وترا ماعندنا مانع نضحي ونخليج أول أولوياتنا.. بس أقل شيء تسوينه تظهرين شوي أدب.. شوي امتنان.. شوي إحساس بالناس موب بنفسج وبس خليفة فقد سيطرته على نفسه وهو ينهال عليها بقسوة وعباراته الحادة تنثال وتنثال بلا توقف فموقفها الأخير مع والدتها وهو يسمع بنفسه عتبها القاسي لها جعله يخرج من عندها ولم يستطع حتى أن يبات عندها ولم يعد لها إلا صباح اليوم التالي قبل دقائق فخليفة فقد والدته قبل سنوات وكان يتمنى لو أطال الله في عمرها ليبر بها.. فكيف بهذه التي أمها تستميت من أجلها بينما هي تصفعها بقسوتها دون تفكير؟؟ بينما جميلة كانت قضت ليلة قاسية بالفعل تتجرع الوحدة والألم.. فكما آلمت والدتها كل كلمة آلمتها أكثر.. تشعر بضياع وتشتت وماكان ينقصها هو زواج والدتها لتشعر أنها ضائعة تماما ووجدت كل جزعها يُترجم في عبارات قاسية حادة تفرغ فيها غضبها وجزعها وخوفها وإحساسها بالاختناق والضياع وموقف خليفة هو ماكان ينقصها تماما لتكتمل مأساتها.. الشخص الوحيد الذي معها ينفجر فيها دون رحمة... فإلى أين تولي وجهها؟؟ إلى أين؟؟ ************************************* " هزاع تكفى ساعدني.. سالفة خويك الخبلة يمشي حالها أبيك تقولها عند أمي" هزاع الذي كان ينفذ عن ذراعيه متوجها للحمام ليتوضأ هتف بغيظ: ما تعرفين تسلمين الأول.. وبعدين مهوب أنتي اللي قلتي لي لا تقول ذا السالفة عند أمي.. عالية برجاء: ماحبيتك تعطيها أمل ماله أساس.. بس مادام له أساس.. السالفة أشوفها مناسبة.. وأنا بصراحة أبيك تساعدني.. لأني عقلي موقف.. هزاع يرقص حاجبيه: مساعدة ببلاش مافيه.. عالية بنفاذ صبر: باعطيك اللي تبيه يا المادي خلصني.. هزاع يهز كتفيه: لا الماديات خليها بعدين ما نعيفها.. بس أبيش تعتذرين واعتذار محترم على تغريقي بالماء باللي ما تستحين.. عالية تشده لتقبل رأسه: آسفة واحب راسك بعد... خلصني بس... أنا ماعاد فيني صبر.. والله مافيني.. وصلت حدي.. بس أبي اشوفه أنا وأمي سوا.. ثم أردفت بوجع عميق: هزاع أنت شفته بعينك؟؟ تغير؟؟ متن؟؟ ضعف؟؟ صدق يعني هو حي؟؟ صدق هزاع؟؟ هزاع لم يجبها.. شعر أن الجواب سيكون ثقيلا عليها.. لذا هتف لها باستعجال: روحي الحين أنا باروح أصلي وعقب بأرجع عليكم أسولف على أمي بخرابيطي ********************************** صالح كان عائدا بأولاده للبيت حينما تلقى اتصال من والده يطلبه أن يحضر له في المجلس حالا.. صالح أوقف سيارته داخل مظلات البيت طلب من ولديه أن يتوجها للداخل.. بينما توجه هو للمجلس دخل ليجد وجه والده متغيرا.. مال على رأسه يقبله ثم جلس جواره.. وهتف باحترام: آمرني جعلني فداك.. أبو صالح هتف بحزم: هم شغلتين مهيب شغلة وحدة.. أول شغلة وينك أمسيت البارحة؟؟.. قمت لصلاة الفجر ماعينت سيارتك.. وعقبها طلعت من البيت حول الساعة تسع وأنت مابعد جيت.. صالح بهدوء: كنت ممسي في بيتي.. عندي ضيف.. أبو صالح انتفض بغضب عارم: وليه بيتي ما يستقبل ضيوفك يوم توديهم لبيت حتى مابعد خلص؟؟ صالح بهدوء متمكن: بيتي خلصت منه المجلس وكم حجرة عشاني داري إن ضيفي ذا أنت ماتبي تستقبله في بيتك.. حينها وقف أبو صالح وهو ينتفض بغضب حاد: أنا ما أطرد حد من بيتي يا مسود الوجه ولو هو ذابح أمي وأبي إلا كن ضيفك سواد وجهه كنه سواد وجهك يا قليل الحيا؟؟ صالح بنفس الهدوء: وجهك أبيض يا أبو صالح.. ومهوب أنا اللي أسود وجهي ووجهك.. خلنا من ضيفي ذا الحين.. وقل لي وش الشغلة الثانية اللي أنت طالبني عليها.. أبو صالح بغضب متزايد وهو يلوح بعصاه: أنا ولد أبي أنا.. منت بصاحي اليوم.. والله يا كسار وجهك بذا العصا إنه يجيب المطر قم روح جيب ضيفك ذا الساعة ولا توريني وجهك إلا وهو معك.. ماعاد إلا ذا.. داس ضيفك في بيتك يا الرخمة.. حينها أجاب عليه صالح بنبرة مقصودة: يبه الشغلة الثانية ما تخص غانم وروحته لأمريكا؟؟ يمكنك تبيني أمنعه مثلا؟؟ حينها هتف أبو صالح بصدمة: وأنت وشدراك؟؟ حينها شد صالح نفسا عميقا: يبه.. اربط اللي شافه غانم.. بالضيف اللي في بيتي.. ونخلص من الشغلتين كلها.. حينها انهار أبو صالح جالسا وعيناه تتسعان ذهولا.. صالح يعلم أنه استعجل في إخباره بالخبر.. ولكن بعد معرفة عبدالرحمن وأهله بالخبر خاف أن يصله الخبر من سواه وهو يعلم يقينا قوة والده.. فالذي احتمل خبر وفاة ولده منتحرا وتعايش معه طيلة هذه السنوات هو على احتمال خبر عودته الحياة أقدر وأكثر تحملا.. أبو صالح أغمض عينيه وفتحهما .. هز رأسه.. وضغط صدمات وأفكار ومشاعر مدمر كسيل جارف يجتاحه بعنف شعر بثقل مرير في أطرافه وأنفاسه وكل عرق ينبض في جسده والصدمة تبعثره تماما لأشلاء متطايرة لكنه تجاهل كل ذلك ليقف ويغادر وهو يهتف بحزم يذوب قسوة أو ربما حزم يذوب وجعا.. ولكن من المؤكد أن شيئا ما في روحه كان ينصهر حتى الانتهاء.. حتى الانتهاء: قل لضيفك بيتي يتعذره..ووجهه ما أبغي أشوفه.. . . في الداخل.. كان هزاع ينتهي من إخبار والدته بحكايته الطريفة عن عودة ابن عم صديقه.. ويخلطها بتلميحات حذرة جدا عن أن من الممكن أن يكون هناك أيضا من هو في حال هذا الرجل.. دون أن يصرح بأي اسم.. كانت أم صالح تبتسم بصفاء.. فكل شيء يقوله آخر العنقود هزاع يبدو عندها مسليا ورائعا مثلما تراه هي ولكن ابتسامتها بدأت تنطفئ رويدا وأنفاسها تضيق شيئا فشيئا.. ومجرد الأمل الباهت يجتاح خلاياها المستنزفة فقدا.. كطوفان عارم يغرقها بين أمواجه همست باختناق : وولد عم خويك كم سنة كان غايب؟؟ هزاع بدأ يشعر بالألم وهو يسب عالية على إدخاله في الموضوع.. حاول أن يهتف بطبيعية فاشلة وصوته يخرج مرتعشا: حول ست سنين همست بألم في اتجاه آخر وهي تبعد الأمل عنها وتكتفي بالحزن: أمه عادها حية؟؟ هزاع رغم استغرابه للسؤال وأين اتجه تفكير والدته أجابها: ما أدري.. همست حينها بألم عميق: كن عادها حية أبي أروح أهنيها سلامته.. هزاع نزل عن السرير جلس تحت قدميها وأمسك بكفها وقبلها ثم أسند رأسه لركبتها وهتف بألم عميق: وأنتي تعرفينها عشان تهنينها سلامتها.. ربتت على رأس هزاع بحنان وهو تهمس بوجيعة: أعرف وجيعتها يأمك.. أعرف وجيعتها.. هزاع كان ينظر لعالية شزرا وكأنه يقول لها (يا الله تصرفي) وحينها همست عالية باختناق: زين يمه ما تمنيتي يوم تكونين مثلها.. يعني كنتي مثلها في وجيعتها.. ما تبين تكونين مثلها في فرحتها؟؟ أم صالح تنهدت بعمق: ماعاد لي يأمش قلب يتحمل رجا مثل ذا.. أدري إنه ما راح يصير يا الله أني تصبرت على فرقاه وأنا دارية إنه تحت التراب.. أشلون أصبر على فرقاه وأنا أقول يمكن وكان.. هزاع يبتسم بفشل: يمه.. ما تدرين رحمة الله فوق كل شيء.. ليه تصكين باب الأمل الحين عبدالله ما شفنا له جثة ولا قبر.. وش فيها لا تأملنا إنه حي.. حرام؟؟ أم صالح ترفض أملا إن فتحت له الباب سيسكن روحها.. وإن لم يحدث سينزع روحها معه: يأمك هو عندك رجا.. لكن عندي أنا حد السكين يعني أنت كيفك تأمل وترجى.. صار كان من الله وخير وبركة.. ماصار بتحزن يومين وترجع تنسى.. وش المشكلة هو ميت عندك ميت لكن أنا لو سمحت لنفسي أهوجس مثلك.. كني أحط السكين على رقبتي.. إن صار وعينته حي.. رفعت السكين من رقبتي لكن إن دورت له وطلع ميت عقب مارجيت أنا شوفه.. كنك تنحرني بالسكين اللي ماباعدت من رقبتي.. يأمك ماعاد لي قلب يستحمل شيء.. يا الله حسن الخاتمة.. هزاع وعالية تبادلا النظرات اليائسة.. وهما يشعران أنهما عاجزان عن فجعها بهذه الصورة وهي حتى مجرد الأمل تراه كثيرا عليها.. صمتا كلاهما وهما يشعران بتعاظم يأسهما وقلة حيلتهما في مواجهة هذا الموقف مع أمهما .. عالية شدت هزاع خارجا ثم همست له بخفوت: خلاص هزاع ودني أنا بروحي مافيني صبر.. وأمي شكلها تبي لها كم يوم لين تستوعب هزاع يشير بيده وهو يذهب: إذا صليت العصر وديتش.. عالية تمسك به بإصرار: وش عقب صلاة العصر.. أقول لك مافيني صبر.. أبي أروح الحين.. ياخوفي لا تكونون تكذبون علي.. هزاع يتركها متجها للمجلس: تبين سويكي؟؟ ترا السبير فوق في الدرج اللي عند رأسي.. توكلي الله يحفظش عالية تصرخ دون أن يهتم لصراخها: هزيع.. هزيع تعال ودني يالزفت.. هزيع.. زين دواك عندي.. هزاع حين وصل للباب التفت لها وهتف ببرود: عمش هزاع لو سمحتي.. هزاع لم يكن يريد أن يتجاهل طلبها.. لكنه يخشى ألا تحتمل رؤية عبدالله فمازالت عظامه تؤلمه منذ ليلة البارحة.. يريد لها وقتا أطول تتاقلم مع الفكرة التي مهما كانت مفرحة إلا أن فرحتها قاسية..موجعة لأبعد حد يخشى عليها لأبعد من تأثيرها.. ******************************* يدخل إلى غرفته بخطوات هادئة تخفي خلفها حذرا ما.. كانت تقرأ في مصحفها حينما دخل.. لم يقاطعها وهو يخلع ملابسه.. ويسترق النظرات إلى هدوءها العميق وهي تتلو جلس على سريره وهو مازال يراقبها.. أنهت وردها.. وخلعت جلالها ثم التفتت لتهمس له بهدوء: عسى العيال ما تعبوك؟؟ همس لها بهدوء مشابه: لا أبد.. كانت تتجه للتسريحة وهي تفك شعرها لتمشطه.. يستغرب منها.. شعرها يبدو مسرحا وغاية في الترتيب.. فلماذا تسرحه مرة أخرى تنهد (الخبيثة.. تعلم أن أمواج العسل هذه تفقدني صوابي) همست وهي تمشط شعرها وتسترق النظرات له وكأنها تحاول أن تستشف ما الذي يحدث لهذا الرجل: بتبات الليلة هنا وإلا في بيتك؟؟ صالح بنبرة قاطعة: حسب التياسير.. بأشوف.. ثم أردف بنبرة مقصودة: ليش ما قلتي لي إن فكرة الروحة لجنغل زون فكرة عالية؟؟ هزت نجلاء كتفيها وهي تهمس بنفس نبرته: أولا ما عطيتني فرصة.. شايل في قلبك علي واجد ياولد عمي.. ولقيتها سبب ثانيا مهيب حلوة في حقي ولا حق عالية.. كني بزر أقول ترا مهيب فكرتي أنا تراها عالية.. صالح لم يجبها وهو يتمدد على سريره ويضع ذراعه على وجهه.. كثير كل هذا عليه.. يكفيه ضغط عودة عبدالله وما يحدثه من صدمات.. كم يحتاجها إلى جواره في هذا الوقت بالذات.. أنهكه اشتياقه لها!! وأنهكه فيض مشاعر أهله الذي يشعر أنه يشارك عبدالله في تلقي صدماته.. منهك من كل شيء.. من كل شيء!! بدأ يشعر بالنعاس أو ربما يهلوس.. حركتها جواره..رائحة عطرها قريبة جدا..تلتها همساتها الدافئة في عمق أذنه: ما تبي تقول لي وش اللي مضايقك؟؟ همس بخفوت عميق شفاف دون أن يزيل يده عن وجهه: متضايق من اشياء واجد.. وأكثر شيء مضايقني أني في ضيقتي هذي مالقيتش جنبي همست بخفوت مشابه في عمق أذنه وهي تضع رأسها على نفس مخدته: أنت اللي مبعدني عنك.. وإلا لو علي أبي أكون أقرب لك من أنفاسك.. همس بذات نبرته العميقة الخافتة: لو بغيتي تكونين قريب..بتكونين.. يا كثر ما كنتي تبعديني عنش لكني ماكنت أسمح لمحاولاتش تبعدش عني لكن أنتي ما صدقتي تبعدين وتباعدين حينها اقتربت منه أكثر.. احتضنت خصره وهمست بألم: زين أنا باحاول بس أنت تكفى لا تقسى علي.. كفاني اللي شفته في الأيام اللي فاتت!! صالح أزال يده عن وجهه ليحتضنها بها بخفة ويهمس بعمق: الحين كم يوم شفتيهم واجد عليش.. واللي له شهور يتعذب وش حيلته نجلاء حينها همست بعمق مشابه: حيلته يوعدني مايجرحني.. وأنا أوعده أرضيه باللي يبي إحساس أشبه بإحساس العائد من غربته إلى أحضان وطنه يجتاح خلايا كل منهما.. بينهما عشرة طويلة غلف مداد أيامها تغلغل كل منهما في روح الآخر.. وافتقاد كل منهما كان يخل بتوازن كل منهما ووجوده الذي يحسه وجودا ناقصا دون نصفه الآخر.. صالح يحتضنها بقوة وهو يقبل أمواج العسل ويهمس بعمق دافئ: وأنا أوعدش ما أجعش بكلمة.. واللي يوجعش يوجعني.. ************************************** " جوزا من جدش تبين تطلقين من امهاب؟؟" جوزاء تضغط جانب رأسها بإرهاق بيد وتضم حسن لصدرها باليد الأخرى وتهمس بسكون: الله كاتب له نصيب أحسن مني.. ربي رحمه شعاع بألم: زين انتظري شوي.. يمكن عبدالله مايبي يأخذ حسن.. جوزا بتهكم مشبع بالألم: مايبي؟؟ أنا متاكدة إنه يبي له فرصة بس.. شوفي الحين عادنا عقب صلاة العصر صار متصل بعبدالرحمن فوق خمس مرات يقول يبي يشوف حسن.. فرضا صدقت إن الشيطان صار ملاك وخلا حسن معي عقب ما أتزوج.. وش ذنب امهاب ينط عبدالله له كل يوم بحجة يبي يشوف ولده مع أني متاكدة إنه قصده التنكيد.. أنا ليش أخلي حياتي معلقة برغبات عبدالله وكرمه.. الله الغني السالفة هذي كلها لازم أخلص منها بأسرع وقت.. كل ما قرب وقت العرس.. كل ماصارت السالفة أصعب.. مستحيل أخلي لعبدالله طريقة يأخذ ولدي مني.. حينها شد حسن جيبها بخفة: ماما أبي عدالله.. بابا وينه؟؟ جوزاء مسحت على شعره وهي تهمس من بين أسنانه: بابا في اللي ما يحفظه يأمك حينها بدأ بالإلحاح: أبي بابا.. أنتي دلتي بعدين.. الحين بعدين.. جوزاء كانت تحاول محايلته والتحايل عليه.. ولكنه كان يلح بإصرار ثم بدأ بالبكاء.. لتصرخ فيه بصوت عال: قلت لك بس خلاص.. ماتفهم.. مافيه بابا اليوم حسن فتح عينيه ذهولا ثم انفجر في البكاء.. فجوزاء لم يسبق حتى أن صرخت فيه.. جوزاء نظرت لنفسها بذهول.. حاولت أن تحتضنه.. ولكنه قفز لحضن لشعاع وهو يتعلق بعنقها.. شعاع احتضنته بحنان وهي تنظر لجوزاء بعتب وتهمس بصوت عاتب منخفض: جوزا عمرش حتى الصياح ماصحتي عليه.. وش الخطوة الجاية تضربينه إذا طلب أبيه جوزاء بجزع: لا إن شاء الله.. تنقص يدي لو مديتها عليه.. شعاع بهدوء: جوزا.. عبدالله صار حقيقة ما تقدرين تلغينها.. ماراح أقول الذنب ذنبش إنش علقتي حسن فيه لكن بأقول الحين إنها رغبة رب العالمين.. الله سبحانه راد أن عبدالله يرجع ويلاقي حسن متعلق فيه كذا لحكمة الحين هل كل ما طلب حسن أبيه بتصارخين عليه.. جوزا لا تعقدين البزر تكفين.. عبدالله أبيه من حقه يشوفه حينها انفجرت جوزاء في البكاء: متى صار إبيه؟؟ هذا ولدي بروحي.. ولدي أنا.. شوفي أشلون حسون يطلبه ويبكي عليه.. يعني جاته محبته على الجاهز ماتعب فيها لكن أنا اللي سهرت وتعبت وربيت خلاص مالي حق.. شعاع بألم: ياجوزا عمرها ماكانت كذا.. الحب ربي قسمه بين الأم والأب.. وماحد يأخذ غلا الثاني.. وحسن لو حب أبيه.. محبتش هي نفسها ما ينقص منها شيء جوزاء بألم: عمره قلبي ماراح يصفى لعبدالله الزفت مغماز أبليس ذا.. لكن لأجل عين تكرم مدينة تعال حسون حبيبي لا تبكي.. بأخلي خالي عبدالرحمن الحين يوديك لبابا.. حسن قفز من حضن شعاع ليتعلق بحضن أمه التي احتضنته ودموعها تسيل بصمت مثقل بوجعها الذي مزّق روحها المرهقة كل شيء.. ******************************************* " هو ماقال لك إنه بيجيبها عقب صلاة العصر؟؟" عبدالله ينظر لساعته وهو يخاطب فهد.. فهد يجلس على أريكة في غرفة عبدالله المؤقتة في بيت صالح ويهتف بهدوء: إلا قال.. بس عاد من دقة هزيع في المواعيد قالوا لك ساعة بيغ بين.. عبدالله يعاود النظر للمرة الألف من النافذة: صار لنا أكثر من ساعة راجعين من الصلاة.. ومهوب من بعد بيتنا ............ بتر عبارته.. ماعاد حتى يستطيع أن يقول أن البيت (بيتنا) وصاحبه ينبذه.. هذا وهو مازال لا يعلم أن والده علم بعودته ورفضها.. همس لفهد وهو يعود للجلوس: إلا عالية موافقة برضاها على عبدالرحمن؟؟.. فهد ينظر ليديه ويهتف بهدوء: ليه عالية حد يقدر يجبرها على شيء ماتبيه؟؟.. وبعدين عبدالرحمن مافيه عيب عشان ما توافق عليه عبدالله يهز كتفيه: حبيت بس أتاكد..ومتى حددوا العرس؟؟ فهد بذات الهدوء: مابعد حددوه.. عالية باقي عليها فصل واحد.. يعني بترجع من فرنسا في عطلة الربيع.. إذا رجعت حددوه.. عبدالله بعدم رضا: بس كذا الملكة بتبطي.. يمكن يكملون سنة ماعرسوا.. وهذا مهوب سنع.. فهد بنبرة مقصودة: زين إنك عادك تعرف السنع ماسجيت منه.. عبدالله نظر له بشكل مباشر وهتف بذات النبرة المقصودة: والله أشوف ناس واجد مضيعين السنع.. اللي أهمها احترام الكبير ترا الفرق بيني وبينك مهوب سنة وإلا سنتين.. أربع سنين.. وأشوفك من يوم جيت وأنت حاد علي سكاكينك.. فأنت اللي اعرف السنع واحترمني.. فهد تنهد وهو يقف ليميل على رأس عبدالله ويقبله ويهتف بحزم موجوع: السموحة يأخيك..استحملني شوي.. أنا مستوجع منك واجد.. غصبا عني.. والله يوم أضايقك كني أضايق روحي.. بس وش أسوي بطبعي الأقشر.. عبدالله يشير بيده بضيق: خلاص ماصار الا الخير.. كلّم هزاع شوف وينه.. بعد انتهاء عبدالله من عبارته كان صوت هزاع قادما من الصالة عبر باب الغرفة المفتوح: وين أنتو يا جماعة الخير؟؟ فهد هتف بصوت عال: تعالوا يمينكم بينما عبدالله وقف وهو يشد له نفسا عميقا ويريد أن يتوجه بنفسه للخارج لولا أنهما دخلا فورا . . . عالية منذ خروجها من البيت وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها.. هزاع هتف لها مازحا وهو يحاول تخفيف توترها: لا تكونين رايحة لاختبارات الثانوية العامة بدون ماتذاكرين؟؟ عالية باختناق: هو وينه قاعد؟؟ هزاع حينها تحول للسكون: في بيت صالح.. ثم أردف بتحذير لطيف: يا ويلش تبكين.. عالية باختناق أكبر: كيفي أبكي ما أبكي.. مهوب شغلك.. هزاع (بعيارة) : مهوب شغلي.. رجعنا للبيت.. عالية بجزع: لا فديتك.. شغلك ونص.. ثم صمتت وذكريات أثيرة دافئة تأخذها للبعيد.. يومها الأول في المدرسة.. كان هو في حينها الرابعة عشرة.. أصرَّ أن يذهب معها رغم أن أمها كانت معها.. أوصلها حتى باب المدرسة ثم همس في أذنها بخفوت: إذا ما بكيتي اليوم في المدرسة.. العصر بأخلي صالح يودينا أي مكان تبينه بسيارته الجديدة.. وخذت من أبي فلوس وخليتش تشترين كل اللي تبين بس لا تبكين.. هزت رأسها بعينيها الدامعتين..وهي تمسح أنفها المبلل بطرف كمها ثم انفجرت في البكاء.. ورغم أنها لم تفي بوعدها له أخذها في جولة مع صالح واشترت كيسا ضخما من الحلويات.. مع عبدالله بالذات في ذكرياتها حديث وشجن.. الكثير من الشجن.. حينما كانت صغيرة مدللة وعنيدة كان يعرف كيف يقنعها بما يعجز عنه الجميع.. كان يهمس في أذنها كأنه يخبرها بسر خاص بهما..وهمساته الحانية كانت دائما تصب في قلبها كالسحر... حينما سافرت لفرنسا للدراسة لأول مرة.. كان هو من رافقها أيضا.. همس لها همساته التي ما فارقت أحلامها: كنت معش أول يوم مدرسة.. لازم أكون معش أول يوم جامعة.. حينما أراد أن يعود.. تعلقت به وبكت مطولا..همس لها وهو يحتضنها: لا تفشليني وأنا حاط ثقلي كله في دراستش.. أبيش ترفعين رأسي... ويوم أسمع طاريش واسمش أنفخ ريشي وأقول هذي أختي.. غرزت أضافره في عضده وبكت أكثر وهي تدفن وجهها في صدره: زين اقعد عندي شوي بعد.. مازالت تذكر حينها ابتسامته التي ابتسمها لها وهو يبعدها عنه بحنو ويمسح وجهها.. ابتسامته هو التي لا مثيل لحنوها واختلافها: هذا نايف عندش.. حطي بالش عليه.. والله الله فيه.. ثم عاد ليميل على أذنها ويهمس بحزم عميق: وتذكري زين إن الدين والحشمة مهوب لديرة دون ديرة.. ربش فوقش هنا وإلا في الدوحة.. ما نبي حد يقول بنت آل ليث طلعت فرنسا وغيرت جلدها.. ولا تبكين خلاص.. ما أبي أشوف دموع وأنا رايح هزت رأسها أيضا.. وانفجرت باكية.. وهي تعود ركضا لغرفتها حتى لا تراه وهو يغادر الشقة... . . هزاع بقلق: عالية بسم الله عليش ليش تبكين كذا كنش مقروصة.. عالية انتبهت أن هزاعا أوقف السيارة على جانب الطريق وأنها انفجرت تبكي دون أن تشعر أدخلت يدها تحت نقابها لتمسح وجهها وهمست بصوت مختنق: انتظر بس خمس دقايق خلني لين أهدأ.. ولكن الخمس دقايق طالت أكثر من ذلك بكثير.. لأنها لم تتوقف عن النشيج الموجع الذي مزق قلب هزاع عليها: تبين نرجع البيت؟؟ عالية بجزع عميق: لا تكفى وش نرجع.. خلاص خلنا نروح.. أنا ما كنت أبكي قدامه.. بس شكل البكية حاصلة حاصلة.. . . وهاهي تدخل الآن بخطوات متوترة.. ولكنها تود لو تطير.. كانت تتعلق بذراع هزاع الذي دخل بها إحدى الغرف حين سمع صوت فهد فيها.. دخلت الغرفة.. كان يقف في منتصفها تماما توقفا كلاهما.. كلٌّ في مكانه.. هو ينظر لوجهها المحمر وأجفانها التي بدأت بالانتفاخ وهي تنظر إلى كل تفاصيله.. تريد أن تتأكد أنه هو ذاته أمامها.. ليس حلما ولا هلوسة ولا خيالا يجتاحه الحنان.. ويجتاحها الحنين.. عاصفة عاتية من الشعورين يدور رحاها بينهما كانت تريد أن تركض ناحيته ولكن قدميها ثبتتا في مكانهما وعيناها تتجمع فيهما فيضانات من الدموع تنذر بالانهمار بلا توقف هاهو أمامهما كما هو قبل أربع سنوات وهي تودعه عريسا بعد زواجه بشهر لتفجع بعد عودتها بأنه اختفى من الوجود.. وأنه أصبح طيفا راحلا تتجرع ألم ذكراه وحرقة غيابه.. أنه ماعاد بقي لها من عبدالله سوى ذكريات باردة لا تحمل دفء راحة يديه ولا حرارة مشاعره تتذكر المرة الأولى التي حملت حسنا بين يديها.. كيف انفجرت باكية بهستيرية وفيض حزنها وضغط مشاعرها وذكرياتها يجرفانها نحو البعيد البعيد وهاهو والد حسن الآن أمامها.. هو من سيربي حسنا بنفسه إن شاء الله.. لن يكون حسن اليتيم بعد اليوم.. وإن كانت هي جمدت مكانها فهو كان من تقدم ناحيتها.. وهو يهمس لها بابتسامة حانية مثقلة بالحنين العميق: هي السنين تخلي البنات حلوين كذا!! حينها كان قد وصلها.. تعلقت بجيبه بقوة وهي ترتمي في حضنه وتنفجر في بكاء غير مسبوق.. فجع أشقائها الثلاثة فهد يهمس لهزاع بتأثر: وش فيها أختك.. لا تكون قررت تصير أنثى عقب ذا السنين ..؟؟ عبدالله كان يشد على عالية المنهارة بكاء في حضنه وتأثره يتعاظم وإحساسه بالذنب يخنقه.. لينتزعه من تأثره لكمات رقيقة على صدره وكلمات مبعثرة من بين نشجيها: وين كنت؟؟ وين كنت؟؟ عبدالله يمسك كفيها بحنو بيديه الاثنتين: أنتي كنتي تدرسين هندسة جينية وإلا مصارعة؟؟ عالية تمسح وجهها الغارق بالدموع بعضدها لأن يديها بين يديه وهي تهمس باختناق: وأنت كنت ميت وإلا تلعب علينا؟؟ عبدالله يبتسم وهو يفلت يديها ليمسح وجهها بأطراف أنامله ثم يحتضن وجهها بين كفيه: فديت الوجه.. والله كبرتي يا بنت وصرتي عروس تناولت كفيه من وجهها لتنثر فيهما قبلاتها وهي تشهق: الحين يحق لي أكون عروس عاود شدها ليحتضنها بقوة وهو يهدئ روعها مع تزايد شهقاتها.. ثم جلس هو إياها على الأريكة دون أن تفلته مضت عدة دقائق من صمت وهي تبكي على صدره وتحتضن خصره بذراعيها حتى هتف فهد بمرح: قولو لا إله إلا الله ياجماعة الخير.. الرجّال ترا راجع للدنيا مهوب طالع منها على ذا البكا كله.. حشا علوي خزان دموع مهوب آدمية.. عالية ترفع رأسها وتمسح أنفها المحمر وتهمس بابتسامة شفافة: يأخي مبسوطة ودموعي كيفي فيها.. شيء من حلالك أنت فهد يبتسم: نخاف عبدالرحمن يقاضينا عقب يقول مرتي نشفت دموعها.. عالية تمسح وجهها بيديها الاثنتين: لا تخاف عليه هو أصلا مجهزة له خزان دموع له بروحه.. بلفيت أني أنثى يعني.. عبدالله يبتسم بحنو: مبروك يا الغالية .. الله يوفقش.. عبدالرحمن رجّال فيه خير عالية حينها ردت بخجل: الله يبارك فيك هزاع يضحك: شوف الأخت قبل شيء مادة لسانها عند فهد ومجهزة للدحمي خزان دموع ويوم بارك الله لها عبدالله سوت روحها مستحية... عالية تميل لتقبل صدر عبدالله ثم تقبل خده وتهمس بمرح باكٍ: ما أبيه يتروع من أولها... عطه شوي وقت لين نعطيه مثلكم.. ******************************************* " بارك لي يأبيك" كساب تتحفز مشاعره وهو يلتفت لعمه الذي كان يرتكي على مقعده بفخامة ويرتشف فنجانا من القهوة: مبروك بس على ويش؟؟ منصور بحميمية فخمة: بأصير أب.. كساب قطب جبينه: من جدك وإلا نكتة ذي؟؟ منصور يناول المقهوي فنجانه وهو يهزه ويلتفت لكساب بغضب: استح على وشك قدام أسبحك بدلة الصبي الواقف.. كسّاب ينظر لعمه بنصف عين وهو يهتف ببرود: تدري ياعمي نكتة مثل ذي ترا ما تلبق لواحد مثلك.. حينها عاود منصور الارتخاء على مقعده وهو يشير للمقهوي أن يصب له فنجانا آخر ويهتف بحزم متمكن: تدري الشرهة علي اللي بغيتك أول واحد أبشره.. ولو أني ماني بمبسوط وما أبي أعكر مزاجي بوجهك العكر.. وإلا كان وريتك شغلك بس ما أبي أخذ ذنب بنت آل سيف تدخل عليها ووجهك مشرح.. حينها مال كسّاب على عمه بتساؤل: عمي من جدك؟؟ منصور حينها هتف ببرود: ماعليك مردود كسّاب قفز ليقبل أنف عمه: أفا.. ما أسرع يحضر زعلك يأبو زايد.. إذا أنت صدق صادق.. فأنا في وجه زايد الصغير حينها ابتسم منصور: دام دخلت في وجه زايد الصغير فأنت وصلت.. اللي في وجه ولدي.. في وجهي.. حينها اتسعت ابتسامة كسّاب وهو يهمس بسعادة حقيقية: كفو كفو زايد وأبيه.. ثم أردف وهو يقبل رأس عمه مرة أخرى: مبروك ياعمي ألف مبروك ثم أكمل وهو يغمز بعينه: بس وش سالفة عندي عيب وما أبي أعالج وعقبه حتى شهر ما كملت إلا خالتي حامل؟؟ منصور ينظر له بنصف عين: هذا اسمه تنظال؟؟ وإلا اعتراض على قسمة رب العالمين ؟!! ********************************* " أشلون يعني ياعبدالرحمن؟؟ خلاص؟؟ خلاص؟؟ " عبدالرحمن بألم يحاول إخفائه خلف هدوء صوته: النصيب كذا يا سنايدي.. جوزا تعبانة.. وخايفة عبدالله يأخذ ولدها منها.. ونفسيتها تعبانة.. والطلاق كل ما تاجل كل ماصار الموقف أصعب.. مهاب بحزم وتصميم: أنا شاريها يا عبدالرحمن.. عبدالرحمن تزايد ألمه: وحن والله شارينك أكثر.. بس السواة سوات الله... صحيح إنها أختي بس صدقني إنها الخسرانة وأنت الله بيكتب لك نصيب أحسن منها.. مهاب شد له نفسا عميقا وهتف بحزم: ومتى تبون الطلاق؟؟ عبدالرحمن تنهد: خلنا نروح بكرة الضحى للمحكمة... مهاب يوقف سيارته أمام بيت عبدالرحمن لينزل عبدالرحمن ويهتف بخيبة أمل عميقة لم يستطع إخفائها: خلاص عبدالرحمن تم.. نتقابل بكرة الساعة 10 في المحكمة.. مُهاب حرك سيارته على غير هدى.. طوال حياته كان تفكيره في نفسه في ذيل أولوياته.. حتى في زواجه من جوزاء لم يكن يفكر في نفسه أكثر من تفكيره في حسن وقرب عبدالرحمن ولكنها الآن أصبحت تنتمي له.. زوجته وارتبطت باسمه.. فلماذا حتى هذا الحلم أصبح كثيرا عليه؟؟ لماذا بعد أن استعد ليكون زوجا وأبا ورتب حياته على أساس ذلك ينهار كل ذلك من أجل من عاد من الموت.. لماذا بعد أن أصبحت شريكة لأحلامه تنتزع منه حتى الأحلام بهذه القسوة؟؟ لماذا ؟؟ لماذا؟؟ لــمـــــــاذا؟؟؟؟ ******************************** " صافية وش فيش؟؟ قد حن بين الصلاتين وأنتي عادش منسدحة.. واليوم كله تقومين وترجعين تنسدحين عسى منتي بتعبانة؟؟" أم صالح تعتدل جالسة بحرج وهي تعدل وضع برقعها ولفتها عليها وتهمس باحترام بصوتها المرهق: لا فديتك ماني بتعبانة.. بس سويت اليوم ريوق لوحدة والدة.. وتعبت شوي أبو صالح يجلس جوارها ويهتف بهدوء يخفي خلفه ألما نفسيا عظيما متجسدا بوحشية تصاعد منذ لقاءه مع صالح حتى غشى أطراف الروح : الاسبوع اللي طاف سويتي لي ريوق رياجيل وأنتي مع الخدامات من قدام الفجر.. وماجاش نفس اللي جاش اليوم قومي خلني أوديش الطبيب.. سدحتش ذي مهيب جايزة لي.. أم صالح بذات الإرهاق العميق: والله العظيم مافيني شيء.. بس يا خالد....... ثم صمتت.. بينما أبو صالح استحثها: بس ويش؟؟ أم صالح بعمق مجهول: من أمس وأنا قلبي كنه يعصر.. ما أدري وش أقول لك.. تطري على طواري.. وكني أتنى لي خبر.. مستوجعة وعظامي ما تشلني.. أتعوذ من الشيطان.. والشيطان ماخلاني.. كنت متروعة على صالح.. ويوم شفته طيب تريحت.. بس ذا الوجع اللي في قلبي عيا يفارقني.. يا الله الستر من عندك.. أبو صالح تنهد بعمق.. مصدوم.. مذهول.. متألم.. " أ لهذا الحد شعرت بأنفاس عبدالله قريبة منها؟؟ أ لهذا الحد اغتالتها رائحته القريبة؟؟ ألهذا الحد تواصلها مع روحه أشعرها بقربه منها؟؟ سبحان الله كيف أنبأها قلبها أنه هنا.. وكيف بدأ يؤلمها اشتياقا لرؤيته!! أ هذا الألم هو دقات قلبها تناديه؟؟ أ هذا الألم هو وطأة اشتياقها له؟؟ أ هذا الألم هو وجع الأيام التي مضت من دونه؟؟ " همس أبو صالح بخفوت: حسيتي فيه هنا؟؟ حسيتي إنه صار قريب؟؟ أم صالح باستغراب: من هو؟؟ أبو صالح كأنه يحادث نفسه: عبدالله أم صالح تراجعت بعنف جازع حاد وهي تهمس باختناق: أي عبدالله؟؟ خالد بسم الله عليك أنت وش تهوجس فيه؟؟ همس لها بذات الطريقة التي كأنه يحادث نفسه فيها: ما أردش تشوفينه.. هذا ولدش.. لكن أنا ما أبي أشوفه.. ما أبي أشوفه... أم صالح بدأت ترتعش وهي تحاول الإمساك بكتفها الأيسر حيث شعرت بألم بشع يتصاعد وكلماتها تتبعثر: من ولدي هذا؟؟ أي ولد؟؟ أبو صالح لم يكن ينظر ناحينها.. كان ينظر أمامه ويحادث نفسه.. يحادث نفسه فقط : عبدالله ياصافية عبدالله اللي رجع من الموت.. أربع سنين يلعب علي.. أربع سنين وأنا أموت في كل يوم ألف مرة.. أتحسر عليه ألف مرة.. أسبه ألف مرة.. وأبكي عليه ألف مرة.. وعقب ذا كله يطلع حي.. حي.. أربع سنين وأنا أشرب الحسرة.. حسرة ورا حسرة وأنا أدعي له بالمغفرة حجيت له مرة.. واعتمرت له مرتين.. وبنيت له مسجد وحفرت له بيرين.. وكفلت خمس أيتام باسمه وأنا ما أمسي الليل.. وأنا يتخايل لي ربي يعذبه.. فأقوم متروع من نومي أصلي وأدعي له وأدعي له أسمعش تدعين ويكون ودي أقول كثري له الدعا.. وعقب ذا كله يا صافية يطلع حي ويلعب علي.. أربع سنين ناسينا والحين رجع.. أم صالح حينها أمسكت بذراع أبي صالح بقوة ليلتفت لها بصدمة وهو يستوعب صدمتها الكاسحة وهو يسمع صوتها يتحشرج.. لم يعلم حتى أنه كان يتكلم بصوت مسموع.. كان يحادث نفسه من خلالها كانت أم صالح تنتفض بعنف..أطرافها ترتعش.. وعيناها تتقلبان.. حاول أن يسندها..وهو يصرخ بجزع: صافية وش فيش؟؟ وش فيش؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله أنا وش سويت؟؟ فإذا بها تسقط بين ذراعيه وارتعاشها يتزايد.. ويتزايد.. وصوتها يتحشرج بشدة.. ***************************************** " يا الله يأبيك تجهز.. الليلة متأخر طيارتنا.. وبكرة الصبح حن في الدوحة إن شاء الله" تميم يهز رأسه موافقا ثم يشير بهدوء: خلنا نروح نسلم على عبدالجبار أنا شريت له شال صوف كشميري.. مالقيت عندهم شيء ينفع له غيره المرة الجاية بأجيب له بشت صوف زين من الدوحة.. أبو عبدالرحمن لم يفهم جيدا ما أشار له به تميم فأعاد تميم الإشارة بطريقة أكثر تبسيطا.. حينها ابتسم أبو عبدالرحمن: تدري إني قد جبت له فوق ست بشوت.. يبتسم تميم ويشير: ماعليه بشت زيادة مايضر.. مشتهي أجيب له شيء غالي قلبي موجعني عليه الله يجبر كسره **************************************** " عبدالرحمن ليش ماوديت حسون.. أنا وعدته أنك بتوديه وقد حن الحين عقب صلاة العشا وأنت ما وديته لو علي ودي إنه مايروح.. بس جنني.. وأنت كل ماقلت لك تهربت مني" عبدالرحمن يجيبها بتأثر: وش أقول لش يا جوزا...ما أقدر أوديه.. أم صالح جاتها جلطة اليوم العصر.. وفي المستشفى.. والعرب حالتهم حالة.. جوزاء تفجر جزعها صاخبا وحقيقيا: وتوك تعلمني.. ولو ما سألتك كان ما قلت لي بعد.. عبدالرحمن بسكون متأثر: يعني تبين أبشرش بالخبر.. جوزاء بغضب: إلا المفروض أول مادريت بالخبر أنك جيت وقلت لي أم صالح أعتبرها عدت أمي.. وكان لازم أطل عليها على الأقل.. وأشوف لو عالية تبي شيء عبدالرحمن بحنان: خلاص يالغالية.. بكرة أوديش... جوزاء بتصميم: وش بكرته؟؟ ودني الحين.. لازم أتطمن عليها بنفسي.. والحين ***************************************** " عبدالله ما أقدر أخليك تطلع فوق" عبدالله بغضب كاسح: وليش أنا ما أقدر أشوفها.. كلكم شوفتوها.. وانا لا.. مهوب كفاية إن اللي جاها جاها من سبتي.. وحتى شوفتها بتحرموني منها خافوا ربكم فيني.. قلتو لي انتظر شوي.. انتظرت.. أكثر من كذا ما أقدر.. حس فيني يا صالح حاس أني بأموت.. مخنوق ياناس... صالح بحزم: ابي موجود عندها فوق.. وهو يقول ما يبي يشوفك.. ومحذرني أخليك تجي وهو موجود انتظر شوي بعد.. لين يروح من عندها.. عبدالله يفتح باب السيارة ويستعد للنزول ويهتف بحزم بالغ: ما يبي يشوفني؟؟ خله يسكر عيونه.. مهوب رادني من شوفة أمي إلا الموت... #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والثلاثون " عبدالله.. عبدالله.. عبدالله " منذ بدأت تستعيد وعيها وهي لا تهمس بشيء عدا اسمه.. أنين..زفرات.. حسرات.. نزيف.. لم يكن مجرد اسم يُنادى.. كان شيئا فوق النداء وكل تصوارته.. لم تكن مجرد "أحرف" كونت "اسما" .. كانت أحرف "ألم" كونت "فجيعة".. كانت روحها تذوب مع همسات الاسم الذي تنزفه روحها اشتياقا وفقدا.. الاسم الذي لا يرد عليها صاحبه.. " أين هو؟؟ ألم يقولوا أنه عاد من بعد الموت؟؟ ما باله لا يجبيني؟؟.. هل أصابكِ الجنون يا صافية؟؟ هل أصابكِ الخرف؟؟ هل تخيلتِ كل هذه الحكاية؟؟ الأموات لا يعودون.. لا يعودون" ومع ذلك.. حتى وهي تظن أنها تخيلت ذلك.. لم تتوقف عن مناداته.. فالأمل أُطلق في قلبها.. اُطلق في قلب أم " أنا رايح البيت.. خلوه يجيها" هتف أبو صالح بحزم بذلك وهو يقف موجها الحديث للأربعة المتواجدين قريبا منه.. فهد وهزاع وعالية ونايف... بينما كانت نجلاء تجلس في الزاوية ملتفة بعباءتها.. وغارقة في حزن شفاف لحال أم صالح.. وصدمة غامرة لعودة عبدالله.. عالية أمسكت بذراع والدها وهي تمسح وجهها الذي احمر لكثرة ماذرفت من دموع اليوم: يبه وش ذا القسوة اللي عندك؟؟ ما تبي تشوف عبدالله؟؟ لو مهما كان اللي سواه مزعلك.. المسامح كريم تكفى يبه.. عبدالله جاه ما كفاه.. تكفى تسامحه.. أبو صالح نفض يدها من يده بحدة.. بينما عالية تراجعت مذهولة من تصرف والدها الذي تعرفه مولعا بها لأبعد حد.. وهتف بحزم بالغ: ماحد منكم يتدخل في اللي ماله فيه شغل.. أخيكم بصركم فيه.. مارديتكم منه.. بس أنا ما حد منكم يهقى أنه بيمشي شوره علي كان أبو صالح على وشك الخروج حينما تفاجئوا جميعا بالإعصار الذي اقتحم عليهم الغرفة وصالح يحاول اللحاق به.. عبدالله حينما اقتحم الغرفة لم يكن يبصر أي شيء فيها سوى المرأة المسجاة بالدثار الأبيض.. وقف للحظة وأنفاسه تعلو وتهبط بصوت مسموع.. وقف للحظة يملأ عينيه من محياها.. وكأنه يريد أن يعوض آلاف اللحظات التي مرت وهو يحلم بلثم هذا المحيا فلا يجد إلا سرابا آلاف اللحظات التي مد يديه ليحتضنها فاحتضن خيالا شاردا مرا آلاف اللحظات التي حلم فيها بعبق رائحتها ودفء أحضانها واختلاف حنانها.. فلم يجدا إلا صقيعا ومرارة وقسوة.. انتفض من أفكار الخيال ليغترف من الحقيقة.. لينكب على قدميها يقبلهما.. فتسقط غترته عند قدميها وهو يغمرها بقبلاته المشتاقة الموجوعة وهي حينما شعرت بحرارة أنفاسه المختلفة على قدميها مدت يدها اليمين وهي تهمس بصوت مبحوح متقطع: عبدالله جيت؟؟ التقط يدها مقبلا مختنقا.. لينتقل لجبينها ووجهها وكتفيها وهو يهمس في أذنها باختناق: جيت يالغالية.. جيت جعل يومي قبل يومش.. كذا تروعيني عليش.. توني ما كحلت عيني بشوفتش.. مدت يدها لتمسح خده وهي تهمس بصوت أثقلته العبرات.. صوت أرواه الحزن: صدق أنك عبدالله؟؟ عاود تناول كفها من خده لينثر في باطنها وظاهرها مزيدا من قبلاته المغرقة في الاشتياق والوجع ثم نقل أنامله ليمسح قطرات انهمرت من عينيها: طالبش ما تبكين.. والله أني عبدالله.. جعل عبدالله فدا لخطاوي أرجيلش.. لم تستطع منع نفسها من البكاء: البكا يأمك قد بكيته وبكيته لين مل مني.. مدت يدها السليمة لتحتضن رأسه بارتعاش .. وتقربه هي منها لتطبع على خده قبلة واحدة مبللة بدموعها مثقلة بالنشيج والأنين.. تشعر أن كل هذا كثير عليها.. ابن يعود من خلف الموت بعد أن تجرعت طيلة سنوات ألم فقده يعود بعد أن أشبعت الأيام بصدى بكائها الذي تردد في روحها ونخر عظامها كسوس لا يرحم.. يعود بعد أن ذوت الروح لفقده وهو عريس جديد ترك خلفه يتيما كلما رأته تجدد جرح قلبها الذي لا يندمل.. فترة مضت والاثنان على هذا الحال بين نشيج وأنين واحتضانات لم يشعرا فيهما بأحد.. رغم العيون العديدة التي احتضنت المشهد.. ورغم تعالي نشيج عالية بوضوح وهناك شخص كان يقف.. كان سيغادر.. وأراد أن يغادر.. ولكنه رغما عنه.. وبقوة تفوق صلابته التي لطالما عُرف بأنها لا حد لها.. لم يستطع أن يغادر!! قدماه مغروستان في الأرض.. وعيناه تنهشان بجوع مرير كل تفصيل صغير من تفاصيل العائد من خلف الغياب.. تفاصيل ربما لم يلحظها سواه.. جرح صغير غائر بقرب صدغه اليمين.. سمات مهابة متزايدة جللت وجهه الذي أُشبع من تفاصيل الحزن.. وما لاحظه سواه -وآلمه هو رغم الإنكار- شعيرات شيب تزايدت في عارضين كانا كسواد ليل بهيم.. " أكانت روحه تشيب كروحي؟!! أ كان يشاركني حزنا لم نستطع إظهاره سوى ببياض شعيرات عكست سواد أيامنا؟!! أ كان هذا البياض هو بياض أعين ذرفت الدموع حتى شاخت؟!! أم هو وجع شق الروح وما استطاع الظهور سوى بشق طريقه بشعيرات بيضاء؟؟ لا.. لا.. هو ارتحل.. وهان عليه كل شيء.. ألقى بكل شيء خلفه.. وطنه وأهله.. وحتى سمعته لم يهمه أي شيء.. وأنا كذلك لن يهمني أي شيء" هكذا كان يفكر وهو ينظر لعبدالله وأمه ويذهب به التفكير فلا ينتبه أن عبدالله وقف واتجه ناحيته.. وقبل أن يتصرف كان عبدالله ينكب على يده مقبلا وهو يهتف برجاء عميق موجوع مستميت.. رجاء الهالك عطشا لقطرة الماء الأخيرة.. رجاء المختنق لنسمات الهواء المتبقية: طالبك تسامحني.. أنا حاضر للي تبيه يبه.. بس سامحني جعلني فداك..طالبك ارتعشت أعماقه حتى آخر خلية وهو يشعر بأنفاسه على يده.. ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز الروح لبنية الطود العظيم وهو ينتزع يده بحدة.. ويترك الغرفة مغادرا دون أن يتفوه بكلمة.. عبدالله وقف يغتاله حزن عميق أفسد فرحة كانت بذاتها مبتورة من كل ناحية.. " أنت شغال أفلام هندية أول شيء مع أختي ثم مع نسيبي.. والخال المسكين ماله من الحب جانب.. وإلا عشاني صبي يتيم نسيتوني؟!!" عبدالله يلتفت لنايف وابتسامة شفافة تتسلسل لروحه وهو يحتضنه بعمق دافئ شاسع: المنسي غيرك ياخال.. ماكثروا جداني الخوال عشان ننساك.. نايف بتأثر عميق: يوم قالوا لي أنك حي.. ماصدقت لين شفت بعيني.. الحمدلله على سلامتك.. وترا عشاك أول ما تشالى أم صالح عندي.. بأعزم هل الدوحة كلهم.. صالح مقاطعا: مالك لوا ياخال... حن نبي نسوي لعبدالله عشا كبير أول.. بس خل نضبط الأوضاع... وانت عقب بصرك أنت وإياه.. أم صالح قاطعت سيل الحلف الذي بدأ بين الأنهمار.. وهي تشير بيدها وتهمس بضعف: عبدالله تعال اقعد جنبي يأمك.. عبدالله سحب مقعدا وجلس جوارها وهو يحتضن يدها بين كفيه.. حينها همست نجلاء التي كانت تجلس في الزاوية البعيدة بصوت مبحوح بدا أثر البكاء فيه واضحا: الحمدلله على سلامتك يأبو حسن.. عبدالله دون يلتفت رد عليها بنبرة احترام أخوية عميقة: الله يسلمش يأم خالد.. بشريني منش.. بعد انتهاء السلامات المتأثرة فعلا بين الطرفين.. عاود عبدالله الانتباه بكل مشاعره مع أمه يحادثها حينا ويقبلها حينا.. وهي تستمع ودموعها تأبى التوقف.. بينما صالح أشار لنجلاء أن تخرج حتى يوصلها للبيت.... بعد حوالي ساعة.. فهد الذي أنهى اتصالا التفت للمتواجدين جميعا: يا الله يا شباب... خلونا نطلع عبدالرحمن جايب أم حسن تشوف أمي.. الشباب الثلاثة فهد وهزاع ونايف نهضوا بتلقائية ليغادروا وهم يسألون عالية إن كانت تحتاج أي شيء لها أو لوالدتها بما أنها هي من ستنام مع والدتها.. ولكن الشاب الرابع كانت مشاعره أبعد ما تكون عن التلقائية والعفوية.. كانت غاية في التعقيد والالتباس وهو يريد أن يخرج قبلهم.. لا يريد حتى أن يكون معها في نفس الطابق.. لن يحتمل إحساسه بقربها أبدا.. وأكثر ما يؤذيه في الصميم ويجرحه أنها أصبحت لرجل آخر وحتى تفكيره بها لا يحل له ولا يجوز.. ولكن والدته لم تسمح له بالمغادرة وهي تتشبث به بقوة.. عبدالله همس لها بحنان: يمه فكيني بأروح شوي وبأرجع عليش.. بتجيكم مرة.. أم صالح همست له برجاء عميق بصوتها المبحوح: يأمك مابه حد غريب.هذي أم ولدك..أحذفها بالسلام.. واكيد مهيب مبطية.. بتسلم وتروح.. طالبتك ماتروح... عبدالله أشار لعالية بعينيه (أنقذيني).. عالية همست لأمها بحنان: يمه خلي عبدالله يروح لين تروح جوزا.. مهوب رايح مكان.. قريب منا.. وبيرجع علينا عاجزين عن فهمها وهي عاجزة عن إطلاق إساره.. لم تطمئن روحها بعد أنه عاد إليها..فكيف يريدونها أن تتركه؟؟.. حتى يختفي مرة أخرى.. حتى لا يعود لها؟؟ همست حينها أم صالح بتصميم رغم إرهاق صوتها المنهك: خلاص ما يبي يواجه جوزا.. كلميها تعذري منها وقولي لها ترجع يوم ثاني دامه يبي يفشلني.. عبدالله الليلة مهوب مفارقني شبر.. عالية بجزع: يمه وش أكلم جوزا وأقول لها لا تجي.. المرة صارت تحت.. وجايه متعنية ذا الحزة عبدالله حينها هتف بحزم وهو يقبل يد أمه: ما يصير إلا اللي يرضيش.. أنا الليلة عندش ما أنا مفارقش مكان.. أم صالح شدت على يد عبدالله وهمست بألم عميق: تكفيني السنين اللي أنت فارقتني فيها.. مستكثر علي ذا الليلة؟؟ بعد دقائق كان باب الغرفة يُطرق بخفة.. جوزاء كانت متأكدة أن من مع أم صالح عالية وربما بعض شقيقاتها أو نجلاء.. لذا فتحت الباب ودخلت بهدوء لا يحركها سوى رغبتها الصادقة بالاطمئنان على أم صالح.. جوزاء رفعت طرف الشيلة عن عينيها حتى تنظر.. لتفجع بكل وحشية بالجالس جوار أمه.. تأخرت خطوة وكانت تتمنى لو تهرب ملايين الخطوات!! تأخرت خطوة وهي تتمنى لو كان بينهما كل قارات العالم ومساحاته الشاسعة!! تأخرت خطوة وهي تشعر أن جدران الغرفة تتقارب لتطبق على صدرها.. وتسحقه.. هو لم يرفع بصره مطلقا إليها.. رغم أنه روحه كانت تذوي وهي تطالبه بمجرد نظرة.. نظرة واحدة.. ولكنه لم يستجب وعيناه مثبتتان على يد والدته التي تمسك بيده.. وهي شعرت باختناق محرق وكأنها القيت وسط نار مستعرة عاجزة عن التنفس وأطرافها تذوب من حرارة النار والكراهية التي لا حدود لها.. إن كان هو لم ينظر.. فهي نظرت ونظرت ونظرت وهي تشعر بكراهيتها له تتجسد وتتجسد وتتجسد لتتحول إلى غول ضخم يوشك على الانقضاض والتدمير.. "مازال كما هو.. وسيما متفاخرا.. شعيرات بيضاء زادته وسامة وتفاخرا بينما أنا ازددت بشاعة وقبحا هو لم يتغير .. بينما أنا تحولت بفضله إلى مخلوق بشع شكلا ومضمونا" ضمت قبضتها بقوة.. وأظافرها تنغرس في باطن كفها..كانت تود أن تصفعه وتصفعه وتصفعه حتى تطفئ بعضا من نيرانها المتأججة.. أو على الأقل أضعف الإيمان تمنت لو تهرب من هذا المكان الضيق الذي جمعهما.. ولكن بما أنها لا تستطيع فعل أحد الأمرين فأقل ما تستطيعه أن تشعره أنه غير ذا أهمية بالنسبة لها.. وانه لم يحرك في داخلها أي ذرة إحساس.. لأنه مخلوق لا وجود له بالنسبة لها مجرد هباء... هو لا شيء.. لا شيء أبدا.. كل هذا التفكير كان في مجرد ثوان.. وهي تشد لها نفسا عميقا بعده.. وتهمس بثقة غامرة وإن كانت مصطنعة : السلام عليكم.. عالية تقف لتسلم عليها وهي ترحب بها.. بينما جوزاء دارت من ناحية السرير الأخرى.. وقبلت كتف أم صالح.. لم تقترب من رأسها حتى تبتعد عنه قدر الإمكان.. وهمست لها من قرب: الحمد لله على سلامتش يمه.. خطاش الشر..جعلها سلامة طويلة يارب.. وأجر وعافية.. همست لها بصوت خافت.. همسات مزقت هذا الصامت المنحني بنظراته على يد والدته.. همساتها كانت قريبة.. دافئة.. حانية.. رغما عنه.. صبت في النقطة الأعمق في روحه لترتعش هذه الروح المرهقة.. سيجن شوقا لها ولهمساتها.. سيجن!! "يا الله أي عاشق متيم مجنون أنا؟! أ هكذا هو العشق بكل حالاته.. أم هذه حالة خاصة بي تلبستني شياطينها؟؟ حالة خاصة بي هي عقوبة رب العالمين لي على كل مافعلته!!" همست لها أم صالح بضعف: الشر ما يجيش.. ما كان تعنيتي يامش ذا الحزة وخليتي حسن.. أنا مافيني إلا العافية جوزاء همست بحياد وهي تبتعد لتقف بجوار عالية: حسن عند جدته وخالته.. وما أقدر أدري أنش تعبانة وما أجيش.. أنتي مع كل شيء صار أمي.. شددت النبر على عبارة (كل شيء صار) تشديدا لم يفهم مقصدها منه سواه.. همست أم صالح لعبدالله: سلّم على أم حسن يأبو حسن.. عبدالله هتف بهدوء يختلف عن أعاصير جوفه ودون أن يرفع بصره: أبيها تخلص سلام عليش أول.. مساش الله بالخير يأم حسن.. جوزاء تمنت ألا ترد عليه.. أن تخرج خارج المستشفى بكامله في هذه اللحظة.. ولكنها لم ترد أن تشعره بتأثيره المرعب عليها.. وإحساس مر بالكراهية والبعض والحقد يتصاعد في روحها حتى خنقها (يسلم كنه ما سوى فيني شيء يمسيني بالخير.. والخير ودعته مع شوفة وجهه) ورغم كل مرارة مشاعرها المعقدة النارية..همست بهدوء يشابه هدوءه الملغوم: الله يمسيك بالنور.. والحمدلله على السلامة.. ما هقيت أن أمريكا تقوم حتى الميتين من قبورهم يأبو خالد .. رغما أنها فلتت العبارة الأخيرة.. لم تستطع منعها..خصوصا وهي تشدد النبر على ختام العبارة.. وعلى (أبو خالد) وكأنه توصل له رسالة ما وهي تناديه بكنيته القديمة باسم والده.. وكأنها تريد إبعاده عن ابنها.. فهو لا يستحق أن يكنى بأبي حسن.. لأن حسن ابنها هي!! وماهمها في الموضوع هما أم صالح وعالية فقط.. وخصوصا أن الاستياء ظهر في وجيهما واضحا عبدالله أجابها ببرود: الله سبحانه إذا بغى رد الميتين.. ورد حقوقهم عليهم بعد..يأم حسن هذه المرة هو من قصد أن يوصل لها رسالة واضحة.. وصلت لها بكامل الوضوح لترتعش رغما عنها (الحيوان النذل.. يهددني بولدي... الحين صار له حقوق عندي.. لو أدري إنه عند أمه.. والله ما أجي) جوزاء مالت على أذن أم صالح وهمست لها بخفوت شديد فلم يسمع صوتها سواها.. همست لها ببضع عبارات.. ثم سلمت على عالية وغادرت.. حينما غادرت همست عالية بضيق: ما تخلي طبعها الشين.. هي وقط الكلام على غير سنع.. همست لها أم صالح بحزم رغم ضعفها: أنتي آخر من يتكلم عن قط الكلام على غير سنع.. وجوزا ما تجيبين طاريها إلا بالزينة.. يوم بغيت أموت عقب خبر عبدالله.. ماحد قام بي غيرها... والله لو أنتي اللي عندي ما تسوين سواتها.. وجميلها فوق رأسي لين أموت.. عالية تقف لتقبل جبين والدتها وتهمس بعمق: وأنتي تدرين زين أني عمري ما عتبت على كلمة تقولها.. بالعكس أشوف أحيانا إن كلمتها اللي تقطها كلمة حق.. وأنا عمري ما كرهت الحق لكن هي شايفتنا فرحانين برجعة عبدالله.. مالها سنع ذا الكلمة.. كان كتمتها في نفسها.. " يمه هي وش قالت لش يوم جات تطلع؟؟" عبدالله الغارق في أفكاره قاطع الجدل الدائر بتساؤله.. همست أم صالح بحزم بصوتها المنهك: كلام مالك فيه لزوم.. عبدالله برجاء: هي أمنتش ما تقولينه؟؟.. أم صالح باستغراب من سؤاله: لا.. عبدالله برجاء حازم: زين أنا أمنتش بالله تقولينه لي.. حينها أشارت له أن يقترب منها وهمست في أذنه بتأثر وهي تشد على يده: قالت لي يمه لا تزعلين مني طالبتش.. ما قصدت أحزنش.. بس أنا مجروحة منه.. مجروحة منه واجد.. *********************************** " يبه.. أبي أشورك في سالفة؟؟" أبو غانم يلتفت لغانم: قول.. وش عندك؟؟ غانم يهتف بهدوء مدروس: عشان الرجّال اللي قلت لك عنه أنت وعمي اللي يشبه عبدالله أبو غانم بتوجس: وش فيه؟؟ غانم بذات الهدوء المدروس: أنا قلت عند عمي يشبه عبدالله.. بس لك أقول أني متأكد إنه عبدالله.. أبو غانم صمت لثانية ثم همس بنفس مبحوح والعبارة تتقطع: متأكد يأبيك؟؟ غانم بثقة: متأكد مية في المية.. أبو غانم شعر بألم عميق في قلبه والصدمة تثقل عليه بشفافية مذهلة.. ليهتف بعدها بسعادة حازمة: أجل رحلتك اللي بتروح فيها احجز لي معك...أبي أشوفه بعيني.. حينها ابتسم غانم وهو يرتاح لتقبل والده للأمر ويربت على يد والده ويهتف بمودة دافئة: أجل قم أنا وإياك نتحمد لام صالح السلامة ونشوفه عندها.. ************************************ " يبه أقدر أدخل؟؟" صوت صالح يرتفع من خلال الباب الموارب.. ليرد عليه والده بصوته الحازم الذي يتبدى في ثناياه إرهاق عميق: تعال يأبو خالد.. صالح دخل بهدوء ليجلس بجوار والده الذي كان يجلس على طرف سريره.. هتف أبو صالح بحزم قبل أن يتكلم صالح: شوف عندك حكي غير أخيك قوله.. ماعندك توكل على الله.. صالح برجاء عميق: يبه ما يصير كذا.. موضوع مثل مثل ذا ما ينوخذ بالعصبية.. لازم تأخذ وتعطي فيه.. أبو صالح بنفس الحزم: صالح اقصر الحكي.. وتوكل على الله صالح بنبرة رجاء أعمق: يبه شوف أمي وش صار لها.. هذي الحمدلله عدت على خير.. بس الدكتور يقول إنها ماراح تحمل جلطة ثانية حينها شعر رغم عنه بالألم.. فهذه شريكة العمر كله: وأمك ما رديتها منه.. تشوفه مثل ما تبي.. بس أنا ماني بمجبور.. صالح يعلم أن والدته ستشكل نقطة ضغط قوية: زين يبه.. ويوم تشوفك طارد ولدها ومانعه من البيت ظنك إن ذا الشيء مهوب مأثر على صحتها.. أبو صالح بنبرة قاطعة.. لا يريد أن يتحدث.. متعب أكثر منهم جميعا: صالح قم عاد النفس عليك طيبة... فارقني في السعة.. صالح تنهد وهو يقف ويخرج ليغلق الباب خلفه ويترك خلفه هما كالجبال يُطبق على روح الشيخ المغموسة في حتى نهاياتها في هم مصفى لا يستطيع انتزاع صورته اليوم من باله.. وهو مثقل بوجع الغربة ويبدو كما لو كان كبر سنوات كثيرة كان الهم يتجلى واضحا من كل تقاطيعه.. لا يستطيع انتزاع هذه الصورة من خياله.. لا يستطيع!! . . حين دخل صالح غرفته وجد نجلاء تصلي..ألقى غترته وجلس على الأريكة وهو يغمض عينيه ويسند رأسه للخلف.. بعد دقائق شعر بأناملها الحانية الناعمة تدلك جانبي رأسه.. وهمسها الرقيق : هونها تهون يأبو خالد.. رد عليها بصوت مرهق: تعبان يا نجلا.. تعبان.. كل شيء حاسه يضغط علي.. ابي وامي وعبدالله ومشاكل كل واحد منهم.. تعب امي وزعل ابي ومشاكل عبدالله الكثيرة حاس اني بين نارين.. وخايف من كل خطوة لا يكون تأثيرها عكس اللي أبيه.. غلطت يوم علمت إبي برجعة عبدالله لأنه راح وصدم أمي.. حاس أن الذنب ذنبي... نجلاء تحاول تطمين روحه بصوتها الهادئ العميق: لا تحمل نفسك كل شيء يا قلبي صدقني عمتي لو درت بالخبر بأي طريقة كانت بتتعب... الموضوع مهوب بسيط هذي رجعة واحد ميت... أنا كان بيجني سكتة يوم دريت... أشلون أمه وهي مرة كبيرة مثلها ومريضة.. صالح بضيق عميق: بس بعد أنا المسؤول.. كان المفروض انتظرت كم يوم وأنا أمهد لها قبل أقول لأبي.. لو أمي صار لها شيء بعيد الشر عنها.. كان عمري كله ماسامحت نفسي ************************************** " الحين أبي أدري وش فيش... من يوم جيتي من المستشفى وأنتي في بكية وحدة" جوزاء لم تجبها وهي مستمرة في بكاء عميق خافت مثقل بالأنين والوجع شعاع همست باصرار: والله ان قد تقولين لي وإلا والله لأزعل عليش جوزاء من بين أناتها الممزقة: شفته .. شفته عند أمه... حسيت شريط حياتي الأسود كله يمر علي في لحظة.. لا ويهددني بعد يأخذ ولدي... شعاع شهقت: شفتي عبدالله؟؟ جوزاء بنبرة كراهية خالصة: شفته الله يأخذه.. الله يأخذه.. الله ينتقم منه.. مستحيل يرتاح وأنا باقي فيني روح ماذبحها.. ثم أردفت بألم عميق عميق: اللهم لا اعتراض بس ليه الدنيا عاكست معي كذا.. بكرة بأتطلق.. واليوم شفت الزفت وهددني يأخذ ولدي مني أنا قاعدة احترق الحين ياشعاع.. احترق.. حاسة إن روحي تحترق وجسمي يحترق.. حاسة بوجع في كل مكان فيني... حاسة عروقي مولعة وراسي بينفجر.. شعاع مدت يدها بخفة ولمست جبين جوزاء المحمر.. أرجعت يدها بجزع: جوزا أنتي مولعة صدق.. قومي البسي عباتش.. بأخلي عبدالرحمن يودينا المستشفى.. جوزاء بغضب: وعبدالرحمن لين متى مبتلش فيني.. ما أبي مستشفى.. اللي فيني ما يعالجه دكتور.. ما يعالجه إلا عبدالله يموت وإلا أنا أموت وأرتاح شعاع بجزع: بسم الله عليش .. وش ذا الطاري.. جوزاء سحبت نفسها ودفنت وجهها في حجر شعاع وهي تحتضن نفسها بذراعيها وتئن: اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. بس والله أني في ذا اللحظة أتمنى أموت.. خايفة من اللي بيجي كله.. وخايفة من عبدالله يأخذ ولدي.. حتى لو ماخذه جسم.. خايفة يأخذه روح.. خايفة حسن يحبه أكثر مني.. أنا من غير حسن ومحبته مالي في الدنيا حاجة.. مالي فيها حاجة... شعاع بدأت دموعها تسيل على حال أختها وهي تمرر أناملها بحنو في خصلات شعرها وهي تقرأ عليها آيات من القرآن الكريم حتى هدأت وغفت.. حينها انسحبت بهدوء وهي تعدل وضعها ووضع حسن وتغطيهما ثم تخرج متوجهة لغرفة عبدالرحمن..الذي كان في لحظتها عائدا من المجلس.. عبدالرحمن هتف لشعاع باهتمام: ها وش علومها الحين؟؟ شعاع بألم : تعبانة ياعبدالرحمن.. تعبانة واجد.. أنا خايفة عليها.. تكفى عبدالرحمن إبي خلاص بيوصل بكرة الصبح من سفرته... احجز لك أنت وجوزا عمرة.. ودها بكرة لا تتأخر.. أكيد إنها بتتضايق عقب مايطلقها امهاب.. تكفى عبدالرحمن إن شاء الله روحتها بيت الله الحرام تهدي نفسها وروحها شوي.. عبدالرحمن جلس وهو يمسح وجهه: وانتي وامي ما تبون تروحون معنا..؟؟ شعاع بهدوء: نروح في رمضان إن شاء الله مثل العام اللي فات.. الحين اهتم في جوزا بس..واحنا بنقعد مع حسن.. *************************************** " ما تخيلين وش كثر انبسطت بشوفة عمي.. ماشاء الله عليه ما تغير أبد" عبدالله كان يهمس لعالية بخفوت حتى لا يزعج والدته النائمة.. والاثنان يقضيان الليلة عندها ساهران.. عالية تبتسم: صدق ماشاء الله عليه عاده جنتل ومزيون.. لولا غلا أم غانم وإلا كان خطبت له بنية مزيونة عبدالله صمت لدقيقة ثم أردف باستغراب: تدرين عالية... ماهقيت إن جوزا تعرف تقط كلام بذا الطريقة عالية بسخرية: ما تعرف تقط كلام؟؟ جوزا اللي كنت تعرفها مابقى منها شيء.. جوزا مهوب بس تقط كلام.. ممكن تجرح بشكل مباشر وما تهتم.. عبدالله بصدمة: معقولة؟؟ جوزا؟؟ كانت مثل النسمة.. عالية بنبرة مقصودة: النسمة الله أعلم أنت وش سويت فيها.. وعقبك خالاتك والدنيا كلها ماقصرت.. الظروف كلها عاكست معها.. حمل وحداد وضياع مستقبل وتجريح من الناس.. تدري عبدالله.. جوزا عمري ما عتبت عليها.. لأني بشوف عيني شفت كل شيء هي مرت فيه.. وحسيت بكل وجيعة آجعتها.. ما ألومها .. والله العظيم ما ألومها.. عبدالله بتساؤل حازم: أنا من أكثر من جهة أسمع إن خالاتي ضايقوها.. خالاتي وش دخلهم فيها يضايقونها؟؟.. ووش اللي كانوا يقولون لها...؟؟ عالية تتنهد: عشان الحق.. أكثر من كان يضايقها خالاتي نورة وسلطانة.. الكبيرة والصغيرة.. تدري خالتي نورة كانت تبيك أنت وصالح لبناتها الثنتين.. بس صالح خذ بنت عمه.. مالها لسان تتكلم.. لكن أنت خذت وحدة مهيب بنت عمك.. وما ترقى في نظرها لمستواك.. فويش اللي حدكم عليها..؟؟ ومع إن بناتها تزوجوا ومتوفقين في حياتهم.. بس أبو طبيع مايجوز من طبعه.. وطبعا خالتي سلطانة مع خالتي نورة في كل شيء... أول شيء قبل ما أنت تختفي.. يقطون عليها كلام ويسمعونها إنها ما تستاهلك.. وأنك تستاهل ملكة جمال مهوب وحدة مثلها... عبدالله بصدمة: من جدش؟؟ وهي ليه ماقالت لي وقتها؟؟ عالية هزت كتفيها: ما أدري عن علاقتك أنت وإياها.. أنا سافرت عقب عرسك بشهر... وكنت أدافع عنها قد ما أقدر.. بس خالاتك ماشاء الله كل وحدة منهم لسانها شبرين.. وعقب ماجانا خبرك.. المرة حامل وتعبانة وقايمة بأمي ومع كذا ماخلوا التنغيز إنها قايمة بأمي لأنها حاسة بالذنب لأنها وجه نحس عليك وأنك مت بسببها لأن بعض النسوان وجهها خير.. وبعضهم وجهها شر.. وهي وجه شر حينها انحدر صوت عالية بألم: تخيل عبدالله.. كانوا يسمونها البومة.. أنا لاغيتهم وأمي لاغتهم.. بس عقب ويش.. عقب ما وصلها الكلام.. وش عاد يفيد لغو مارد الحكي منها.. الحين طبعا مستحيل وحدة منهم تفتح ثمها عندها بكلمة.. تأكلهم بقشورهم.. بس خلاص تدري إن هذا قده رد وحدة موجوعة ومجروحة.. " وش عاد يفيد لغو مارد الحكي منها؟؟" ترددت العبارة في خياله الموجوع المنهك (يرده لو أنا كنت موجود عندها لو أنا دافعت عنها ووقفتهم عند حدهم لو أنا خففت عنها.. لو أنا عرفتها بس بمكانتها قي قلبي لو بس عرفت هي أنا وش كثر أحبها!! لا حول ولا قوة إلا بالله.. قدر الله وماشاء فعل) ***************************************** " أشلون النفسية الحين؟؟" عفراء تناولت غترة منصور منه..وهمست بهدوء عذب: الحمدلله.. كل شيء تمام مد يده ليرفع وجهها وهو ينظر لإرهاق وجهها وللهالات السوداء تحت عينيها: مبين كل شيء تمام!! عفراء همست بذات الهدوء: عطني كم يوم بس.. منصور يجلس وهو يشير للمكان الخالي جواره.. تتقدم لتجلس حيث أشار ليشد على كفها بين كفيه بقوة ويهتف بحزم: يمكن توقيتي في الروحة لجميلة وأنتي حامل كان غلط..بس صدقيني الروحة كانت ضرورية.. عفراء تنظر لكفيه الضخمتين اللتين تحتويان نعومة كفها وتهمس بهدوء عميق كأنها تحادث نفسها: خلنا الحين من الروحة لجميلة.. لأني لحد الحين صعب علي أتجاوز اللي صار خلنا في حملي.. أنت أشلون تقبلك لحملي؟؟ حينها نفض منصور يديه بغضب ووقف وهو يهتف بغضب مشابه: أشلون تقبلي لحملش؟؟ اعتقد اني بينت لش عدل فرحتي فيه...فأشلون تسألين الحين أنا متقبل حملش وإلا لا؟؟ حد يعترض على عطا رب العالمين؟!! عفراء بذات الهدوء وهي مازالت تنظر لكفيها التي ابتعدت عن مدى كفيه: هذا أنت قلتها.. رضا بعطا رب العالمين اللي جا غصبا عنك وقلت خلاص هو صار شيء واقع.. خلني أجاملها وخصوصا عقب ماجرحتها بروحتي لبنتها.. منصور شد نفسا عميقا حتى لا ينفجر فيها لغرابة أفكارها التي أثارت غيظه.. ثم هتف بنبرة غضب واضح: أول شيء قلتها لش قبل .. تكلميني؟؟ .. تفكّري فيني وعيني في عينش وثاني شيء عمري ما سمعت أسخف من ذا الكلام.. لأني لا أعرف أجامل ولا أزيف مشاعري.. لو أنا ما أني بفرحان بحملش كان عرفتي ذا الشيء لكن قولي أنش أنتي اللي منتي بفرحانة فيه.. لأنش زعلانة علي وما تبين شيء يربطش فيني.. وتبين تلبسيني الغلط.. عفراء حينها انتفضت بجزع وغضب لتقف وهي تواجهه: أنا اللي عمري ما سمعت أسخف من ذا الكلام.. منصور بغضب كاسح: ما اسمح لش تسخفين كلامي.. عفراء تحاول أن تكتم غضبها وأن تهدئ نبرة صوتها: وليش أنت سمحت لنفسك تسخف كلامي.. حق لك أنت تجرحني وبس؟؟.. منصور ينهمر بغضب عارم: أنا الحين اللي أجرحش.. وأنتي اللي من يوم جيت وأنتي تبكين وحالتش حالة.. ماحتى خفتي الله في النفس اللي في بطنش عشان أيش؟؟ عشان الدلوعة درت أن أمها تزوجت... وخير إنها درت.. هذا اللي المفروض اللي يصير.. خلي الحب اللي ما انطحن في رأسها ينطحن البنت ذي ماحد خربها غيرش.. دلعتيها وماعرفتي تربينها.. وردات فعلش أنتي وإياها زيادة عن اللزوم.. هي تزوجت وتسهلت في طريقها مع رجّالها.. وعقب أنتي تزوجتي.. وش اللي صار؟؟ الكون انهار.. أخر الدنيا.. بتقوم القيامة؟؟ عيب عليش اللي تسوينه في نفسش وفيني... وقبلي أنا وإياش.. ذا النفس اللي مالها ذنب.. اتقي اللي فيها عفراء كانت تستمع لانهماره بصمت وهي تقف مواجهة له وتنظر له بشكل مباشر بعينيها الذابلتين حينما انتهى.. انسحبت بهدوء.. لكن منصور أمسكها وهو يصر على أسنانه: يعني أنتي متعمدة تطلعيني من طوري.. تدرين زين أني ما أرضى تروحين واحنا ماخلصنا حكي.. عفراء بسكون: ماعندي شيء أقوله.. أنا تعبانة منصور.. وأنت ماعندك رحمة.. تبي كل شيء ينحل على كيفك وفورا.. بس النفس مهيب على كيفي ولا على كيفك.. ارحمني.. عطني فرصة أعبر عن ضيقي.. عن زعلي ..عن حزني.. أنا ما أنا بجندي عندك لازم يكتم مشاعره عندك ويقدم فروض الطاعة وبس ************************************* "جوزا أنا حجزت لي أنا وإياش عمرة.. يالله طلعت الحجز.. تجهزي نطلع المطار بعد شوي" همست جوزاء بسكون: امهاب طلقني خلاص؟؟.. عبدالرحمن يحاول تنحية تأثره فلا يستطيع: ماتدرين يمكن الله كاتب لكل واحد منكم نصيب أحسن جوزاء بذات السكون: له يمكن.. لكن لي مستحيل.. عبدالرحمن يقترب ليجلس جوارها ويحيطها بذراعه ويسند رأسها لكتفه ويهمس لها بحنان: وسعي خاطرش.. ولا تنسين إن هذا قرارش أنتي جوزاء تخفي وجهها في كتفه وتهمس باختناق: أنا ماني بندمانة على قراري.. عشان حسن ممكن أسوي أكثر من كذا بس أنا حزينة ياعبدالرحمن.. الطلاق صعب على أي وحدة.. وامهاب كان فرصة نادرة لوحدة مثلي عبدالرحمن يربت على كتفها بحنو: قومي يا بنت الحلال تجهزي خلنا نسافر.. وإن شاء الله ما ترجعين إلا قلبش مغسول من الحزن جوزاء تمسح وجهها: حجزت لحسن معنا؟؟ عبدالرحمن يهز رأسه: حسن عند جدته وخالته والسالفة كلها يوم واحد بنسافر اليوم ونرجع بكرة.. خلنا نتفرغ للعبادة ومانحاتي البزر اللي معنا.. ******************************** " هلا والله الحمدلله على السلامة" تميم يشير ردا على إشارة كاسرة وعلى وجهه ترتسم علائم خبث لطيف: الله يسلمش.. ووينش مختفية ؟؟.. صار لي ساعتين راجع.. كاسرة تبتسم: من غير تلميحات مالها معنى.. أنا أصلا توني راجعة من برا.. واول شيء سويته رحت لغرفتك ما لقيتك كيف كانت رحلتك ؟؟عساها موفقة؟؟.. عريس عرسه عقب شهر ونص وناط يشتري طيور !!.. أجابها تميم ووجهه يغيم فجأة وهو يتذكر من كان يجب أن يكون معه يوم عرسه عريسا كذلك: الرحلة كانت تمام.. بس امتغثت يوم رجعت بخبر طلاق امهاب.. غام وجه كاسرة كذلك وهي تشير بهدوء متمكن: النصيب كذا.. خلاص أنت بتكون عريسنا بروحك تميم يحاول تنحية ضيقه من أشياء كثيرة.. وهو يشير لها بمودة: أشلون استعدادات العروس؟؟ كاسرة هزت كتفيها بعدم اهتمام: كله ماشي حسب التخطيط.. ********************************** شعور ضيق خانق يكتم على روحه منذ وقع ورقة الطلاق.. وهاهو يتجه للمطار مطالبا برحلة يسافر فيها فورا عله يتناسى بها الهم الذي ركبه "لم أتخيل أن توقيع ورقة الطلاق سيكون صعبا علي لهذه الدرجة كنت على وشك التراجع والرفض في اللحظة الأخيرة بأي حق يفرضون علي أن أتخلى عن زوجتي؟!! هي كانت حقي الذي منحه لي الله عز وجل وربطنا برباط مقدس كيف يُحل الرباط بهذه البساطة؟؟ فكرت للحظات أن أكون أنانيا لمرة واحدة.. أن أرفض التخلي عنها أن أستميت في الدفاع عن حقي المشروع ولكن كعادتي .. لم أستطع.. لم أستطع تفضيل نفسي على من سواي لا أستطيع أن أجبرها على العيش معي وهي تعيش رعبا من فقدان ولدها لا أستطيع أن أكون أنانيا وأجازف بفقدانها لحسن.. هكذا كتب له الله عز وجل.. ومهما كنت أشعر بالضيق والظلم فهو لابد أن أتجاوز كل هذا.. لابد" ************************************ "ياهلا ومرحبا.. نورت مكتبنا" غانم يعتدل في جلسته وهو يرتشف رشفة من فنجانه ثم يعاود وضعه أمامه ويهتف بهدوء: النور نورك.. ماودنا نعطلك من شغلك.. بس لنا حاجة عندكم.. لا أنتو اللي عطيتونا إياها.. ولا أنتو اللي قطعتوا رجانا منها.. كسّاب يشد له نفسا عميقا ثم يهتف بحزم: صدقني ياغانم إن نسبك يشترى بالذهب.. بس الدنيا ماعطتني على الكيف غانم يشير بكفه وهو يهتف بحزم: خلاص يأبو زايد.. وصل الرد.. كساب يهتف بذات النبرة الحازمة: والله لو هو بكيفي مابغيتها لغيرك.. بس أختي توها مسجلة ماجستير وبتنشغل في دراستها وإلا أنت مافيك عيب تنرد.. غانم يعاود تناول قهوته التي بردت.. ويهتف بسكون كسون روحه التي انطفأ فيها أمل عذب: لا تعذر يأبو زايد.. بغينا قربك ولا حصل.. تكفينا صحبتك. . . في ذات الوقت " مبروك رجعة عبدالله.. يا سبحان الله من كان يظن" فهد يرد بسعادة: الله يبارك فيك.. والله ماكان حد يظن.. يا سبحان الله.. ثم أردف بمرح: هذا عبدالله طيب وبخير إن شاء الله دورة المظليين الجاية ما تحجب عني.. منصور يبتسم بفخامة: لا تستعجل على رزقك.. حينها شد فهد له نفسا عميقا وهتف بحذر: وعلى طاري استعجال الرزق أقدر استعجل الرد على طلبي.. وخص أنه ابطأ واجد منصور حينها أجابه بحزم: لك رزق(ن) يا ولدي مابعد نواه ربك.. فهد اطرق لثانيتين ليرد بنفس طريقته الحازمة: مابغيت إلا قربك يابو علي الله يرسل لنا خير من عنده ******************************************* " حسن تأخر عند ابيه" أم عبدالرحمن تنظر لساعة يدها.. بينما شعاع تهمس لها بضيق: أنتي أصلا غلطانة تخلينه يروح جوزا مهيب هنا... والصبي أمانة عندنا.. لو جوزا هنا.. عادي.. بس هي مهيب هنا.. وإبي من يوم درا برجعة عبدالله وانه كان مطلق جوزا وهو مفول عليه ومعصب.. وهو أكيد بيرجع بعد شوي.. لو درى إن حسن مهوب هنا أو شاف عبدالله وهو مرجعه.. الله يستر بس أم عبدالرحمن بضيق متزايد: الرجال كلمني بكل أدب ويقول يبي يودي حسن لجدته في المستشفى أقول لا يعني.. ماقدرت وهما مازالتا تتحادثان ارتفع رنين هاتف البيت... شعاع تنظر للكاشف..وتعطي أمها السماعة كان عبدالله يهتف باحترام عميق: يمه أنا برا صار لي نص ساعة وحسن مهوب راضي ينزل.. ويقول أمه سافرت ويبي ينام عندي أم عبدالرحمن بجزع: لا تكفى يامك..ما أقدر أخليه ينام بعيد مني.. أمه موصيتني عليه.. عبدالله رغم شعوره بخيبة الامل إلا أنه أجاب بنفس الاحترام العميق: خلاص يمه اطلعي لي الحوش أسلم عليش واعطيش حسن.. بعد ثلث ساعة أم عبدالرحمن تعود للداخل لوحدها.. شعاع بصدمة: يمه وين حسن؟؟ أم عبدالرحمن بضيق: فضحني.. متعلق في رقبة أبيه تقولين ماكني بجدته اللي مربيته.. وخفت إبيش يجي حن واقفين في الحوش والله إن قد يسود عيشتي وعيشة عبدالله... قلت لعبدالله خلاص يأخذه يمسي عنده.. وش اسوي.. شعاع تكاد تشد شعرها: زين ولو ابي سأل من حسن.. وإلا جوزا سألت عنه.. أم عبدالرحمن بقلة حيلة: أنا وش تبيني أسوي.. أسحبه بالغصب وإلا أضربه عشانه يبي إبيه.. اطلعي لغرفتش وسكري على روحش.. وأنا الله يسامحني لو حد سألني بأقول إنه راقد عندش.. لين بكرة يحلها الحلال... ****************************** ينظر بانبهار وحنان للمعجزة الربانية التي تنام بحضنه بسكون وطمأنينة أتعبه كثيرا قبل أن ينام.. وهو يبكي بحرقة مطالبا بوالدته لدرجة أن هزاعا الذي كان قرر أن ينام عندهم هرب ليعود للبيت لينام في غرفته هو فهزاع لم يحتمل صراخ حسن وإلحاحه.. بينما عبدالله كان يحتويه ويهدئه بكل حنان وهو يستمتع بكل لحظة يقضيها معه كان بداية يريد أن ينام به عند والدته في المستشفى ولكنها رفضت.. وقالت أن الصغير لن يحتمل النوم غير المريح في المستشفى وخيرا فعلت والدته.. فهو لم يعلم أنه سيُحدث هذه المناحة الطويلة طلبا لوالدته.. رغم أن حسنا كان من أصر أن ينام عنده اليوم لأن والدته (ثافرت مع دحمان) هاهو يمسح شعره وجفونه الغافية.. وهو يتذكر بكائه حتى غفا وهو ينادي أمه " يا الله ياحسن.. حتى أنا أبي أمك.. والله العظيم أبيها بكل قطرة في دمي أبيها أمك صارت حرة ياحسن.. تدري ليش؟؟ لأنها حلالي أنا بروحي.. والله سبحانه ما يرضى بالظلم.. ما يرضى أنه عقب اللي أنا شفته كله يأخذون روحي مني وحلالي يصير حلال غيري تدري ياحسن.. أربع سنين مرت أمك ماغابت عن بالي دقيقة.. كنت حاس إنها مستحيل تكون مع رجّال غيري مع أني وقتها كنت عارف إنه مستحيل أرجع للدوحة أدري أنانية مني.. بس الحب كذا يأبيك.. أناني.. كل شيء هنا ما غاب عن بالي أمي وابي وأخواني وديرتي بس إحساسي في أمك كان شيء خاص فيني.. أحيانا كنت أقول رحمة لكن أكثر الأحيان أقول عذاب.. تعذبت واجد يأبيك.. واجد.. ومن أشياء كثيرة.. بس يا ترى عذابي قرب ينتهي؟؟ وإلا الله كاتب لي شيء جديد؟؟ " يميل ليقبله بحنو وهو يهمس في أذنه بحزن عميق شفاف: الله يرحم أخيك ويصبرني على فرقاه.. ويجعلك لي العوض والسلوى.. ********************************** "يبه أقدر أدخل" زايد كان أنهى قيامه للتو.. التفت للباب حيث تقف مزون وهتف بحنان: تعالي يابيش مزون اقتربت وقبلت رأسه ثم جلست جواره على الأرض وهمست برقة: يبه أنت عادك متذكر أنك وعدتني أروح لجميلة عقب عرس كساب زايد يبتسم: أكيد متذكر وأنا متى أخلفت لش وعد مزون بضيق: لا والله فديتك مهوب المقصد.. بس جميلة متضايقة من عقب مادرت بعرس خالتي.. وصار لي مرتين أكلمها وكل مرة ألاقيها تبكي قلبي متقطع عشانها.. أبي أروح لها أشوف وش اللي في خاطرها.. وأرضيها من صوب خالتي وعمي.. زايد يقبل رأسها ويهتف لها بحنان: لا تحاتين يأبيش.. عقب عرس كسّاب إن شاء الله على طول حن مسافرين ************************************ " الحمدلله على سلامة أبيش .. تو مانورت الدوحة بطلته الحلوة وابتسامته الأحلى" شعاع تضحك برقة وهي تسند ظهرها لسريرها وتمسك هاتفها على أذنها: هذا إبي؟؟ سميرة (بعيارة) : إيه عمي فاضل.. ياحلات عمي فاضل.. ويافديت باكستان اللي شافتها عيونه.. أنا من يوم راح وأنا حاطة على قناة باكستان معسكرة عليها...أقول يمكن ألمح عيونه العذاب.. شعاع بدأ تضحك بهستيرية: هذا إبي؟؟ سميرة تتنهد تنهيدة تمثيلية: وه.. وأنا وش ذابحني إلا أبيش.. والله لولا شوي الحيا.. كان شفتيني صلعاء من تقطيع شعري شعاع تعالى صوت ضحكها:لا والله باقي عندش حيا عقب ذا كله و هذا كله ابي؟؟ وين أمي عنش.. سميرة بنبرة حالمة: ياحظ عيونكم اللي تشوف إبيش.. وأنا محرومة من شوفته.. ماشفته إلا يوم جاء يخطب .. لا وكان محزن بعد.. ترا قصدي إبيش يوم كان يخطب أمش في القرن التاسع عشر.. كان صوت ضحكات شعاع يرتفع.. لتفجع بصوت طرقات حاد على الباب وصوت والدها المتفجر غضبا: اشعيع يا قليلة الحيا افتحي الباب.. صوت شعاع انحدر من الضحك للرعب وهي تهمس لسميرة: سميرة مع السلامة.. ابي شكله بيذبحني.. شعاع قفزت لتفتح الباب بجزع.. ورعب متزايد يتجمع في قلبها.. عبدالرحمن ليس هنا ليدافع عنها.. وحسن كذلك ليس هنا وهذا سبب ليتزايد غضب والدها فتحت الباب وتأخرت لأقصى حد بينما والدها دخل كبركان ثائر وهو يزمجر: من اللي كنت تكلمينه وتضحكين بمياعة ياقليلة الحيا؟؟ شعاع تتأخر وهي تخبئ وجهها خلف ذراعيها وترد بصوت مختنق: والله العظيم انها سميرة بنت راشد آل ليث.. وهي اللي متصلة علي أبو عبدالرحمن مازال يزمجر: عطيني تلفونش.. شعاع اعطته له وهي ترتعش وتكف يدها بسرعة خوفا أن يمسكها منها أبو عبدالرحمن عاود الاتصال بالرقم المخزن باسم سميرة والذي كان الرقم الأخير في قائمة الاتصالات المستلمة وكان الاتصال من خمس دقائق فقط جاءه صوت سميرة المرح: هاه اشعيع.. عمي فاضل ذبحش وهذي روحش تكلمني من العالم الآخر.. ابو عبدالرحمن أغلق الاتصال وأعاد الهاتف لها دون أن يتكلم بكلمة.. لتنفجر شعاع بالبكاء رغما عنها.. وهي تتراجع لتجلس على سريرها وتدفن وجهها بين كفيها.. مد يده ليربت على كتفها ثم ردها وهو يقهر نفسه..كان بوده أن يطيب خاطرها أو حتى يحتضنها.. ولكنه تركها غارقة في عويلها المنفعل.. وخرج دون أن ينتبه حتى أن حسنا ليس معها.. ***************************************** " ماشاء الله حسن عاده معك؟؟" عبدالله يعدل وضع حسن على ساقيه وهو يحتضنه ويبتسم: أمسى عندي البارحة بس بأروح أرجعه لبيت جده.. لأن أمه بترجع اليوم من العمرة.. عالية بتساؤل: صحيح إنها تطلقت؟؟ عبدالله لم يستطع منع ابتسامته من الاتساع: صحيح عالية تغمز: ودعاية معجون الأسنان هذي ليش؟؟ عبدالله يبتسم: يجيش العلم بعدين.. أم صالح تهمس بحنان: أنتو خلو المساسرة ذي وعطوني حسون أحبه.. عبدالله يقرب حسن من جدته ليقبلها ثم يهمس لأمه بحنان: يمه الدكتور يقول حالتش زينة.. يمكن بكرة وإلا بعد بكرة إن شاء الله تطلعين.. حينها شدت أم صالح يده برجاء: وأنت بتجي تقعد عندي؟؟ عبدالله يحاول أن يبتسم رغم انطفاء وجهه: يصير خير يمه.. يصير خير . . بعد ساعة عبدالله يقف أمام بيت أبي عبدالرحمن ليعيد حسن.. وهذه المرة حسن لم يرفض أبدا لأنه كان مفتقدا لوالدته بشدة كان عبدالله على وشك الاتصال بالبيت حين رأى أبا عبدالرحمن يخرج من مجلسه متوجها نحوه.. عبدالله نزل من سيارته متوجها نحوه ومسلما عليه.. كان الغضب باديا بالفعل على وجه أبي عبدالرحمن الذي فور انتهاءه من السلام والتبريك لعبدالله بسلامته.. هتف بحزم غاضب: عسى ماشر يا بوحسن.. ماعاد تدل طريق المجالس..؟؟ رغم قسوة التجريح المقصود إلا أن عبدالله شد له نفسا عميقا وهو يهتف باحترام: السموحة ياعمي.. مادريت أصلا أنك رجعت من السفر.. وانا عارف إن عبدالرحمن مسافر أبو عبدالرحمن بذات النبرة الغاضبة المقصودة: ومتى سافرنا كلنا وخلينا محارمنا ماعندهم حد؟؟... وترا اللي يلحق محارمنا يلحقنا قدامهم.. والرجّال اللي فيه خير يحشم الرياجيل اللي عزّوه وناسبوه.. عبدالله رغم أنه بدأ يفهم مقصد أبي عبدالرحمن إلا أنه حاول ادعاء عدم الفهم حتى لا يثير غضب أبي عبدالرحمن المعروف بالحدة حينما يغضب: أكيد مافيه شك كلامك.. والحين طال عمرك خذ حسن.. وخلني أتوكل لأمي في المستشفى ولكن أبا عبدالرحمن لم يتركه وهو يكمل بذات النبرة الغاضبة: تراني يوم زوجتك.. تخيرتك على رياجيل واجد.. وأنا أهقى أني أزوج خيرة الرياجيل وتراك يوم خذت بنتي خذتها من بيت رجّال.. والسنع أنك يوم تبي تطلقها ترجعها لبيت الرجّال اللي خذتها منه أو على أقل شيء كان تتصل لي وتعلمني حتى لو أنت مطلقها في ديرة ثانية هو حق إن بنتي تحاد في بيتك وأنت مطلقها..؟؟ ضاعت دراستها وجامعتها.. وقهرتوها.. وكسرتوا نفسها.. يومك رجّال(ن) بايع(ن) من أولها.. كان طلقت بنتي قدام تسافر.. حينها قاطعه عبدالله بحزم: مهلك علي ياعمي.. جعل ربي يقصف عمري كني بعت أول وألا تالي.. وماحدني على الشين إلا اللي أشين منه.. وأم حسن أم ولدي ولها القدر والحشيمة .. ورضاك ورضاها على رقبتي.. وأنا حاضر للي تبونه إن كانك شرفتني بنسبك مرة ثانية #أنفاس_قطر# . . . قبل ما يصير لبس عند بعض البنات المطلقة قبل الدخول بها والتي لم يحدث بينها وبين زوجها أي خلوة لا عدة لها شرعا يعني جوزا مالها عدة :) . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والثلاثون كان عبدالله على وشك الاتصال بالبيت حين رأى أبا عبدالرحمن يخرج من مجلسه متوجها نحوه.. عبدالله نزل من سيارته متوجها نحوه ومسلما عليه.. كان الغضب باديا بالفعل على وجه أبي عبدالرحمن الذي فور انتهاءه من السلام والتبريك لعبدالله بسلامته.. هتف بحزم غاضب: عسى ماشر يا بوحسن.. ماعاد تدل طريق المجالس..؟؟ رغم قسوة التجريح المقصود إلا أن عبدالله شد له نفسا عميقا وهو يهتف باحترام: السموحة ياعمي.. مادريت أصلا أنك رجعت من السفر.. وانا عارف إن عبدالرحمن مسافر أبو عبدالرحمن بذات النبرة الغاضبة المقصودة: ومتى سافرنا كلنا وخلينا محارمنا ماعندهم حد؟؟... وترا اللي يلحق محارمنا يلحقنا قدامهم.. والرجّال اللي فيه خير يحشم الرياجيل اللي عزّوه وناسبوه.. عبدالله رغم أنه بدأ يفهم مقصد أبي عبدالرحمن إلا أنه حاول ادعاء عدم الفهم حتى لا يثير غضب أبي عبدالرحمن المعروف بالحدة حينما يغضب: أكيد مافيه شك كلامك.. والحين طال عمرك خذ حسن.. وخلني أتوكل لأمي في المستشفى ولكن أبا عبدالرحمن لم يتركه وهو يكمل بذات النبرة الغاضبة: تراني يوم زوجتك.. تخيرتك على رياجيل واجد.. وأنا أهقى أني أزوج خيرة الرياجيل وتراك يوم خذت بنتي خذتها من بيت رجّال.. والسنع أنك يوم تبي تطلقها ترجعها لبيت الرجّال اللي خذتها منه أو على أقل شيء كان تتصل لي وتعلمني حتى لو أنت مطلقها في ديرة ثانية هو حق إن بنتي تحاد في بيتك وأنت مطلقها..؟؟ ضاعت دراستها وجامعتها.. وقهرتوها.. وكسرتوا نفسها.. يومك رجّال(ن) بايع(ن) من أولها.. كان طلقت بنتي قدام تسافر.. حينها قاطعه عبدالله بحزم: مهلك علي ياعمي.. جعل ربي يقصف عمري كني بعت أول وألا تالي.. وماحدني على الشين إلا اللي أشين منه.. وأم حسن أم ولدي ولها القدر والحشيمة .. ورضاك ورضاها على رقبتي.. وأنا حاضر للي تبونه إن كانك شرفتني بنسبك مرة ثانية.. أبو عبدالرحمن بصدمة بالغة: تبي ترجع جوزا؟؟ عبدالله بتصميم: يشرفني.. واللي تبونه أنا حاضر له.. حينها همس أبو عبد الرحمن بنبرة مقصودة: اللي نبيه!!! ثم انفجر بغضب هائل وهو يشد حسن ليحمله: اللي أبغيه ماعاد توريني وجهك وأنت ماعادك بعارفها ولا عاد هو بجامعكم بيت لا وأنا حي ولا وأنا ميت.. ليه شايف بنتي سبية لك.. تحذفها ثم ترجع تبيها؟؟.. بنتي توه مطلقها رجّال أطلق من شاربك يا المرة.. إذا بغت جوزا تعرس خذت من مناعير الرجال رجّال يسواك ويسوى طوايفك وإن مابغت بيت إبيها مهوب عاجز يضفها لين تموت.. أبو عبدالرحمن حمل حسن ودخل للمجلس.. بينما كان عبدالله ينتفض من شدة كتمانه لغضبه الذي تفجر أمواجا متتالية في روحه ووجهه وعيناه يشتعلان احمرارا.. فهو كتم غضبا بثقل جبال.. حاول التخفيف منه بلكم السيارة بقبضتيه حتى تفجر فيهما ألما مرا كما لو أن عظام قبضته تهشمت ولكن كل هذا الألم الجسدي لم يخفف من ألم روحه المسحوقة المهانة شيئا كيف يقطع كل أمل في حياته بقرار ظالم مجحف كهذا؟؟ كيف تكون حياته كلها بيده يعبث فيها كيف يشاء؟؟ ثم كيف يهينه ويهين رجولته بهذه الطريقة؟؟ كيف يسمح لنفسه ان يتطاول عليه بهذه الطريقة رغم أنه كان يخاطبه بكل احترام؟؟ لولا احترامه لفارق العمر بينهما لكان هناك رد آخر منه.. رد مختلف.. مختلف جدا رد رجل مقهور محترق مدمر.. رأى كل أمل في حياته يُسلب أمام عينيه بلا رحمة!! ************************************** كانت ترتب حقيبة تميم وتستخرج مافيها لكي ترى ما الذي يحتاج إلى الغسيل حين دخلت عليها وضحى وهي تهمس لها برقة: يمه خليها أنا بأرتبها.. مزنة همست بهدوء: يأمش أنا دارية أنش تعبانة من الدورة.. روحي تريحي أصلا كان المفروض أني رتبتها من أمس.. بس أمس امتغثت من طلاق امهاب.. وضحى همست حينها بحزن: وامهاب وينه الحين؟؟ مزنة أجابتها وهي تلتهي بما بين يديها عن حزن بكرها الذي خالج الروح.. الذي سُلبت منه فرحته قبل أن تكتمل حتى: عنده رحلة أمس رحلة واليوم رحلة.. الله يزينها بس.. والله يشرح صدره وضحى همست بتردد: ماتدرين يمه يمكن الله باغي له خير مزنة بحزم: عيب عليش وضحى ذا الكلام.. لا تعيبين في بنت عمتش.. وضحى بذات التردد: يمه ما أقصد شيء شين.. جوزا مافيها قصور.. بس امهاب يستحق وحدة يكون هو أول واحد في حياتها وبعدين شوفي رجالها الأولي رجع من الموت.. لو كان امهاب تزوجها.. ما يندرى وش ظروف حياتهم لو هو لزم يأخذ حسن.. يعني الله باغي له الخير من كل صوب.. مزنة تنهي إخراج أخر مافي الحقيبة وتضعها تحت السرير وتهمس بحزم: يأمش ماحد يدري وين الخيرة أنا طالعة الحين مع كاسرة اليوم جلستها الأخيرة في الصالون وأنتي تمددي شوي بأروح أجيب لش قرفة تشربينها قدام أروح وكأننا تأخرنا.. تغدي أنتي وتميم.. تميم في شغله الحين وأكيد بيرجع عقب صلاة الظهر.. ************************************** " ها ياماما الجديدة.. كيف إحساسش بالحمل؟؟ حلو ؟؟ صح؟؟ " عفراء تمد يدها لتمسح جفنيها الناعسين وتهمس بحنان وهي تشد هاتفها بيدها الأخرى: من حيث حلو.. حلو.. خصوصا أن الوحم توه خفيف مابعد بدأ يثقل مزون بحماس: ياربي مافيني أصبر.. أبي أشوفه.. اسمعيني ترا ماعلي منش أنتي وعمي.. أول موعد تلفزيون أنا بأروح معش.. حتى لو عمي موجود.. بأغسل وجهي بمرقة عفراء بحنان: طيب ولا يهمش.. وبلاها منصور.. انتي وبس.. مزون برفض لطيف: لا والله تبين عمي يذبحني.. ياربي ما تخيلته بيكون مبسوط كذا لدرجة إنه زعل إني سبقته وبشرت إبي قدامه تحفزت مشاعر عفراء وتصلبت أناملها وهي تتذكر ما تحاول تناسيه.. وضعها غير الطبيعي مع منصور.. همست حينها لمزون برقة: زين حبيبتي أنتي أزعجتيني من صبح عشان ترتيبات عرس كساب واحنا مخلصين كل شيء الحين خليني أنام شوي قبل يجي عمش.. وأنا بأكلمش إذا قمت أغلقت الهاتف وهي تعاود التنهد وتتمدد على سريرها ومنصور يقفز ليستولي على كل أفكارها.. لا تعلم كيف حدثت كل هذه التعقيدات وخلال الفترة البسيطة التي تزوجا فيها والغريب أنها تشعر أن منصور ليس زوجها من شهر واحد فقط.. كأنهما متزوجان منذ قرون لشدة تعقيد المشاعر بينهما.. الآن تجزم يقينا أنها تحبه وليس فقط تستلطفه أو مابينهما هو محض مودة.. لأنها لو لم تكن تحبه لم تكن مطلقا لتبقى عنده بعد معرفتها بسفره لجميلة.. لكنها وبكل جبن تعترف أنها عاجزة عن تركه رغم أن عقلها حثها على ذلك كثيرا.. عاجزة عن تخيل حياتها خالية من وجوده بل حتى من تسلطه وحدته!! فنحن حين نحب إنسان ما.. نحبه كما هو بعيوبه كما مزاياه.. اليومان الماضيان كان منصور يضغط عليها كثيرا وهو يرفض أن يترك لها مساحة للتنفس بعيدا به.. لم يسمح لها أن تنم بعيدا عنه.. بل حتى لم يسمح لها بالنوم بعيدا عن حضنه!! لم يسمح لها أن تشيح بنظراتها أو حتى أن تعبر عن رفضها لمناجاة عينيه.. لم يسمح لها أن تعتصم بالصمت في حضوره كان يقتحمها ويستولي عليها حتى آخر نفس.. وهو يجسد حضوره في كل خلية من خلاياها.. بل مازاد الأمر تعقيدا أن اليومين الماضيين كانا يوما إجازته لذا الوقت الذي كان لعمله أصبح بكامله لها.. بعيدا عن مواعيد مجلسه المقدسة.. لذا شعرت باختناق حقيقي وهو يبقى أمامها بالساعتين والثلاث ساعات متواصلة.. وهو يجري عليها تحطيما مدروسا للمقاومة.. تعلم أنها ليست ندا له.. بل تعترف بذلك.. ولكنها تتمنى بالفعل أن تخلو بنفسها.. وفي ذات الوقت نفسه باتت تخشى أن تختلي بنفسها فهي مع وجوده المتواصل أمامها تشعر أنها عاجزة عن المسامحة أو تجاوز ماحدث.. فكيف لو ابتعد عن عينيها؟؟ تخشى أن تقسى أو يقوى البعد عزمها عليه.. يا الله كم هي المرأة مخلوق معقد عصي على كل التفسيرات المنطقية!! *********************************** " يالله كيف هي استعدادات العروس؟؟" كاسرة هزت كتفيها وهمست بثقة وهي تثبت هاتفها على أذنها: عادي.. فاطمة تضحك: سوسو علي... أنا فاطمة ترا.. كاسرة تبتسم: زين ويافاطمة ترا.. وش تبين أقول لش.. أكذب عليش وأقول أني متوترة وما أنام الليل من الهم.. عادي لأنه فعلا عادي.. فاطمة بابتسامة: عرسش بعد بكرة.. جد منتي بمتوترة؟؟ أنا قبل عرسي باقي أسويها في ثيابي من كثر ماأنا خايفة ومتوترة.. كاسرة تضحك: باقي تسوينها؟؟... إلا شكلش سويتها.. أنا أصلا متذكرة بنفسي وأنتي سنونش تصك في بعضها تقولين داخلة فيلم رعب فاطمة تضحك: هذا لأني بنت طبيعية وما أدري عن الحياة اللي قدامي لازم أخاف.. كاسرة تهز كتفيها: وأنا وحدة الخوف ملغي من قاموسي.. يعني وش اللي في الزواج بيرعبني؟!.. والله عجبني خير وبركة.. ماعجبني مافيه شيء يحدني أصبر أنا خذت بخاطر جدي وخذت الرجال اللي هو يبي.. لكنه ماقال لي اصبري عليه حتى لو هو مايستاهل.. فاطمة بخبث: سوسو.. كسّاب ينقال عليه ذا الكلام؟؟ أنا شايفته بعيني.. كاسرة ببرود: أبي أدري وش عاجبكم كلكم في ذا الكسّاب؟؟ أنتي وأمي ووضحى.. فاطمة تضحك: وحطي فوقنا كل موظفات الهيئة اللي شافوه طالع شايلش يوم الحريقة.. كاسرة تبتسم: عليكم بالعافية.. ليش أنكم شفتوه منظر بس.. ماعرفتو شين اطباعه.. فاطمة تغمز: ماكلمش عقب آخر مرة؟؟ كاسرة بعدم اهتمام: لا.. هجد ورحمنا من صوته.. الله يديمها نعمة ويحفظها من الزوال... فاطمة بخبث: وأنتي جد ما تبين تسمعين صوته؟؟... صدق نسوان ما ينعرف لنا!! كاسرة بابتسامة: تدرين أنش مزعجة.. أمي قايلة لي أتجهز عشان موعد الصالون.. هي أحرص مني على المواعيد حتى لو بغيت أتهرب ما تخليني.. والحين بتعصب علي من سبتش.. فاطمة تضحك: دواش خالتي أم امهاب.. خلها تسنعش.. كاسرة تهتف باهتمام: خليني ألبس ألحق أنزل لجدي أول.. جيته قبل شوي لقيته نايم فديت قلبه.. ************************************ " عبدالله أنت وش فيك متضايق كذا؟؟ من يوم وديت ولدك ورجعت وأنت مكتم" عبدالله يلتفت لعالية ويهمس بهدوء: مافيني شيء يا الغالية.. إلا أخوانش وينهم ماهنا حد منهم..؟؟ عالية بطبيعية: فهد وصالح عندهم دوام ومرونا كلهم الصبح مبكر.. وهزيع كان هنا قبل ما تجي.. وراح يشوف نتيجته بتطلع اليوم وراح معه نايف ثم أردف عبدالله بحذر: وإبي؟؟ عالية بحذر مشابه: مرنا هو بعد الصبح قدام تجينا بحسن.. وراح يقول عنده شغلة وبيرجع.. عبدالله بخيبة أمل: يعني أقوم أفارق؟؟ عالية بتصميم: لا لا تروح مكان.. أمي رقدت وهي تسأل عنك.. إبي لازم يتقبل وجودك..ولو أن إبي ماحده على ذا اللي شيء كايد خاطري أدري وش انت مسوي!! عبدالله صمت ولم يجبها.. فما به اليوم يكفيه عن كل شيء!! بعد دقائق .. وعت أم صالح من نومها.. وكانت كلمتها الأولى أنها سألت عن عبدالله.. عبدالله تناول كفها مقبلا: أنا هنا جعلني فداش.. أم صالح بصوت ناعس: وديت ولدك؟؟ انقبض قلب عبدالله وهو يتذكر ماحدث وهو يعيد حسن .. هتف بسكون: وديته يمه.. عاد ليميل على كتفها مقبلا.. وكأنه يريد أن تسكن رائحتها وحنانها وجع قلبه المتزايد (كل ما قلت هانت..جد علم(ن) جديد) ثم ارتكى على طرف سريرها وهو يسند رأسه لكفه همست حينها أم صالح بانقباض: وش فيك يأمك.. شيء يوجعك؟؟ عبدالله باستغراب: لا فديتش مافيني شيء أم صالح بألم: تدس علي؟!.. أشلون مافيك شيء وأنت تون!!.. عبدالله بصدمة: أنا ونيت..!! أم صالح بذات نبرة الانقباض المتألمة: إيه ونيت ونين موجوع.. عبدالله يشير لعالية بصوت منخفض: أنا ونيت؟؟ عالية هزت كتفيها علامة (لا أدري) بينما دهشة عبدالله تتزايد.. في داخله هو متيقن أنه أنّ أنينا يكاد يمزق صدره خارجا.. لكنه متيقن كذلك أن هذا الأنين لم يتجاوز شفتيه للخارج.. فهل اشتمت رائحة وجعه وسمعت بروحها صوت أنينه المسكوب في روحه قطرات من فجيعة ؟؟ " أماه .. موجوع أنا حد الثمالة موجوع حد السماء.. موجوع حتى أقصى درجات الوجع سلبوني حتى حق الحلم بها ما أن انتعشت روحي بحلم القرب منها حتى اُنتزع مني الحلم بذات السرعة روحي مرهقة يأمي.. لا أعلم حتى متى ستصمد لا أعلم حتى متى سأصمد من كل شيء.. كل شيء!!" طرقات حازمة ارتفعت على الباب انتزعت الجميع من أفكارهم.. تلاها صوت أبي صالح الحازم: حد عندكم؟؟ عالية وقفت وهي تهتف بحذر: تفضل يبه.. تعال دخل ليتفاجئ بوجود عبدالله.. اليومين الماضيين حاول قدر الإمكان تجنب مواجهته أو رؤيته.. ولكنه هنا وأم صالح متعبة وإلا كان طرده فورا من المكان.. أبو صالح ألقى السلام.. وعبدالله وقف ليسلم عليه.. ولكنه أشار بيده ألا يتقدم ناحيته لكن عبدالله لم يستجب للإشارة وهو يستغل وجود والدته كغطاء له ويتقدم ليقبل جبين والده ثم كتفه.. الاثنان تفوح منهما نفس الرائحة تماما.. دهن عود فاخر يبدو من نفس النوع تنهد أبو صالح في داخله بعمق (مازال كما هو.. يحاول جاهدا التسلل لتحت جلدي ولكن لا.. لا.. ابني ذاك مات.. مات وانتهى !!) أبو صالح جلس على نفس المقعد الذي كان عبدالله يجلس عليه جوار أمه وهو يهمس بفخامة: أشلونش الحين يأم صالح؟؟ أم صالح أجابته باحترام عميق: من الله في خير.. اللهم لك الحمد والشكر عبدالله شد له مقعدا وألصقه بمقعد والده وجلس.. بينما هتف أبوصالح بحزم: ضاقت عليك الحجرة؟؟ بينما عبدالله أجابه بشبح ابتسامة: القلب يتبع هواه يأبو صالح.. بينما همست أم صالح بعتب: وش فيك على الصبي ياخالد؟؟ أبوصالح يميل على أم صالح ويهتف بهدوء: ماسويت به شيء.. المكان وسيع.. أبيه يتوسع.. أم صالح بألم: يبي قربك.. ياقلب أمه ذبحته الوحشة بروحه ذا السنين كلها.. حينها همس أبو صالح بنبرة مقصودة: والله الوحشة هو اللي جابها لروحه.. هو اللي بغاها.. عبدالله بعمق: والله يبه ماحد يبي الوحشة والبعد من هله.. ومايحد على ذا إلا شيء أعبر منه أبوصالح بنفس النبرة الملغومة: والله يابوحسن.. الشان مهوب في الغيبة.. الناس تغيب سنين وترجع.. الشان على اللي قبل الغيبة أشلون قلبك طاوعك عليها؟؟ عبدالله صمت.. ليس هناك مايجيبه به.. كيف يبرر له حكاية الانتحار المزعومة ولكن والدته أنقذته وهي تهتف بضيق عميق: خالد الله يهداك أنت وش فيك تبّحّث ورا عبدالله.. كفاية فرحتنا برجعته.. وألا لا تكون أنت منت بفرحان..؟؟ أبو صالح رغما عنه هتف باصطناع مغلف بالحقيقة أو ربما حقيقة مغلفة بالاصطناع: إلا وكاد مبسوط.. حينها فجرت أم صالح قنبلتها وهي تهمس بحزم لطيف مخلوط بنبرة رجاء ألطف: زين ترا عبدالله إذا طلعت من المستشفى بيرجع معي.. ماله عازة يقعد في بيت صالح بروحه.. *************************************** كانت نائمة حين شعرت برائحة عطره تخترقها قبل أن تشعر بدفء ذراعيه يطوقانها وصلابة صدره تحتوي ظهرها.. همست بنعاس: جيت منصور؟؟ منصور همس بخفوت: صار لي أكثر من ساعتين راجع يالكسلانة.. وش ذا النوم كله؟؟ همست وهي تفتح عينيها: أنا منبهة الساعة عشان أصحى قبل ما تجي.. أشلون مارنت.. منصور بثقة: أنا جيت بدري شوي وطفيتها قبل ترن.. قلت خلش تنامين شوي.. ونمت أنا بعد معش شوي عفراء كانت تريد أن تنهض لكنه لم يتركها وهو يشدد احتضانه لها.. همست عفراء بألم ماعادت تعرف له سببا: فكني منصور.. خلني أقوم أسوي لك ريوق منصور هتف بعمق وهو يديرها لناحيته : ما أبي ريوق.. أبي أشوف ابتسامتش بس حينها لا تعلم لماذا انخرطت في بكاء رقيق وهي تشد جيبه بيديها الاثنتين وتدفن وجهها في صدره.. أصبحت شديدة الهشاشة كما لو أنها قابلة للكسر مع أقل هزة منصور احتضنها بقوة وحنان وهو يتركها حتى أفرغت طاقة بكاءها كله وهدأت حينها همس بخفوت دافئ: أبي أدري بس وش اللي يرضيش ياعفرا والله لأسويه لو على قطع رقبتي حالش مهوب عاجبني كلش عفراء همست بصوتها المبحوح ووجهها مازال مختبئا في صدره: والله العظيم ماأبي شيء.. هذا دلع الحوامل بس منصور كان يمسح خصلات شعرها ويهمس بذات الخفوت الدافئ: تدلعي على كيف كيفش.. بس لا تحرقين قلبي بذا الحزن اللي ماعرفت له حل.. ************************************** " خليفة.. مامليت من قعدتك ساكت.. أنا مليت لين متى وأنت مقاطعني من الكلام كذا؟؟ " خليفة يرفع رأسه عن كتاب كان يقرأ فيه ويهمس بحزم: إذا كلمتي عمتي عفرا وخذتي بخاطرها هذاك الوقت بأكلمج رغم إحساس جميلة بندم عميق وتأثر أعمق منذ مكالمتها لوالدتها وبعدها انفجار خليفة الناري فيها المرة الماضية ..إلا أنها لم تسمح له أن يشعر بذلك وهي تهتف بغضب: وأنت وش دخلك بيني وبين أمي.. عنك ما كملتني.. أريح أصلا.. من زينك وإلا من زين كلامك.. خلك ساكت أحسن رغم تصاعد غضب عميق في روحه إلا أنه هتف بتمكن: أصلا أنا عارف أنه أنا ما أهمج في شيء بس على الأقل حطي بالج على أمج.. توني كلمت عمي منصور البارح يقول إنها حامل وتعبانة كلش ونفسيتها في النازل والسبب أنتي جميلة فتحت عينيها بذهول وكحت وهي تشهق بصدمة موجعة بعثرتها تماما: تقول حامل؟؟ أمي أنا حامل؟؟ حامل.. أكيد أنت غلطان.. أمي حامل؟؟ خليفة ببرود مدروس: إيه حامل.. ووش فيها؟؟ أمج بعدها صغيرة جميلة بكلمات مشتتة مهزومة: فيها أنها أمي أنا.. وأنا كنت أنتظر زيارتها على نار.. أشلون الحين بتزورني وهي توها حامل في اللي بيأخذ مكاني عندها؟؟ خليفة يرفع حاجبا وينزل آخر ويهتف بتهكم: الحين تنتظرين زيارتها على نار وأنتي توج معورتها بالحجي كل كلمة أكبر من الثانية ثم لم يستطع بعدها إلا أن يهتف لها بنبرة حنان: وبعدين مافيه ولد يأخذ مكان ولد ثاني.. لو أمج عندها عشرة يهال لكل واحد منكم غلاه مايشاركه فيه الباقيين.. حينها بدأت عيناها تدمعان وهي تهمس باختناق: لا هذا صغير.. وبيأخذ كل وقتها واهتمامها وحبها.. وأنا خلاص ماراح يبقى لي شيء خليفة بهدوء عميق: وش هالأفكار الغريبة؟؟.. أمج من حقها يكون عندها حياة وأطفال.. مثل ما أنتي صار لج حياة خاصة فيج.. وبكرة بيصير عندج أطفال.. وتلهين فيهم عن كل شيء جميلة شهقت بصدمة خجولة: أنا.. أطفال؟؟ ومِن مَن؟؟ خليفة بنبرة سخرية غاضبة: مِن مَن؟؟ الطوفة اللي جدامج موب مالي عينج!! جميلة تفجر وجهها احمرارا غشى حتى أخر أطراف شعرها.. حين وافقت على خليفة.. كانت تظن أنها تموت.. لم تفكر في خطوة أبعد من الزواج نفسه ومن معناه.. من الزواج من رجل يحمل اسم والدها ورائحته ودمه.. ترتحل للعالم الآخر وهي على ذمته لكن حياة كاملة ومسؤولية وأطفال؟؟ لم تخطر ذلك أبدا ببالها.. بل ماهو أقرب من ذلك وأعمق.. حقوق هذا الرجل الشرعية عليها!! قد تكون هذه الحقوق غير واردة الآن وهي في وضعها الصحي الحالي.. ولكن حينما تتحسن صحتها............!!!! ( أشلون أنا غبية كذا.. أكيد فكر بذا الشيء دامه يتكلم عن أطفال!!) حينما وصل تفكيرها لهذه النقطة لم تعد حتى تستطع رفع عينيها إليه وهي تبتلع لسانها السليط في جوف حلقها.. عاجزة عن أي رد وهي تشعر أن عروقها ترتجف لشدة الخجل!! خليفة يعلم أنها صدمها بشدة.. ولكنه أراد أن يصدمها فعلا.. لكي تعلم أنها تقف على أرض صلبة... وأن وجوده معها ليس وجودا مؤقتا.. بل سيكون ارتباطا أبديا.. فهي ليست بحاجة أحد سواه.. ولا داعي لئن تقلق من زواج والدتها أو انجابها عشرات الأطفال حتى.. يريدها أن تشعر فعلا بالأمان والاحتواء وأنه باق إلى جوارها حتى النهاية!! ************************************* " أشلون كانت العمرة؟؟ عسى ارتحتي وتريحتي؟؟" جوزاء تشد حسن لصدرها وتهمس بهدوء عميق: ماحد يروح هناك وما يتريح قلبه.. الله لا يحرمنا زيارتها ثم همست بهدوء حذر: شعاع أنتو خليتو حسون ينام عند ابيه البارحة؟؟ شعاع بصدمة: من اللي قال لش؟؟ جوزاء تحاول ألا تغضب: حسن.. بس ما صدقته.. شعاع شدت لها نفسا عميقا ثم همست مع ابتسامة لطيفة: لا تعصبين تخربين جيتش من بيت الله.. ولدش صدعنا ناشب فيه كنه قرد.. وبعدين وش فيها؟؟ هذي ليلة وحدة بس.. وبعدين كان يبي يوديه لجدته في المستشفى.. جوزاء رغم ضيقها العميق همست بهدوء: خلاص ماصار إلا الخير.. وجدته أنا بأوديه بنفسي.. ماني في حاجة حد يوديه.. شعاع بتساؤل حذر: يعني لو حد من عمانه اللي موديه بتتضايقين كذا؟؟ جوزاء تمسك برأسها وتهمس بقهر: لا تستعبطين شعاع.. أنا ماني بناقصة والله العظيم... . . في الأسفل أم عبدالرحمن تهمس لعبدالرحمن بحنو: هانيك مازرت يأمك عبدالرحمن يميل ليقبل كتفها للمرة الرابعة ربما: هانيش خير وعافية يمه.. وإن شاء الله في رمضان أنا وإياش فيها أم عبدالرحمن بمودة عميقة: الله لا يحرمني خوتك لمكة كل سنة لين تدفني.. عبدالرحمن بمودة أعمق: عمرش طويل في الطاعة.. أبشري بسعدش ثم تساءلت أم عبدالرحمن بحزم لطيف: عبدالرحمن أنت زرت عمتك؟؟ عبدالرحمن باستغراب: أي عمة؟؟ والدته بغضب: أي عمة؟؟ أم مرتك.. أفا عليك يعني أنا اللي باعلمك السنع!! عبدالرحمن ابتسم: يمه توني ما تعودت على ذا السالفة.. بس تدرين يمه.. حلوة مرتي ذي اللي حتى إصبعها مابعد شفته *********************************** "قوم نروح للحلاق" فهد يفتح عينا ويغلق الأخرى وهو ينظر لهزاع الواقف فوق رأسه: هزيع فارقني ترا ماني بمتفرغ لك.. أبي ارقد شوي عشان أروح لأمي هزاع بابتسامة: قوم نروح للحلاق وعقبه أروح أنا وإياك لأمي.. فهد بنبرة غضب: هزيع قوم فارق قدام أخلي وجهك شوارع.. ماتعرف تروح للحلاق بروحك؟!.. هزاع تتسع ابتسامته: إلا.. أعرف.. وأعرف أوديك بعد عشان نحلق شنبك.. فهد قفز واقفا وعيناه تتسعان ذهولا وهو يكح: نجحت؟؟ هزاع يرقص حاجبيه: نجحت وجبت 80% بعد عينا فهد اتسعت أكثر وهو يكح بشكل متواصل من الشهقة: مستحيل.. هزاع يضحك: وش ذا الروعة؟؟ بدل ما تقول لي مبروك.. عينا فهد بدأت تدمع لكثرة ماكح وهو يهتف : مبروك ألف مبروك.. أبشر بالهدية اللي تبيها.. هزاع يرقص حاجبيه مرة أخرى: أبي شنبك بس.. حواجبك متنازل عنها مع أنك اللي عرضتها علي.. فهد برجاء باسم: هزيع يأخيك تبي تضحك الرياجيل علي؟؟ هزاع يبتسم: مالي شغل .. ماحد قال لك تمد لسانك وتقلل من قدراتي وتبي تكسر بنفسي قدام الامتحانات فهد يبتسم: بالعكس أنا كنت أسوي لك حافز نفسي.. لو أني ماقلت لك كذا..ماكان تحديت نفسك وجبت ذا النسبة يعني شنبي كان أهم عندك من النسبة هزاع مازال يبتسم: ودامه عندي أهم وانت قلتها بنفسك.. يالله قم للحلاق.. فهد تغيرت ابتسامته: هزيع من جدك تبي تحلق شنبي؟؟ هزاع بتصميم باسم: أكيد من جدي.. أنت قايل لي كم مرة لا وعندي شهود.. عيب عليك ما تكون قد كلمتك.. حينها ابتسم فهد: زين وأنا باشتري شنبي باللي أنت تبغي.. هزاع بتصميم مرح: وأنا ما أبيع.. أبي شنبك وبس فهد بغضب: هزيع بلا سخافة.. قلت لك بأعطيك اللي تبي هزاع حينها ابتسم: خلاص أبي سيارتك الجديدة.. فهد قطب حاجبيه: مهوب كنك زودتها.. هزاع يضحك: والله أنت اللي مديت لسانك شبرين يأبو شنب.. أنا أصلا ما أبي شيء.. بس دام شنبك غالي عندك.. لازم أخذ شيء بغلاه.. وبعدين يأخي توك بايع السيارة اللي عطاك إياها منصور آل كساب وحاط فلوسها في جيبك عطني سيارتك واشتر سيارة غيرها.. فهد بغضب: بس أنت داري زين إن السيارة ذي طلبتها من الوكالة وقعدت أنتظرها أكثر من شهرين.. وين بلاقي لي سيارة مثلها الحين؟؟ هزاع يهز كتفيه: خلاص عطني الشنب.. ما أبيها.. غطها على كبدك وأنت بدون شنب فهد يفتح الجارور المجاور لرأسه ويتناول المفتاح ويلقيه على هزاع وهو يبتسم: خلاص دامك ماخذها ماخذها على الأقل تاخذها وأنا سامح ماتقول إنك خذتها غصبا عني... مبروكة عليك تستاهلها.. ولو أنك خليتها والله لأشتري لك سيارة أغلى منها.. تستاهل على ذا النسبة أنت ووجهك.. هزاع يأخذ المفتاح ويقبل جبين فهد وهو يبتسم: حتى لو قلت أنك سامح.. أدري أنك محترق.. لازم أحرّك شوي هذي حلاتها.. *************************************** "عبدالله قال لي اليوم إن أمي لزمت أنه يرجع معها للبيت ها وش رأيش نكمل تشطيب بيتنا وننزله.؟؟. ترا مايبي له حتى شهر وإلا حن مخلصين كل شيء" نجلاء ابتسمت برقة: أكيد ماعندي مانع مابغيت تنطق بذا الدرة.. صالح يضحك: يعني كني السبب.. مهوب أنتي اللي طقيتي وهملتني أنا والبيت نجلاء تجلس جواره لتحتضن عضده ثم تسند خدها له وتهمس بألم: خلاص صالح تكفى.. نبي نفتح صفحة جديدة.. صالح يمد يده ليحتضنها بقوة ثم يهمس بابتسامة: زين والصفحة الجديدة مافيها غرفة نصبغها بالوردي..؟؟ نجلاء تبتسم: تبي غرفتين ثلاث بعد ماعندي مانع الله يعطينا من عنده خير.. المهم خويلد وعزوز هم اللي ينقون غرفهم أول.. صالح بشفافية مرحة: حاضرين لخالد وعزوز وأمهم.. المهم أنتي وعيالش ما تزعجوني أنا وبناتي وتغثونا.. **************************************** " نعم وش تقول؟؟ عبدالرحمن عند الباب يبي يسلم على أمي من جدك أنت؟؟ قل له يروح ويرجع بعدين.. ماعندي حد من أخواني" صالح بحزم: يا بنت الحلال روحي أنتي وادخلي الحمام.. وانا باقول له ادخل.. أمي ماعندها حد.. أنا عادني في البيت وأخوانش هزاع وفهد عندي.. وعبدالله في المحكمة يصدق أوراقه.. ماحد منا بلاحق يجيش.. والرجّال يقول عند الباب.. عالية بضيق عميق وحرج أعمق: خلاص.. قل له يدخل عقب دقيقتين ألحق أضبط برقع أمي وجلالها وأسكر على روحي في الحمام.. وياويلك تجيب طاري أني عند أمي.. صالح يضحك: كم مرة قايل لش لا عاد تهددين أنتي وجهش.. تراني أخيش الكبير.. بيني وبينش فرق 11 سنة.. عالية تشعر أنها ستبكي من الحرج وهي تعلم أنه ليس بينها وبينه إلا هذا الباب: تدري إنك متفرغ.. بس دواك عندي يأبو خالد على ذا المقلب اللي سويته فيني.. عالية أنهت الاتصال ثم شرعت تعدل وضع برقع أمها على وجهها وجلالها وهي تهمس بهدوء تحاول أن تزرع فيه كل ثقتها بنفسها: يمه عبدالرحمن بيجيش يسلم عليش.. أنا بأدخل الحمام لين يروح.. أم صالح باستغراب: تدخلين الحمام وتخليني ماحتى عندي حد يقهويه.. عالية شدت لها نفسا عميقا: يمه مهوب جاي يتقهوى.. جاي يسلم ويروح.. أم صالح بحزم: انطقي.. اقعدي على حيلش.. والله ماتروحين مكان.. الرجال أول مرة يجيني ..تبينه حتى فنجان القهوة مايذوقه عندي.. عالية بغيظ: يمه أنتي وذا الكرم.. استغفري.. تراش في المستشفى منتي بفي بيتش طال عمرش.. وعبدالرحمن لو انطبقت السما على الأرض ماني بقاعدة عنده أقهويه.. عنه ما تقهوى.. أم صالح بغضب: أنا بنت أبي.. بتفجرني اللي ما تستحي.. كن فيش خير فروحي وأنا حالفة عليش.. عالية بالفعل تكاد تبكي وهي تنظر لنفسها (حتى حالتي حالة من قعدة المستشفى.. خوش شوفة بيشوفها) عالية حين سمعت الطرقات على الباب شهقت وهي تضفي عباءتها عليها وتتأكد من وضع نقابها على وجهه.. وهي تتمنى لو تنشق الأرض وتبلعها ( عادي علوي خلش جامدة.. الحين مهندسة جينية وكل يوم تقابلين الناس أشكال ألوان خايفة من الدحمي.. تراه مايأكل أوادم) عبدالرحمن طرق الباب عدة مرات ثم فتحة بشكل موارب وهو يهتف بصوت عال: أم صالح.. أم صالح أم صالح هتفت له : تفضل يأمك تعال.. عبدالرحمن قبل أن يدخل بشكل كامل شد الستارة قليلا ليمنع من يقف خارجا من رؤية داخل الغرفة وهو يهتف بذات الثقة: يمه معي بوي جايب ورد.. وين يحطه؟؟.. أم صالح بحرج: يأمك ماكان كلفت على نفسك.. خله يحطه أي مكان.. عبدالرحمن يتقدم لمكانها وهو يهتف بمودة: مابه كلافة أنا اصلا قدني متفشل منش أدري أني تاخرت.. عبدالرحمن وصلها ليتفاجأ أن هناك مخلوقة تلتف بالسواد تقف في الزاوية.. عبدالرحن تجاهل وجودها ليصل أم صالح التي كانت تجلس على سريرها ويقبل رأسها وهو يهتف بمودة واحترام: سلامات يمه.. ما تشوفين شر.. أجر وعافية هتفت له أم صالح بمودة: الشر ما يجيك.. اقعد يأمك تقهوى.. عبدالرحمن يشير بيده رافضا: لا يمه جعلني ما أبكيش.. أنا جاي أسلم عليش وبأروح.. بشريني منش الحين.. عساش أحسن؟؟ أم صالح بمودة: والله إن قد تقعد تقهوى.. وأنا الحمدلله من يوم شفت عبدالله وأنا بأحسن حال ثم أشارت للواقفة في الزاوية التي لم ترفع عينيها مطلقا والتي تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها منذ سمعت صوت عبدالرحمن الرجولي الرخيم (يمه.. يمه.. صوته يجنن وكله رجولة.. لا أحكي أنا نافسته في رجولة الصوت.. عز الله طفش الرجّال) : عالية تعالي قهوي أبو فاضل.. عبدالرحمن حين سمع اسم عالية شعر بارتباك ما سرعان ما تجاوزه.. فهو ليس طفلا ولا مراهقا.. وهو رغم استبعاده أنه قد يلتقيها إلا أن الأمر لم يصدمه لذا هتف بحزم واثق: الحمدلله على سلامة الوالدة يابنت خالد.. عالية في داخلها تمنت ألا ترد عليه.. ولكنها لم ترد أن تشعره بتوترها وخصوصا أنها كتعليم وشخصية هي أبعد ما تكون عن التوتر والارتباك ردت عليه بهدوء متمكن قدر استطاعتها: الله يسلمك.. كتم في داخله ضحكة كانت ستفلت منه.. فصوتها كان مخنوقا لأبعد حد (لا يكون هذا بس صوتها من جد؟!!) : أشلون الوالدة الحين بشرينا منها؟؟ عالية اختناقها يتزايد( يتميلح هو ويا وجهه!!) ردت عليه بهدؤها ذاته.. أقصى هدوء استطاعته: الحمدلله حينها كانت تصب له فنجانا من القهوة.. ولكنها لم تناوله له بل صبته ووضعته على الأرض قريبا منه.. حينها رفعت نظرها له بغير قصد لتتفاجأ أنه كان ينظر لها بتمعن ويبتسم .. أعادت حجز نظرها للأرض وهي تسب نفسها (الأخ كاشخ ومتأنتك .. أكيد يضحك على حالتي اللي ما يستحي أبو عين قوية البصباص) أم صالح قطعت الجو الغريب بينهما وهي تهمس بأريحية: يأمك اشرب فنجالك.. عبدالرحمن حينها أجاب بخبث: وينه فنجالي؟؟ أم صالح زجرت عالية: عالية صبي لعبدالرحمن فنجال قهوة يامال الزين.. عالية حينها بدأت تشعر بغيظ ممزوج بالحرج ممزوج بالغضب.. همست من بين أسنانها حتى لا تسمع أمها: يعني منت بشايف الفنجال قدامك؟؟ حينها كاد بالفعل أن ينفجر ضحكا من طريقتها الطفولية في الغضب وهو يتأكد أن صوتها ليس مخنوقا كما كان يظن رد عليها بخفوت مشابه: لا تكونين عقب عرسنا ناوية تحذفيني بالفنجال كذا!! حينها اشتعل وجه عالية احمرارا وهي تتمنى لو كانت تستطيع سكب دلة القهوة فوق رأسه... بينما أم صالح همست باستفسار: وش تقول يأمك؟؟ عبدالرحمن ينظر لعالية وهو يقف ويبتسم: أقول كثر الله خيركم.. وما تشوفين شر.. واسمحي لي أترخص طال عمرش.. *********************************** " وضوح أنتي أكيد استخفيتي.. ما أقدر أطلع لش.. والله لا تدري أمي وإلا نجلا أني نزلت في بيتكم إن قد يذبحوني تبين الناس يقولون أن سمور الحياوية نازلة في بيت رجالها وهي ماباقي على عرسها إلا كم أسبوع تبين الناس يأكلون وجهي أنتي ووجهش..لا وعشان ويش؟؟ عشان وجهش الشين خلي الخدامة تعطيني أوراقش والسي في بسرعة عشان أقدم لش معي بكرة" وضحي برجاء: سمور يا الدبة.. والله العظيم تعبانة من الدورة ومافيني حيل أنزل الدرج لين تحت وأروح للمطبخ الخارجي عشان أعطيه الخدامات والله العظيم البيت فاضي.. أمي والعروس رايحين الصالون أخر جلسة لكاسرة اليوم عشان الحناية بتجيها في الليل وتميم في شغله.. وامهاب في رحلة.. تكفين تعالي لي أنتي أنا في غرفتي.. والله ماحد يدري.. سميرة تستعد للنزول: ياويلش حد يدري والله لأسود عيشتش.. وإن شاء الله الخدامة والسواق ما يفتنون علي.. أنا قايلة لأمي بأروح للمكتبة القريب أصور أوراق وإلا ماكان خلتني أطلع.. وماهقيت أنش بتنشبين في حلقي تبين أصور لش وأقدم لش بعد وضحى تضحك: حماتش جعل الزمان يتبارك.. إذا ما نفعتيني تنفعين من؟!! سميرة نزلت بسرعة وأخذت الأوراق بسرعة لتعود ركضا للدرج.. ما كادت تصل الدرج حتى اصطدمت بعنف بشيء قوي رفعت رأسها لتنظر.. لتفجع وعيناها تمتلأن بالدموع فورا بينما هو حينما وصل لأعلى الدرج ومازال على العتبة الأخيرة حتى رأى المرأة التي تتجه نحوه ركضا ودون أن تنظر أمامها حتى كان يريد أن يتنحى عن طريقها ولكنها لم تمنحه الفرصة وهي تصطدم فيه بقوة الاصطدام رغم قوته لم يكن ليؤثر في بنية قوية كبنيته وكان على وشك استعادة توازنه حتى رآها ترفع عينيها ويتعرف على شخصيتها من البياض الناصع المتبدي من فتحتي نقابها ليفقد حينها توازنه فعلا وارتباكه يخل بأي توازن حاول التجلد به.. ليهوي متدحرجا من أعلى السلم إلى آخره.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والثلاثون سميرة حين رأت تميما يهوي متدحرجا بعنف وعتبات الدرج الرخامية ترتطم به بقوة شعرت بقلبها يسقط بين قدميها وصراخها يتعالى.. وماكاد يصل إلى أسفل الدرج إلا وهي تصل معه.. كان يشعر بألم بشع يتصاعد في كل جسده.. وكأن عظامه تحولت لفتيت من ألف قطعة.. حاول أن يقف لكنه لم يستطع وهو يشعر بدوار حاد وألم لا يحتمل في ذراعيه بالذات.. سميرة اقتربت منه بجزع وهي تحاول أن تسنده دون تفكير بأي شيء عداه.. بينما هو كان يحاول أن يشير لها ألا تقترب منه أو تلمسه.. ولكنها كانت في دوامة عاصفة من الرعب وهي تدخل كفيها تحت ذراعيه وتحاول أن توقفه في محاولات فاشلة مرتاعة زادت من إحساسه بالألم.. تميم حرك كتفيه بضعف دلالة أنه يريدها أن تتركه.. بينما كان صراخ سميرة الباكي يرتفع بهستيرية : انتبه انتبه.. لا تتحرك العظم طالع.. وهي تتناسى مطلقا أنه لا يسمع حرفا من عويلها الذي سمعته وضحى ونزلت ركضا لتفجع بالنظر أمامها.. جسد تميم الممتليء بالرضوض والسجحات والدم.. والأقسى من ذلك العظم الذي شق جلده خارجا من ذراعه اليمين.. كان تميم يريد أن يشير لها أنه يبدو أن يديه الاثنتين قد كُسرتا ولكنه لم يستطع أن يشير بأي شيء.. وقهر عظيم شديد القسوة والمرارة بدأ يتصاعد في روحه... وضحى بدأ بكائها يتعالى وهي تشير له ألا يتحرك أبدا .. و تصرخ بسميرة بين شهقاتها وهي تجثو بجوار تميم دون أن تلمسه خوفا أن تؤذيه : اتصلي في الإسعاف بسرعة وارجعي لبيتش الحين بسرعة.. بينما اتصلت وضحى بأبي عبدالرحمن لكي يحضر لهم فورا.. فهو الشخص الوحيد الذي تستطيع طلب مساعدته في غياب مهاب.. عدا عبدالرحمن الذي شعرت طبعا بالخجل أن تتصل به... ******************************** " أنا أبي أعرف وش ردى العقل اللي عندش أنتي وأختش هي تبكي كنه ميت لها ميت.. وانتي ماعاد تبين تحنين ليه أنتو تفاولون على ولدي... ؟؟ تميم مافيه إلا العافية.." كاسرة كانت تنظر لتميم النائم بجبس في يده اليمين ورباط ضاغط بجبس خفيف على يده اليسرى ولاصقات طبية على نواحي مختلفة من وجهه وتنظر كذلك لوضحى المنتحبة جواره ثم همست بحزم: ليه يمه تشوفين إن كسر إيديه الثنتين بسيط؟؟ مزنة بحزم: إيه بسيط... ولدي رجّال.. ومهوب اللي يهزه كسر.. الدكتور أصلا كان يبي يطلعه .. بس أبو عبدالرحمن لزّم أنه يمسي الليلة تحت المراقبة.. كاسرة بحزم: يمه أنا وش قلت؟؟ أنا قلت أني بأجل العرس يعني؟؟ كل اللي قلته أني ما أبي أتحنا خلاص.. مالي خاطر فيه وتميم كذا.. مزنة بحزم: بترجعين الحين وبتحنين غصبا عنش بعد.. أنتي لين آخر لحظة لازم تعصيني..أنتي تبين تفضحيني في الناس.. على العموم امهاب اتصل فيني جاي من المطار ويقول كلكم ارجعوا البيت لأنه بيجيهم زوار رياجيل الحين.. مزنة أنهت عبارتها.. ثم توجهت لجوار تميم وهي تقبل رأسه.. ثم تجلس جواره وهي تربت بوجع عميق على يده المغمورة في الجبس.. دون أن يظهر هذا الوجع المصفى على علائم وجهها المشدود بحزم.. كانت روحها تذوب وجعا صافيا.. ربما لو كان ابنها بغير هذه الحالة الصامتة كانت لتحاول تجاوز الوجع.. لكنها الآن تعلم يقينا أي قهر وأذى نفسي يعانيه..وهو يفقد وسيلته الوحيدة للتواصل مع الآخرين.. الآن سيشعر بإحساس العجز الحقيقي الذي حرصت كثيرا على ألا تشعره به.. سيكون عاجزا عن التعبير عن حاجاته ومشاعره.. سيكون عاجزا حتى استبدال ملابسه أو تناول طعامه لوحده.. سيكون عاجزا عن أداء عمله الذي يجد روحه فيه والحواسيب تفتقد لمسته الحانية!! تعلم أن هذا الأمر مؤقت.. ولكن القهر والعجز الذي سيشعر بهما إلى أي مدى سيجرحان روحه الحرة الوثابة ؟؟!! ************************************** " أنا أبي أعرف ليه ذا البكا كله.. احمدي ربش أن ماحد درا أنش نازلة في بيته" سميرة بين شهقاتها: وهذا يعني اللي هامش.. ماحد يدري أني نزلت في بيته كان ودي العالم كله يدرون ولا يصير له شيء من اللي صار.. نجلاء تربت على ظهر سميرة المنكبة على سريرها باكية.. موجوعة .. حزينة وتهمس بحنان: يا قلبي يا سميرة أنا بنفسي كلمت أم امهاب.. تقول أنه طيب ومافيه إلا العافية كانوا خايفين من الارتجاج في المخ.. بس الحمدلله مافيه شيء وكل اللي فيه كسر في يده اليمين.. وشعر في يده الثانية.. وحتى الدكتور يقول لو يبي يطلع يقدر يطلع.. سميرة تشهق بوجع: منتي بفاهمتني يانجلا ليه؟؟ أنا ماني بمعترضة على اللي الله كتبه أنا اللي محطمني أني أنا السبب يا نجلا.. أنا السبب!! عرسي عقب شهر ونص.. أدخل عليه والجبس في يده.. لا وأنا السبب.. أشلون أحط عيني في عينه؟؟ وبعدين نجلا تخيلي القهر !!.. لو اللي انكسر رجله.. وإلا يده اليسار بس.. كان بسيطة.. بس الحين المسكين حتى ما يقدر يأشر.. انقطع تواصله مع العالم كله بسبتي.. يعني تخيلي ما يسمع ولا يتكلم ولا حتى يقدر يستخدم إيديه.. أشلون حتى الحين يقدر يعبر وإلا يطلب وألا يأكل وإلا يبدل ملابسه؟؟.. على ما يوصل وقت يوم العرس أساسا بيكون أستوى من الزعل علي والقهر مني.. حينها هزت نجلاء كتفيها وهمست بحزم: القرار من البداية قرارش يا سميرة.. لازم تحملين أي شيء بيصير.. **************************************** " تميم مايصير ياخيك.. ماكلت شيء" تميم يهز رأسه رفضا.. الإشارة الوحيدة التي مازالت لم تسلب منه.. القهر العظيم الذي شعر به منذ تيقن بكسر يديه وهو يتصاعد في روحه حتى كاد يخنقه.. يفضل أن يموت جوعا على أن يطعمه مهاب كطفل يُدفع باللقمات في فمه.. وخصوصا في وجود عبدالرحمن والده.. قد تكون علاقته بهما قوية وخصوصا بأبي عبدالرحمن ولكن يكفيه مشاهد واحد لضعفه وقلة حيلته.. لا يحتمل مزيدا من الأعين المشفقة !! وهاهو الآن أيضا يشعر بألم مريع شديد يتصاعد في كل جسده.. يريد أن يعبر عن ذلك حتى يحضروا له أي مسكن.. لكنه عاجز عن إيجاد وسيلة ما للتعبير.. حتى يده اليسار التي أخبروه أن مافيها هو محض شعر بسيط هو عاجز عن تحريكها تماما.. هاهو يشير لمهاب بعينيه.. ولكن مهاب لم يفهم مطلقا ماذا يقصد.. فهم بالكاد كانوا يستطيعون أن يستوعبوا إشارات يديه.. فكيف وهو محروم حتى من إشارات يديه؟! وآخر ما ينقصه أن يجلس وهو بهذه الحال في زواج شقيقته.. أي عذاب هو هذا العذاب؟؟ غارق في عالم خاص من صمت هادر ووجع هادر غرق فيه لقمة رأسه كانوا يتحاورون وهو بعيد جدا عنهم.. مغلق عليه في عالمه الصامت كقبر موحش خال حتى من همس الهواء!! والآن خال حتى من الإشارات.. قبر حقيقي جدرانه أطبقت على نفسه الغارقة في سكونها!! مهاب يلتفت لأبي عبدالرحمن ويهتف بامتنان واحترام: والله ياعمي ماني بداري وأشلون أرد جميلك.. وأنت مقابل تميم كنه ولدك أبو عبدالرحمن بمودة عميقة وهو يلتفت لتميم: وتميم صدق ولدي.. عبدالرحمن يبتسم: لا لا.. أنا أعترض.. أنا بروحي ولدك.. مهاب يبتسم: شين السرج على البقرة.. لا تكون تتدلع بس.. عبدالرحمن يبتسم: حلالي أنا الولد الوحيد.. وش حاشرك؟؟ أبو عبدالرحمن بشجن عميق: جعلني اشوف عليك عشر عيال.. قول آمين.. مهاب يعاود الالتفات لتميم ليلحظ أن علائم ألم قوي ترتسم على وجهه يقفز بجزع ويشير له: شيء يوجعك؟؟ تميم في داخله يهتف ( وأخيرا حسوا فيني.. قاعد أتقطع وهم يسولفون) هز رأسه بقوة علامة الإيجاب.. مهاب يشير له باهتمام وهو يقترب منه: وش اللي يوجعك؟؟ حينها أدار تميم رأسه دائرة كاملة.. مهاب فهم الإشارة الغريبة.. حينها أشار بجزع حقيقي: كل شيء؟؟ تميم بألم هز رأسه إيجابا..ومهاب قفز ليستدعي طاقم التمريض بنفسه دون أن يرن الجرس بينما تميم كان يقطب جبينه بقوة وهو يغمض عينيه.. وعبدالرحمن ووالده يحيطان به.. الألم يمزق خلاياه بشراسة ولا يستطيع التعبير عن شيء .. عن أدنى شيء!! وكل هذا بفضلها هي.. بفضلها هي!! " سبحان الله.. في داخلي كنت أرفض الزواج منها.. فهل يرسل الله عز وجل لي رسالة ما؟؟ اليوم كسرت يديك.. الله أعلم ماذا ستكسر فيك غدا؟؟ اليوم كسرت شيئا يمكن تجبيره.. ولكن ما أدراك غدا أن لن تكسرك كسرا لن يُجبر!! " ************************************ " فيه عروس خلاص عرسها بعد بكرة ومادة البوز كذا" كاسرة بغيظ: عاجبش سوات خالتش أم امهاب.. تحلف علي أتحنى غصب وتميم مرقد في لمستشفى فاطمة تنظر لساقي وذراعي كاسرة المطرزتين بنقوش حنا لم يجف بعد وتهمس بابتسامة: إذا ذا السيقان والذرعان ما تحنا.. ما للحنا خانة ولا عازة يا الخبلة تميم طيب مافيه شيء.. وانتي عروس من حقش تحنين.. ومن حق كسّاب يشوفش متحنية.. كاسرة بتجبر: ترا آخر واحد يهمني رأيه كساب ذا.. صوت هاتف يرتفع فاطمة تقفز: يمكن رجّالي جا.. تأخرت الليلة واجد.. كاسرة تبتسم: يالخبلة هذا تلفوني.. شوفي وينه وردي.. فاطمة تبحث عن هاتف كاسرة بين الفوضى التي تركنها الحنايات خلفهن قبل دقائق.. تجده لتهمس لكاسرة: رقم مميز حده.. سبيشل موت ..بس بدون اسم رغما عنها شيء ما تصاعد في روحها وهي تهمس بحياد: هذا أكيد كساب.. حطيه على الصامت فاطمة تضغط زر الاتصال وتضعه على أذن كاسرة: آسفة.. أنتي بتردين وأنا باسمع.. وإلا تدرين أحطه على السبيكر أحسن.. كاسرة بتحذير: يا ويلش تحطينه سبيكر.. فاطمة تعيد وضعه على أذن كاسرة وتلصق أذنها معها .. بينما كاسرة هتفت بهدوء: هلا.. صوته الذي يثير فيها أغرب المشاعر: هلا بش.. هذا كله عشان تردين.. كاسرة ببرود: آسفة مادريت أنك بتتصل أو كان علقته في رقبتي.. فاطمة تشير لكاسرة أنها ستخنقها.. بينما كان صوت كساب ينساب بثقة: مافيها شيء تعلقينه في رقبتش لأني ما أحب حد ينقعني على التلفون.. على العموم أنا متصل أقول لش الحمدلله على سلامة تميم.. توني دريت.. وكنت عندهم في المستشفى.. الحمدلله مافيه إلا العافية.. خطاه الشر.. كاسرة بنبرة محايدة: الله يسلمك وماقصرت.. وش ذا الذوق كله؟؟ كسّاب ببرود: ما أقدر أسميه ذوق.. لأني أنا ماعندي ذوق.. لكن تقدرين تسمينه واجب لأني واحد أقدس الواجب.. كاسرة بتهكم: زين معلومة جديدة ولو أنها تبي لها دراسة.. حينها همس كسّاب بخفوت: عندش حد؟؟ صح؟؟ وحاط أذنه مع أذنش على التلفون؟؟ كاسرة بصدمة: وش دراك؟؟ بينما فاطمة ابتعدت برعب قدر استطاعتها وهي تمسك بالهاتف على أذن كاسرة.. بينما كساب همس بتلاعب: والحين اللي عندش بعد أذنه عن التلفون كاسرة باستغراب: أقول وش دراك؟؟ كسّاب ببساطة: كان فيه صوت نفسين على التلفون مهوب نفس واحد.. كاسرة حينها لم تستطع إلا أن تبتسم: يمه منك.. جني.. هذي فاطمة وأعتقد أنك تعرفها كسّاب شعر باستغراب أنها أشركته بهذه البساطة باسم من هو معها.. مع أنه توقع أن تعاند.. حينها همس بخفوت متلاعب خبيث: زين وبما أن فاطمة بعدت أذنها عن التلفون وأنا الحين بس سامع صوت نفسش اللي مذوبني.. أشرايش تقولين تصبح على خير حبيبي؟؟ أو الأحسن عطيني بوسة.. كاسرة تهمس بخفوت من بين أسنانها: قسما بالله أنك مريض نفسي بالوقاحة.. ثم أردفت بصوت أعلى: فاطمة سكري التلفون لو سمحتي.. فاطمة أرادت أن تنهي الاتصال.. لتجده فعلا قد أنهاه.. همست باستغراب: أصلا هو سكر كاسرة بغيظ: الوقح النذل.. مايخلي حركاته اللي كنها وجهه.. تنهدت كاسرة بغيظ فعلي (هذا أشلون باستحمل العيشة معه؟؟ أشلون؟؟ ما ينطاق يا ناس.. ما ينطاق والله العظيم) **************************************** اليوم التالي.. " الحمدلله على سلامتش يمه نورتي بيتش.." صالح يسند والدته وهو يدخلها للبيت ثم يجلسها.. بينما عالية تدخل خلفه تحمل حاجيات والدتها تهمس أم صالح بإرهاق: وينه عبدالله؟؟ صالح يجلس جوارها وهو يشد على يدها ويهتف بابتسامة: راح يفصل له ثياب يمه.. خاشرني في ثيابي.. الغنات زينة.. أم صالح بألم: سبحان الله من كان يهقى.. تصدقت بثيابه كلها.. صالح يبتسم ويهمس بمرح: يالغالية الموضة تغيرت.. خله يفصل ثياب جديدة.. خليت فهيدان يروح معه عشان يعلمه التفصيل الزين..وش عرفه أبو الشناقيط؟!! التفتت أم صالح لعالية التي جلست جوارها: يأمش افتحي قسم عبدالله ونظفيه أنتي والخدامات.. وشوفي وش اللي قاصره عالية تبتسم بمرح: من الحين بدأ الشقا.. يمه خلني أشم نفسي أول.. حينها هتف صالح لأمه بحذر لطيف: ودام عبدالله رجع وخذ مكاننا.. أنا يمه خلاص بأكمل بيتي وبأطلع له.. حينها هتفت أم صالح بانقباض: وش فيك مستعجل يأمك؟؟ صالح هتف بمودة عميقة: مستعجل؟؟ إلا قدني متوخر.. أم صالح همست بضيق: جعلك تهنا بالمنزل يأمك.. حينها مال على كتفها مقبلا: ترا مابه بعد يالغالية.. حذفة عصا.. وانا عندش.. طالبش ما تضايقين نفسش ************************************ " الحمدلله على السلامة نورت بيتك" أشارت وضحى بحماس لتميم الذي كان يستلقي على سريره دون أدنى حماس وهو عاجز عن مجرد الرد على إشارتها.. والألم مازال يتصاعد في نواح مختلفة من جسده.. أشارت له بخبث لطيف: شايف باقة الورد هذي.. ترا جات لك من ناس خاصين.. تميم انتبه للتو لباقة أزهار رقيقة ومنسقة بذوق رفيع بجوار سريره.. قطب جبينه متسائلا.. لتفتح وضحى الجارور أسفل الباقة وتستخرج منه بطاقة.. ثم تديرها أمام عينيه.. كان خطها يرتسم بعذوبة على الفضاء الزهري للبطاقة: " الحمدلله على سلامتك خطاك الشر.. سامحني لأني ماني بقادرة أسامح نفسي سميرة" تميم أشاح بنظره جانبا دلالة على عدم الرغبة في البطاقة.. أو حتى مجرد قراءتها!! بينما وضحى وضعتها في جيبها وأشارت له بحنان: تميم فديتك.. ترا هذي قسمة رب العالمين وأعرفك رجال مؤمن.. يعني سميرة صدمت فيك وأنت طحت كان ممكن أكون أنا أو أمي.. أو حتى أنت تطيح بدون سبب لا يستطيع حتى أن يرد عليها أو يعبر عن تعقيد مشاعره.. وأن الأمر عنده يتجاوز ذلك بكثير.. لا يستطيع حتى أن يشير لها ويخبرها كم أصبحت سميرة قضية معقدة وملتبسة بل مرعبة عنده.. بعد أن أصبحت تتكون في مخيلته صورة سلبية بل شديدة السلبية عنها.. بداية من توجسه الذي بدأ يتصاعد من سبب موافقته عليها.. فما الذي يدفع شابة صغيرة وجميلة ومتفجرة بالحياة للاقتران بشاب أصم أبكم وليس حتى جامعيا مثلها إلا إن كانت تخفي سرا ما؟؟ ثم كيف تواتيها الجرأة وهي تخالف العادات المعروفة في دخولها لبيته؟؟.. تصرف مثل هذا لا تقدم عليه إلا شابة خلعت الحياء!! ثم كيف تجرأت أن تلمسه وهي تحاول إيقافه عندما سقط؟!.. هو أحس أن شعر جسده قد وقف حينما أحس بيديها على جسده رغم كل الألم المنتشر في جسده..بينما هي لم تبالِ.. بل حتى باقة الورد والبطاقة تدل على جرأة أصابته بالتوتر وبمزيد من التوجس!! يحاول أن يمنع هذه الأفكار المريضة من التسلل لرأسه والسيطرة عليه وإيذائه بمرارته ووحشيتها... يهمس لنفسه ويكرر: حتى لو كنت ما أعرفها ..آل ليث معروفين بطيب الأصل والأخلاق.. ولكن الوساسات كذلك تعود لتطرق رأسه بقسوة: أ ليس لكل قاعدة شواذ.. لكل قاعدة شواذ!! لكل قاعدة شواذ !! ************************************** "يبه أبي أقول لك شيء" أبو صالح يلتفت لصالح الجالس جواره ويهتف بحزم: عسى ماشر.. صالح بمودة واحترام: خير إن شاء الله أنت عارف إن بكرة عرس ولد زايد آل كساب.. وبنروح كلنا.. أبو صالح بهدوء: أكيد مافيه شك.. صالح شد له نفسا عميقا: زين حن نبي عبدالله يروح معنا.. لازم الناس يدرون إنه رجع.. وعشان نعزم الموجودين كلهم على عشا عندنا بعد بكرة لعبدالله دامهم متجمعين أبو صالح صمت لدقيقة.. لو كان الأمر برغبته هو لرفض.. ولكن هذا هو مايجب أن يحدث.. وهكذا هو المفترض والأصول.. وليس هو من يقصر في (مواجيبه)!! لذا هتف بحزم: بصركم.. الله تبون سووه.. صالح بحذر: زين أنت داري إن عبدالله الليلة خلاص بيمسي هنا.. أبو صالح بنبرة غضب: ليه أنت ظنك إنه بيدخل بيتي وأنا مادريت.. لكن والله لولا خاطر أم صالح وإلا والله ماعاد تشوف عينه ذا البيت أسود الوجه.. ********************************* " نام أخيرا؟؟ " جوزاء بإرهاق: نام الله يصلحه.. والله العظيم هذي مهيب حالة.. بأقعد كل ليلة على ذا الحالة.. يبكي ويصدعني يبي أبيه.. شايف السالفة لعبة يبكي عليها لين تجيه.. أنا الغلطانة اللي دلعته كذا!! شعاع تبتسم: لمعلوماتش ترا الليلة اللي نام عند أبيه صدعه يبيش.. يعني انبسطي.. تسللت ابتسامة شفافة لشفتي جوزاء: من اللي قال لش؟؟ شعاع تجلس وهي تهمس: عالية قالت لي.. جوزاء بتشفي: جعله الزين فيه.. ثم أردفت بحنان: وفديت قلب حسوني.. أنا أصلا تيك الليلة ماقدرت أنام وهو مهوب في حضني.. شعاع تغمز بعينها: زين وش رأيش.. يصير زيتنا في طحيننا.. ريحو حسن وجمعوا الشامي على المغربي... جوزاء انتفضت بغضب: تدرين.. أسخف من ذا الكلام ماسمعت.. شعاع تهز كتفيها: والله الكلام السخيف هذا مهوب من عندي.. من عند أب ولدش اللي ماصدق أنش تتطلقين عشان يخطبش ثاني يوم.. جوزاء بصدمة: من اللي قال لش ذا الكلام..؟؟ شعاع بخفوت: سمعت باباتي فاضل بيه يقوله لأمي.. بس طبعا هم مادروا أني سمعت.. جوزاء شعرت بضيق عميق كتم على روحها وهي تسأل شعاع: وأبي وش قال له؟؟.. شعاع تبتسم: شرشحه وسبه وطرده وخلاه مايسوى بيزة.. على قولته حينها اتسعت ابتسامة جوزاء: الله يبشرش بالخير.. ليتني بس شفت بعيني.. ثم همست بدفء حنون: وجعل عمر أبو عبدالرحمن طويل في الطاعة.. وجعل عيني ماتبكي زوله.. *************************************** " وش إحساسك بأول ليلة في بيتك؟؟" عبدالله يجلس على السرير ويلتفت لفهد وهو عاجز عن التعبير عن وطأة مشاعره وقوتها بل وقسوتها.. خليط قاس من حنين وألم وذكريات هنا قريب من رائحة أهله.. حنان أمه وقوة أبيه وعزوة أشقائه.. هنا كان المكان الأخير الذي جمعه بها.. مازال المكان كما هو لم يتغير.. السرير والدولايب والجلسات.. عدا أنها خالية تماما من أي متعلقات شخصية أو ملابس!! عبدالله تنهد وأجاب فهد: مبسوط وحزين في نفس الوقت.. مبسوط أني رجعت لمكاني.. وحزين لأن قعدتي هنا مهيب من خاطر أبي ولولا مرض أمي ماكان وافق!! فهد وقف وهو يهتف بحزم: عط أبي كم يوم.. إبي مستوجع منك.. الله أعلم وش أنت مسوي فيه.. الحين رخص لي.. دوامي بكرة عقب صلاة الفجر.. فهد غادر عبدالله الذي وقف يدور في الغرفة الخالية تماما.. يتذكر الليلة الأخيرة له هنا.. وجوزاء تدعو أن يذهب ولا يعود.. مستعد أن يبيع عمره كاملا حتى لا يلمح نظرة الكراهية نفسها في عينيها مرة أخرى!! في زاوية قسم الجلوس لمح الخزنة مازالت في نفس مكانها (أيعقل أنها مازالت لم تفتح؟؟ الوحيدة التي كانت تعرف رقمها هي جوزا أعطيته لها حتى تضع مجوهراتها فيها) عبدالله توقع أن يجد الخزنة فارغة ومع ذلك أدخل الرقم السري.. ليفتحها ثم يصدم صدمة بالغة القسوة بما وجده فيها وجد جميع أوراقه الخاصة وساعاته ومتعلقاته الثمينة مازالت كيوم وضعها بيده ولكن لم يكن هذا هو مصدر صدمته.. بل مصدر صدمته أنه وجد شبكة جوزاء ودبلتها و هدية صباحتيها منه!! شعر بألم عميق وغضب أعمق.. ألهذه الدرجة كرهت أن تحمل معها شيئا من رائحته؟؟.. لماذا لم تبعها فقط إن كانت لا تريد الاحتفاظ بها فهذه الأشياء هي حقها الذي شرعه لها الله عز وجل.. وجد أن تفكيره يُترجم في صورة تصرف لم يتردد فيه وهو يتناول هاتفه ويتصل برقمها القديم.. لا يعلم إن كانت قد غيرته.. ولكنه تمنى أن يكون هو نفسه.. وقتها كانت جوزا تستعد أن تنام بعد ان صلت قيامها مبكرا لأنها كانت مرهقة فعلا.. رن هاتفها برقم غريب.. لم ترد عليه.. عاود الرنين لثلاث مرات حينها تناولته بحذر وردت بذات الحذر: نعم؟؟ صوته الغاضب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته كادت تلقي الهاتف من يدها وهي تتعرف على صاحب الصوت.. لكنه في ختام الأمر هو من أتصل بها لذا ليحتمل ماسيسمعه.. لذا هتفت بغضب عارم: صدق قلة حيا ومرجلة.. بأي حق أنت تتصل ؟؟ عبدالله مصدوم من طريقتها في الرد ومع ذلك رد عليها بحزم متمكن: والله قليلة الحيا اللي تاخذ الرياجيل بشراع ومجداف كنها شريطية في سوق.. جوزاء تصاعد غضبها: هذا اللي مع شينه قوات عينه.. نعم وش تبي؟؟.. وياليت الرقم هذا تنساه وتمسحه من ذاكرتك مثل ماكنت ماسحه طول السنين اللي فاتت.. عبدالله حينها همس بخبث: وهذا اللي مزعلش؟؟ أني كنت ناسي الرقم السنين اللي فاتت؟؟!! انتظرتي مني تلفون يعني؟!! جوزاء ليس لها بال لتشعر بالحرج أو حتى لتسمح له أن يشعرها به.. لذا همست بذات الغضب المشتعل: لا والله ما انتظرت تلفون.. إلا تمنيت إن راعي التلفون مارجع من قبره.. ليته قعد فيه وكف شره عنا.. ألم عميق تصاعد في روح عبدالله.. أن يكون يحبها بهذه الطريقة الجنونية بينما هي تصفعه بكراهيتها ويغضها بهذه الطريقة غير الإنسانية الخالية من أي رحمة ألم يكفها مافعله والدها به.. لتأتي وتكمل هي عليه!! عبدالله حينها همس ببرود يختلف عن الحرارة المرة التي اجتاحت كل خلاياه: أنا ما أبي أطولها وهي قصيرة.. أنا بس كنت أدري ليه خليتي أغراضش في الخزنة الأغراض هذي حقش وبكرة بأعطيها عبدالرحمن يعطيش إياها إن كان هو يتحدث ببرود لا يعبر عن حرارة حزنه.. فإنها كانت تتحدث بغضب ملتهب عله يعبر عن بعض التهاب جوفها وخصوصا أن دموعها بدأت تتساقط من عينيها ملتهبة ساخنة تكاد تحرق خديها: اسمعني عدل لو تبي تعطيها عبدالرحمن احذفها في أقرب زبالة أحسن.. لأن هذا هو اللي أنا بأسويه.. لأن الزبالة مايجي منه إلا الزبالة اللي مثله.. عشان كذا أنا من البداية خليت الزبالة في مكانها.. حد يشيل زبالة معه؟!! حينها ماعاد عبدالله قادرا على الاحتمال.. قد يكون أخطأ في حقها كثيرا.. كما أخطا في حقوق الكثيرين.. لكنه لن يسمح لها أبدا أن تهينه بهذه الطريقة سمع من عالية كثيرا عن سلاطة لسانها لكنه لم يتخيل أنها قد تصل إلى هذا المستوى المتدني والمنحط.. حينها صرخ فيها بغضب عارم: تدرين عمري ما تخيلت إنش ممكن تصيرين مخلوق بشع ومريض كذا عشان كذا أنا مستحيل أخلي ولدي معش.. أي تربية بتربينه أنتي؟؟ أنا متأكد أني لاطلب عرضش على طبيب نفسي أن الولد بيصير في حضانتي من أول جلسة!! حينها انهارت جوزاء بالفعل وبدأت تنتحب.. لم يكن عبدالله يقصد ماقاله أبدا.. لكنه أراد أن يؤلمها كما آلمته.. فإن كانت وصفته بـ"الزبالة" فهو وصفها بالمريضة النفسية وهو يظن أنه كان رحيما بها بينما هو ضربها على الوتر الحساس تماما وهي تنهمر بوجيعتها وشهقاتها دون أن تشعر: الحين تعايرني أني معقدة وهذا كله من بركاتك.. الحين تهددني تأخذ الولد اللي سنين مادريت عنه؟؟ خذتني وأنا روح صافية شفافة لوثتها بسوادك.. وعقبه أنا المعقدة التي تبي تعرضها على دكتور نفسي عشان تأخذ روحها منها؟!! لا تنسى تقول للدكتور أنك اللي ذبحتني.. لا تنسى تقول له أنك اللي عقدتني.. لا تنسى تقول له أنك اللي حطمتني وحطمت مستقبلي وأنوثتي وإنسانيتي... لا تنسى تقول له أن المخلوقة البشعة هذي أنا اللي صنعتها بيديني وتفننت في صنعها.. الحين تبي تأخذ حسن مني عشان هو الشيء الوحيد اللي باقي لي في الدنيا ماخذتها؟؟ خذت مني كل شيء.. عمري ودراستي وحتى شخصيتي ومستقبلي.. كل شيء خذته مني.. باقي لي حسن بس.. مهوب هاين عليك تخليه عندي أنت لازم تأخذ مني كل شيء عشان ترتاح.. قبل ما تشوفتي ميتة منت بمرتاح.. ليت الله يأخذ روحي الحين وأرتاح من كل شيء وأريحك.. حينها قاطعها عبدالله بجزع بعد أن مزقت مشاعره المرفهة كل كلمة موجوعة انسكبت من روحها بكل صدق مجروح: بسم الله عليش.. روحي قبل روحش.. حينها شعرت جوزاء أن كل شعرة في جسدها وقفت وهي تُصاب بإحساس موجع يشبه تماما يوم سمعت كلمة "لبيه" اليتيمة منه.. ولكن شتان بين إحساسها المموه ذلك اليوم.. وإحساسها الناضح بالكراهية المرة اليوم!! شعرت بصدمة موجعة وهي تستعيد سيطرتها على نفسها وتندم على كل كلمة ألقتها على مسامعه وهي تكشف أوراقها كلها أمامه لملمت جراحها وهي تهمس باختناق: خلاص أبو حسن.. تبي شيء؟؟ عبدالله شد له نفسا عميقا.. واختناقها يصب في روحه الموجوعة وهتف بحزم: أم حسن.. ترا خطبتي لش مفتوحة لين آخر يوم في عمري.. ماراح أقول عشان حسن.. لأني أوعدش إن حسن بيقعد معش لو مهما صار لكن بأقول عشان تعطيني فرصة أصلح غلطتي معش وإذا أنا ما أستحق ذا الفرصة.. أنتي تستحقينها!! ************************************ " ما تبينا الليلة نروح نبات في الأوتيل يالعريس" كساب يلتفت لعلي ويهتف بحزم: لا .. أبي أنام في غرفتي.. علي يبتسم: والأجنحة اللي أنا حجزتها الليلة كذا على الفاضي.. كساب يبتسم: روح نام أنت هناك بروحك..إلا كم جناح أنت حاجز؟؟ علي ببساطة: ثلاثة.. واحد للعروس.. واحد لك وطبعا أنا معك.. وواحد لخالتي ومزون عشان يحطون أغراضهم فيه ويتعدلون فيه بس طبعا الرئيسي حق العروس لأنهم يقولون إنها مختلفة مع أمها هي ما تبي تنزل للقاعة.. تبي تقعد بغرفتها.. وأمها ملزمة عليها تنزل وتقعد في الغرفة الملحقة بالقاعة عشان الحريم اللي يسلمون عليها أكيد ماراح يطلعون لفوق وما ادري وش استقروا عليه.. فقلت على كل حال هي تأخذ الجناح الكبير وتأخذ راحتها.. كساب شعر بغضب ما أن معلومة جديدة مثل هذه يتلقاها من علي ومع ذلك هتف ببرود: ومن اللي قال لك ذا الكلام؟؟ علي بتلقائية وهو يسترخي على الأريكة: من مزون.. العروس بنفسها قايلة لها.. تزايد غضب كساب.. قد يكون الموضوع بمجمله غير مهم.. بل سخيفا جدا في نظره.. فأخر ما يهمه أن يعرف أن ستجلس.. ولكنه يكره أن يشعر أنه الحلقة الأضعف في أي قضية.. كان من المفترض أن يكون هو من يعرف بالخبر قبل أي أحد ********************************* وضحى تغلق الحقيبة ثم تلتفت لكاسرة وتهمس برقة: شوفي هذي شنتطتش حقت الأوتيل.. والشنطتين هذي حق السفرة.. لا تفتحينهم.. شيليهم بس بكرة عالجاهز.. كاسرة جلست على طرف السرير وهمست بهدوء فيه شجن غريب: مشكورة أخدمش يوم عرسش إن شاء الله وضحى جلست جوارها وهمست بمرح: ريحي روحش.. شكلش مطولة.. كاسرة غمزت لها بعينها: خليني بس أضبط موقعي هناك ونضبط لش ولد زايد الثاني.. لا ونزوج امهاب أختهم بعد.. ونستولي على العايلة كلها وضحى ضحكت: أنتي ضبطي كساب لروحش وبس.. وبعدي عني أنا وأخي.. عاجبنا حالنا.. أنتي شكلش تبين تجلطين امهاب تزوجينه الكابتن طيار كاسرة هزت كتفيه: خله.. يمكنها دواه.. وضحى تبتسم وتقف: بأروح أشوف تميم وبأرجع لش.. ثم أردفت بتردد: أبي أنام عندش الليلة .. ممكن؟؟ كاسرة شعرت بألم عميق أخفته خلف هدوء صوتها الحازم: أكيد ممكن.. ولو ماجيتني تنامين عندي.. أنا بأجي أنام عندش.. فور خروج وضحى رن هاتف كاسرة.. التقطته بعفوية .. كان كسّاب هو المتصل.. تنهدت بعمق (حتى أخر ليلة أنا فيها حرة منه إلا ينكد علي..) ومع كل هذه الأفكار الرافضة لاتصاله إلا أنها ردت بهدوء: نعم؟؟ صوته الحازم: الله ينعم عليش صوتها الهادئ بعمق: يعني أنت مافيك صبر لين بكرة عشان تنكد علي؟؟ أجابها بتهكم: ليه متوقعة أتصل لش عشان أنكد عليش؟؟ أجابته بذات الهدوء الساكن: كالعادة .. كل مرة تكلم عشان تنكد علي.. حينها أجابها بسخرية: زين دامش متوقعة النكد.. ماني بمخيب ظنش.. ممكن أعرف ليش ترتيباتش للعرس ما بلغتيني فيها؟؟ ليه أنا أتبلغ فيها من أخي اللي أختي بلغته..؟؟ كاسرة هزت كتفيها: والله أنا سويت الأصول.. وكذا الأصول وعلى فكرة ترا حتى سفرنا أنت بلغت امي فيه قبلي.. كساب بسخرية حازمة: يعني تردينها لي؟؟ كاسرة بثقة: والله مافكرت فيها بذا الطريقة.. لكن والله إذا تفكيرك المحدود يبيها بذا الطريقة.. أنت حر كساب بابتسامة متلاعبة: زين يا بنت ناصر.. بس حطي في بالش عدل دام حياتنا سوى بتبدأ بكرة إنش ما تفكرين يوم تحطين راسش برأسي أدري أنش مسكينة شايفة نفسش شخصيتش قوية.. بكيفش بس العبي على قدش.. ********************************* صحا على قبلة على جبينه.. فتح عينيه مستغربا ليجد مزون أمامه.. ابتسم بتلقائية.. وهو يمد يده ليمسح خدها.. ولكن سرعان ما كف يده وتجهم وجهه وهو يجلس معتدلا ويهتف بحزم: وش ذا الإزعاج؟؟ مزون ابتسمت بسعادة حقيقية.. يكفيها انه ابتسم لها.. تفجرت تحت ردائها سعادة لا حدود لها حين جاءت تتسحب إلى غرفته وهي تقرر أن تكون من توقظه في هذا النهار الاستثنائي.. كانت مستعدة لانفجاره الناري فيها كانت مستعدة لكل شيء سيقوله.. ولكل تأنيب.. بل لكل قسوة.. لذا تفاجأت بشدة وتصاعدت دقات قلبها للذروة وهو يبتسم لها.. ثم كاد قلبها يتوقف وهو يمسح خدها بحنو حقيقي.. لذا لم تهتم بعد ذلك لتجهمه ولا لحزم صوته وهي تجيب بسعادة: اليوم يوم غير..قلت لازم أنا اللي أقومك.. كان يريد أن يصرخ فيها ولكنه لم يستطع أن يسلب الابتسامة التي طال اشتياقه لها .. لذا هتف وهو يقف ببرود محترف: وليش ماحولتي إزعاجش على علي.. مزون بابتسامتها الصافية: علي ياقلبي أصلا ما رجع عقب صلاة الفجر.. راح مكان الحفل يشيك على كل شيء بنفسه أقول له تو الناس.. مارح تلقى حد الحين.. يقول لي مهوب مرتاح لين يتاكد بنفسه حزن شفاف لا معنى له غمر روحه.. أن يكون شقيقاه بهذه السعادة من أجل زواجه الذي هو بنفسه غير مهتم به.. كساب حينها كان سيتجه الحمام وهو يهتف بحزم :خلاص روحي هذا أنا قمت كانت ستخرج.. ولكنها عادت بحذر لتقف أمامه ثم تمد ذراعيها لتحيط بهما خصره وهي تقبل صدره وتهمس بنبرة حزن عميقة: ألف مبروك.. ما تتخيل أشلون أنا مبسوطة اليوم.. الله يجعل وجهها خير عليك بينما هو وقف كتمثال وذراعاه مسدلتان جواره.. لم يتحرك لاحتضانها ولا للرد عليها وهو مشغول فقط بإحساسه الدافئ باستكانتها على صدره.. تمنى أن يشدها ليدفنها في صدره... ولكنه لم يبدر منه تصرف ونبرة الحزن في صوتها تغتال روحه بإحساس غير مفهوم.. (إن كانت سعيدة.. فلماذا كل هذا الحزن في صوتها؟؟) ************************************* ينزل الدرج بخطوات هادئة شديدة الهدوء.. وكأنه يريد أن يتذوق وقع خطاه على الدرجات.. يستمتع بنغماتها المهدئة للروح كأمواج بحر ساكن عذب تضرب الشاطئ بسلاسة لتنبئ العالم أن هناك حياة تستحق دائما أن تُعاش مهما كانت الحياة مُثقلة بالمصاعب.. وقبل أن يصل للأسفل يقف للحظات ليملأ عينيه من المكان.. النوافذ الضخمة المرفوعة الستائر تتيح لأشعة الشمس الدافئة أن تنير المكان بشكل صارخ بعيدا عن برودة بورتلاند وغيومها التي غاص فيها حتى أذنيه.. المكان المتسع الذي مهما تغلف بالحضارة يبقى نابضا بروحه البدوية بعيدا عن شقته الضيقة الكئيبة التي خنقت روحه وأطبقت بجدرانها على صدره.. وقبل كل شيء.. وأهم من كل شيء... من تصدرت المشهد.. منحنية على قهوتها الصباحية.. الحلم الذي مافارق خياله المؤرق بأحلام العودة المستحيلة!! أراد أن يبكي.. فقد يكون البكاء هو التعبير الوحيد الذي قد يُعبر عن مدى وطأة المشاعر المفرطة في القوة والعنفوان.. ولكن تبقى روح الرجل ترفض البكاء تعبيرا عن مشاعر غالية ترخصها وتمتهنها الدموع.. وصلها وهي غارقة في أفكارها.. همس لها وهو ينحني على رأسها: صبحش الله بالخير.. انتفضت بخفة.. ثم أشرقت عيناها بابتسامة حانية: الله يصبحك بالنور والسرور اقعد.. اقعد يأمك خلني أقهويك.. جلس مجاورا لها وهو يشد القهوة ناحيته ويهمس بشجن عميق: أنا بأتقهوى بروحي وأقهويش.. والله ما تصبين علي الفنجال.. أم صالح ردت عليه بشجن مشابه: جعل عيالك يقهونك.. عبدالله يبتسم: ياه يمه.. عيالي!! هم حسن وبس.. أم صالح بنبرة عتب: ليه أنت بتقعد على حسن وبس.. لازم أنك بتعرس وبيجي عليك عيال(ن) غيره عبدالله يتنهد: يمه يصير خير.. ادعي لي أنتي بس بالتوفيق وبرضا الوالدين ما أبي شيء غيره.. ********************************* "يالله يأمش شناطش صارت في السيارة يا الله عشان نروح الفندق" كاسرة تلف شيلتها على رأسها وتحمل نقابها بيدها وتهمس بنبرة حزن لم تستطع منعها لأنه الوحيد الذي يذيب هذا القلب: زين يمه عطيني وقت شوي أسلم على جدي مزنة بحزن مشابه: يأمش من عقب صلاة الفجر وانتي قاعدة عنده ماحتى رقدتي ولا تريحتي.. والحين يمكن إنه راقد يتريح قبل صلاة الظهر.. كاسرة بشجن عميق: ماعليه يمه.. خمس دقايق بس.. أسلم عليه.. طرقت الباب ثم فتحت بالمفتاح.. وطلبت من سليم أن يخرج من عنده لتدخل هي.. كان متمددا وعيناه مغلقتان كانت على وشك الانحناء لتقبيل جبينه حين سمعت همسه الساكن العميق: بتروحين الحين يأبيش؟؟ حينها لم تستطع أبدا أن تمنع دمعة يتيمة فرت من عينها رغما عنها.. رغما عن جبروتها وقوتها.. دمعة انسكبت على وجهه وهي تقبل جبينه وتهمس بشفافية مختنقة: بأروح يبه.. وماني بمبطية.. عد كم يوم وأنا عندك فتح عينيه الصغيرتين وهمس بحنان: أفا المهرة تبكي؟؟ عاودت تقبيل جبينه وانتقلت لكتفه وهي تهمس بوجع: المهرة ما يقدر عليها غيرك.. ودموعها مهيب لغيرك.. مد يده ليضعها على خدها وهمس بذات الحنان: وأنا ما أبي دموعها لي ولا لغيري.. حينها ابتسمت: خلاص لا تفتن علي أني بكيت.. وأبشر بسعدك.. مد يده حتى تجلسه.. شدته من يده برفق حتى يجلس ثم همس لها حين استوى جالسا: يأبيش ما أوصيش في نفسش ورجالش.. ترا يأبيش الرجّال مهو يدمح الزلة.. فلا تخلينه يعين الزلة عليش.. ابتسمت له وهي تشد على كفه الضخمة المعروقة: يبه أنا مايجي مني الزلة.. بس أنا مثله ماني بدامحة الزلة.. شد على كفها التي تمسك بيده وهتف بحزم: يأبيش المرة هي اللي لازم تحاضي وتسامح.. لا تخليني أحاتيش.. ولا تفرطين في ولد زايد ولا تقصرين في حقه.. وقفت لتقبل رأسه وهي تهمس بمودة: ولا يهمك يبه.. مايصير إلا اللي يرضيك المهم الله الله في الكشخة الليلة وأنت قاعد في عرسي.. أبيك تغطي على المعرس.. ************************************ كساب يفتح باب جناحه الخاص لمهاب الذي دخل مستعجلا وألقى بغترته على أقرب مقعد: زين أني لقيتك يوم كلمتك الوالدة ملزمة علي أقعد قريب من كاسرة لين ترجع.. وأنا مابعد صليت الظهر.. كساب بتساؤل لم يخل من خبث: ليه كاسرة بروحها؟؟.. مهاب بتلقائية: إيه بروحها.. أمي نست بعض الأغراض ورجعت مع السواق والخدامة وبترجع بعد شوي.. واختي الثانية قاعدة عند تميم في البيت وبأرجع أجيبها العصر ثم أردف متسائلا: وين الحمام؟؟ كساب شيء ما يدور في رأسه: في الغرفة الثانية.. وترا بتلاقي علي نايم.. رجعنا قبل شوي من صلاة الظهر ودخل ينام.. مسكين من صلاة الفجر وهو يشيك بنفسه على كل الترتيبات منهد.. مهاب يضع هاتفه ومحفظته وأزرته فوق غترته ويتوجه للداخل.. بينما كساب تناول هاتف مهاب دون تردد وأرسل منه رسالة . . ذات الوقت كاسرة في جناحها المجاور.. وكما هو معروف غالبا يكون بين الأجنحة بابان مزدوجان.. لا يفتحان طريقا بين الجناحين إلا إن فُتحا من الناحيتين كانت قد انتهت من صلاة الظهر وكانت تريد أن تستحم قبل تصل خبيرة الشعر وخبيرة التجميل حين وصل هاتفها رسالة من مهاب: "تعالي لي أنا في الجناح اللي جنبش بطلي الباب من عندش وأنا بأبطل الباب اللي عندي أبيش ضروري" كاسرة حين وصلتها الرسالة كانت خالية الذهن تماما ولم تشك بشيء مطلقا فهي تعلم أن كسّاب حجز عدة أجنحة.. ولم تشك مطلقا أن أخاها هو في الجناح المجاور.. فهو اتصل بها منذ دقيقتين فقط وقال لها أنه جوارها إذا أرادت أي شيء.. كاسرة وضعت جلال الصلاة على رأسها ولفته بإحكام.. وفتحت الباب ببساطة... #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والثلاثون كاسرة حين وصلتها الرسالة كانت خالية الذهن تماما ولم تشك بشيء مطلقا فهي تعلم أن كسّاب حجز عدة أجنحة.. ولم تشك مطلقا أن أخاها هو في الجناح المجاور.. فهو اتصل بها منذ دقيقتين فقط وقال لها أنه جوارها إذا أرادت أي شيء.. كاسرة وضعت جلال الصلاة على رأسها ولفته بإحكام.. وفتحت الباب ببساطة.. لتتفاجأ بيد تشدها بقوة.. وهو يثبتها على الحائط الملاصق للباب.. كاسرة حينما رأته أمامه.. شعرت كما لو أنه سُكب على رأسها ماء مثلجا وهي تشعر بتجمد خلايا مخها.. في الوقت الذي تصاعدت دقات قلبها حتى كادت تختنق بها.. ثوان من صمت مرت وكل منهما يستشف ملامح الآخر.. كانت المرة الأخيرة التي رأته فيها هي يوم الحريق.. بدا لها اليوم أكثر وسامة وقربا وغموضا بشكل غير معقول.. وهو يقف أمامها دون غترة أو حتى طاقية وخصلات قصيرة تلتف حول أذنه دلالة على تشعث شعره من أثر تمدد.. لا تعلم حينها لـمَ اتجهت عينها مباشرة لخده.. حيث أخبرها جدها بمكان عضتها القديمة.. ربما لأن قربه هكذا وملامح وجهه تبدو شديدة القرب والوضوح دفعها لاكتشاف تفاصيله المخبئة.. وربما لأنه هذه المرة هي الأولى التي تراه بعد أن أخبرها جدها بالحكاية.. وبالفعل كانت عضتها ماتزال واضحة إلى حد ما ولكن شعر عارضيه أخفاها ولا يراها إلا من يدقق فيها.. كانت أنامله القوية تنغرز في كتفيها بتملك واستحواذ وعيناه تطوف بتمعن في إطلالتها الكريستالية وغطاء الصلاة يمنح وجهها سماوية غير مفسرة ثم حرر أحد كتفيها وهو ينقل يده لكفها ويمسك بها ويرفع لخده.. مكان عضتها تماما.. ثم يمسك بأناملها التي كانت ترتعش ليمسح بها عارضه المحدد بأناقة.. وهو يهمس بغموض: عينش هنا؟؟ ما أعتقد أنش تذكرينها!! من قال لش عنها؟؟ شعرت أن قلبها سيتوقف فعلا من لمساته.. من حديثه.. بل حتى من نبرة صوته وفي هذا الوقت بالذات.. وخصوصا وهي ترى أغراض مهاب على مقعد خلف كساب.. تشعر أنه سيتسبب لها بمصيبة بتهوره المجنون.. ولكنها لم تسمح له بإشعارها بالتوتر وهي تتجاهل سؤاله الملتبس الذي كان يشغلها فعلا.. وتصحو من غيبوبة الموقف وتهمس بثقة طاغية بها نبرة غضب واضحة: ممكن أعرف سبب الحركة السخيفة ذي؟؟ يعني زواجنا خلاص الليلة وش بتسفيد من شوفتي الحين؟؟ كساب همس لها ببرود وهو يعاود تثبيت كتفيها: كذا.. حبيت أشوفش كاسرة همست بغضب متزايد من بين أسنانها: عشان كذا خدعتني بحركة رخيصة عشان تجيبني هنا.. كساب ضحك ضحكة مصطنعة بسخرية: خدعتش.. ضحكتيني قالها وهو يدفعها ليعيدها لجناحها ويغلق الباب.. كاسرة تفاجأت جدا من تصرفه.. ومع ذلك تأكدت من إغلاق الباب وألقت جلالها على المقعد المجاور للباب وهي تضع يدها المرتعشة على صدرها وتحاول تهدئة دقات قلبها التي كانت تصرخ كدقات المطارق من تصرفه المتهور الذي كاد يفضحها في شقيقها وهي تحاول بفشل أن تهدئ ارتعاش جسدها الذي مازالت تحس بحرارة أنامله عليه وكل ذلك يغذي غضبها المتزايد منه وهي تهتف لنفسها بكلمات أقرب للتبعثر: صدق إنه غبي.. وش فايدته من ذا الحركة كون إنه ياكد لي إنه ماعنده عقل.. الشيء اللي أنا متأكدة منه.. وهو يأكده لي دوم ماكادت تنهي عبارتها وهي تريد أن تجلس لأنها تشعر أن طاقتها كلها استنزفت من الصدمة غير المتوقعة حتى فوجئت بالباب الذي أغلقته منذ ثوان يُفتح وكساب يدخل منه ثم يغلقه.. هذه المرة وقفت مصدومة بالفعل.. وعيناها تتعلقان به بذهول.. (أشلون دخل ذا؟؟ متأكدة أني قفلت الباب!!) بينما كساب تقدم لها بخطوات واثقة.. حتى وقف أمامها وأمسك بها من عضديها وهتف بثقة متجبرة: عشان تعرفين أني لو بغيت شي ما تردني منه حتى البيبان المسكرة.. وعشان للمرة الألف ماتحطين رأسش برأسي.. ثم ابتسم بخبث: وعشان شوفتش وأنتي مبققة عيونش كذا تستاهل.. كاسرة كانت على وشك الرد لولا أنها فوجئت به يُسند جبينه لجبينها بدون مقدمات.. ثم نقل كفيه من عضديها ليدخلهما في موج شعرها وهو يمسك برأسها من جانبيه من الخلف.. كاسرة شعرت بصاعقة ضربتها في منتصف رأسها ..وصواعق كهرباء لا حدود لقوتها تضرب خصلات شعرها بقوة مكان يديه.. همست من بين أسنانها: أنت وش تسوي يا المجنون؟؟ كساب همس لها بخفوت بنبرة أمر واضحة متسلطة: أششششش... خليني أسمع.. كاسرة تشعر أنها ستموت فعلا وهو يقتحم خجلها الطبيعي بهذه الطريقة البالغة الجرأة ومع ذلك همست بثقة: تسمع ويش؟؟.. فكني.. همس لها بعمق وجبينه مازال ملتصقا بجبينها: أسمع همس ريحتش العذاب.. تدرين أول مرة أدري إن الريحة تهمس ولها صوت.. كاسرة رغم صدمتها البالغة مما يقول ودقات قلبها تعاود الصراخ بصوت أعلى حتى خشيت أن يسمعها.. إلا أنها همست بذات الثقة: كسّاب أنا ماني بمتعطرة.. فكني لو سمحت بدون خبال.. كساب همس بدفء خافت موجع لأبعد حد: وأنا ماقلت ريحة عطرش.. قلت ريحتش أنت... كاسرة رغم عنها ولا إراديا بدأت تتنفس هي أيضا رائحة عطره الفخم والغامض الذي كان يعكس شخصيته تماما ولكنه لم تسمح لهذا الجو المتهور الغريب أن يسيطر عليها حركت كتفيها للتخلص منه وهي تهتف بحزم: كساب هدني.. لو حد دخل علينا الحين وش موقفنا؟؟ كساب أبعد جبينه عن جبينه وهتف بثقة: ما يهمني حد.. قالها وهو يشدها قليلا ناحيته ويقربها منه.. كاسرة بدأت تقلق من الموقف كله.. همست حينها برجاء حازم مدروس: كساب.. هدني.. يعني أنت تبي تخرب إحساسي أني عروس تنتظر ليلة عرسها؟؟ حينها أفلتها كساب وابتعد خطوة وهو يهتف ببرود: وأنتي تبين أصدق أنش حاسة مثل عروس.. رغم تضايقها من كلامه إلا أنها ردت عليه ببرود مشابه: مثل ما أنت حاس إنك عريس بالضبط.. هز كتفيه وهتف بتهكم: بصراحة ماني بحاس بشيء.. ردت عليه بتهكم مشابه: ودامك منت بحاس بشيء.. وش جابك عندي؟؟ كساب هتف بحزم: تقدرين تقولين طبت في بالي.. وانا ضايق من الحبسة... وجية امهاب عطتني الفرصة نشوف أم لسانين.. كاسرة بإزدراء: صدق إنك بزر.. كسّاب لم يرد عليها وهو ينظر لها بنظرة استخفاف شعرت أنها توشك أن تحرقها وهو ينظر لها من أعلاها لأسفلها.. ثم يغادر الجناح ولكن هذه المرة من بابه الرئيسي.. لتجلس كاسرة على أقرب مقعد وهي تشعر بغضب عميق يتجمع في روحها عليه.. (غبي.. غبي.. وسخيف وماعنده عقل!!) ************************************* " ياي خالتي تجنين.. تحفة ماشاء الله.. عاد عمي الليلة بينجلط" عفراء تبتسم وهي تغلق سحاب فستان مزون عليها وتهمس بحنان: أنتي اللي ماشاء الله عليش منورة من قلب.. وإلا أنا خلاص راحت علي.. مزون سعيدة جدا هذه الليلة : خالتي اللي بيشوفني أنا وإياش يمكن يقول أنتي أختي الصغيرة.. عفراء تلبس أسوارتها وتهمس بابتسامة: حلوة النكتة ذي يا بنت.. حينها همست مزون بحذر: خالتي عادي نروح لجناح كاسرة نشوفها قبل ننزل للقاعة؟؟ عفراء بثقة: عادي ياقلبي.. مع أني ما أظن إنها خلصت.. مزون تبتسم: أبي أشوفها وأبارك لها.. أخاف بعدين أخوانها موجودين في الزفة.. ما أقدر أخذ راحتي..مع أني بأموت عشان أشوف كساب جنبها . . في الجناح الآخر.. " أنتو من فيكم العروس؟؟" وضحى بين شهقاتها: هي العروس .. خبيرة التجميل تبتسم: أدري إنها العروس.. بس أشوفج أنتي تبجين وهي ماشاء الله عليها مأخذها الموضوع ببساطة مابعد شفت مثلها.. وضحى تبتسم بفشل: أبكي نيابة عنها.. الخبيرة بابتسامة: أنا دايم أحاتي دموع العروس وأنا أسوي الميك آب.. لكن هي ماشاء الله عليها ما تعبتني ماظنيت إن الدموع وراي وراي... يا الله هدي شوي.. على الأقل لين ينشف الكحل وعقب ابجي على كيفج هو ضد الماي... كاسرة كانت انتهت من وضع زينة وجهها وتنتظر خبيرة الشعر بينما والدتها تجلس جوارها وتكثر من قراءة الأدعية والأذكار عليها.. كاسرة شدت يد والدتها ثم همست بهدوء خافت وهي تنظر لوضحى التي كانت تمسح دموعها: يمه حطي بالش على وضحى زين اللي صار معها ذا الأيام واجد عليها.. طلاق امهاب وعقبه حادث تميم.. وعقبه عرسي.. هي بروحها حساسة بدون أي شيء.. أشلون مع ذا كله؟؟ مزنة بذاتها تشعر بألم عميق لكل هذه الأحداث ومع ذلك شدت على يد كاسرة وهي تهمس بثقة: لا تحاتين وضحى.. ما ينخاف عليها.. ما أن أنهت مزنة عبارتها حتى تصاعدت الدقات على باب الجناح.. وقفت لنفتح.. ثم تعالى صوت ترحيبها بعفراء ومزون بينما عفراء تهمس برقة: حبينا نمر نسلم عليكم قبل ننزل القاعة.. مزنة تبتسم: تو الناس على القاعة.. اقعدوا معنا شوي.. عفراء بمودة: لا فديتش نبي نشيك على كل شيء قبل يجون المعازيم.. مزون وعفراء تقدمتا للداخل.. سلمتا على كاسرة ووضحى وباركتا لكاسرة بمودة حقيقية ..ثم غادرتا.. مزون في الخارج تهمس لخالتها بابتسامتها الشفافة: تدرين خالتي والله العظيم خايفة على أخي.. عفراء تضحك: تخافين على كساب.. خافي على المسكينة من كساب.. مزون بحماس شفاف: خالتي جمالها شيء غير طبيعي.. ماشفتي بنفسش.. مالها حل.. يأما أنش تقعدين تطالعين لين توجعش عيونش لأنش حتى ما تقدرين ترمشين لا يفوتش شيء منها ويأما أنش ترحمين حالش من أول شيء وتغمضين عيونش.. عفراء تضحك: زين منتي بولد.. عندش غزل خطير مابعد مر علي في كل القواميس.. مزون بشجن: الله يجعلها بس سكن لروح كساب اللي تعبت الكل.. ************************************* " يا الله وش إحساسك يالعريس الحين؟؟" علي يهمس في أذن كسّاب الذي كان يجلس للتو بعد أن أنهى السلام على فوج من المهنئين.. كساب بعدم اهتمام: أحلى شيء لبسة البشت.. كنك شيخ!! علي يبتسم وهو يهمس بمودة صافية: على شكلك في البشت شهويتني أعرس وألبس بشت.. بس عاد أنا من وين لي كتوف مثلك تشل البشت أخاف ألبسه يزلق !! كساب يقف ليسلم على فوج جديد وهو يهمس لعلي: سلمني نفسك بس ست شهور.. وأنا اخلي البشت ما يزلق علي يستعد للمغادرة ليرحب بالمعزومين وهو يهمس باسما: لا يأخي ماني بحملك.. وديتني التدريب معك مرة قعدت عقبها يومين مريض.. ماعندك رحمة.. حينما غادر المهنئون ليجلسوا في مقاعدهم مال زايد الذي كان يجلس يمين كساب على أذن كساب وهو يهمس بحزم: وش ذا المساسر بينك وبين أخيك؟؟ لا عاد يتكرر.. زايد استغرب أن كساب ابتسم له وهو يشير برأسه: أبشر.. والسموحة.. كان ينشدني عن شيء.. كساب نفسه استغرب أنه هذه الليلة ليس متحفزا ضد أبيه.. بل يهدف إلى إرضاءه.. فهو إن كان أقدم على الزواج من أجله جزئيا.. فربما أقل ما يقدمه له الليلة أن لا يكدر عليه فرحته بالعناد.. وبالفعل كان زايد هذه الليلة سعيدا.. سعيدا جدا لدرجة أن منصور الذي كان هو بذاته غاية في السعادة..كان يقول له باسما: تدري يأخيك أكيد بكرة شدوقك بتوجعك من كثر ما استخدمتها.. ابتسم زايد: تدري يأبو زايد.. خاطري أغمض عين وأفتح عين أشوف عياله.. ياني متشفق على شوفتهم.. رد عليه منصور بفخامة: وعليان المسكين؟؟ زايد بشجن: أنت عارف غلا علي.. بس أبي كساب يستقر ويرتاح باله.. وأبيه يوم يصير عنده عيال.. يفهم كل شيء سويته وكان يضايقه مني ويحس اللي كان يسويه فيني أشلون يضايقني!! ويدري بغلاه اللي داخل العظم واللحم وهو عاده شاك فيه!! *********************************** " الحين أنتي من جدش على هالمناحة.. عيب عليش والله هذا وانتي وإياها كنتو قطو وفار.. ترا كاسرة هي القطو وأنتي الفار" وضحى تحاول منع سيل دموعها وهي تنظر لتألق كاسرة التي كانت تجلس في كوشتها الصغيرة والبالغة الرقي والتي أقيمت لها في غرفة مجاورة للقاعة بناء على تصميم أم مهاب وتهمس باختناق: غصبا عني شعاع.. والله العظيم غصبا عني.. يعني صدقيني على كثر ما كانت كاسرة كاتمة علي ومتحكمة فيني لكن عمري ماشكيت في غلاي عندها ولا هي شكت في غلاها عندي ما أدري أشلون باستحمل البيت من عقبها.. شعاع تنظر لكاسرة وتبتسم وتهمس بشفافية: ماشاء الله تبارك الله.. عمري ماشفت عروس بذا الجمال ولا ظنتي بأشوف.. كانت تنظر لكاسرة التي كان تألقها أشبه بالخيال في فستانها الأبيض.. صورة مبهرة في الحسن والمثالية إلى درجة الألم.. تسريحتها الراقية وبعضا من خصلاتها تنحدر على نحرها الناصع وعلى العقد الماسي الذي كان يستمد جماله من جمال النحر الذي حضي بشرف ملامسته.. سواد أهدابها وزهوة شفتيها.. ونقشات الحناء على ذراعيها المصقولين..كل شيء كان بالغا حده في الإبهار والخيال... أعادت الهمس وكأنها تكلم نفسها: ماشاء الله تبارك الله.. الله يحفظها من كل شر!! وضحى تحاول أن تتناسى وجعها وهي تهمس لشعاع: جوزا وينها؟؟ مهيب جايه تسلم على كاسرة؟؟.. حينها انتقل ألم الشقيقات لشعاع: جوزا ماكانت تبي تجي.. واجد متفشلة منكم... ومستحية تواجهكم.. بس أمي حلفت عليها تجي فهي تأخرت تتزين وبتجي بعد شوي.. وضحى بشفافية: شعاع يا قلبي هذا نصيب.. وجوزا مهما صار بنت عمتنا.. سميرة التي أنهت سلامها على كاسرة تدخل رأسها بين الاثنتين: مالي بذا السوالف.. وش فيكم تساسرون؟؟ شعاع تبتسم: لا تخافين ماجبنا طاري تميم.. سميرة تضع يدها على قلبها وتهتف بنبرة تمثيلية: الحمدلله وأنا قلبي كان ناغزني منكم.. شعاع تغمز لها: أما لو تميم شافش بذا الفستان الأسود مهوب بعيد ينجلط.. زين أنش تسهلتي عشان ما تقطعين نصيبي إذا شافوش النسوان بعد شوي في القاعة تدرين المشفح يموتون على البياض.. وأنتي الليلة لمبة متحركة.. ماحد بمتفكر في خشتي.. سميرة تنفض يديها وهي تهمس بجزع تمثيلي: بسم الله علي.. ول عليش.. أنا اللي تخصص نظل حتى تخصصي بتنافسيني فيه.. بس ارتاحي.. أصلا أمي حالفة علي ما أطلع للقاعة .. بأسلم على كاسرة وأقوم أفارق.. خبرش عرسي قريب وعيب النسوان المشفح يشوفوني.. يبون يعقدوني.. مع أني بأموت أبي أشوف الترتيب.. وأنتو بعد يالدبات شفقتوني من كثر ما تمدحون العرس.. بأموت أبي أشوف.. كانت سميرة بالفعل غاية في التألق في فستان أسود من الدانتيل المختلط ببعض التركواز.. بدا في تضاده مع لون بشرتها الناصع أشبه بحكاية خرافية نسجتها عرافة سحرية لحسن شفاف.. أما وضحى التي نهضت الآن لتتوجه لشقيقتها فكانت ترتدي فستانا سكريا قماشه هو ذاته قماش فستان العروس بشك وتطريزات شبيهة بفستان كاسرة مع اختلاف شاسع.. ولكن من يراه سيلاحظ التشابه المقصود فورا..وكانت هذه هي فكرة كاسرة ولكن فستان كاسرة كان أبيض اللون ومتسع من الأسفل على الطريقة الفيكتورية بينما فستان وضحى كان ضيقا على جسدها.. ورغم أن وضحى رفضت هذه الفكرة.. فهي ليست في حاجة أن يلاحظ أحد التشابه ..فيقارن مقارنة لن تكون لصالحها.. رفضت مطولا ولكن كاسرة فرضت رأيها الذي لم تبرر أسبابه.. فهي لم ترد أن تكشف أسبابها التي كانت بالغة العاطفية.. أحبت أن تمنح لوضحى إحساسا بالقرب منها.. لم يسبق أن فعلته عروس التي غالبا تحب أن تتميز لوحدها بلباس لا يشابها فيه أحد.. أما شعاع ففستانها السماوي من قماش الشيفون عكس بشكل رائع رقتها وسماويتها.. أما التي كانت مفاجأة الحاضرات القليلات جدا عند كاسرة في الوقت ذلك فهي التي دخلت الآن بفستان حريري أخضر أبرز تفاصيل جسدها المثالية.. سميرة حينها وضعت يدها على جبينها وهي تهمس بنبرتها التمثيلية المحببة: ياقلبي اللي وقف.. شعيع طالبتش.. قولي لأختش تسلفني جسمها يوم عرسي بس طالبتش.. أبوس إيديكي ورجليكي.. ول على أختش على ذا الجسم.. أنا ارتفعت حرارتي الحين.. شعاع بجزع حقيقي: سمور يا النظول.. اذكري الله على أختي.. سميرة تضحك: ماشاء الله ياختي.. دنا عيني مش مدورة.. بس قولي لي أختش وش تاكل أكله قبل عرسي.. شعاع تضحك: لو أدري كان كلته أنا.. وأنا شكلي كذا كني بزر أم 15 سنة.. جوزاء كانت تحاول أن تتقدم بثقة رغم أنها في داخلها كانت ستموت حرجا من الموقف كله.. لم يمض على طلاقها من ابنهم إلا أيام فقط عدا أن نفسيتها مرهقة تماما بل محطمة وماكان ينقصها هو أن تُجبر على التأنق حتى تبارك لكاسرة زواجها.. بينما هي أشبه بحطام إنسان ذاوٍ مقارنة بهذه الشمس التي احرق نورها كل من يجاورها.. ليذكرها كل ذلك بعقدها المتراكمة في ذاتها.. وهي تشعر أنها هذه الليلة تكره نفسها وتحتقرها أكثر من أي شيء في هذا العالم.. تقدمت خلف والدتها التي كانت تحتضن كاسرة وهي تبارك لها بتأثر عميق وهي تتذكر أخيها المتوفي.. لتتأخر حتى تتيح المجال لجوزاء التي همست بخفوت واستعجال: ألف مبروك كاسرة.. أنهت عبارتها وكانت تريد الانسحاب.. ولكن كاسرة شدتها من يدها وهمست لها بحزم: جوزا اقعدي جنبي أبي أكلمش في موضوع جوزاء جلست وهي تشعر بحرج عميق.. آخر ما تريده أن تجلس بجوار كاسرة وتكون هي في بؤرة الضوء ومرمى نظر كل من سيأتي للسلام عليها بينما كل ماتريده أن تنزوي في زاوية ينساها فيها العالم أجمع.. همست كاسرة لها بخفوت حازم: ادري إنه الحين مهوب وقته أبد وعيب حتى أتكلم في ذا الموضوع وفي ذا الوقت لكن أنا ما أدري متى أقدر أشوفش.. وانا ما أقدر أخلي الكلام ذا في خاطري وعلى العموم أنا ماني بمطولة عليش.. اسمعيني جوزا.. أنا مهوب خافيني إن معاملتش لي تغيرت 180 درجة من عقب موت أبو حسن اللي ماصار.. وأنا أدري إن التغيير ذا أكيد بسبب شيء سواه.. وأكيد هو سبب كل شيء صار لش.. وأنا سمعت من وضحى إنه رجع وخطبش على طول عقب ما طلقش امهاب.. وجه جوزاء اشتعل حرجا مريرا.. بينما كاسرة أكملت بذات الحزم الخافت: اسمعيني عدل.. نصيحة لله.. أنا أدري زين من معرفتي لمحبتش لحسن إنه مستحيل تزوجين وتضحين بحضانة حسن.. لكن ولد آل ليث توه شباب.. ومستحيل يقعد بدون مرة.. تبينه هو يتزوج وينبسط؟!!.. وفي النهاية ترا حسن إذا كبر راجع له راجع له.. يا بنت عمتي حطي عقلش في رأسش وارجعي لأبو حسن.. خليه يندم على كل شيء سواه.. خليه يندم على الشهور اللي قضيتيها في حداد وهو مطلقش خليه يندم على ضياع عمرش ودراستش.. وقبل ما يفكر يطفش وإلا يهرب.. اربطيه بولد ثاني .. جوزاء لم ترد عليها.. وهي تقف لتجلس بجوار شقيقتها شعاع بعد أن مرت على أم امهاب وسلمت عليها.. بينما فاطمة قفزت بجوار كاسرة وهي تهمس في أذنها بخفوت: هذي كلها سوالف مع أم جسم صاروخي.. حشا وش قلتي لها؟؟.. كاسرة تبتسم وتهمس: مستحية أقول لش.. مهوب أنا عروس.. ذات سؤال فاطمة سألته شعاع لشقيقتها..وهي تستغرب جدا ما الذي قد تقوله لها كاسرة وفي ليلتها الاستثنائية.. ردت عليها جوزاء بتبلد: بأقول لش في البيت.. بعد دقائق.. هتفت أم مهاب للشابات المتواجدات بعد أن أنهت اتصالا.. أن مهابا وتميما سيدخلون للسلام على شقيقتهما وفي الوقت الذي استعجلت جوزاء الخروج وكأنها تريد الهروب.. فإن سميرة التي خرجت مجبرة كانت تتمنى لو استطاعت أن ترى تميما كي تطمئن على وضعه.. وإحساسها بالذنب من ناحيته يخنقها لأبعد حد.. بينما وضحى كانت تميل على أذن والدتها: غريبة يمه جية تميم وامهاب ..مهوب المفروض يجون مع كسّاب.. ليه جايين قبله..؟؟ بعد دقائق كان مهاب وتميم يدخلان.. رغما عنها ورغم ادعاء القوة الدائم.. انتابها إحساس عميق بالتأثر وهي ترى شقيقيها.. وخصوصا تميم بيديها الاثنتين المعلقتين بعنقه.. اقتربا كلاهما منها.. مهاب قبل جبينها وهو يهمس لها بمودة عميقة وتأثر أعمق: بنشتاق لقشارتش.. وين نلاقي لنا أخت قشرا كذا؟!! كاسرة ابتسمت وهي تهمس بشفافية: زين اضحك علي قل بنشتاق لرقتش.. اسمي عروس ترا.. مهاب يعاود تقبيل جبينها وهو يهمس بمودة صافية: وأحلى عروس بعد.. ومافيه عروس عقبش بعد.. كاسرة تهمس له بمودة صادقة وتأثرها يتعاظم: وعقبالك قريب إن شاء الله.. مهاب تأخر ليتقدم تميم منها.. الذي قبل هو أيضا جبينها ثم ابتسم وهز كتفيه دلالة أنه لا يستطيع أن يشير بشيء.. ابتسمت له كاسرة وأشارت بمودة عميقة: وصلني اللي تقصد حتى لو ما أشرت.. جعلني ما أذوق حزنك وماتشوف شر.. حينها همس مهاب لكاسرة باستعجال: يالله ياعروس.. اطلعي لغرفتش وبدلي بسرعة عشان كساب ينتظر برا.. أنا بأوديكم المطار.. حينها تغير وجه كاسرة وهي تهمس بحزم: وكسّاب ليه ما يبي يدخل؟؟ مهاب بطبيعية : يقول مستعجل.. كاسرة بحزم خافت: يعني لو كان دخل معكم الحين بدل ماهو قاعد في السيارة مهوب متاخر؟؟ أنا آسفة ماراح أطلع إلا هو يجيني بنفسه.. يعني جد امهاب منت بحاس إن موقفه سخيف وقصده يهيني.. وإلا عادي عندك؟؟ يعني أنا ليش لابسة ومتكشخة.. مهوب عشان يجي ويشوفني.. وحضرته مهوب متنازل يعني!! مهاب لم يفكر مطلقا بهذه الطريقة.. ولكن بما أن أخته متضايقة من هذه النقطة فهو يستحيل أن يسمح أن تشعر أن كساب يقصد إهانتها وفي هذه الليلة بالذات.. حتى لو كان لا يقصد ذلك.. لذا تناول هاتفه وهو يتصل ويهمس بحزم: كساب لو سمحت تجهز عشان أنت تدخل وتأخذ أختي بنفسك.. كساب الذي كان يجلس في السيارة مع شقيقه علي الذي كان يقود السيارة الأخرى حتى يعيد تميم بعد ذلك.. هتف بحزم مشابه: امهاب ماعندي وقت.. نبي نطلع المطار.. وحتى أغراضي كلها صارت في السيارة.. مهاب بحزم أشد: بدل منت قاعد في السيارة.. ماراح يضرك تسمح خاطرها وتجي تاخذها وتطلع معها.. حينها صر كسّاب على أسنانه بقوة (يعني هذي أوامر الشيخة) .. ولكنه لم يسمح لها أن تفقده السيطرة.. ولم يرد أن يظهر بمظهر غير لائق أمام نسيبه.. لذا هتف بحزم: خلاص ولا يهمك..تعال لي عشان أدخل.. بينما ابتسامة علي اتسعت وهو يرى كساب يُجبر على تغيير مخططاته.. فعلي أساسا كان يشعر باستغراب أن كسابا لا يريد الدخول (فهل هناك عريس لا يريد رؤية عروسه بالفستان الأبيض؟؟) لذا كاد يقهقه وهو يعود مع تميم لموقع حفل الرجال الضخم بينما كساب عاد للداخل مع مهاب وهو يعاود لبس بشته الأسود بعد أن خلعه لظنه أنه متوجه للمطار.. وقتها لم يعد مع كاسرة سوى والدتها.. بينما وضحى خرجت لبقية البنات في القاعة.. في الوقت الذي دخل كساب ومهاب عبر باب لا يمر على قاعة النساء.. ورغم أن كسابا كان يشعر ببعض غضب من كاسرة التي أجبرته على تنفيذ رغباتها.. ولكن من ناحية أخرى كان يشعر بارتياح أنه أوصل لها الرسالة التي يريد إرسالها لها (أنه غير حريص على رؤيتها.. وأن الجمال الذي هي مغرورة به هو غير ذي أهمية عنده) ولكن كلام يهذي به قبل دخول المعركة أوشك على التبخر وهو يسمع صليل السيوف وقعقعة الرماح وهسيس السهام فوق رأسه.. هذه الحرب الفعلية شعر أن رحاها تدور فعلا أمامه وهو يراها ماثلة أمامه في عينيها نظرة غضب أو ربما عتب ولكن المؤكد أنها نظرة سحر لا وجود لمثيل لها في هذا الكون.. كانت حسنها ينير المكان كشمس فعلية غشت المكان بأنوارها التي لا قبل للعين باحتمالها!! وعيناه تطوفان بتفاصيل حسنها الآسر تفصيلا تفصيلا.. وكل تفصيل يبدو كما لو كان يقول أنا منتهى الحسن وغايته!! ولكن إن كانت عنيدة فهو أكثر عنادا منها بكثير.. وإن كانت أصرت على أن يدخل.. فهو سيجعلها تندم على ذلك وتتمنى لو أنه لم يدخل.. تقدم منها بخطوات ثابتة وهو يرى النظرة في عينيها تتغير لنظرة تحدي وانتصار لم يفهمها سواه.. بينما كانت مزنة ومهاب يقفان قريبا منهما.. ودعوات مزنة تتزايد مع تزايد تأثرها.. كساب حين وصلها وقفت كما يستلزم الذوق.. همس لها بثقة وفي عينيه نظرة مغرقة في العمق: ألف مبروك ياعروس.. فهمست له بثقة مشابهة: الله يبارك فيك ياعريس.. أنهى عبارته ليميل حينها جانبا ويقبل خدها بتروي.. كاسرة انتفضت لم تتوقع منه هذه الخطوة أبدا وأمام شقيقها.. افترضت على أسوأ الأحوال أنه سيقبل جبينها كالمعتاد.. ولكن أن يقبل خدها وبهذه الطريقة الحميمة المتأنية.. شعرت حينها أن خدها تشتعل وهي تهمس له بخفوت شديد من بين أسنانها: كساب بس.. عيب عليك.. كساب رفع شفتيه ثم همس بثقة وهو يجلسها بذوق كبير قبل أن يجلس جوارها: والله ما أشوف فيها شيء عيب.. بعدين هذا اللي انتي تبينه... وإلا ليش لزمتي أدخل؟؟.. كاسرة صمتت خجلا من مهاب وليس منه.. بينما كساب عاود الوقوف ليسلم على أم مهاب وهو يقبل رأسها ويهتف بمودة عميقة: أشلونش يمه؟؟ مزنة بتأثر: طيبة يأمك.. وألف مبروك.. والله الله في كاسرة.. كساب التفت لكاسرة وهو يهتف بنبرة مقصودة: ازهليها يمه في عيوني ثم همس لها برجاء فخم: يمه لو سمحتي نادي خالتي وأختي.. أبي اسلم عليهم ثم التفت لمهاب: أبو فيصل لو سمحت.. خلاص انتظرنا في السيارة أنا باطلع مع كاسرة تبدل ثم بنجيك في السيارة مهاب خرج فعلا بعد أن قبل جبين كاسرة مرة أخرى.. بينما مزنة استدعت فعلا مزون وعفراء بناء على رغبة كساب بينما كان غيظ كاسرة يزداد عليه.. (يعني الأخ ماكان عنده وقت ينزل.. الحين صار عنده وقت ينزل ويتحبب ويتميلح.. ياثقل طينتك وياشين وقاحتك) مزون منذ استدعتها أم امهاب ودقات قلبها تتصاعد (معقولة إنه ناداني.. أكيد مجاملة قدام الناس) دخلت هي وخالتها وكل منهما تغتالها مشاعر فرحة مختلفة.. عفراء ترى بكرها عريسا.. فرح مغموس بحزن شفاف أنها ما استطاعت أن تفرح بابنتها كما فرحت به.. وأمنية صادقة أن يستقر هذا العنيد الذي أتعب الجميع بصعوبة طباعه.. مزون دخلت وعيناها تتملئ من إطلالته وهو يقف بفخامة ملتفا ببشته الأسود.. في عينيها لم تر عريسا أكثر وسامة ولا أعظم حضورا.. كان هو وعروسه يشكلان لوحة نادرة جمعت قمة الأنوثة بقمة الرجولة.. وقف ليتلقى خالته ومزون.. آلمه كثيرا لمعة الدموع بعينيهما.. وصلته خالته أولا ليقبل هو جبينها ويهمس لها بحنان: خالتي الله يهداش ماعندش تعبير عن المشاعر غير الدموع.. تحزنين تبكين.. تفرحين تبكين كاسرة أرهفت السمع.. بدا لها أن حاسة السمع تخونها.. لم تتخيل أن هذا الكساب قد تصدر عنه هذه النبرة التي تذوب حنانا صافيا.. بدا لها أن من يتكلم هو شخص آخر تماما!! بينما عفراء همست له بحنان عميق: مبروك يأمك ألف مبروك.. عقبال ما أشوف عيالك.. من فرحتي فيك مالقيت إلا الدموع ثم أردفت وهي تلتفت لكاسرة وتهمس لها بمودة: كاسرة يأمش ما أوصيش في ولدي.. ثم ابتسمت: صحيح له طبايع قشرا بس قلبه ذهب.. كاسرة هزت رأسها وهي تهمس بذوق ورقة: لا تحاتينه خالتي.. بينما كانت تهمس في داخلها بتهكم (قال قلبه ذهب.. صفيح يمكن!!) عفراء تأخرت لتسمح لمزون أن تصعد له.. مزون وقفت أمامه للحظات تملأ عينيها منه.. وهو بالمثل.. منذ زمن بعيد لم يلمح هذه السعادة في عينيها حتى وإن كانت سعادة مبللة بالدموع.. هي لم تستطع أن تكتفي بمجرد قبلة باردة.. تريد أن تطفئ عظامها التي سكنتها الوحشة والبرد.. لذا ألقت بنفسها على صدره وهي تتمنى ألا يحرجها وفي هذه الليلة بالذات وهو لم يستطع فعلا أن يكون بخيلا معه أو حتى يحرجها بينما هي تندفع بمشاعرها هكذا .. لم يرد أن يصغر شقيقته أمام زوجته حتى وإن كان عاجزا عن مسامحتها.. رد على ارتمائها على صدره بأن أحتضنها بخفة.. حينها فعلا انهارت ببكاء خافت.. أربع سنوات مرت لم يحتضنها فيه.. أربع سنوات مرت افتقدت فيها حضنه الدافئ.. أربع سنوات كانت فيها كالضائعة التي شعرت أنها تعود للميناء الآن.. كساب شعر بالألم يمزق روحه المنهكة من بكائها.. وهو يشدد احتضانه لها.. فإن كانت اشتاقت لأحضانه فهو أضناه الاشتياق لاحتضانها.. لتكن هذه لحظة مسروقة من غضبه الأسود . ولديه مبرر جاهز.. فليس من اللائق ألا يحتضنها في هذا الموقف وأمام زوجته وأمها.. كاسرة كانت مذهولة من شفافية العلاقة بينهما (لهالدرجة يحب أخته؟!!) مزون ابتعدت قليلا وهي تهمس باختناق: مبروك كساب.. ألف مبروك رد عليها بحياد: الله يبارك فيش.. ثم أردفت بجزع وهي تلحظ انطباع بعض أحمر شفاهها على بياض ثوبه على طرف البشت وتحاول مسحه: آسفة كساب والله ماكان قصدي همس لها بخبث باسم وهو يلتفت لكاسرة: عادي لا تهتمين.. باقول لامهاب إن هذا من أخته.. حينها اشتعل وجه الاثنتان خجلا.. مزون وكاسرة.. بينما كانت كاسرة كانت تنظر لكساب نظرة تهديد لم يفهمها سواه.. عاد ليجلس جوارها بينما همست هي في أذنه: لا تكون من جدك تبي تكذب علي قدام أخي.. كساب بسخرية: إلا وأشرايش أقول له هذا روج أختي؟!! عفراء تهمس لمزون والاثنتان تقفان جانبا مع مزنة: يأمش بس ليش ذا البكا كله؟؟ مزون باختناق: غصبا عني خالتي.. شوفي شكله جنبها.. شوفي اشلون لايقين على بعض... بس يا ليت صدق تقدر تريحه.. عفرء تبتسم لها: إن شاء الله يأمش.. كساب حينها وقف وهو يهتف لعمته: يمه لو سمحتي عباة كاسرة.. بنطلع عشان تبدل ونروح المطار.. مزنة سارعت لإلباس ابنتها عباءتها همست لكساب بحزم: تبيني يأمك أطلع معكم كساب بثقة: براحتش.. لو أنتي تبين.. مزنة مالت على أذن كاسرة وهمست لها ببعض كلمات ليغادر الاثنان وحيدان.. حينها شعرت مزنة أنها بحاجة للجلوس جلست على طرف الكوشة وهي تشعر كما لو أن روحها تغادرها بشكل مجهول.. مزون سارعت لها وهمست لها بقلق: أجيب لش ماي خالتي.. مزنة رغم إحساسها بالإجهاد إلا أنها همست بثقة: مافيه داعي يأمش.. بأقوم الحين وبأروح القاعة بنفسي.. قالتها وهي ترفع برقعها وتهف على وجهها قليلا.. ثم تعاود إسداله لتقف وتتوجه لداخل القاعة بينما مزون تتبعها وهي تهمس لخالتها باسمة: الحين عرفت من وين كاسرة جايبة ذا الزين كله !!.. *********************************** فور أن دخلت للجناح ألقت عباءتها بغضب وهي تهمس بغضب لمن كان يغلق الباب خلفها: أنت شكلك كنت تبيني أتكسر عشان ترتاح.. كساب ألقى بشته على طرف المقعد وهتف ببرود: ليش إن شاء الله؟؟ كاسرة جلست على المقعد وهي تهمس بذات الغضب: بصراحة ماعندك ذوق.. الحين العباة على وجهي وما أشوف شيء.. على الأقل امسك يدي لين أوصل فوق بدل منت مخليني أركض وراك كساب بسخرية: قلت لش قبل ماعندي ذوق.. من وين أجيبه؟؟ ثم أردف وهو يجلس جوارها ثم يمسك بكفها ويهمس بخفوت خبيث: ولا يهمش .. الحين بأمسكها.. مادريت أنش متشفقة على مسكتي ليدش.. قالها وهو يرفع يدها إلى شفتيه مقبلا بعمق دافئ.. كاسرة شدت يدها التي رغما عنها بدأت ترتجف وقبل أن يلاحظ ارتعاشها وهي تهمس بثقة: تدري أنك سخيف.. حينها أمسك بوجهها بين كفيه وهمس بتلاعب: جد شايفتني سخيف؟؟ كاسرة بدأت تشعر بالتوتر الناتج عن خجلها الطبيعي.. فهي مهما كانت قوية مجرد شابة في ليلة زفافها.. وهذا الرجل الذي يتلاعب بها هو الأول الذي يقترب من حدودها المحظورة.. ومايثير توترها.. إحساسها أنه يخفي شيئا ما.. تعلم أن جمالها يدير عقول أعتى الرجال.. فثقتها بجمالها طاغية.. ولكنها في داخلها تشعر أن إظهار كسّاب للهفته لها أو تغزله الصريح بها ليسا أبدا مقصودين لذاتهما لأن شخصية كشخصيته لا تظهر ولعها بهذه الصورة حتى لو كان سيكون يحترق ولعا.. فهو لابد سيحاول إخفاء ولعه.. فإلى ماذا يهدف من هذا التلاعب؟؟ كاسرة تأخرت قليلا وهي تهمس بنبرتها الحازمة الطبيعية: أنت ماكنت مستعجل على روحتنا للمطار؟؟.. اشفيك غيرت رأيك؟؟ أفلت وجهها وهو يتأخر ويسند ظهره للخلف ويهتف بتحكم: أنتي خربتي المخطط كامل.. والحين قومي توضي وبدلي عشان نصلي ركعتين.. وقفت وهي تهمس بحزم: زين وأنت بعد كنت ناوي تأجل صلاتنا مع بعض؟؟ هز كتفيه بثقة: كنا بنصلي إذا وصلنا.. مهوب أنا اللي أنسى.. كانت على وشك المغادرة حين همست بتساؤل حازم: خاطري أدري وش اللي كان في رأسك ؟؟ووش اللي في رأسك الحين؟؟ لم يرد عليها بينما كانت تتناول هي تنورة وتيشرت خفيفين كانت وضحى وضعتها لها على المقعد .. حينها همس لها بخبث: تبين مساعدة في التبديل؟؟ أشارت بيدها لا ..وغيظها من وقاحته يتصاعد.. وارتدت ملابسها في الغرفة المجاورة بعد أن فككت تسريحة شعرها بسرعة.. وعادت له وهي تحمل سجادتها وجلالها وتهمس له بهدوء: أنا على وضي.. تبي تتوضأ أنت.. وقف وهو يهتف بثقة: وانأ بعد على وضي.. يا الله نصلي.. وقف ووقفت خلفه ليصليا ركعتين سويا.. ثم يدعو كل منهما بدعاء خاص به.. حينما انتهى وضع يده على رأسها وهو يدعو بالدعاء المأثور.. حينما انتهى همست له بسكون غريب: دعيت من قلبك يا كسّاب؟؟ هز كتفيه بتهكم: وليه تظنين إني مادعيت من قلبي؟؟ كانت تخلع جلالها وهي تهمس بثقة: لأني حاسة أنك ماخذ سالفة الزواج لعبة... حينها أداراها ناحيته بقوة ليغرز أنامله بقوة في عضديها وهو يهتف لها بسخرية بها رنة غضب: خوش كلام تقوله عروس لعريسها ليلة عرسهم!! حينها أجابته بتهكم: ليه أنت حاسس بإحساس عريس صدق؟؟ (ترد عليه ذات عبارته التي قالها لها اليوم!!) همس لها بخفوت وأنامله ترتخي عن عضديها لترتفع لكتفيها ثم لأسفل عنقها: من حيث أني حاسس.. فانا أكيد حاسس.. عاد لها إحساسها بالتوتر الذي طمرته خلف ثقة صوتها: ماكان هذا كلامك اليوم الظهر.. ابتسم لها بتلاعب: على قولت المثل ..كلام الليل مدهون بزبدة يطلع عليه النهار يسيح.. كاسرة بضيق: كساب لو سمحت تاخرنا على امهاب.. ابتسم كساب: تحاتين أخيش.. البشي عباتش على ما أنادي حد من تحت يشيل شناطش كاسرة ارتدت عباءتها وهو يتصل.. وضعت نقابها على المقعد وفتحت حقيبة يدها لتستخرج منديلا لمسح الزينة وهي تقترب من كساب.. وتهمس له بهدوء: كساب لو سمحت لقني وجهك.. كساب استدار لها وفي عينيه تساؤل.. كان ردها على تساؤله أنها بدأت تدعك مكان أحمر شفاه مزون عن صدره.. حتى أزالت معظمه ولم يبق سوى أثر خفيف منها وهي تهمس بتهكم ومازالت تمسح: أنت من جدك كنت ناوي تطلع للمطار كذا؟؟.. هتف لها بابتسامة: شناطي صارت في السيارة.. سأشوي فيش وأنتي اللي اصريتي أنزل.. من وين أجيب لبس.. هتفت له ببرود وهي مازالت تمسح صدره: الحين أنا المذنبة في كل شيء؟!! تناول كفها عن صدره ليقبلها وهو يهمس لها بدفء مقصود: كل شيء.. كل شيء!! عاودها التوتر الذي ترفض الإفصاح عنه وهو يتناول كل أصبع من أصابعها ويقبله بنعومة متأنية تثير فيها مشاعر عميقة غريبة مختلطة باستغراب.. (إلى ماذا يهدف هذا الرجل من هذا الاندفاع في مشاعره؟!) شدت يدها من يده وهي تهمس بثقة: ننزل؟؟ كان رده عليها أن مد يده ليعبث بطرف شيلتها الملاصق لخدها وهو يقترب منها كثيرا حتى باتت تتنفس أنفاسه من قرب مخيف جعل آلاما غير مفهومة تتصاعد في معدتها.. وكأن بطنها يُعصر!! تأخرت وهي تبتعد كليا عنه لتتناول نقابها وتهمس بنبرة مقصودة: الحين أنت ماكنت تبي تطلع معي أساسا.. على أساس إنه بنتأخر على الطيارة وش اللي تغير؟؟ أجلوا الطيارة مثلا!! ماراح نتأخر الحين؟؟ همس لها بهدوء متمكن وهو يستدير ليعدل غترته في المرآة: احنا درجة أولى.. لو جينا قبل الإقلاع بنص ساعة بنسافر والطيارة باقي عليها أكثر من ساعة ونص حينها حملت حقيبة يدها وهي تهمس بذات النبرة المقصودة: وذا المعلومات ماكنت عارفها قبل شوي؟؟.. كساب رد عليها بذات نبرتها المقصودة: أكيد عارفها.. بس حبيت أوصل لش رسالة.. أعتقد إنها وصلت كاسرة بذات النبرة المقصودة: والرسالة تقول؟؟ كساب دون أن يلتفت لها هتف بعدم اهتمام: أحب اللي يلقطونها وهي طايرة.. كاسرة بثقة: وأنا أحب اللي يشرح لي مقصده كساب بذات عدم اهتمام: وانا مالي مزاج أشرح لأغبياء.. كاسرة ببرود: أنا غبية؟؟ كساب بحزم: يالله خلينا ننزل بدون كثرة هذرة.. ما تستحين تنقعين أخيش في السيارة كنه دريول؟! كاسرة بصدمة: أنا؟؟ لم يرد عليها وهو يخرج وهي تخرج خلفه.. همس لها وهما في الممر بتلاعب: أمسك يدش الحين؟؟ كاسرة بحزم: لا مشكور.. الحين أشوف عدل.. ولكنه لم يستجب لرفضها وهو يمسك يدها بطريقة تملكية.. حاولت أن تشد يدها من يدها ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.. فيده كانت ككماشة أطبقت على يدها.. حين أصبحا في المصعد همس لها بخبث: لا تحاولين تفكين يدش.. إلا إذا أنا سمحت لش كاسرة بنبرة غضب: كساب بلاحركات بزران.. لا تفشلني في أخي.. وش يقول علي؟؟.. مالها نص ساعة من شافته وكلبشت في يده؟؟ هتف لها بسخرية: عادي.. بيقول أنش ماقاومتي جاذبيتي..وماصدقتي تشوفيني وخايفة أهرب منش.. كاسرة شدت نفسا عميقا: كساب لو سمحت فك يدي.. كساب يدعي عدم السماع: نعم ماسمعت.. عيدي رصت على كل كلمة: قلت.. فك.. يدي.. كساب بتلاعب: لا باقي كلمة ماسمعتها.. "لو سمحت".. كاسرة بدأت تغضب: كساب عيب عليك.. المصعد وقف.. عاود كساب إغلاق أبواب المصعد وهو يهتف بذات التلاعب:نسكره.. شكلش تبين تتعبيني.. خلاص غيرت رأيي ما أبي "لو سمحت" عطيني بوسة.. بس تكون من الخاطر وأفك يدش كاسرة بصدمة: من جدك؟؟ هنا في المصعد؟؟.. كساب يضحك بخبث: ليش مستعجلة كذا؟؟.. مالنا مكان بيلمنا عقب؟؟.. أنا بأفكش الحين بس حطي في بالش أني ما أتنازل عن وعدش اللي أنتي مستعجلة عليه شدت يدها وهي تتنفس الصعداء وهما خارجين من المصعد متجهين للخارج هذه المرة نجح فعلا في إشعارها بالخجل رغما عنها.. وقاحته سببت لها صداعا..وهي تجبرها على الصمت طوال الطريق.. عدا إجابات مختصرة حين يوجه مهاب لها الحديث كساب كان يجلس جوار مهاب بينما كانت هي تجلس في الخلف ممسكة بكفها التي كانت تؤلمها قليلا لأنه كانت تشد يدها بقوة لم يشعر هو بها.. حين وصلا للمطار.. نزل مهاب ناحيتها ليفتحه لها الباب.. حينها قبل رأسها وهمس لها من قرب بحنان وثقة: ما أوصيش على نفسش وعلى رجالش.. ثم أردف بحزم: وأنا ما أعصيش على رجالش.. بس والله لأزعل عليش لأدري إن كساب زعلش وأنتي ماعلمتيني.. ثم ابتسم وأردف: ولو أنه ما ينخاف عليش.. المفروض أخاف على كساب.. أردفت بشفافية وهي تشد على يده: الله لا يخليني منك.. وجعل عمرك طويل.. لا تحاتيني ولا تحاتي كساب.. كساب اقترب منهما وهمس باسما: شكلي بأغار من امهاب.. وش ذا كله؟؟ لا وماسكة في يده.. وأنا ماخليتيني أمسك أصبع كاسرة وجهها اشتعل احمرارا تحت نقابها وهي تتوعد كساب أن ترد كل ذلك بينما مهاب ابتسم وهو يرأف لحال كاسرة التي أحرجها كساب رغم سيطرتها الدائمة هتف لكساب بابتسامة: خف على أختي لا تفشلها.. ثم أردف بحزم: وما أوصيك فيها ياكساب.. هذي شيختنا.. ثم أردف وهو يشد كساب جانبا ويهتف بحزم أشد: ترا كاسرة شخصيتها قوية وما تعودت حد يكسرها أوعدني أنك حتى لو تضايقت منها إنك لا تهينها ولا تكسرها.. ترا كسر القوي شين.. كساب هتف له بحزم متمكن: لا تحاتيها.. بس بعد ماني بكاذب عليك وقايل لك إني بأخلي أختك تمشي شورها علي.. بأعطيها حقها وبأخذ حقي.. مهاب بحزم: ماتقصر يأبو زايد.. حن مانبي إلا الحق.. كساب وكاسرة دخلا لداخل المطار همست له كاسرة بحزم : أنت الحين قاعد تحرجني ومستغل ذا الشيء ضدي.. بس عقب كم يوم إذا تعودت عليك ماعاد تنفع حركاتك البايخة ذي!! كساب بشبح ابتسامة: بندور لنا شيء ثاني!! وحين انتهت الإجراءات وانتقلا للانتظار في صالة الدرجة الأولى هتف لها كساب بحزم وهو يحمل حقيبة صغيرة في يده: أنا بأروح أبدل ثيابي وبجي.. ماني بمتأخر.. همست له كاسرة بهدوء ساخر لا يعبر عن غيظها منه: ولو تاخرت ترا ماني بباكية.. لا تخاف.. حينها نظر لها نظرة ذات مغزى.. وغادرها.. ليتأخر فعلا.. بدأ نداء الصعود للطائرة يرتفع وهو لم يحضر بعد.. كاسرة تعلم أنه تأخر قاصدا ردا على تهكمها.. ولكن غيظها بالفعل تصاعد منه أكثر وأكثر من تصرفاته اللا مسئولة.. لم تعلم أن هناك خطة بعيدة المدى يرسمها هذا الرجل.. فكل خطوة يقوم بها يدرسها.. علم منذ اليوم الأول الذي رآها فيه أن التعامل معها سيكون صعبا.. وأنه لو تعامل معها بطبيعية.. فإن مركبهما لن يمشي.. لأن أنثى استثنائية مثلها.. لابد أن تُعامل بطريقة استثنائية تفاجئها وتقلب توقعاتها.. وهو لن يسمح لها أن تكون تغيره.. لذا هو من سيغيرها!! فإن كان لا يهمها أن يتأخر.. رغم أنه يعلم أنها قالتها كنوع من العناد.. فليتأخر قليلا.. لتعرف كيف تنتقي عباراتها.. عاد لها مع النداء الأخير.. كان قد أبدل ملابسه ووضع ثوبه وغترته في الحقيبة الصغيرة التي كانت معه.. احتاجت ثوان لتتعرف عليه بعيدا عن الثوب.. كرهت كثيرا ماكان يرتديه وزاد غيظها منه ولا تعلم لماذا.. فبعيدا عن فخامة الثوب وانسداله الذي كان بالكاد قادرا على كبح تفاصيل عضلاته.. كيف (بالبنطلون والتيشرت) وهو يبالغ في الأناقة وإبراز نفسه بفخامة لدرجة أثارت غيظها أكثر ومازالت لا تعلم لماذا؟! همست له ببرود متحكم: عادي كان تاخرت أكثر.. ولو حبيت تلغي الرحلة ترا ماعندي مانع.. ابتسم وهو يشدها ليوقفها.. وهمس بخبث: ياكثر هذرتش بس.. خلصيني.. أخرتينا على الطيارة.. #أنفاس_قطر# . . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الأربعون تـــحــلــق الــطــائـرة.. وتنفصل عن الأرض.. تحمل قلبين / روحين اشتبكتا للتو في رحلة أبدية.. قلبان لم يعرفا الخضوع يوما!! روحان جُبلتا على العناد والسيطرة وقوة الشخصية!! منذ حلقت الطائرة قبل أكثر من ساعة واستغرابها منه يتزايد.. فبعد اللهفة المبالغ فيها التي فاجئها فيها وهو يغمرها بلمسات غريبة مختلفة يتلاعب فيها بين الحدود.. بين القرب والبعد.. بين التماس واللا تماس.. كاد يحرقها بكلماته ولمساته.. ثم عاد ليغرق في صمت غريب تجاهلها فيه تماما.. وكأنها غير موجودة أبدا.. لم يوجه لها كلمة واحدة منذ ركبا الطائرة.. وكأنها مخلوق غير مرئي.. غير موجود.. لم ينظر حتى ناحيتها.. أو يسألها هل هي مرتاحة؟؟ أو تريد شيئا كما يُفترض منه؟؟ كان يقرأ في كتاب منذ صعدا الطائرة.. " أنا يلتهي عني بكتاب؟!! أنا؟!!" و هاهو الآن يغلق عينيه باسترخاء وكأنها ليست جواره.. هي .. كاسرة!!.. هي.. من توقف العالم على قدم واحدة احتراما لحسنها.. هي.. من تسكر الأرواح والعيون بمجرد رؤيتها.. هي.. من يفرض لها حسنها وشخصيتها السيطرة على من حولها.. هي.. من تلوي الأعناق لترتشف نظرات.. مجرد نظرات من حسن خيالي.. فكيف من أصبح هذا الحسن بين يديه وقربه.. ثم يتجاهل وجوده؟؟.. تلتفت له لتراقب ملامحه المسترخية الساكنة بتفاصيله المثقلة بالرجولة والغموض.. تحاول استشفاف ماوراء الاسترخاء المريب لملامحه.. ماوراء تعامله غير المفهوم معها.. تحاول تقييم رغباتها في زوج بشروط معينة.. وبين ماحصلت عليه فعلا في زوجها!! "ليس في السن التي كنت أريدها !! ولكنه على الأقل رجل ناضج على أعتاب الثلاثين... أو هكذا يُفترض !!.. لأني أشك في مدى نضوجه!!" تملئها الهواجس والأفكار التي يستولي عليها كسّاب وحضوره وشخصيته وهي تحاول تقييمه ..أو حتى تفهمه!! " أمممممممم ليس سيئا.. لا أستطيع أن أظلمه وأقول أنه خال من المزايا.. لكنه.. لكنه متهور!! وغير مفهوم.. ويتصرف تصرفات غير منطقية!!" وهي مشغولة بالنظر له وغارقة في أفكارها حوله فوجئت بالمضيفات يجتمعن وهن يحضرن كعكة صغيرة على شكل قلب أحمر.. حينها لكزت كساب بخفة وهي تخرج بارتعاش من أسر اندماجها في مراقبته وكأنها كانت تحلق في عالم آخر..لتعود منه لعالم الواقع.. كساب فتح عينيه بتثاقل فخم أو ربما مغرور!!.. بينما كانت إحدى المضيفات تبتسم وهي تهمس بمودة: مبروك يا عرسان.. معاكن كامرا تا خد صورة إلكن.. كساب وقف حينها وهو ينفض استرخائه.. ليحضر كاميرا من حقيبته وهو يشعر بغيظ فعلي من علي الذي من المؤكد إنه حينما حجز أبلغهم أنه عرسان جدد.. ولكن هذا الغيظ لم يظهر في ابتسامته المتمكنة وهو يناول المضيفة الكاميرا.. همست المضيفة لكاسرة بذات النبرة الودودة: شو ياعروس.. ارفعي عن وشك مافيه حدا جنبكن أساسا فيه بس اتنين ستات وجالسين وراكن كاسرة أزالت النقاب عن وجهها وعدلت وضع شيلتها.. بينما ابتسمت المضيفة: الله يحميكن ماشفت بحياتي عروس حلوة هيك.. يالله ئربوا لبعض شوي تا أخذ لكن صورة حلوة مع الجاتو حينها شدها كساب من كتفها ليلصق كتفها به وهو يحتضن كتفيها بذراعه.. ارتعشت رغما عنها وهي تشعر بصلابة جنبه ودفء كفه الساكنة على عضدها بطريقة تملكية!! لا تعلم ماذا يفعل بها هذا الرجل؟؟ أي سحر في لمساته؟!.. بل حتى في كلماته التي لا يجيد اختيارها في معظم الأحيان وهو يلقيها كقنابل بلا بوصلة؟!! حالما انتهت الصورة همست له كاسرة بخفوت حازم: الصورة خلصت ممكن تخف عن كتفي شوي كساب أفلت كتفها بطريقة بدت لها غير مبالية بينما كانت تردف بنبرة أقرب للتهكم: تدري.. ما تخيلت حركة الكيك ذي ممكن تجي منك.. حينها هتف كساب بعدم اهتمام: وقبل ما تشوفين أشياء واجد راح تستغربينها مني.. ترا رحلة شهر العسل ذي ترتيب أخي علي.. ومارضى يقول لي عن ترتيبه فيها يبيها مفاجئة لنا.. حينها رفعت كاسرة حاجبا وأنزلت الآخر: وانا متزوجتك أنت وإلا أخيك؟.. هتف لها كساب ببرود قارص: ما أدري.. أنتي قولي لي.. وترا كيفي أنا وأخي.. حب يهديني هدية لعرسي.. مادرى عن طبايع مرتي اللي تلوع الكبد.. كاسرة ببرود مشابه: إذا أنا طبايعي تلوع الكبد.. أجل طبايعك وش ينقال عنها؟؟ كساب بحزمه الطبيعي: طبايعي تتقبلينها غصبا عنش.. شينة زينة.. تقبلينها وبس.. كاسرة بحزم أشد: وأنا قلت لك أني ما أتغاضى عن اللي ما يعجبني.. ولو ماعجبني شيء بأنكد عليك.. حينها هتف كساب بتهكم: ماشاء الله بادية النكد من بدري!! ردت عليه بتهكم مشابه: نكد متبادل طال عمرك!! رد عليها حينها ببرود: لا تستفزيني.. لأني ما أتحاكى لو كنت معصب.. ردت عليه ببرود مشابه: أشلون ما تتحاكى.. تستخدم إيديك مثلا؟!! وإلا تذبحني مثل النفس اللي ذبحتها بدون تفكير.. هتف لها حينها بغضب عارم وهو يستعيد الذكرى المقيتة لمحاولة الاعتداء على خالته الذكرى التي مازالت تشعل غضبه كلما تذكرها وهو يتذكر جيب خالته المفتوح وأثر الصفعات على وجهها: أنا اللي يدوس على طرف حرمة بيتي يستاهل أكثر من الذبح.. كاسرة بنبرة جدية: عشان حدته الحاجة يسرق تأخذ روحه.. كساب بغضب عارم وهو يصر على أسنانه محاولا إخفاض صوته: كاسرة سكري ذا الموضوع أحسن لش.. الرجال راح في اللي ما يحفظه.. وابي عوض هله بأكثر من الدية بكثير.. والقضية تسكرت وانحفظت... كاسرة بذات النبرة الجدية: أشلون تتسكر وتنحفظ؟؟.. أنت كان المفروض على الأقل تنسجن عشان الحق العام للدولة.. وإلا عشانك ولد زايد آل كساب اللي يمشي على غيرك مايمشي عليك.. حينها هتف لها كسّاب بغموض وهو يسترخي في جلسته: والدولة أعفتني من الحق العام.. وكوني ولد زايد آل كساب ماله أي علاقة في الإعفاء!! عندش مانع؟؟ وإلا بتحاسبين الدولة بعد؟؟!! شدت كاسرة لها نفسا عميقا وصمتت ولم ترد عليه.. مرهقة تماما.. لها يومان لم تنم.. رغم أنها كانت تُرجع سهرها إلى أنها لا رغبة لها في النوم. ولكنها في داخلها تعلم أنها متوجسة من الحياة مع هذا الرجل الغريب الذي تشعر أن حياتها معه كما لو كانت على كف عفريت.. "فهل هما الآن يمثلان بتصرفاتهما المتحفزة وحوارهما الحاد عريسان ليلة زفافهما؟؟ هما في حوارهما الآن كمن سكت دهرا ونطق كفرا!!" المضيفة عادت مرة أخرى: مائطتوا الجاتوه؟؟ أنا راح أئطع لكن.. قطعت قطعة واحدة في صحن واحد وأعطتهما شوكتين: يالله كل واحد يدوء التاني هتف لها حينها كساب بحزم به نبرة غضب: خلاص مشكورة ياآنسة..بنأكل بنفسنا.. المضيفة غادرت بينما كاسرة همست له بنبرة مقصودة: ترا شوي لباقة مع الناس ماراح تنقص من مكانتك شيء يعني المسكينة كانت تحاول تكون ذوق.. ماكان فيه داعي تحرجها كذا.. كساب ببرود: أشلون يعني تبيني أتعامل معها.. أقول لها تعالي أكلينا أحسن.. حطت الكيكة خلاص تفارق.. وبعدين قلت لش قبل ماعندي ذوق من وين أجيبه؟؟ كاسرة همست بهدوء متحكم: سالفة ماعندي ذوق ذي مادخلت مزاجي.. أنت صاحب شركة.. وأسمع أن شركتك ناجحة.. وثلاث أرباع البيزنس علاقات.. يعني لو كان ماعندك ذوق على قولتك كان شركتك الحين في الحضيض عشان كذا أكيد إنك عندك ذوق.. وذوق محترفين بعد لكن قل أنك ماعندك ذوق معي أنا شخصيا.. كساب ببرود أشد: يمكن أنتي تحفزين الواحد يكون معدوم الذوق معش.. كاسرة بذات الهدوء الساكن المتمكن: ما أعتقد أني سويت شيء يزعل حضرة جنابك.. أنا أتعامل معك بطبيعتي لكن أنت حاسة أنك حاط حاجز يخفي شخصيتك عني كأنك تسكر روحك عني!! حينها التفت كساب لها ليمد يده ويمسك بذقنها ويهتف بنبرة مقصودة: وهذا كله اكتشفتيه من ساعتين.. والحين أنا اللي حاط حاجز بيننا؟؟ كاسرة ارتعش داخلها قبل أن تمسك كفه وتبعدها عن ذقنها وتنزلها بهدوء وتهمس بذات الهدوء: أعتقد أن معرفتي فيك قبل ذا الساعتين.. وبعدين ترا فيه فرق بين الواحد يفتح روحه للثاني.. وبين لمسات ما تتجاوز الجسد للروح.. كساب بعدم اهتمام: وترا أحيانا تكون اللمسة رسول للروح.. كاسرة أسندت رأسها للخلف وهتفت بثقة مغلفة بالعمق: ما أعتقد إن حن وصلنا لذا المرحلة.. تدري يا كساب أنت مثل اللي واقف قدام باب.. الباب مفتاحه معلق فيه.. لكن أنت ماتبي تستخدم المفتاح وتبي تكسر الباب.. ************************************* "وش اللي شاغلك كذا؟؟" عبدالله يلتفت لصالح الجالس جواره في مكان حفل زواج كساب وهو يهتف بتأثر: حاس أني ضغطت على إبي واجد وهو قاعد يتلقى تهاني الناس برجعتي.. لدرجة أنه ماقعد.. رجع بعد العشا على طول.. صالح بطبيعية: عبدالله.. إبي ماعاد يحتمل صلبة القعدة في الأعراس.. ترا بالعادة يسلم ويروح ما يقعد للعشا.. ولولا إن زايد حلف عليه يقعد للعشاء وإلا ماكان قعد أصلا.. عبدالله يمسح جبينه ويهمس لصالح بتعب: الحين يا صالح إبي زعلان علي وما يكلمني.. وأنا ما أقدر أقعد على ذا الحال لازم يرضى علي.. بس عشان يرضى لازم بيسألني ليه سويت ذا كله خايف لو قلت له عمره ما يسامحني.. وفي نفس الوقت مستحيل أكذب عليه مرة ثانية.. صالح ربت على فخذ عبدالله وهمس بحميمية: توكل على الله وقل له.. مهما كان هو أب.. بيحس بوجيعتك على ولدك.. أكيد هو بيعاتبك واجد.. بس إن شاء الله إنه بيرضى.. . . في زاوية أخرى من الحفل نفسه " ماشاء الله ياحضرة العقيد.. صراحة حفل ما شفت مثله.. اشتهيت أعرس" منصور يبتسم بفخامة: خلاص بأزوجك بنتي.. فهد يبتسم: إذا بتزوجني.. مستعد أنتظرها.. بس خاف أتناها وعقبه بنتك تقول إني شيبة وما تبيني.. منصور يبتسم: قل قولها.. ماعندنا بنات يعصون الشور.. وبعدين وش شيبته ؟؟ بازوجك إياها عمرها 20 وأنت توك 48 شباب.... فهد يضحك: أما توي 48 كثر منها...وهي 20 ..يعني كبر بنتي.. حينها هتف منصور بنبرة مقصودة: زين قبل العرس.. منت مشتهي تعلق النجمة الثالثة؟؟.. فهد يرد عليه بنبرة مقصودة مشابهة: زين خلنا ناخذ دورة المظليين وعقبه نعلقها.. ابتسم منصور وهتف بذات النبرة المقصودة: زين جهز مظلتك قريب... . . "صدق أنت مسافر بكرة؟؟" زايد يلتفت لعلي ويهتف بهدوء: إيه بأروح لجميلة.. طيارتنا بكرة في الليل.. بس أبغيك يأبيك تمر على مشروع البرج الجديد.. فيه تنبيهات كنت معطيها المهندس وأبيك تشوفه لو نفذها.. علي يتنفس الصعداء.. مستعد أن يقوم بكل أعماله هنا.. ولا يرسله إلى هناك.. هتف بمودة ممزوجة بالاحترام: أبشر يبه.. بس عطني التفاصيل ومايصير خاطرك إلا طيب.. حينها هتف زايد بأمر لطيف لكن بنبرته الحازمة التلقائية: زين يأبيك قم شوف الرياجيل اللي في الزواية تيك دارت عليهم القهوة مرة ثانية وإلا لا عقب العشا إسأل المقهويين ونبه عليهم إن القهوة ماتوقف أبد.. . . "عبدالرحمن يأبيك.. أنا باروح أرجع تميم لبيته المسكين تملل من القعدة وتعب.. وهو حالته حالة مع جبس إيديه" عبدالرحمن بمودة: زين يبه أنا بأكفيك وارجعه.. أبو عبدالرحمن برفض: لا جعلني الأول.. أنت روح جيب أمك وخواتك من العرس.. عبدالرحمن بإصرار: خلاص بأرجع تميم للبيت وعقب باروح أجيب أمي والبنات أبو عبدالرحمن بإصرار أكبر: يكفيك مشوار واحد.. **************************************** "يمه.. خلاص نبي نمشي" شعاع برجاء: جوزا تو الناس.. وهذا حسون معش.. ليه مستعجلة؟؟.. جوزاء بذبول: تعبانة شعاع أبي أروح.. أم عبدالرحمن بمودة: اقعدي يأمش بس شوي.. ونروح كلنا.. جوزاء هزت رأسها رغم عدم اقتناعها وهي تلتفت لتسقي حسن الجالس جوارها بعض العصير.. بينما شعاع تهمس بحماس: خاطري أعرف أخت المعرس وين مسوية فستانها.. خرافي... عشان أنا بعد يوم عرس عبدالرحمن أبي أسوي لي شيء ما انعمل مثله هيييه جوزا.. أنا أكلمش!! جوزاء بعدم انتباه: هاه وش تقولين.. ما انتبهت.. شعاع تبتسم: لا منتي بمعنا.. ثم أردفت بخفوت باسم : يالله قولي لي كاسرة وش قالت لش؟؟.. جوزاء بذات النبرة الذابلة: شعاع لا تصيرين لحوحة... قلت لش في البيت.. . . . " "خالتي بس اقعدي.. ذبحتي نفسش وانتي تلفين" عفراء تبتسم رغم إرهاقها: لازم أدور على الطاولات وأرحب بالنسوان وأشوف إذا تقههوا.. مزون تبتسم وهي تشدها لتجلس: خالتي كفاية وقفتش ساعتين ونص تستقبلين عند الباب.. لا تنسين زايد الصغير.. تبين عمي منصور يرفع علينا قضية.. عفراء تبتسم: زايد الصغير ماعليه إلا العافية.. لا نطيت ولا رقصت.. حينها هتفت مزون بحذر: خالتي لو ماقدرت أمرش بكرة قبل أروح المطار.. تبين شيء؟؟ تغير وجه عفراء وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: لا سلامتش.. ثم لم تستطع منع صوتها من الإنحدار وهي تردف بتأثر: بس.. بس طالبتش.. قولي لأبو كساب يوصي خليفة عليها.. ويوصيه يوسع خاطره عليها.. . . . " يمه فديتش خلاص خلينا نمشي" مزنة تلتفت لوضحى التي بدأ أثر الدموع يفسد زينتها وتهمس لها بحنان مخلوط بالحزم: يامش ما يصير.. يقولون بنتهم راحت.. قاموا وخلو العرس انتظري شوي وضحى بصوت مختنق: يمه تميم أكيد ماراح يتأخر..الحين يبي حد يعشيه.. خبرش أكيد ما تعشى.. وأنا اللي أأكله بنفسي غير أني يمه خلاص خاطري ضايق وابي أروح البيت.. مزنة تدفن تأثرها المتعاظم في ذاتها وتهمس بحزم: ساعة يامش ونمشي.. " لا تثقلي علي ياصغيرتي!! أعلم أنك حزينة لفراق شقيقتك فكيف بي؟!! ستة وعشرون عاما.. لم تمر ليلة واحدة لم أروِ عيني من رؤيتها لم تمر ليلة واحدة لم اسمي باسم الله عليها لم تمر ليلة واحدة لم أنادي فيها اسمها عشرات المرات ومؤخرا لم تمر ليلة لم نتجادل فيها ونتحادث ونتخاصم ونتصالح لا أطمئن حتى أرى صفاء ضحكتها ولمعة عينيها مثلها مثلكم جميعا ياصغيرتي!!" ********************************* عاد العريسان المحلقان للغرق في الصمت.. بعد أن جاءت المضيفة لتحمل الكعكة التي لم يتناولا منها شيئا ومن بعده العشاء الذي رفضاه أساسا وهي تستغرب (أي عريسين غريبي الأطوار هذين.!!) كلاهما غارق في عالمه الخاص.. كساب في كتابه.. وكاسرة في أفكارها.. وقفت كاسرة.. ليهمس لها كساب ودون أن يرفع نظره عن سطور الكتاب متسائلا بنبرة حازمة: وين؟؟ كاسرة بنبرة لا تخلو من تهكم: يعني وين بأروح هنا في الطيارة؟؟ بأروح الحمام.. كساب لم يرد عليها.. بينما كاسرة توجهت للحمام لكي تمسح زينتها التي لم تجد وقتا لمسحها.. وهي تستغرب من تصرفات هذا الرجل الذي غرق في البرود بينما كان قبل ساعات يشتعل.. لم يُسمعها كلمة حلوة واحدة.. لم يتبادل معها الحديث ليتعرف عليها أكثر كما يحدث مع كل المتزوجين الجدد.. "هل هو فقط ينتظر اختلائه بها وهذا هو كل ما يهمه؟!" آلمها هذا التفكير كثيرا.. لا تستنكره من كساب.. ولكنها كعروس.. ومهما يكن.. ورغم تفكيرها الواقعي.. حلمت بشيء آخر أكثر عاطفية ومثالية.. كاسرة تنهدت وهي تمسح وجهها الندي وتنظر في المرآة: على قولت الشوام يذوب الثلج ويبان المرج ونشوف اللي ورا ذا الكساب حينما عادت وجلست.. همس كساب ببرود حازم ودون أن ينظر ناحيتها: إذا سألتش عن شيء تجاوبين من غير استخفاف للدم.. كاسرة بثقة: المهم الجواب وصلك.. كساب بحزم : أحيانا أسلوب وصول الرد أهم من الرد نفسه.. كاسرة بنبرة مقصودة: وهذا الشيء ممكن ينطبق على كل شيء؟؟ حينها التفت لها كساب لينظر لها ببرود: كل شيء كاسرة بذات النبرة المقصودة: زين أحتفظ بذا المعلومة يمكن تفيدني بعدين.. حينها سألها كساب بنبرة حازمة لا تخلو من الخبث: أنتي دايما كذا تحبين ترسمين لنفسش صورة الذكية..؟؟ حينها أجابته كاسرة بهدوء وهي تشبك أصابعها أمامها: مثل منت تحب ترسم لنفسك صورة الغامض اللي ماحد يعرف وش اللي وراه.. حينها أجابها بنبرة لا تخلو من التهكم: يمكن لأني قريت مرة في كتاب غبي إن المرأة تحب الرجل الغامض.. ردت عليه بنبرة تهكم: على قولتك.. كتاب غبي..وعطاك معلومة غبية ماراح تفيدك بشيء.. نظر لها وأردف بنبرة عميقة مقصودة لا تخلو من غرور واثق: أنتي متأكدة إنها مافادتني؟!! لم ينتظر ردها وهو يعود لتجاهلها وليقرأ الكتاب الذي كان يقرأ فيه.. أو يدعي قراءته!!! بينما كان تفكيره اليوم يأخذه للأمس.. الأمس القريب جدا .. والبعيد جدا!! . . قبل أسبوعين "عمي أبي أسألك عن شيء وتجاوبني بصراحة" منصور ينظر لكساب من تحت أهدابه وهو يهتف ببرود حازم: وليه خايف منك ياولد عشان أدس عليك؟! من متى وأنا ألف وأدور في أي سالفة.. خلصني وش تبي؟؟ كساب بتساؤل حازم: أبي أعرف يوم إبي كان يبي أم مرتي.. ليه ما تزوجها قبل مايتزوج أمي؟؟.. منصور ابتسم ثم هتف بهدوء واثق: خطبها بدل المرة مرتين.. بس هي مارضت.. أبيك ماتزوج إلا عقب ماعيت منه للمرة الثانية.. كساب بذات التساؤل الحازم: وليه مارضت فيه؟؟.. يعني اللي خذتهم ما اشوف فيهم حد أحسن من ابي.. الله يرحمهم جميع ويبيح منهم.. منصور هز كتفيه بثقة: يمكن لأن إبيك كان ميت عليها.. أم امهاب أنا أذكرها وحن صغار.. بيني وبينها سنة وحدة بس وكنا نلعب سوا.. كانت شخصيتها قوية ولسانها طويل.. وياويل اللي يدوس لها طرف.. بتخليه مايسوى بيزة.. كساب بثقة: بس مهما كانت شخصيتها قوية.. ماظنتي إن شخصيتها أقوى من شخصية ابي.. منصور ابتسم: لا تنسى ابيك وقتها كان صغير وكان يموت عليها من اقصاه.. يعني هي اللي كانت في موقع قوة.. حينها صرَّ كساب عينيه وهتف بحزم بالغ: الحين نجي للمهم.. أمي درت بشيء عقب؟؟ كيفه هو يحب اللي يبي قبل ما يأخذ أمي.. بس عقب ماخذها خلاص.. مفروض يدفن حبه في قلبه..ويحترم المرة اللي صارت أم عياله.. منصور بحزم مشابه: عاد في هذي لا تبهت ابيك.. عمري ماشفت رجّال يحترم مرته ويعزها مثل ماكان زايد يعز وسمية الله يرحمها.. وأنت بنفسك تذكر وش اللي صار له يوم ماتت أمك.. كان بيموت من الحزن عليها.. كساب شدَّ له نفسا عميقا ثم هتف بتصميم مرعب: والله ثم والله لأدري إن أمي درت بشيء أو تضايقت في حياتها من ذا السالفة إني لأقلب الدنيا عاليها سالفها.. وإن يصير شيء مستحيل حد منكم يتوقعه.. . . قبل خمسة عشر عاما " هيييييه ياجماعة الخير.. يبه جابر.. أنا كساب بن زايد" كان صوت كساب الصغير يتعالى أمام باب المجلس الخارجي بعد ان خطا نصف خطوة للداخل.. هتف الجد جابر بصوت مرتفع قدر ما استطاع: كسّاب تعال يأبيك.. كساب برفض: يبه خل هلك يفضون الدرب أول.. الجد جابر ابتسم وهو ينظر لكاسرة الصغيرة التي كانت تسكب له القهوة وحجابها مشدود حول وجهها: كاسرة يأبيش روحي داخل.. كاسرة تنظر لكسّاب الواقف وعيناه في الأرض وتهتف بتلقائية: وليه أروح؟؟.. إذا جاووك رياجيل رحت.. حينها هتف كساب بغضب ودون أن يرفع بصره: وليه وش أنتي شايفة قدامش يابنت؟؟ كاسرة بنبرة عدم اهتمام وهي تنظر له بشكل مباشر: بــزر !!.. الجد هتف بغضب: كاسرة أقول روحي داخل.. كاسرة خرجت واتجهت لداخل البيت.. بينما كسّاب توجه للداخل وهو يشعر بغضب عميق يتصاعد في روحه الصغيرة على طويلة اللسان التي قللت من رجولته التي لا يرضى أن تمس.. مال ليقبل رأس الجد.. وهو يهتف بنبرة ضيق: يبه.. ابي يسلم عليك ومرسل لك ذا العود .. كان بيجيبه بنفسه بس جاه شغل.. فأرسلني.. الجد ابتسم: ياحيا الله الراسل والمرسول.. ياحيا الله الشيخ كساب.. وينك يأبيك ماعاد شفتك..؟؟ ماعاد شفت إلا علي هو اللي ياتي مع ابيه وأنت مانشوفك إلا من العيد للعيد.. حتى العيد اللي فات ماشفتك كساب بذات نبرة الضيق: السموحة يبه.. لاهي في دراستي وأدرس أختي بعد.. الجد جابر بمودة: الله لا يفرقكم... وجعل بطن(ن) جابتكم الجنة والحين قل لي وش فيك يأبيك كنك ضايق؟؟.. كساب بذات نبرة ضيق: يبه.. يرضيك إن بنتكم تقول علي أنا بزر.. الجد ابتسم وهو يلمس خد كساب حيث أثر عضة كاسرة التي بدت واضحة لنظره الضعيف من هذا القرب: علومها شينة ذا البنت من صغرها.. بأزوجك إياها وأخليك تأدبها على كل اللي هي سوت أول وتالي.. حينها هتف كساب بغيظ: أنا لو خذت بنتك ذي.. أول شيء بأسويه بأغير اسمها ثم أكسر رأسها.. الجد ضحك: لا يأبيك لا.. بنتي ذي مهرة.. تعسف بس ماتكسر.. . . ينظر للكتاب أمامه.. يتشاغل به.. بينما هو مشغول حتى النخاع بمن تجلس كملكة متوجة جواره.. " تعسف بس ماتكسر.. تعسف بس ماتكسر.. تعسف بس ماتكسر.. " وكم هو ضئيل الفرق بينهما !!.. كم هو ضئيل!!! ************************************ " شأخبارك الليلة؟؟ عسى منت بتعبان؟؟" أشارت بعد أن وضعت صينية العشاء جانبا.. هز رأسه بإشارة لا.. بينما وضحى اقتربت لتطعمه.. بعد لحظات رفض تميم أن يأكل.. أشارت له : اشفيك؟؟ ما كلت شيء أخذ يغمض عينيه ويفتحهما.. بدايةً لم تفهمه.. ثم بعد ذلك استوعبت أنه يقصدها.. فدموعها كانت تنهمر بغزارة ودون أن تشعر.. فذهنها كان شاردا وهي تطعم تميم .. كانت تشعر بضيق عميق يطبق على روحها وهي تشعر أن البيت خال من رائحة شقيقتها.. أشارت له بألم: عطني بس يومين لين أتعود على فكرة أنه خلتنا خلاص.. لم يستطع أن يشر لها بشيء وإن كان في داخله متأثر أشد التأثر من حالة وضحى.. عدا عن تأثره الخاص به .. قد يكون هو شخصيا أكثر ارتباطا بوضحى.. ولكن كاسرة شقيقته وتربطه بكل أخوته علاقة خاصة حرصت والدته على تغذيتها وتقويتها.. ومن ناحية أخرى حالته التي يعانيها جعلته أكثر حساسية.. يداه كلتاهما في الجبس.. وهو يفقد تواصله مع العالم وموعد زواجه يقترب مع تحسسه المتزايد من زوجته المستقبلية.. مثقلة روحه الشفافة بكثير من الهموم التي لا يستطيع التعبير عنها بأي طريقة.. يجد نفسه غارقا في الهم وملجما في ذات الوقت عن التعبير عن همومه وأوجاعه سوى بالتفكير فيها.. التفكير الذي يزيده هما فوق همه.. لو أنه كان قادرا على العمل فقط ..كان دفن وجع أفكاره في العمل.. وتشاغل بعمله عن كل ما يؤلمه ويجرح مشاعره ورجولته وحتى إنسانيته!! ولكن الآن ليس له إلا الصبر والدعاء........ والاحتراق بأفكاره وشكوكه حتى نخاع النخاع!!.. ********************************** " مابغيتوا تخلصون؟؟" همست عفراء بإرهاق وهي تغلق بابها: خبرك لازم حن آخر حد يطلع من العرس.. منصور يحرك سيارته ويهتف بمودة: عسى ما تعبتي حبيبتي؟؟ عفراء بذات الصوت المرهق: شوي بس ثم أردفت بابتسامة: بس يستاهل التعب ياقلب خالته.. جعلني أفرح بعياله فديته.. منصور يبتسم: شكلي بأغار من كساب الخايس.. الحين هو راح مع عروسه وقاعدة تفدين به.. وانا ماحد عبرني عفراء تبتسم: الغلا لك يأبو زايد.. منصور بابتسامة فخمة: لي الغلا؟؟ خافه كلام بس؟؟.. عفراء بمودة: أفا عليك يأبو زايد الكلام لغيرك.. منصور مد يده ليحتضن كفها بقوة وهو يهمس بحنان: جد حبيبتي ماتعبتي؟؟ عفراء برقة: والله العظيم أني زينة.. وانت انتبه للطريق الله يخليك..وتمهل وأنت تسوق.. منصور يكف يده ويثبت يداه على المقود وهو ينظر للامام ويهتف بابتسامة: حاضر.. مع أني أبي أطير.. عشان أشوف كشخة أم زايد.. أكيد كنتي أحلى وحدة في العرس عفراء ابتسمت بعذوبة: يهمني أصير أحلى وحدة في عينك وبس.. منصور بفخامة: هذا شيء مافيه شك!! أحلى وحدة في عيني وقلبي وروحي الله لا يحرمني منش بس!! ***************************** حطت الطائرة بعد انتهاء رحلة العريسين الغريبة المثقلة بالصمت والتجاهل.. عدا الحوارين الحادين اليتيمين اللذين دارا بينهما!! بعد إنهاء الإجراءات في مطار جنيف وخروجهما للسيارة التي كانت تنتظرهما كاد كساب يمزق ملابسه أو يعود للدوحة مشيا حتى يصفع عليا.. وغضب شديد عارم يتفجر في روحه.. كانت تنتظرهما سيارة ليموزين سوداء طويلة جدا مزينة بالورد.. وكان العدد القليل من المارة الذاهبين لعملهم في ذلك الوقت المبكر يقفون لتحية العريسين.. بينما كانت كاسرة بالفعل تستغرب أن هناك شابا قد تخطر له هذه الأفكار البالغة الرومانسية (يالله خلنا ننبسط باللي علي يسويه.. الله لا يحرمنا منك.. لولاك يمكن كساب وداني الأوتيل مشي وأنا شايلة شناطي!!) ولكن هذه الأماني المرحة انهارت وكساب يتصل بعلي لأنه لا يمكن أن يحتمل المزيد.. فور أن رد علي بصوته الناعس انفجر فيه كساب بغضب: شوف علي يأما أنك تعطيني برنامج السخافات اللي أنت مسويها وإلا والله لأروح أحجز في فندق ثاني.. وخل برنامجك كله لك.. أنا مستحيل أخليك تمشيني على كيفك عقب خبالك اللي أنا شفته علي حينها طار النوم من عينيه وهو يهتف بابتسامة ودودة: أفا العريس زعلان.. ياخي ريح أعصابك.. ليه ذا العصبية؟؟ كساب بغضب عارم: عاجبك سواتك فيني.. وش ذا السخافة؟؟ كفاية سيارة المهرجين اللي أنت مرسلها تستقبلنا.. والله لا يصير شيء ثاني مثلها أني .. أني........... يأخي من الحرة عليك ماني ملاقي كلام أقوله...بس دواك إذا رجعت الدوحة.. علي ابتسم: خلاص يالحبيب البرنامج كامل بتلاقيه عند الريسبيشن بعد شوي بس اسمعني ياويلك تكنسل شيء من كيفك لأنه كل شيء مدفوع ثمنه.. اللي مايعجبك قل لي عليه وأنا أغيره لك.. ويالله خلاص روح لمرتك.. كساب بتحكم واثق: مرتي قاعدة جنبي في حديقة الورد اللي أنت ورطتنا فيها.. وين أروح لها؟؟ علي بصدمة: صدق ماعندك ذوق.. قاعد تكلمني بذا العصبية قدامها.. اللي طفشت المسكينة.. كساب حينها ابتسم: أقول لا يكثر حكيك.. البرنامج أبيه في الريسبيشن خلال ساعة.. حينما أنهى الاتصال صمتت كاسرة لأنها رأت أنه من قلة الأدب أن تتدخل بينه وبين شقيقه بهذه السرعة.. لذا التزمت بالصمت.. سألها كساب بنبرة مقصودة: وش فيش ساكتة؟؟ وش رأيش في اللي سمعتيه؟؟ كاسرة بهدوء: أنا مالي دخل بينك وبين أخيك.. لكن من باب ثاني أكيد أفضل أنك تكون عارف البرنامج عشان مانقضي الأيام هذي في عصبية كل ماشفت شيء ما يعجبك.. كفاية الكيك والسيارة واحنا تونا مابدينا.. كساب تنهد ليهتف بحزم غاضب: أنا من البداية كنت رافض فكرة أنه يرتب الرحلة لأني أحب أكون عارف كل شيء بأسويه.. بس ماحبيت أحزنه وهو متجهد في التجهيز..ما تخيلت الحركات البايخة اللي هو بيسويها.. حينها ابتسمت كاسرة بخبث رقيق : على كذا أتوقع أنه بنلاقي الغرفة كلها ورود وبالونات حمرا.. كساب صرَّ عينيه: لا عاد؟؟ كاسرة هزت كتفيها: بس عاد مهوب تعصب على أخيك.. هذي تكون من الفندق أساسا إذا نزل عندهم عرسان في شهر العسل كساب هز كتفيه بعدم اهتمام: تصدقين تراني أعرف ذا المعلومة.. كاسرة بنبرة عدم اهتمام مشابهة: في الإعادة إفادة.. والتكرار يعلم الـ.. يعلم الشطار.. بالفعل حينما وصلا لجناحهما كانت الورود منثورة على السرير والأرضية والشموع مشعلة في كل مكان.. وكانت تنتظرهم مضيفة بكعكة أخرى.. ولكنها هذه المرة انسحبت لوحدها قبل أن يعطيها كساب نصيبها من غضبه وخصوصا انه كان ممتلئا غيظا لإحساسه أنه فاقد السيطرة في موضوع هذه الترتيبات التي لم ترق له إطلاقا.. كساب التفت لكاسرة وهمس بحزم: خلاص صلي الفجر أنتي.. الشباب اللي قابلتهم قبل شوي تحت في الريسبشن أتفقنا نصلي جماعة.. كاسرة أنهت صلاتها وكانت على وشك أن تستحم لولا أن قاطع مخططاتها عودة كساب.. حينها لا تعلم لماذا عاودها الشعور الملتبس بالتوتر.. لو عاود اندفاعه ناحيتها بعد أن تجاهلها طيلة الرحلة.. فربما تتناول حذائها وتضربه به على رأسه.. لا تستطيع أن تمنعه من حقوقه عليها.. فهذا أمر فرضه الله عليها.. ولكنها توقعت منه تعاملا أكثر رقيا.. وأن يكون في رأسه مشاعر أكثر نقاء لذا كانت صدمتها البالغة منه لدرجة أنه كادت أن تنعته بـ " الحيوان" أنه فور دخوله للجناح خلع قميصه فورا.. ولكن قبل أن تصدر عنها الكلمة رأته يتمدد على الارض ليقوم بتمارين الضغط.. وعلى يد واحدة بالتناوب!! وقفت عدة لحظات حتى تستوعب ماذا يفعل؟؟ لتشيح بوجهها جانبا وهي تستوعب أنه عاري الظهر أمامها سألته وهي مازالت تشيح بوجهها: شتسوي؟؟ أجاب بحزم وهو مستغرق في تمريناته: توني أقول لش أنش تحبين تظهرين نفسش ذكية.. عاد هذا سؤال ما يسأله أغبى غبي إلا لو واحد أعمى مايشوف.. شوفة عينش.. أتمرن.. كاسرة رغم استغرابها لكنها قررت ألا تسأله.. فليتدرب كما يشاء.. همست وهي تتجه لحقيبتها لتفتحها: خلاص أنا بأتسبح.. كاسرة استغرقت وقت طويل للاستحمام.. فالبودرة التي التصقت بصدرها وظهرها وكتفيها.. استغرقت طويلا في دعكها.. عدا أنها استغرقت وقتا قبل في ذلك في فك بقايا تسريحتها بشكل أفضل ثم في تنظيف شعرها والاعتناء به من أثر هجوم أدوات الشعر الساخنة ومثبتات الشعر.. حين انتهت.. التفت بروبها وخرجت بحذر .. لم تجد كسابا.. ولكنها وجدت فوطة مبلولة ملقاة بجوار حقيبته.. يبدو أنه استحم في الحمام الآخر.. ربما في ظرف آخر.. ومع زوج غير كساب..ربما كانت لتتناول المنشفة وتعلقها في الحمام.. فهي بطبيعتها مرتبة وتكره الفوضى.. ولكنها شعرت أن كسابا يرسل لها رسالة وكأنه يجب أن تنظف قذارته المقصودة التي يتركها خلفه.. أما ماجعلها تتأكد من ذلك فعلا فهي أنها حينما فتحت حقيبته.. صُدمت بترتيبها غير المعقول.. تبدو الحقيبة كما لو كانت رُتبت باستخدام المسطرة.. وكل لباس معد للخروج ووضعت كل قطعه في كيس شفاف معا.. البنطلون والقميص والحزام والملابس الداخلية وحتى الجوارب.. وفي ناحية أخرى رُتبت الأحذية في كيس شفاف آخر.. عدا عن عدة فوط مرتبة بدقة.. شعرت بالحرج أن تقلب فيها أكثر..لذا أغلقتها وتركت الفوطة الملقاة جوارها (معقول هو اللي رتب شنطته؟؟ يمكن حد رتبها له؟؟ على كل حال.. إذا كان هو اللي رتبها.. معناها إن حركة الفوطة مقصودة لأنه شكله متعود الترتيب وإذا كان واحد متعود حد يرتب له.. ويقط ويبي حد يلقط وراه.. يكون مايعرفني) ثم انتقلت لحقيبتها.. احتارت ماذا ترتدي.. فهذا الرجل يثير حيرتها والأكثر ..يثير توجسا غريبا في روحها حول هدفه من تعامله الغريب معها.. ولكنها ختاما قررت ألا تفسد أي شيء رتبته حسب تفكير هذا المتخلف.. فهي من حقها أن تلبس ماتشاء وفق ترتيبها دون اهتمام به.. فبما أنها عروس فهي ستستمع بهذا الشيء دون اهتمام برأيه.. ارتدت رداءها الحريري الأبيض الفخم المثقل بالتطريزات الراقية.. وأحكمت شد روبها الحريري على جسدها حتى لا يظهر أي جزء من نحرها.. انتظرته من باب الذوق لنصف ساعة.. ثم قررت أن تنام.. وفعلا تمددت على السرير ونامت من التعب وهي تشعر بتوجس ما.. أن يعود فيقلق نومها بتقربه المريب منها.. لذا كانت مفاجأتها أنها حينما صحت قبل آذان الظهر بقليل.. أنها تلفتت جوارها لتجده نائما معتصما بناحيته البعيدة من السرير.. شهقت بخفة وهي تجد أن روبها قد انفتح قليلا أثناء نومها.. شدته وهي تقف لتنهض من جواره.. وهي تشعر باستغراب كبير أنه تركها تنام كل هذا دون أن يكدر عليها نومها.. جلست على المقعد قريبا من التسريحة لتمشط شعرها .. ليفاجئها همسه الناعس المخلوط بالحزم: ممكن أعرف سبب الشهقة اللي صحتني من النوم؟؟ كاسرة استغربت أن شهقتها الخافتة المسموعة بالكاد قد أيقظته من نومه.. أجابته بحزم مشابه: ماشهقت.. شكلك تتحلم.. حينها رأت انعكاسه في المرآة وهو يجلس على طرف السرير ويهتف بتلاعب: إلا شهقتي.. هذا كله متروعة عشان اللي كان باين من جسمش ترا أنتي كلش حلالي.. كاسرة ردت عليه ببرود وهي تركز نظرها على انعكاس صورته على المرآة أمامها: ترا فيه أسلوب حضاري أكثر للحديث.. رد عليها ببرود وهو يقف لينزع قميص بيجامته: ماعليه بكرة أخذ منش كورسات أنهى عبارته ليتمدد أرضا ويقوم بتمارين الضغط اليومية.. حينها هتفت له كاسرة بتساؤل: توك سويت تمارين أول ما وصلنا.. كساب يجيبها دون أن يتوقف: تمارين الضغط لازم مرتين في اليوم.. وعلى العموم هي ربع ساعة بس وأغسل وأتسبح وأفضى لش.. كاسرة ببرود: شكرا.. خلك في تمريناتك.. أنا بأغسل وأتوضى وأصلي.. كساب وهو منهمك بتمريناته: كلنا بنصلي.. ثم بنطلب شي نأكله.. ثم أردف بنبرة مقصودة: إلا ليش ماشلتي فوطتي من الأرض يامدام؟؟ ردت عليه كاسرة بذات النبرة المقصودة: لنفس السبب اللي أنت خليتها مرمية على الأرض عشانه يازوج المدام؟؟ كساب بذات النبرة: وقلت لش قبل لا تحطين رأسش براسي.. كاسرة بحزم: ليه رأسي فيه شيء أقل من رأسك؟؟.. شوف كساب تبي حياتنا تستمر تحترمني في كلامك وتعاملك.. وإلا.. قبل أن تكمل عبارتها كان يقفز بحركة محترفة مفاجئة ليقف أمامها مباشرة وهو يهتف بحزم بالغ وعيناه تبرقان ببريق آسر.. مخيف: وإلا ويش؟؟ سمعيني.. كاسرة صُدمت وهو يقف أمامها من هذا القرب ونصفه العلوي عاريا هكذا.. لم ترد أن تُشح بوجهها في هذا الموقف فيحسب أنها خافت منه لذا ركزت نظرها في عينيه وهي تهتف بذات الحزم البالغ: وإلا مافيه داعي نكمل في حياة مفقود فيها أهم عنصر في الحياة الزوجية .. الاحترام.. حينها أمسك كساب بمعصمها بقوة وهو يرفعه لأعلى.. ويشدها ناحيته ويهتف بنبرة مرعبة وهو يركز نظره في عينيها كذلك: إذا أنتي منتي بحريصة على حياتش معي.. مافيه أي سبب يخليني انا أكون حريص.. لأن هذي مسؤوليتش أنتي.. وإذا أنتي تخليتي عنها فتأكدي أني باكون قبلش.. كاسرة دون أن يتذبذب صوتها أو يتغير أو ينحدر وهي تهمس بذات النبرة الحازمة الواثقة: كساب ممكن تقول اللي أنت تبيه بدون ما تستخدم إيديك.. شل يدك لأنك آجعتني.. تراني أسمع بأذني مهوب بيدي.. تبادلا النظرات لثوان وكل واحد منهما يرتشف نظرات الآخر بلهفة غريبة مشبعة بتحدي غامض ومشاعر أكثر غموضا.. ثم أفلت كساب ذراعها ليظهر احمرار معصمها واضحا مكان يده في بياض جلدها بين نقوش الحناء الغامقة.. حينها وبشكل صدمها تماما وبعثر مشاعرها.. رفع ذراعها ليقبل مكان الإحمرار بدفء حان.. قبلة قصيرة مبتورة سريعة.. ثم أنزل ذراعها بجوارها وعاد ليتمدد على الأرض ليكمل تمريناته.. بينما توجهت هي الحمام لتغتسل وتتوضأ ودقات قلبها تطرق جنباتها بدوي هائل (هذا مستحيل يكون طبيعي أكيد عنده انفصام في الشخصية!! مهوب طبيعي!! مهوب طبيعي!! مريض نفسي أكيد!!) ********************************* " يالله وش قالت لش كاسرة؟؟ البارحة قلتي لي تعبانة والحين خلاص لازم تقولين لي" جوزاء لا رغبة لها في الحديث.. تهربت منها البارحة.. ولكنها تعلم أن شعاع ستلح حتى تعرف.. لذا أخبرتها باختصار وهي تشعر بالصداع من مجرد الفكرة.. شعاع هزت كتفيها: عندها حق.. جوزاء بغضب: أي حق؟؟ أنا أرجع للزفت مرة ثانية عقب ماخلصني ربي منه.. شعاع بهدوء منطقي: زين قولي لي... هل بتتزوجين غيره يوم؟؟ جوزاء أنزلت راسها بين كفيها وهي تضغطه وتهمس بإرهاق: ما أبيه ولا أبي غيره.. أبي أربي ولدي وبس.. شعاع بذات الهدوء المنطقي: جوزا أنتي عادش عمرش 25 سنة.. عادش صغيرة من حقش تعيشين حياتش وتجيبين عيال غير حسن.. حسن بكرة بيكبر وبيكون له حياته الخاصة فيه.. إذا أنتي ماتبين تزوجين عشان حسن.. ارجعي لإبيه.. أدبيه عشان يعرف غلطته.. بس عبدالله بنفسه رجال فيه خير.. عطي نفسش وعطيه فرصة ثانية.. حينها انتفضت جوزاء بغضب عارم: نعم؟؟ فيه خير؟؟ واعطيه فرصة؟؟ أنتي أكيد مجنونة.. أنا وعبدالله مع بعض مرة ثانية؟؟.. مستحيل !! مستحيل!! ********************************* " هلا والله بهل العرس البارحة.. متى جيتي البارحة يالصايعة؟؟ أنا رقدت عيالش ثم نمت وأنتي عادش ماجيتي" نجلاء تبتسم وهي تجلس بجوار عالية: يأختي ردي السلام أول ثاني شيء حتى عرس الرياجيل تأخر.. صالح أساسا هو اللي تأخر علي بس شنو عرس ياعلوي.. خرافي والله العظيم.. عالية بتساؤل حماسي: والعروس كانت حلوة؟؟.. نجلاء بابتسامة عذبة: عاد كاسرة أخر وحدة ينسأل عنها ذا السؤال هي حلوة على كل حال.. أشلون ليلة عرسها.. كانت خيال ماشاء الله وفوق الخيال بعد.. حياتي كلها ماشفت ولا ظنتي أشوف عروس كذا.. عالية تشد ياقة قميصها بحركة تأنق وهي تتساءل بغرور تمثيلي: ولا حتى أنا؟؟ نجلاء تضحك: لا عاد أنتي شيء ثاني.. أحلى وحدة في كوكب غير الأرض.. عالية تضحك: مالت على عدوش.. المهم أصير حلوة في عيون الدحمي بو نظارات.. عساه بس نظره ضعيف والشوف عنده ردي؟!.. نجلاء بمرح: لا طال عمرش.. جوزاء تقول لي نظره 6 على 6 بس النظارة للحماية وهو تعود عليها.. عالية بتحسر تمثيلي: أخ اللي طفش الرجّال.. ثم أردفت بابتسامة: خلينا مني.. تو الناس... علميني عن العرس.. البنات وش كانوا لابسين؟؟.. نجلاء بمودة: ماشاء الله الكل حلو ومتكشخ.. عالية بتذكر: تدرين نجول أني شفت العريس وأنا جايه من فرنسا كان معنا على نفس الطيارة بس شنو يانجول.. يسطل.. يسطل.. أنا انسطلت من قلب.. طاحت كبدي عنده.. لولا ان خالي نايف عصب علي.. وإلا كان رحت وقعدت في حضنه.. نجلاء تضحك: وين الدحمي يسمعش.. عالية بمرح: يا بنت الحلال إن الله جميل يحب الجمال... والله يهني كسّاب بكاسرة.. ويهني الدحمي بعالية اللي بتطلع عيونه وقبلها نظاراته.. ****************************************** " ماكلتي شيء!!" كاسرة تهمس بهدوء: الحمدلله .. شبعت.. هتف بنبرة أقرب للتهكم: شوفتي تسد النفس يعني؟!! كاسرة بثقة: ماقلت كذا.. لكن لو أنت تظن كذا أكيد عندك أسباب وجيهة.. كساب حينها أردف بنبرة لا تخلو من الغضب: أنتي على طول لسانش طويل كذا؟!! كاسرة وقفت وهي تهمس بنبرة ساخرة: ما أشوف لساني طويل.. لكن اللي على رأسه بطحا يحسس عليها.. حينها شدها كساب بقوة ليجلسها جواره وهو يهتف بغضب: زين ما أعتقد إنه يجهلش يأم الذوق والأدب أنه عيب تروحين ورجالش يحاكيش.. كاسرة همست ببرود مختلف عن غضبه: والله حسبت الكلام خلص.. كساب حينها كان من وقف وهو يهتف بحزم دون أن يلتفت ناحيتها: قومي البسي عباتش.. اليوم بناخذ جولة مشي حوالين الفندق ثم بنطلع المدينة القديمة..وساحة بورغ دي فور.. وبكرة بيبدأ البرنامج بعد التعديل.. ثم أردف بصرامة وبنبرة أمر متسلطة : واعرفي أشلون تثمنين الكلمة قبل تقطينها.. تراني خاطري مهوب وسيع دايما!! وترا أمش داعية عليش لو صدفتي قفلة خاطري وأنتي بملاغتش ذي!! ********************************** " يبه فديتك.. قم توضأ للصلاة.. ماعاد دون الصلاة شيء" هتف بتثاقل ودون أن يفتح عينيه: كاسرة كلمت؟؟ ابتسمت مزنة بشجن: لا فديتك.. بس أرسلت لي رسالة الفجر إنها وصلت وقالت لي إنها بتكلم عقب صلاة الظهر.. مد يده لتساعده ابنته على الجلوس وهو يهتف بشجن عميق: جعلني ما أخلى منش.. بس البيت من غير كاسرة ماكن فيه حد.. مزنة تناولت كفه لتقبل ظاهرها وهي تهمس بمودة عميقة: دارية بغلاها عندك.. جعل ربي مايخليني منك.. ثم أردفت بابتسامة: وبعدين أنت اللي بغيتها تعرس... الجد يخلع غترته الملفوفة حول رأسه ويضعه جواره على السرير وهو يتحسس بحثا عن عصاه ويهتف بعمق: كاسرة أنا عارفها أكثر من روحي.. لو أني ما لزمت إنها تأخذ كسّاب ماكان عرست أبد.. كان قعدت تعيي من الخطاطيب لين يروح عمرها وشبابها.. بغيت لها الزين وأنا داري إن فرقاها علي صعيبة.. كن روحي مهيب بين جنوبي يأبيش.. كن روحي مهيب بين جنوبي!! ************************************** كانت قد انتهت لتوها من صلاة الظهر حين سمعت رنين هاتفها.. تناولته بإرهاق ودون أن تنظر للرقم لترد بصوت مثقل بالإرهاق والذبول: نعم.. من؟؟ رغما عنه.. صوتها الذابل نفض أوتار قلبه الذائبة من أجلها وترا وترا .. آلمه كم الإرهاق المتبدي من صوتها ومع ذلك هتف بنبرة رسمية متحكمة: السلام عليكم يأم حسن.. حينها ارتفع ضخ الأدرينالين عندها وهي تهتف بغضب: أنا مهوب قلت لك تنسى ذا الرقم.. عبدالله ببرود: وأنا ما نسيته... بترفعين علي قضية تطالبيني أنساه..؟؟ وبعدين توش صوتش يالله طالع.. ماشاء الله من وين طلع ذا الصوت كله؟؟ جوزاء بغضب: مهوب شغلك.. صدق شين وقوات عين.... عبدالله قاطعها بصرامة: جوزا ..حدش.. ماراح أسمح لش تطولين لسانش علي.. أنا وأنتي بيننا ولد.. فهل كل مابغيت حسن أو بغيت أسأل عن شيء يخصه بأحط وسيط بيننا..؟؟ جوزاء بذات الغضب: وأنا ماني بحلال لك تدق معي سوالف.. عبدالله بذات البرود: والله أنا ما كلمت أتغزل فيش.. هي كلمة ورد غطاها العصر جهزي حسن بأوديه أفصل له ثياب مهوب عاجبني أنه يلبس بناطيل... جوزاء بسخرية: وأنت وش كنت تلبس الأربع سنين اللي فاتت؟؟ عبدالله بحزم: والله لبستها مضطر.. وما أبي ولدي يتعود عليها.. أبيه يتعود على لبس الثياب.. جوزاء ببرود: و من وين صار ولدك وأنت قبل أسبوعين ماتدري عنه شيء؟؟ عبدالله ببرود: تبين أقول لش من وين.. قلت لش بالتفصيل جوزاء تفجر غضبها عارما متدفقا: صدق أنك وقح وقليل أدب.. عبدالله بذات البرود: من طق الباب سمع الجواب يأم حسن.. تحدين الواحد على أقصاه.. وإنه يقول شيء مايبغي يقوله.. جوزاء بنفاذ صبر: خلاص العصر بتلاقيه جاهز.. شيء ثاني؟؟.. عبدالله بثقة: إيه أبي أدري أي روضة سجلتيه؟؟ جوزاء تكاد تمزق شعرها غيظا: وأنت وش دخلك؟؟..ياشين اللقافة!! وعلى العموم حسن توه صغير ما سجلته في شيء عبدالله بحزم: أشلون ماسجلتيه فتح المدارس بعد شهر ونص وبيكون عمره تقريبا 3 سنين ونص.. لازم يدخل روضة وأنا كنت أقرأ في جرايد قطر أنه في أزمة تسجيل ولازم الواحد يسجل قبل نهاية السنة الدراسية.. جوزاء بغضب: وانت وش دخلك.. عني ما سجلته... إن شاء الله أقعده جنبي وعمره مادخل مدرسة...مالك شغل..مالك شغل يأخي روح دور لك حد تحرق أعصابه بثقل دمك غيري.. عبدالله بحزم: قصري حسش.. وبعدين سالفة مالي شغل هذي تنسينها.. لأني لي شغل ونص.. وتأكدي إنه كل شيء يخص حسن أنا بأتدخل فيه.. جوزاء بذات الغضب: لا تحط لنفسك حقوق مهيب لك.. أنت تفهم وإلا ما تفهم.. حسن هذا ولدي أنا بروحي.. عبدالله بنفاذ صبر: حسن ولدي مثل ماهو ولدش.. افهمي ذا الشيء زين.. وتاكدي أني ماراح أتنازل عن حقي في تربيته هو وأخوانه.. جوزاء بتساؤل مصدوم: أخوانه؟؟ عبدالله بثقة وهو يشدد النبر على كل حرف: إيه أخوانه اللي أنتي بتجيبنهم لي.. بعثرت جوزاء كل مشاعره بعنف وهي تجيب بتسرع ودون تفكير: بأفكر.. أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والأربعون جوزاء بذات الغضب: لا تحط لنفسك حقوق مهيب لك.. أنت تفهم وإلا ما تفهم.. حسن هذا ولدي أنا بروحي.. عبدالله بنفاذ صبر: حسن ولدي مثل ماهو ولدش.. افهمي ذا الشيء زين.. وتاكدي أني ماراح أتنازل عن حقي في تربيته هو وأخوانه.. جوزاء بتساؤل مصدوم: أخوانه؟؟ عبدالله بثقة وهو يشدد النبر على كل حرف: إيه أخوانه اللي أنتي بتجيبنهم لي.. بعثرت جوزاء كل مشاعره بعنف وهي تجيب بتسرع ودون تفكير: بأفكر.. عبدالله بصدمة مشاعره المبعثرة (هل قالت سأفكر؟!) همس بتساؤل عميق: نعم؟؟ وش قلتي؟؟ جوزاء همست العبارة كأنها تبصقها.. كأنها مشارط تمزق لسانها: قلت لك بأفكر عبدالله شد نفسا عميقا: صحيح أنا ملزم عليش بس أبو عبدالرحمن رافضني.. وكنت أبي وقت لين أرجع أكلمه.. جوزاء تشعر بمرارة عميقة من اتمام هذا الحوار.. وكأنها تتحاور مع سجانها حول سجنها وترتيبه.. همست باختناق: إبي حلف؟؟ عبدالله بنفي: لا .. ما حلف.. جوزاء بضيق عميق: خلاص أنا قلت لك بأفكر.. ولو افقت كلّم عبدالرحمن.. عبدالرحمن لو اقتنع .. بيقنع إبي.. عبدالله عاجز عن تصديق كل هذه الفرحة.. هتف بلهفة عميقة: ومتى تردين علي؟؟ جوزاء بكراهية أعمق: أبي لي وقت.. لأني بكل صراحة أكرهك كره العمى.. عبدالله مصدوم من صفعها له بكراهيتها بهذه الطريقة.. هتف بحزم موجوع: زين ليه توافقين علي؟؟ جوزاء بصراحة غريبة ممزوجة بالمرارة والكراهية والبغض: أنا لو وافقت عليك بيكون عشان أسود عيشتك بس.. عشان أخليك تعيف حياتك مثل ما خليتني اعيف حياتي عبدالله باستغراب: فيه وحدة تقول ذا الكلام لواحد يخطبها!! جوزاء في داخلها.. في عقلها الباطن.. تتمنى أن يتراجع عبدالله عن التفكير بعودتها له.. أن يكون هو من يرحمها من مرارة التفكير بالحياة معه.. أن يهرب بجلده منها!! بداخلها رغبتان متصارعتان.. رغبة العودة له للانتقام منه.. ورغبة الهروب منه لأبعد كوكب.. وفي ذات الوقت رغبة العودة له باتت أقوى.. لأنها تغذي شيئا مختلفا في روحها ولكن رغبة البعد عنه هي الأقرب لروحها المنهكة المعذبة.. لذا تريد منه هو أن يساعد رغبتها في البعد عنه.. أن ينقذها هو من جنون التفكير بالعودة له.. التفكير الذي بات يمزق تفكيرها ويغذيه كراهيتها له.. ولكنها تعبت من الكراهية.. تعبت!!.. تريد أن تعيش لابنها فقط.. و في ذات الوقت لو عادت له ستتفجر الكراهية أمواجا أمواجا تحت ردائها.. تخشى من تحول أشد في شخصيتها.. أن تتحول لمخلوق أكثر بشاعة ومرارة وهي بقربه.. همست بكل هذا الجزع والتعقيد والمرارة: عبدالله أنا أبري ذمتي الحين.. ترى لو تزوجنا.. ودّع راحة البال.. بأخليك تكره الدنيا أنا قلبي مليان سواد وكراهية وحقد وكل ذا بأطلعه فيك.. أنا أحذرك من حياتك معي.. صدقني بتكون تعاسة مابعدها تعاسة.. شد عبدالله نفسا عميقا: المهم هلي ما يدرون بشيء من اللي يصير بيننا.. عدا كذا أنا كلي حلالش.. تدرين ليه؟؟ لاني واثق إن حبي لش أقوى من كراهيتش لي.. جوزاء بكراهية عميقة: لا تكون واثق كذا!! أنت ماعادك تعرفني!! عبدالله بثقة عميقة: وأنا واثق في نفسي.. واثق في قلبش اللي ما تعرفينه.. المهم تردين علي بسرعة.. خلاص مافيني صبر عقب ماعطيتيني أمل!! ***************************************** "انبسطتي بالجولة؟! " كاسرة تلتفت لكسّاب وهي تخلع نقابها وتعلقه وتهمس بهدوء عذب: الحمدلله.. كساب جلس وهو يخلع حذائه ويهتف بثقة: تعليق محايد.. أفهم منه أن الجولة ماعجبتش .. كاسرة جلست على مقعد منفرد قريبا منه بعد أن خلعت عباءتها وهمست بثقة: من حيث إنها عجبتني فهي عجبتني بكل صراحة.. وخصوصا أنه كان معي دليل خبير وذكي كان يعرف كل شيء.. وعطاني معلومات حول كل شي والمدينة القديمة عجبتني فعلا كأن الواحد رجع للزمن القديم.. لكن الدليل كان مستعجل عشان شيء ما أدري وش هو.. كساب يفكك أزرار قميصه ويهمس بحزم: قلت لش أنش ذكية من قبل يا بنت فعلا أنا مستعجل عندي موعد للشغل.. باتسبح وأطلع.. كاسرة تشعر بصدمة لم تظهر في صوتها الواثق المتحكم: بتطلع وتخليني؟؟ كساب بتساؤل لئيم: خايفة؟؟ كاسرة بحزم: طبعا لا.. وليه أخاف؟؟ انا في فندق مليان سكيورتي.. وبشكل عام أنا وحدة ما أخاف بس فيه شيء اسمه ذوق.. أعتقد أن هذا شهر عسلنا.. والمفروض أنه احنا نقضيه مع بعض.. مهوب يكون عندك شغل فيه.. كساب بعدم اهتمام: تعبت وأنا أقول لش ماعندي ذوق.. أنا عبيت تلفونش الجديد رصيد.. كلمي هلش وهل الدوحة كلهم لاني ماني براجع قبل الفجر.. حينها هتفت كاسرة بصدمة عميقة: تونا الحين متعشين وتعشينا بدري بعد.. وش اجتماع الشغل اللي بيقعد ثمان ساعات؟؟ كساب بشبح ابتسامة: ما ادري ليه شام ريحة غيرة وإلا شك؟؟ كاسرة تقف لتهمس بحزم: لا غيرة ولا شك.. مرخوص.. المهم لا تزعجني لو لقيتني نايمة.. *********************************** " شأخبارش اليوم؟؟" وضحى تجيب بهدوء ساكن: تحسين البيت صاخ مافيه حياة حتى جدي مايرد علينا إلا بالقطارة..تحسينه ذابحته الشحنة لها ومايبي يبين.. نبي لنا كلنا وقت لين نتأقلم.. حينها سألت سميرة بحذر: وتميم أشلونه؟؟ حينها انحدر صوت وضحى للحزن: تميم الله يعينه.. هو بروحه سالفة.. الحين مايطلع إلا للمسجد ويرجع لا عاد راح شغل ولا حتى يطلع من غرفته إلا في أضيق الحدود.. سميرة بتأثر: طيب وش يسوي ذا كله بروحه؟؟ وضحى بتأثر شفاف: أنا أحط له على الفيديو برامج دينية وثقافية بلغة الإشارة.. وكل شوي أرجع أغيرها لها.. غير أني أصلا لو كان ماعندي شغل قاعدة عنده.. وين بروح يعني؟؟ سميرة بحذر شديد: زعلان مني ياوضحى؟؟ وضحى تخفي عنها الحقيقة وهي تجيب بطبيعية مصطنعة: لا طبعا.. وليش يزعل منش؟؟.. سميرة بقلق: ما أدري ليه قلبي ناغزني إنه ممكن يكون شايل مني في قلبه.. يعني أنا كنت السبب في اللي صار له.. وهو بنفسه حساس.. ما أدري وضحى.. ما أدري.. قلبي مهوب مرتاح.. وضحى بتشجيع: لا تصيرين معقدة.. وريحي قلبش.. وفكري في تجهيزات عرسش وبس.. همست سميرة بحياد تختلف عن القلق الرقيق الغامض الذي بدأ يتسرب لقلبها: يصير خير وضوّح.. يصير خير.. *********************************** " هاه يأبيش تبين شيء من السوق الحرة؟؟" مزون تلتفت لوالدها وهي تعدل وضع حقيبتها على كتفها وتهمس بمودة: إيه فديتك أبي أشتري شوي هدايا لجميلة.. الأيام اللي طافت في رأسي ألف شغلة عشان عرس كساب ومالحقت أشتري لها شي.. زايد بمودة: خلاص يابيش وتعالي نقي معي بعد هدية لخليفة.. مايصير نجيه يدنا فاضية.. مزون بتساؤل: إلا يبه خليفة ذا وش طينته؟؟ زايد يبتسم: رجّال أجودي وفيه خير.. الله يعينه على دلع جميلة بس.. أنا بنفسي سألت دكتورتها يوم رجعت قبل فترة.. قالت لي إنها مجننته بعصبيتها ودلعها.. مزون تنتهد: والله العظيم جميلة قلبها أبيض وأطيب منها مافيه.. بس المشكلة ما يعرفون يتعاملون معها.. حتى خالتي بنفسها ماكانت تعرف تتعامل معها.. *********************************** لم تستطع مطلقا أن تنام رغم إرهاقها.. بداخلها تغلي غضبا عليه.. تتمنى لو كانت تستطيع أن تعود للدوحة وتتركه هنا ليستمتع هو وحده بشهر العسل هذا الكسّاب المعدوم الذوق!! هل سبق أن حصلت في التاريخ أن عريسا يترك عروسه في الليلة الثانية من زواجهما ويذهب في عمل؟؟.. وأي شركة هذه التي تبقي أبوابها مفتوحة حتى صلاة الفجر؟؟ بقي هذا الغضب في روحها حتى بعد أن صلت الفجر وهو لم يعد بعد.. كانت تنظر في نفسها في المرآة.. وتتذكر أحاديث النساء اللاتي كن دائما يقلن لها ذات المضمون بعبارات مختلفة: " أعانك الله على التصاق زوجك بك.. فهو منذ يراك سيعجز عن مفارقتك أو حتى مجرد إغماض عينيه عن حسنك.. زوجك سيلتصق بك التصاق المغناطيس بالحديد.." كانت تنظر لحسنها الخيالي المنعكس على صفحة المرآة.. شعرها المنسدل على كتفيها أمواج من ليل أسود.. وهو يتناثر على بيجامتها الزهرية .. وجهها الخالي تماما من المساحيق وفيه من الحسن والجمال ماتعجز عن صنعه كل مساحيق العالم لأنه صنع الله عز وجل.. تباركت قدرته هاهي تقضي ليلتها الثانية وحيدة بدون وجوده.. كم تمنت في داخلها أن تراه يركع أمام حسنها.. أن تذله قليلا بهذا الحسن.. هذا المتغطرس المغرور الذي لا يعترف بالحدود.. ثم حين يريد يضع كل الحدود.. تريده أن يتمنى نظرة رضى منها فلا تمنحها له.. أن تراه محترقا بالشوق لها واللهفة لرضاها.. بينما على مستوى آخر.. هي غير متعجلة أبدا على قرب هذا الرجل وكسر الحواجز بينها وبينه.. في داخلها خشية طبيعية من هذا القرب.. ومن قرب كسّاب بالذات.. ولكنها تريده أن يتمنى هو هذا القرب ويعاني حتى يصل له..تريده أن يرضي غرورها!! فكيف تكون هي بكل هذا الجمال الذي كان يُسكر كل من يراه.. بينما زوجها يتجاهلها وفي ليلة زفافها.. بل ويتجاهلها بطريقة غير مفهومة فلا هو من يصرح بتجاهله.. ولا هو من يقترب.. ولا هو من يبتعد.. وهي غارقة في تفكيرها هذا سمعت صوت الباب يُفتح.. دخل وهو يترنح في مشيته.. انتفضت بعنف وقلبها يقفز خارج ضلوعها!! "مشيته غير طبيعية.. هل هو مخمور؟؟ " ( آخرتها أنا أتزوج واحد يجيني عقب صلاة الفجر سكران؟؟ هذا شغلك اللي أنت مشغول يا كسّاب؟؟ خلني أتاكد بس إنك سكران والله ما أقعد عندك دقيقة!!) كاسرة اقتربت منه بخفة.. همس لها بصوت مرهق: السلام عليكم همست له بحذر وهي تكاد تصفعه: وعليكم السلام.. اقتربت منه أكثر وهي تحاول أن تشتم رائحته.. لا تعرف أبدا ماهي رائحة الخمر.. ولكنها سمعت أنها رائحة كريهة.. لذا انتفضت بجزع وهو يمسك بها من مؤخرة رأسها ثم يدفن أنفها في عنقه ويهتف لها بنبرة متفجرة بالغضب رغم إرهاقه: تبين تشمين.. تعالي شمي من قريب.. كاسرة دفعته بيده وهي تهتف بغضب: فكني يالمجنون!! أفلتها لينهار جالسا على الأريكة وهو يهمس بتهكم مغلف بالإرهاق: وش شميتي؟؟ كاسرة كانت تمسح وجهها بقرف وتهمس بذات القرف: شممتني عرقك يالمقرف.. كساب بذات التهكم: يعني ماشميتي ريحة خمر ولا عطر نسوان؟؟ كاسرة همست بحزم دون أن تنظر ناحيته: ماخطرت ذا الأفكار برأسي.. كساب بغضب: إلا طرت على بالش وأنتي قاعدة تشممين كنش قطوة.. يا بنت الناس أنا لاني براعي خمر ولاني براعي نسوان ولا عمري عرفت شيء منهم.. ثم انحدر صوته بخبث وهو يقف بذات الطريقة المترنحة ليمسح على خدها بنعومة: ولو أني مشتهي أعرف النوع الثاني.. كاسرة أزالت يده وهمست بغضب: هذا مهوب أسلوب تكلمني فيه.. عاد ليجلس هامسا بحزم مخلوط بالإرهاق: أنا أكلمش مثل ما أبي.. مهوب أنتي اللي تعلميني الأسلوب حينها سألت كاسرة بنبرة قاطعة حازمة: كساب وين كنت؟؟ كساب يقف ليتوجه للحمام ويهتف بحزم: مهوب شغلش.. وترا بكرة بعد بأطلع وأتوقع ذا السؤال ما يتكرر.. كاسرة حينها هتفت ببرود: دامك كل ليلة تبي تطلع وتخليني.. رجعني للدوحة أحسن.. كساب ببرود: اسمعيني يا بنت الحلال.. برنامجنا من الساعة 10 الصبح للساعة 10 المسا.. طول هالوقت أنا بأكون معش.. بعد كذا مالش شغل فيني.. كاسرة ببرود مشابه: والسالفة بيننا مجرد سالفة برنامج نقضية مع بعض كن حن مسجونين مربوطين ببعض؟؟.. حينها اقترب منها كساب وهمس بتلاعب: طيب وش هي السالفة؟؟ كاسرة تراجعت للخلف وهي تهمس بحزم: أنت شكلك تبي تروح للحمام وأنا عطلتك.. كساب اتجه للحمام وهو مازال يمشي بذات الطريقة المترنحة.. كاسرة غيظها عليه يتصاعد.. قررت أن تنهي الصراع اليوم وتتجه لتنام.. كساب حينما خرج .. وجدها تمددت.. تناول مصحفه ليقرأ ورده الذي لم يستطع قراءته بعد صلاة الفجر.. لأنه صلى في مكان لم يكن به مصحف.. ثم تمدد جوارها بصعوبة آلمه المنتشر على امتداد كل جسده.. كان يشعر أن جسده يشتعل بالألم الفعلي الذي يحاول إلغاءه حتى لا يفكر به.. وبالفعل كان على وشك أن ينام حينما صرخت به كاسرة بجزع: كساب قوم.. كساب بإرهاق: كاسرة نامي.. تعبان أبي أنام.. كاسرة اقتربت منه وهي تهمس بذات الجزع: أقول لك قوم.. كساب جلس وهو يهتف بغضب: نعم.. وش تبين؟؟ كاسرة بقلق: بيجامتك فيها نقط دم.. من وين؟؟ كساب شد الغطاء عليه قليلا وهو يهمس بحزم: كاسرة خلي ذا اليوم يعدي.. ونامي الله يهد عدوش.. كاسرة بغضب مكتوم: خلاص كيفك.. ولو تبي تموت وانت نايم.. تريحنا بعد.. كساب لم يرد عليها وهو يوليها ظهره ويغرق في النوم فعلا بينما هي كانت تراقب بقع الدم التي بدأت تتسع على ظهر بيجامته ومن أماكن مختلفة.. وهي تشعر بحرقة عميقة غير مفهومة.. (ماذا فعل هذا المجنون بنفسه؟؟) لم تستطع أن تنم معه على ذا السرير.. وهي مشغولة بالنظر إلى بقع الدم التي اتسعت أكثر وأكثر!! نهضت ونامت على أريكة في غرفة الجلوس.. قضت وقتا طويلا قبل أن تنام.. تفكر.. مليئة بالهواجس والكثير من الحرقة.. تمنع نفسها أن تنهض لتعود لترى هل غرق في دمائه أو كيف هو حاله.. (ماذا فعل بنفسه هذا المجنون؟؟ من أين أتت كل هذه الدماء؟؟ من أين؟؟) وأخيرا نامت نوما سيئا مليئا بالأحلام الغريبة!! وكانت مستغرقة في النوم حين نهض كساب قبلها وخرج ليتوجه للطبيب ليضع له لاصقات طبية على عشرات الجروح التي غطت نواحي مختلفة من جسده!! وليعطيه مسكنا ما.. يهدئ الألم قليلا.. حينما عاد توجه للأميرة النائمة.. رغما عنه وبعيدا انتباهها له قضى عدة دقائق يراقبها بصمت وهي مستغرقة في نوم عميق.. كان بوده أن يمد يده ليمسح خدها.. أجفانها الغافية .. شفتيها النديتين.. ولكنه منع نفسه وهو يقهر رغبته العارمة في تحسس بشرتها فقط.. لينتزع نفسه من مراقبتها.. مـا الـجــديــد؟؟ فهو في السنوات الأخيرة كان هذا ديدنه مع نفسه.. سلسلة متواصلة من القهر حتى اعتاده!!.. تنهد وهو يجلس معها على نفس الكنبة.. كاسرة حين شعرت بالثقل الذي التصق بها ..فتحت عينيها بخفة.. لتنهض جالسة وهي تشعر بخجل طبيعي وتتراجع للخلف قليلا.. هتف لها بهدوء: ممكن أعرف ليش قمتي من جنبي؟؟ كاسرة همست بهدوء وهي تعيد شعرها خلف أذنيها: يعني تبيني أقعد لين تغرقني بالدم اللي ما أدري من وين جاي حينها وقف كساب وهو يهتف لها بسكون: أنا طلبت لنا فطور بيجي الحين.. بأبدل ملابسي.. وبنطلع بعد الفطور اليوم بنروح بحيرة جنيف.. بنتغدى هناك ونتعشى بعد.. الجولة حولها طويلة وتستاهل يوم كامل.. كاسرة توجهت للحمام.. حين اغتسلت تذكرت أنها نسيت أن تأخذ معها ملابسها.. وحين توجهت لغرفة النوم فوجئت بمنظر كساب الذي كان يبدل ملابسه وجسده المغطى باللصقات الصغيرة.. لم تعلق مطلقا.. وهي تفتح الخزانة لتتناول من ملابسها التي رتبتها البارحة هناك لتقضي على الملل.. كساب كان مستغربا بالفعل أنها لم تعلق.. بل وكأنها لم تبصره.. وهي تمر من جواره.. حينها اعترض كساب طريقها وهو يشدها ناحيته.. حاولت تحاشي النظر لجسده وهي تنظر لوجهه مباشرة.. أمسك بيدها ووضعها على اللاصقات على صدره.. حاولت شد يدها التي كانت ترتعش رغما عنها.. ولكنه لم يسمح لها وهو يهتف بتلاعب: يمكن أحيانا ما أحبش تعلقين أو تسألين.. لكن لو ما سألتي بطولة لسانش المعتادة احس فيه شيء مهوب طبيعي.. كاسرة بحزم: سألت البارحة وماجاوبتني.. فمافيه داعي أسأل اليوم.. حينها صدمها أنه أجابها ببساطة: البارحة كنت أتسلق جبل.. الغبي اللي كان رابطني ماثبت الحبل زين.. فلت الحبل شوي.. فصدم جسمي في الجبل من عدة نواحي.. بس الحمدلله ماصار لي إلا شوي ذا الخدوش.. كاسرة من صدمتها مما سمعته لم تستطع قول شيء (أيتركها في أول أيام زواجهما ليتسلق الجبال؟؟) تشعر أن غضبها الذي لا يتوقف يتزايد أكثر وأكثر منه.. حاولت دفعه عنه ولكنه لم يتركها وهو يمسك بها من عضديها ويهمس بهدوء مقصود: ليه زعلتي؟؟ كاسرة ببرود محترف: مافيه شيء يزعل.. تتركني أول أيام زواجنا.. وتروح تطامر في روس الجبال.. وفي الليل.. وترجع لي مرضرض وجسمك مقطع.. وكان يمكن تموت بعد لولا ستر ربي.. وتصدق!! تصدق؟!! مافيه شيء من ذا كله يزعل.. حينها نقل كفيه من عضديها لجانبي وجهها وهو يقربها منه أكثر ويهمس بدفء عميق: خاطري أدري هو زعل.. وإلا عتب؟؟ وإلا خوف علي؟؟ أمسكت بكفيه لتزيلهما عن وجهها لتهمس بحزم يختلف عن ذوبان داخلها: ولا شيء منها.. ************************************* " ياقلبي.. البارحة كله ما نمتي.. بأروح للدوام وأنتي مابعد نمتي!!" همست عفراء بإرهاق وهي تسكب له فنجان من القهوة: ليه أنا أزعجتك؟؟ منصور يضع فنجانه جانبا ويمد يده ليمسح خدها بحنو: كنتي يا الله تتحركين ماتبين تزعجيني.. بس أنا كنت حاس فيش.. أنا خلاص ما أقدر أنام إلا على أنفاسش الهادية لا نمتي ورحتي في النوم بين ضلوعي.. عفراء بقلق: متوترة منصور.. أنتظر وصول مزون لجميلة.. عشان تطمني عليها من عقب اللي صار وأنا أقلى على فرن.. منصور بنبرة عتب: عقب اللي صار.. تقصدين فيه روحتي لجميلة؟؟ عفراء تمد يدها لتحضن كفه وتهمس بحزن: منصور تكفى لا تفتح ذا الموضوع الحين.. اللي فيني من التوتر يكفيني.. ******************************** " الحين أنا أبي أدري ليه ذا البكا كله؟؟ ما تبينه خلاص وشو له تبكين؟؟ من البارحة لين اليوم وأنتي تبكين" جوزاء بين شهقاتها: مجرد التفكير بالرجعة له يذبحني.. أشلون أرجع له؟؟ شعاع باستغراب: لا ترجعين له.. حد غاصبش.. وش ذا الهبال؟؟ جوزاء همست بغضب بين شهقاتها: شعاع اطلعي برا.. خليني بروحي.. لو اشرح لش من اليوم لين السنة الجاية مارح تفهميني.. واللي يعافيش روحي عني بس.. وإذا رجع حسن سبحيه وعشيه.. أحس مافيني حيل أسوي شيء الليلة من كثرة التفكير.. انهديت هد حيلي الله يهد حيله عبدالله الزفت.. شعاع تنهدت وهي تتناول ملابس لحسن وفوطته من الخزانة ثم تخرج وتغلق الباب وراءها.. لتترك جوزاء جالسة على سريرها ووجهها مدفون بين ركبتيها تنثر دموعها بغزارة.. تشعر بتمزق عميق.. كلما تعمقت في التفكير كلما وجدت أنها تقترب من استحالة العودة لعبدالله.. فهذا هو ماتريده!! مجرد تفكيرها أنها قد تعود زوجة له يجعل روحها تنزفا حزنا ودموعا لا يتوقفان.. رنين هاتفها انتزعها من دموعها ..كان هو المتصل.. ردت عليه وقرار مرعب يتكون في داخلها.. حين ردت أجابها باستعجال: أم حسن أنا برا.. خلي وحدة من الخدامات تطلع تأخذ حسن.. همست بنبرة ميتة: عبدالله أنا موافقة عليك.. عبدالله شعر بسعادة محلقة تتفجر بروحه ولكنه حاول ألا يضغط عليها رغم أنه كره ما سيقوله.. فآخر مايريده هو أن تفكر أكثر: مهوب كنش مستعجلة.. فكري شوي جوزاء بذات النبرة الميتة: عبدالله أنا لو فكرت لين بكرة بس.. مستحيل أتزوجك عبدالله أكثر حرصا منها على ألا تغير رأيها .. و همس بحزم وهو ينهي الاتصال: خلاص أنا بأنزل أكلم عبدالرحمن الحين.. جوزاء ألقت هاتفها جوارها وانخرطت في بكاء هستيري مر وهي تصرخ: أكرهك.. أكرهك . . بعد دقيقة عبدالله يدخل للمجلس... ويسعده الحظ أنه لم يكن في المجلس سوى عبدالرحمن الذي كان مستغرقا في مشاهدة الأخبار.. حين دخل عليه عبدالله كتم صوت التلفاز وهو يقف مرحبا بعبدالله.. حينما جلسا .. وبعد التحية والسلامات.. شد عبدالله نفسا عميقا ثم هتف لعبدالرحمن بحزم: اسمعني يأبو فاضل.. ما يجهلك أني طلبت من عمي أبو عبدالرحمن أرجع أم حسن وهو ردني.. والله العظيم يأخيك أني ما أرخصتها.. وان غلاها عندي داخل بين اللحم والعظم.. وإني ماحدني على طلاقها إلا أني حنيتها من اللي بيصير عقب مالي ذنب إن خبر الطلاق ما وصلكم وأنها حادت.. هذا شيء ربي كتبه وأنا والله ثم والله يالسنين اللي قعدتها في أمريكا أني شفت فيها الشين كله لكن والله ياخيك ثم والله أني ماسويت شيء لحق الدين والشرف لكن هو شيء ربك كتبه وكان يختبرني فيه.. وأنا أشهد أني تعذبت عذاب ماشافه بشر.. مايحق لي عقب ذا السنين أجتمع أنا ومرتي وولدي؟؟.. أدري أنكم كلكم شايلين في خطركم علي.. أنا أبي أعوض على جوزا كل شيء هي شافته.. عبدالرحمن بنبرة مقصودة يتخللها بعض غضب: يمكنها ماتبي العوض.. واللي أنت سويته فيها ماله عوض.. عبدالله بذات النبرة الحازمة: أم حسن الحين ماتبي تعرس عشان ولدها.. هل هو حق أن شبابها كله يضيع؟؟.. أنا والله ما أقهرها على ولدها ولا أخذه منه.. بس أنت رجّال فاهم ومثقف.. وأنا وهي بيننا طفل.. بكرة بيكبر ويسأل ليه مهوب مع أمه وأبيه مثل باقي بزارين خلق الله.. حينها بدأ قلب عبدالرحمن يؤلمه.. فهو هنا ما يهمه حسن كطفل ليس مسؤولا عن أخطاء والديه ولكنه يستحق الافضل.. عبدالرحمن بحزم: زين أنت وش اللي أنت تبيه الحين؟؟ عبدالله بنبرة قاطعة: أبي أرجع أم حسن ونربي ولدنا بيننا.. وأبيك أنت تكون وسيطي عند أبو عبدالرحمن.. لأني مستحيل أكلمه عقب الكلام اللي هو قاله لي واسأل أنت أم حسن وخذ رأيها!! ************************************* طوال جولتهما حول بحيرة جنيف.. وكساب يشبك ذراعها في ذراعه بينما هي كانت تتحاشى بفشل ذريع أن يلتصق جنبها بجنبه ولا تعلم السبب هل لأنها تخشى قربه؟؟ أم لأنه تخشى إيلامه وهي تعلم أن تحت قميصه عشرات الجروح؟؟ كساب وكأن الأمر لا يهمه: أبي أدري أنتي ليه متضايقة أني دخلت ذراعش في ذراعي؟؟ كاسرة بهدوء: مهوب متضايقة.. بس خايفة أكون آجعتك وانت فيك إصابات ولا أصابات الحروب.. عدا أني بصراحة ماني بمرتاحة لطلعتنا وأنت تعبان أصلا.. وقلت قبل نطلع بلاها اليوم بس أنت لزمت.. خلاص خلنا نرجع.. كساب بسخرية: أنتي من جدش.. قال إصابات حروب.. بلاش ماشفتي إصابات الحروب أشلون؟؟ يا بنت الحلال والله العظيم أني ماني بحاس بشيء.. كنت مستوجع شوي الصبح بس الحين خلاص تمام.. تعالي خلينا نقعد نشرب لنا قهوة.. بعد أن جلسا.. همست كاسرة بهدوء: كساب لو سمحت ممكن أكلم أمي شوي في تلفونك تلفوني فضا شحنه.. كساب ناولها هاتفه بعفوية.. لكنها لاحظت أيضا أنه شد على هاتفه الآخر ثم أخفاه في جيب جاكيته الداخلي.. همست كاسرة بتحكم به نبرة ساخرة: ترا ماني بخاطفة تلفونك من يدك.. ليه خايف عليه كذا؟؟ والغريب إنه اليومين اللذي قضيتهم معك ما أشوفك تكلم إلا في التلفون هذا ومع كذا أنت حريص على التلفون اللي ما تكلم فيه أكثر من التلفون اللي تستخدمه.. لدرجة إنك تدخله معك الحمام!! حينها رفع كساب حاجيا وأرخى الآخر وهتف بتهكم واثق: ماشاء الله مراقبة تحركاتي بدقة... كاسرة بثقة: شيء حتى الأعمى يلاحظه.. وأنا ماني بعمياء.. كساب بثقة مشابهة: أدري منتي بعمياء بس غيورة.. كاسرة باستنكار: نعم؟؟ غيورة؟؟ شكلك تتحلم.. كساب استرخى في جلسته وسألها بحزم: قولي لي.. أخوانش امهاب وحتى تميم كم جوال عند كل واحد منهم؟؟ كاسرة أجابته بثقة: عند كل واحد منهم تلفونين.. واحد لهله وربعه والثاني لشغله.. لكن أنت حتى لو كلمك مدير مكتبك يكلمك على تلفونك هذا (قالتها وهي تشير للهاتف في يدها) والتلفون الثاني ساكت ماتستخدمه.. إلا لو كنت تكلم فيه وأنا ما أشوفك.. (همست العبارة الأخيرة بنبرة مقصودة وهي ترص عليها) كساب بدون اهتمام: وش اللي يريحيش غيورة هانم.. أقول أني أغازل فيه عشان ترتاحين؟!! كاسرة بغضب: كسّاب احترمني لو سمحت.. هذا مهوب كلام يقوله رجّال لمرته.. كساب حينها مال عبر الطاولة ليهتف لها بحزم بالغ: يا بنت الناس أنا ماني براعي خرابيط ولا عندي وقت لها أساسا.. وغير كذا ماعندي.. والشيء اللي مالش خص فيه لا تسألين عنه.. وكلمي أمش وخلصينا لأني أبي أكلم خالتي.. ************************************** " أم حسن أقدر أدخل؟؟" جوزاء تعتدل عن سريرها وهي تمسح وجهها وتهمس بذبول: تعال عبدالرحمن فديتك.. عبدالرحمن جلس جوارها بينما كانت هي تتحاشى النظر له حتى لا يلاحظ احمرار وجهها وذبول أجفانها هتف لها عبدالرحمن بهدوء حازم: جوزا عبدالله رجع وخطبش.. أنتي تدرين إن إبي رفضه .. بس لو أنتي موافقة عليه.. خلي إبي علي.. جوزاء صمتت.. لم تستطع أن تقول شيئا .. هل تقول له أنا موافقة أن تذبحني؟؟ أنا موافقة أن أعود إلى سجاني؟؟ أنا موافقة أن أعيش أسيرة لأكثر مخلوق أكرهه في العالم؟؟ عبدالرحمن استحثها للرد عليه رغم أنه في داخله يتمزق بين رغبته أن توافق من أجل حسن وأن ترفض من أجل نفسها: هاه يأم حسن؟؟ ماتبينه ترا مافيه شيء يجبرش.. هو لزم أني إسألش.. وحقش إسألش.. وتراش طول عمرش المبداة على خلق الله.. وبتقعدين طول عمرش معززة أنتي وولدش في بيتنا.. جوزاء همست بمرارة وعبارتها تتقطع كتقطع روحها: موافقة عليه.. مهما كان هذا إب ولدي.. وحسن يستحق يتربى بين أمه وأبيه.. عبدالرحمن احتضن كتفيها بخفة وهو يقبل رأسها ويهتف بحزم: يمكن أني في داخلي أبي أكفخ عبدالله لين أقول بس.. بس اللي سويتيه عين العقل..حسن ماله ذنب يتقطع بين أم وأب مطلقين.. عبدالرحمن غادرها لتنهار باكية على سريرها فور أن أغلق الباب.. بينما توجه هو للمرحلة الثانية.. إلى والده!! توجه لغرفة والده الذي كان عائدا للتو.. طرق الباب ليدخل عليه.. بينما كانت والدته في غرفة شعاع تحاول تنويم حسن الذي أتعب شعاع.. هتف والده بمودة عميقة: تعال يأبيك؟؟ عبدالرحمن دخل ليقبل رأس والده ثم يجلس جواره وهو يهتف بحذر: يبه أبي أكلمك في موضوع.. بس أوعدني ماتعصب لين أخلص كلامي.. أبو عبدالرحمن بمودة: أفا عليك يأبيك.. أعصب عليك.. قول اللي تبي!! عبدالرحمن بهدوء: الحين يبه أكيد أنت أكثر شيء يهمك مصلحة جوزا وولدها.. أبو عبدالرحمن بتلقائية: أكيد مافيه شك!! عبدالرحمن بحذر: ومصلحة الولد إن إبيه يربيه.. حينها وقف أبو عبدالرحمن وهتف بغضب: ليه أنا قصرت في حقها وإلا حق ولدها.. عشان ترجع للكلب اللي أرخصها.. عبدالرحمن شد والده برفق وهتف بهدوء عميق: يبه فديتك وش ذا الحكي.. الرجّال ذا اللي أنت تسبه بيصير خال عيالي.. أبو عبدالرحمن يفرك يديه ويهتف بغضب مكتوم: أصلا والله لو أني داري بذا كله.. إن الله ما يكتب إنك تأخذ بنتكم.. محشوم أبو صالح رجال من خيرة الرجال.. بس عبدالله مهوب كفو يكون خال عيالك.. عبدالرحمن يبتسم وهو يمسك كف والده: يبه الله يهداك لا تخلي زعلك يخليك تغلط بالحكي.. آل ليث نسبهم يشرف.. وعبدالله ترا ماحده على ذا الا شيء كايد.. وأنت عارفه رجال فيه خير.. أبو عبدالرحمن بذات الغضب: إلا كنت مغشوش فيه.. عبدالرحمن بهدوء عميق وهو يميل على كتف والده ليقبله: يبه أنت وش يهمك الا مصلحة جوزا وولدها.. وجوزا عادها صغيرة.. ولو مارجعت لعبدالله صدقني ماراح تأخذ غيره عشان ولدها.. أبو عبدالرحمن بغضبه المكتوم: أحسن.. جعلها ماتأخذ غيره.. أجل يسوي في بنتي كذا وعقبه يرجعها.. عبدالرحمن برجاء: يبه جوزا موافقة عليه.. خله يرجع مرته ويضم ولده.. أبو عبدالرحمن حينها انفجر بغضب: تخسى وتهبى.. ليه أنا مانا بضام بنتي وولدها..يدورون حد يضمهم.. عبدالرحمن وقف وهو يقبل رأس ولده وكتفه ويده ويهتف باحترام ودود: يبه الله يهداك أنت ليه تبي تعسر السالفة وهي بسيطة.. حينها هتف أبو عبدالرحمن كأنه يكلم نفسه : أعسر السالفة!! ثم أردف بنبرة قاطعة حازمة: خلاص يبي يرجعها يجيب لي جاهة يخطبونها من مجلسي.. عبدالرحمن بارتياح: زين هذي بسيطة.. أبو عبدالرحمن بنبرة مقصودة: مابعد قلت لك من الجاهة.. أبي رووس القبايل الكبيرة اللي قطر كلهم يجون في الجاهة.. عبدالرحمن بصدمة: يبه الله يهداك كذا عسرتها واجد.. بيجيب لك رووس قبيلتنا كفاية.. أبو عبدالرحمن بحزم: لا.. كل رووس القبايل الكبيرة.. عبدالرحمن برجاء: يبه وين يجمعهم لك.. حن الحين في إجازة الصيف وفيهم اللي مسافر.. وفيهم اللي مشغول.. أبو عبدالرحمن بحزم بالغ: مابه عجلة.. يجمعهم على راحته.. وعلى قد سواته الشينة في بنتي.. لازم يكبر قدرها.. وتكون جاهتها.. وأنا أبد.. وعد علي.. إنه اليوم اللي بيجيبهم.. عشاهم عندي.. وذاك الليلة دخلته.. وهم شهود ملكته.. كلها في ليلة وحدة.. ************************************* " خليفة شكلي حلو؟؟" خليفة ينظر لها ويبتسم: تيننين.. قمر.. جميلة همست بتوتر وهي تعيد لف حجابها على رأسها وتحكم تقريبه من وجهها: صار لي شهر ونص ماشفتهم.. أبيهم يشوفون أني تحسنت.. خليفة بحنان: وأنتي تحسنتي وايد.. جميلة تنظر لعروق يديها البارزتين وتهمس بألم: وين تحسنت؟ خليفة يهمس بها بنبرة مساندة: أنتي الحين عارفة أنج على أول الطريج.. لأنج قبل كله تقولين أنا دبة.. الحين صرتي عارفة إنج أي شيء إلا دبة.. وصرتي عارفة إن النحافة هذي تضرج.. وبعدين وين أنتي عن أول.. أول ماكنتي تقدرين تقومين.. الحين صرتي تمشين بروحج.. جميلة تنظر لساعتها وتهمس بتوتر: كنهم تأخروا.. خليفة يقف لينظر مع النافذة ويهتف بهدوء: توه كلمني عمي زايد.. كاهم على وصول بعد دقائق يرتفع صوت دقات هادئة على الباب.. جميلة تشد على يد خليفة بصورة تلقائية آلمت قلب خليفة وهو يربت على كفها ويهتف بحنان: شكلهم وصلوا.. خليني أطلع تاخذين راحتج مع بنت خالتج.. وأنا أسلم على عمي زايد خليفة فتح الباب ليجد زايدا وابنته يقفان جانبا.. خليفة خرج.. بينما مزون دخلت وأغلقت الباب خلفها.. ظلت واقفة قريبا من الباب لعدة ثوان وهي تنظر لجميلة بلهفة وسعادة وهي ترى تحسنها الواضح.. بينما كانت عينا جميلة قد امتلئتا بالدموع وهي ترى مزون تنتزع نقابها وتقترب منها.. كانت تنظر له بتمعن مترع بالشجن والحنين والشوق وكأنها تشتم عبق رائحة والدتها يعطر الأجواء.. مزون اقتربت أكثر وهي تقول بصوت حنون مختنق: والله وأحلوينا وتختنا ماشاء الله.. جميلة وقفت على قدميها وارتمت في حضن مزون وهي تنتحب بعمق.. مزون احتضنتها بحنان وهي تهمس بقلق حنون: جميلة وش فيش؟؟ ليه ذا البكا كله؟؟ متضايقة من شيء؟؟ جميلة ترفع رأسها عن كتف مزون وتهمس باختناق: لا والله بس اشتقت لكم.. اشتقت لـ.. ثم بترت عبارتها بيأس ..بينما كانت مزون تشدها لتجلسان كلاهما على الأريكة وهي تهمس بذات النبرة الحنونة:واحنا اشتقنا لش أكثر.. ثم أردفت بابتسامة مرحة حنونة: وكل محلات المكياج في الدوحة مشتاقة لش.. يقولون وين زبونتنا اللي كانت ممشية ميزانية المحلات؟!! جميلة همست بحزن: الله يرحم أيام المكياج.. وش المكياج اللي بينحط على وجه مثل وجهي.. مزون تمسح خد جميلة بحنو: إذا ذا الوجه الحلو ما يتزين.. ما للزينة عازة.. وعلى العموم أنا أصلا ماخليت في السوق الحرة روج ولا غلوس ولا بودرة كلها جبتها لش.. جميلة تشد على كف مزون وتهمس بشجن: بشريني منكم أنتم.. أشلونكم كلكم.. أشلون هل الدوحة.. أشلون أخوانش؟؟ أشلون البنات اللي هناك كلهم؟؟ أشلون؟؟ أشلون؟؟ أشلونكم كلكم؟؟ مزون كانت على وشك أن تقول (وليه ما تسألين عن اللي تبي تسألين عنها فعلا بدون لف ودوران) ولكنها ردت عليها برقة: هل الدوحة كلهم طيبين ويسلمون عليش... وصديقاتش يوم دروا أني بجي أرسلوا معي أغراض لش.. جميلة بحزن: كثر الله خيرهم.. وش أغراضه.. ما أبي إلا أنهم يتصلون فيني ويسمعوني أصواتهم.. ثم أردفت بلهفة: وين عمي زايد؟؟ أبي اشوفه.. مزون تهمس بحنان: أكيد مع خليفة وبيجي الحين.. . . في صالة الانتظار في الخارج زايد يجلس مع خليفة يسأله عن أخباره: عسى بس منت بضايق يأبيك من القعدة هنا؟؟ خليفة باحترام: لا طال عمرك.. ماشي الحال.. أبوي وأخواني يكلموني دايم... زايد بمودة: توني شفت أبيك وأخوانك في عرس كسّاب.. طيبين وبخير ويسلمون عليك.. واسمعيني يأبيك زين.. أنا أدري إن علاج جميلة مطول.. ترا متى ماحبيت ترجع للدوحة تشوف هلك كلمني بس وأجي أنا وبنتي هنا ونقعد عندها لين ترجع.. خليفة برفض: يا علك سالم.. أنا باقعد مع جميلة لين أرد أنها وياها الدوحة سوا مثل ماطلعنا منها سوا.. ماراح أتركها لو حتى يوم واحد... وأبوي وأخواني هم اللي بيوون يزوروني.. زايد بمودة عميقة: جعل جميلة ما تبكيك.. أنا بأقوم أسلم عليها ثم بأطلع أنا وإياك للفندق... بنتي هي اللي بتنام عندها الليلة وأنت الليلة خويي... ******************************* " عبدالله وش فيك؟؟" عبدالله يلتفت لصالح ويهتف بسكون: رجعت وخطبت أم حسن صالح بابتسامة: خير وبركة.. عبدالله بذات النبرة الساكنة: بس ماتدري وش طلب أبو عبدالرحمن يقول يبي جاهة من كل رووس القبايل الكبيرة اللي في قطر.. وين أقدر أجيبهم ذولا كلهم.. صالح بمودة: لا تشيل هم.. هي صحيح صعبة بس مهيب مستحيلة.. بأكلم لك إبي.. إبي يعرف أكثرهم ويعزونه ويحترمونه.. يعني إن شاء الله ماراح يقصرون.. واللي يعرفهم بيكلمون اللي مايعرفهم.. عبدالله بقلق: لين يتجمعون كلهم.. أخاف تطول السالفة.. صالح يغمز بعينه: خلها تطول.. وش أنت مستعجل عليه؟؟ عبدالله بغضب: تدري إنك متفرغ يأبو خالد.. وأحر ماعندي أبرد ماعندك.. ************************************ حينما أنهيا جولتهما عادا لجناحهما.. صليا العشاء.. ثم غير كساب ملابسه بسرعة استعدادا للخروج كاسرة همست بهدوء: كساب من جدك تبي تطلع وانت كذا؟.. كساب يشد رباط حذائه الرياضي ويهتف بحزم: قلت لش مافيني شيء.. كاسرة بحزم مشابه: كساب أنا ما أحاول أني أتدخل في هوايتك الغريبة اللي نطت في رأسك وفي شهر العسل بس أنت اليوم تعبان.. اقعد اليوم وروح بكرة.. كساب وقف وهو يهتف بثقة: أصلا الدورة كلها 3 أيام.. وبكرة آخر يوم..واحنا بعد يومين طالعين لوزان.. وعقبها خلاص مافيه شيء يشغلني غيرش.. كاسرة بثقة: وليه أنا أشغلتك الحين عشان أشغلك عقب؟؟.. عليك بالعافية تسلق الجبال.. كساب يستعد للخروج وهو يبتسم ويهمس بتلاعب ساخر: أموت في الثقيل ياناس.. ************************************ " مزون... أمـ ... أمــ... أمي أشلونها؟؟ عسى الحمل مهوب متعبها؟؟" مزون تنظر لجميلة التي كانت تنظر لكفيها المتشابكين في حضنها وتهمس بحنان: وأخيرا نطقتي بالدرة اللي من يوم شفتيني وأنتي تحومين حواليها.. أمش الحمل متعبها... بس أنتي متعبتها أكثر شيء.. تدرين جميلة.. أمي ماتت وعمري خمس سنين.. أذكرها.. وأذكر حنانها.. واذكر أيام مرضها الأخيرة... بس لاجيت أبي أتذكر وجهها ماأشوف وجه غير وجه خالتي عفرا.. حينها انفجرت جميلة بالبكاء العميق الخافت والمكتوم وكأنها تنزف شهقاته من عمق روحها.. مزون قفزت لتجلس جوارها ولتحتضنها بكل حنان.. جميلة ألقت بنفسها في حضن مزون وهي تشهق: اشتقت لها.. والله العظيم اشتقت لها.. مزون تربت على ظهر جميلة وتهمس بحنان: ويوم نشتاق لأحد حتى تلفوناته ماعاد نرد عليها.. جميلة تنتحب بوجيعة: مالي وجه أرد عليها عقب اللي قلته لها آخر مكالمة.. مالي وجه. آجعتها واجد بالحكي يامزون.. وخبصت.. ماأدري أشلون قلت لها كذا.. بس والله من غلاها عندي اللي ماحد يشاركها فيه.. مابغيت حد يشاركني غلاي.. مزون تربت على ظهرها بحنان أكبر: وانتي غلاش مايشاركش فيه حد جميلة مازالت تنتحب وهي تشدد احتضان مزون: اشتقت لها.. باموت أبي أسمع صوتها بس.. مزون بحذر رقيق: خلاص خلينا نكلمها الحين... #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والأربعون " عفرا حبيتي تعالي الله يهداش.. وش تسوين تالي ذا الليل؟؟ " عفراء برقة: بس أجهز لبسك حق الدوام بكرة.. دقيقة واخلص.. منصور بمودة: الله لا يخليني منش يالغالية.. تعالي أبي أشوفش قدامي وبس.. ملابسي بأخذها بنفسي.. سنين وأنا أطلعها بروحي.. والحين خربتيني بالدلع.. عفراء تتجه ناحيته وهي تبتسم: هذا أنا خلصت.. أنت فاجأتني بتغيير زامك.. وإلا كان رتبتها قبل تجي.. وبعدين اللي قبل وأنت عزابي مالي شغل فيه.. والله ماتمد يدك في شيء وانا موجودة.. ولو أني المفروض أزعل.. يعني بكرة كان إجازتك.. ويطلع لك دوام.. كانت قد وصلت منصور وجلست جواره مع إنهاءها لعبارتها.. منصور احتضن كتفيها بحنان وهو يقبل رأسها ويهمس بهدوء: واحد من الربع جا له ولد الليلة عقب ست بنات.. ما تتخيلين أشلون مبسوط تخيلي قده جد.. بنته الكبيرة توها جايبة ولد.. وهو كان عنده زام بكرة..فقلت له بأخذ زامه.. وهو بيأخذ زامي عقب.. وهما مستغرقان في الحديث.. رن هاتف عفراء.. عفراء همست باستغراب وهي تتناول هاتفها: من اللي بيدق ذا الحزة.. ثم أردفت بشهقة موجوعة: منصور.. رقم جميلة.. ابتسم منصور بفخامة وهو يشد على كفها: ردي حبيبتي.. عفراء شدت لها نفسا عميقا وردت بحذر: هلا.. جاءها صوت مزون الحنون: هلا والله بالغالية.. عفراء لا تنكر أنها شعرت بخيبة أمل أن جميلة لم تتصل بها ومع ذلك ردت بمودة حقيقية: هلا والله باللي الدوحة مافيها نور عقبها.. مزون برقة: دامش فيها.. فنورها فيه.. خالتي فيه عندي ناس مشتاقين لش ويبون يكلمونش..بس مستحين منش.. حينها شعرت عفراء بثقل كبير في قلبها وهي تهمس باختناق: صدق تبي تكلمني..؟؟ مزون اختنق صوتها وهي تشتم في صوت خالتها أنها توشك على البكاء: والله العظيم إنها مشتاقة لش وتبي تكلمش.. حينها ناولت مزون جميلة الهاتف.. جميلة تناولته بيد مرتعشة وهي تهمس فيه باختناق: ألو.. عفراء همست بحنان عميق: هلا والله أني صادقة.. كذا تسوين في أمش يا جميلة؟! حينها انفجرت جميلة باكية وهي تشهق: يمه سامحيني .. سامحيني.. عفراء ردت عليها بصوت مختنق ودموعها بدأت تنسكب بغزارة وهي تمنع نفسها أن تنفجر باكية حتى لا تزيدها على جميلة: يأمش مازعلت عليش عشان أسامحش.. جميلة بين شهقاتها: إلا غلطت عليش واجد.. واكيد أنش زعلتي علي.. عفراء بحنان عميق وتأثر أعمق: والله العظيم ماني بزعلانة.. بشريني أنتي منش.. أشلون صحتش الحين؟؟ جميلة تحاول تهدئة نفسها: الحمدلله أحسن بواجد.. وزني صار 34 الحين ويزيد شوي شوي.. عفراء بسعادة حقيقية: الحمدلله يأمش.. الله يتم عليش عافيته جميلة بخجل: وأنتي يمه.. عسى منتي بتعبانة من الحمل؟؟ عفراء بحنان: أنا يأمش زينة الحمدلله.. ويوم سمعت صوتش همي كله راح.. منصور يهمس لعفراء بحزم: عفرا عطيني إياها أكلمها.. عفراء بجزع تشير له لا.. فهي مازالت لم تفرح برضاها عليها.. فلماذا يستكثر عليها هذا الفرح؟؟..لماذا يريد انتزاعه منها بسرعة؟؟.. منصور همس لها بذات الحزم: طيب إسأليها قبل.. قولي عمش منصور يبي يكلمش.. عفراء همست باختناق وهي لا تريد أن تقول لها ذلك ولكنها تقوله مجبرة: يأمش.. عمش منصور يبي يكلمش.. تكلمينه؟؟ كانت صدمة عفراء بالغة أنها أجابتها بهدوء: إيه بأكلمه.. عفراء أعطت منصور الهاتف بتردد.. منصور هتف بحزم ودود: أشلونش يأبيش؟؟ جميلة همست بخجل: طيبة ياعمي.. أشلونك أنت؟؟ منصور بفخامة: أنا طيب.. ما ننشد إلا منش.. جميلة بذات النبرة الخجولة: سامحيي ماواجهتك زين يوم جيتني المرة اللي فاتت الله يكبر قدرك.. ومشكور على الجية.. منصور بثقة: العفو يأبيش.. واوعدش بس أول ماتقدر أمش تركب الطيارة أجيبها لش.. حينها همست جميلة بحزن لأنها تعلم أن ذلك يعني شهرين على الاقل: الله لا يهينك.. ثم أردفت برجاء: طالبتك عمي.. تحط بالك على أمي.. تراها حتى لو تعبت والله ماتبين لك.. منصور يمد يده ليحتضن عفراء بيد وهو يمسك الهاتف بيده الحرة ويهتف بابتسامة: كنش دارية.. بس لا تحاتينها تراها في عيوني.. المهم أنش تشالين بسرعة وترجعين لنا.. ويالله يأبيش ..هاش أمش هذي هي قاعدة تحرقص.. تبيش.. منصور أعاد الهاتف لعفراء التي استغرقت في حوار طويل سعيد مع جميلة بينما كان منصور مكتفيا ومستمتعا بمراقبة تعبيرات وجهها السعيدة.. *********************************** " وش فيك يأبيك مارقدت؟؟ شيء مضايقك؟؟" خليفة يضع الكتاب الذي كان يقرأه جانبا وهو ينظر الذي لزايد الذي مازال وجهه مبلولا من أثر الوضوء.. خليفة رد بأريحية: إلا أنت ياعمي ليش مانمت.. لا يكون المكان ماريحك؟؟ زايد بمودة فخمة: لا يابيك.. أنا عشانك جيت أرقد هنا في شقتك.. وكنت راقد أصلا بس قمت الحين أصلي التهجد شفت ليت الصالة والع جيت بأشوف من.. ولقيتك.. عسى ماشر..؟؟ خليفة يبتسم: مافيه شيء.. أخاف أقول لك تضحك علي.. زايد يبتسم بأبوية: قول وش عندك؟؟ خليفة بشفافية: تعودت ما انام لين أشوف جميلة.. والليلة ماشفتها.. زايد بابتسامة شاسعة: الله لا يخليها منك... خلاص بكرة أخذ بنتي ونرجع.. خليفة بحرج جازع: لا عمي والله ماقصدت... تبي جميلة تزعل.. ماصدقت تشوفكم.. . . في المصحة.. " ماشاء الله وجهش منوّر من عقب المكالمة مع إنها خلصت من زمان بس أثرها موجود !!" جميلة تحتضن ذراع مزون وتسند رأسها لعضدها وهي تهمس بفرحة طفولية: ما تتخيلين أشلون كنت ضايقة الأيام اللي فاتت.. الحين هم وانزاح.. مزون بمودة: يعني الخاطر مافيه شيء خلاص... حينها أفلتت جميلة ذراع مزون وهي تبتعد قليلا وتمسح وجهها وتهمس بنبرة حزن: ما أقدر أكذب عليش وأقول أني داخلي ماني بمتأثرة.. بس على قولت خليفة إذا هي قبلت زواجي اللي أنا فرضته عليها وماعارضته مع إنها هي اللي أمي فأشلون أعارض أنا زواجها.. مهما كان تفكيري أنا.. هذا حقها هي.. ومالي حق أمنعها منه.. أمي عادها صغيرة من حقها يكون لها زوج وأطفال حتى لو كان ذا الشيء يجرحني من الداخل.. مزون تمسح شعر جميلة وتهمس بحنان: ماشاء الله صرنا نقول درر.. شكلها بركات العم خليفة.. جميلة ابتسمت بحزن: خليفة مافيه مثله أبد.. بس أنا اللي مخي يبي له سمكرة.. ثم أردفت وهي تحاول ابعاد هذه الفكرة عن بالها: إلا قولي لي.. عمش حاط أمي في عيونه وإلا لا؟؟ مزون بمودة صافية: الله لا يغير عليهم... عمي يموت عليها من قلب ماشاء الله.. جميلة بابتسامة: فديت أمي.. ليه هو يلقى حد مثل أمي وحلاوة أمي وطيبة أمي وسنع أمي في كل شيء... مزون تضحك: يه يه يه... معلقة المدح هذي كلها في أمش.. حينها ضحكت جميلة بعذوبة: وعمش بعد يستحق معلقة مدح.. تذكرين مزون وأنا صغيرة أني كنت أخق من قلب على شكله في البدلة العسكرية.. لا وكان إذا ناداني أسلم عليه... خاطري أقول له ممكن أحبك مرة ثانية من كثر ماكانت ريحته حلوة... مزون تضحك: هذا هو صار ابيش... حبيه على كيفش.. حينها انطفئت ابتسامة جميلة وهي تهمس بنبرة أقرب للذبول: ياكثر ما تمنيت يكون عندي أب.. بس الحين خلاص كبرت على ذا الحلم.. مزون تحتضن كتفي جميلة بحنان وهي تهمس بحنان مشابه: عمر الإنسان مايكبر على إنه يكون عنده أب.. ************************************ الليلة الثالثة التي تقضيها وحيدة.. تعبت من التفكير.. كانت تريد أن تنام ولا تشغل بالها بالتفكير في أي شيء ولكنها لم تستطع.. هاهي بعد صلاة الفجر ومازالت جالسة في انتظاره وتفكر.. هل يُحكم عليها أن تكون حياتها معه هكذا؟؟ أن يقدم هواياته وجنونه عليها؟؟ أن تكون هي في مرحلة تالية أقل أهمية؟؟ كانت تسمع أن الزوج يكون في قمة اهتمامه بزوجته في الأيام الأولى لزواجهما.. فإذا كان هو هكذا في هذه الأيام.. فكيف سيكون حينما تمر الأشهر أو حتى السنوات.. قد يتناسى وجودها مطلقا!! وهي ليست أي امرأة حتى يتم تناسيها.. هي كاسرة.. كاسرة!! " نصاب.. نــــصــــاب.. كلها حركات نصب بس على مستوى!! يبي يبين إنه مهوب مهتم فيني.. مع أني عارفة أنه بيموت علي يعني هو كان يحصل وحدة مثلي هو ووجهه تلاقينه في قلبه يحمد ربه في اليوم ألف مرة!! " ككل مرة يأخذها تفكيرها إليه.. تنظر لنفسها في المرآة.. تتأكد من سحر فتنتها..الذي كان بالغا مداه في رداء نوم أسود.. لا تعلم هل اختارته بعفوية أو عن تقصد!! وهي تنظر لنفسها.. دخل عليها وهي مازالت جالسة أمام المرآة.. هتف بابتسامة مقصودة: ماتملين من القعدة قدام المراية.. هذا كله حب لروحش.. وإلا غرور بنفسش؟؟ أجابته بهدوء ودون أن تتحرك وبنبرة مقصودة: لا وأنت الصادق أكلم روحي.. ماعندي حد أكلمه.. جلس وهو يشير للمكان الخالي جواره ويهتف بتلاعب: وهذا أنا جيت.. تعالي كلميني.. وإلا اهربي مثل ماتسوين كل مرة.. كاسرة نهضت لتجلس جواره وهي تهتف بثقة: وليش اهرب.. شكلك تتخيل أشياء من عندك كسّاب طوق كتفيها بذراعه وهو يشعر بنعومة كتفيها البالغة التي زادها رداء الشيفون نعومة وفتنة وهو يهتف بخبث: إيه والله شكلي أتخيل أشياء من عندي.. كاسرة وكحالتها التي لا تستطيع السيطرة عليها.. بدأت ترتعش.. ولا تريده أن يلاحظ ذلك فيعلم أنها متوترة.. لذا قفزت من جواره وهي تهتف بثقة: خليت الماي مفتوح في الحمام.. باروح أسكره.. كساب يضحك: روحي سكريه.. وأنا بأروح أتسبح.. يا الجبانة.. كاسرة حين رأته غادر عادت لتجلس وهي تهدئ دقات قلبها وارتعاش جسدها (أبي أعرف هو وش يسوي فيني؟؟ عمري ماكنت خوافة.. وأنا فعلا ماني بخايفة منه لكن ليش قربه يوترني كذا.. ليش أرتعش كذا وغصبا عني؟!! والمشكلة أنه لاحظ.. وأنا ما أبيه يأخذ عني فكرة إني خايفة منه أو حتى مهزوزة قدامه!!) (والله ياكاسرة أنش ماينعرف لش الحين أنتي متضايقة وتقولين يتجاهلش ولو جا وقرب منش نطيتي من المكان بكبره!!) (لا هو أسلوبه كله غلط.. وما يعرف يتعامل وكلامه دايما يغث..) كاسرة قررت أن تترك التفكير كله وأن تتمدد.. حتى لا تواجهه حينما يخرج من الحمام.. سمعت صوته يخرج من الحمام.. ثم صوته وهو يقرأ ورده بسكينة عميقة.. ثم بعد ذلك حركته جوارها وهو يتمدد قريبا منها.. تلاه همسه الدافئ: أدري أنش منتي براقدة يالنصابة.. على الأقل لفي عطيني وجهش بدل منتي معطيتني ظهرش.. كاسرة استدارات بخفة وهي تدير وجهها ناحيته وتهمس بهدوء عذب: خبطت في الجبل اليوم؟؟ كساب ابتسم: لا اليوم براءة.. ثم مد يده ليمسح خدها بحنو وهو يهتف بعمق موجع: سبحان رب(ن) خلقش..شوفتش من كثر ماتشرح القلب.. توجعه.. ابتلعت كلماتها.. رغم أنها بداخلها شعرت بانتصار ما.. أنها انتزعت منه اعترافا بتأثير جمالها عليه.. ولكنها بداخلها غير سعيدة بهذا الانتصار ولا تعلم لماذا!! شدها قليلا ناحيته وأنامله تتبع تفاصيل وجهها بدفء أشعرتها أن وجهها يشتعل همس لها من قرب بخفوت: ليه خايفة؟؟ همست بهدوء واثق يختلف عما يمور داخلها من توتر: من قال لك خايفة؟؟ قلت لك شكلك تتخيل أشياء من كيفك حينها مد يده ليمسك بيدها التي كانت ترتعش بشدة.. ثم نقل يده إلى قلبها الذي كان يدق كطبول الحرب.. وهو يهتف بتلاعب مثير: هذا كله ومنتي بخايفة.. أجل لو خايفة وش بتسوين؟؟ تبكين؟؟ كاسرة هتفت بحزم: أبكي؟؟ بتبطي ماشفت دموعي كساب اعتدل جالسا وهو يهمس بحنان مدروس: اقعدي بس خلينا نسولف.. كاسرة اعتدلت جالسة مثله.. بينما كساب فتح ذراعه لها وهتف بثقة: تعالي دامش منتي بخايفة.. كاسرة اقتربت بثقة رغم أنها تمنت أن تهرب من المكان كاملا.. وهي تضع رأسها على كتفه.. احتضنها بخفة حانية وهو يهتف بابتسامة متلاعبة: مابغيتي يالجفول.. كاسرة أجابته بهدوء واثق تخفي خلفه اختلاج أنفاسها: ناديتني وأنا رديتك؟؟ حينها طبع قبلاته العميقة على شعرها وهو يتنفس عطر شعرها ويهتف بذات الابتسامة: إن اللبيب من الإشارة يفهم.. لو حتى مسكت يدش جفلتي.. بس كل شيء بالصبر حلو.. مثل المهرة الشرود.. كم يوم وعسّافها يعودها على شوفته بس.. حينها ابتعدت عنه كاسرة وهي تهتف بغضب: قلت لك قبل لو هذا هو التفكير اللي في رأسك.. ماراح يمشي حالنا.. كساب شدها ليعيدها لحضنه ويهتف بابتسامة مثيرة: وين بتروحين عقب ماجيتي والله جابش.. كاسرة كان جسدها متصلبا تماما وهي ترفض الاستكانة لحضنه وتهتف بضيق: أسلوبك كساب بصراحة ينرفز.. قلت قبل أنا ماأنا بحيوان تعسفه.. وش ذا الكلام المتخلف؟!! حينها أفلتها كساب بشكل مفاجئ وهو يهتف بصرامة: وأنا بعد ماني بهمجي ولا متخلف.. وأعرف أشلون أتعامل مع مرتي بطريقتي أنا.. وما أنتظر حد يعلمني الأسلوب كاسرة هانم.. كاسرة لم تتوقع مطلقا أنه سيفلتها بهذه البساطة بعد أن أصبحت في حضنه ولأنها كانت متصلبة بشدة.. فهي كادت تسقط جانبا حين أفلتها لأنها كانت تشد نفسها جانبا..ولولا أنها استندت على كفها وإلا كانت وقعت.. كساب تمدد وهو يوليها ظهره بكل برود.. لتنتظم أنفاسه بعد دقائق فقط دلالة استغراقه في نوم عميق.. كاسرة عاودت التمدد.. وضيق عميق لا تعرف له سببا يتصاعد في روحها.. ولكنها في ختام الأمر تنهدت وهي تهمس لنفسها بحزم: أنا ماغلطت في حقه.. ودامني ماغلطت.. ماعلي من حد.. قضت لها وقت طويل قبل تنام هي أيضا وهي تراقب ظهره (هذا من جده رقد؟!! رقاده في مخباه الظاهر!!) بقيت مع هواجسها لوقت طويل حتى نامت.. لتصحو على صوت فتحه للخزائن بصوت مسموع.. همست بنعاس وذراعها على وجهها: كساب ترا اللي في الجناح اللي جنبنا صحو من إزعاجك يأتيها صوته الساخر على الدوام: زين اللي جنبنا صحو وأنتي ما صحيتي.. كاسرة بصوت مرهق: تعبانة كساب.. أنت منت بتعبان؟؟ حتى ساعتين مالحقت تنام.. صوته أصبح قريبا.. ساخرا.. ساحرا: كاسرة تقومين وإلا أشلش؟؟.. كاسرة دون أن تتحرك من مكانها وهي مازالت مغلقة العينين همست برقة تلقائية: كساب بس نص ساعة وأقوم.. من يوم جيت ذا الديرة ماعاد عرفت النوم مثل باقي مخاليق ربي.. مع إنهاءها لعبارتها كانت ترتفع عن السرير بشكل مفاجئ.. حينها طار النوم كله من عينيها وهي تجد نفسها محمولة بين ذراعيه.. حاولت التفلت أو حتى مجرد ستر أجزاء جسمها التي ظهرت مع رفعه المفاجئ له وهي تهتف بغضب: كساب نزلني بلا سخافة.. كساب بتلاعب: مشكلتش كاسرة أنش تحسبيني أمزح.. مع أني من جدي.. قلت لش بتقومين وإلا أشلش.. وأنتي ما تبين تقومين.. حينها همست برجاء مدروس: زين نزلني خلاص.. النوم كله طار من عيني.. هتف لها بخفوت: أنزلش ببلاش.. أكون رجل أعمال فاشل.. أول قاعدة في البيزنس.. إذا كنت أنت في موقع القوة افرض شروطك.. كاسرة بدأت تشعر بالرعب من مجرد تخيلها لما قد يطلبه كساب لذا همست بحزم رقيق: تصدق مكاني هنا حلو.. ما ابي أنزل.. خلك شايلني لين في الليل.. حينها هتف بخبث: وأنتي ظنش بأقعد شايلش كذا وبس.. أول شيء بأسويه الحين بأطيرش في السما مثل البزران.. وعقب أمسكش.. كاسرة تتخيل شكلها المخجل في ملابسها هذه وهي طائرة في الجو.. حينها وبشكل لم يتوقعه مطلقا منه.. أمسكت بطرف وجهه وهي تقبل خده برقة ثم تهمس بأمر رقيق: يالله نزلني.. أنزلها وهو يضحك ويقول بخبث: صحيح مهيب اللي في الخاطر بس تمشي الحال... بينما كاسرة حاولت ألا تُنزل نظرها ولكنها لم تستطع وهي تحاول الانسحاب بثقة متجهة للحمام.. وتحاول أن تكون خطواتها ثابتة حتى لا تفضح توترها.. حينها جلس كساب ووجهه يتغير للنقيض.. والابتسامة المرسومة تنقلب لغموض غريب وهو يمدد ساقيه على الطاولة أمامه... بينما هي في داخل الحمام تستند على طرف المغسلة وهي تكاد تنهار من فرط ارتعاشها وهي تتحسس شفتيها التي لامست خده.. وتشعر بشعور غير مفسر من السعادة المبتورة والخيبة والألم.. وكثير من الحرقة لأنها تشعر أنها تفقد زمام الأمور من بين يديها وهي من اعتادت على إحكام سيطرتها على نفسها وعلى من حولها.. ربما لو كانت تعلم أنه يشعر مثلها.. لم تكن لتشعر بهذا الضيق.. ولكنها تعلم يقينا أنه يتلاعب بها لغرض لا تعلمه.. تشعر بإحساس بالغبن والظلم.. لأنه في الوقت الذي كان يُفترض أن تكون هي من تفقده صوابه.. هو من بدأ يفقدها صوابها..دون أن تعلم ماخلف أبوابه المغلقة.. قرار ما يتشكل في ذاتها.. أقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم.. ولكن هل ينفع هذا الأسلوب المستقيم مع كسّاب الملتوي؟!! حين أنهت اغتسالها.. خرجت لتجده يجلس أمام الفطور ويهتف لها بابتسامة: تعالي تريقي.. كاسرة توجهت له بثقة.. جلست لتسأله بذات الثقة: أنا وحدة ما أحب اللف والدوران وأنت قاعد تلف وتدور معي كسّاب أنت ليش تتعامل معي كذا؟؟ كساب يرتشف فنجانه بهدوء ويهمس بهدوء أعمق: ضايقتش بشيء؟؟ كاسرة بثقة: هذي مشكلة تعاملك معي.. يعني ما أقدر أقول أنك ضايقتني.. وفي نفس الوقت ما أقدر أقول أنك ماضايقتني كساب يهتف بذات الهدوء وهو مشغول بفنجانه فقط: والله هذي مشكلتش أنتي مهيب مشكلتي.. لاني اتعامل معش بطبيعتي.. فأنتي يا تتضايقين ياأما ما تتضايقين.. يعني أنا ماني بمسؤول عن ردة فعلش.. كاسرة بحزم: طيب والحل؟؟ كساب حينها هتف بحزم شديد وهو يرفع عينيه عن فنجانه ليركز نظره عليها: والله الحل عندش مهوب عندي أنتي متصلبة واجد.. ومنتي بمتقبلتني.. وأنا ما أقدر أفرض نفسي عليش أكثر من كذا.. كاسرة لم تتوقع منه هو هذه المصارحة المستقيمة بينما كانت هي من تريد أن تهاجمه باستقامة.. فإذا به يحاربها بسلاحها ويقلب الطاولة عليها.. وبما أنه صارحها فلن تكون أقل مصارحة لذا همست بحزم: السبب أنت.. أسلوبك يوترني.. لأني حاسة أنك تخبي شيء.. يعني مرة تندفع بمشاعرك.. ومرة تتجاهلني.. فانا ما أدري أتجاوب مع اندفاعك وإلا أكون حذرة مع تجاهلك.. حينها هتف كسّاب بغموض: أتجاهلش؟!! ثم أردف بمباشرة وبنبرة مقصودة: ومن اللي يشوفش قدامه ويتجاهلش؟؟ كاسرة بذات نبرته: أنا أدري إنه ماحد يقدر يتجاهلني.. فيوم حد يتجاهلني أدري إنه فيه شيء مهوب طبيعي!! حينها ابتسم كساب: بصراحة غرور ماله حل.. تريقي الحين وعقب قومي البسي.. بنطلع اليوم طلعة سبيشل بنروح جبل ساليف على الحدود الفرنسية.. ثم أردف وهو يسند ظهره للخلف وينظر لها بعمق ويهتف بغموض حازم: ترا أنا إذا بغيت شيء.. بالي يصير طويل لين أجيب رأسه يا بنت ناصر.. خلنا نشوف آخرة خوفش مني.. كاسرة شعرت باستنكار شديد للجزء الثاني من عبارته جعلها تنسى التباس الجزء الاول: أنا خايفة؟؟.. قلت قبل أنا ما أعرف الخوف.. حينها مال كساب قليلا للأمام وهتف بنبرة مقصودة: ماتعرفين الخوف؟؟ زين عطيني يدش.. كاسرة أعطته يدها وهي تهمس بعزم: هذي يدي.. وش تبي فيها؟؟ كساب تناول يدها ليرفعها إلى شفتيه ناثرا قبلاته الناعمة الدافئة في باطن كفها حينها بدأت يدها ترتعش رغما عنها.. ورغم كل محاولاتها لمنع هذا الإرتعاش إلا أنها باءت بالفشل.. لا تعلم بالفعل أي فوضى يحدثها لكل مشاعرها.. كساب حينها أمسك كفها بين كفيه ودعكها بخفة حنونة كأنه يريد تهدئة ارتعاشها وهو يهتف بنبرة مقصودة: لا تقولين مرة ثانية أنش منتي بخايفة مني.. أنتي بس لسان وش طوله.. وحزة الصدق مانلاقيش.. *************************************** " ها عبدالله خير.. ليه أصريت نتقابل في كوفي.. مهوب في مجلسكم ولا مجلسنا؟؟" عبدالله يتنهد ويهتف بهدوء وهو يضع فنجانه وينظر لعبدالرحمن: أبي أكلمك في موضوع خاص.. ونأخذ راحتنا.. عبدالرحمن بهدوء: آمر.. خير إن شاء الله.. عبدالله بجدية: خير إن شاء الله.. الوالد بدأ يكلم الرياجيل اللي بيجون في الجاهة وأتمنى إن الموضوع مايطول.. بس أنا ابي أسألك عن شيء.. لا تزعل مني عبدالرحمن.. بس أنا سمعت عن التغيير الكبير اللي في صار في شخصية أم حسن.. أم حسن عاجبتني على كل حال .. وراضي بها على كل حال.. بس أنا وأنت ناس مخنا منفتح.. ومافيها شيء لو سألت لو كنت عرضتها على طبيب نفسي.. لأني أتوقع أنك لازم تسوي ذا الشيء.. حينها تراجع عبدالرحمن في جلسته وهو يسند ظهره بثقة للخلف وهو يهتف بنبرة مقصودة: تدري ياعبدالله كأني أسمع المرض يسأل المريض أنت عالجت مني!! وعلى العموم إيه نعم أنا عرضت جوزاء على طبيب نفسي.. لأنها بعد الولادة جاتها حالة كآبة حادة.. الدكتور عطاها مضادات اكتئاب وقتها.. لكنه قال أكثر من كذا قال ما أقدر أسوي لأنه أختك مهيب مريضة مرض نفسي بالمعنى المعروف.... لكن تعاني عارض نفسي.. لو زال العارض زالت الظواهر المصاحبة له.. مثل بالضبط اللي شاهد فيلم رعب أو مشهد مؤثر.. ممكن يظل له يومين يحلم بكوابيس أو يعاني من التأثر لحد ما يتجاوز السبب فيخف العارض.. لكن أختك مهيب قادرة تنسى السبب عشان كذا العوارض مازالت مستمرة معها.. وأعتقد ياعبدالله أنك عارف السبب زين... لمعلوماتك جوزا عمرها ما قالت شيء عنك.. ولا اشتكت من حياتها معك.. لكن الكتاب مبين من عنوانه.. ماكان يحتاج إنها تشتكي عشان نعرف إن الفترة اللي عاشتها معك أثرت فيها كثير.. عبدالله حينها هتف بثقة يخفي خلفها ألما شاسعا وتأثرا متجذرا: يصير خير يأخيك.. مايصير إلا خير.. " يالله كيف أصبحت أنا الجلاد والضحية في ذات الوقت؟! كيف أكون أنا السبب في جرح أغلى الناس؟! كيف أكون السبب في أذية من تمنيت أن أحمل أنا عنه الأذى طوال عمري؟! أثقلت علي هذه الحياة بالكثير فمتى ينصلح الحال؟؟ متى يكتب الله لي أن أعيش حياة طبيعية ككل البشر؟؟ متى؟؟ متى؟؟ " **************************************** " هلا والله حيا الله العريس.. هاه عساك مبسوط بالجدول الجديد عقب ماخليته ممل كنه وجهك" كساب يسترخي في جلسته وهو في انتظار كاسرة التي كانت مازالت تلبس ويهتف بحزم: المهم أنا أكون مبسوط.. لأني اللي بأروح في الرحلة ذي مهوب أنت.. الترتيبات الخبلة ذي خلها لك أنت ومرتك المقرودة عقب... علي يضحك: مافيه حد مقرود غير بنت ناصر اللي قطها الزمان عليك.. أما مرتي بتحمد ربها علي.. واحد على الكيف أنا !! حينها ابتسم كسّاب بمودة عميقة: أما على الكيف فأنا أشهد جعلني ما أخلى منك.. ثم أردف بابتسامة: تدري علي والله أني حاس أخرتك مثل قيس بن الملوح عاشق ولهان مستخف.. لأن أشكالك انقرضوا ذاك الزمان.. ماعاد فيه منكم... علي بابتسامة: وش فيه ولد عمي قيس بن الملوح.. والله إنه شقردي.. الله يبعث لي بس وحدة أحبها مثل ماكان يحب ليلى.. بس عاد بدون خبال الله يرضى عليك... كساب يبتسم: إيه دوّر ليلى لين تشيب وتطيح سنونك... لأنه ليلى انقرضت مع قيس.. علي بتساءل: خلك من ذا لهذرة الفاضية... طالع بكرة لوزان صح..؟؟ وإلا لا يكون تخطيطي للمدن بعد مهوب عاجبك.؟.. كسّاب بمودة: إلا بنروح لوزان.. وتخطيطك على الرأس والعين بس إذا كان تخطيط ناس عقّال... ********************************* "نويف وش أخبارك؟؟" نايف يتناول فنجان القهوة من أمامه ويهتف بابتسامة: أخباري أني ودي أرجع لباريس اليوم قبل بكرة عالية باستغراب: من جدك.. باقي لنا شهر ونص عطلة.. نايف بتهكم أقرب لليأس: خواتي دخلوا في مخي.. جننوني عالية.. أحس أني باستخف.. عالية تبتسم: كل عطلة تقول كذا وتقعد لين نخلص العطلة.. نايف بضيق: لا ذا المرة قلت لهم أبي أجدد بيت الوالد.. كل وحدة منهم تبي هي اللي تخطط كل شيء.. حينها همست له عالية بحزم: تسمع نصيحتي ياخال؟؟ نايف يبتسم: وأنا عندي حد أسمع نصايحه اللي تودي في داهية غيرش.. عالية بذات الحزم:أول شيء لازم تعرف توقف خالاتي عند حدهم.. مهوب كل شي تسمح لهم يتدخلون فيه.. أدري بتقول مايهونون علي.. وأنا أخيهم الوحيد وانك تعزهم واجد.. ذا الحكي حفظته.. لا تخلي محبتهم لك سيف على رقبتك.. ثاني شيء.. لا تجدد بيت جدي.. بيت جدي أساسا قديم.. غير إن خالاتي كلهم داخلين معك في ورث البيت.. عشان كذا يمكنهم حاسين إن لهم حق يتدخلون..يعني أنت اللي بتتخسر في البيت وعقب كل وحدة منهم شايفة لها حق فيه.. وعقب بيتدخلون فيه وفي خصوصيتك أنت ومرتك فيه.. بيع البيت وعط كل وحدة منهم نصيبها.. وأرض البيت أساسا كبيرة واجد يعني بيجيب مبلغ ممتاز.. ونصيبك بيجيب لك أحسن بيت.. اشتر لك بيت على قدك وأنت مرتك وعيالك عقب.. واخلص من حنتهم.. وأثث بيتك على ذوقك ولا تستشير ولا وحدة فيهم.. نايف بضيق: أبيع بيت أبي!! عالية تهز كتفيها وتهمس بثقة: الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح.. هذي أول خطوة عشان تستقل بروحك.. والله لو ماسويت كذا لا يقعدون طول عمرهم ماسكين في رقبتك.. ثم أردفت وهي تغمز بعينها بمرح: وبما أن أمي أساسا متنازلة عن نصيبها لك.. فلازم ينولني من الحب جانب.. على الأقل عطني عمولة على الاستشارة.. ************************************ " حبيبي طالعة شوي مع سميرة وبأرجع" صالح بابتسامة ملولة: ترا سميرة هذي طلعت روحي.. صارت كنها طبيتني.. ماصدقت يصفى الجو بيننا ونبدأ نأثث بيتنا إلا هي طالعة لنا في البخت.. نجلاء تميل عليه لتحتضن عنقه من الخلف وتهمس برقة: حبيبي والله ما أتأخر.. بنروح نشوف بروفة فستانها.. حينها همس صالح بنبرة حزن: والله العظيم إن سميرة غلاها مثل غلا عالية الحين المسكينة مشتطة.. زين ولو كان الفستان أحلى فستان .. هل تميم بيقول لها (الله فستانش يجنن وأنتي اللي محلية الفستان) ؟؟ أشلون أبيش وغانم وافقوها على خبالها؟؟.. حد يقط بنته كذا!! نجلاء دارت لتجلس جواره وهي تهمس بحزن أعمق: صالح لا تشكي لي أبكي لك.. هي مقتنعة فيه.. وراسها مليان أفكار مثالية.. بس هي بزر.. ويا مسرع ما بتنصدم بالواقع.. خايفة عليها كثير من اللي بيصير لها صحيح أقول لها دايما هذا قرارش ولازم تتحملينه.. عشاني أحاول أشجعها.. لأني حاسة باللي يصير.. تمنيت إنها استشارتني قبل..والله ما أخليها تأخذه لو حتى انطبقت السما على الأرض.. بس قدر الله وماشاء فعل.. سميرة وحدة لو ما لاقت حد يسولف معها تستخف.. أشلون بتقضي حياتها مع واحد مستحيل يرد عليها في يوم من الأيام.. صالح يحتضن كتفيها بحنان ويهمس برجاء: ادعي لها بالتوفيق.. وبالصبر.. ************************************ هذه المرة قررت أن تبين له أنها لا تخاف قربه كما يظن.. من يكون ليظن أنها قد تخاف منه؟!! ومع ذلك الإحساس المزعوم بالشجاعة كان صعبا عليها أن تكون هي من تعقد ذراعها في ذراعه طوال جولتهما في قمة جبل ساليف.. ورغم استغرابه منها.. إلا أنه شد على ذراعها.. خصوصا وأن الجو كان باردا في الأعلى.. وهو نسي أن يشتري لها (بالطو) أسود ترتديه فوق العباءة.. حينما أصبحا في التلفريك.. احتضن كتفيها بذراعه وهو يضمها له ويهمس بهدوء: بردانة؟؟ كانت تدعك يديها المتجمدين وتهمس بهدوء ساكن: شوي بس.. ثم أردفت بتساؤل: تتسلق هنا؟؟ كساب بغموض: تقريبا.. حينها سألته بنبرة مقصودة: وياترى هذي هوايتك الغريبة الوحيدة وإلا عندك غيرها؟؟ ابتسم وهو يجيبها بذات الغموض: عندي هوايات أغرب بواجد.. بس مافيه داعي تسألين عنها.. كاسرة بذات النبرة المقصودة: تراها مجرد هوايات مهيب سر الذرة.. وعلى العموم شي مايخصني ما أسأل عنه.. حينها سألها بتلاعب: وأنا شيء ما يخصش؟!! حينها ابتعدت كاسرة قليلا عنه وهي تتخلص من ذراعه وتهمس بحزم: شفت.. أسلوبك هذا اللي من تحت لتحت ما يعجبني.. كساب هتف لها بذات النبرة المتلاعبة: زين حن الحين بروحنا في التلفريك.. ارفعي نقابش خلني أشوف وجهش ونتناقش وجه لوجه كاسرة رفعت غطاء وجهها بينما كساب أردف بثقة: الحين أنا سألت سؤال.. وش الشيء الغلط اللي في سؤالي؟؟.. كاسرة بحزم: الغلط هو في طريقتك وأنت تسأل.. كساب هز كتفيه: وأنتي مثل اللي مسك في القشرة وخلا اللب.. وعقب تقولين أنا وحدة ما أحب ألف وأدور.. وأنا ما شفت حد يلف ويدور مثلش.. كاسرة بثقة: إذا سألتني بشكل مباشر.. جاوبتك بشكل مباشر.. لكن نبرتك هذي اللي تسأل وأنت تمسخر فيها.. ماراح أجاوبك فيها.. حينها أمسك كساب بذقنها بين سبابته وإبهامه وسألها بنبرة مباشرة وهو ينظر في عينيها: هل أنا أهمش؟؟ والأشياء اللي ترتبط فيني تخصش أو لا؟؟ للمرة الثانية يقلب عليها الطاولة.. توقعت أنه سيتجاهلها ويعتصم ببروده.. وكان توقعها لردة فعله خاطئا.. وهاهي مجبرة أن تجيبه وبكل صراحة.. كانت تتمنى أن تبعد عينيها عن مدى عينيه وهي تجيبه.. لكنها لم ترد أن تظهر بمظهر الجبانة أمامه.. لذا أجابته بثقة وهي تركز نظرها على عينيه التي تمور بغموض يشعرها بالتوجس: مبدئيا أكيد تهمني.. مهما كان أنت رجّالي.. حينها ابتسم بغموض وهو يمد سبابته ليمسح شفتيها: بأكتفي بمبدئيا ذي.. وخصوصا أنها عادنا (مبدئيا) وقلتيها وشفايفش ترتعش.. أبي أشوف لا صرت أهمش بشكل كامل أشلون بتقولينها.. **************************************** " كلمتكم كاسرة اليوم؟؟" مزنة تلتفت لمهاب ونهمس له بمودة: كلمتني فديتها.. مهاب بهدوء بحذر: كلمتني البارحة.. أسألها عن أخبارها تقول كل شي تمام.. قالت لش شيء ثاني؟؟ مزنة حينها همست بقلق: وليه تقول لي شيء ثاني.. مبين عليها مبسوطة.. وكساب كلمني معها اليوم.. تعرف شيء ما أعرفه؟؟ مهاب بنبرة طمأنة: لا والله .. بس طبايع كساب جامدة شوي.. وهي بعد طبايعها مثله.. خايف ما يتوالمون بسرعة.. حينها ابتسمت مزنة وهمست: ما تدري يأمك.. مايفل الحديد إلا الحديد عقبال مانلاقي اللي تفل حديدك.. مهاب بهدوء: لا يمه.. أنا تو الناس.. الفكرة مؤجلة عندي إلى أجل غير مسمى.. مزنة بعتب: أشلون يعني.. بتقعد عمرك عزابي؟؟ مهاب ابتسم: يمه يمكن ربي كاتب لي الحرية والراحة من حنت النسوان.. خلني أشتري رأسي.. ******************************************* طرقات خافتة ترتفع على بابه.. هتف بصوت عال: ادخل ياللي عند الباب دخلت بخطوات ذابلة كوجهها الذابل تماما.. هتف بترحيب عميق: حيا الله أم حسن.. وينش غايبة ماعاد شفناش؟ همست بنبرة ميتة دون مقدمات وهي تقف أمام وجهه: عبدالرحمن ما أبيه.. ما أبيه.. خلاص كلمه وقل له أنه حن غيرنا رأينا.. عبدالرحمن شدها ليجلسها جواره ثم أمسك بكفها بين كفيه وهتف بحنان: يأخيش خلاص السالفة مهيب لعبة وخصوصا أن السالفة كبرت واجد وأنا عرفت أن أبو صالح خلاص قد كلم له كم رجّال من اللي بيجون في الجاهة أشلون نكلمهم ونقول خلاص.. حينها دفنت وجهها في عضده وهي تنتحب بصوت ممزق تماما: عبدالرحمن ما أبيه.. تكفى ما أبيه.. بأموت لو خذته!! عبدالرحمن احتضنها بحنان وهو يهمس بألم: والله العظيم ماعاد هو بيدي يأخيش.. وبعدين أنتي عارفة من البداية أنش وافقتي ترجعين لعبدالله عشان حسن.. لا تكبرين السالفة.. وش تموتين ذي ؟؟ عمرش طويل لحسون وأخوانه.. ماتدرين وين الخيرة يأخيش!! **************************************** " أنا طالع الحين.. وبكرة تجهزي بنطلع لوزان وعلى فكرة أخذي معش بس لبستين وأغراضش الغالية لأنه الجناح هذا محجوز لنا لين نخلص رحلتنا" كاسرة بتساؤل: زين وليه مانسوي شيك آوت.. ونأخذ أغراضنا معنا..؟؟ كساب يغلق أزرار قميصه ويهتف بحزم: هذي فكرة علي.. يقول عشان نكون خفيفين.. ومانشيل شناط ثقيلة كل ماجينا ننتقل من مكان لمكان.. كاسرة بسكون: خلاص.. إن شاء الله.. حينها شدها كساب ليوقفها وهتف لها بحزم: ليه شكلش زعلانة كذا؟؟ كاسرة بحزم مشابه: ماتشوف إن طلعتك كل ليلة وتخليني بروحي لين عقب الفجر شيء يزعل؟؟.. كساب بصرامة: قلت لش قبل.. اليوم آخر يوم.. مافيه داعي تسوينها سالفة.. كاسرة تعاود الجلوس وتهمس بثقة: ما سويتها سالفة.. بس أنت بعد لا تطالبني أبين نفسي راضية غصبا عني.. حينها عاود كساب شدها بقوة لتقف وهو يهتف بغضب ويعتصر عضدها بقوة بالغة لم يشعر هو بمداها: وأنا ماقلت لش اقعدي عشان تقعدين وأنا واقف ياللي ماتستحين.. أجابته بحزم رغم شعورها بألم متفجر في عضدها الذي شعرت كما لوكان تمزق من شدة قبضته حين شدها لتقف: وقلت قبل لا تستخدم إيديك.. أنا أسمع عدل.. وأعرف أشلون احترم اللي قدامي ومهوب أنت اللي تعلمني .. أجابها بغضب وهو ينقل يده من عضدها ليعتصر بها وجهها: لو تسمعين عدل كان فهمتي من اول مرة لما وقفتش عشاني واقف.. وبعدين أنا ما أستخدمت يدي.. وما أرد عقلي لمرة عشان أستخدم يدي معها.. كاسرة حينها تفجر غضبها وهي تلطم يده لتزيلها عن وجهها: ليه وش فيها المره؟؟ مخلوق أقل من حضرة جنابك؟؟ حينها هتف لها بغضب هادر: ياويلش تطولين صوتش عندي مرة ثانية.. وإلا والله لا تعيفين حياتش.. أجابته بذات الغضب: وش بتسوي يعني؟؟ تستقوي علي عشان أنا ما أقدر أدافع عن نفسي لو أنت قررت تستخدم إيديك؟؟ مثل ما تكلمني بأرد عليك.. احترمني واحترمك.. غير كذا ماعندي.. حينها ابتعد عنها وهو يدعك كفيه ويهتف ببرود مختلف عن غضبه المرعب قبل دقائق: ليه بتمشيني على شروطش يا مدام..؟؟ تدرين.. ذا الرحلة السخيفة كلها ماعاد لها لازمة.. أنا طالع لشغلي وأنتي جهزي شناطش نرجع الدوحة بكرة.. #أنفاس_قطر# . . . بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والاربعون " أنا طالع الحين.. وبكرة تجهزي بنطلع لوزان وعلى فكرة أخذي معش بس لبستين وأغراضش الغالية لأنه الجناح هذا محجوز لنا لين نخلص رحلتنا" كاسرة بتساؤل: زين وليه مانسوي شيك آوت.. ونأخذ أغراضنا معنا..؟؟ كساب يغلق أزرار قميصه ويهتف بحزم: هذي فكرة علي.. يقول عشان نكون خفيفين.. ومانشيل شناط ثقيلة كل ماجينا ننتقل من مكان لمكان.. كاسرة بسكون: خلاص.. إن شاء الله.. حينها شدها كساب ليوقفها وهتف لها بحزم: ليه شكلش زعلانة كذا؟؟ كاسرة بحزم مشابه: ماتشوف إن طلعتك كل ليلة وتخليني بروحي لين عقب الفجر شيء يزعل؟؟.. كساب بصرامة: قلت لش قبل.. اليوم آخر يوم.. مافيه داعي تسوينها سالفة.. كاسرة تعاود الجلوس وتهمس بثقة: ما سويتها سالفة.. بس أنت بعد لا تطالبني أبين نفسي راضية غصبا عني.. حينها عاود كساب شدها بقوة لتقف وهو يهتف بغضب ويعتصر عضدها بقوة بالغة لم يشعر هو بمداها: وأنا ماقلت لش اقعدي عشان تقعدين وأنا واقف ياللي ماتستحين.. أجابته بحزم رغم شعورها بألم متفجر في عضدها الذي شعرت كما لوكان تمزق من شدة قبضته حين شدها لتقف: وقلت قبل لا تستخدم إيديك.. أنا أسمع عدل.. وأعرف أشلون احترم اللي قدامي ومهوب أنت اللي تعلمني .. أجابها بغضب وهو ينقل يده من عضدها ليعتصر بها وجهها: لو تسمعين عدل كان فهمتي من اول مرة لما وقفتش عشاني واقف.. وبعدين أنا ما أستخدمت يدي.. وما أرد عقلي لمرة عشان أستخدم يدي معها.. كاسرة حينها تفجر غضبها وهي تلطم يده لتزيلها عن وجهها: ليه وش فيها المره؟؟ مخلوق أقل من حضرة جنابك؟؟ حينها هتف لها بغضب هادر: ياويلش تطولين صوتش عندي مرة ثانية.. وإلا والله لا تعيفين حياتش.. أجابته بذات الغضب: وش بتسوي يعني؟؟ تستقوي علي عشان أنا ما أقدر أدافع عن نفسي لو أنت قررت تستخدم إيديك؟؟ مثل ما تكلمني بأرد عليك.. احترمني واحترمك.. غير كذا ماعندي.. حينها ابتعد عنها وهو يدعك كفيه ويهتف ببرود مختلف عن غضبه المرعب قبل دقائق: ليه بتمشيني على شروطش يا مدام..؟؟ تدرين.. ذا الرحلة السخيفة كلها ماعاد لها لازمة.. أنا طالع لشغلي وأنتي جهزي شناطش نرجع الدوحة بكرة.. كاسرة تشعر بصدمة لم تظهر في صوتها الواثق: من جدك؟؟ كساب بصرامة: لا تخدعيني وتخدعين نفسش وتقولين أنش مبسوطة بذا الرحلة.. كل واحد منا زهقان من الثاني.. فليش نطول رحلة مملة مثل هذي؟؟ وهذي آخرتها.. وصلت أنش تطولين لسانش علي.. وذا الشيء أنا مستحيل أوافق عليه.. كاسرة مصدومة من كل هذا.. لم تتخيل أن الأمر قد يصل إلى أنه يصفعها بصراحة أنه يشعر بالملل منها وبعد زواجهما بثلاثة أيام فقط.. وما يهمها الآن ليس كساب ولا حتى نفسها.. إنما كيف ستبرر للمتواجدين في الدوحة عودتها المبكرة.. لا تريد أن يتشمت بها أحد.. لا تريد أن تمنح لأحد الفرصة أن يجد كلاما يقوله عنها.. لا تريد قبل ذلك أن تثير قلق والدتها وأسرتها.. لابد أن تستعيد هي زمام الأمور.. فهذا الكساب ليس سوى طفل متهور غبي.. وهي من يجب الآن أن تكبر عقلها عليه.. حتى يعودا للدوحة فقط!! حينها أمسكت كاسرة بطرف كمه وهي تتحاشى الإمساك بكفه وتتناسى ألم عضدها المتزايد.. وشدته بلطف لتجلسه وتجلس جواره وهي تهمس بلطف مدروس لكن بنبرتها الحازمة: ماراح أعطلك.. خمس دقايق وروح لشغلك.. أنا أبي أعرف ليه الحوار بيننا انتهى كذا؟؟.. أي اثنين متزوجين جديد لازم يصير بينهم شد لين كل واحد يتعود على طبايع الثاني.. أنا ما أبي أمشيك على كيفي.. ومهوب رجّال اللي مرته تمشيه على كيفها.. بس في نفس الوقت أتوقع منك ما تتصرف وكنك تبي تلغي شخصيتي لأنه ذا الشيء مستحيل يصير أنت تزوجتني وأنت عارف أن شخصيتي كذا.. فليش الحين ماني بعاجبتك.. كساب حينها استدار ناحيته وهتف بحزم: لا تعتقدين أني أبي أكسرش بس أنا بعد مستحيل أقبل أنش تحطين رأسش برأسي.. (الرجال قوامون على النساء) وإلا عندش كلام غير كلام رب العالمين؟؟ كاسرة حينها أجابته بحزم: وأنا معترفة أنك أنت لك القوامة.. حقك استأذنك لو جيت بأطلع أو أسوي أي شيء حقك أطيعك وأمشي على شورك في الحق.. بس مهوب حقك أنك تمنعني أعبر عن رأيي لو شفت شيء ما يعجبني.. مهوب حقك أنك تبي تلغي شخصيتي وتبيني امعة.. كساب حينها وقف وهو يهتف بحزم: الخمس دقايق خلصت أنا اليلة بأرجع أبكر من كل مرة..إذا رجعت.. كملنا كلام..وقررت وش بنسوي.. ولا تظنين إن قصدي أضايقش أو أعاقبش.. لكن ياليت نوصل على الأقل لطريقة حوار ترضينا اثنينا.. وحطي في بالش أني مستحيل أرضى أنش تطولين صوتش عندي!! كساب خرج بينما كاسرة جلست وغيظها منه يتصاعد.. ( والله كان عندي حق يوم كنت أبي اتزوج رجّال كبير هذا الحين أشلون أتفاهم معه وهو وعقله الصغير) تشعر أنها مرهقة تماما.. وهذه الرحلة استنزفتنها نفسيا وجسديا.. حتى لو قال أنه سيعود مبكرا فهي لن تنتظره.. سـتـنـام.. تريد أن تريح جسدها مادامت عاجزة عن إراحة ذهنها.. صلت قيامها مبكرا ونامت.. قبل صلاة الفجر بساعتين كانت مستغرقة تماما في نوم عميق حين شعرت بأنامل حانية على عضدها تلاها همس حنون غريب بدا مغلفا بألم غير مفهوم: كاسرة الأثر هذا من مسكتي لعضدش البارحة؟؟ همست بنعاس وكأنها مازالت تحلم وهي تئن بخفة من ألم لمسته للأثر المزرق في عضدها: بكرة بيروح..بس تكفى لا تلمسه ولا تجي جنبه.. أدخل يديه تحت كتفيها ليضمها لصدره بقوة وهو يهمس بذات النبرة الحانية: أنتي مصنوعة من لحم وعظام مثل باقي البشر وإلا انصنعتي من طينة ثانية؟! ماهقيت أن مسكة بسيطة مثل ذي بتقعد معلمة لين الحين!! فوجئت بنفسها بين أحضانه .. ليس لها مجال لتهرب.. أو ربما تعبت من الهرب!! همست حينها بارتعاش وهي تدفن وجهها في عنقه وجسدها كله يرتعش: عندك بسيطة.. بس أنت آجعتني واجد.. حينها شدد احتضانه لها وكأنه يريد إخفائها بين ضلوعه.. كي يُسكن ارتعاشها العميق الذي شعر به بين حناياه وهو يهتف لها بعمق لا يشبه أحدا سواه: والله العظيم ماهقيت حتى واحد في الميه أني أجعتش حتى.. صدقيني لو أعرف اعتذر كان اعتذرت.. همست بذات النبرة المرتعشة: ما أبيك تعتذر.. بس أبيك ماتعيدها.. ذا المرة عديتها لأني عارفة إنك ماكنت تقصد.. لكن مرة ثانية ماراح أعديها.. خفف من احتضانه لها ليفلتها قليلا حتى ينظر لوجهها .. كانت نظراته عميقة..دافئة.. غامضة.. خليط من وله وعمق وشجن وغرابة.. حينها همست وهي تمد يدها لشعره المبلول: كساب الله يهداك ليه مانشفت شعرك ؟؟تبي تاخذ برد من التكييف؟؟.. بأقوم أجيب لك فوطة.. همس بعمق أقرب للوجع وهو يمسك بذقنها: إلا قولي تبين تلاقين لش سبب تهربين مني.. حينها مدت يدها لتمسح خده بظهر أناملها وهمست بنبرة تذوب رقة: وما سألت نفسك وش السبب اللي يخليني أهرب؟؟ حينها غمر وجهها بقبلات عميقة حانية دافئة.. مختلفة .. وهو يهمس بعمق خافت دافئ: دامش ماهربتي ذا المرة.. مايهمني المرات اللي فاتت.. ******************************* " عبدالله الله يهداك وش فيك مأخذ الشغل حامي حامي كذا توك مداوم أمس.. وشكلك أول واحد توصل وآخر واحد يطلع" عبدالله ينظر لهزاع ويبتسم: الناس مسكوني على طول منصب تبيني أبين ماني بقدها وعلى طاري حامي حامي... أشوف ناس خذوا الشهادة ورقدوا عليها.. هزاع بتأفف مازح: يا ابن الحلال مالحقنا نرقد.. مالي كم يوم.. وكلكم دخلتوا في أبو مخي.. عبدالله باهتمام: صدق هزاع لازم تقرر لك شيء من الحين.. هزاع هز كتفيه: تدري عبدالله.. دراسة مالي خلق دراسة.. عمري الحين 22 أرجع أدرس مع البزران في الجامعة.. وعقبه ما أفلح بعد!! وفي نفس الوقت ما أبي عقب ذا السنين أني ما أدخل كلية حالي حال العالم عشان كذا أفكر أمشي على خطا أخيك الجلف فهيدان وندخل الكلية العسكرية أبي أكلم منصور آل كساب يتوسط لي هناك.. بس مستحي!! عبدالله يبتسم: حلوة مستحي ذي.. وليه ماتكلم فهد يكلمه؟؟.. هزاع بهدوء: ما أبيه يحس أني أستغل غلا فهيدان عنده.. عبدالله بمودة وهو يربت على كتف هزاع: هزاع أنت نسبتك زينة يأخيك.. وترا ما تحتاج واسطة.. وعلى العموم مايضر نوصي منصور عليك خلاص أنا بأكلمه بنفسي.. والاثنان مستغرقان في حوارهما وينتظران اكتمال عقدهم ليتغدوا سويا.. دخل أبو صالح.. الاثنان قفزا ليقبلا رأسه.. أبو صالح سأل هزاعا بصرامة وهو يتجاهل وجود عبدالله:هزاع وين صالح؟؟ هزاع باحترام: مابعد جا.. طلع من دوامه على بيته.. ويقول نص ساعة وجاي.. حينها هتف وكأنه لا يوجه الحديث لأحد معين: كنت أبي أقول له أنه موضوع الجاهة خلص.. والرياجيل ماقصروا بيض الله وجيههم.. قدموا كلهم الغانمة.. واتفقوا كلهم يجتمعون ليلة الخميس.. عبدالله بصدمة: عقب 3 أيام بس.. وأشلون قدرت تجمعهم بذا السرعة؟؟ حينها التفت له والده بشكل حاد وهو يهتف بغضب: ليه وأنا متى ماكنت أشل الحمول الثقيلة؟؟ وإلا ماتشوفني كفو يوجبوني الرياجيل؟؟ حينها قفز عبدالله ليقبل رأسه وسعادة عميقة تتفجر في روحه لم يتخيل مطلقا ولا في أكثر أحلامه أملا.. أن حلمه سيتحقق بهذه السرعة هتف لوالده باحترام جزيل وهو يلثم ظهر كفه : إلا كفو وكفو.. لا صار أبو صالح مهوب كفو.. من اللي كفو جعلني ماخلا من نفعتك.. وجعل يومي قبل يومك اللي ماخليت الرياجيل يصغروني.. كاد أبو صالح أن يهتف بجزع (إلا يومي قبل يومك.. ماهقيت أني عادي بأشوفك قدامي.. وين عاد أتحمل أذوق حزنك مرتين؟؟) ولكنه بدلا من ذلك شد يده بصرامة وهو يهتف بذات الصرامة: ماسويت ذا علشانك.. لكن علشان أم حسن اللي تستاهل إن قدرها يكّبر عقب اللي أنت سويته فيها.. " ليتك تعلم يابني كم بذلت من الجهد لكي أستطيع جمعهم بهذه السرعة ثلاثة منهم اتصلت بهم خارج الدوحة ورجوتهم مطولا أن يعودوا ولو يوما واحدا من أجلي!! أردت أن اريحك حين بلغني لهفتك لانهاء الموضوع" عبدالله عاود تقبيل كف والده وهو يهتف بذات الاحترام الودود: ماتروح إلا في القدا يأبو صالح.. (القدا= الطريق الصائب) حينها هتف أبو صالح لهزاع بحزم: هزاع يأبيك روح لأمك جيب دفتر شيكاتي من عندها.. أبي أكتب لعبدالله شيك عشان مهر مرته!! انتفض عبدالله برفض قاطع: جعلك سالم يأبو صالح عندي فلوس.. أصلا مهرها عندي في الخزنة من البارحة.. أبو صالح يخاطبه دون أن ينظر له بصرامة غاضبة: من وين لك الفلوس وأنت أربع سنين غاطس في اللي ما يعلمه إلا ربك..؟؟ وإلا تبي تفضحنا في أبو عبدالرحمن وبنته؟؟.. قدك متعلم(ن) على الفضايح.. عبدالله بذات نبرة الاحترام الودودة دون تغيير.. رغم الحزن الشفاف الذي غزا روحه مع تعريض والده به: وجهك أبيض يأبو صالح.. السنين الأربع ذي أنا كنت أشتغل وشغل زين بعد وراتبي عود.. عدا أني أصلا كان عندي وديعة هنا ما تحركت لأن أوراقها كانت في الخزنة.. خيرك سابق يأبو صالح... ****************************** " ماشاء الله ماتخيلت المناظر هنا حلوة كذا!!" مزون باستغراب: ليه أنتي ماطلعتي من المصحة كلش قبل؟؟ جميلة بخجل: لا.. خليفة عرض علي واجد نطلع خصوصا بعد ماتحسنت صحتي بس أنا كنت أعيي وما أترك حتى مجال للنقاش.. مزون بذات الاستغراب المتزايد: وليه يعني؟؟ جميلة تنظر لخليفة الذي كان يوليهما ظهره وهو يجلس على طاولة بعيدة مع زايد على ضفاف بحيرة أنسي.. ثم تهمس بمصارحة شفافة: بصراحة أخاف واجد أطلع معه برا المصحة!! مزون يتزايد استغرابها: وليه بعد؟؟ دوختيني!! جميلة بحرج رقيق: ما أدري مزون.. أحس المصحة تشكل حماية لي.. مزون ابتسمت: لا تصيرين خبلة.. يعني ما أظني خليفة همجي بيجبرش على شيء وخصوصا وأنتي حالتش كذا!! جميلة بنبرة لا تخلو من حزن شفاف: مزون.. أنا أدري إنه أنا وخليفة زوجين مع وقف التنفيذ.. وأدري إنه خليفة مايبي مني شيء.. من أصلا اللي بيفكر فيني كامرأة وأنا في شكلي الحالي.. بس لما نكون في المصحة إحساسي هو إحساس المريضة.. يعني ممكن أتقبل يمسك يدي..يسندني.. يحضنني حتى.. لأنه هذي مجرد مؤازرة من مرافق مريض لمريضه.. يعني إحساسي بلمسته طبيعي كأنها لمسة أخوية.. مايحرك أي مشاعر مختلفة فيني لكنه يحسسني بالأمان الكبير.. لو طلعنا خارج المصحة.. أخاف أفسر لمسته بمجرد لمسة رجل.. أخاف أفقد إحساسي بالأمان.. وأنا في ذا الفترة ماني بمحتاجة رجل بمعناه المجرد لكن محتاجة سند.. أخ.. لو فقدت إحساسي بالسند.. أحس أني وقتها ما أقدر أكمل علاجي.. مزون تبتسم: بصراحة كلام غريب.. بس في حالتش أشوفه مقنع.. المهم إنه أنتي كل ما تتحسنين.. خفي لنا من إحساس الأخوية الله يرضى عليش.. ثم أردفت بحذر: جميلة تبين شيء من الدوحة؟؟ حينها همست جميلة بحزن عميق: تراني مانسيت أنكم بتروحون الليلة عشان تذكريني.. والله العظيم مالحقت أشبع منكم.. حرام عليكم اقعدوا عندي شوي.. بس شوي.. مزون بحزن رقيق: غصبا عني جميلة... لو علي أنا فاضية ماعندي شيء الطيران وخليته.. ودراستي في الجامعة باقي عليها أكثر من شهر.. لكن تدرين إن إبي مشغول كثير ومايقدر يعطل شغله أكثر من كذا.. *********************************** " ماشاء الله ماتخيلت أنش بتقدرين تروحين معنا!! خفت عمي فاضل يعيي كالعادة" شعاع بابتسامة متوترة: إبي ذا الأيام مشغول باله بسالفة جوزاء.. عدا أني بصراحة استأذنت أمي وعبدالرحمن بس.. وإن شاء الله أبي مايفقدني ثم أردفت بمودة عميقة: عدا أني ماقدرت أضيع على نفسي فرصة أني أختار مسكتش معش.. لا وعقب نمر نشوف فستانش.. هذي عاد ما أقدر أفوتها كلش.. سميرة بمودة عميقة: جعلني ماخلا منش قولي آمين!! شعاع حينها عاودها التوتر: إلا قولي لي سميرة عسى الأماكن اللي بنروح لها مافيها أصنصير؟؟.. يازينه الدرج زيناه.. وضحى حينها ابتسمت: أنتي يالخبلة لمتى وأنتي تخافين من الأصنصيرات.. شعاع ابتسمت برقة: بأخاف منها لين أموت... يا أختي حد يدخل نفسه في قبر مسكر عشانه عاجز يطلع درجتين.. صعود السلالم رياضة حلوة ومفيدة.. سميرة تضحك: رياضة حلوة ومفيدة للجبناء مثلش.. وعلى العموم مافيه أصنصير ولو كان فيه أصلا ماكان وديتش معي.. احنا ناقصين مناحة.. كفاية المرة الوحيدة اللي غصبناش تطلعين معنا الأصنصير في الجامعة.. سويتي لنا فضيحة في كل الجامعة.. شعاع تضحك: يا أختي أنا وحدة عندي عقدة من الأصنصيرات.. كيفي.. حرية شخصية... حينها اردفت وضحى باهتمام: سميرة عسى بس إنه احنا ماحنا بمطولين.. ما أبي أتأخر على تميم.. حينها تغير وجه سميرة.. التغير الذي لم يلحظه أحد لاختفاءه تحت نقابها.. ولكن شعاع همست بمرح: أشوف بنت أخت هريدي نزل عليها سهم الله عند طاري البعل المبجل.. وضحى ردت عليها بمرح مشابه: تبي تدرب عندنا على تمثيلية السحا.. تدرين السحا ديكور ضروري لكل عروس.. كان بود سميرة حينها أن ترد عليهما ردا مرحا أقوى من تعليقاتهما عليها وهي ليست عاجزة عن الرد.. ولكن قلقا غافيا في روحها بات يضيق عليها أنفاسها لا تعلم هل هو قلق العروس الطبيعي؟؟ أم هو قلق خاص بها وبزوجها وبحالته التي ازدادت تأزما.. وبسببها؟؟ هاهو موعد زفافها يقترب.. وتوترها يتصاعد كلما اقترب!! ورغم كل ذلك.. هناك أمل رقيق في روحها.. أن تميما لن يخذلها!! "هذا الإنسان الطاهر النقي الذي يبدو لشدة طهره ونقائه كما لو كان يوشك أن يصبح شفافا مرئيا.. أستطيع رؤية ماخلفه دون تعقيد.. دون التباس.. أستطيع أن أصل لروحه الشفافة دون قيود أعلم أنه سيسامحني.. لا أعتقد أنه مازال يلوموني على أني أسقطته فهذا شيء لا ذنب لي به" لم تعلم هذه الطفلة البريئة كم بات خلف رداء هذا الرجل من التعقيد والالتباس.. وأنها ستعجز بالفعل عن رؤية مايخفيه خلف شكوكه المتراكمة وروحه التي أثقلها الألم واليأس!! وأن ما بات يحمله ضدها يتجاوز مجرد السقطة بكثير.. كان يتمنى أن يحمل ألم كسور جسده كاملا..وأكثر!! ولا يحمل هذا الشك المدمر الذي بات ينمو كنبات شيطاني بلا توقف ولا رحمة!! *********************************** " كساب أنت من جدك البارحة يوم تقول أنك تمللت مني؟؟" كان يحتضن كفها وهما يجلسان متجاورين في القطار المتجه للوزان.. رفع كفها إلى شفتيه ليقبل باطن كفها بعمق متروي وهو يهتف بهدوء متحكم: بصراحة أحيانا تمللين الواحد.. وتطلعينه من ثيابه بعد!! همست بهدوء كهدوئه: ترا ينقال عليك نفس الكلام تمام.. ابتسم وهتف بثقة: وأنا قلتها لش أمس بعد.. قلت كل واحد متملل من الثاني.. بس الملل معش له طعم ثاني.. ابتسمت برقة: صدق نصاب!!ترا بأبلعها بمزاجي!! حينها هتف بغموض: فيه أشياء واجد بتضطرين تبلعينها.. فالأحسن يكون دايما بمزاجش.. لم يرق لها تلميحه لذا شدت يدها من بين يديه برقة.. بينما هو عاود تناول كفها وهو يهتف بحزم ويمسح أناملها بأنامله: ترا بنت خالتي في مصحة قريب من جنيف نبي نروح نزورها قبل نرجع الدوحة.. همست بهدوء ساكن: نزورها ليش لأ.. زيارة المريض واجب.. ثم التفتت لتنظر عبر نافذة القطار للمناظر الطبيعية المذهلة في خضرتها بينما مازالت كفها ترتعش في كفه.. وهو يصر على الاحتفاظ بها بين قوة أنامله بطريقة تملكية غريبة.. هذا الصباح حين نهضت من نومها يغتالها إحساسها الغريب بقربه الدافئ الحنون المختلف وهي تخلص نفسها بصعوبة من بين ذراعيه.. بعد أن أصر أنها لن تنام إلا على ذراعه لتكون هي مخدتها غير المريحة بصلابتها.. قررت أن تجهز حقائبها للعودة للدوحة.. فهي يستحيل أن تطلب منه تغيير رأيه.. وهو لم يقل لها أنه غيّر رأيه.. رغم أنها استغربت وجود حقيبة صغيرة جديدة مسندة إلى دولابها يبدو أنه أحضرها معه حين عاد قبل الفجر.. ولكنها لا يمكن أن تفسر وجود الحقيبة بأي شيء مادام لم يصرح لها بشيء.. واستمرت في وضع ملابسها في حقيبتها الكبيرة.. لذا ارتعشت بعنف وهي تشعر بدفء كفيه على عضديها من الخلف ثم دفء أنفاسه قرب أذنها وهو يهمس فيها بصوته الرجولي الناعس: وش ذا الأغراض كلها؟؟.. قلت لش لبستين بس تكفيش في لوزان!! ******************************* " سلام ياعريس" عبدالله ينظر لعالية التي تطل برأسها عبر الباب ويهتف بابتسامة: بدري على عريس ذي عالية قفزت جواره وهي تهمس بمرح: إلا عريس ونص وثلاث أرباع.. كلها 3 أيام بس.. تدري.. خاطري أسوي فيك مقلب ذاك اليوم يطلع من رأسك.. الحين أنا بين عدة خيارات.. أما أني أعطيك منوم.. ثم أدسك في غرفتي عشان ما يلاقونك.. وتروح الجاهة مايلاقون حد.. العريس طافش والباقين يدرون له.. ويأما أني عقب الملكة على طول.. أخذ حسون وأدسه وأخليكم تمتغثون شوي.. ويأما أني أول ما تسكرون غرفتكم عليكم أنت وجوزا.. أجي وأدق الباب وأقول لكم ألحقوني الزايدة انفجرت معي وش رأيك أنت عبود اختار واحد من الخيارات؟؟ عبدالله يضحك: أول شيء عبود في عينش ياقليلة الحيا!! ثاني شيء.. ول عليش متخرجة من مدرسة إجرام.. هذا مقلب وإلا جريمة؟؟ ثالث شيء.. خلش تكانة ومرة ثقيلة لأني أبيش أنتي تودين مهر جوزا لها.. حينها قفزت عالية وهي تهمس بحرج: تبيني أروح لبيت عبدالرحمن؟؟ عبدالله ببساطة: وش فيها؟؟ لا تحدد عرسكم ولا يحزنون.. وبعدين أمي ماتقدر تروح.. عادها تعبانة عالية قفزت لتقبل رأس عبدالله وهي تهمس برجاء: تكفى اعفيني باعطيه نجلا توديه.. مافيها شيء.. بنت عمي الكبيرة ومرت أخيك الكبير عبدالله يبتسم: والله مهوب هين الدحمي اللي مخليش مستحية كذا!! وقولي لي وش فرقت؟؟ أنتي أساسا رايحة رايحة يوم الخميس.. عالية بحرج: إلا فرقت .. يوم الخميس أمي موجودة والناس كلهم هناك مهوب أنا مرتزة عندهم بروحي!! عبدالله يبتسم بمودة: خلاص عطيه نجلا.. على رأسنا أم خالد.. ************************************* "قومي يا بنت وكلميني" جوزاء تعتدل جالسة وهي تحاول ألا تبين لوالدتها احمرار وجهها وتهمس بصوت خافت عله يخفي اختناق صوتها: لبيه يمه!! أم عبدالرحمن بغضب: ارفعي وجهش وحطي عينش في عيني.. أنتي وش آخر خبالش ذا؟؟ لين متى وأنتي خبلة كذا؟؟ جوزاء بضيق: يمه الله يهداش وش فيش جايه هادة علي.. والله العظيم اللي فيني مكفيني.. أم عبدالرحمن تعتصر عضد جوزاء وتهمس بذات الغضب: الي فيش كله من فعل يمينش.. أول شيء طلبتي الطلاق من امهاب.. قلت ماعليه خايفة على ولدها وبلعتها.. عقبه وافقتي على اب ولدش برضاش..وماحد غصبش لكن إن أم صالح بنفسها تجي هنا وهي تعبانة ومرت ولدها تعكز لها عشان تجيب لش مهرش وأنتي ماحتى ترضين تنزلين تسلمين عليها.. هذي مستحيل أعديها لش.. جوزاء حينها انتفضت بغضب: لا وأشرايش أنزل لهم وأنا كذا.. وجهي متنفخ وعيوني حمر.. أم عبدالرحمن بغضب أشد: ولين متى وأنتي وجهش منفخ وعيونش حمر.. تبين تشمتين العرب فيش؟؟ حينها انهارت جوزاء بيأس: وأنتي يمه متى اهتميتي إن العرب ما يتشمتون فيني.. كنتي تسمعينهم يقطون علي الحكي ولا عمرش دافعتي عني.. أم عبدالرحمن شدت جوزاء لتحتضنها وهمست بألم: الله خلقني كذا.. أحشم حتى اللي ما يستاهل الحشيمة.. يأمش ملكتش عقب 3 أيام.. تبين الناس يشوفونش حالتش حالة ؟؟وإلا يقولون مغصوبة عليه؟؟.. يأمش طالبتش.. أبي اللي قهروش وحكوا فيش لا شافوش ذاك الليل.. يقولون شوفوها تضوي.. مهوب يقولون ذابلة.. ومسكين من هي ضوت عليه الليلة.. جوزاء انهارت باكية في حضن أمها: يمه صعب علي والله العظيم صعب علي!! أم عبدالرحمن ربتت على ظهرها وهي تهمس بعمق: يأمش من أدخل رأسه يعرف أشلون يظهره.. وإذا ذا السنين كلها ماعلمتش شيء.. عمرش ماراح تعلمين أبد.. ************************************ "يمه الله يهداش أنتي رايحة بنفسش بيت أبو عبدالرحمن ماصدقت صالح يوم قال لي أنش معه في سيارته" أم صالح تنظر لعبدالله الذي كان ينحني على رأسها مقبلا وتهمس بمودة: أنا أصلا زعلانة عليك أنك قلت لنجلا ولا قلت لي.. عبدالله جلس جوارها وهو يقبل كتفها ويهتف بمودة عميقة : حنيتش جعلني فداش.. ربتت على فخذه وهمست بشجن: لا تحنّي إلا من الردا يأمك.. يأمك أنا من فرحتي كان رحت ولو هم يشلوني.. فكيف وأنا لله الحمد طيبة وبخير وأمشي على أرجيلي.. عبدالله بذات المودة: جعلش دوم طيبة وتاج على رووسنا.. والبيت ما يخلى من نورش.. أم صالح بحنان: يأمك ماعاد فيه وقت.. روح أنت وعالية بكرة واشتر لك غرفة جديدة.. وغير أثاث قسمك.. مايصير البنية ترجع على نفس أثاثها القديم.. عبدالله يبتسم: والله أنه طاري علي.. بس كل شيء جاء مع كل شيء.. أبشري يالغالية.. من بكرة بأغير كل شيء حتى الصبغ بأغيره.. *********************************** " وش فيك يأبو عبدالرحمن متضايق؟؟" أبو عبدالرحمن بضيق: ما أدري يام عبدالرحمن.. اللي صار الليلة ماريحني.. أم عبدالرحمن بنبرة طمأنة: ليه يأبو عبدالرحمن؟؟ هذا أبو صالح جايك بعياله كلهم عشان يبلغك بجية الجاهة اللي مابعد جا لبنت مثلها.. وجايبين لها مهر أكثر حتى من مهرها أول مرة.. يعني الناس ماقصروا.. وكبروا قدر البنت وقدرنا.. أبو عبدالرحمن بهدوء حذر: أبوصالح مايلحقه قصور.. رجّال(ن) نادر.. ومثايله قليلين.. أنا بلاي من عبدالله.. قلبي مهوب مرتاح(ن) عقب اللي هو سواه في بنتي..ولا في السنين اللي هو غايب فيها.. الليلة نشدته وين كان السنين اللي فاتت.. وكان بيرد علي.. لكن أخيه صالح نط وغير السالفة.. قلبي نغزني.. قام عبدالله قدام يطلعون مسكني على صوب وقال لي: " والله العظيم ياذا السنين اللي فاتت أني لا كنت في سجن ولا في شيء يرد في ديني.." بس بعد قلبي عاده ناغزني.. أم عبدالرحمن بنبرة استسلام: يأبو عبدالرحمن هي راجعة له عشان ولدها.. والرجّال مايعيبه شيء.. رجّال كداد ومصلي وغير كذا مالنا طريقة عليه.. حينها هتف أبو عبدالرحمن بغضب: وش مايعيبه شيء؟؟ والله ثم والله كلام(ن) أقوله عندش وعند غيرش وقدام عبدالله إنه لازيد يزعل بنتي وإلا يحزنها.. إنه ماعاد يرضيني إلا دمه.. وخلني أيتم حسن صدق.. *************************************** " مابغيت يأمك تجيني من يوم راحوا هلك وأنا أترجاك كل يوم تتغدى عندي وإلا تتعشى" علي بابتسامة ودودة: والله العظيم مشغول.. مابين شغلي وأنتي عارفة أنه شغلي ماله مواعيد وبين شغل الوالد اللي ماني بفاهم فيه شيء بس أروح أرتز عشان يشوفوني عفراء تربت على فخذه وتهمس بحنان: زين تاكل عدل؟؟ تتريق ؟؟ تغدى؟؟ تعشى؟؟ مهوب باين عليك أنك تاكل زين علي يبتسم: والله العظيم أكل.. وكل شيء تمام.. وتوني الحين متعشي وجايش.. ثم أردف بمودة: ها عسى مزون طمنتش على جميلة؟؟ حينها أشرق وجه عفراء بسعادة شفافة: الحمدلله جميلة ومزون كل شوي يكلموني وجميلة تحسنت حالها كثير.. غصة غريبة تصاعدت في روحه مع ذكرى مازالت طرية في ذاكرته الفتية يحاول تناسيها ليمضي.. مطلقا ليست ذكرى عشق ولا حبيب لم يُنل.. ولكن ذكرى خذلان مرة من أقرب الناس.. ممن أختارت عليه ما لا تعرفه.. وغصة أكبر ممن سمح لها بالاختيار.. ليفتح في روحه أبوابا مزدهرة لمرارة اعشوشبت حتى أقصاها.. ابتسم ابتسامته الصافية التي لا يعرف سواها: مبسوط عشانش ياخالتي.. ما أبيش تحاتين وأنتي حامل وتعبانة.. ثم أردف بمودة: عسى عمي بس ما يزعلش في شيء؟؟ "ياذا العم اللي حاطين دوبكم دوبه!! أنت وأخيك لو تطلعون من بيني وبين مرتي كان الدنيا عامرة!!" علي يقف ليقبل أنف عمه الذي دخل عليهم للتو وهو يهمس بعبارته المرحة ويرد عليه بمرح: مهوب كفاية أنك خذت أمنا.. عادك مستكثر نسأل عن فعايلك فيها؟؟ منصور بفخامة: خالتك فوق رأسي ازهلها.. علي ينظر لخالته ويبتسم: هاه العم صادق؟؟.. وإلا أأجر عليه عصابة يضربونه؟؟ خبرش كساب مهوب هنا وأنا مافيني حيل أناطح رجّالش.. عفراء برقة: الله لا يخليني من أبو زايد ما يقصر.. جعلكم أنتو وإياه ذخر لي.. وعمركم طويل في الطاعة.. علي بذوق: أجل اسمحوا لي أنا أنسحب.. وأخليكم بدون عزول.. منصور برفض: اقعد تعشى معي ياولد.. علي بمودة: قدام تحلف.. والله أني توني متعشي.. خلوني أترخص.. طيارة ابي ومزون بكرة الصبح بدري.. بأروح أرقد عشان أجيبهم من المطار وأنا شبعان نوم.. علي غادر بينما منصور جلس بجوار عفراء ليطوق كتفيها بذراعه ويقبل رأسها وهو يهمس بمودة: أشلونش اليوم حبيبتي؟؟ عفراء بابتسامة: الحمدلله فديتك.. من الله في خير.. ثم أردفت بعذوبة: قوم بدل على ما أجهز لك العشا.. منصور يمسك بكفها لينهضها معه ويهتف بهدوء: ماني بمشتهي.. شربت قهوة واجدة وكلنا قدوع وفاكهة.. أبي أشوف وجهش قدامي وبس.. ************************************** "الحين أبي أعرف وش مزعلش يا مدام؟؟ مهوب أنتي اللي تقولين خلك ذوق مع الناس.. ؟!!" كانت كاسرة تنظر لكساب الذي كان يتحدث بكل برود وهو يسترخي في جلسته بطريقة لا مبالية.. كاسرة همست ببرود أشد من بروده: ومن قال لك زعلانة؟؟ حينها مال كساب للأمام قليلا وهتف بخبث: أجل غيرانة..؟؟ كاسرة بتهكم: نعم؟؟ غيرانة؟؟ في أحلامك أغار!! يا أستاذ تغار اللي خايفة إن رجّالها يشوف أحلى منها وتزوغ عينه!! كساب بنبرة مقصودة: عادي.. يمكن أنا أشوفها أحلى منش.. خفي غرورش شوي لأنه لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع..ويمكن ذوقي جاي على الفرنسيات.. كاسرة تتجاهل ماقاله وتهمس بنبرة مدروسة: كسّاب أنا أدري أنك بيزنس مان.. وعقلي مهوب صغير عشان أزعل إذا قابلت حريم لك بيزنس معهم لكن أنت أسلوبك كان ينرفز.. يعني المرة سلمت.. ويوم عرفت أنك في شهر العسل انحرجت وتبي تمشي لكن أنت تمسك فيها إلا تتقهوى معنا ما أدري هل أنت ترسل لي رسالة أنك ما تحترمني أو أشلون؟؟ كساب وقف وهو يهتف بعدم اهتمام وهو يخلع قميصه استعدادا للقيام بالتمارين: أنا ما أبرر تصرفاتي لا لش ولا لغيرش.. وأنتي افهميها مثل ماتبين!! كاسرة تنظر لكساب بشكل مباشر وتهمس بنبرة حازمة: لا كساب.. لازم تبرر تصرفاتك.. لأني ماني بأي أحد.. أنا مرتك.. ولازم تحترمني في كل تصرفاتك.. ثم أردفت بنبرة مقصودة: وعلى العموم ماعليه.. طلعنا من ذا المقابلة بتاكيد للكلام اللي أنا قلته لك قبل أنك لو بغيت.. عندك ذوق ولباقة محترفين..إلا كنت بتموت من اللباقة والذوق!! كساب يلتفت لها ويبتسم ويهمس بذات نبرتها المقصودة وهو يتمدد أرضا للقيام بتمريناته الأثيرة: إذا ماصرت ذوق مع رئيسة أكبر شركة عقارية في فرنسا.. مع من أكون؟؟ *********************************** "صالح ليه ماخليتني أعلم أبو عبدالرحمن يوم سأل؟؟" صالح يلتفت لعبدالله بنصف عين: زينك وأنت هال شريطك ومخرب السالفة كلها أول شيء قول لأبي.. لو هو تقبل السالفة.. قولها لغيره.. عبدالله يتنهد: أنا ماكنت بأقول له كل شيء.. بأقول له الحقيقة بس مهوب كلها بس كذا خليت شكلي قدامه بايخ وكني داس جريمة.. حينها نظر صالح لعبدالله نظرة مقصودة: وليه اللي أنت سويته ماتسميه جريمة!! عبدالله بانثيال عصبي غاضب: لا مهوب جريمة.. أنا غلطت وانغشيت.. وتعذبت بذا الغلطة عذاب ماشافه حد منكم.. فلا عاد حد منكم يمد لسانه علي.. يعني ما أسلم من الصغير ولا من الكبير يعني لا الصغير يحترمني ولا الكبير يرحمني.. خافوا ربكم فيكم.. أخيكم أنا ماني بعدوكم ترا.. صالح بنبرة تهدئة: عبدالله الله يهداك وش فيك شبيت كذا.. ترا الكلام أخذ وعطا وأنت عارف غلاك عندي.. والعتب على قد المحبة.. عبدالله يقف ليغادر المجلس.. ويهتف بغضب مكتوم وحزن أعمق: وانت عاتبتني وعاتبتني وعاتبتني.. تشوفوني بالع غصتي وساكت.. ماخلاكم ذا تقولون خلاص شاف ماكفاه.. إلا قلتوا مهوب حاس بغلطته خلنا نحسسه فيه.. والله العظيم أني داري إني غلطان.. وغلطان وغلطان.. صالح أنت بالذات ماعاد أقبل منك عتب لأنك شفت بعينك اللي ماحد يدري به.. "وش اللي صالح يدري به وغيره مادرى؟؟" صوته الحازم العميق قاطع عبدالله وهو يتعكز على عصاه داخلا للمجلس.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والأربعون عبدالله وصالح كلاهما التفتا مذهولين لناحية الباب.. بينما أبو صالح تقدم بخطوات ثابتة وهو يوجه نظرات مباشرة لعبدالله ويهتف بنبرة صريحة مباشرة شديدة الحزم: ها ياعبدالله.. وش عندك؟؟.. عبدالله حينها تبادل النظرات المبهوتة مع صالح .. فالإيمان بضرورة عمل الشيء مختلف تماما عن عمله على أرض الحقيقة!! فرغم إيمان عبدالله بضرورة إخبار والده بالحقيقة.. ولكن حينما حانت اللحظة هاهو يجد الأمر غاية في الصعوبة.. كيف يخبره؟؟ كيف؟؟ ليس لديه أي توقعات حول ردة فعل والده.. ولكن أكثر مايخشاه أن يبعده والده عن حضن عائلته.. لن يحتمل مطلقا العودة للوحدة والألم واللوعة والقهر/المسميات والمشاعر التي عايشها طيلة السنوات الماضية حتى تشرّب بها!! أبو صالح بنبرة غضب عالية صاخبة: عبدالله !! عبدالله انتفض بعنف: لبيه يبه.. ثم أردف باختناق وهو عاجز عن ابتلاع ريقه.. ليس جزعا ولا خوفا.. ولكن هيبة واحتراما لمقام هذا الشيخ الذي أرهقته السنون.. خوفا عليه وليس خوفا منه: اقعد يبه جعلني فداك وأقول لك.. أبو صالح جلس على أقرب مقعد وهتف بحزم: وهذا أنا قعدت.. وش العلوم اللي في بطنك.. واللي لين الحين ماعلمتني فيها؟؟ مع أنه كان لازم(ن) عليك إنك تجيني أول ماطبيت الدوحة وتعلمني بكل شيء لكن أنت ضيعت السنع أول وتالي.. عبدالله شد له نفسا عميقا.. ليبدأ حكايته مترددا مشوشا خجلا.. كان في بداية الحكاية يسترق النظر لوجه والده.. ليراقب تعابير وجهه.. ولكنه بعد ذلك بدأ يغرق رويدا رويدا في وجعه وهو ينزف الحكاية التي يستعيدها جمرات تحرق جوفه وتكوي مشاعره.. حكى له كل شيء من البداية.. لم يزد ولم ينقص.. حكى الحكاية كاملة.. استعاد وجيعته كلها.. غرق في وجع الحكاية حتى أذنيه.. امتلئت روحه حتى أقصاها بقيح الوجع حتى ماعاد قادرا على مجرد بصقه!! ومع وصوله للنهاية وهو يستعيد مشهد فقدان صغيره.. كان صوته يرتعش وهو يمسح دمعات خائنة تسربت من روحه عبر عينيه.. فهو طيلة الأيام التي مضت كان يحاول السلوى والانشغال بأهله عن كل شيء فإذا الفجيعة تعود لتتجسد بألمها حادا مرا غائرا ..غاص في روحه حتى أطراف نهاياتها المكلومة.. هاهو يقف أمام والده ليخبره كيف فقد كلاهما ابنه !! حينما انتهى.. صمت.. لم ينظر حتى لوالده.. لم ينتظر ردة فعله.. فهو الآن في عالم خاص من وجيعة لا حدود لها.. مهما كان ماسيقوله له والده.. فهو لن يؤثر فيه في هذه اللحظات.. كما لو أنك تحاول ملء دلو ممتلئ أساسا.. كل ما سيحدث.. أن ما تسكبه فيه.. سيفيض خارجه!!.. أبو صالح وقف وهو يحاول جاهدا ألا تخذله قدميه... لم يعلق هو أيضا..لم يقل كلمة واحدة!! وإنما انسحب من المجلس تاركا ولديه فيه وصالح يربت على كتف عبدالله الذي كان وجهه محتقنا بشدة!! وكأنه يوشك على الانفجار بالبكاء !!.. أو البدء بالتقيء!! *************************************** " الله يهداج جميلة ليه هالدموع كلها؟ مايصير تصيحين جذيه.. مو زين لج !! " لم تجبه وهي مستمرة في ذات وتيرة البكاء المستمرة من أكثر من ساعتين منذ غادرتها مزون ووالدها.. جلس جوارها على الأريكة وهو يربت على رأسها بحنان: جميلة بس.. تبين نطلع مكان؟؟ نطلع نتعشى برا!! جميلة انفجرت باكية بصوت أعلى: خليفة واللي يخليك.. خلني بحالي أنا حاسة كني باموت.. وأنت تقول نطلع نتعشى برا !! خليفة بنبرة مساندة: جميلة هذا أنا عندج.. وإن شاء الله مو مطولين.. كلها كم شهر بتمر هوا .. ونرد الدوحة.. جميلة دفنت وجهها بين ركبتيها وهي تشهق: أنا متى عرفتك خليفة؟؟ ما لي حتى شهرين.. لكن مزون وعمي زايد فتحت عيني على الدنيا لقيتهم قدامي.. حينها وقف خليفة ليمشي متجها للنافذة ويهتف بحزم أخفى خلفه ألمه الشفاف وهو ينظر عبرها للخارج: جميلة وأنا ماطلبت منج تعتبريني مثلهم.. لكن تقدرين تعتبريني تصبيرة.. لو عجبتج التسمية.. لأنه مافيه حد معج هني غيري.. ملزومة تتقبليني.. أو ابجي مثل ماتبين.. . . . في الطائرة التي حلقت قبل دقائق.. زايد يلتفت لمزون ويربت على كفها بحنو: يأبيش وش فيش مكتمة من يوم طلعنا من عند جميلة؟؟ مزون بحزن: جميلة كاسرة خاطري يبه... بكت لين الله شاف لها.. ماتت من البكا.. حاسة فيها والله العظيم... زايد بابوية حانية: ولا يهمش يأبيش.. ولا تتضايقين.. وعد علي كل كم أسبوع أخذش يومين تزورينها ولا يصير في خاطرش شيء يالغالية.. مزون بلهفة: صدق يبه!! صدق؟؟ زايد يحتضن كفها بكل حنان: ومتى أبيش قال ولا فعل؟!! **************************************** "أبو عبدالرحمن!! " التفت لها أبو عبدالرحمن وهتف بهدوء ساكن يختلف عن مشاعره الثائرة هذا المساء: نعم.. وش تبين؟؟ أم عبدالرحمن بخفوت: أم صالح تقول تبي تسوي عشاء للنسوان ليلة الخميس أما في بيتنا أو في بيتهم وأنا أبيه في بيتنا.. أبي أسوي لجوزا عشاء كبير.. واعزم النسوان.. مايصير تروح لبيت رجّالها كذا ماحد درا بها.. أبو عبدالرحمن بسكون: لا تخلين أم صالح تجيب شيء.. أنتو اللي سووا لعشا والترتيب ولا يهمش من المصاريف.. ثم أردف بنبرة أعلى: وياويلش تخلينهم يدفعون ريال..عشا بنتي ماني بعاجز(ن) منه.. أم صالح بذات الخفوت: إن شاء الله تم.. تم.. ثم شد له نفسا عميقا وهتف بحزم: وعشا الرياجيل ذاك الليل لا تهتمين منه..بأخلي المطعم يسوي الذبايح.. والخفايف اللي معه بأجيبها من مطعم ثاني.. اهتمي ببنتش وبس.. ******************************* " وش استعداداتش لليلة الخميس؟؟" جوزاء تنظر لشعاع ولا ترد عليها وهي تتمدد بجوار ابنها النائم وتمسح شعره وتتنهد.. شعاع بلهجة جدية: ولو تنهدتي عشرين تنهيدة.. الحين أنا الصغيرة بأعلمش.. زواجش ليلة الخميس وأمي تبي تسوي حفلة كبيرة.. وأنتي لا حجزتي شعر ولا مكياج.. ولا حتى جهزتي وش بتلبسين؟؟ جوزاء بنبرة ضيق: شعاع اعتقيني.. ترا ذا الموضوع آخر شيء أبي أتكلم فيه.. ضايقة منه ومن طاريه.. شعاع برجاء: زين يعني بتطلعين للناس مبهدلة؟؟ جوزاء بتصميم غاضب: آخر شيء بأسويه أني بأطلع للناس مبهدلة لا تخافين بأكشخ أكثر من كل مرة كشخت في حياتي.. ثم أردفت بألم: هذا كن الكشخة تصلح ما أفسده الدهر.. شعاع بغضب: رجعنا لطير يا اللي.. تدرين جوزا لو أنتي آمنتي في داخلش بجمالش.. الناس بيشوفون ذا الجمال.. بس دامش أنتي تقللين من قدر نفسش.. وش بتكون ردة فعل الناس.. جوزاء بإرهاق: شعاع اعتقيني الليلة بس.. مقروفة منه ومن طاري زواجنا الله يأخذه.. شعاع وكأنها لم تسمع شيئا مماقالته: اشرايش تلبسين فستانش اللي خلص عند المصمم ومارحتى تجيبينه.. جوزاء بجزع: تبين ألبس فستاني اللي كان لعرسي مع امهاب؟!!.. مستحيل ألبس فستان عروس.. شعاع باهتمام: زين وش بتلبسين؟؟ جوزاء تريد أن تنتهي من الحاحها: بألبس الفستان الأحمر اللي كنت مجهزته لوصار مناسبة عقب.. خلاص شعاع فارقيني الله يرحم والديش.. شعاع بذات الإلحاح: زين نروح بكرة السوق تكملين تجهيز.. تكفين جوزا لا تعصبين.. أدري أنش متضايقة.. بس عاد لا تفشلين روحش في الناس.. وتخلين روحش مطنزة لهم.. جوزاء قفزت وهي تصرخ بغضب وترتعش: كيفي.. كيفي ..أنا المطنـزة وإلا أنتي؟!.. طول عمري وأنا مطنـزة.. وش فرقت الحين؟!! اطلعي برا.. ارحميني خلاص.. برا.. شعاع جرجت أذيال حرجها خارجة.. بينما جوزاء عادت لموالها الذي بدأ منذ عودة عبدالله ومازال.. موال دموع لا ينتهي.. "خلني أخلص دموعي الحين.. لأني مستحيل أشمته فيني وأخليه يشوف دموعي زين يا عبدالله زين!! تبي ترجعني؟!! بأرجع لك بس ذنبك على جنبك!! وذنبي أنا بعد على جنبك" *************************************** " خالد وش فيك متعومس؟؟" يهتف لها بهدوء عميق: مافيني شيء.. ارقدي ياصافية.. أنا مافيني نوم.. وأنتي عادش تعبانة والسهر مهوب زين لش.. أم صالح بقلق: تبيني أرقد وأنت ذاهن!! ياكبرها عند ربي !! قل لي وش فيك؟؟.. مهوب عوايدك السهر.. أبو صالح بعمق: مافيني شيء.. بس مافيني رقاد.. شوي وبأقوم أصلي وأقرأ قرآن لين يجيني نوم وإلا لين أصلي الفجر.. ارقدي يالغالية.. جعله نوم العافية!! " نامي.. أريحي أعصابك التي أرهقها طول الهم!! فماذا تريدين أن أخبرك ياصافية؟؟ بماذا أخبرك؟؟ هل أخبرك حكاية الجلاد والضحية اللذان أصبحا شخصا واحدا؟؟ هل أخبرك كيف نحر ابنك نفسه وبيده؟؟ هل أخبرك أنه طعن نفسه بسكين طعنني بها؟؟ هل أخبرك أن وجيعتي أكبر من وجيعته وفجيعته أكبر من فجيعتي؟؟ هل أخبرك أن شعر جسدي قد وقف من مجرد الوصف فكيف بمن رأى مالايوصف بالكلمات؟؟ هل أخبرك أني حزين وغاضب ومغبون؟؟ هل أخبرك أن بودي أن أصفعه ألف مرة وأن أخذه تحت جناحي وفي حضني ألف ألف مرة؟؟ هل أخبرك أن بودي أن أمزقه بالعتب والتوبيخ حتى أجعله أشلاء؟؟ وأن بودي لو أستطعت أن أحمل عنه كل حزنه ويأسه وألمه حتى يعود قلبا خاليا من الهم كما كان؟؟ فأنا شيخ أثقله الهم ولن يضيرني حمل المزيد.. فكم بقي لي من العمر المكتوب في غيب رب العالمين؟؟ لكن هو شاب صغير أثقلته الهموم وهو لم يبدأ حياته بعد!! وأي هموم يأم صالح؟!! أي هموم؟؟ هموم لو حملها الجبل لانهار وهو مازال صامدا أو يدعي الصمود!! " أم صالح تمددت بعد أن وقف أبو صالح على سجادته وأطال في صلاته قضت وقتا طويلا تراقبه وهو يصلي.. حينا يقف وحينا يصلي جالسا على مقعد حين تتخاذل قدماه.. عيناها ترقبانه حتى غفت من التعب رغم قلقها من حاله.. بينما هو حينما أنهى صلاته.. وأكثر من الدعاء بعده وجد قدماه تقودانه إلى مكان أتعب قدميه الهرمتين الصعود له وقضى وقتا طويلا هو يتسند على حاجز الدرج حتى وصل لغرفته بصعوبة!! فتح الباب بخفة.. تجاوز غرفة الجلوس لغرفة النوم.. وجده يصلي عاد ليجلس في غرفة الجلوس.. عبدالله شعر بدخول أحد.. لذا حين سلّم.. توجه ليرى من الداخل انصدم بوجود والده صدمة كبيرة .. فهو يعلم أن والده لا يصعد الدرج مطلقا ومنذ سنوات.. منذ أجرى جراحة في ركبته.. هتف بعتب ممزوج بالاحترام والقلق العميق: يبه طالع هنا بروحك كان كلمتني ونزلت لك.. أبو صالح أشار للمكان الخالي جواره وهو يهتف بعمق يخفي خلفه حنينا شاسعا: تعال يأبيك.. تعال اقعد جنبي.. عبدالله شعر بالطعنة العذبة التي اخترقت قلبه مع نبرة والده الحانية وهو يقول له "يأبيك" وهو يربطه به.. ويقربه منه شعر أن كل هذا كثير عليه.. كثير جدا!! عبدالله انحنى على يد والده مقبلا وهو يجلس على الأرض عند قدميه.. ثم يدفن وجهه في حضن والده وهو ينتحب كطفل صغير.. ينتحب كما لم يفعل في حياته كلها.. ينتحب في حضنه كما كان ينتحب وهو طفل لا يتجاوز عمره بضع سنوات.. لم يخجل أو يتردد من سكب وجيعته ودموعه في حضن والده.. لآنه يعلم أنه الآن يستطيع أن يقول أنه عاد إلى حضن وطنه بشكل كامل!! فعلاقته بوالده لطالما كانت فريدة ومختلفة وعميقة!! وكم افتقد حضنه!! كم افتقده!! أبو صالح ربت على ظهر عبدالله وهو يهتف بوجع عميق متجذر حتى أقصى روحه: الله يواجرك يأبيك على قد صبرك.. على كثر ما أنا زعلان(ن) منك ذا الحين.. على كثر ما أنا زعلان(ن) عليك.. وبين زعلي عليك وزعلي منك.. مابقى في رأسي كون ذا الروح الطاهرة اللي راحت بدون ذنب.. كل شيء ماعاد له قيمة.. وش عاد يفيد لو تشرهت عليك.. أو زعلت عليك.. أو قلت أني ما أصدق انك تسوي ذا كله!! شفت في حياتك اللي أكبر من شرهتي وزعلي بواجد.. الله يواجرك يابيك.. الله يواجرك!! ********************************** " الحمدلله على سلامتكم مابغيتوا تجون.. وأنتو مهمليني بروحي" زايد يلتفت لعلي الجالس جواره في السيارة ويهتف بمودة: ما يخليك ربك.. بينما مزون الجالسة في الخلف هتفت باهتمام: أنت وشأخبارك.. كنت تأكل زين وإلا كالعادة ناسي الأكل؟؟.. علي يضحك: أنتي وخالتش ما تشوفوني إلا همكم على بطني.. الحمدلله زين.. زايد بحزم: زين دامك ماتبي تحكي عن الأكل.. وشأخبار الشغل.. علي يبتسم وعيناه على الطريق: الله يهداك يبه.. اللي يشوفك يقول ماتدري وش أخبار الشغل مدير مكتبك كل خمس دقايق يتصل فيك.. العلوم عندك أكثر من عندي.. زايد يبتسم: أحب أسمع منك.. علي حينها هتف بجدية: كل اللي طلبته مني سويته مثل ما طلبت.. حينها هتف زايد بنبرة مقصودة: وعسى جازت لك شغلتنا.. ترا ما يتعارض إن الواحد يكون دبلوماسي وعنده بيزنس.. علي بضيق: يبه مالها داعي ذا السالفة.. أنا مخي مهوب مخ تجارة وعقارات.. وبعدين بين الدبلوماسية والتجارة خط رفيع من النـزاهة.. أفضل ما أقرب منه لا ينقطع.. زايد بحزم: أنا ما أغصبك على شي ماتبيه.. بس أبي يكون عندك خلفية عن كل شيء.. بكرة لا خذ ربك أمانته.. ذا الشركات وش بتسوون فيها؟؟.. تبيعونها وتخسرون مصدر خيركم.. علي بجزع: ما أشين ذا الطاري.. إلا عمرك طويل في الطاعة إن شاء الله وأنت اللي تحاضي حلالك.. زايد بنبرة مقصودة: وحلالي وحلالكم ويش؟؟ مزون تتدخل لتهدئة الجو: يا شين سوالف الشغل لا حضرت.. أنا تعبانة من السفرة وجوعانة ما كلت شيء في الطيارة خلونا نروح البيت نتريق ونعين من الله خير.. **************************************** يجلسان على ضفاف بحيرة جنيف أو كما تُعرف أيضا ببحيرة ليمان من ناحيتها الأخرى.. ناحية مدينة لوزان.. فهذه البحيرة هي الأكبر في أوربا الغربية.. ويقع على ضفافها عدة مدن سويسرية وفرنسية.. وشكلها يشبه هلال يمتد بين الدولتين ولكن مساحتها الأكبر في سويسرا.. يرن هاتف كاسرة.. ترفع الهاتف ثم تهمس بابتسامة: كسّاب أختك مزون.. في داخله ومهما كان غضبه من شقيقته فهو يستحيل أن يقلل من قدرها أمام زوجته.. أجاب بتلقائية محترفة: تلاقينها استحت تتصل فيني.. ردي عليها وعقب عطيني أكلمها توهم جايين اليوم الصبح من عند بنت خالتي.. كاسرة تناولت هاتفها وردت بلباقة: هلا والله.. مزون بخجل رقيق: هلا بش.. آسفة لو أزعجتكم.. بس قلت لازم أكلم أشوف أخباركم.. كاسرة بذات النبرة اللبقة: لا أزعجتينا ولا شيء.. حياش الله والحمدلله على سلامتش أشلون جميلة يوم جيتي منها؟؟ مزون تبتسم: الله يسلمش.. وجميلة طيبة وتحسنت واجد.. كاسرة بابتسامة رقيقة: الله يتم عليها عافيتها.. هذا كسّاب عندي بيكلمش.. حينها لم يفت ذكاء كاسرة ارتعاش صوتها وصدمتها التي حاولت إخفائها وهي تهمس: يبي يكلمني؟؟!! كاسرة وهي تنظر لعيني كسّاب وتهمس بهدوء: إيه.. هذا هو أخذيه.. كسّاب تناول الهاتف ليضعه على أذنه ويهتف بحزم: هلا مزون.. أشلونش؟؟ مزون أجابت بارتعاش: أنا طيبة.. أنت أشلونك.. عساك مرتاح؟؟ كسّاب بذات نبرته الحازمة: الحمدلله.. تبين شيء من هنا؟؟ توصين على شيء؟؟ مزون ارتعش صوتها أكثر: لا فديتك.. أبي سلامتك بس.. ثم اردفت رغما عنها بألم شاسع: ورضاك.. كسّاب بذات النبرة الحازمة التي لا تتغير رغم أنه يشعر فعلا أن قلبه كما لو كان يُعتصر بقسوة.. فمهما يكن هذه صغيرته ومهما أنكر عليها.. فهو لا ينكر ألمه على نفسه: سلمي لي على إبي وعلي.. وإذا تبين شيء كلمينا.. حينما انهى المكالمة أعاد لكاسرة هاتفها.. وغرق في صمت غريب.. ارتعاش صوتها لم يفارق أذنه.. لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا؟؟ لماذا لا يستطيع أن يقول لها أني راض عنك؟؟.. لماذا لا يستطيع على الأقل أن يقول لها: " غلاش تراه يزيد ماينقص ولا تظنين إني ارخصتش يوم بس وجيعتي على قد غلاش ومثل ماغلاش ماله حد.. وجيعتي مالها حد!! ومهما حاولت أنسى.. غلاش يذكرني!!" كاسرة همست بنبرة هادئة عفوية: صحيح أختك حبوبة.. وفعلا القلب ينفتح لها بس تدري من اللي نفسي فعلا أشوفه من هلك؟؟ كساب بهدوء مشابه: من؟؟ كاسرة هزت كتفيها وابتسمت: ابيك !! حينها ابتسم كسّاب: وش معنى؟؟!! كاسرة بابتسامة عذبة حماسية: باموت نفسي أشوفه وأتكلم معه.. ما تتخيل وش كثر أنا معجبة فيه!! حينها تناول كساب أناملها بين أناملها لترتعش ارتعاشها الدائم الذي لا تعرف له سببا.. بينما كان كسّاب يهتف بنبرة مقصودة: زين ولده ماله نصيب من الإعجاب؟؟ ردت عليه كاسرة بذات نبرته المقصودة: ولده له نصيب من كل شيء.. بس لو أعرف وش اللي في رأسه؟!! ******************************************* صباح اليوم التالي " قوم نروح للمستشفى.. عشان يشيلون جبس يدك اليسار" كانت هذه إشارة مهاب لتميم الجالس في غرفته.. تميم أشار بعينيه لغترته على المقعد جواره... مهاب تناولها وألبسها له.. ابتسم وأشار له بمودة: خلاص هانت.. الحين تقدر تستخدم يد.. وقريب إن شاء الله تستخدم الثانية.. ثم أردف بإشارة أخرى: بأسال الدكتور اليوم لو يقدر يخفف لك جبس يدك اليمين قبل عرسك.. ويحط لك جبيرة خفيفة.. تصلب جسد تميم بعنف.. ورغما عنه مع ذكر موعد زفافه الذي بات يثير قشعريرة قرف ورفض عميقين في روحه مع مرور الأيام أصبح يرفضها بكل مشاعرها.. ورفضه لها يتعمق ويتعمق.. حتى أصبح حاجزا صلبا يحيط بمشاعره.. والحاجز الجديد الذي أحاط بتواصله مع الآخرين مع كسر يديه جعل مشاعره تصبح أكثر تعقيدا وقوة.. هز رأسه بإشارة مموهة.. لا يُعلم أي تعبير يقصد منه... وهو يقف ليتبع مهاب إلى سيارته!! ************************************* " تعبانة أبي أنام شوي" كساب وهو يضع له ملابسا في حقيبته ويهتف بحزم: وين تنامين.. بنطلع الحين السيارة تنتظرنا تحت.. جهزي ملابسش كاسرة بإرهاق وين بنروح تونا رجعنا جنيف.. كساب يشدها بحزم: إذا وصلنا ارتاحي.. المكان أصلا قريب واجد.. بنروح مدينة فرنيه الفرنسية لاصقة في جنيف وعقبها ديفون في فرنسا بعد.. بنأخذ في ذا الجولة تقريبا 3 أيام وعقب بنرجع لجنيف.. حينها هتفت كاسرة ببرود غاضب: زين صار لنا في لوزان يومين.. ولا حتى جبت لي طاري وين بنروح عقب الحين تقول لي.. كساب ببرود مشابه: هذا انتي عرفتي... خلصيني.. كاسرة كان بودها أن ترفض.. كثير من تصرفاته تثير غيظها.. لا يستشيرها ولا يخبرها بأي شيء.. كان بودها أن ترفض فعلا.. ولكنها لا تضمن ردة فعله.. وهي تريد أن تنهي هذه الرحلة على خير.. وفي موعدها المحدد.. من ناحية أخرى لا تستطيع أن تنكر أنها أصبحت تستمتع كثيرا بصحبته... فهو خبير سفر من الطراز الأول.. وحين يكون مزاجه رائقا.. فهو يتدفق بحديث ممتع عميق حول كل شيء يراه.. "زين ياكسّاب.. زين.. خلنا لين نرجع الدوحة بس!!" توجهت لتفتح حقائبها وهي تهتف ببرود: زين وعقب مانرجع لجنيف وين بنروح؟؟ كساب بنبرة عدم اهتمام: تدرين وقتها !! ******************************************* بعد يومين آخرين " تعال ياعريس خلني أدخنك" هذه الليلة سعيد إلى أقصى درجات التوجس.. أحقا أصبح حلمه قريبا منه ؟!! أحقا ستدفئ أنفاسها صدره البارد؟!! يقرب غترته من المبخر الذي ترتفع منه رائحة العود الفاخرة والذي تحمله عالية وهي تبتسم: إلا ليش منت بلابس بشت؟؟ عبدالله بابتسامة: أي بشت الله يهداش.. خلاص راحت علي إلا تعالي.. وش ذا الزين؟؟ لا يكونون قايلين لش بتشوفين عبدالرحمن وإلا بتقابلينه من ورانا؟؟ عالية تبتسم: يا ليت.. أحسن من مقابل وجيهكم.. خسارة الكشخة اللي مهوب شايفها.. عبدالله يضحك وهو يشد أذنها: عيب يا بنت استحي.. عالية تدعي الألم: فك أذني.. أنت اللي قلت وعقبه تبي تعاقبني.. عبدالله صمت لدقيقة ثم هتف لعالية بعمق: عالية.. تغير شكلها؟؟ عالية بتساؤل: من؟؟ ثم أردفت بنبرة أعلى: إيه جدتي!! بتشوفها الليلة وتعرف تغيرت وإلا لا؟ عبدالله بذات العمق: جد عالية أنا أسألش.. عالية تبتسم: شكلا ماتغيرت.. بس ثم أردفت بسكون: بس اللي داخل الشكل تغير واجد.. ثم حاولت أن تعود للابتسام: بس يمكن أنت تلاحظ تغيير في الشكل لأنه تدري احنا نشوفها دايم فما نلحظ التغيير لكن أنت لك 4 سنين ماشفتها.. وأتمنى التغييرات لو شفت تغيرات تعجبك.. عبدالله يهمس في داخله بألم اشتياقه (عاجبتني على كل حال!!) ******************************************** "تدرين ترا ابتسامة صغيرة ماراح تضر تدربي عليها قبل تنزلين للنسوان!!" جوزاء بضيق: تدرين أنش متفرغة!! شعاع بابتسامة: وليه ما أتفرغ.. عندنا عرس وعروس كنها قمر.. جوزاء بذات الضيق: حسن وين راح؟؟ قبل شوي كان هنا.. شعاع بتلقائية: عبدالرحمن اتصل فيني يبيه.. وخذه معه المجلس.. ريحي بالش بس.. ويالله ابتسمي.. جوزاء باختناق: أحاول والله العظيم.. بس ماني بقادرة.. شعاع هزت كتفيها وهمست بنبرة عدم اهتمام مصطنعة وهي تنظر للمرآة وتعدل تسريحة شعرها: عادي خلش مكشرة.. شمتي خالاتي الحلوين نورة وسلطانة فيش الثنتين مرتزين تحت.. أول حد وصل.. مجهزين عيونهم تقولين كشافات وأكيد عقبها مجهزين ألسنتهم.. ثم أردفت وهي تغير صوتها بطرافة: شفتوا جوزا كنها في عزاء.. مادة البوز.. ياعزتي لولد أختي المزيون.. حينها تغيّر وجه جوزاء وهي تهمس بغضب: قاعدين تحت؟؟ شعاع تبتسم وهي تهز رأسها.. حينها أردفت جوزاء بحزن: وأنا بأعيش عمري وهم وراي وراي.. شعاع جلست جوارها وهي تربت على كفها وتهمس بحنان: جوزا كلام الناس عمره مايخلص إن كان خالات رجّالش ولا غيرهم.. اعرفي أشلون توقفينهم بلباقة... وبعدين أساسا ليش تخلين لهم لسان.. أنتي خليهم يبلعون ألسنتهم في حلوقهم.. جوزا وقفت وهي تنظر لنفسها في المرآة وتهمس بمزيج من التصميم والكراهية: وأنا ماني بعاجزة أخليهم يبلعون ألسنتهم هم وغيرهم هذاك أول.. يوم أني أبلع غصتي وأسكت.. ***************************************** " امهاب.. منت بجاي؟؟" مهاب يشد على هاتفه في يده ويهتف بحزم: اعذرني عبدالرحمن.. ما أقدر أنا وصلت تميم لكم.. هذي بنت عمته.. لكن أنا أعذرني.. عبدالرحمن بتصميم: امهاب لازم الموضوع يكون عادي عندك.. مهاب بذات الحزم: بس أنا ماني بكاذب عليك وأقول لك إنه عادي مهما كان هذي كانت زوجتي قبل أسبوعين بس.. يعني حتى شكلي بين الرياجيل مهوب زين.. مالي حاجة في الجية جعله مبروك.. بس بعيد عني.. عبدالرحمن يتنهد: خلاص امهاب.. خلاص.. أنا عقب العشا بأجيك في مجلسك انتهى الاتصال.. ولكن المرارة المتأصلة التي يشعر بها في روحه لم تنتهِ.. لا يلومها.. فهي تريد أن تربي ابنها بينها وبين والده... ولكن ألم تستطع الانتظار لأشهر فقط.. وكأنها لم تصدق تخلصها منه حتى تُزف إلى غيره.. إحساس مثقل بالمرارة والمهانة يغرق روحه.. مسح وجهه وهو يهتف بعمق متألم: أعوذ بالله منك يا أبليس.. يا الله ياكريم اشرح صدري.. ********************************** " مبروك ياعريسنا" عبدالله يلتفت لصالح ويهمس له بهدوء: الله يبارك فيك.. صالح يبتسم ويهمس له بخفوت: وش إحساسك بعد مارجعت أم حسن؟؟ عبدالله يبتسم ويهمس له بصدق: مستانس أكثر بكثير من زواجنا أول مرة.. ولكنه لم يخبره عن كم التوجس الموجود خلف السعادة البريئة عن إحساس القلق الذي يخنق روحه.. مستعد لكل شيء من أجلها.. مستعد لأقصى الاحتمالات.. ولكنه يبقى عاشقا يريد أن يرى لمعة الحب في عيني حبيبته!! فحتى متى ستضن عليه بهذه النظرة؟!! *************************************** " ياويل حالي.. كل ما أشوفها أحس أني باسخن" نجلاء تبتسم وهي تهمس في أذن شقيقتها: ماعليش قصور يالبرصاء.. سميرة تبتسم وهي تنظر لجوزاء المتألقة في فستانها الأحمر وشعرها الذي يتناثر على كتفيها في تموجات لولبية راقية.. وهي ترسم على شفتيها ابتسامة محترفة غاية في اللباقة.. ليس مبالغا بها.. ولا يبدو مطلقا أنها مصطنعة .. بل كأنها عفوية وهي مغلفة بخجل رقيق تلقائي أو تم تمثيل التلقائية ببراعة.. سميرة تهمس بخفوت في أذن شقيقتها: يأختي وغير ذا البرص.. بأموت أبي لي جسم مثل جسمها.. شوفي رقبتها وخصرها وبس.. أخخخ.. آه ياقلبي.. مسخنة أنا من ذا الحين.. عِسّي رأسي أكيد حرارتي ألف الحين.. ثم أردفت بـ(بعيارة) : زين إنها ماوافقت على رجّالش.. والله لو رجالش شاف ذا الجسم إن قد يتفل في عينش أنتي وتدلعاش الماسخ عليه.. نجلاء تقرص سميرة في مكان مخفي من جنبها: زين ياقليلة الحيا.. دواش عندي.. سميرة تدعك مكان القرصة وتهمس باستياء مرح: أفا يأم خويلد أنتي عارفتني برصا تبين تشوهيني قبل عرسي.. نجلاء بغيظ باسم: قومي شين علومش يالبرصا.. هذي سالفة تقولينها؟!! سميرة تضحك بخفوت: أنا وحدة أقدر الجمال الخاص وأعرف أقيمه.. صحيح أنتي أحلى.. بس عند جسمها يروح زينش وطي.. نجلاء بذات الغيظ الباسم: سكري ذا السالفة اللي كنها وجهش.. المرة مرت حماي يالخايسة.. وبعدين أنا كنت عارفة إنها عمرها ماراح توافق على صالح.. وبعدين هو أصلا كان يخطب عشان يغيظني وبس... صالح مستحيل يتزوج علي.. سميرة ترقص حاجبيها: خلش في ذا الثقة بس.. يمكن صويلح الحين تزوج في السر من وحدة تجيب له البنت اللي هو يبي.. وأنتي منتي بفالحة تجيبينها له... نجلاء تقرص سميرة للمرة الثانية: ياكرهي لش اليوم.. كل السوالف اللي تمغث جبتيها.. سميرة تضحك وهي تنظر لجوزاء: سامحيني ياوخيتي.. من يوم شفت ذا الشوفة وأنا مخي خبطت مكينته.. الله يهني أبو حسون بأمه.. نجلاء تغمز لسميرة: إلا أشلون خلتش أمي تجين اليوم.. لين اليوم وهي معيّة.. سميرة تبتسم: شعاع كلمتها وترجتها.. قالت لها هي مجرد حفلة والمعازيم مهوب كثيرين.. نجلاء تبتسم وتهمس بحنين: ماني مصدقة أنه ماعاد باقي على عرسش إلا 3 أسابيع.. . . زاوية أخرى من مجلس الحريم الواسع في بيت أبي عبدالرحمن "هذا والله الحظ اللي يفلق الصخر.. تطلقت من طيار هي أول بخته.. عشان ترجع للمهندس اللي يطيح الطير من السما والمشكلة مابها زود.. وش عليه ذا الهدة عليها؟؟ " نورة تلتفت لشقيقتها الصغرى سلطانة وهي تهمس بغيظ: كنت أبيه لمنيرة.. بس حظ الجويزي أم لسانين رده عليها أول وتالي.. سلطانة تبتسم: هذي منور متوفقة مع رجالها.. وعندها أربع عيال.. ومستانسة ومرتاحة.. نورة بتأفف: قطيعة تقطعه.. ماينزل لي من زور رجّالها ولد غرسة.. كانت نورة في أواخر الخمسينات وبينها وبين سلطانة مايقارب عشرين عاما فسلطانة كانت في التاسعة والثلاثين وهي أصغر البنات وبينها وبين نايف 14 عاما.. قاطع أحاديثهما اقتحام عالية للحديث وهي تهمس بتقصد: خالاتي حبيباتي.. وش ذا المساسر عليه؟؟ نورة بنبرة تحسر: وش حن بنقول... نقول مسيكين ولد أوخيتي اللي ماتوفق أول ولا تالي... هم خلصوا النسوان.. يوم ربي أنقذه من ذا النسرة.. يعّوّد عليها..؟؟ عالية بنبرة مقصودة: جازت له أول وتالي.. ماقدر يصبر على فرقاها.. سلطانة بتأفف ساخر: وش عليه ياحظي؟؟ على زينها؟؟ وإلا على ذرابة لسانها؟؟ عالية تبتسم وهي تهمس بثقة: في عينه شيخة النسوان.. والمهم رأيه مهوب رأي غيره.. نورة بغضب: إنها عوايدش يابنت صافية طولت ذا اللسان.. الحمدلله أنش ماوافقتي على ولدي.. عالية بخفوت ساخر: والله ولدش ماله من الذنب إلا أنه ولدش.. نورة بتساؤل غاضب: وش تقولين يام لسان؟؟ عالية تبتسم: أقول سلامتش ياخالتي وحياش الله.. نورتينا.. حينها همست سلطانة بتقصد: زين دامش ماتبين نحكي عن مرت عبدالله خل نحكي عن نايف.. أكيد أنتي اللي مطلعة في رأسه سالفة بيع البيت أعرفش تحنين في أذنه مثل السوسة.. عالية تهز كتفيها: والله نايف رجّال وشوره في رأسه.. بس الظاهر غيري هو اللي يحن في أذنه مثل السوسة.. نورة حينها همست بنبرة مقصودة: ترا مثل منتي ماتبين حد يتدخل في أخيش ترا حن بعد مانحب حد يتدخل في أخينا.. عالية تبتسم باصطناع: خالتي أنا ما أحب حد يتدخل في أخي ولا حتى أنا.. والمفروض نايف نفس الشيء.. ماحد يتدخل فيه ولا حتى أنتم.. نايف رجّال مستقل.. ومهوب عشانه حاشمكم لأنكم خواته العجايز تصدعونه.. نورة بغضب: عجزت عظام العدوين... روحي يا بنت فارقي شوفي النسوان تقهوا أخير لش.. قدام أعلم أمش بطول لسانش.. تسنعش.. عالية مالت على رأس نورة تقبله قبل أن تغادر وهي تهمس بمودة: لا تزعلين علي خالتي فديتش.. بس والله أحيان تطلعيني من طوري.. نورة بغيظ مكتوم: خلاص روحي الله يستر عليش.. ثم أردفت بعد أن غادرت عالية وهي توجه الحديث لسلطانة: حشا وش ذا البنت.. من وين جايبة ذا اللسان كله.. هذا وأمها صافية من صغرها وهي أهدانا.. . . ناحية العروس.. شعاع تجلس بجوار شقيقتها وتهمس بابتسامة وهي تنظر للأمام: ها ياعروس شاخبارش؟؟ جوزاء ترسم ابتسامة مدروسة تماما وتهمس بسكون: شوفة عينش فرجة لخلق الله.. واللي يبي يتطنز يتطنز على كيفه!! ومبين خالات شين الحلايا شغالين حش فيني.. شعاع تبتسم : من حرتهم.. خلهم يطبخون.. الكل أصلا يسمي عليش.. لو تسمعين تعليقات سميرة بس كان معنوياتش ارتفعت للتوب.. جوزاء تشعر أنها لا تنتمي لهذا المكان أبدا ولا لهذه الأحاديث ومع ذلك همست بذات السكون: ياحليلها سميرة دايما هي ونجلا رافعين معنوياتي.. الله يوفقهم وين مالقوا وجوههم.. شعاع حينها همست بتردد: ترا أمي حالفة أنش ماتروحين بحسن الليلة.. حينها تغير وجه جوزاء وهي تهمس بغضب خفيض: وش حن متفقين عليه اليوم؟؟ قلت أني باخذ ولدي معي!! شعاع ترسم ابتسامة أوسع باصطناع: فكيها الناس انتبهوا أنش كشرتي.. يابنت الحلال بس الليلة وبكرة الصبح أمي بتجيبه لش هناك جوزاء بتصميم: مستحيل.. مستحيل.. لا جا وقت روحتي مع الزفت تفاهمنا.. . . " يامش عيب.. فكي وجهش شوي" وضحى بسكون: يمه أكثر من كذا ما أقدر والله العظيم صحيح يمكن أنا ماكنت أبيها لامهاب.. بس خلاص صارت مرته.. ولين قبل أسبوعين كانت مرته.. ما أقدر أنسى ضيقته حتى لو دسها عنا.. مزنة بهدوء: يأمش هذي بنت عمتش ولحم ودم.. بيني أنش مبسوطة المهم توفيقها.. وضحى بذات السكون: وأنا أقول الله يوفقها من قلبي بس عاد أكثر من كذا ما أقدر فديت قلبش.. قاطعهما ترحيب أم عبدالرحمن بهما للمرة الثانية وهي تهمس بمودة بعد ذلك: بشروني من كاسرة.. وش علومها..؟؟ مزنة ابتسمت بتلقائية: طيبة وبخير وبتجي عقب كم يوم إن شاء الله.. أم عبدالرحمن بذات المودة: سلموا لي عليها إذا كلمتكم.. مزنة بمودة مشابهة: إلا بأخليها تكلمش بنفسها.. هي يمكنها مستحية تكلمش بس أنا بأقول لها.. ************************************** " عبدالرحمن قول لهلي يطلعون علي!! " عبدالرحمن يبتسم: هلك كلهم كلهم..؟؟ عبدالله يبتسم: أنت عارف قصدي.. خل أم حسن تطلع لي.. أظني العرب كلهم سروا.. عبدالله أدخل سيارته لباحة البيت.. بينما عبدالرحمن توجه للداخل ليخبر شقيقته أن تتجهز للذهاب مع عبدالله.. في أثناء وقوف عبدالله خارجا أتى إليه أبو عبدالرحمن عاقدا ناظريه.. عبدالله نزل ليوجه له أبو عبدالرحمن الحديث قائلا بحزم شديد ودون مقدمات: اسمعني ياعبدالله.. والله ثم والله لا عاد تزعل بنتي بأدنى شيء.. ماني بسأل من الغلطان وماعاد يرضيني شيء إلا دمك.. عبدالله يبتسم وهو يقبل رأس أبي عبدالرحمن ويهتف باحترام: ودمي حلالك.. وإن شاء الله أنه مايصير بيننا زعل.. أبو عبدالرحمن بذات الحزم: العلم وصلك.. ولا تحسبني أقول شيء ما أقصده اللي أنت سويته في بنتي كبير.. وأي غلطة تغلطها على بنتي بأطلع الأولي والتالي.. عبدالله بذات نبرة الاحترام الودودة: مايصير إلا اللي يرضيك.. جوزاء في الداخل.. تشعر كما لو كانت تُقاد لقبرها.. كانت تريد أن تذهب بحسن معها.. ولكن أمها حلفت ألا يذهب وخصوصا أنه نام أساسا من التعب على أن تحضره لها في اليوم التالي.. جوزاء ارتدت عباءتها.. وخرجت مع عبدالرحمن وهي تشعر كما لو كانت تمشي على شفرات مسنونة.. قابلها والدها عند الباب .. وقفت ووقف.. نظر لها بنظرة غير مفهومة.. هل هي حنين.. أم ألم.. أم غضب؟؟ همس لها بحزم: اسمعيني زين ياجوزا.. والله لا يزعلش ولد آل ليث ولا تعلميني إنه زعلي عليش دنيا وآخرة.. جوزاء انتفضت بجزع وهي تقبل جبينه وتهمس بذات الجزع: الله لا يجيب زعلك طال عمرك في الطاعة ثم أردفت بسكون: وإن شاء الله مايصير زعل بيني وبين إب ولدي.. لا تحاتيني.. ثم غادرته للخارج لتقطع المسافة بين الباب الخارجي وسيارة عبدالله القريبة الواقفة في الباحة.. كما لو كانت تقطع شرايينها وعروقها بوقع خطواتها على الأرض.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والأربعون في سيارته في الخارج.. تغتاله مشاعر أشبه بأعصار.. يؤمن أنه لم يُخلق عاشق مثله قد يكون هذا العشق عقوبة له على كل مافعله.. ولكنه ختاما عاشق متيم.. هل هناك من هو مثله؟؟.. شهران قضاها معها.. أصبحت ذكراها فيها حلما أدفئ سنوات الصقيع بعدها.. وخلال كل هذه الأيام لم تغب مطلقا عن باله.. كل شيء يذكره بها رغم أنه لم ينساها حتى يحتاج لما يذكره!!.. رائحة الورد.. وملمس الحرير.. ومرور النسيم.. كل شيء عذب حمل له بعضا من طيفها ليشعر أن قلبه يُعتصر شوقا لها.. كان يحلم أنه سيعود يوما.. مجرد حلم باهت ولكنه كان يميته شيئا فشيئا.. حلم أنه سيعود ليحتضنها بين جوانحه.. أنه سيحتويها بين أضلاعه الذائبة ولعا واشتياقا.. أنه سيعود ليتنفس أنفاسها من قرب لتسكن روحه التي أثقلها الارتحال.. كان ينهر أحلامه.. ولكن الأحلام أبت أن تنتهر.. فهل كانت الأحلام تعلم أنها ستعود لتصبح حقيقة؟؟ هل كانت الأحلام تنبئه أن قلبه سيعود بين جنبيه بعد أن اُنتزع منه بكل قسوة؟؟ ماعاد حتى يحتمل الدقائق التي تفصله عنها.. ماعاد يحتمل بعدها عنه!! هــي.. تخطو خطوات أشبه بالموت.. لم تصدق أنه اتنتهى من حياتها وأنه ستبدأ حياة جديدة .. حتى يعود كشبح مرعب قفز من عالم الأموات ليفسد حياة الأحياء.. تتمنى لو تستطيع أن تتراجع الآن وهي تراه ينزل من سيارته ليفتح لها الباب وهي تراه بهذا القرب منها بينما هي تتمنى أن يكون المخلوق الأبعد عنها.. يستحضر خيالها كل ذكرياتها المريرة معه وبسببه.. وكراهيتها له تتجسد وتتجسد.. تنظر له وهو يقف باسما بينما هي تتمنى لو تمزق ابتسامته الكريهة.. هل هو سعيد لهذه الدرجة أنه سيعود لأسرها؟!! " لا تكن سعيدا لهذه الدرجة ياهذا.. لأنك أيضا ستكون أسيري بقدر ما أنا تعيسة سأجعلك تعيسا بقدر ماعانيت السنوات الماضية سأجعلك تعاني في سنواتك القادمة ابتسم.. ابتسم الآن فأنت لا تعلم ما الذي ينتظرك تمتع بابتسامتك الجميلة البغيضة..فقد تكون هذه من مراتك الأخيرة التي تبتسم فيها" عبدالله فتح الباب ووقف قريبا منه.. وهو يشعر أن قلبه سيقفز من بين جنبيه يشعر أنه يؤلمه فعلا لفرط مايشعر من ضغط مشاعره العميقة.. جوزاء وصلت له فعلا لتتحاشى النظر له بشكل مباشر بينما عبدالرحمن يقبل رأسها ثم يهتف لعبدالله بمودة حازمة: الله الله في أم حسن يأبو حسن.. عبدالله هتف بعمق وهو ينظر ناحيتها..فعيناه عاجزة عن مفارقتها: ازهلها.. في عيوني!! جوزاء ركبت وهي تشعر كما لو أن قدميها تخونانها وتتهاويان.. عبدالله ركب مكان السائق ثم التفت لها بتساؤل: وين حسن؟؟ جوزاء أجابته بسكون: نايم.. وأمي حلفت ما أخذه.. حينها ابتسم: لو عارف إن حسون مهوب رايح معنا كنت حجزت لنا في أوتيل.. جوزاء بنبرة ميتة: وش تفرق؟؟ كله واحد.. هتف بذات النبرة المبتسمة وهو يحرك سيارته: تغيير ليس إلا.. كان ينظر ليديها المعقودين في حجرها ويتمنى لو يمد يده ليحضنها بين أنامله ويلثم أطرافها.. يشعر أنه يحترق حد الترمد من رغبته في ضم أناملها قريبا من صدره.. ولكنه كتم رغبته في ذاته.. فهو لا يضمن ردة فعلها وهما في الشارع.. بقيت ساكنة تماما طوال الطريق لبيته غير البعيد.. بينما هو كان يحلق من إحساسه بقربها منه.. يحلق.. حين وصلا.. نزل ليفتح لها الباب.. كانت أغراضها كلها قد أصبحت في الأعلى بعد أن أرسلتها شعاع ورتبتها عالية.. قد تكون لم تقاطع هذا البيت.. فهي كانت تزور أم صالح من وقت لآخر وفي كل مرة تدخل هذا البيت تشعر بضيق عميق يُطبق على أنفاسها.. ولكن لا شيء يشبه إحساس الاختناق القاهر الذي تشعر به الآن وهي تخطو خطوات مترنحة للداخل.. تشعر أن قدميها تأبيان التحرك.. وكأنهما يخبرانها أن تهرب.. وقفت وهي تتسند على الباب.. همس لها عبدالله بقلق: جوزا أشفيش؟؟ همست بنبرة كراهية صافية: مافيني شيء.. كانت تشعر بخجل عميق أن تقابل أي أحد في الداخل.. ولكن المكان كان خاليا تماما كما لو أنهما تقصدا إخلاء الطريق لهما حتى لا يحرجاهما.. خطت خطوتين ثم عادت للترنح.. هتف لها بقلق أعمق: أشلش؟؟ فهتفت بجزع: نعم؟؟ لا لا.. بأطلع بروحي.. كان يبدو تماما أنها عاجزة عن الصعود.. وقدماها ترفضان التحرك لذات المكان الذي نُحرت فيه روحها المرة الأولى.. حينها هتف لها بحزم: خلاص بأسندش بس.. قالها دون أن ينتظر ردا منها وهو يحيط خصرها بذراعه ويمسك بها بقوة.. وشتان بين إحساسه وإحساسها.. في الوقت الذي ارتعشت بعنف وهي تحاول دفع يده و تشعر أن ذراعه سلسلة من نار أحرقت خصرها.. كان هو يشعر بتأثر عميق وهو يشعر بنعومة جسدها المرتعش ملاصقا لذراعه هتف لها بحزم لطيف: جوزا الله يهداش بأسندش بس.. همست له بحزم ممزوج بالكراهية: لا تلمسني.. بأطلع بروحي.. قالتها وهي تتسند على أول حاجز الدرج وتبدأ الصعود.. بدا شكلها مثيرا للشفقة فعلا وهي تحاول الصعود بينما قدماها كأنهما صخرتان تأبيان التحرك.. حينها تفاجأت بنفسها محمولة بين ذراعيه.. كادت تبكي وذكرى مريرة لحمله لها قبل سفره بليلة تعود لذكراها.. همست بمرارة: نزلني عبدالله.. عيب عليك.. لا تفشلني في هلك.. هتف بحزم وهو يصعد الدرجات بسرعة: لو بأقعد أنتظرش لين تطلعين بروحش بنقعد لين بكرة الصبح.. وأنا متأكد إنه مافيه حد من هلي على طريقنا.. هتفت بذات المرارة ولكن بعمق أكبر: أكرهك أكرهك.. شعر حينها بما يشبه طعنة سكين تخترق قلبه بوحشية.. يعلم أنها تكرهه وأخبرته بذلك سابقا.. لكن أن تخبره وهما في ذات الوضع.. يحملها قريبا من قلبه وبين ذراعيه.. وهي تصفعه بكراهيته هكذا !!.. وصل غرفته ليهمس لها بحزم: عادي.. اكرهيني اليوم وبتحبيني بكرة.. همست بذات المرارة: مستحيل أحبك يوم.. فتح الباب.. لينزلها على الأريكة ويهتف بذات الحزم: بتحبيني غصباً عنش.. جوزاء اعتدلت جالسة على الأريكة وهي تغرق في صمت غريب.. بينما عبدالله هتف لها ببرود: ترا نقابش عاده عليش.. تبين ترقدين فيه؟؟ أزالت نقابها وشيلتها بحركة واحدة.. لتصيب قلب المتيم في مقتل.. اشتاق لكل تفصيل صغير من تفاصيلها.. أهداب عينيها.. انحناء أنفها.. استدارة شفتيها.. كل شيء فيها!! بينما استمرت هي في الصمت وهي تنظر لكفيها.. كان هو يسبر بولع كل ملامحها التي أضناه الاشتياق لها.. جلس جوارها لتنتفض وهي تحاول الوقوف لتبتعد عنه.. ولكنه لم يسمح لها وهو يشدها لجواره.. ثم وهو يديرها لناحيته ممسكا بعضديها وينظر لوجهها من قرب.. همست بنبرة كراهية مصفاة: فكني.. خلني أقوم.. همس لها بعمق خافت: أفكش؟؟ ماصدقت أشوفش قدامي وتبين أفكش؟؟ أفك روحي تبعد عني؟؟ أفك قلبي وأخليه يروح بعيد مني؟؟ همست بسخرية مرة: وكذاب بعد؟!! همس بمرارة عميقة: كذاب؟؟ أنا لو كذبت في أي شيء ما أقدر أكذب في حبش اللي خالط لحمي.. حينها انتفضت بغضب من أكاذيبه التي أثارت قرفها.. والتي لو كانت صدقا فهي أثارت قرفها أكثر وأكثر!! حاولت القيام وهي تهمس بقرف: فكني.. أقرفتني بكلامك.. وكلك على بعضك تقرفني!! همس بعمق خافت وهو مازال يمسك بها من عضديها بقوة: قلت لش ماني بفاكش.. أبي أشبع من شوفة وجهش قدامي.. أنا لحد الحين أحسب أني أحلم خليني أتأكد إنش قدامي حقيقة.. قالها وهو يمد يده لوجهها بينما مازال يمسك عضدها بيده الأخرى.. مد يده وهو يتحسس تفاصيل وجهها ويده ترتعش لفرط انفعاله.. يشعر أن أنامله ستزهر من مجرد ملامسة ربيع وجهها.. تأخرت هي بعنف وهي تهمس بذات كراهيتها المصفاة: لا تقرب مني.. وهمس لها بذات عمقه الخافت الموجوع: ما أقرب؟؟ لو أقدر دخلتش بين ضلوعي.. قالها وهو يشدها فعلا بين أحضانه ويحتضنها بكل قوته.. انتفضت بجزع وهي تشعر برائحة عطره المركز الثمين تخترق صدرها.. عادت لها ذكرياتها المريرة معه حينما تشتم نفسها ويخيل لها أن رائحتها تزداد عفونة.. بدأت تلكم صدره بقوة بينما هو لم يشعر بالألم المتصاعد في صدره.. كل ماكان يشعر به هو نعومة جسدها بين ذراعيه.. رائحتها العذبة تعطر أنفاسه الداخلة إلى صدره.. روحها التي أسكنت روحه المهاجرة القلقة وكأنه يؤوب من منفاه.. وكأن العالم كله يسكن بين أحضانه ولا يريد مزيدا.. إذا كان العالم كله بين يديك.. فأي مزيد تريد؟؟ تبعد نفسها عنه بقوة ولكن دون جدوى.. فذراعيه احاطتا بها ككماشة حديدية.. عاجزة عن التنفس وهي تختنق في أحضانه.. آخر مكان تتمنى أن تكون فيه.. مستعدة أن تكون في ساحة معركة حقيقية والحرب دائرة حولها.. مستعدة أن تكون مسجونة في قبو تحت الأرض لا ترى الشمس ولا النور.. مستعدة أن تكون في صحراء خالية بدون زاد ولا ماء وفي منتصف ظهيرة عز الصيف.. مستعدة أن تكون في كل هذه الأمكنة ولا تكون هنا.. بين ذراعيه.. همست من بين أسنانها: عبدالله فكني.. فكني.. فكني.. ولكنه لم يكن يسمعها فهو كان يحلق في عالم آخر مختلف عن عالم كراهيتها عالم حبه اللا محدود لها.. بدأت تصرخ بصوت مكتوم أن يفلتها.. لكنه لا يستجيب.. حين يأست أنه قد يفلتها.. غرزت أسنانها في كتفه.. وعضته بكل قوتها.. حينها أفلتها فجأة وهو يمسك بكتفه ويبتسم: يمه.. قطوة منتي بآدمية.. كانت أنفاسها تعلو وتهبط..وجهها محمر.. كانت توشك على البكاء ولكنها وعدت نفسها أنها لن تبكي ابدا أمامه.. قفزت بعيدا عنه وهي تعدل شعرها الذي تشعث وتهمس بغضب عميق: ماتفهم أنت.. قلت لك لا تقرب مني.. عبدالله يهز كتفيه ويهتف ببرود: وأنا قلت لش بأقرب وأقرب وأقرب.. أشلون يعني بتحرميني من حقوقي عليش.. جوزاء بذات الغضب: عشت معك شهرين وأنت متنازل عنها.. وش اللي تغير؟؟.. عبدالله بذات البرود: والله هذاك زمن وهذا زمن.. أنا ماني بجابرش على شيء.. بس إذا تبين تباتين والملايكة تلعنش.. هذا شيء راجع لش.. جوزاء انتفضت بجزع خوفا من غضب الله عليها.. شدت لها نفسا عميقا وهي تخلع عباءتها وتهمس بغيظ من بين أسنانها: عطني بس فرصة أبلعك.. أنا ماني بطايقك.. ماني بطايقك.. اتق الله فيني..ماتنجبر روح على روح.. كانت تنتفض غضبا وغيظا.. بينما كان هو في عالمه الخاص لا يغادره وهو ينظر لصورتها المكتملة.. تشتعل مشاعره وهو يراها كشعلة نار متألقة في رداءها الأحمر.. حسن لا مثيل له في ناظريه هو!! يتسائل تساؤله الأبدي : (هل هناك عاشق مثله في هذا العالم؟! تصفعه بكراهيتها بينما هو غارق في هواها حتى مافوق أذنيه بالآف الكيلومترات!!) مع ذلك هتف لها بذات البرود: أمممممم.. ماتنجبر روح على روح!! زين.. أنتي كنتي عارفة ذا الشيء قبل ماتوافقين علي!! حينها همست بتقصد وهي تبتعد وتستند وهي واقفة على طرف المقعد: ليه أنت ظنك إن حن زوجين طبيعين بيعيشون حياة طبيعية؟!! حينها هتف بنبرة سخرية: لا متزوجين عشان حضرتش تطلعين كل عقدش فيني حفظتها هذي.. عندش غيرها؟!! ردت عليه بسخرية مشابهة: لا ماعندي.. لين أطلع عقدي عليك.. لأنك مابعد شفت منها شيء!! أسند ظهره للخلف وهو يهتف بذات نبرة السخرية: زين لين ذاك الوقت تعالي اقعدي جنبي.. ماشبعت من شوفتش.. همست ببرود: اسمح لي أبي أسبح عشان أصلي قيامي.. حينها صرخ فيها بنبرة حازمة: أقول لش تعالي.. الليل عاده طويل.. كلنا بنسبح ونصلي.. ولكنها لم تستجب له وهي تتجه لغرفة النوم المفتوحة على صالة الجلوس وتتجه للدولاب ولكنها قبل أن تفتحه فوجئت باليد القوية التي تديرها ناحيته وتثبت ظهرها للخزانة وجهه قريب.. ويمور بالانفعالات.. بينما وجهها عامر بالبرود.. وعيناها تنضح بالكراهية.. همس من قرب بعمق خافت: تعصيني؟!! ردت عليه ببرود: ماعصيتك.. قلت لك بأسبح.. همس لها بذات الخفوت العميق: وأنا قلت لش لأ.. يعني أنتي كذا عصيتني.. حينها همست بنفاذ صبر: خلاص فكني وأجي أقعد معك.. لين تقول لي أنت خلاص فارقيني.. والله يعينك على الكلام اللي بتسمعه مني بتمنى أنك ماقلت لي اقعدي.. همس بولع عميق متجذر: مشتاق لكل حرف بتقولينه... وكل اللي تقولينه عسل على قلبي.. همست بغضب: زين فكني.. خلني أسمعك من العسل الأسود شوي.. أفلتها ليمسك بوجهها بين كفيه.. همست بقرف: أقول لك فكني..ماتفهم أنت.. كان ينظر لوجهها بحنين سرمدي.. يريد أن يشبع نظرا لمحياها فلا يستطيع.. كيف وهو ينظر لها من هذا القرب ؟!.. قربها يُسكره!! رائحتها تسكره!! روحها تسكره!! ذكريات قربها تسكره!! اقترب أكثر ليصدمها بقبلته الدافئة الملتاعة الأشبه بأنين الموجوعين!! موجوع هو حتى روح الروح.. موجوع بالشوق.. موجوع باللهفة.. موجوع باللوعة.. دفعته عنها بحدة.. وهي تصرخ بغضب عارم وتمسح شفتيها بقسوة: ياحقير.. ياقذر.. أكرهك.. أكرهك.. ماتفهم.. ماتفهم.. ركضت باتجاه الحمام وتركته ممزقا بين مشاعره المتصارعة.. إحساسه الرائع القاتل بقربها.. وإحساسه المريع القاتل بقسوتها.. كلا الشعورين يغتالان روحه بذات الحدة والقسوة.. انهارت هي تبكي في الحمام ببكاء مكتوم.. لا تريده أن يسمعه.. تبكي كل مامر بها هذه الليلة.. كثير كل هذا عليها.. كثير.. لم تحتمله حتى لساعة.. فكيف ستحتمله مابقي من عمرها.. ومن قال أنها ستعيش معه لسنوات؟؟ يستحيل.. يستحيل.. تعلم أنه لن يحتملها ولن تحتمله حتى لأشهر.. أي جنون ألقت نفسها فيه؟؟ كيف وافقت عليه وعلى العودة له؟؟ تشعر أنه ينتهك روحها وجسدها ومشاعرها.. تتمنى لو كان صغيرها حسن معها الآن ليهدئ روحها الجزعة القلقة.. تشعر بالضغط عليها من كل ناحية ومنذ البداية.. فكيف ستحتمل المزيد؟؟ كيف؟؟ هــو كان في الخارج يقف قريبا من الحمام.. يرهف السمع.. تعود له هو أيضا الذكريات المريرة.. يخشى أن يسمع صوت بكائها كما سمعه في تلك الليلة المشئومة.. يا الله كم من الذكريات المرة المعقدة بينهما؟! يسند رأسه لباب الحمام بإرهاق ومرارة.. يبدو أن الأمر سيكون أصعب مما يتوقع.. لماذا هي عاجزة عن رؤية مقدار حبه لها؟! ألا يكفي كل هذا الحب ليفتحا صفحة جديدة معا؟! ألا يكفي كل هذا الحب لتغفر له كل ذنوبه.. بدأ قلق روحها يتسرب لروحه.. قرر أن يصلي قيامه ليريح روحه المنهكة من مرارة كراهيتها.. كان مستغرقا في صلاته حين خرجت من الحمام.. بعد أن التفت بروبها الذي وجدته بداخل الحمام.. ثم لبست رداء الصلاة فوقه.. لتصلي هي أيضا.. حينما انتهى توجه لغرفة الجلوس.. وبدأ يقرأ ورده .. حينما انتهى كانت هي تقرأ وردها في داخل الغرفة.. لم يحادثها.. ولم يقترب منها.. دخل الحمام ليستحم.. ثم اندس في سريره دون أن ينظر ناحيتها.. أراد أن يترك لها مساحة للتحرك والتنفس بعيدا عنه.. رغم أن كل مايريده هو أن يحاصرها حتى آخر نفس.. حينما انتهت.. فتحت دولابها.. لا تشتهي أن ترتدي شيئا..أحاسيسها مرهقة حتى الثمالة ختاما ارتدت لها بيجامة قطنية واسعة يصل قميصها للركبة.. ثم توجهت لغرفة الجلوس وجلست على طرف الأريكة وهي تنزوي على نفسها وتطوي ركبتيها تحتها.. أسندت رأسها لطرف الأريكة وأسبلت عينيها.. لتسيل دموعها بصمت رغما عنها.. كان هو في الداخل يحترق.. لا يطيق صبرا ألا ينظر لها على الأقل.. أربع سنوات وهو يحلم بها ليلا ونهارا.. وعندما أصبحت عنده وأمامه.. يتركها؟! نهض من فراشه ليمزق قلبه المتخم بحبها منظرها البائس.. همس بحنان عميق: جوزا.. انتفضت بجزع وهي تمسح وجهها وتحاول أن تتكلم بطبيعية أقرب للجزع: نعم.. وش تبي؟؟ همس بذات الحنان المصفى: قومي حبيبتي نامي داخل.. لا تنامين كذا.. قفزت وهتفت بغضب عارم: لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي.. همس بهدوء عميق: أنتي حبيبتي.. وبأقولها في اليوم ألف مرة.. ماتقدرين تحجرين على كلامي بعد.. همست حينها بمرارة وهي تصر على أسنانها: الله يأخذك أخذ عزيز مقتدر.. ابتسم رغم آلمه الداخلي العميق من دعاءها عليه وهمس بذات الابتسامة الظاهرية: الله بيأخذني متى مابغى.. ولين ذاك الوقت أنتي بتكونين مرتي لأنه ماعاده بمفرقنا شيء إلا الموت.. مرهقة حتى من الكلام.. هذه الليلة استنزفها الألم والصدمات ووطأة قربه البغيض.. منذ أن علمت بموعد عقد القران لم تنم مطلقا.. لذا تشعر أن جسدها مفتت من الإرهاق.. صمتت وهي تتجاوزه.. وتتجه لغرفة النوم.. لتندس في الفراش.. تعلم أنها رغم تعبها العميق لن تنام.. لكنها تريد أن تُقصر الوقت حتى الصباح.. حتى ترى ابنها.. ويفارقها هذا الكريه إلى أي داهية.. لذا كادت تبكي وهي تحس بحركته يندس جوارها.. لا طاقة فيها حتى تقوم أو تصرخ به أو تسبه.. أو تبرد بعضا من نارها فيه.. صمتت وهي توليه ظهرها.. أما مالم تحتمله أبدا هو التصاقه بها ليديرها ناحيته ثم يشدها إلى أحضانه.. همست بإرهاق مرير: اعتقني الله يعتقك من نار جهنم.. همس لها بعمق موجوع: ما أقدر والله العظيم ما أقدر.. حينها همست بمرارة الذكرى التي لاحد لمرارتها: نفس الكلمة اللي قلتها لي قبل أربع سنين.. وعقبه وش سويت فيني؟؟ أكيد ماتذكر.. ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم.. شدها بقوة بين أضلاعه وهو يهمس بذات مراراتها: والله العظيم أذكر أكثر ما تذكرين.. تحسبين أني جرحتش وأنا كنت أجرح نفسي.. أنا ياجوزا كنت أشوفش أطهر مخلوق في الكون.. خفت أنجسش.. لكن الحين أنا شفت في حياتي من العذاب اللي طهرني.. والله العظيم أني الحين طاهر وأستاهلش.. همست بنبرة ميتة ووجهها مختبئ في صدره وكأنها لا تسمع شيئا مما يقول: قبل أربع سنين.. عقب ماقلت لي ذا الكلمة.. رحت واختفيت.. ياترى ممكن أحلم أني أقوم الصبح وألقى أنك مجرد كابوس واختفى.. عبدالله شد له نفسا ثم هتف بحزم: أنا حقيقة.. وبأقعد حقيقة..لين يكتب الله اللي يبي.. همست بكراهية عميقة: أكثر حقيقة كرهتها في حياتي.. شدها أكثر بين أضلاعه.. حتى شعرت ان أضلاعها بدأت تؤلمها وهو يهتف بتصميم: اكرهيني مثل ماتبين.. مصيرش تحبيني غصبا عنش.. ******************************** لم تتوقع أنها قد تنم أبدا.. نامت بعد صلاة الفجر.. وهي تتمنى حين خرج عبدالله للمسجد لصلاة الفجر ألا يعود أبدا.. ولكنه عاد.. " لماذا عاد؟؟ لماذا؟؟ ولماذا يبدو سعيدا هكذا؟؟ ووسيما هكذا؟؟ ووجهه يشع بالسعادة والارتياح والنور هكذا؟؟ أريده أن يكون مثلي.. حزينا وقبيحا ومثقلا بالمرارة" بينما كان هو ينظر لها وهي تجلس على سجادتها.. وجهها مثقل بالحزن ومع ذلك يبعث في روحه سكينة عميقة.. " أ مجرد وجودها في حياتي كفيل بنشر كل هذه السعادة والسكينة في روحي؟! مجرد روية محياها أمامي كفيل بفتح أقطار قلبي على الحياة أ يعقل أن أحبها كل هذا الحب بينما هي عاجزة عن مجرد الإحساس بي؟؟ أعلم أنها ستحس بي يوما.. ولن أمل الصبر!! فحبي لها أعلم أنه أكبر من كل كراهية العالم مهما تجسدت في روحها حبي لها سيذيب كراهيتها شيئا فشيئا!!" وهاهي تصحو من نومها.. لتتفاجأ أنه قد صحا قبلها وانه كان يتأملها بتعمق.. وهو يجلس على مقعد قريبا منها.. همست بتوتر غاضب وهي تشد غطائها عليها: فيني شيء غلط يومك تمقل كذا؟؟ ابتسم بولع: فيش شيء غلط؟؟ والله الواحد يتعب لو يبي يطلع فيش شيء غلط.. همست بغضب: وتمسخر علي بعد؟!! وكم صار لك صاحي وتمقل.. ابتسم بذات الولع: صار لي ساعة.. ولو أقعد بس عمري كله أشوف وجهش ما مليت.. وقفت وهي تهمس بنبرة كراهية أصبحت خاصة له: أنا باتسبح وعقب بأشوف حسن جابته أمي أو باجيبه.. عبدالله هتف بهدوء: ترا عالية جايبة ريوق من بدري.. خليته في الجلسة هذا يعني لو حبيتي تريقين.. عبدالله نزل للأسفل.. ليجد والدته أمام قهوتها وفي حضنها حسن الصغير.. أشرقت روحه.. "هل هناك سعادة كسعادة اليوم؟؟ رضا والديه.. وقرب حبيبته وابتسامة ابنه " ألقى السلام.. منحنيا على رأس والدته.. ليقفز حسن متعلقا بعنقه وهو يهتف بنبرة محببة: وين ماما.. ددة قالت لي ماما ئندك.. احتضنه بحنو وهو يغمر وجهه ويديه بالقبلات ويهتف له بحنان: ماما فوق.. وبتجي الحين؟؟ ابتسمت أم صالح وهي تهمس بحنان: بشرني منك يامك؟؟ عساك مستانس؟؟ ابتسم بمودة: مستانس يالغالية.. الله يونسش بالعافية.. همست أم صالح بحنان وهي تنظر لحسن الجالس في حضن والده: تراه ما تريق..وجدته يوم جابته تقول إنه يعيا يتريق.. وهذا أنا خليت الخدامات يسوون له ريوق.. وهذا هو ماعسه.. عبدالله يخاطب حسن بحماس حنون: من اللي بيأكل ريوقه كله.. وعقب كنه قعد شاطر ومؤدب بأوديه مكان حلو.. حسن بحماس طفولي: وماما تروه مئنا؟؟ عبدالله يقبله ويبتسم له: وماما بتروح معنا.. بعد بعض الوقت.. جوزاء نزلت وهي تغطي وجهها بطرف جلالها.. لم تكن مطلقا تريد مواجهة أحد.. ولكنها كانت مجبرة.. فهي لابد أن تلقي التحية على أم صالح وأبي صالح.. لتذهب لإحضار ابنها.. حين وصلت لم ترَ من خلف الغطاء الثقيل سوى عبدالله وأمه.. رفعت غطاءها وهي تسلم ثم تنحني على رأس أم صالح.. لتتفاجأ بالصوت الغالي يهتف بسعادة: ماما.. أنا هنا.. أشرق وجهها بابتسامة سعيدة وهي تتلقاه وتحمله لتغمر وجهه بقبلاتها.. ليشرق وجه من كان يراقبهما.. كم كان مشتاقا لرؤية ابتسامتها.. كان يظنها قد نست الابتسام.. وكم بدت له ابتسامتها رائعة ومبهجة للروح!! جوزاء جلست وحسن في حضنها لتهمس لأم صالح بمودة واحترام: أصب لش قهوة يمه؟؟ أم صالح بمودة: يأمش تقهويت من زمان جوزاء حينها التفتت لحسن وهمست بحنان مصفى: حسوني كلت ريوق؟؟ حسن هز رأسه.. بينما همست أم صالح بحنان: مارضى يتريق إلا من يد أبيه.. وإلا حن يالجدات ماعبرنا.. جوزاء نظرت لعبدالله نظرة الكراهية إياها.. ثم نظرت لأم صالح وهي تهمس باحترام: أنتو الخير والبركة يمه.. عبدالله حينها هتف بحزم: عقب صلاة الظهر بنطلع نتغدى برا ونلاعب حسن.. أنا وعدته جوزاء همست باحترام مصطنع: إن شاء الله.. ******************************** " ها كساب بنطلع جنيف اليوم؟؟" كساب يبتسم ساخرا: اللي يشوفش تقولين بنطلع جنيف يقول يا بعدها.. ترا كلها 16 كيلو بين جنيف وديفون.. كاسرة تنظر عبر النافذة للمنظر الطبيعي المذهل أمامها والذي تطل عليه شرفة الفندق.. وتهمس بسكون: حلوة ذا المنطقة عجبتني أكثر من ازعاج جنيف.. كساب يقف خلفها ينظر معها عبر النافذة ويهتف بهدوء: تدرين إنه فيه مقاطعة انجليزية اسمها ديفون بعد.. في جنوب غرب بريطانيا.. كاسرة تبتسم وهي مازالت تنظر للنافذة: لا تتذاكى علي.. أعرفها وجيتها بعد مع امهاب قبل كم سنة.. كساب وضع كفيه على كتفيها لترتعش هي بشدة وفورا بينما كان يهتف بنبرة عميقة مدروسة: خليت شغلات التذاكي لش.. هذا تخصصش أنتي.. ثم أردف بتسائل وهو يديرها ناحيته: أبي أعرف ليش لين الحين كل مالمستش ترتعشين؟؟.. ابتسمت وهي تنظر لعينيه تتمنى أن تكتشف المجهول الذي لا ينجلي خلف نظرتهما الآسرة: أنا ما أدري.. أكيد إنك أنت تسوي لي شيء تخليني أرتعش.. مثل ماخليتني يغمى علي يوم الحريق.. ابتسم وهو يمد يده ليمسح خدها: لا تيك شغلة ثانية.. تبين تعرفينها؟؟ ابتسمت وهي تشعر بالإثارة: إيه أبي أعرف.. حينها نقل يده من خدها إلى مكان ما في المنطقة الخلفية من رأسها .. تحت أذنها قليلا من الخلف وهو يهمس لها بهدوء مثير: في المنطقة هذي بالضبط عرق يوصل الأكسجين للرأس.. لو ضغطت عليه لثانيتين مهوب أكثر توقف الأكسجين فيصير أغماء.. لكن لو ضغطته أكثر من كذا.. تصير مضاعفات أخطر بكثير.. ممكن غيبوبة دائمة.. ممكن تلف في الدماغ.. ابتسمت كاسرة: زين ماخفت تذبحني بذا الحركة.. ابتسم وهتف ببرود: لو ذبحتش أريح.. كانت على وشك أن ترد عليه ردا غاضبا.. لولا أنه أعاد نفس الحركة بسرعة لتسقط مغمى عليها حين صحت من اغماءتها القصيرة وجدت نفسها تتمدد على على الأريكة ورأسها ممدد على فخذه.. همست بغضب وهي تعتدل جالسة: تدري أنك مجنون وعقلك يبي له صواميل جديدة.. ابتسم بتلاعب: عشان تعرفين لو أنا أبي أذبحش كان ذبحتش.. يالله تجهزي نمشي.. اليوم كله بنقضيه في جنيف.. وبكرة بنطلع أنترلاكن.. ************************************ " يبه فديتك ماكلت شيء.. شوي بعد.. بس شوي!!" الجد بنبرة مودة: يأبيش والله أني شبعت.. ظنش بخليه وأنا لي فيه.. وضحى بابتسامة صافية: لو كاسرة اللي ترجاك تكمل غداك.. كان مارديتها.. بس لقمة بعد فديتك.. حينها هتف الجد بنبرة غضب: لو كاسرة اللي تبي تغصبني أكل.. كان ضربتها بالصحن على وجهها.. لأنها تعرف أني إذا قلت خلاص يعني خلاص كانش تبين الصحن في وجهش.. علميني!! وضحى تضحك: أفا يبه جابر.. أفا.. هذي أخرتها.. وش فيك معصب كذا؟؟ الجد ينتهد: يأبيش ما أداني حد يغصبني على العيشة كني بزر!! وضحى تميل لتقبل كتفه ثم تقرب منه غسول يديه ليغسل يديه وهي تهمس بمودة: خلاص السموحة.. لا تزعل.. الجد وهو يغسل يديه يبتسم لتظهر فجوة فمه الخالية من الأسنان: يأبيش لا تظنين إن كاسرة أغلى منش.. كلكم غلاكم واحد.. كاسرة قرّبها مني إنها تعرف وش اللي في خاطري.. وإلا الغلا مقسوم بينش وبينها.. وضحى تقبل رأسه وتهمس بمودة باسمة: أدري يبه فديتك.. ما أشك في غلاي عندك.. تقول ذلك كي ترضيه.. رغم أنها في قرارة نفسها لطالما كانت تشعر أن كاسرة أكثر قربا لجدها منها.. ربما اعتادت على هذا الإحساس حتى آلفته!! استمرت تتحاور معه لفترة حتى بدا يغفو قيلولته المعتادة بعد الغداء.. كانت تخرج حين صدفت مهابا يريد الدخول.. همست بصوت منخفض: جدي راقد.. هتف مهاب بخيبة أمل: كنت أبي أواجهه لأني طالع المطار الحين عندي رحلة وضحى بمودة عميقة: تروح وترجع بالسلامة.. مهاب شدها خارج غرفة جده متجهين للصالة وهو يهتف لها بنبرة مقصودة باسمة: وين تلفونش؟؟ وضحى بتلقائية: فوق في غرفتي.. مهاب بابتسامة: زين ترا عندش مقابلة عمل بكرة.. الظاهر اتصلوا لش مارديتي.. وعقب قالوا أنش معطيتهم رقمي.. وضحى بابتسامة سعيدة: المدرسة السمعية؟؟ صح؟؟ مهاب بابتسامة: صح.. ليه أنتي قدمتي على حد غيرهم؟؟ وضحى تتسع ابتسامتها: لا ماقدمت على حد غيرهم.. ولا أبي أشتغل في مكان غيره حينها شدها مهاب ليجلسها على الأريكة ويهتف بنبرة جدية: وضحى أنتي مقتنعة بذا المكان؟؟.. هذي مسؤولية كبيرة وشغلة مهيب بسيطة أبد.. وضحى بذات الابتسامة السعيدة: مقتنعة جدا.. يعني امهاب كم وحدة قطرية تعرف لغة الإشارة وهي طبيعية تسمع وتتكلم.. يمكن تكون هذي رسالتي في الحياة.. لأنه اللي دربتني قالت لي عقب إني حتى تفوقت عليها.. وبعدين أنا حابة ذا المجال وأتابع كل شيء جديد فيه.. وصار عندي خبرة فيه.. بالفعل حاسة فيه رسالتي... ومثل ماكنت نافذة لتميم .. يمكن الله كاتب أكون نافذة لأطفال كثيرين أربطهم بالعالم الخارجي... **************************************** " هاحبيبتي شأخبارش الحين؟؟" عفراء تمسح وجهها وتهمس بإرهاق: تعبانة شوي.. منصور يمد يده ليمسح جبينها ويهتف بقلق: دام اعترفتي وقلتي تعبانة شوي.. فأكيد تعبانة واجد.. عفراء تبتسم رغم إرهاقها: بكرة عندي موعد عند الدكتورة وباقول لها تعطيني شيء يخفف الوحم شوي.. وعلى العموم كلها شوي ويخلص الوحم.. مايجي دوامي إلا وأنا على آخر الوحم.. حينها قفز منصور وهو يهتف بغضب: نعم؟؟ عيدي.. ماسمعت عدل ذا النكتة وش دوامه اللي تبين ترجعين له؟؟ عفراء وقفت وهي تهمس باستغراب: منصور الله يهداك.. دوامي في المدرسة.. نسيت.. منصور بحزم: ماني بغبي.. أعرف إن داومش كان في مدرسة.. عفراء باستغراب أكبر: كان؟؟.. منصور بحزم أكبر: إيه كان.. خلاص سالفة المدرسة هذي تخلصين منها.. عفراء شدت لها نفسا عميقا وهتفت بأكبر قدر من الهدوء: منصور ياقلبي.. الموضوعات هذي ماينوخذ فيها القرارات بهذي الصورة وخصوصا إن هذا شغلي أنا.. يعني انا اللي أتخذ القرار.. وبعدين أنت تزوجتني وأنت عارف أني أشتغل.. وعمرك ماجبت طاري إنك تبيني أترك المدرسة.. وش اللي تغير؟؟ منصور بذات النبرة الحازمة الواثقة: حن ماتكلمنا في ذا الموضوع عقب حملش وأنا كنت أظن إنش أنتي من نفسش بتخلين المدرسة.. عفراء بهدوء: وليش أخليها؟؟ أنا أحب التدريس.. أنا لو كنت وافقت على الترفيعات اللي جاتني كان أنا الحين مديرة مدرسة بس أنا أحب التدريس.. وأحس فيه رسالتي في الحياة.. منصور بذات الحزم: صار لش بالضبط 15 سنة وأنتي قايمة بالرسالة على أكمل وجه.. قدمي على التقاعد.. الحين عندش رسالة ثانية.. عندش طفل تربينه.. عفراء تشعر بتصاعد الغضب في روحها ومع ذلك همست بذات الهدوء المتحكم: ربيت أربعة مهوب واحد بس وأنا أشتغل.. ولا عمري قصرت في حقهم.. وبعدين منصور توني على التقاعد.. منصور بنبرة غاضبة: عفرا لا تطولينها وهي قصيرة.. فيه ناس يتقاعدون وهم في العشرينات.. كلن وظروفه وأنتي كفيتي ووفيتي.. الحين تفرغين لي ولولدش.. والراتب اللي تاخذينه بأعطيش أنا دبله.. حينها هتفت عفراء بغضب رقيق: منصور السالفة مهيب فلوس وأنت عارف ذا الشيء زين.. إبي كان رجال خيره واجد وماعنده إلا أنا ووسمية.. ومخلي لي الله يوسع عليه في قبره.. فلوس تخليني أفتح مدارس مهوب مدرسة وحدة.. بس التدريس رغبتي أنا.. ومايحق لك تفرض شروطك بذا الطريقة.. منصور بحزم غاضب مرعب: عفرا لا تخليني أعصب عليش وأنا ما أبي.. قلت لش انتهى النقاش... مدرسة مافيه خلاص انتهينا.. وذا المرة أنا اللي باطلع.. وغصباً عني عشانش حامل وما أبي أثقلها عليش.. ولكنه قبل أن يخرج عاد ليمسح خدها بحنو وهو يقبل رأسها ثم يهتف بحنان: حبيبتي.. والله العظيم من غلاش عندي.. أبيش بس قدام عيوني.. ما أبي شيء يضايقش ولا يتعبش ولا يأخذش مني.. أدري أني أناني.. بس والله من حبي لش.. وعلى كثر ما أحبش وأموت فيش.. على كثر ما أبيش لي بروحي.. مايشغلش شيء عني.. منصور أنهى عبارته خرج بالفعل بينما كانت عفراء تنتفض غضبا.. " ويتغزل الأخ بعد.. له مزاج يقول يحبني ويموت علي وهو توه يحكم على حياتي كأني بدون رأي.. بس لا منصور.. لا.. لين هنا وبس.. مهوب كل شيء تتحكم فيه ما ألومهم نسوانه يطفشون من اللي بيستحمل ذا التحكم والتسلط؟؟.. نسوانـــه؟؟ نسوانــــــه؟؟ نـــســــوانــــــــه؟؟ " (منصور.. أ كنت هكذا مع زوجاتك الأخريات زوجاته الأخريات؟؟ زوجاته الأخريات؟؟) حينها قفز لذهن عفراء المنهك فكرة مغايرة تماما.. وكأنها لم تكتفِ من الغضب والغيظ لتشتعل من شعور جديد.. قفز إلى مخيلتها فجأة.. ولا تعلم كيف أو لماذا؟! وليس حتى وقته وهي غاضبة من منصور!! شعور حارق.. ملتهب.. مؤذي!! اسـمـه.. الـــــغــــيــــرة !! (منصور أيها النذل التعيس هل كنت تتغزل بزوجاتك كما تتغزل بي؟؟ هل قلت لهن كلهن أنك عاشق متيم أناني لا تقوى على البعاد؟! هل كنت تحتضنهن كما تحتضني لتهمس في أذني همساتك التي تذيبني؟؟ هل كنت تغرقهن بفيض مشاعرهن كما تغرقني؟؟ أيها النذل !! هل قلبك هذا سوق مفتوح على مصراعيه لا يغلق أبوابه أمام أي داخل؟؟ نذل!! ونــــذل!! ونــــــــذل!! ) #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والأربعون " جوزا بس خلي الولد ياكل له لقمتين مثل الناس ما ياكل لقمة وحدة إلا أنتي تنظفين وجهه الولد بينقرف من الأكل كذا!!" جوزاء تنظر لوجه عبدالله المعقود بحزم وهما يجلسان على طاولة في مطعم وحسن جوارها تطعمه ولا تفارق يدها المناديل المعقمة وسائل الديتول المعقم تهتف ببرود: قلت لك كيفي أنا وولدي.. لا تتدخل في طريقتي معه.. عبدالله أجابها بحزم وهو يخفض صوته: وأنا قلت لش قبل أني كل شيء يخص ولدي وأخوانه بأتدخل فيه بأربيهم مثلي مثلش.. حينها شدت جوزاء نفسا عميقا وهمست بذات البرود: زين دام جبت طاري أخوانه.. أنا أبي أكل حبوب منع حمل.. عبدالله أنزل الملعقة من يده ونظر لها بشكل مباشر: نعم؟؟ جوزاء بذات البرود وهي مستمرة في إطعام حسن ودون أن تنظر ناحية عبدالله: سمعتني عدل.. أبي أستخدم مانع.. ما ابي أجيب عيال منك.. عبدالله حينها رد عليها ببرود: أنا أعرف الناس يوم يتزوجون.. يكون أحد أهداف الزواج.. أنهم يجيبون أطفال.. هذي رغبة في مغروسة في داخل كل إنسان.. حينها نظرت له جوزاء بكراهية عميقة.. لو كانت النظرات تحرق.. كان لابد أن يهوي عن مقعده محترقا بلهيب كراهيتها: هذولا الناس الطبيعين لكن أنا أكــرهــك.. أكــرهـــك.. كفاية حسن بيننا.. ما ابي أظلم أطفال ثانين.. عبدالله عاود تناول ملعقته وهو يشعر أن الطعام يمزق حنجرته وهو يبتلعه بصعوبة ومع ذلك هتف بحزم: اسمعيني عدل.. أنا ماني بجابرش على سالفة الحمل الحين.. استخدمي المانع اللي تبينه بس لمدة ست شهور وعقب تقطينه.. جوزاء ببرود: وليش 6 شهور بالذات؟؟ أنت ظنك أنك ممكن تصبر على الحياة معي 6 شهور؟!! صراحة آمالك شاسعة !! زين إن صبرت عليّ شهر.. عبدالله ببرود مشابه: صدقيني قبل الست شهور أنتي اللي بتقطين المانع بنفسش.. بس أنا أعطيش أقصى مهلة لين تقبلين الفكرة بروحش.. *************************************** " عفرا.. اشفيش ساكتة؟؟ " عفراء بسكون: صدق أنك غريب منصور.. الحين تسأل كنك ماسويت شيء منصور بنبرة لا تخلو من غضب: وأنا وش سويت؟؟ عفراء تشد لها نفسا عميقا: سالفة شغلي.. منصور بحزم بالغ: قلت لش الكلام في ذا الموضوع منتهي.. عفراء حينها همست بحزم: آسفة.. اسمح لي يا منصور.. ما انتهى.. هذا شغلي أنا.. وما يحق لك تمنعني.. منصور وقف وهو يهتف بنبرة مرعبة: أنتي تعارضيني؟؟.. عفراء لم تتحرك من مكانها وهي تهمس بهدوء عميق تحاول امتصاص غضبه به: منصور الأمور ما تحل بذا الطريقة.. أقنعني.. ليش تبيني أترك الشغل؟؟ ولو أنا اقتنعت .. أنا حاضرة أخليه لكن مجرد فرض رأي.. أنا آسفة.. منصور يعتصر قبضته ويهتف بحزم مرعب: إيه فرض رأي.. عندش مانع.. حينها فورا انتقلت للموضوع الآخر الذي بات يؤرقها بشكل جارح لمشاعرها وأنوثتها وكيانها.. همست بنبرة مقصودة: منصور أنت كنت تتعامل كذا مع نسوانك الثلاث اللي قبل؟؟ حينها انفجر منصور بغضب: مالش شغل عفرا أشلون كنت أتعامل معهم.. لش شغل أشلون أتعامل معش أنتي وبس.. حينها انفجرت عفراء بغضب مشابه: زين تعاملك معي مهوب عاجبني متسلط زيادة عند اللزوم.. أنا ماني ببزر تجي تبي تمشيني على كيفك على آخر عمري.. تبي تحل وتربط وأنا بس أقول حاضر هذا مهوب منطق.. الحياة الزوجية أخذ وعطا وتشارك.. مهوب موجب وسالب وبس.. منصور حينها شدها من مقعدها ليوقفها وهو يهتف بنبرة مرعبة تجمد الدم في العروق: عفرا هذي آخر مرة أسمح لش تطولين صوتش عندي.. عفراء غاضبة بالفعل: منصور هذا مهوب أسلوب تعامل.. أنت تبي تكتمني على طول.. تبيني بس أكون هادية ورايقة ومتفرغة لك.. لكن ماعندك استعداد تتحمل زعلي ولا ضيقتي ولا انشغالي.. وش معنى أنا ملزومة أتحملك وأتحمل عصبيتك وتطويلك لصوتك علي.. يعني أنت من طينة وأنا من طينة أقل منك؟؟.. منصور بغضب: لا عفرا.. لا تحورين على كيفش.. أنتي مرتي وأم عيالي إن شاء الله.. وفوق رأسي.. بس فيه أشياء أنا ما أتقبلها.. وحقي عليش أنش ماتسوينها الحين صار الغلط راكبني؟؟ عفراء تشد لها نفسا عميقا وهي تحاول التحدث بهدوء: لا منصور الحين أنت اللي تحور.. أنت تبي تبسط موضوع مهوب بسيط أبد.. وتبي تأخذ حقي وتخليه حقك ثم تركبني أنا الغلط.. منصور بحزم بالغ نهائي بنبرة غير قابلة للنقاش: قلت لش انتهينا عفرا.. انتهينا.. خلاص.. عفراء قررت الاحتكام لعقلها وهي ترجئ النقاش في الموضوع.. وتصمت لأنها تقرر أن تكون الطرف الأكثر مرونة مازالت تفكر كيف من الممكن أن تحل هذا الأشكال.. يخطر ببالها أن تُدخل زايد في الموضوع.. ولكنها ألغت هذه الفكرة لأنها من معرفتها لشخصية منصور تعرف أن هذا التصرف سيفجر غضبه عارما لأنها أدخلت أحدا في مشاكلهما تنهدت وهي تقرر أن تتجه للصالة وتبقى هناك حتى أجل غير مسمى!! ******************************* " أم حسن أنا طالع أصلي العصر وعقب عندي شغل ماني براجع قبل الليل" عفراء تخلع عباءتها وهي تنظر لعبدالله الذي كان يعدل غترته وتهمس بكراهية: ترا لو ماتبي ترجع أحسن.. عبدالله يبتسم ابتسامته الجذابة وكأنها تهمس له بكلمات الحب والغرام: مشكورة حبيبتي لا تحاتيني.. قبل الساعة عشر راجع..ياقلبي.. حسن يتعلق بذراعه: بابا بألوح معك.. عبدالله يميل ليقبله بحنان كبير ثم يمسك يده وهو يهتف لجوزاء بهدوء: بأخذ حسن معي للصلاة.. وعقب بأخلي هزاع يرجعه.. جوزاء بغضب: لا.. أنت ترجعه.. أو لا تأخذه.. عبدالله يخرج وفي يده حسن وكأنه لا يسمع ماتقول وهو يهتف بحزم: هزاع بيرجعه.. وحسش قصريه.. ترا ماحنا بساكنين بروحنا يا بنت الأصول.. جوزاء تنظر لظهره بغيظ وهي تدعو الله أن يحفظ ابنها ولا يعيد أبيه.. ولكنها تعود للتراجع وهو تستغفر الله بعمق.. ليس من أجله.. ولكن من أجل أم صالح.. التي تعلم أنها لن تحتمل فقدان عبدالله مرة أخرى.. تفتح جوزاء الخزائن وهي تقرر إعادة ترتيب ملابسها وملابس ابنها وفقا لنظامها الدقيق في الترتيب وهي تفتح الخزائن فتحت خزانة ملابس عبدالله المعلقة.. همست بابتسامة خبيثة كأنها وقعت على كنز: ياقلبي ياعبود ثيابك كلها جديدة.. أكيد تبي تتبخر من ريحة الخياطين.. ***************************************** يحضر لها بوظة وهي تجلس على مقعد تراقب نافورة جنيف التي تتصاعد عاليا وتختلط الإضاءة بها بشكل خلاب.. تتناول البوظة منه وتهمس بسكون: شكرا.. جلس جوارها وهو يهتف بنبرة حازمة: وش فيش؟؟ من عقب ماكلمتي أختش وأنتي ساكتة.. عسى ما حد فيهم تعبان.. تضع البوظة جوارها وتهمس بذات السكون: كل يوم أسألهم عن تميم يقولون زين.. ما أدري ليه ناغزني قلبي من ناحيته.. اليوم أختي قالت لي إن نفسيته تعبانة كلش.. عرسه عقب أسبوعين ونص.. أشلون يدخل على بنت الناس وهو هكذا.. كساب ببرود حازم حاد: والحين من اللي هامش؟؟ أخيش وحالته ؟؟ وإلا مظهركم قدام بنت الناس؟؟ كاسرة حينها نظرت له وهمست له ببرود مشابه: تدري كساب.. الشرهة علي اللي أشركتك في أفكاري كساب ببرود صارم: وأنتي يوم أشركتيني قلت لش رأيي..وأعتقد إنه وصلش إذا مهوب عاجبش..خلاص احتفظي بأفكارش لنفسش.. حزن مجهول يغتال مشاعرها.. لا تعلم لماذا يتصرف على هذا النحو المستفز.. مع أنها كانت تتكلم معه بعفوية وهي تشاركه ضيقها كما يُفترض بين الأزواج.. ورغم إحساسها بهذا الحزن الشفاف فإنها لن تسمح له أن يشعر بتأثيره السلبي عليها.. همست بحزم: تدري.. كل مابغيت أهذر.. باهذر وانت بتسمعني.. لأنك زوجي وغصبا عنك لازم تسمعني.. أما نصايحك وتعليقاتك لو ماعجبتني خلها على الرف أحسن.. ********************************** " وين راحت هذي؟؟" خليفة ينظر حوله للغرفة الخالية من وجود جميلة.. بعد أن طرق باب الحمام ووجده فارغا أيضا.. قرر أن يسأل عنها الممرضات ليتفاجأ بأنها كانت تجلس بينهن ترتب معهن الملفات.. حين رأته ابتسمت وهي تهمس برقة: هلا خليفة.. خليفة استند على الحاجز وابتسم: شتسوين هني؟؟ جميلة بتلقائية لطيفة: زهقت من القعدة فاضية.. قررت أساعدهم شوي.. ثم استرسلت بعذوبة: كنت أسمعهم يقولون ترتيب الملفات ممل.. لا والله مسلي.. الحين قاعدين نرتب الملفات حسب الترتيب الأبجدي.. خليفة سعيد جدا لانطلاقها.. هتف بتساؤل: زين وأنتي عارفة الأبجدية الفرنسية؟؟.. جميلة وهي منهمكة في الترتيب: هي نفس الأبجدية الإنجليزية في الترتيب بس النطق هو اللي يختلف.. ثم رفعت نظرها إليه وهي تبتسم بشفافية: يقولون بعد الممرضات أنهم بيعلموني فرنسي.. يعني كورسات ببلاش.. خليفة ابتسم لها بمودة: مطولة أنتي؟؟ جميلة أشارت بيدها "قليلا" حينها هتف لها خليفة بمودة تلقائية: خلاص أنا بأروح للغرفة أقرأ شوي لين تيين.. ************************************ " من صلاة العصر وأنا رايح وأنتي على قعدتش ذي ومادة البوز كذا" عفراء تنظر لمنصور الذي يلقي غترته على المقعد وتهمس بهدوء: وش تبي منصور؟؟ تبيني ابتسم وأنا زعلانة وتعبانة؟؟ تبيني أمثل عليك عشان حضرتك ما تتضايق منصور يجلس ليحتضن كتفيها ويهتف بحنان فخم: ياقلبي ياعفرا أنتي كبرتي السالفة وهي صغيرة.. أنا ياقلبي أبي اللي يريحش ويريحيني تدرين بغلاش وأنه مايهون علي زعلش.. عفراء شدت لها نفسا عميقا ثم همست بسكون: منصور لا تزعل علي.. بس أنت أناني بشكل ما ينوصف.. عفراء قالت جملتها ثم انكمشت قليلا لأنها توقعت ثورة عارمة من منصور لذا تفاجأت بشدة أنه شدد احتضان كتفيها وهو يميل ليقبل رأسها ويهمس بعمق: وأنا قلتها لش قبل مافيه حد يحب ومايكون أناني.. وعلى قد حبي لش على قد أنانيتي.. عفراء حينها أسندت رأسها لكتفه وهمست بهدوء رقيق: زين والحل منصور؟؟ أنا ما أبي أخلي شغلي.. أرجوك منصور منصور هتف بهدوءه الفخم وهو يحتضن كتفيها: ياقلبي ياعفرا.. أنتي ليه منتي براضية تفهمين إن هذا موضوع غير قابل للنقاش خلاص.. عفراء حينها تفلتت من حضنه لتقف وهي تهمس بنبرة حزن عميق: مافيه شيء غير قابل للنقاش غيرك يامنصور ثم أردفت بذات الحزن وهي تغادر: اسمح لي منصور أنا بأنام في الغرفة الثانية.. ************************************ " هاحبيبتي وش سويتي اليوم في غيابي؟؟" جوزاء تبتسم بتلاعب وهي تنظر لعبدالله الذي كان يخرج محفظته وأزرته من ثوبه ثم خلعه ليلقيه في سلة الغسيل همست بذات الابتسامة: أبد رتبت الغرفة والملابس.. ثم قعدت مع عالية ونجلا وعمتي أم صالح .. وتعشيت معهم.. وتوني طلعت قبل شوي عشان أرقد حسن.. عبدالله ينظر لحسن النائم جوار أمه ويهتف بخيبة أمل: خسارة كنت أبي ألاعبه قبل ينام.. ثم نظر حوله وهو يهتف بإعجاب: بس صدق لمساتش مبينة في المكان.. كل شيء يلمع ماشاء الله.. لم ترد عليه لأنها خشيت أن تنفجر ضاحكة.. منذ مدة طويلة لم تشعر بهكذا سعادة طفولية.. عبدالله توجه للحمام وهو مستغرب منها أشد الاستغراب.. بل هو مستغرب منذ دخل الغرفة أنها كانت مبتسمة الإبتسامة التي تذيب قلبه.. وأنها كانت غير متحفزة ضده ولا تصفعه بالكراهية المتكررة.. هل من المعقول أنها بدأت بالاستسلام ومن يوم واحد فقط؟؟!! حين أنهى عبدالله استحمامه خرج ملتفا بفوطته.. ليأخذ له ملابسا لأنه يعلم أنه ليس لديه أمل أنها ستخرج لها ملابسه.. كانت تنظر له وهي متمددة نصف تمدد على السرير.. وابتسامتها تتسع وهي تراه تتجه للخزانة فتح ناحية ملابسه الداخلية.. رف له ورفين لها.. وبقدر ماكانت رفوفها مرتبة ودقيقة.. بقدر ماكان رفه مبعثرا وملابسه مختلطة.. بعد أن فسد كويها وتجعدت لأنها كانت مجموعة في كومة.. عبدالله شد له نفسا عميقا ثم هتف بصرير من بين أسنانه وهو يستدير ليقابلها: أنا ماطلبت منش ترتبين أغراضي.. بس أنتي جايه وهي مرتبة.. ليه تسوين فيها كذا؟؟ أنتي صاحية؟؟ جوزاء بابتسامة متلاعبة: شفت إن شكلهم كذا أحلى.. حرام عليك كنت أبي أسوي لك خدمة بس.. حينها تذكر عبدالله شيئا.. هتف بتهديد: ياويلش لألقى ثيابي نفس الشيء.. حينها كادت تنفجر من الضحك وهو يفتح خزانة ثيابه المعلقة.. اطمئن قلبه وهو يراها معلقة ومكوية كما كانت.. لكن لفت نظره شيء غريب في أحد الثياب.. فشده قليلا ليرى مابه لينصدم أن الثوب كان محروقا من عدة نواحي.. ألقى به على الأرض.. ليتنزع ثوبا ثانيا وثالثا ورابعا وعاشرا.. لم تترك له ولا حتى ثوبا واحدا سليما كانت كلها محروقة بنار مباشرة.. والنار أحدثت ثقوبا دائرية بها.. النار التي كانت ناتجة عن ولاعة الجمر بنارها المستقيمة القوية.. حينها توجه ناحيتها ليشدها من عضدها ويسحبها سحبا لغرفة الجلوس حتى لا يسمعهما حسن النائم.. حين وصلا هناك أفلتها.. بينما هي كانت تدعك عضدها المحمر ثم تجلس بهدوء وهي ترتخي في جلستها وكأنها لم تفعل شيئا.. انفجر عبدالله بغضب مكتوم: أنتي صاحية؟؟ فيه حد عاقل يسوي سواتش؟؟ زين أنتي زعلانة علي وتبين تعاقبيني.. تحرقين ثيابي كلها؟؟.. وش ألبس أنا عقب؟؟.. وإلا أطلع للناس عريان..؟؟ جوزاء بسكون وهي تنظر لأظافرها: والله أنا حذرتك من عيشتك معي بس أنت ماصدقتني.. عبدالله بنبرة خافتة كأنه يكلم نفسه: حذرتيني؟؟ ثم أردف بتصميم: زين أنا طالع الحين وبأدعي أمي وعالية وأوريهم اللي سويتيه وخلهم هم يحكمون بيننا.. قالها وهو يتجه فعلا للباب.. رغم أنه لا ينوي أبدا أن يفعلها.. لكنه يريد أن يتأكد أن هناك من تحرص على مشاعره فعلا.. لأنها إن لم تهتم أن يعرف الناس مافعلته فمعنى ذلك أن حالتها غير قابلة للحل.. لذا كاد يبتسم رغم غضبه العارم وهو يراها تقفز لتقف بينه وبين الباب وهي تهمس برجاء: عبدالله الله يهداك تبي تطلع وأنت بفوطتك كذا؟؟ تبي تفشل روحك في هلك.. عبدالله بنبرة غاضبة: ليه أنا عندي شيء ألبسه؟؟ جوزاء تشده من يده وتجلسه: اقعد.. الحين بأكوي لك فنيلة وسروال... عبدالله بتحكم: لا.. تكوين كل ثيابي اللي عفستيهم.. وترتبينهم عدل الحين.. جوزاء بغضب: ماتشوف أنك مسختها؟؟ عبدالله بغضب أشد: أنا اللي مسختها؟؟ وإلا اللي السالفة كلها من تحت رأسها من الأول؟؟ تدرين أنا بأنادي عالية تأخذهم وتكويهم وعقب ترجع هي ترتبهم لي.. جوزاء حينها همست برجاء عميق: لا خلاص عبدالله تكفى.. لا تفشلني في عالية و أم صالح.. أنا بأكويهم الحين.. عبدالله بنبرة تحكم: واغسلي ثوبي اللي حطيته الحين واكويه عشان ألقى لي شيء ألبسه في صلاة الفجر وأروح فيه للدوام.. جوزاء بغيظ: حاضر ياعبدالله حاضر.. بس مردودة لك.. جوزاء تناولت الثوب من السلة واتجهت به للحمام لتغسله بينما كانت تتمنى لو تمزقه.. بينما كان عبدالله يتصل بأحدهم: هلا رشيد.. أنا عبدالله آل ليث تو كنت سوي تفصيل عشرة ثوب عندك أنا سايز عندك.. بليز رشيد يبي اثنين ثوب بكرة في الليل.. مستعجل.. ....................................... بليز رشيد.. ضروري.. شوف أنا يعطي أنت فلوس زيادة.. وبعدين يبي عشرة ثوب بعد عبدالله تنهد وهو يجلس.. رغم غضبه العارم مما فعلته.. لكنه لا يستطيع أن يلومها.. بقدر حبه لها.. عاجز عن لومها.. فهذه أنثى احترق قلبها.. فهل يلومها على حرق بعض الثياب؟!! "تفداها كل ثياب العالم.. وفوقها روحي.. بس ..ليتها ترضى وتسامحني بس!!" . . بعد أكثر من ساعتين خلال الساعتين الماضيتين التي قضتهما في الكوي.. كان هو يجلس أمامها.. يعبث في حاسوبه المحمول.. تعلم أنه يشعر بالانتصار في داخله.. بعد أن حرمها من متعة نصرها الصغير عليه وهاهي تضع آخر قطعة ملابس في خزانة عبدالله وهي ترتب ملابسه تماما كما رتبت ملابسها.. بينما كانت تسبه وتشمته بكل قواميس العالم في داخلها.. فوجئت بيده تمتد من جوار خصرها ليمسك بكفها ويديرها ناحيته.. ليقبل كفها بعمق وهو يهمس بمودة دافئة: تسلم اليد اللي كوت وغسلت مهوب اللي حرقت وعسفت مشكورة ياقلبي.. شدت يدها من يده بقوة وهي تهمس ببرود قارص: مشكورة على ويش.. الكوي كذا أنا سويته عشان هلك مهوب عشانك.. وإلا أنت مالك قيمة عندي.. عبدالله يهتف بنبرة مقصودة: لو مالي قيمة عندش ماكان سويتي ذا كله.. ترا حتى يوم نبي نضايق الناس يكون مضايقتنا لهم على قد اهتمامنا فيهم لأنه لو مايهمونا ما أشغلنا نفسنا فيهم.. وأنتي لو ما أنتي بشايفتني شيء كبير ومهم عندش.. ماكان سويتي ذا كله عشان تضايقني!! جوزاء تجلس وتهمس بعدم اهتمام: فلسفة فاضية.. عبدالله جلس جوارها.. قفزت واقفة.. ولكنه شدها وأعادها جواره وهو يطوق كتفيها بذراعه ويهتف بحزم: اسمعيني عدل.. الليلة عديت لش الحركة البايخة اللي سويتيها لكن والله لا يتكرر شيء ثاني مثلها لا يكون الرد شيء ما تتوقعينه.. أغراضي الشخصية وأوراقي وتلفوناتي وكمبيوتري وشغلي.. مالش شغل فيهم ولا تلمسينهم.. تبين تضايقني.. ضايقيني أنا شخصيا.. القلب ملعبش.. أشياء مادية ملموسة مالش شغل فيها.. والأهم من هذا وذاك.. حسن ماله علاقة بأي زعل يصير بيننا.. ولدي ما تستخدمينه سلاح ضدي.. ************************************* " أبي أجيب هدية لأختك وخالتك.. وش ظنك أنهم يفضلون؟؟" كساب يغلق الكتاب الذي كان يقرأ فيه ويضعه جواره ويهتف بتلقائية للأميرة التي تمددت جواره للتو بعد أن أنهت صلاتها ووردها: مزون شنطة وخالتي عفرا ساعة.. بنشتريهم عقب سوا.. ولا تنسين أنتي تشترين لأمش ولأختش ولعروس تميم.. ولا يهمش من الفلوس.. كاسرة بتلقائية: عندي فلوس.. حينها استدار كسّاب ناحيتها وهو يهتف بنبرة غضب وتهكم: نعم؟؟ عندش فلوس؟؟ وأنا ويش؟؟ كيس شعير.. كاسرة بهدوء متحكم: العفو.. حينها هتف كساب ببرود: لا وليش العفو.. هذا اللي باين من كلامش.. تبين تدفعين وأنا معش.. هذا اللي ناقص.. كاسرة ابتسمت بعذوبة ابتسامتها الساحرة: وأنت ليش سويتها سالفة؟؟ قلت لك العفو.. وخلاص ولا يهمك.. بأكسر ظهرك.. بأخليك تندم على العرض..وبأشتري أغلى شيء بالاقيه في السوق.. حينها هتف لها بغموض: ليش ابتسمتي؟؟ أجابته باستغراب: وليش ما ابتسم؟؟ فيه قانون يمنع الابتسام؟؟ هتف لها بذات الغموض: ابتسامة مثل ابتسامتش هذي كنها سلاح دمار شامل.. مايستخدم إلا لغرض كايد.. حينها اتسعت ابتسامتها أكثر وهمست برقة: أغرب غزل سمعته في حياتي.. حينها هتف بذات نبرة الغموض التي تخللها الغضب: ليه أنتي سمعتي غزل من حد غيري؟؟ ردت عليه بغضب: كساب أنت أشفيك.. تبي تسوي سالفة وبس.. أنا أساسا سمعت غزل منك عشان أسمع من غيرك والتلميح السخيف هذي ماأبي أسمعه مرة ثانية.. أنهت عبارتها لتستدير وتوليه ظهرها وهي تشد الغطاء عليها.. لتشعر بعد ثوان بأنامله تعبث بخصلات شعرها وهو يلفها على أصابعه بشكل دائري.. استدارت ناحيته لتنظر لوجهه القريب منها وهو يرتكي على مرفقه همست بسكون عذب: أعرف أنك ماتعرف تعتذر.. بس مافيه داعي كساب أنك تدور اللي يضايقني عشان تقوله.. مال ليقبل جبينها دون أن يرد عليها.. حينها مدت يدها لتلمس خده وهي تهمس برقة: غصبا عني كل ما أشوف وجهك قريب تروح عيني هنا.. قالتها وهي تتحسس الجرح في خده بحنو.. تناول كفها من خده ليقبلها بتروي ثم يهتف لها بابتسامة: أتذكر أني انا بعد عضيتش.. بس شكلش أنتي سنونش أقوى.. حينها ابتسمت كاسرة وهي تمد له باطن ذراعها لتريه أثر عضته..وهي تهمس بعمق متجذر: ليه كساب أنت تخلي الواحد وإلا ترحمه قبل ماتوصل لحمه؟؟ **************************************** كانت تجلس في قاعة الانتظار في عيادة طبيبة النساء.. مشغولة بالتفكير.. مهمومة.. البارحة كانت ليلة سيئة.. لا تحب أن تُغضب منصور منها.. ولكنه من يدفعها لذلك بتسلطه الذي أثار غضبها..واستيائها وحزنها.. البارحة قضتها في غرفة أخرى.. وأغلقت الباب عليها لأنها تعلم أن منصور سيجبرها للعودة لغرفتها.. وبالفعل حاول فتح الباب مرة واحدة.. ولم يعد لتكرارها .. وهي تعلم أنه لابد غضب لأنها أغلقت الباب..ونامت بعيدا عنه.. واليوم هاهي تأتي لموعدها مع سائقتها دون أن توقظه..رغم أنها تعلم أنه يكره أن تذهب مع سواه إذا كان موجودا.. وتعلم أنه سيجد في هذا سببا آخر ليغضب منها.. ولكنها مرهقة تماما من الوحم.. ومن تسلطه.. ثم إحساس الغيرة المرعب الذي قفز لها ليقضي على مابقي من الجَلد والاحتمال عندها.. لا تحتمل المزيد.. لا تحتمل المزيد أبدا!! وهي غارقة في أفكارها سمعت همسا مهذبا: عفرا.. عفرا.. أم جميلة.. عفراء رفعت عينيها لتنظر لمن يخاطبها لتتفاجأ بالسيدة ذات البطن المنفوخ التي تبدو في شهورها الأخيرة من الحمل وبجوارها خادمة تحمل طفلا لا يتجاوز عمره العامين.. عفراء ابتسمت وهي تقف للسلام عليها وتهمس في داخلها (خلاص.. كملت!!) ومع ذلك هتفت بترحيب حقيقي: هلا والله بشيخة.. ياحيا الله أم محمد.. #أنفاس_قطر# . . . وقبل ماتستغربون أو تسألون.. شيخة هذي وحدة من حريم منصور الأوليات.. بمعنى أدق.. رقم 2.. . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والأربعون مرهقة تماما من الوحم.. ومن تسلطه.. ثم إحساس الغيرة المرعب الذي قفز لها ليقضي على مابقي من الجَلد والاحتمال عندها.. لا تحتمل المزيد.. لا تحتمل المزيد أبدا!! وهي غارقة في أفكارها سمعت همسا مهذبا: عفرا.. عفرا.. أم جميلة.. عفراء رفعت عينيها لتنظر لمن يخاطبها.. لتتفاجأ بالسيدة ذات البطن المنفوخ التي تبدو في شهورها الأخيرة من الحمل.. وبجوارها خادمة تحمل طفلا لا يتجاوز عمره العامين.. عفراء ابتسمت وهي تقف للسلام عليها وتهمس في داخلها (خلاص.. كملت!!) ومع ذلك هتفت بترحيب حقيقي: هلا والله بشيخة.. ياحيا الله أم محمد.. شيخة همست بمودة بعد أن جلست بتثاقل بطنها الممتد بجوار عفراء: الله يحيش ويبيقيش ها عفرا بشريني من بنتش؟؟.. سمعت إنها تعالج برا.. عفراء بمودة مشابهة: بنتي طيبة والحمدلله.. شيخة بذات المودة: كنت بأنسى.. ومبروك زواجش.. عين العقل.. أنتي عادش صغيرة وحرام تدفنين عمرش.. عفراء بلباقة: الله يبارك فيش.. ويهون عليش.. شيخة تبتسم: آمين.. تعبانة واجد في حملي هذا.. ما كأني جبت أربعة قدامه.. معي سكر ذا الحمل ولاعب في حسبتي.. ثم أردفت شيخة بتلقائية: وأشلون منصور معش؟؟.. عساه حاطش في عيونه بس..؟؟ عفراء شعرت فورا بضيق طبيعي قاهر تصاعد في روحها.. أن تسأل زوجته السابقة عنه بهذه التلقائية وهي تهمس اسمه مجردا هكذا!! عفراء همست بابتسامة مصطنعة: أبو زايد مايقصر.. باقي يحطني فوق رأسه.. شيخة ابتسمت بدماثة أخلاق طبيعية: زين عسى زايد في السكة بس؟؟.. عفراء بهدوء: الحمدلله قربت أخلص الشهر الثاني .. شيخة بعفوية: إن شاء الله ذا البزر يخلي أبو زايد يقر ويرتاح.. تصاعد ضيق أعمق في روح عفرا.. وغيرتها رغما عنها تزداد.. (وش دخلها يرتاح أو عنه ما أرتاح!!!) غيرتها وصلت لذروتها لأنها تعلم أن شيخة هي أكثر من بقيت مع منصور.. بل إن منصورا حين قام بالفحص كان من أجلها هي.. فشيخة كانت بكل موضوعية أفضل زوجاته الثلاث وأكثرهن رحابة صدر.. تعلم أن هذا أمر مضى منذ سنوات عديدة لكنها لا تستطيع منع نفسها من القهر والاحتراق.. وهي تشعر بالاختناق من أفكارها.. ومن تفكيرها كيف كان تعامل منصور مع شيخة..كنموذج لتعامله مع زوجاته السابقات.. بل ربما نموذج التعامل الأفضل!! هل كان يتعامل معها كما يتعامل معها هي الآن؟؟ لا تريد أن تسألها عن حياتها مع منصور لأنها ستموت إن عرفت إنه كان يعاملها مثلها.. وكان سبب الطلاق هو مجرد تسلطه الذي هو قد يكون مبررا منطقيا للطلاق عند البعض!! كما أنها ستموت بل ستجن من الغيرة إن لم ترح نفسها وتسأل.. فهي تشعر أنها تترمد من احتراقها بالغيرة!! لذا لم تستطع إلا أن تندفع وهي تسأل شيخة بحذر: شيخة احنا خوت واللي راح راح.. وأنتي الحين ماشاء الله عند رجال وعندش عيال وبنات.. أبي أدري ليه تطلقتي من منصور لو مايضايقش تجاوبيني؟؟ شيخة ابتسمت بعفوية: وليه ذا المقدمات.. إسأليني وأجاوبش عادي منصور.. الله يديم المودة بينكم.. كان حار بزيادة وتعامله حاد ومتسلط.. وعلى طول مشغول بمجلسه.. صدقيني أنا كان عادي عندي ذا كله..لو أن منصور على الأقل كان يسمعني كلمة زينة.. لكن أنا قعدت عنده عشر شهور..حتى كلمة حلوة وحدة منه ماسمعته.. أنا أشهد إنه كان كريم يد ومايقصر علي بشيء.. لكن في المشاعر ماشفت أبخل منه.. طول فترة زواجنا وأنا حاسة أصلا إنه مهوب متقبلني وإنه فيه حاجز بيننا.. كنت حاسة كني كرسي أو طوفة في البيت.. سبحان الله لكل واحد نصيب يتناه.. عشان كذا شوفي ولا وحدة من نسوانه حملت.. وأنتي ماشاء الله حملتي على طول لأنه نصيبه كان عندش.. عفراء شعرت بفتور في عظامها وكأنه سُكب على رأسها ماء مثلج وهي على وشك الارتعاش من برودته التي اجتاحت عظامها.. شعرت بالفعل أنها عاجزة عن الوقوف.. وقدماها لن تحملاها.. قلبها يكاد يتمزق من شدة تدفق الدم إليه وارتفاع دقات قلبها بعنف.. "لم يُسمعها طيلة عشرة أشهر كلمة واحدة حلوة.. بينما هو يغرقني بفيض حلاوة كلماته منذ يومي الأول معه!! كان بخيلا معها في مشاعره.. لم تكن مشاعره إلا لي.. لي أنا فقط!! أ يعقل هذا؟؟ أنا بالذات؟؟ " ********************************** كانت تنظر إلى شلال جيسبخ البديع وهي تضم جاكيتها الأسود الذي ترتديه على عباءتها .. تهمس لكساب الجالس جوارها بابتسامة: الديرة ذي ماتعرف الصيف مثل باقي مخاليق ربي اشتقت لحر الدوحة والله العظيم.. يرد عليها بشبح ابتسامة: عجبتش انترلاكن؟؟ تضم الجاكيت عليها أكثر وتهمس بسكون: جنة من صنع ربي سبحانه.. بس زحمة سياح .. كساب ينظر أمامه ويهتف برجولة تلقائية: حن في الصيف وش تتوقعين.. بس أوعدش الرحلة الجاية أوديش في غير إجازة المدارس وفي رحلة من تخطيطي أنا من أولها لأخرها.. ابتسمت بعذوبة: ياخوفي من تخطيطك.. احتضن كفها الباردة بين كفيه الدافئتين.. ارتعشت أناملها بخفة.. ماعاد يسألها عن سبب ارتعاشها بل ربما قد يستغرب إن لم ترتعش.. همس لها بحزم: وليش تخطيطي يخوفش؟؟ همست بتلقائية دافئة: أحبك إذا كنت عفوي..على سجيتك.. مافي رأسك تخطيطات.. هتف لها بنبرة مقصودة وهو يشدد احتضانه لكفها: تحبيني إذا كنت ويش؟؟ ابتسمت باحتراف: لا تدقق على المصطلح.. المقصود أني ارتاح لعفويتك.. حينها سألها بذات النبرة المقصودة: وأنتي متى بتكونين عفوية؟؟.. ردت عليه بذات نبرته المقصودة: وأنا عفوية.. ابتسم بتلاعب: هذي عاد كثري منها.. ماشفت حد راسم نفسه مثلش.. ابتسمت بتلاعب شبيه: يحق لي أرسم حالي!! وقف ليشدها لتقف وهو يهتف بخبث: يحق لش.. أنتي أصلا اللي يحق لش وبس!! ************************************ " جوزا أنتي مبسوطة؟؟" جوزاء تلتفت لعالية وتبتسم باصطناع: وليش ما أكون مبسوطة؟؟ عالية هزت كتفيها: ما أدري.. ما أبي أتدخل في خصوصياتش بس عبدالله ماشاء الله باين عليه مبسوط.. وأنتي في عيونش حزن.. جوزاء همست بسكون: لا تحاتيني أنا مبسوطة بس يمكن من كثر ماحزنت أبي لي وقت لين أتأقلم مع السعادة.. عالية بتساؤل عميق: أكيد جوزا؟؟ جوزاء باصطناع بارع: أكيد أنتي عارفتني.. لو ماأستأنست سودت عيشة اللي حولي.. بينما كانت الاثنتان مستغرقتان في الحديث دخلت عليهما نجلاء وهي تلقي حقيبتها وتجلس متهالكة: يمه.. يمه باموت من الحر.. يعني مالقينا ننزل بيتنا إلا في حر ذا الصيف.. عالية تضحك: أنتي أصلا المفروض نازلة بيتش من قبل سنة.. بس الله يكفينا دلع النسوان يعني إلا تطفرين صويلح وإلا ماتستانسين.. نجلاء تهف على نفسها: عقبال ما أشوفش مطفرة عبدالرحمن ومادة لسانش بعد.. ثم تردف بحرج وهي تنظر لجوزاء: جوزا لا تزعلين عشان أخيش والله ما أقصد شيء بس وش أسوي بأم لسان ذي.. جوزاء بمودة: أنا ما أحاتي عبدالرحمن.. عبدالرحمن أصلا ماحد يقدر يطفره باله وسيع فديت قلبه... إلا أنتي ماتبين مساعدة في البيت؟؟.. تراني والله حاضرة.. نجلاء ابتسمت: مانعيف المساعدة.. بس الحين قاعدين نفرش.. لا بديت أرتب أكيد بأحتاج مساعدتكم كلكم.. وذا الحين رخصوا لي أبي أقوم أتسبح .. غادرت نجلاء بينما عالية التفتت لجوزاء متسائلة: وين حسون؟؟ جوزاء بهدوء: مع عيال عمه في غرفتهم يلعب معهم.. عالية تبتسم: زين فكيتي عن الولد شوي.. مايصير ماسكته على طول.. جوزاء تتنهد: أخاف عليه عالية من كل شيء.. أخاف يطيح.. يزلق.. يفتح الدريشة.. أصلا الحين مخلية الخدامة قاعدة عندهم.. عالية بذات الابتسامة: ماعليه المهم تفكين عنه شوي.. وهما مستغرقتان في الحديث سمعتا طرقا على الباب.. جوزاء غطت وجهها بطرف جلالها السميك والواسع.. وأضفته على يديها.. بينما هتفت عالية: من؟؟ صوت عبدالله يأتيها من وراء الباب: أنا .. من اللي عندكم؟؟ عالية تبتسم: تعال.. مابه إلا حلالك.. عبدالله دخل.. بينما كانت جوزاء ترفع الغطاء عن وجهها وهي تتمنى لو تغادر المكان كاملا.. لا تحب أن تكون معه في وجود أحد آخر.. لأنها حينها ستضطر أن تمثل المودة له وهذا هو الأمر الأكثر كراهية وبغضا لها في كل العالم.. كما لو أنها تبتلع مسامير ملتهبة تمزق حنجرتها ومعدتها ومع ذلك لابد أن تبتسم وهي تبتلعها!! بينما هو حينما دخل أشرق وجهه حين رآها.. حالة لذيذة من الشجن تنتابه كلما رآها كأنه يراها للمرة الأولى !!.. عالية (بعيارة) : صك حلقك.. سعابيلك سالت علينا.. عبدالله يبتسم وهو يتجه ليجلس جوار جوزاء: يا أختي وش أسوي؟؟ كل ماشفت أم حسن كن في قلبي ألف فرس يتسابقون.. عالية تضع يدها على قلبها: آه ياقلبي.. الله يعطيني يارب.. جوزا عسى عبدالرحمن يعرف يقول كلام حلو مثل عبود.. عبدالله يمد يده ليضرب مؤخرة رأسها بخفة: عيب يا بنت.. أخيش الكبير قاعد عالية بمرح: وأنا وش أسوي بأخي الكبير اللي هيض مواجعي.. عبدالله جلس جوار جوزاء ثم اقترب من أذنها ليهمس بدفء: أشلونش حبيبتي؟؟.. رغما عنها ارتعشت وهي تشعر بدفء أنفاسه على أذنها.. ولكنها كانت ارتعاشة قرف لا تأثر !!.. همست بسكون: الحمدلله زينة.. عالية وقفت وهي تهمس بذات المرح: لا أنا شكلي غلط هنا... أترخص.. عبدالله وقف وهو يهتف بحزم: اقعدي يا بنت أنا أصلا جاي أبي لي شغلة وبأرجع للمجلس.. عبدالله صعد.. وجوزاء وجدت أنه من اللباقة أمام عالية أن تصعد خلفه.. صعدت ولكنها لم تتجه لغرفتها بل اتجهت لغرفة أولاد صالح لترى ابنها حتى يغادر عبدالله.. لتتفاجأ أن ابنها ليس معهم.. وأخبرتها الخادمة أنه سمع صوت والده يناديه فركض له.. حينها وجدت نفسها مضطرة أن تتجه لغرفتها.. حين دخلت وجدت عبدالله يجلس على الأريكة وحسن على قدميه وهو يلاعبه.. هتف حين رآها: بأخذ حسن معي للمجلس يتغدى معي.. ردت عليه ببرود وهي تلقي بجلالها على المقعد: منت بعارف تأكله أصلا.. خله عندي.. حسن برفض: لا بألوح مع بابا مدلس.. جوزا صمتت.. حينما يقف حسن مع والده تشعر بالضيم يتصاعد في روحها.. لا تريده مطلقا أن يفضل والده ولا بأي صورة ولكن الذنب في الختام ذنبها هي.. فهي من علقت حسن بوالده وصوره وحكاياته وبصورة مبالغ فيها.. تعيش حياتها من أجل هذا الولد.. فكيف يفضل أحدا آخر عليها.. وخصوصا هذا الأب الذي ألقى به ونساه طوال السنوات الماضية.. ثم عاد ليطالب بحقه فيه.. كانت مازالت واقفة وغارقة في أفكارها حين شعرت باللمسة الحانية على خدها: حبيبتي هذا كله سرحان؟!! انتفضت بخفة وهي ترى عبدالله واقفا أمامها بينما حسن غير موجود: وين حسن؟؟ عبدالله بهدوء: راح يجيب نعاله من غرفة عيال عمه.. كانت تريد أن تلحق به وهي تهمس بجزع عفوي: مايعرف يلبس نعاله بروحه بأروح ألبسه.. عبدالله شدها من يدها: خليه بيعرف يلبس.. كل السالفة نعال مهيب جوتي حتى.. شدت يدها بعنف من يده وهي تهمس بكراهية: تقدر تقول لي وقفي بدون ما تمسك يدي.. حينها أمسك وجهها من الأسفل بقوة بيده وهتف بحزم: أنا أمسك يدش ..أمسك وجهش.. حلالي.. ثم ختم عبارته بأن قرب وجهها منه ليقبلها بدفء حنون.. صدمها تصرفه.. لم تسمح له بالمزيد وهي تدفعه عنها وهي تهمس ببغض شديد: أنت ماتفهم.. أقول لك لا تقرب مني.. تسوي كذا.. ابتسم عبدالله وهو يعدل غترته: من اللي يقدر يشوف وجهش الحلو قدامه كذا وبين يديه ويقدر يقاوم.. ثم أردف وهو يغادر: تدرين.. اللون الأزرق بينطق من حلاوته عليش.. انسطلت أنا.. لا تلوميني!! جلست وهي تهمس بغيظ وقهر ..وتضرب المقعد بقبضتها: ويتمسخر علي بعد.. وجهش الحلو.. وما أقدر أقاوم.. واللون الأزرق.. الحقير يتمسخر علي.. يتمسخر علي..!! زين ياعبدالله دواك عندي.. دواك عندي.. **************************************** تشعر بتوتر عميق منذ عادت للبيت... لم تجد منصورا في البيت.. والأغرب أنه لم يتصل بها إطلاقا ولم يسألها عن موعدها.. تعلم أنه اتصل بالسائقة.. فهي أخبرتها أنه اتصل وسألها عن مكانهما.. ومعنى ذلك أنه غاضب وغاضب بشدة لأنها خرجت دون اخباره.. يا الله.. متعبة من التفكير ومشتتة.. لا تنكر أن مقابلتها لشيخة ألمتها وأسعدتها وأشجتها بل وقلبت كيانها.. ولكن كون تعامل منصور معها مختلف.. وأنه وهبها المشاعر التي لم يهبها لأحد لا يعني أنها يجب أن تتنازل عن كل شيء من أجله.. لا تنكر أن قلبها يؤلمها وأن بودها أن تحتضنه وتقبل جبينه وتهمس في أذنه ألف مرة أنها تحبه!! فهي لم يسبق أبدا أن صرحت له بكلمة (أحبك) بشكل مباشر.. تشعر فعلا بالتشتت ..مقابلتها لشيخة قد تكون جاءت في وقت غير مناسب.. وفي ذات الوقت جاءت في الوقت المناسب!! هي في الوقت المناسب لأنها أراحتها من نار الغيرة التي لم تحتملها حتى ليوم واحد فقط.. وفي وقت غير مناسب.. لأنها قوّت جانب منصور بينما هي تحتاج أن تقوي عزمها حتى تستطيع مواجهته والاصرار على عملها.. تشعر أنها لو رأته الآن فأنها ستنهار وقد تتنازل عن كل شيء من أجله.. تدعو الله في داخلها أن يقوي عزيمتها فالعمل حاجة إنسانية ضرورية لحياتها ولو طاوعت منصور وتركته الآن فهي تعلم يقينا أنها ستندم مستقبلا.. تتمدد على سريرها لتريح جسدها المنهك " يا الله كل ماقلت هانت جد علم(ن) جديد" ************************************ " يا الله سميرة اليوم يخلص فستانش.. " سميرة تلتفت لوالدتها: يمه أنتي اللي بتوديني؟؟ أم غانم باستعجال: خلصيني بابت.. نجلا اليوم ماتقدرش.. عندها شغل في بيتها.. سميرة بتساؤل: ومها وصلوح وش بنسوي فيهم؟؟ أم غانم بنبرة قاطعة: هناخذهم معانا طبعا.. سميرة تضحك: من جدش يمه.. خلاص يمه.. خليها بكرة لين تتفرغ نجلا وتوديني.. غانم قاطع الحديث الدائر: وأنا ما أنفع أوديش؟؟ سميرة بخجل وهي تلتفت لغانم الذي دخل مع الباب بلباس الطيارين: ينفع ونص.. بس أنت توك راجع من رحلة.. أخذك مشوار بعد غانم يبتسم: يا بنت الحلال كلها أسبوعين ونخلص منش أساسا.. خلنا نتجمل فيش أنتي ووجهش.. حينها تجمعت العبرات في حلق سميرة..وسالت دموعها رغما عنها.. غانم اقترب ليحتضنها بحنو: أفا حضر عرق خالها هريدي العاطفي.. هلت الدموع.. سميرة تمسح دموعها وتهمس بابتسامة طفولية باكية: صدق بتستانسون لا رحت وخليتكم؟؟ غانم (بعيارة) : وبنكسر الئلة كمان على قولت خالش هريدي ونقول الله يعين تميم على مابلاه... حينها فعلا انفجرت في بكاء طفولي وهي تدفن وجهها بين كفيها.. فمشاعرها كما لو كانت على طرف السكين مسنون.. غاية في الرهافة والحساسية.. فهي قلقة من حياتها مع تميم بعد أن كانت السبب في كسر يديه وسماعها أطراف حديث عن أنه بات أكثر انطواء وحساسية.. وما أقلقها أكثر أن وضحى حن رأت قلقها أصبحت تقول لها أنه بخير بينما سمعت مزنة تخبر والدتها أنه ماعاد يخرج من غرفته إلا في أضيق الحدود حتى بعد نزع جبس يده اليسار.. فإخفاء وضحى لوضعه عنها يعني أن الأمر مرتبط بها هي.. وبشكل عام الفتاة قبل زوجها تصبح شديدة الحساسية فكيف بمن هي في حالها.. غانم شدها وأجلسها وجلس جوارها وهو يحتضن كتفيها ويهتف بحنان: أفا سمور.. ليش ذا البكاء كله؟؟ أم غانم كانت من ردت بتأثر: يأمك البنات يصيرون حساسات شوية قبل العرس.. غانم يمسح شعرها متسائلا بقلق: صحيح سميرة؟؟ سميرة هزت رأسها وهي تمسح وجهها.. حينها وقف غانم وشدها وهو يهتف بحزم: يالله ياحلوة.. قومي البسي.. وأنا خمس دقايق بس أخذ شاور سريع وأبدل ملابسي وأنزل.. ********************************************* "تميم ياقلبي منت بطالع اليوم مكان؟؟" تميم هز رأسه وهو يشير بيد واحدة : بأروح للشغل بعد شوي.. ابتسمت وضحى: زين.. صار لك يومين مارحت لشغلك رغم صعوبة الإشارة بيد واحدة وهو يشير اشارات مبتورة وغريبة ولكن وضحى كانت تفهمه.. أشار لها بسكون: الشباب في الشغل مرسلين لي مسج يقولون محتاجيني ضروري بأروح أشوف السالفة.. ثم أردف بألم: مع أني بدون يدي اليمين مالي فايدة.. وضحى ابتسمت بحنان: أنت وأنت بيد وحدة أحسن من كل مهندسين الكمبيوتر اللي في الدوحة.. ثم أردفت وهي تبتسم له ابتسامتها الدافئة الحانية: وبعدين هانت الدكتور يقول ماشاء الله عظمك قوي وجبر بسرعة.. وقبل عرسك إن شاء الله بيفك الجبس وبيحط بس رباط خفيف.. تميم وهو يستعد للخروج يشير لها بغموض: آخر شي يهمني هو سالفة عرسي ذي!! ************************************ أصبحت الساعة الثامنة مساء.. ومنصور لم يظهر ولم يتصل حتى.. رغم أنه لا عمل لديه اليوم.. تشعر بقلق عميق وتفكيرها يزداد تشتتا.. لا تعلم كيف يشعرها منصور بهذه الأحاسيس المتضادة!! رغم أنه المخطئ إلا أنها تشعر بالذنب... نجح في إشعارها بذنب لم تقم هي به!! فهو من يريدها أن تترك عملها وهو يفرض رأيه بكل تسلط.. وبدلا من أن يجلس حتى يتفاهما.. هاهو يختفي ليتركها نهبة للقلق والتوتر.. لتشعر كما لو أنها من أذنبت في حقه!! تشعر أن أكثر شيء تريده في العالم أن تراه الآن لترتمي في حضنه كما لم تفعل سابقا!! وفي ذات الوقت أكثر شيء تريده في العالم ألا يظهر الآن لكي لا تنهار دفاعاتها الضعيفة أمامه.. . . . ذات الوقت " أبو زايد.. عسى ماشر؟؟ وش فيك سارح؟؟" منصور يبتسم وهو يلتفت لشقيقه: مافيني شيء جعلني الأول.. مشاغل بس!! زايد بفخامة رجولية: ترانا نعين ونعاون يأخيك!! منصور بعبق الرجولة الفخمة ذاته: جعلك سالم.. وما أخلى من عونك لو أني أبي شيء أنت أول من بأطلب منه.. زايد بهدوء: زين وش رأيك بشور؟؟ منصور بأريحية: حاضرين للشور وراعيه!! زايد بحزم: نروح أنا وإياك عمرة.. مشتهي أروح يومين قبل يرجع كسّاب.. منصور بحزم أشد: قم نروح ذا الحين.. زايد بصدمة: ذا الحين؟؟ منصور بذات الحزم البالغ: إيه ذا الحين.. قم.. جوازي في سيارتي.. وعندي غيارات في السيارة جاهزة دايم لو بغيت أغير وأنا في الدوام.. زايد بتساؤل: نروح على سيارة؟؟ منصور بتصميم: إيه على السيارة.. أنا أحب السواقة على الطريق الطويل.. وبعدين نمر الحسا وحن راجعين نشتري تمر وقهوة وقناد.. زايد صرَّ عينيه بحزم: ماتبي تمر عفرا قبل؟؟.. منصور بنبرة مقصودة: بأتصل لها وأعلمها.. وأقول لعلي يروح يجيبها عندكم في البيت.. تقعد مع مزون لين نرجع.. زايد وقف وهو يبتسم: يا سبحان الله ماهقيت ربي يسهلها بذا العجلة.. خلاص أنا داخل أعلم مزون وأكلم علي.. واجيب لي ثياب وأجيك.. زايد دخل للداخل.. بينما منصور تناول هاتفه وأرسل رسالة.. . . ذات الوقت عفراء تدور في البيت.. تلتهي بالترتيب عن التفكير بمنصور الذي لا يشغلها عنه شيء.. رنة رسالة تصل هاتفها.. التقطته بلهفة لتشعر أن طبول مجنونة تمزق قلبها وهي ترى اسم منصور يتصدر الرسالة قبل أن تفتحها.. فتحت الرسالة بأنامل ترتعش (أخيرا تذكرني الشيخ منصور!!) " أنا رايح العمرة الحين مع زايد جهزي أغراضش بيجيش علي يوديش عندهم للبيت" (وفقط!! لا شيء آخر!!) ماذا يقصد من هذا التصرف؟؟.. منصور المتبجح دوما أنه لا يترك مشاكله معلقة!! بعثرتها الصدمة وعيناها تتسعان ذهولا وهي تعتصر هاتفها بيدها!! هل هو يخرجها من حياته؟!! أم هذه مجرد مهلة للتفكير؟؟ ماهو هدفه من جرحها بهذه الطريقة القاسية؟؟ يفرحها أن يذهب لبيت الله.. وذهابه للعمرة مع شقيقه.. "ولكن أ لم يجد خمس دقائق ليخبرني بذلك وجها لوجه؟!.. لماذا بخل بمنحي فرصة لثوان فقط حتى ترتوي عيناي من رؤيته وأضلاعي من حضنه ورائحته؟؟ لماذا كنت بخيلا وقاسيا هكذا؟؟ لماذا تصر على إيلامي؟؟! لماذا يامنصور؟؟ لماذا؟؟" *************************************** تعبر السيارة طريق المنطقة الصحراوية بعد أن تجاوزا الحدود.. يهتف زايد بهدوء: زمان مارحت رحلة طويلة على سيارة.. ابتسم منصور: ماحد مربح شركات الطيران غيرك أنت وولدك كساب.. ابتسم زايد وهتف بشجن: تدري إني اشتحنت له.. منصور بابتسامة: قد سافر في رحلات أطول من ذي.. وش معنى ذا المرة مشتحن له؟؟ زايد بعمق: الحين صار رجّال متزوج.. أبي أشوف لو المرة بتغيره.. منصور بعمق مشابه وهو يهمس بخفوت: كساب كنه عمه.. مايغيرونهم النسوان حتى لو داخلوا الروح.. زايد بتساؤل: وش تقول يامنصور؟؟ منصور بنبرة أعلى: أقول وأنت ماتبي تجرب؟؟ زايد ضحك ضحكة فخمة قصيرة: من جدك؟؟ عقب ماشاب ودوه الكتّاب.. منصور بجدية: أتكلم من جدي يازايد.. تدري يازايد أني ندمت أني قعدت ذا السنين كلها عزابي وعفرا قدامي.. وبعدين زايد أنت عادك شباب وبصحتك.. وبكرة علي ومزون كلهم بيتزوجون..وكلن بيلهى في حياته.. تزوج من وحدة ترادك الصوت.. أو حتى تجيب لك ولد يملأ أيامك.. زايد يبتسم: والله نبرة جديدة يأبو زايد.. جعلني أشوف عليك عشر عيال.. بس أنا خلاص.. وش بزارينه وأنا في ذا العمر؟؟ الحين أبي أربي أحفادي وأستانس بهم.. وبعدين أنا واحد مشغول على طول.. ماعندي أصلا وقت فاضي عشان أحتاج مرة تملاه.. وماتزوجت ذا السنين كلها.. أتزوج الحين.. يا الله حسن الخاتمة يأخيك.. جعلك تهنى أنت وعفرا وعيالكم.. صمت منصور وتفكيره هو أيضا يأخذه لما يحاول الالتهاء عنه.. عفراء " الله يلعنك يا أبليس.. وش استفدت من يباس الرأس؟؟ من الحين ذابحني الشوق لها.. يعني كان مريت على أساس أني أبي لي ثياب وشفتها حتى لو ماكلمتها عشان تتأدب على حركتها اليوم وهي تخليني نايم وتطلع لموعدها بدون ماتقول لي.. كان شوفتها بس ردت لي قلبي شوي اللي حاس كنه قعد في الدوحة وماسافر معي!! بس خلها.. تستاهل.. الموقف اللي سوته المفروض مايتكرر خلها تعرف غلطها.. مهيب هي اللي دايم تقول أبي لي مساحة أتنفس وأفكر خلها تاخذ كل المساحة اللي هي تبي بس أنا أشلون أتنفس بعيد عنها؟؟ أشلون؟؟ " لم يكن منصور يهدف مطلقا للهروب.. فهذا شيء من المستحيل أن يفكر به.. فلو أن زايدا طلب منه العمرة وهو على وفاق مع عفراء.. كان سيتصرف ذات التصرف تماما ودون تردد..ويذهب معه من فوره .. ولكن المختلف أنه كان سيمر في بيته أولا.. يروي عينيه من رؤيتها.. يطمئن على وضعها.. ويذهب بها بنفسه لبيت زايد.. ليذهب بعد ذلك وهو مطمئن البال.. ولكن سفره هكذا وهو لم يراها منذ البارحة وبينهما خلاف يبدو أنه ليس بسيطا فهذا الأمر عقّد كل شيء بينهما لأبعد حد.. في داخله غير مطمئن أبدا.. فلأول مرة تعانده عفراء بهذه الطريقة!! يكره أن يغضبها أو يقهرها أو حتى يتسبب باستيائها.. "ولكني هكذا خُلقت.. عنيد ومتسلط.. ولا أتنازل عن أرائي.. أ يصعب عليها أن تتقبلني كما أنا؟!! أ يصعب عليها احتوائي؟!! فكل ما أريده في الحياة.. هي.. ولا شيء سواها !! " ***************************** " عالية ممكن أسألش سؤال؟؟" عالية بابتسامة: الله على الأدب والذرابة اللي ما أحبها.. اسألي بدون مقدمات.. حينها سألت جوزاء بشكل صادم ومباشر: عبدالله وش كان يسوى السنين الأربع اللي كان غايب فيها؟؟ عالية بذات الابتسامة المرحة: المفروض أنا اللي أسألش.. أنتي مرته.. والرجّال يعلم مرته بأشياء حتى هله مايعرفونها.. جوزاء باصطناع بارع: ما سألته... استحيت.. عالية هزت كتفيها وأجابت بصراحة: والله العظيم ما أدري.. وماحد يدري إلا صالح وإبي بس.. جوزاء تنهدت في داخلها.. لا يهمها أن تعرف في أي مصيبة كان يختفي.. وفي ذات الوقت شيء في داخلها يُلح عليها أن تعرف.. فهذا الرجل كان زوجها.. وعاد زوجها.. ولا تعلم حتى متى ستبقى متورطة معه في سجن الزواج هذا... أخرجها من أفكارها يد حسن الصغيرة تشدها: ماما بألوح حمام.. جوزاء نهضت مع صغيرها وتركت هاتفها خلفها على الأريكة بجوار عالية.. ليرن الهاتف بعد ثوان..تلمح عالية الاسم دون تركيز.. اسم من مقطعين أولهما (عبد).. تناولته عالية وهي ترد دون تردد وبنبرتها الصاخبة المرحة: لنا الله ياعبود.. لنا الله.. الحين المكالمات كلها للمدام وأختك نسيتها.. الله يخلي لي الدحمي.. يكلمني عقب.. بدل ماتلفوني ميت.. ماحد منكم يفرحني بمكالمة.. كادت عالية تُصاب بسكتة قلبية وهي تسمع الصوت الرجولي الدافئ العميق: والله يخليش للدحمي.. مادرى المسكين إنه على بالش كذا!!! عطيه رقمش.. ووعد تلفونش مايسكت أبد!! عالية أغلقت الهاتف في وجهه وهي تلقي بالهاتف جوارها وعيناها تمتلأن بدموع الصدمة التي أبت كرامتها أن تُنزلها.. بينما جسدها كله يرتعش كأنما صابها ماس كهربائي هز أوصالها كله.. " لا حول ولا قوة إلا بالله.. وش فيه كل شيء صار يرجع لي؟.. الحين عبدالرحمن أكيد بيقول علي: قليلة أدب وماصدقت تتزوج حتى أخوانها تتكلم معهم عني!! إيه.. يحق له يتجرأ لي كذا ويقلل من احترامي.. دامه شايفني قاطه روحي عليه" عالية تكاد تجن من فرط الحرج والأكثر من إحساسها بجرح كرامتها الثمينة لابد أن ترد وإلا فأنها لن تستطيع أن تنام.. تناولت هاتف جوزاء وأرسلت للرقم الوارد الأخير: "تصدق إنك قليل أدب!! أي نموذج مشرف لدكاترة الجامعة أنت؟؟" حينما وصلت الرسالة لعبدالرحمن انفجر ضاحكا.. علم أنها محرجة.. وهذه وسيلتها لتبديد حرجها.. كان يستطيع أن يرد عليها ردا يتناسب مع سلاطة لسانها.. ولكنه قرر ألا يرد عليها حتى لا يزيدها عليها!! ولكنه ختاما لم يقاوم إحساس التسلية الذي شعر به.. تناول هاتفه وأرسل لهاتف جوزاء: " اسألي عني بنات الجامعة ويقولون لش أي نموذج مشرف لدكاترة الجامعة أنا؟؟" عالية حين تلقت الرسالة صرّت عينيها وهي تمسح الرسالتين الصادرة والواردة: صدق إنه قليل أدب.. إلا هو وش قصده؟؟ زين يا الدحمي.. خلني لين أدبك أنت وبنات الجامعة!! ********************************************** " عادش بردانة؟!!" كاسرة تلتف بشال وتمسح أنفسها المحمر وتهمس بصوت متعب: من عقب قعدتنا اليوم عند الشلال وأنا حاسة إن البرد دخل عظامي.. يجلس جوارها ليحتضن كتفيها.. لتخفي في عرض صدره كأنها قطة صغيرة لتبدأ بالارتعاش .. لا يُعلم هل هو من البرد أم من قربه؟! هتف لها بهدوء : زين اشربي الشاهي يدفيش شوي.. مدت يدها لتتناول كوبها ولأن يدها كانت ترتعش تناثرت قطرات على قميصه.. اعتدلت جالسة وهي تهمس برقة: آسفة.. بأقوم أجيب لك تيشرت غيره.. وبالفعل نهضت لتحضر له قميصا.. في الوقت الذي خلع كساب قميصه ووضعه أمامه.. حين عادت كانت تنظر دون تركيز لظهره العاري.. ولأنها كانت دائما تشعر بالخجل من النظر.. لم تكن تدقق النظر له المرات الماضية.. ولكن هذه المرة لفت نظرها شيئا غريبا في كتفه من الخلف ناحية اليسار..وأقرب لمنتصف الظهر.. في منطقة تختفي تماما تحت ملابسه الداخلية وربما من أجل ألا تظهر كان حينما يستحم في بركة الفندق يرتدي لباس سباحة كامل يغطي الظهر ويصل لمنتصف الفخذ!!.. كاسرة اقتربت ولمست مالفت انتباهها.. همست بتساؤل لا يخلو من غضب: كساب وش ذا؟؟ حينها قفز واقفا بشكل مفاجئ وهو يشدها بقسوة من ذراعها ويصرخ فيها بنبرة مرعبة: مالش شغل؟؟ كاسرة أعادت السؤال بحزم غاضب دون اهتمام بمعصمها الذي يعتصره في كفه فما رأته في ظهره أثار غضبها عارما عاتيا متفجرا: كسّاب أنا أقول لك وش ذا؟؟ #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والأربعون وبالفعل نهضت لتحضر له قميصا.. في الوقت الذي خلع كساب قميصه ووضعه أمامه.. حين عادت كانت تنظر دون تركيز لظهره العاري.. ولأنها كانت دائما تشعر بالخجل من النظر.. لم تكن تدقق النظر له المرات الماضية.. ولكن هذه المرة لفت نظرها شيئا غريبا في كتفه من الخلف ناحية اليسار..وأقرب لمنتصف الظهر.. في منطقة تختفي تماما تحت ملابسه الداخلية وربما من أجل ألا تظهر كان حينما يستحم في بركة الفندق يرتدي لباس سباحة كامل يغطي الظهر ويصل لمنتصف الفخذ!!.. كاسرة اقتربت ولمست مالفت انتباهها.. همست بتساؤل لا يخلو من غضب: كساب وش ذا؟؟ حينها قفز واقفا بشكل مفاجئ وهو يشدها بقسوة من ذراعها ويصرخ فيها بنبرة مرعبة: مالش شغل؟؟ كاسرة أعادت السؤال بحزم غاضب دون اهتمام بمعصمها الذي يعتصره في كفه فما رأته في ظهره أثار غضبها عارما عاتيا متفجرا: كسّاب أنا أقول لك وش ذا؟؟ حينها أفلتها كساب ليجلس وهو ينقلب لحالة معاكسة من البرود المدروس تماما.. فهو كان يتوقع هذه المواجهة منذ الليلة الأولى لزواجه.. بل استغرب إنها تأخرت حتى الآن!! وللحظات فكر أنها لابد رأته ولكنها قررت التغاضي عنه.. مع أنه استعبد أن كاسرة قد تتغاضى!! ولكن صمتها أوحى له بذلك !! وربما كان مافي ظهره من الأسباب التي جعلته يرفض الزواج حتى لا يضطر للتفسير.. وبعد ذلك خشيته أن تتحدث زوجته عما رأته.. ولكن مع كاسرة لم يكن ليخشى أي شيء من ذلك..!! فهو لن يفسر لها!!.. وهي لن تتكلم عن أسرار زوجها.. يؤمن بذلك كما يؤمن بنفسه!! بل إن سبب خلعه لملابسه فور وصولهم لجنيف للقيام بالتمرينات.. كان من أجل أن تراه!! أرادها أن تراه قبل أن يحدث بينهما أي شيء.. أرادها إن تراه حتى ينتهي من غضبها في بداية حياتها معه.. لن يحرمها من الغضب.. لكنه بالتأكيد سيحرمها من السؤال والتفسير.. وهذا هو ما كان ينتظره.. أن تراه!! وأن تسأل!! وأن تغضب!! فلماذا غضبت الآن ياكساب؟؟ هل تخشى أن تتجاوز ردة فعلها الغضب؟؟ ما الذي تخشاه ياكسّاب.. ما الذي تخشاه؟! دارت هذه الأفكار كلها في رأسه وهو يرتخي في جلسته بفخامة ويهتف ببرود محترف: قلت لش مهوب شغلش.. كاسرة تقف أمامه وهي تهتف بغضب كاسح: كسّاب أنت واشم ظهرك؟؟ أنت ماتخاف ربك؟؟ هذا وأنا أشوفك مصلي والفرض مايفوتك؟؟ كسّاب أنت يأما تشيل الوشم هذا.. يا تطلقني.. كساب بذات البرود المحترف: ماشاء الله ماكملنا أسبوعين حتى وطلبتي الطلاق براحتش.. حاضر أطلقش.. لأن اللي في ظهري مستحيل ينشال.. كاسرة تصرخ بغضب عميق وهي مصدومة منه تماما لم تتوقع مطلقا أن كساب قد يتصرف هذا التصرف: أشلون مستحيل ينشال.. مافيه وشم ماينشال.. أو يمكن تشوف إنه الوشم أغلى مني.. عشان كذا ماتبي تشيله وتطلقني أحسن.. كسّاب ببساطة حازمة: قلت لش مستحيل ينشال.. لأنه مهوب وشم.. هذا وسـم.. ثم أردف بسخرية مريرة: شفتي الأبل يوم يوسمونها؟! هذا مثله.. حرق بالنار غاير في جسمي..ومستحيل ينشال وماحطيته أنا بكيفي عشاني مشتهيه!! كاسرة انهارت جالسة وهي مصدومة أكثر..ثم همست بهدوء متمكن رغم أن شيئا في داخلها يذوي ولا تعلم لماذا: كساب ممكن أشوفه من قريب.. كساب كان يريد أن يرفض تدقيقها فيه..في داخله لم يكن يريد أن يصدمها بغرابة ما ستراه!! ولكنه رأى أن رفضه سيكون غير منطقيا لأنها زوجته وسترى هذا الأثر كثيرا فرؤيتها له الآن لن تغير من الحقيقة شيئا.. هتف كساب بحزم: تعالي شوفيه..وقبل ماتشوفين شيء ثاني وتسألين عنه ترا عندي نفس الوسم بالضبط في فخذي اليمين من را.. والاثنين لا تسألين عن معناهم ولا عن سببهم.. ولا أي سؤال تسألينه.. كاسرة اقتربت بثقة رغم أن داخلها يرتعش.. ليس خوفا مما ستراه.. ولكن إحساس وجع متراكم زادته الريبة عمقا وألما!! نظرت بدقة لظهره .. كان بالفعل وسما غائرا عبارة عن رقم متسلسل من 7 خانات بحجم صغير جدا.. يبدو للرائي دون تدقيق كما لو كان وشما فعلا!! مررت اصبعها عليها بإرتعاش موجوع وذات الإحساس المؤلم أن هناك شيئا يذوي في ذاتها يتراكم ويتراكم.. بدا لها الأمر مريبا وموجعا إلى حد السماء..يُضاف إلى عشرات الأمور التي تثير ريبتها فيه.. ومع ذلك صمتت ولم تسأل عنها.. لأنها تعلم أنها لن تلقى الإجابة!! شعرت برغبة عميقة مثقلة بالألم أن تغمر الأثر بقبلاتها الموجوعة.. وفي ذات الوقت شعرت برغبة مشابهة أن تلكمه وتلكمه حتى تؤلمها يديها!! ولكنها لم تتصرف أيا من التصرفين.. بل وقفت بحزم دون أن تتكلم.. تناولت قميصه وأعطته له وهي تمنحه نظرة حازمة حادة مثقلة بالعتب.. والكثير من الحزن!!.. ثم غادرت المكان.. " أي جنون وأسرار يحتويها عقلك المجنون أي عاقل يسم نفسه بالنار؟؟ هذا إذا كان عاقلا!! أيها المجنون!! أيها المجنون!! ما الذي يجبرني على الحياة مع مجنون مثله حتى حق السؤال يريد انتزاعه مني؟؟ ولكن ما فائدة أسئلة لن تلقى إجابة؟! " توجهت كاسرة للسرير وتمددت وغطت جسدها كاملا.. بعد دقائق شعرت به يتمدد جوارها نصف تمدد.. وهمسه الساخر يصلها من قرب: بتنامين بثيابش كلها كذا؟؟ وقبل ماتعشين؟؟.. همست بحزم وهي توليه ظهرها: أنا أساسا ماأبي عشا.. تعبانة من برد الصبح وأنت عارف.. حينها وصلها هتافه الحازم: لا ماني بعارف.. قومي ننزل نتعشى.. السواق على وصول.. حينها استدارت له وهي تهمس بتصميم: كسّاب ما أبي.. ولو سمحت خلني بروحي.. شدها برفق ناحيته وهو يهمس لها بعمق خافت: أنتي زعلانة عشان الأثر صح؟؟ أجابته بصراحة مغرقة بالألم: ماتشوف إنه شيء يزعل.. دايما حاسه أنه في شيء غامض في حياتك وعندك أسرار غريبة.. من أول يوم شفتك فيه عقب ملكتنا.. وأنت مليان أسرار وغرابة وتسوي أشياء ماتدخل في المخ ولا أحد يقدر عليها.. الحين هذا اللي في ظهرك لو أشوفه في فيلم ماصدقته!! ومع كذا حتى محاولة التفسير وحتى السؤال حارمني منهم..وحتى لو سألت ما ألقى إجابة!! وذا الأشياء بصراحة تحسس الواحد بعدم الأمان معك.. همس بذات العمق وبنبرة مقصودة أكثر دفئا: تحسس الواحد بعدم الأمان؟؟ لكن هل أنتي هذا الواحد؟؟ صدق أنتي ماتحسين بأمان معي؟؟ حـيـنـهـا.. ويـا لا الـغـرابـة!! .. اقتربت لتدفن وجهها في منتصف صدره ويطوقها هو بذراعيه بقوة وحنان.. وكأنه يريد أن يخفيها بين أضلاعه.. عله يبعدها عن عالمه الغامض الذي بات يؤرقها.. بينما كانت هي تهمس بانثيال عميق: هذي المشكلة.. كل شيء فيك المفروض يحسسني بعدم الأمان.. قدراتك الغامضة اللي تخوف..تلفونك الغامض وغموضك أنت وأخيرا الوسم الغريب هذا.. وفوقها وقبل أي شيء.. إحساسي أنك ممكن تتخلى عني بسهولة متى ماطرا على بالك.. ومع كل هذا ..الغريب.. يوم تحضنني أحس بأمان الدنيا كلها.. كأني في حضن إبي اللي ماشبعت منه.. كأني في حضن جدي اللي ضعفت يديه وماعاد يقدر يلمني مثل الأول.. احتضنها بعمق أكبر على أمل أن يُسكن ارتعاشها الذي لم يسكن.. ثم أفلتها بخفة ليغمر جبينها الدافئ بقبلاته وهو يهمس لها بعمق: زين هذا أنتي على أقل سبب هان عليش تقولين طلقني.. يعني أنتي بعد ممكن تتخلين عني بسهولة!! مدت يدها لتمسح خده وهي تهمس بابتسامة موجوعة: يمكن لأننا نتشابه.. ويوم نعند.. نخسر كل شيء ولا نخسر اعتدادنا بنفسنا.. تناول كفها ليقبل باطنه وهو يهمس بحنان متدفق غريب بدا لها غريبا وحميميا وصادقا بشكل موجع: تدرين إن جسمش كله دافئ..خلني أروح أدور لش دكتورة.. دفنت وجهها في عنقه وهي تهمس بسكون عذب : ماله داعي الدكتورة.. حبتين بنادول وأكون زينة..خلك جنبي بس.. تمدد جوارها بشكل كامل وهو يعود لاحتضانها بحنان: هوننا من الطلعة.. وخلاص ماله داعي الدكتورة.. بس لو قعدتي لبكرة تعبانة بتروحين للدكتورة ورجلش فوق رقبتش همست حينها بحزم رقيق ووجهها مازال مختبئا في عنقه: بلاها رجلش فوق رقبتش.. لأنه ماحد يقدر يجبرني على شيء.. ثم أردفت بحزم موجوع: وعشان يكون عندك خبر.. تراني عادني زعلانة عليك وبأطول وأنا زعلانة بعد.. لأنه موضوع مايعدي بالساهل!! مسح على شعرها وهو يهتف بنبرة لا يعلم أ هي تلاعب أم يقين: لكل حادث حديث يا بنت الحلال.. أي علاقة غريبة هذه التي بدأت تربط أصرها بينهما..؟! يتجادلان بغضب وحدة.. ليعودا بعد لحظات إلى تآلف عميق يصل إلى عمق الروح!! أ عدوان؟؟ أم عاشقان؟؟ جفوة؟؟ أم قرب؟؟ تمازج إلى حد التماهي؟ أم انفصال إلى حد اللا تماس؟ والغريب أنهما يعلمان أن المشاعر التي باتت تربط بينهما هي من أغرب ما يكون!! ولكن كل منهما لا يعلم أن احساس كل منهما بهذا الشعور مختلف.. هدفه مختلف.. غايته مختلفة!!! ********************************* " ياسلام على روحة إبي وعمي للعمرة الحين كنهم دارين إني مشتاقة للنومة في حضنش" عفراء تحتضن كتفي مزون وتهمس بحنان: البيت بيت عمش.. ليه زايد مايرضى تنامين عندي ما أدري؟؟ مزون بابتسامة: خايف علي يذبحني عمي لا جيت عندكم كني عزول.. ألمها قلبها من هذا العم الذي سافر دون أن يُسمعه صوته حتى.. هذا العم المتجبر الذي جمع أطراف المتناقضات.. من يصدق أن من يذوب لها حنانا من الممكن أن يقسو عليها هكذا؟!! قاطع تفكيرها دخول علي عليهما وهو يهتف بمرح: يا الله قوموا أنا عازمكم على العشا في أحلى مطعم.. عاد أخذوا حريتكم الشيبان مهوب هنا بسلامتهم.. عفراء ابتسمت: بلاها ياقلبي.. ما استاذنت منصور.. وما أقدر أطلع بدون أذنه.. علي بدون تردد تناول هاتفه واتصل بعمه وهو يناولها الهاتف: يا الله استاذنيه مع أني عارف إنه ماعنده مانع دامش معي عفراء كانت تشير بيدها لا.. ولكنها وجدت أنها أصبحت متورطة في الاتصال وأمام ابناء أختها وعلي يضع الهاتف على أذنها.. أمسكت بالهاتف وهي تشعر أن حرارتها ترتفع شيئا فشيئا لتصل إلى ذورتها وهي تسمع صوت منصور الفخم: حيا الله أبو زايد نمبر 3.. توك مكلمني مالك نص ساعة.. وش اللي استجد؟؟ تنحنحت عفراء برقة: مساك الله بالخير يأبو زايد.. في ذلك الوقت كان منصور يوقف سيارته في محطة للبترول قبل الأحساء ليصليا العشاء وكان هو قد انتهى وينتظر زايد الذي ذهب للحمام ليجدد وضوءه.. "سبحان الله !! منذ لحظات أقول أدفع نصف عمري وأسمع همسة واحدة لها الآن" ومع ذلك رد بأسلوبه الحازم المعتاد ولكن بنبرة أكثر تحكما وبها بعد غاضب: مساش خير يأم زايد.. عفراء ابتلعت ريقها: أبي استاذنك أطلع مع علي.. حينها رد بنبرة تهكم غاضب: زين والله تعرفين تستأذنين وأنتي طالعة اليوم بدون حتى ماتعطيني خبر؟؟ عفراء همست بهدوء متمكن: الله يسلمك أنا بخير.. أشلونك وأشلون خويك اللي معك..؟؟ منصور حينها هتف بصرامة: روحي مع علي مرخوصة.. ومع السلامة.. عفراء بذات الهدوء: مشكور والله يسلمك.. حينما انتهت انفجر كلا من علي ومزون بالضحك.. مزون تهتف بمرح: أمانه عليك شفت وجهها كنها مجند يستأذن القائد.. علي يرد عليها بمرح مشابه: وإلا صوتها وهي تكلمه.. ضبطت النبرة مضبوط المفروض تعلق النجمة الحين.. عفراء اغتصبت ابتسامة بصعوبة.. قد يكونان لا يقصدان سوى المزاح ولكن مزاحهما جرحها بالفعل.. فهل منصور يعاملها بالفعل كأنها أحد مجنديه؟؟.. وبدا يفرض عليها التعامل معه بهذا الأسلوب؟؟ وهو يفرض عليها رغباته بكل تسلط ولا يسمح لها أن تبدي اعتراضا؟؟ عفراء اجابت بذات الابتسامة المصطنعة: ومن متى وأنا لساني يلعلع؟؟ طول عمري أتكلم باحترام.. أشلون لا كنت أكلم رجّالي.. علي بأريحية: زين لبسوا عبييكم.. أنا أتناكم في السيارة.. ثم أردف بمرح: خمس دقايق لو تأخرتوا علي رحت أتعشى بروحي ***************************************** يدخل إلى غرفته بخطواته الهادئة .. وجدها تصلي حينما دخل وحسن الصغير نائما على السرير.. علق ثوبيه الجديدين في الخزانة مكان الثياب التي ألقاها كلها اليوم صباحا.. بعد أن دفع للخياط مبلغا أكبر حتى ينجز له الثوبين في يوم واحد ومن ثم يخيط له غيرها.. استحم.. ثم صلى قيامه.. وهي انتهت قبل أن ينتهي.. قرأت وردها بجوار ابنها.. ثم نفثت على صغيرها وحصنته.. حينها كان عبدالله ينظر لها.. شعر بسكينة عميقة تجتاح روحه وهو ينظر لهما والسكينة ترفرف حولهما.. هتف لها بابتسامة: زين البارحة نمت على الكنبة.. اليوم بعد بتنوميني على الكنبة؟؟ جوزاء أجابته ببرود: بكيفك.. نام مكان ماتبي.. وإلا تبيني أرقد ولدي على الكنبة؟؟... عبدالله يرفع حاجبا وينزل آخرا: ترقدينه على الكنبة؟؟ والسرير اللي أنا حاطه له جنب سريرنا على طول.. وعلى العموم أول مايطلع صالح لبيته بأخذ وحدة من غرفهم وأحطها لحسن وأفتحها على قسمنا.. جوزاء تقف لتخلع جلالها وتهتف ببرود: ولدي بيكون معي بنفس الحجرة.. ومستحيل يفارقني.. عبدالله ببرود مشابه: كلامش مهوب منطقي.. الولد بيكبر ومايصير يظل قاعد معنا في نفس الغرفة جوزاء همست بنبرة مقصودة: لين يكبر ماظنتي إن عادنا متورطين مع بعض!! عبدالله هتف بذات نبرتها المقصودة: حن متورطين مع بعض لين الله يأخذ أمانته.. جوزاء بغيظ: تدري إنه عمري ماشفت مخلوق بغيض وماعنده كرامة مثلك.. عبدالله يقترب منها ويهمس بدفء لها من قرب مقصود: وأنا عمري ماشفت مخلوق حلو ويجنن ويدوخ مثلك.. أنهى عبارته ليتركها تقف متصلبة في مكانها غيظا.. ويميل على السرير ليحمل حسن الصغير ويضعه في فراشه وهو يقبله بحنو كبير دون أن تنتبه جوزاء لأنها كانت غارقة في غيظها وأنفاسها تعلو وتهبط.. لم تشعر بنفسها إلا وعبدالله يشدها من يدها ليجلسها جواره .. انتفضت حينها بعنف وهي تصرخ بهستيرية: ما أبي أنام جنبك.. ما أبي.. أكرهك وقرفانة منك.. لا تقرب مني..كفاية عليك قبل أمس.. اللي كل ما تذكرته أحس أني بأرجع كل اللي في بطني!! عبدالله وقف ليكتفها من الخلف وهو يضع يده اليمين على فمها ليسكت سيل صراخها.. ويطوق خصرها باليد الأخرى بقوة وهو يهمس في أذنها مباشرة بكل حزم: بس قصري صوتش.. تبين تسمعين البيت كله؟؟ أنتي بتنامين جنبي.. ومالش مكان غير جنبي.. ولا تحاولين تنامين في مكان ثاني.. لأني مستحيل أسمح لش.. ثم انحدر صوته لعمق حنون: أربع سنين وأنا بس أحلم بأنفاسش جنبي.. لا تكونين بخيلة.. نامي بس على ذراعي.. والله العظيم ما أجبرش على شيء.. ********************************** "خالتي أنتي ما نمتي كلش؟؟" كانت مزون تصحو على يد خالتها الحانية وهي توقظها لصلاة الفجر..وهي تهمس بهذه العبارة.. و يبدو عليها أنها لم تنم نهائيا.. عفراء همست برقة: من قال لش مانمت؟؟ مزون تعتدل جالسة: خالتي مبين عليش النوم ماطب عينش عدا إن مكانش جنبي عاده على حاله.. مبين إنش حتى ماتمددتي عليه.. وش شاغل بالش.. عفراء بحنان: أنا اليوم شربت قهوة كثيرة يمكن عشان كذا.. مزون بحنان مشابه: زين كان تمددتي شوي وريحتي جسمش.. مايصير تصلبين نفسش وانتي حامل.. تنهدت عفراء بعمق (ماذا أقول لكِ ياصغيرتي..؟؟ هل أقول لك عن الهم والتفكير اللذين جعلاني عاجزة عن مجرد وضع جنبي على فراشي الذي أشعر به كمسامير حامية بعيدا عن عمك المتسلط الذي سافر كهارب جبان مني ليترك كل شيء معلقا مقلقا ولكن أكثر ما يؤرقني الآن أنه لم يكلمني ليطمئنني عليه!! قلقة عليه ياصغيرتي.. قلقة.. هل قضى ليله كله في السواقة؟؟ أين وصل الآن؟؟ ينهشني القلق كذئب مسعور!!" عفراء حينها سألت مزون باهتمام: مزون كلمتي أبيش البارحة؟؟ لأني أكلم منصور تلفونه كان مسكر.. مزون بعفوية: كلمته فديته.. يقول لي أنهم وصلوا الرياض بيباتون هناك.. ويمشون الصبح بدري!! عفراء تنهدت بارتياح ثم همست بنبرتها الأمومية المغلفة بالارتياح بعد اطمئنانها على منصور: بأروح أقوم علي للصلاة.. مزون ابتسمت وهي تقف لتتجه للحمام: لا خالتي شكلش منتي بمركزة مرة وحدة علي قال لنا عقب مارجعنا من العشا البارحة.. إنه بيطلع قبل الفجر.. عشان يصلي في الطريق للمطار.. لأنه فيه وفد بيوصلون الساعة 6 الصبح وهو اللي بيستقبلهم.. نسيتي؟!! عفراء ابتسمت: ماعليه يامش.. حكم السن!! مزون تبتسم: إلا قصدش حكم غياب حضرة العقيد.. عفراء بذات الابتسامة العذبة: اللي تبينه.. ثم أردفت بتحسر أمومي: ياقلب أمه عشان كذا نحيف وأكله شين.. ذا الشغل اللي ماله وقت.. مايخليه يأكل مثل العالم.. مزون لمعت عيناها: خالتي خلنا نزوجه.. وش رأيش في روضة بنت راشد؟؟.. عفراء تبتسم: صدق متفرغة.. روحي توضي وصلي.. وعقب زوجي أخيش على كيفش!! ******************************** مد يده ليقفل جرس المنبه الموضوع على الطاولة الصغيرة يساره.. ثم التفت لسالبة قلبه التي تنام عن يمينه.. مال ليقبلها بعمق وهو يتنفس عبق رائحتها من قرب.. حينها فتحت عيناها وهي تتأمله وعلى شفتيها ابتسامة سلبت لبه تماما.. أما ما استغربه تماما هي أنها مدت سبابتها لتمسح على أعلى شفتيه ثم على خده.. ارتعش داخله بخفة وقلبه يذوي مع ابتسامتها ولمساتها ..همس لها بابتسامة: بسم الله عليش جوزا مسخنة وإلا شيء.. ابتسمت بخبث: تدري أنك اليوم تجنن.. وتطير العقل.. مال ليقبلها على جبينها وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه ويهمس بذات الابتسامة: خلني أتأكد من حرارتش.. شكلش عندش حرارة ضربت الفيوز كلها عساها ضاربة كل يوم يالله ياكريم.. عبدالله وقف واستغرابه منها يتزايد.. فهما حتى استغرقا في النوم وهي تسبه وتصفعه بكراهيتها بمختلف الأشكال فمالذي حدث لها الآن؟؟ وماهذا التغيير؟؟ أ يعقل أنها سلمت الراية بهذه السرعة؟؟ يستحيل.. يستحيل.. قلبه غير مطمئن أبدا لتغيرها غير الطبيعي ولا المنطقي!! دخل الحمام ليتوضأ لصلاة الفجر.. وحينما نظر لوجهه في المرأة عرف سبب تغيرها.. كان سيخرج ليقتلها فورا لشدة غضبه التي ملأ كل عروقه.. ولكنه أكمل وضوءه بناء على نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوضوء يطفئ الغضب).. بينما جوزاء كانت مستغربة أنه لم يخرج حتى الآن صارخا متوعدا.. أو حتى ليلقي عليها يمين الطلاق.. حينما خرج لم يكلمها مطلقا.. كان يعلم أن هذا هو ما تريده.. تريده أن يثور عليها.. حتى تطلق لغضبها الأسود العنان.. توجه ليستخرج حقيبته من تحت السرير.. حينما رأته يضع غياراته وثوبه اليتيم في الحقيبة بينما ارتدى ثوبه الأخرى.. شعرت أنها تتمزق وذكرياتها المرة قبل 4 سنوات تعود لتحل الذاكرة المطرزة بالوجع.. لماذا لم يكتفِ بالثورة والصراخ؟؟ لماذا يريد أن يجرحها بهذه الطريقة المتوحشة؟؟ لماذا يريد ان يعيد كل مرارتها لروحها؟؟ اقتربت لتمسك بعضده وهي تهمس بصوت مبحوح: وين بتروح؟؟ انتزع عضده من يدها وهو يهتف بحزم: بأسافر.. صرخت به بألم: نذل وطول عمرك نذل.. روح إن شاء الله ما ترجع.. حينها اعتصر وجهها بقسوة وهو يصر على أسنانه بحزم قاسٍ: تدرين أنا ماتخيلتش مريضة لذا الدرجة.. تحلقين نص شنبي ولحيتي.. هذي سوات حد عاقل.. دفعت بيده بعيدا عن وجهها وهي تهتف بعضب مكتوم: وأنا ما كذبت عليك.. قلت لك إني مريضة ببركاتك.. وبركات فعايلك.. ثم همست بتهكم مرير: بعدين مهوب أنت اللي قلت سوي فيني اللي تبينه بس لا تلمسين أغراضي ولا أوراق شغلي.. أنا سويت مثل ما قلت لي.. خلاص يا ابن الحلال.. فكني وافتك من شري وخبالي.. بدل منت تمسخر علي في الطالعة والنازلة!! عاد ليغلق حقيبته وهو يهتف لها بحزم: ما تطلعين من البيت مكان لين أرجع.. سامعتني.. جوزاء بغيظ: زين وين بتروح؟؟ ارتدى غترته ولفها حول وجهه لتخفي وجهه الذي بدا كخريطة وأجزاء مختلفة من عارضه وشنبه اليمين محلوقين بغير استواء وحمل حقيبته وهو يهتف بحزم بالغ: مهوب شغلش.. غادر غرفته.. لتنهار هي باكية على السرير.. ومخططها كاملا ينهار.. كان غرضها أن تجعله سخرية للجميع حين يضطر لحلق شنبه وعارضيه كاملين ولكن أن يتركها ويسافر بهذه الطريقة وبعد 3 أيام من زواجهما ليجعلها هي عرضة للسخرية والأقاويل فهذا مالم تحتمله مطلقا.. ومرارة الذكريات تدهس مشاعرها بلا رحمة.. بلا رحمة!! . . في الأسفل قابل والده الذي كان يغلق باب غرفته ووجهه مازال يتقاطر مائه من أثر الوضوء.. مسح وجهه بطرف غترته وهو يرى عبدالله نازلا بحقيبته.. هتف له بحزم أخفى خلفه قلقا شاسعا ومرارة ذكرى جارحة: عبدالله وين بتروح؟؟ عبدالله يتأكد من لف غترته على وجهه ويهتف باحترام: عندي شغل في الدمام.. ولازم أكون هناك الساعة 10 الصبح.. أسبوع جعلني فداك وأرجع.. أبو صالح بنبرة غضب: وليه ماقلت لي البارحة؟؟ عبدالله بنبرة احترام أكثر ودا: نسيت.. توها جوزا ذكرتني.. وإلا كان نسيت الموعد.. أبو صالح بنبرة حازمة: زين وش فيك متلطم؟؟ عبدالله كح ثم حاول أن يهمس بنبرة طبيعية: متسبح وما أبي مكيف السيارة يلفحني.. أنا رايح بأصلي على الطريق.. وبأكلمك إن شاء الله أول ما أوصل قالها وهو يتناول حقيبته ويخرج بينما أبو صالح يهتف بذات نبرته الحازمة: تمهل وأنت تسوق.. وحط بالك على الطريق ************************************** اليوم التالي " تقبل الله طاعتكم" زايد يلتفت لمنصور الذي مازال الحلاق يحلق الجزء الأخير من شعره ويهتف بحميمية فخمة: وتقبل الله طاعتكم بعد كم ثانية.. منصور انتهى بالفعل من حلاقة شعره ووقف وهو يهتف لزايد بابتسامة: وهذا حن خلصنا وتقبل الله طاعتنا جميع.. يالله يأبو كساب نروح الفندق نسبح ونتغدى.. الاثنان غادرا متجهان للفندق القريب جدا بينما كان زايد يستخرج هاتفه من حزامه المعقود حول إزار الإحرام ويتصل بمزون.. حينها وجد منصور أنه من الذوق أن يتصل بعفراء حتى لا يستغرب زايد عدم اتصاله بها.. أو ربما أقنع نفسه أن اتصاله بها هو من الذوق.. بينما هو من الشوق ولا شيء سواه!! حين أخرج هو أيضا هاتفه من حزامه تفاجأ بوجود اتصال ورسالة منها.. لم يسمع رناتها لأنه وضع هاتفه على الصامت.. حتى لا يشغله شيء عن عبادته وخطوات عمرته.. فتح رسالتها : " منصور عيب عليك على الأقل عشان شكلنا قدام زايد وعياله وأنت حتى تلفون مادقيت عليّ . هانيك مازرت" منصور تنهد بعمق.. هو أكثر اشتياقا لها مما تتصور.. وأكثر لهفة على سماع صوتها.. لكن منصور يريد أن ينتهي من هذه المشكلة تماما.. يحبها ويريدها له فقط.. أين المشكلة في هذا؟؟ ماهي الجريمة التي ارتكبها؟؟ لذا وحتى ينتهي من هذا القضية بشكل نهائي.. فإن عفراء لابد أن تشعر بخطأها حتى لو كان في طريقه لإشعارها بالخطأ سيعتصر قلبه ويخنق مشاعره حتى حين.. أ ليس هذا ما يفعلونه في العسكرية؟؟ ينحون كل مشاعرهم حتى يصلوا للهدف؟!! فلماذا يبدو الأمر بهذه الصعوبة الآن؟؟ لماذا يراه عسيرا إلى درجة المستحيل؟!! ولكن مهما كان صعبا .. فلابد من التنفيذ.. فهو لم يعتد التقاعس ولا التهاون!! تناول هاتفه ليتصل ليصب صوتها الدافئ الرقيق المثقل باللهفة في حنايا روحه: هلا والله أني صادقة !! وينك هذا ذا كله ماكلمتني!! صبيت قلبي!! يشعر أن رأسه يؤلمه.. وقلبه يؤلمه.. وروحه تؤلمه وهو يجد نفسه مضطرا أن يرد عليها برسمية: توني خلصت العمرة.. وتلفوني على الصامت تسأله بلهفة: ومتى بتجي إن شاء الله؟؟ أجابها بذات النبرة الرسمية: بكرة في الليل بنمشي من هنا .. وبعد بكرة الليل إن شاء الله عندكم ويالله مع السلامة.. وصلنا الفندق.. وانتهى الاتصال.. لتلقي عفراء هاتفها جوارها بأسى.. لم يسألها حتى عن صحتها.. رغم أنه غادر وهو يعلم أنها تعاني من اشتداد الوحم عليها.. وبالكاد يبقى أي طعام في معدتها.. رغم تسلطه في الأوامر ولكنها لم تعتد منه حين يحاورها إلا الحنان المصفى الخالص.. يا الله كم اشتاقت له!! كم اشتاقت له!! فمتى ينتهي كل ما يبعد بينهما بلا معنى؟!! متى ينتهي؟! لم تعلم أن الطرف الآخر الذي أنهى الاتصال كان أكثر أسىً منها مؤلم هذا التظاهر بعدم الاهتمام بمن تذوب اهتماما به!! وخصوصا أنه لم يعتد على التظاهر أبدا.. فكيف يتظاهر أمامها هي؟؟ ولكنه بالفعل يريد أن ينتهي من هذه المشكلة نهائيا حتى لا تعود مطلقا للظهور وإفساد حياتهم!! فعفراء لابد أن تترك عملها.. ولابد أن تعلم أنه موضوع غير قابل للنقاش أبدا!! **************************************** تجلسن حول قهوة العصر.. جوزاء كانت تتولى مهمة سكب القهوة.. في الوقت الذي كانت عالية تلتهم صحنا من الكعك.. أم صالح هتفت بغضب: أنتي يا بنت ما تستحين.. يومش قاعدة كنش بقرة ومخلية أم حسن تصب القهوة.. قومي لا بارك الله في عدوينش قهوينا !! عالية وهي مستمرة في حشو فمها بالكعك: ياكبرها عن الله.. أم حسن مرة وحدة.. تراها كلها إلا الجويزي.. والفرق بيني وبينها سنة يتيمة.. لولا إن أخيها الأحول كان مضيع الدرب.. والمفروض خطبني من سنين وإلا كان ذا الحين عندي عيال كبر حسون.. وبعدين خليها تصب لش القهوة.. هي اللي مرت ولدش مهوب أنا.. أنا خلي الطاقة اللي عندي أصب لعمتي حبيتي أم الدحمي!! جوزاء تحاول أن تكتم ضحكتها لانها تعلم أن غضب أم صالح سيحل في التو واللحظة.. وبالفعل رشت أم صالح مابقي في فنجانها من القهوة على عالية وهي تهتف بغضب شديد: ألا ياقليلة الحيا يا مضيعة السنع.. الظاهر أني ماعرفت أربيش.. قومش الدلع والزلاب ما عرفتي مس العصا لين تعلم في جنوبش.. لو أنش قد اضربتي لين تعرفين إن الله حق.. ماكان ذي بعلومش يا مسودة الوجه.. أنتي وش أنتي يا مضيعة المذهب؟؟ البنت قاعدة وأنتي تحكين على أخيها كن قدش في بيته.. وش بتسوين لا قدش عنده.. وذا حكاش من ذا الحين... اللي بيقول إن آل ليث ماعرفوا يربون بنتهم!! عالية تقفز وهي تنفض ملابسها من بقايا القهوة وتقبل رأس والدتها وهي تهمس بمرح: أفا صفوي.. أفا.. قد ذا أخرتها.. أنا علوي حبيبتش.. ترشيني بالقهوة الحارة.. زين إنها ماجات إلا على ثيابي.. لو إن وجهي احترق.. كان طحت في كبدش أكثر ما أنا طايحة.. وبعدين يمه تجين تشرهين علي ذا الحين.. لو أن في رأسي عقل.. كان قد طلع.. ماكان انتظر 24 سنة لين يطلع!! أم صالح تقف وهي تتعكز على عصاها وتهتف لعالية بغضب لطيف: اندبلت كبدي من مقابل وجهش اللي مغسول بمرقة.. بأروح أتقهوى عند قصيرتي أخير لي .. (قصيرتي=جارتي) عالية قفزت مع والدتها.. لتحضر لها عباءتها وهي توصي الخادمة أن تسندها جيدا حتى توصلها وتبقى معها حتى تعيدها.. ثم عادت لتجلس مرة أخرى.. جوزاء همست بابتسامة أقرب للجدية وهي تطعم حسن بعض الكعك: عالية لا تثقلينها على أمي صافية.. شكلها زعلت صدق.. عالية تبتسم: يا بنت الحلال أمي أصلا لو ماملغت عليها تحسب أني مريضة.. خلها تطمن أني في كامل اللياقة الصحية.. حينها همست جوزاء بجدية تامة واهتمام كبير: بس أمش ماعادت مثل أول.. أقل شيء يأثر عليها.. عالية تنهدت: يا بنت الحلال.. إذا على ملاغتي وقلة حياي على قولتها فهي متعودة عليها.. حينها هتفت جوزاء بشبح ابتسامة: وأنتي ناوية تقعدين كذا عقب الزواج بعد.. منتي بناوية تركدين يعني!! حينها اتسعت ابتسامة عالية: يا بنت الحلال كان جبتيها على بلاطة وقلتي اللفة ذي عشان أخيش تحاتينه.. أنتي شوفي.. أكيد أخيش مسوي ذنب كبير في حياته.. عشان كذا ربي بلاه فيني.. ومن أعمالك سُلط عليكم.. جوزاء بابتسامة عذبة: والله الواحد يستغرب وحدة بمخش وذكائش وتخصصش الصعب.. وماخذة الدنيا نكتة كذا!! عالية تهز كتفيها: يأختي شيل ده من ده يرتاح ده عن ده.. يعني ضغط من كل ناحية.. دا يبئى موت وخراب ديار .. طبعا كلها أمثال هريدي خال سميرة.. الله لا يحرمنا فلسفته الأزلية في الحياة!! ثم أردفت بخبث: خليش مني أنا اللي على الرف.. أشلون تخلين عبود يروح ويخليش وأنتي حتى أسبوع ماكملتوا لو الدحمي يسويها.. تدرين وش أسوي فيه؟؟ أعلقه من أذانيه في المروحة.. وأشغلها على أعلى سرعة.. يا اختي ما لحقتوا تشوفون بعض حتى!! عرسان توكم حينها همست جوزاء باصطناع: عنده شغل.. وشغله ألزم عليه من أي شيء وبعدين وش عرسانه الله يهديش.. عدينا متزوجين من أكثر من أربع سنين وداخلين على الخامسة.. عالية هزت كتفيها: بس غريبة يرسلونه في شغل وهو ماله أسبوع مستلم وظيفته!! هزت جوزاء كتفيها بحركة مشابهة وهي تشعر أن درجة حرارتها ترتفع خوفا من اكتشاف عالية لشيء: أكيد فيه شيء ضروري احتاجوه فيه.. عالية بحماس: زين دام أخي اللي ماعنده ذوق راح في شغل اشرايش أطلع أنا وأنتي وحسون نتمشى شوية في حياة بلازا وعقب نلاعب حسون في جنغل زون.. جوزاء هزت رأسها رفضا: لا فديتش.. ماعليه.. ما أقدر.. عالية بالحاح: ليه ماتقدرين؟؟ جوزاء لا تريد أن تخبرها أن هذه أوامر عبدالله الذي طلب منها عدم الخروج من البيت.. فرغم كراهيتها العميقة له.. ولكنه يبقى زوجها.. وعصيان أمره بهذا الشكل المباشر ذنب لا تجرؤ على ارتكابه خوفا من ربها لا منه.. أجابت بابتسامة مُدعاة: ما أبي أروح معش يأختي.. ما أبي إلا خوة أبو حسن..وش ذا اللزقة؟!! عالية لوت شفتيها بقرف تمثيلي: عشتو.. عبود والجويزي.. شين السرج على البقرة!! إلا تعالي بعلش المبجل وين شغله اللي هو راح له؟؟ هنا شعرت جوزاء كما لو كانت حُشرت في أضيق زاوية.. لا تعلم بماذا تجيبها.. تعلم أنه أخبر والده أنه ذاهب في عمل.. لكن والده لم يحدد لهم المكان.. بينما من المفترض أنها أول من يعلم.. لذا حاولت التخلص بذكاء وهي تقفز وتهتف بتذكر مصطنع: الله يذكرش الشهادة.. ذكرتيني أكلمه.. لأنه قال لي أتصل له أقومه لصلاة العصر وأنا نسيت.. الحين أكيد بيعصب إن الصلاة في المسجد فاتته!! غادرت وهي تهتف في داخلها بغضب: النذل يبي يصغرني قدام هله!! يبي يبيني طوفة عنده ما يعلمني بشيء!! زين ياعبدالله.. اطفش مثل ماتبي.. مصيرك راجع وين بتروح!! ************************************* اليوم التالي " الحلو عاده زعلان علي؟؟" قال كسّاب عبارته هذه وهو يشير بسبابته لخده.. والغريب أنها قبلته بكل رقة حيث أشار تماما بينما كانت تهمس بحزم: بصراحة عادني زعلانة.. ابتسم كسّاب بتلاعب: لك حق تزعل.. ثم لك حق نرضيك.. حينها ابتسمت بتلاعب أكبر: هذا الشطر الأول.. والبيت له شطر ثاني.. حينها ربت كسّاب على خدها وهو يهتف بنبرة مقصودة: لا ياشاطرة.. الشطر الثاني بدري عليش.. أزالت كفه عن خدها وهي تهمس بذات نبرته المقصودة: متأكد إنه بدري؟؟.. ارتدى حينها جاكيته وهو يهتف بحزم: يالله خلينا ننزل نشتري باقي اللي تبينه.. بكرة رحلتنا في الليل ونبي نروح بكرة الصبح نزور بنت خالتي قبل نسافر.. كانت كاسرة ترتدي عباءتها حين رن هاتفه والتقطه لتعرف أنه يكلمه مدير مكتبه الذي يهاتفه كل يوم.. ولكنه هذه المرة كان صوته أكثر علوا وتحكما وغضبا وقسوة: زين .. دواكم عندي.. أنا راجع الدوحة بكرة طيارتي في الليل متأخر وبعد بكرة الصبح بدري بأكون عندكم في الشركة.. والله لو مالقيتوا حل للي سويتوه.. أني لأفنشكم كلكم.. أنا قايل لك ألف مرة وموصيك أنت بالذات.. إنه مشروع الوالد تحط عينك عليه لين أرجع.. قايل لك مشروع الوالد لازم يكون فوق المتوقع.. مهوب تقول لي خطأ بسيط في المخططات ويتصلح.. إذا احنا تونا في المخططات وغلطتوا فيها وش بتسوون لا بدينا الأساسات.. ............................................ بنبرة أكثر غضبا: أقول لك؟؟.. خلاص.. لا تصرف في شيء لين أرجع..وقفوا كل شيء.. أنا بأحل السالفة بنفسي خلاص ماعندي ثقة فيكم.. جايكم وبأسود عيشتكم على اللي سويتوه.. كسّاب أنهى الاتصال وألقى الهاتف على السرير بغضب.. بينما كانت كاسرة تهتف بكل هدوء وهي تغلق حقيبة يدها: ترا هذا مهوب أسلوب تكلم فيه موظفينك.. كساب بغضب متفجر: كاسرة شغلي مالش دخل فيه.. وما أسمح لش تعطيني نصايح فيه وشيء ثاني إذا شفتيني معصب الأحسن ما تناقشيني.. لأني ما أضمن اللي بأقوله.. كاسرة ببرود متحكم مغاير لغضبه: عصبيتك على نفسك.. واللي بتقوله ما يهمني ولا راح يأثر فيني.. إذا شفت شيء غلط بأقول إنه غلط وأنت بكيفك لا تقبل النصيحة.. لكن هذا حقك علي.. وأنا لازم أسويه.. كساب ينتفض غضبا: كاسرة أنا واصل حدي من العصبية.. اتقي شري واسكتي من غير فلسفة فاضية.. كاسرة قررت أن تصمت ليس لأنها خائفة من تهديده.. مطلقا.. ولكن لأنها لم تكن تريد استفزازه وهي ترى كيف تغير لون وجهه من الغضب دلالة على غضب عارم.. يبدو أنه غاضب فعلا من موظفينه ولم ترد أن تزدها عليه وهي تحتكم لمنطقيتها.. بينما قرر هو أن يخرج ليركض قليلا لكي يخفف من ضغط غضبه المتزايد فآخر مايريده حدوث أي خطأ في مشروع والده بعد ان وعده أنه سينفذ له المشروع على أعلى مستوى.. في داخله ورغم كل اختلافه مع والده لكنه لا يريد أن يخسر ثقته التي منحها له.. خرج دون يتوجه بكلمة واحدة لكاسرة التي كانت تقف بعباءتها.. حينما خرج نزعت كاسرة عباءتها ببساطة وعلقتها لتعود وتجلس ببساطة أكبر.. فهذا الزوج المتقلب العاصف لا يُعرف أبدا ماهي خطوته التالية.. فلترح ذهنها من التفكير إذن!! ***************************************** "جوزاء منتي بنازلة خالاتي تحت يسألون عنش" جوزاء تمسح وجهها وتهمس بسكون: بلاها عالية.. أنتي عارفة اللي بيصير.. هم بيقطون حكي.. وانا بأرد بحكي أكبر منه وأنتي عارفة إن أمي صافية ماعاد تستحمل.. بلا مانقرفها بقرفنا.. عالية تغلق الباب وهي تهمس بطبيعية: براحتش بينما جوزاء كانت تلكم السرير بقوة.. (النذل.. النذل.. النذل !!) يومان مرا منذ سافر... تعلم أنه أتصل بوالدته ووالده وكل أشقائه.. ولكن هي لا.. آخر ما تريد أن تسمعه.. هو صوته البغيض.. لكنها لا تريد أن تبدو كالمنبوذة حين تُسأل (هل اتصل بك زوجك اللئيم؟؟) فلا تجد جوابا ترد به.. وخصوصا في وجود خالاته البغيضات.. كانت تريد أن تجعله مسخرة للجميع.. فإذا به من يجعلها المسخرة.. " أكرهك.. أكرهك حقير.. طول عمرك حقير.. وبتموت حقير" وهي غارقة في أفكارها رنة رسالة تصل هاتفها.. كانت تهمس بغيظ وكراهية( تذكرني الأخ أخيرا) وهي تفتح الرسالة: " اشتقت لش مهوب مشتاق بس إلا ميت من شوقي وحشتيني يا روح الروح.. أشلون قلبي اللي خليته بين إيديش؟؟" كتبت له: "قلبك هرب معك يالجبان عساك مبسوط بس بهريبتك؟؟" يصلها رده: " أنا لو قعدت.. لو حد سألني ليش حالق لحيتك وشنبك بأقول لهم اللي صار وش رأيش؟؟ . أدري اشتقتي لي!! ماني مطول.. خلي لحيتي وشنبي يطلعون لو خفيف وبأرجع وعقب نتحاسب على ذا الموضوع لأنه مابعد تحاسبنا" اعتصرت الهاتف بغضب في يدها وهي تكاد تحطم الأزرار وهي تضغط عليها بكل قوة: " أشتاق أشوف ملك الموت ولا أشتاق لك وحسابك مايهمني أعلى مافي خيلك اركبه" توقعت أنه سيرسل لها رسالة تهديد أو تحقير لذا كانت صدمتها البالغة مما أرسله: " إيه وش عليش؟؟ أكيد ما تهتمين لأنش تدرين إن الغلا خلاش شيخة على قلبي تحكمين وتأمرين وتطاعين" ألقت الهاتف بغيظ جوارها وهي تقرر ألا ترد عليه تستطيع تقبل أي شيء إلا الكذب تكره الكذب أكثر من كل شيء في العالم.. وتكرهه هو أكثر إن كان صادقا فيما يقول!! ********************************* " عمي راجع الليلة خلاص على كثر ماني مشتاقة لأبي على كثر ما تمنيت أنهم يطولون وهم سالمين عشان نكسبش عندنا شوي" تهمس عفراء في داخلها: "خلاص يأمش ماعاد فيني اشتقت لعمش المتسلط اليومين اللي فاتوا ما سمعت صوته إلا بالقطارة يكلمني: أشلونش تبين شيء وبس؟؟ ولو كلمته يرد علي برسمية ما أدري عاده زعلان.. وإلا أكذب على نفسي وأقول يكلمني كذا عشان زايد معه؟؟" أجابت عفراء بمودة:خلاص هذا كساب ومرته جايين.. ماعاد تبين حد!! ابتسمت مزون: يا الله ما تتخيلين وش كثر مشتاقة أشوفه وهو رجّال متزوج ومشتاقة أكثر لصراخ بيبي عندنا في البيت.. الله يرزقهم عاجلا غير آجل.. عفراء بمودة: آمين.. ثم أردفت بتساؤل: إلا تعالي كلية الطيران ليش مكلمينش اليوم؟؟ كنتي بتقولين لي.. والخدامة قطعت السالفة.. مزون بعفوية: هذي سكرتيرة رئيس الكلية تقول إنه رئيس الكلية موجه لي دعوة شخصية.. عشان أحضر لقاء مفتوح مع البنات الجدد اللي يبون يدخلون الكلية يقول يبيني ألقي كلمة... عفراء بتحذير أمومي: بلاها ذا السالفة كلها.. دامش خليتي الطيران.. مزون بحذر: أنا قلت لها ما أقدر.. بس هي قالت لي إنه بيكلمني على جوالي بنفسه.. ما أدري خالتي.. رئيس الكلية أعزه واجد كان يعاملني مثل بنته.. حتى هو حذرني من الشغلة قبل أربع سنين.. بس أنا ماطعته.. وبعدين السالفة كلها لقاء مع بنات والصبح الساعة 9.. وكلمتين ونمشي.. عشان خاطره!! عفراء حينها سألت بنبرة مقصودة: واللقاء وين بيكون؟؟ مزون هزت كتفيها: قالت لي في أوتيل بس مابعد حددوه غالبا الشيراتون أو الريتز.. وعلى العموم أنا بأطلب من علي يروح معي.. حينها هتفت عفراء بحزم: قلت لش الشغلة ذي مالها داعي.. الحين ظنش إنهم بيسوون حفل في الشيراتون عشان البنات بس؟؟..وش عشانه يتخسرون عشانهم؟؟ أكيد اللقاء بيكون مشترك طلبة وطالبات.. هذا لو ماكانوا مسوين حفل كبير وعازمين ناس واجد.. انسي السالفة ذي واعتذري لهم.. ماصدقنا خلصنا من ذا السالفة!! ************************************ " يالله قومي نلحق نجيب الأغرض اللي تبينها" صحت من غفوتها على يده تهز كتفها.. اعتدلت جالسة وهي تمسح وجهها وتهمس بنبرة محايدة: كساب مافيه شيء ضروري أنا كنت أبي شوي هدايا وممكن ناخذها من السوق الحرة بكرة كسّاب يهتف بحزم: وأيش اللي يخلينا نغير مخططاتنا..؟؟ يعني عشان كنت معصب شوي.. خلاص لفتين ركض حوالين الفندق وفرغنا ثورة الغضب.. تعودت أفضي زعلي مهما كان كبير أني أحرق جسمي بالحركة.. كاسرة تقف وتهمس بنبرة مقصودة: زعلك مهما كان كبير؟؟!! عطني مثال بعد!! لا تستطيع أن تمنع نفسها من السؤال حول أي شيء قد يفتح لها بعض أبوابه المغلقة!! تعبت من هذا الغموض الذي يحيط به دون بارقة أمل في تبديده!! بينما كساب كان يخلع قميصه ليغيره وهو يهتف لها بحزم بالغ أقرب للغضب: تدرين كاسرة ترا مهوب وقت التذاكي حقش.. تبين تجيبين لش أغراض؟؟ أو أنا بأطلع؟؟ كاسرة بحزم مشابه: كسّاب لا تخيرني بذا الطريقة.. كنك تتفضل علي يوم تطلعني.. أنت تبي تطلع معي.. طلعنا.. ؟؟ تبي تطلع بروحك.. براحتك..؟؟ كساب يتجه للباب وهو يهتف بتصميم غاضب: دام رجعنا لفلسفتش الفاضية.. أطلع بروحي أحسن.. ************************************ ربما تكون هذه المرة الرابعة التي تُعيد فيها ترتيب غرفتها.. والمرة العاشرة التي تعيد فيها تعديل الزينة على وجهها.. ووتتأكد اكتمال فتنتها وانسياب فستانها.. تريد أن يكون كل مايراه أمامه على أحسن هيئة.. وتريد أن تجد لها شيئا تلتهي فيه قليلا.. فهي عادت لبيتها من بعد صلاة العصر ..رغم أنها تعلم أنه لن يعود قبل العاشرة ليلا.. بدا لها هذا اليوم غاية في الطول ولا يريد أن ينقضي أبدا.. رتبت ثم أعدت العشاء ثم تأنقت.. وبخرت البيت كله لعشرين مرة.. ومازال لم يصل حتى الآن!! رغم أنها أرهقت نفسها بالتفكير اليومين الماضيين.. ولكنها حتى الآن لم تصل لقرار.. وكأن كل شيء معلق حتى يعود منصور.. فكل التفكير متعلق به!! وكل الحياة متعلقة به!! وكل شيء يبدو باهتا ولا قيمة له أمامه ومقارنة به!! كلما حاولت أن تقسي تفكيرها قليلا حفاظا على حياتها العملية وقراراتها الشخصية.. يعود ليتحكم بها قلبها الرقيق ليذكرها أن هذا الرجل أعطاها من المشاعر التي لم تكن لأحد قبلها.. أعطاها المشاعر التي لم تعرفها هي إلا معه هو فقط!! ذكرها أنها أنثى.. وأشعرها بأنوثتها وهو يحتويها بحنانه ورجولته!! قد لا يكون هو الاحتواء الذي أرادته.. بالطريقة التي أرادتها.. ولكن الحياة لا تعطينا كل شيء.. والآن يكفيها من الحياة منصور.. فالحياة كلها لا قيمة لها بدونه!! كانت هذه أفكارها التي أخرجها منها سماعها لصوت سيارته يدخل الباحة.. قفزت بلهفة لتنظر عبر النافذة.. وعيناها تراقبانه بلهفة عميقة.. وهو يوقف سيارته.. ثم ينزل منها متجها للبيت بخطواته الواسعة الواثقة.. " يا الله.. اشتقت لك.. اشتقت لك فوق ما تتخيل!!" #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والأربعون ربما تكون هذه المرة الرابعة التي تُعيد فيها ترتيب غرفتها.. والمرة العاشرة التي تعيد فيها تعديل الزينة على وجهها.. ووتتأكد اكتمال فتنتها وانسياب فستانها.. تريد أن يكون كل مايراه أمامه على أحسن هيئة.. وتريد أن تجد لها شيئا تلتهي فيه قليلا.. فهي عادت لبيتها من بعد صلاة العصر ..رغم أنها تعلم أنه لن يعود قبل العاشرة ليلا.. بدا لها هذا اليوم غاية في الطول ولا يريد أن ينقضي أبدا.. رتبت ثم أعدت العشاء ثم تأنقت.. وبخرت البيت كله لعشرين مرة.. ومازال لم يصل حتى الآن!! رغم أنها أرهقت نفسها بالتفكير اليومين الماضيين.. ولكنها حتى الآن لم تصل لقرار.. وكأن كل شيء معلق حتى يعود منصور.. فكل التفكير متعلق به!! وكل الحياة متعلقة به!! وكل شيء يبدو باهتا ولا قيمة له أمامه ومقارنة به!! كلما حاولت أن تقسي تفكيرها قليلا حفاظا على حياتها العملية وقراراتها الشخصية.. يعود ليتحكم بها قلبها الرقيق ليذكرها أن هذا الرجل أعطاها من المشاعر التي لم تكن لأحد قبلها.. أعطاها المشاعر التي لم تعرفها هي إلا معه هو فقط!! ذكرها أنها أنثى.. وأشعرها بأنوثتها وهو يحتويها بحنانه ورجولته!! قد لا يكون هو الاحتواء الذي أرادته.. بالطريقة التي أرادتها.. ولكن الحياة لا تعطينا كل شيء.. والآن يكفيها من الحياة منصور.. فالحياة كلها لا قيمة لها بدونه!! كانت هذه أفكارها التي أخرجها منها سماعها لصوت سيارته يدخل الباحة.. قفزت بلهفة لتنظر عبر النافذة.. وعيناها تراقبانه بلهفة عميقة.. وهو يوقف سيارته.. ثم ينزل منها متجها للبيت بخطواته الواسعة الواثقة.. " يا الله.. اشتقت لك.. اشتقت لك فوق ما تتخيل!!" شعرت أن الثوان التي.. تمر كأنها ساعات متطاولة حتى رأته يدخل بهدوء خطواته الواثقة الصارمة.. وقــفــت.. كانت تنظر له بتعمق كأنها تريد أن تروي ناظريها منها.. تأثرها يتعاظم وهي تتذكر أنه تزوج لثلاث مرات.. ومع ذلك لم تكن مشاعره لأحد سواها!! هذا الرجل العظيم المعتد بذاته إلى أبعد الحدود.. لم يسكب مشاعره إلا بين يديها!! ألقى السلام بنبرة جافة.. فردت عليه بنبرة مثقلة دفئا: وعليكم السلام وهانيك مازرت.. رد عليها بذات النبرة الخشنة الجافة التي يخاطب فيها مجنديه حينما يريد إشعارهم بالذنب: هانيش خير وعافية.. اقتربت لتتناول منه غترته.. ولكنه تناولها بنفسه وهو يلقيها على المقعد ثم يجلس في مكان بعيد عنها!! بينما كل ماكان يريده أن يدفنها بين ضلوعه التي أضناها الشوق.. أن يُشبع رئتيه الملهفوتين من دفء رائحتها/ أكسجينه للحياة.. اعتصم بصمته الفخم.. بينما كان يحترق من رغبته أن يسألها.. كيف هي؟؟ وهل اشتاقت له كما اشتاق لها؟؟ هل عجزت عن النوم كما عجز هو عن النوم الأيام الماضية؟؟ وهل مازال زايد الصغير يتعبها كما يفعل والده؟؟ همست له برقة مصفاة وهي تقترب لتجلس جواره: أجيب لك عشا؟؟.. فأجابها بخشونة: تعشيت مع زايد في الطريق.. تنهدت.. مازال حتى الآن لا يعرف أنه باللين سيحصل على كل مايريد همست بمصارحة عذبة: عادك زعلان؟؟ أجابها بحزم: أنا ماسك روحي بالغصب... فمافيه داعي تفتحين الموضوع عشان ما أضايقش.. أجابته بحزم رقيق: لو مافتحناه اليوم فتحناه بكرة.. حينها تفجر غضبه المكتوم: كل اللي سويتيه غلط في غلط.. أول شيء تعانديني في سالفة الشغل.. ثم تسكرين على روحش في غرفة كنش خايفة مني.. ثم عقبه تطلعين من البيت وأنا راقد بدون ماتعطيني خبر.. الغريب أنه وهو يتدفق بحمم غضبه كانت هي تبتسم بشفافية بالغة الحميمية.. رغما عنها.. ليس في ذهنها سوى أنها تريد أن تخبره كم تحبه!! حتى وهو يبدو كطفل غاضب منهمر بصراخه !! استمر في غضبه الحازم المشتعل: ليش تبتسمين ؟؟ لذا الدرجة كلامي يضحك؟؟ تفجر استغرابه وهي تمد أناملها لتمسح على عارضه وهي تهمس بذات الابتسامة الشفافة وهي تنـزف مشاعرها الصافية بين يديه لا يمكن أن تصبر أكثر عن همس كلماتها بين يديه.. فهي بحاجة بالفعل لإخباره بمدى حبها له.. تعبت من هذا الغضب العقيم وتريد انهائه: تدري إني أحبك.. حتى وأنت زعلان أحبك.. حتى وأنت معصب أحبك.. حتى وأنت عاقد حاججك أحبك.. الغريب.. المؤلم.. الجارح لأبعد حد أن الذي حدث أن منصورا عقد ناظريه بعتب غاضب: قربنا نكمل شهرين متزوجين.. عمرش ماقلتي لي ذا الكلمة كنت منتظرها من شفايش فوق ما تتخيلين.. لكن إنش ترخصينها عشان تسوين اللي في رأسش.. هذا اللي ماهقيته منش ياعفرا.. ظنش يوم بتقولينها لي.. بأسلم لش.. واقول أنا عصاش اللي ماعصاش.. لا يابنت محمد.. لا.. أنا منصور آل كساب.. ماني من اللي يفرون رأسهم بكلمتين تلعبين فيها علي!! حينها تغيرت ملامح وجه عفراء وانطفئت ابتسامتها الرائعة كقنديل ذوى فتيله وهي تهمس بكلماتها المبعثرة كأنها تبصقها ألما: تدري منصور.. حتى الرد خسارة فيك.. لكن خلني أقول الكلمتين اللي في خاطري!! ما أدري يا حضرة العقيد متى بتعرف أني مرتك.. ماني بجندي عندك.. ما ادري متى بتعرف إنه حياتنا مهيب معركة أنت اللي لازم تفوز فيها.. تدري منصور.. أنا خلاص رفعت الراية البيضاء.. أنت معركة خاسرة بالنسبة لي.. خلاص نمشّي اللعبة حسب قواعدك.. أنت الذكي الحويط اللي ماحد يقدر يخدعك ولا يفرض شروطه عليك!! أنت المنتصر.. وأنا الخسرانة.. والخسران لازم ينسحب من من أرض المعركة.. ********************************** " خليفة كنك تأخرت الليلة؟؟ قوم روح لشقتك نام.. بعد أنت عندك بكرة موعد بدري مع دكتور الأسنان عساه يلقى حل لأسنانك اللي كل يوم ضاربة عليك!!" خليفة يبتسم: بأروح الحين.. ودكتور الأسنان اتصلت عليه وأجلت الموعد.. جميلة بتساؤل: ليه يعني؟؟ أنت قاعد الحين على المسكنات.. خليفة بهدوء: ماأجلته مرة وحدة.. أجلته للعصر.. عشان ولد خالتج اتصل لي ويقول إنه ياي يزورج بكرة الصبح هو ومرته قبل يردون الدوحة.. جميلة نظرت ليديها بسكون: كسّاب!! ما توقعت أبد هذه الزيارة منه.. أكيد عمي زايد هو ملزم عليه يزورني.. خليفة بتلقائية: حياه الله.. متولهين نشوف أي حد من الدوحة.. جميلة بتساؤل به نبرة الهم: يعني منت بزعلان منه عشان تصرفاته السخيفة معك يوم جا المرة اللي فاتت مع أمي؟؟ خليفة ابتسم: لا طبعا.. وليش ازعل.. أنا أصلا كنت عاذره.. لو حد يدوس على طرف أخواني أنهشه.. هو كان متضايق عشان أخوه.. وهذي سالفة راحت خلاص.. جميلة بهمس يزداد هما كأنها تحادث نفسها: الله يستر من ذا الزيارة.. تدري خليفة.. أنا أشوف كساب بالضبط مثل أخي الكبير مثلي مثل مزون و من كثر مامزون تحب كساب وتهتم في رأيه وزعله..انتقلت لي نفس العدوى.. كسّاب شين إذا عصب.. ويوجع يوجع واجد.. وجرحه لا جرح ما يبرى!! خليفة لم يرتح مطلقا لما قالته.. ولكن بما أنه ورد في كلماتها الكلمة السحرية التي أراحت باله (مثل أخي)... فهو لن يشغله باله بالبقية المقلقة.. وقف خليفة ليربت على كفها وهو يهتف بحنان: لا تهتمين من كسّاب ولا غيره دام أنا يمج.. **************************************** تأخر في العودة.. ومازالت تنتظر.. اتصلت به ولم يرد على اتصالها.. حينما عاد.. لم تتحرك من مكانها وهي جالسة.. دخل وسلم ثم جلس قريبا منها.. حينها همست كاسرة بهدوء تخفي خلفه عتبها العميق منه: كسّاب عاجبك اللي سويته؟؟ كسّاب مفترض إنه حن شخصين ناضجين ونعرف نحل مشاكلنا.. يعني تطلع وتخليني.. واتصل لك ماترد علي.. ليه هذا كله؟؟ كساب أسند ظهره للخلف وأغمض عينيه وهتف بهدوء عميق: المشكلة كاسرة أنش منتي بعارفة وش كثر أنا زعلان ومتضايق من غلطهم في مشروع الوالد.. أنا كنت أبغي فورة عصبيتي تنتهي.. خفت عليش منها.. أنا إذا عصبت أحاول أهرب بعصبيتي لأني أصير مخلوق مرعب.. أنا طلعت وخليتش عشانش مهوب عشاني.. كاسرة حينها وقفت وجلست جواره لتربت على كفه الساكنة على فخذه وهي تهمس بعمق: وأنا ما أبيك تهرب مني .. حقك علي أني أخفف عنك واشاركك.. لم يكتفِ بكفها فقط!! شدها بخفة ليضع رأسها على صدره ويحتضنها بكل حنان وهو يهمس لها من قرب: لا تطلبين ذا الشيء مني ..عشانش بعد.. مهوب عشاني لأني إذا عصبت ما أعرف المشاركة ولا التفاهم.. فعلا كاسرة إذا شفتيني معصب لا تحاولين أبدا تناقشيني ولا توقفيني.. لأنه أنتي اللي بتكونين المتضررة الوحيدة.. أنا أعرف أشلون أفرغ عصبيتي بطريقتي وأرجع أروق... كاسرة طوقت خصره بذراعيها وهي تهمس بنبرة عميقة أقرب للحزن: معنى كذا إنه عصبيتك بتكون دايما حاجز بيننا.. شدد احتضانه لها كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وخصوصا أنه بدأ يشعر بارتعاشها الذي رغما عنها يذيب شيئا غافيا دافئا في روحه: مافيه حد خالي من العيوب.. ماتقدرين تتعايشين مع عيوبي يعني؟!! كاسرة بذات النبرة العميقة: تدري كساب.. لو العصبية هي الحاجز الوحيد اللي بيننا.. كان مقدور عليها لكن أنت ماتقصر في الحواجز .. كل يوم تحط واحد جديد.. ****************************** " عفرا عيب عليش رجعي أغراضش.. تبين تفضحينا تالي ذا الليل.." عفراء تمسح دموعها المنهمرة رغما عنها.. لم تكن تريد أن تبكي أمامه.. لم ترد أن تبدو بهذا الضعف والانهيار.. ولكنها وصلت منتهاها منه.. قد لا يكون سبب غضبها منه الآن بالسبب المقنع لمغادرتها بيتها.. ولكنها بالفعل ماعادت تحتمل المزيد.. مرهقة تماما من الوحم.. وهو لا يرحمها مطلقا.. تفكر كيف ستكون حياتها معه مستقبلا..مع تسلطه حتى في أبسط الأمور.. كيف سيكونان غدا أمام أولادهما!! بقدر ماهي تحبه.. بفدر ماهي تحتاج للاحساس بالاحتواء الندي.. وهو يعاملها ككفء له.. وليس كمجند تحت أمرته يجب عليه تقديم فروض الطاعة والولاء ثم يختمها بالتشكيك في محبتها الخالصة له.. وكانها على استعداد لبيع مشاعرها مقابل أهدافها.. هل هناك امتهان للمشاعر أكثر من ذلك؟؟ تريد أن تبتعد عنه وعن بيته قليلا.. ربما هي في داخلها ماعادت تستطيع تقبل حياة لا يكون منصور فيها.. ولكنها لا تستطيع النظر لوجهه الآن ولا حتى البقاء معه تحت سقف واحد.. لم ترد على تأنيباته الحازمة وهي مستمرة في وضع ملابسها في حقيبتها.. ليصل منصور إلى منتهاه منها ويتفجر غضبه حين اتصلت بعلي وهي تقول بصوت مختنق: علي تعال يأمك.. أبيك تأخذني الحين.. لينتزع هاتفها من يدها وهو يصرخ فيه بصوت مرعب يجمد الدماء في العروق: ياويلك ياعليان.. إن شفتك جاي بيتي.. والله لأقص أرجيلك.. ثم ألقى بهاتفها أرضا بكل قوته ليتهشم إلى قطع متناثرة.. عفراء انهارت على الأرض وهي تنتحب : حرام عليك اللي تسويه فيني.. أنا مرتك ماني بسجينتك.. كان ينظر لها وقلبه يتمزق بمعنى الكلمة.. يتمنى لو جلس جوارها على الأرض وأخذها بين أحضانه.. وطمئنها أن كل ماتريده سيحدث.. ولكن لتبقَ فقط إلى جواره.. فأي حياة باردة كريهة ليست هي فيها !! ولكن كبرياءه المقيت منعه.. وهو يقف كتمثال حجري وأنفاسه تعلو وتهبط.. لم تمر حتى عشر دقائق حتى تفجرت أمواج غضبه فعلا وهو يسمع صراخ شقيقه زايد بصوته الجهوري الحازم المثقل بالغضب وهو يطرق بقوة على باب غرفته مباشرة: عفرا.. البسي عباتش وتعالي.. أنا أبيش هنا.. منصور فتح الباب ووجهه المحمر المحتقن يتفجر غضبا: مالحد منكم حق يدخل بيتي ويطلع مرتي بدون رضاي.. زايد يتفجر غضبا أشد: أص ولا كلمة.. وش حادك على الفضايح تالي ذات الليل.. وش فيها لو كنك خليت الولد يجيب خالته من سكات.. لين تحلون مشاكلكم الصبح إذا راحت حزة الزعل.. بس أنت في رأسك حب(ن) ماطحن.. ثم أردف زايد بذات النبرة المتفجرة غضبا وهو يشير خلفه: علي ادخل جيب خالتك.. علي تقدم وهو يشعر بحرج فعلي مما يحدث أمامه بين شخصين اعتبرهما دائما نموذجين عظيمين للبشر.. شخصان يكن لهما كل الحب والتقدير.. ولكن خالته تبقى شيئا مختلفا .. وإحساسا أكثر اختلافا.. لذا رغم شعوره بالحرج إلا أنه تقدم دون تردد.. ولكن منصور وقف بطوله الفارع أمام فتحة الباب علي همس باحترام: عمي لو سمحت وخر.. بأجيب خالتي منصور هتف بحزم مرعب: تبي تدخل.. اذبحني أول..مرتي مهيب طالعة من هنا.. ليتفاجأ بصوت عفراء الجزع من خلف الباب: أبو كسّاب تكفى اخذ علي وروح لبيتك أنا ورجَالي نحل مشاكلنا.. هي ساعة شيطان وراحت لحالها.. وانا الغلطانة.. زايد بنبرة تزداد غضبا: عفرا اطلعي قدامي ذا الحين.. لا تطولينها وهي قصيرة يبي يراضيش.. يأتي يراضيش في بيتي.. عقب مايعرف السنع.. ما حدش على أنش تتصلين بعلي تالي ذا الليل إلا شيء(ن) كايد.. اطلعي ذا الحين قدامي.. ماني بطالع من البيت من غيرش!! رجلي على رجلش!! خلصوني.. عفراء بصوت مرتعش بدا يظهر فيه أثر البكاء الواضح: تكفى يأبو كساب مالي خاطر عندك.. طالبتك تأخذ علي وتروح.. أنا أصلا غلطانة أني اتصلت في علي.. طالبتك جعلني الاولة ماتردني.. أنا ومنصور بنتفاهم بروحنا.. وأبو زايد أصلا مستحيل يضيمني.. زايد بصوت يحاول مغالبة غضبه فيه: أنا ما أنا برايح بانزل وأقعد تحت.. وأنتظركم اثنينكم تنزلون لي ذا الحين.. ونتفاهم.. زايد بالفعل انسحب وعلي خلفه ووجهه محمر من شدة الحرج والغضب لكل ماحدث أمامه.. منصور بقي متصلبا في مكانه وهو يسمع نشجيها القادم من خلف الباب المختلط بكلماتها المبتورة: فضحتني في أبو كساب.. حياتي كلها وأنا عايشة في بيته عمره ماسمع صوتي مرتفع ولا سمع صوت بكاي. فضحتني فيه.. فضحتني.. ثم اختفى صوتها ونشيجها.. بينما هو بقي واقفا في مكانه وهو يشد أنفاسه بعمق.. عاجز عن التفكير والتصرف المنطقي.. يخشى أن يغلق الباب الآن وينفجر غضبه فيها بينما كل مايريده أن يُشعرها كم هي ثمينة عنده!! ولكنه ختاما أغلق الباب فهو مجبر أن ينزل هو وإياها الآن لزايد حتى ينتهي من هذه المشكلة السخيفة!! لينصدم بل يُفجع أنها تجلس على الأرض رأسها مسند لحافة الباب.. وفاقدة للوعي.. منصور بسرعة ودون تردد.. تناول عباءتها.. ولفها بها.. ونزل ركضا بها يحملها بين يديه وهو يضمها بكل قوته لصدره.. ليُصدم زايد وابنه بالمنظر.. وهو يركضان خلفه وزايد يتوعد بغضب مدمر: والله ماعاد ترجع عفرا لبيتك ولا عاد تعرفها.. منصور لم يستمع لأي شيء فهو في عالم فجيعته الخاص (ماذا فعلت بها؟ ماذا فعلت بها؟) مددها على المقعد الخلفي وانطلق بسيارته بسرعة هائلة دون تفكير.. وخلفه زايد وابنه في سيارة علي.. *************************************** "زين لقينا ذا المحل عاده مفتوح واشترينا منه.. بس هو بروحه يكفي.. ماشاء الله كبير وفخم وكل شيء فيه" كساب يضع الأكياس جانبا ويهتف بنبرة فخمة واثقة: المحل هذا قعد مفتوح لاني اتصلت في صاحبه وطلبت منه ينتظروننا شوي وإلا هم المفروض سكروا قبل ساعة من وصولنا.. كاسرة ترفع حاجبا وتنزل آخر وتهمس بنبرة تهكم: طبعا وأنت تموت لو ماطلعت في صورة اللي يمشي العالم على كيفه.. كساب يهز كتفيه وهو يهتف بحزم: لا مشيت العالم على كيفي ولا شيء هذا بيزنس إز بيزنس.. علاقات شغل ومجاملة.. كاسرة حينها تنهدت وهي تخلع عباءتها: طيب بنت خالتك ماجبنا لها شيء.. عادي نروح لها كذا بدون هدية لها.. كساب بنبرته الحازمة الطبيعية: بنت خالتي مريضة.. بكرة ناخذ لها ورد وشكولاته.. وعلى العموم هي تحب الاكسسوارات والعطور والمكياج.. وما أعتقد إنها بتستخدم شيء منها الحين.. حينها تصاعد الضيق في روح كاسرة رغما عنها وهي تهمس باستغراب: ماشاء الله عارف ذوق بنت خالتك بكل تفاصيله!! كساب بذات النبرة الحازمة التلقائية: جميلة لين قبل سنتين وأنا أحيانا أوديها السوق مع خالتي.. أكيد أعرف ذوقها لأني بعيني أشوف اللي تشتريه.. ثم أردف بخبث وهو ينتبه لاستغرابها : تدرين..أموت عليش وأنتي غيرانة!! حينها هتفت بنبرة باردة: قلت لك الغيرة هذي في أحلامك.. بس أنا استغربت.. أنا أشك يكونون أخواني عارفين اللي أحبه بذا الدقة!! بينما أنت عارف بنت خالتك وش تحب.. حينها هتف كساب بتلاعب خبيث: وجميلة بعد تحب من الألوان.. الوردي ليش إنها دلوعة.. وتحب من العطور أي عطر في غرشة ملونة .. أقول لش.. ذوق دلوعات.. حينها وقفت كاسرة وهي تهتف بغضب: لا عاد هذا تقليل مقصود لاحترامي ماراح أسمح لك فيه.. أنهت عبارتها وهي تستعد للمغادرة لأنها شعرت أنها ستنفجر.. وهي لا تريد مطلقا أن تظهر بمظهر من لا تستطيع السيطرة على انفعالاتها.. ولكنها فوجئت بكساب يمسك بها وهو يشدها ناحيته ويمسك بخصرها وهو يهتف بنعومة مقصودة: وأنتي تحبين من الألوان الأخضر الغامق.. وتحبين من العطور اللي داخل فيها ريحة الصندل.. أشك حتى أنش تعرفين ذا الشيء.. أنا عرفت عنش ذا الأشياء من عشرة أسبوعين.. ماتبين أعرف عن جميلة اللي عاشت عمرها كله معنا.. حينها رفعت كاسرة عينيها لتنظر إلى عينيه وهي تهمس بعمق: كسّاب أنت ليش تحب تضايقني كذا !! مد يده ليمسك بذقنها وهو يهتف بذات النبرة الناعمة المقصودة: وأنتي ليش ماتبين تعترفين أنش غيرانة؟؟.. كاسرة أفلتت من بين يديه وهي تهمس بغضب : لأني ماني بغيرانة.. ومافيه سبب يخليني أغار.. وإذا أنت مفكر إن هذا سلاح تستخدمه ضدي.. فانا ممكن أستخدم نفس السلاح.. وأذوقك طعم الغيرة.. واعتقد أني عندي من المؤهلات اللي يخدمني!! قالت هذه العبارة لمجرد إغاضته.. فيستحيل مطلقا أن تفكر مثل هذا التفكير المريض.. ولكن هذا الكساب بات يثير جنونها إلى أقصى حد..تريد أن تثير جنونه قليلا !! تريد أن ترد له الصاع !! عاود كساب شدها ناحيته بقسوة وهو يهتف بذات قسوة لمسته: والله لو سويتي ذا الشيء.. او حتى خطر ببالك.. أو حتى فكرتي فيه مجرد تفكير.. تدرين وش بأسوي فيش؟؟ كاسرة تحاول التفلت من قبضته دون فائدة وهي تهمس ببرود حازم: وش بتسوي يعني..؟؟ كساب بحزم بالغ وعيناه تطلقان شررا مرعبا: بـأذبـحـش..!! *************************************** كانت مستغرقة في النوم حين رن هاتفها.. أزاحت حسن الصغير عن ذراعها حتى تستطيع النهوض وتناول هاتفها.. كان هو المتصل.. عبدالله.. كان بودها ألا ترد.. ولكنها لا يمكن أن تترك فرصة لإشباع غضبها المتزايد عليه فيه.. أجابت بعصبية: نعم؟؟ هذا وقت حد يكلم فيه يا الأجلد؟؟ (الأجلد= الذي لا لحية له ولا شنب) انفجر عبدالله ضاحكا: حلوة الأجلد ذي!ّ اجلد ببركاتش ياهانم.. ثم أردف بعمق وخفوت: لا تلوميني لو أزعجتش.. ميت أبي أسمع صوتش بس.. لا وهو فيه بحة النوم كذا.. ذبحتيني!! والله العظيم ذبحتيني!! اشتقت لش حبيبتي!! جوزاء بذات العصبية: سبق لي وقلت لك أني ما أداني الكذب.. وحضرتك متصل علي ذا الحزة عشان تصدعني بكذبك.. عبدالله بابتسامة: أول مرة أشوف وحدة كذابة ما تداني الكذب!! جوزاء همست باستنكار شديد وهي تخفض صوتها حتى لا توقظ ابنها: أنا كذابة!! عبدالله بتلاعب: إيه كذابة ونص.. ثم أردف بنبرة خافتة عميقة مقصودة ينغم نبراتها: تقولين ما اشتقتي لي.. مع أني سامع أنفاسش تقول إنها اشتاقت لي.. وسامع دقات قلبش تقول إنها اشتاقت لي.. جوزاء باستنكار أشد وهي تخفض صوتها أكثر: أنت شيء من اثنين يا استخفيت...يأما ما تسمع عدل.. والاحتمال الأول والله العالم هو الأقرب للصحيح.. لأنك لو تسمع عدل.. متأكدة بتسمع كلام عكس اللي تقوله.. عبدالله بنبرة أعمق: ماعلي من كلام لسانش.. علي من كلام قلبش.. جوزاء ببغض: أنت بتطولها وهي قصيرة.. خلصني..تبي شيء.. أو خلني أنام.. عبدالله يعدل المخدة وراء ظهره ويهتف بيقين بنبرة مدروسة: إيه بطولها لأنها طويلة.. وانتي بتقعدين تسولفين معي لين الصبح!! جوزاء بصدمة: نعم؟؟ ومن قال لك عندي استعداد أستحمل مغثتك للصبح؟؟.. عبدالله بنبرة غريبة خليط من حزم شديد وحنان عميق: اليومين اللي فاتوا كنت زعلان عليش.. وماكلمت مع أني الشوق ذابحني من يوم طلعت من الدوحة.. لكن شأسوي غلاش أكبر من كل شيء.. والحين كل ليلة بكلم وبتقعدين معي لين الصبح.. وإلا أشلون باستحمل ثقل ذا الأيام.. وأنا بروحي هنا.. ما أعرف حد ولا حد يعرفني.. جوزاء بتصميم: آسفة ماعندي استعداد أضيع ليلي عليك حتى لو مافيني نوم عبدالله بتصميم أشد: هذا أمر مني لش وغصبا عنش تسولفين معي مهوب رضاش.. وإلا نامي وأنا غضبان عليش.. مهوب ذا كله أساسا من تحت رأسش.. أبعدتيني من هلي ومنش ومن حسن وأنا مابعد شبعت منكم.. جوزاء بغضب: أنت ليش تسوي فيني كذا؟؟.. ليش ترجع وتمسكني من يدي اللي توجعني..؟؟ عبدالله بنبرة مقصودة: زين إنه فيه لحد الحين شيء ممكن يجبرش تسوين شيء ماتبينه.. حينها همست جوزاء بنبرة مقصودة: زين دام تبينا نقعد نسولف للصبح.. خلنا نجيب سالفة تأخذ ذا الوقت كله.. قل لي وش كنت تسوي السنين الأربع اللي غبتها وأنت تقول للناس أنك ميت.. يعني ما أعتقد أنك كنت فاقد الذاكرة وكنت تشتغل نجار وإلا زبال.. عبدالله بنبرة مشابهة: بأقول لش كل شيء بس مهوب الحين.. في الوقت المناسب.. جوزاء بغضب: مكتوم: ومتى الوقت المناسب؟؟ عبدالله ببساطة حازمة: أنا اللي أحدده مهوب أنتي!! عبدالله يخشى أنه إن أخبرها الحقيقة أن تتخذها عذرا للهرب منه أو طلب الطلاق.. فهي تكرهه.. ونحن حينما نكره شخصا نسيء الظن في كل تصرفاته.. ومهما شرح لنا دوافعه وأسبابه فنحن لن نرى إلا الجانب السلبي.. وعلى العكس حينما نحب شخصا ما.. فأننا من نبحث له عن المبررات ونجد نفسنا مجبرين على مسامحته!! من أجلنا قبل أن يكون من أجله.. وهذا هو ما ينتظره!! أن تحبه أولا!! لتجد هي له العذر قبل أن يسوق هو لها الأعذار!! **************************************** " مافيش حاجة خطيرة خالص.. هو شوية إرهاق.. وهي ئالت لي إنها ليها يومين بترجع كل حاجة بتأكلها وجسمها مافيهوش سوائل.. أدي الحكاية كلها.. مافيش داعي للئلئ أنا هسيبها يومين عندنا عشان نتطمن عليها" كانت الطبيبة توجه الخطاب العملي الودود للرجال الثلاثة الذي كانوا يقفون أمامها بملامح مرهقة متحفزة.. حينما أنهت خطابها غادرت وتركتهم في مكانهم أمام باب غرفة عفرا.. ليهتف زايد بحزم وهو يوجه الخطاب لعلي: علي روح جيب أختك تقعد عند خالتها.. ولا تروعها عليها.. ثم أردف بحزم أشد وهو يوجه الحوار لمنصور: وأنت شد الستارة على مرتك وخلنا ندخل داخل.. مانبي نتفاهم في السيب قدام العالم.. (السيب=الممر) منصور دخل وشد الستارة.. قلبه متخم تماما بالأسى!! يشعر أن جسده مفتت من قلقه عليها.. كان يريد أن يلتف ليراها..يريد أن يشبع عينيه منها.. يريد أن يضم كفيها لصدره.. يريد أن يطمئن برؤية محياها.. ولكنه قبل أن يفعل ذلك.. فوجئ بصوت زايد الحازم: خلاص أدخل؟؟ منصور بضيق: ادخل.. لأول مرة ورغم محبته الكبيرة لزايد.. لأول مرة لا يريد أن يراه.. يريده أن يغادر ويتركه معها لوحدهما.. لا يريد أن يتدخل احد بينهما.. بأي حق يتدخلون بينهما؟؟ هي حبيبته هو؟؟ روحه هو؟؟ زوجته هو؟؟ فأي حق لهم هم ليتدخلوا بينهما؟؟ زايد دخل ليقف هو ومنصور بين الستارة والباب وهو يهتف بحزم: اسمعني يامنصور.. عفرا بتروح لبيتي عقب ما تطلع من المستشفى.. منصور برفض قاطع: أرجوك زايد ما تتدخل بيني وبين مرتي.. أنت أخي الكبير وعلى عيني ورأسي.. بس مرتي بترجع بيتي.. وما لاحد دخل بيننا.. زايد بغضب مكتوم حتى لا يزعج عفراء النائمة: اخص واقطع.. إلا شكلك يامنصور نسيت إني أخيك الكبير وتحسبني أصغر صبيانك اسمعني عدل حكي ياصلك ويتعداك.. صحيح أني حلفت إنها ماعاد ترجع لك بس هذي حزة شيطان.. عفرا مرتك وأم ولدك.. بس أنت والله العالم مزعلها زعل(ن) كايد وأنت يوم خذتها.. خذتها من بيتي.. فعفرا بترجع لبيتي.. وأنت بتجي تعّذر لها وتأخذ بخاطرها وتشوف اللي يرضيها في بيتي وقدامي.. عقب ذاك لو هي بغت ترجع.. ترجع بكيفها.. وأنا الله يسامحني على الاستعجال في الحلوفة بأدفع كفارة واصوم بعد.. منصور بحزم بالغ: آسف يازايد.. قلت لك ما لحد دخل بيني وبين مرتي.. وأنا ماني بمعتذر وأنا ماسويت شيء خطأ.. وعفرا بترجع لبيتي أنا.. لم يعلما كلاهما أن هناك طرف ثالث لم يكن نائما.. وكان يستمع بكل وجع العالم ودموعه تنهمر بغزارة (لذا الدرجة أنا رخيصة عندك يا منصور؟! مستكثر علي تكبر قدري قدام زايد عقب ما فشلتني فيه؟! يا الله يا منصور.. وش ذا القسوة؟!! وش ذا القسوة؟!) قاطع جدلهما الدائر صوتها الضعيف القادم من خلف الستارة: أبو كساب.. انتفض الاثنان في وقت واحد.. وشتان بين شعورهما.. شعور زايد بالحمية.. وشعور منصور باللهفة.. هتف زايد بحزم: هلا والله.. آمريني!! عفراء بحزم رغم ضعف صوتها البالغ: قول لأخيك يتوكل لبيته.. وأنا إذا طلعت من المستشفى رجعت للبيت اللي كان ضامني ذا السنين كلها.. الظاهر مالي بيتي غيره.. منصور يكاد يجن وهو يهتف بصدمة: وش ذا الكلام يأم زايد؟؟ وبيتش؟؟ تخلين بيتش؟؟ دموعها بدأت تسيل رغما عنها وهي تهمس بذات النبرة الحازمة الموجوعة: البيت بيتك جعلك تهنا به.. أنا أبي أرجع لعيال أختي.. وكل واحد يدور راحته.. منصور بعتب عميق: أفا عليش يأم زايد.. أفا عليش.. الحين وش بيتي ووش بيتش.. وأبد ولا يهمش.. البيت بكرة أسجله باسمش.. وعديني ضيف عندش.. عفراء بنبرة قاطعة رغم أنها شعرت أن ماستقوله سيمزقها: منصور.. أرجوك روح لبيتك.. قلت لك أنا بأرجع لبيت بو كساب.. حينها شد له منصور نفسا عميقا وهتف بحزم: وكم تبين تقعدين هناك؟؟ عفراء بذات نبرتها الحازمة: على الأقل لين أولد وعقبه نتفاهم!!! منصور باستنكار غاضب: نعم؟؟ نعم؟؟يا ســلام!! معنى كذا أكثر من ست شهور.. هذي عمرها ماصارت في التاريخ مرة تأخذ راحة من بيتها ست شهور؟؟ أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟ ثم تغير صوته لقسوة موجوعة: وإلا عـايـفـة؟؟ عفرء لم تجب عليه وهي تضع ذراعها الحرة الخالية من أسلاك التغذية على وجهها وتسيل دموعها بصمت.. بينما زايد يهتف بحزم: خلاص سمعنا مافيه الكفاية.. أمش معاي بلا فضايح.. مزون الحين بتجي مع أخيها!! منصور غادر معه ودون يراها.. شعر أنه أحرج نفسه أكثر كثيرا في سبيلها دون أن تهتم هي به.. موجوع منها ومجروح لأبعد حد.. وهي تحرجه بهذه الطريقة أمام شقيقه وابنائه.. وتدخلهم في مشاكلهما الخاصة.. " تبين سنة ياعفرا؟؟ اخذي سنة.. سنتين.. براحتش!! " ************************************* " يعني ما أشوفش ملهوفة على شوفة عروس ولد خالتج؟؟" جميلة هزت كتفيها بلا مبالاة: أنا ما أعرفها عشان أتلهف على شوفتها.. هذي مجرد زيارة مجاملة ثقيلة عليهم اثنينهم.. يعني عرسان في شهر العسل.. معذورين.. ماحد راح يتشره عليهم لو ماجاو وزاروني.. حينها ابتسم خليفة: ترا بعد ولد خالتج هذي مع احترامي له.. دمه ثجيل مرة وحدة.. وشايف نفسه.. هزت جميلة كتفيها بابتسامة طفولية: حرام عليك.. دمه ثقيل يمكن.. بس شايف نفسه لا.. مع إن شكله يعطي كذا.. خليفة بهدوء: بس وايد كلف على نفسه شوفي الورد والشكولت اللي وصلنا اليوم الصبح.. وايد ستايل ومبين عليه غالي.. جميلة قطبت حاجبيها وهي تهمس بحزن شفاف غزا قلبها: تكفى لا تذكرني بسلال الشكولاته الله لايردها.. وهما في حوارهما.. رن هاتف خليفة.. همس بعد أن أنهى الاتصال: كاهم برا.. غطي ويهج.. بس بيسلم عليج من عند الباب.. جميلة غطت وجهها بشيلتها.. بينما خليفة خرج ليقف مع كساب خارجا ودخلت كاسرة لتقف في الزاوية.. كساب هتف بنبرته الحازمة الطبيعي: مساش الله بالخير جميلة.. بشريني منش؟؟ أشلونش الحين!! جميلة همست بطبيعية: الحمدلله.. أحسن بواجد.. أنت أشلونك؟؟ وألف مبروك زواجك.. كساب بهدوء حازم: االه يبارك فيش.. تبين شيء؟؟.. قاصرش شيء؟؟ جميلة بنبرة عفوية وربما حملت رائحة التقصد: مشكور.. الله لا يخليني من خليفة ما يخلي شيء يقصرني.. اتسعت ابتسامة خليفة وسعادة بريئة غمرت روحه وهو يسمع جميلة ثم يغلق الباب وينسحب مع كساب للجلوس في الاستراحة.. بينما كاسرة حين أُغلق الباب تقدمت وهي تخلع نقابها.. لتقف جميلة للسلام عليها.. جميلة لا تنكر تصاعد ضيق عميق في روحها وهي ترى حُسن كاسرة وتألقها.. عروس بالفعل.. متألقة..متأنقة كما يُفترض من عروس.. ضيق ذكرها بحالها.. هي أيضا مازالت تعتبر عروس.. ولكن شتان بين العروسين!! تتذكر حالها قبل مرضها.. كان يُضرب المثل بتأنقها البالغ واهتمامها المبالغ فيه بزينتها.. كن صديقاتها يقلن لها: (خاطرنا نشوف كشختش وأنتي عروس إذا هذي كشختش الحين..) وهاهي عروس.. خالية من أي مظاهر توحي بذلك.. إحساس مر بالنقص والحزن غزا روحها المثقلة.. وهي تتذكر كيف كانت.. وكيف أصبحت!! تمنت في داخلها لو أن كاسرة لم تزرها.. فهي ليست في حاجة للاحساس بمزيد من المرارة والنقص!! كانت هذه الأفكار تدور في رأس جميلة في الثوان القليلة التي تلت خلع كاسرة لنقابها.. بينما كانت كاسرة تهمس برقة وذوق احترافيين: أشلونش جميلة؟؟ جميلة بسكون حاولت أن تدفع فيه بعض الحماسة: ياحيا الله عروستنا..ألف مبروك أنا طيبة.. أنتي أشلونش؟؟ كاسرة بذات النبرة اللبقة: الله يبارك فيش.. وأناالحمد لله تمام.. إن شاء الله أنش الحين أحسن؟؟ جميلة بذات النبرة الساكنة: أحسن.. ألف مبروك زواجش.. بشريني من هلش؟؟ أختش وضحى وش أخبارها.. تخرجت ذا الفصل.. صح؟؟؟ كاسرة ابتسمت بشفافية عند ذكر أختها: إيه فديتها تخرجت.. وطلبوها للتوظيف بعد.. وعقبالش إن شاء الله.. جميلة بحزن: الله يعين.. الفصل اللي فات اعتذرت.. والفصل اللي بيجي بعد طلبت من البنات يقدمون لي اعتذار.. هذي سنة راحت من عمري.. كاسرة بنبرة مؤازرة: هانت كلها كم شهر وترجعين.. جميلة حينها هتفت بذوق: والله كلفتوا على نفسكم واجد في الورد والشكولاته.. كاسرة بابتسامة: أنا أصلا متفشلة منش.. كان ودي إني جبت لش شيء.. هذا مهوب قدرش.. حينها ابتسمت جميلة وهمست بعفوية: يا بنت الحلال وش تجيبين.. هذي هدية كساب عادها في يدي..وأنتي وهو واحد قالتها وهي تشير للساعة الثمينة التي في يدها.. حينها بالفعل اشتعلت كاسرة بضيق فعلي وهي تنظر للساعة الثمينة التي كانت يسار جميلة.. كانت أغلى بكثير من الساعة التي جاءتها مع شبكتها.. مع أن الساعة التي جاءتها كانت ثمينة جدا.. ولكن ساعة جميلة بدت أكثر من مسمى ثمينة بكثير.. بعلامة التاج التي تدل على ماركتها الفارهة .. والتماعة أحجار الألماس الكثيفة المتراصة التي كانت تخطف الأبصار .. إحساس كاسرة تجاوز الضيق لشعور أعمق وأكثر مرارة.. ليست محدودة التفكير لتغضب من هدية أهداها لابنة خالته وقبل أن يتزوجها أيضا.. ولكن ساعة بهذه القيمة المهولة حتى وإن كان كساب مقتدرا.. تدل على المكانة المهولة لمن اُهديت الساعة له.. جميلة بذات الابتسامة العفوية: مع أني كان من المفروض أكره ذا الساعة لأن كساب جابها لي رضوة لأنه زعلني زعل كايد بس من الغبي اللي ممكن يكره ساعة مثل هذي؟؟ حينها تصاعد ضيق كاسرة للذروة.. (الهدية رضوة لها بعد.. لو راضاني عن كل مرة زعلني فيها خلال ذا الأسبوعين بس بهدية مثل ذي كان أنا الحين مليونيرة) ورغم إحساسها الذي خنقها ولكنها هتفت بابتسامة محترفة غاية في الود: عليش بالعافية.. تجنن في يدش.. جميلة حين أنهت عبارتها السابقة شعرت أنها قد تكون تجاوزت حدودها.. ولكنها عادت لتطمئن مع رد كاسرة المريح اللبق لم تشعر أبدا بالجنون المسعور الذي أثارته بعبارتها.. كانت كاسرة تريد أن تمد يديها لتضغط على جانبي رأسها الذي شعرت به يتفجر من الصداع.. ليست غبية لتعلم أنها تغار.. وأن هذا الشعور المؤلم اسمه (الغيرة) والتي بلغت أقصى درجاتها عندها..بل هي تعلم يقينا مهما أنكرت ظاهريا أنها تغار عليه منذ يومها الاول معه.. بل أنها خلال الأسبوعين الماضيين كادت تجن من الغيرة وهي تراه يبالغ في التأنق كلما خرجا.. وأعين النساء تلاحقه.. بينما هي تدعي أنها لا تلاحظ أو لا تهتم.. بينما هي كانت تحترق في داخلها حتى الترمد.. وهاهي اكتملت عليها اليوم بلقاء جميلة.. فهل هذه هي نتائج دعوة صديقتها فاطمة عليها التي دعت عليها أن يبتليها الله بالغيرة على زوجها ردا على غرورها الدائم؟؟ حينما كانت كاسرة تتفاخر أن من تغار هي من تخشى على زوجها أن يرى أجمل منها.. ولكن هي واثقة أنه لن يرى أجمل منها حتى تغار!!.. وهاهي الآن تغار.. وتغار.. وتغار.. وتغار.. حتى أبعد مدى تغار عليه.. شعور مؤلم وجارح لمن هي مثلها.. في ثقتها بنفسها.. في قوة شخصيتها.. في جمالها الذي لا يتكرر فهل يعاقبها الله على غرورها حين يجعلها تعاني من هذا الإحساس المر الجارح لأنوثتها وجمالها..؟؟ ولكنها على كل حال يستحيل أن تُشعر كساب بأي شيء.. فهو حريص على إثارة غيرتها بينما هي تخبره أنها لا تغار.. فكيف حينما يعلم أنها لا تغار فقط.. ولكنها تكاد تُجن من الغيرة عليه!! ومن ناحية أخرى.. يستحيل أن تضع نفسها في موقع ضعف!! ولكن رغما عنها...تزداد مرارة السؤال في روحها: "هل الغيرة دليل حب؟؟... أم محض تملك!!" ************************************ " خالتي بس اشربي شوي شوربة.." عفراء تشير بيدها بضعف وتهمس بخفوت: بس يأمش خلاص.. مزون باهتمام بالغ: بس شوي فديت قلبش.. عفراء تهز رأسها رفضا وتهمس بضعف: يأمش قومي جهزي أغراضي.. واتصلي على سواقتي خلها تجي.. نطلع من المستشفى.. مزون باستنكار: وش تطلعين... الدكتورة تقول بكرة تطلعين.. عفراء بنبرة نفاذ صبر مرهقة: يأمش لا تراديني.. وش فرق اليوم من بكرة؟؟ ثم أردفت بألم: والشيء الثاني كساب واصل بكرة الصبح ماأبيه يجي وانا في المستشفى ويعرف السالفة يتمشكل مع عمه.. تعرفين الاثنين كبريت وما يتفاهمون.. وبعدين مايصير يجي البيت هو ومرته ماحد منا فيه.. وأنا والله العظيم أحسن.. مزون بنبرة حذرة وهي تقف لتبدأ في جمع الأغراض: عمي اتصل فيني كم مرة اليوم.. يسأل عنش بشكل غير مباشر.. ثم انحدر صوتها بألم: كسر خاطري حاسته مثل اللي مضيع له شيء ويدور له.. تخيلي عمي منصور كسر خاطري!! عفراء بألم أعمق: مزون يأمش.. لا تهقين أني أرخصت عمش.. عمش غلاه ما ينحكى به.. بس كذا يأمش أحسن.. قرب عمش يستنزف الواحد لين آخره.. وأنا أساسا تعبانة ومافيني أستحمل... **************************************** " طول الرحلة وأنتي متضايقة من شيء ممكن أعرف وإلا سر؟؟" كاسرة بهدوء متمكن وهي تستوي جالسة في السيارة التي تنقلهم من أرض المطار لمبناه: مافيني شيء مرهقة بس.. كساب بنبرة حازمة: أنا مارضيت حد يستقبلنا.. قلت مافيه داعي نزعج أحد الصبح بدري كذا.. وشناطنا بأعطي أوراقها واحد من موظفيني هو بيجيبها لأنه احنا بنصلي الحين ثم بنطلع الحين فورا.. ما ابي أتاخر سيارتي بيجيبها لي واحد من سواقين الشركة لأني بأروح الشركة.. وأنتي بترجعين مع سواقة خالتي.. كاسرة بصدمة: نعم؟؟ ما تبي ترجع معي؟؟.. أشلون تبيني أدخل بيتكم بروحي..؟؟ حتى من باب الذوق عيب عليك!! تو الناس على الشركة الساعة الحين خمس ونص الصبح!! كساب بحزم عملي: لا تسوينها سالفة.. مكان شركتي هنا قريب من شارع حمد الكبير.. يعني 5 دقايق من المطار.. لكن لو بأوديش للبيت أبي لي ساعة.. ثم ساعة ثانية لين أرجع.. وأنا طالبهم كلهم لاجتماع الساعة 6 الصبح.. لازم أنكد عليهم شوي!! كاسرة بحزم بالغ: وتنكد علي بعد !!.. كساب عيب عليك اللي تسويه.. أنت لو مارجعتني بنفسك.. اسمح لي.. ماراح أروح لبيتك.. بأروح لبيتنا.. ماراح أهين نفسي وأنا داخلة بيتك بروحي عقب ماحذفتني واحنا عادنا في المطار.. كساب بحزم: سوي اللي تبينه.. إذا خلصت شغلي تفاهمنا ************************************* " كاسرة؟؟ أنتي جيتي؟؟ والا انا أتحلم" تنحني لتقبل جبينه للمرة الثانية وتهمس بمودة مصفاة قريبا من أذنه: جيت فديت قلبك.. فتح عينيه بتثاقل وهو يمد يده.. أمسكت يده بلهفة وهي تشده بحنو لتجلسه ثم تقبل ظاهر كفه الضخمة التي احتفظت بها بين يديها.. هتف بشجن عميق: الحمدلله على السلامة يأبيش.. ماكن في الدوحة حد عقبش.. حتى النفس ثقيل من عقبش.. أنا أشهد أني فقدتش.. وأني اشتحنت.. (فقدتش= افتقدتكِ) مالت لتقبل كتفه وهي تهمس بنبرة تذوب حنانا: أصلا لو ما فقدتني بأزعل.. مزنة تقف وهي تستند للباب وعلى شفتيها ابتسامة مثقلة بالشجن: ها أجيب لكم قهوة تقهوون؟؟.. الجد يشير بيده: إيه جيبيها خلي بنتي تقهويني.. القهوة مالها طعم عقبها.. مزنة غادرت بينما الجد يسأل كاسرة باهتمام: وين رجالش يأبيش؟؟ كاسرة بهدوء متمكن: يبه الوقت مبكر ذا الحين.. راح وعاده بيرجع يسلم عليك.. الجد بذات النبرة المهتمة: أربش مستانسة يابيش ومرتاحة مع كساب؟؟ كاسرة بذات الهدوء المتمكن: الحمدلله فديتك.. من الله في خير.. تدخل الخادمة بالقهوة تتبعها مزنة.. التي جلست على الأرض بجوار القهوة.. كاسرة برفض: والله ما تصبينها.. أنا باصب قالتها وهي تنزل من جوار جدها.. لتجلس جوار والدتها.. وتشد القهوة ناحيتها.. حينها همست مزنة بصوت منخفض حازم: وش السالفة يا بنت بطني؟؟ كاسرة تحاول ادعاء عدم الفهم: أي سالفة يمه؟؟ مزنة بذات النبرة الحازمة المنخفضة: جيتش ذا الحزة.. وأنتي كنتي قلتي لي قبل أنش بتروحين لبيتش وعقبه بتجينا.. ولا تكذبين علي يا بنت.. كاسرة بهدوء وهي تجيبها بصراحة مُعدلة ودون أن تضخم الأمور فهي لا تريد مطلقا أن تبدو بمظهر المظلومة أو مكسورة الجناح.. فهذا الدور لا يليق بها: كسّاب عنده شغل ضروري ماقدر يأجله.. وأنا استحيت أروح لبيته بروحي فقلت له أني بأجي هنا وهو بيأتي يأخذني عقب.. مزنة نظرت لها وكأنها تريد أن تسبر داخلها لتكتشف ماداخلها ليقاطع نظراتها هتاف الجد: أنتي سجيتوا مني.. وين قهوتي؟؟ ************************************** " يالله .. وأخيرا أنتي هنا.. ماني مصدقة ما تتخيلين وش كثر اشتقت لش" كانت هذه عبارة وضحة التي قالتها وهي تجلس جوار كاسرة وتحتضن ذراعها رغم أنها لها أكثر من ساعة منذ نزلت لتتفاجأ بوجود كاسرة جالسة مع والدتها في الصالة.. ليطير النعاس كله من عينيها ويحل مكانة سيول من الدموع وهي تنزل ركضا لتلقي بنفسها بين ذراعي كاسرة وهي تبكي بحرقة.. كاسرة تربت على ذراعها التي تحتضن ذراعها وتهمس بمودة صافية: وأنا اشتقت لش بعد ما تتخيلين وش كثر.. وجبت لش بعد هدايا وش كثر.. ياالله عشان تكشخين في الدوام.. كاسرة التفتت على أمها وهي تتسائل: يمه امهاب متى بيجي؟؟ مزنة بمودة: الليلة إن شاء الله.. حينها ابتسمت كاسرة: زين أني قابلت تميم.. قبل يروح لشغله.. ويعني ربعه في الشغل إلا يحرقونه مسجات يجيهم.. ماخلوه يقعد معنا شوي!! ثم أردفت باهتمام: يمه وش أخبار تجهيزات عرس تميم؟؟.. مزنة بتلقائية: خلاص يأمش كل شيء جاهز الله يتمه على خير.. . . بعد صلاة الظهر.. وهو لم يتصل بها حتى!! أي زوج هو هذا الزوج؟!! هل هو ابتلاء من رب العالمين لاختبار مدى تحملها وصبرها..؟؟ كانت تريد أن تتمدد قليلا حين رن هاتفها.. رقم بالغ الفخامة والتميز بتسلسله الفاخر!! اعتدلت جالسة والرقم يضيء على الشاشة للمرة الثانية.. مثل هذه الأرقام لا تتصل خطأ.. ردت بحذر حازم وهي تتخذ نبرتها العملية الواثقة: نعم؟؟ أتاها الصوت الرجولي الفخم الفاخر كرقمه تماما: مساش الله بالخير يأبيش.. أنا عمش زايد.. كاسرة شعرت بصدمة حقيقية لم تتخيل ولو لحظة أنه قد يتصل بها.. توقعت أنها ستراه حينما تذهب للبيت ردت باحترام جزيل: هلا والله يبه.. وش ذا الساعة المباركة اللي سمعت صوتك!! أجابها بنبرته الواثقة الفاخرة: أدري أني مقصر يأبيش.. كان لازم أني كلمتش يومكم في جنيف.. بس أنا قلت خلكم تأخذون راحتكم.. أجابته بذات نبرة الاحترام العميقة: ما يلحقك قصور يبه!! ليفاجأها فعلا بقوله الحازم: زين يأبيش انزلي لي.. أنا انتظرش تحت في الحوش.. أنا دريت بالحركة السخيفة اللي سواها كساب.. وجاي أخذش بنفسي.. وكساب دواه عندي.. مزون وخالتها ينتظرونش من الصبح.. ومسوين لش غدا.. وهم حتى استحوا يكلمونش من سحاهم من سوات كساب.. حينها تمنت كاسرة أن تنشق الأرض وتبتلعها.. لم تكن تريد مطلقا أن يلاحظ أحد أن هناك شيئا غير طبيعي بينها وبين كساب.. ولكن تصرفات كساب تجعل الأعمى يلاحظ.. فكيف بمن هم ليسوا عميان؟!! قد يكون في حضور عمها بنفسه لأخذها رد اعتبار حقيقي لها.. ولكن كيف ستركب معه لوحدها.. وهي من كانت تعد العدة لهذا اللقاء.. لو أن كسابا موجود.. أو حتى أحدا من أهله وهي ترى زايدا للمرة الأولى.. كانت رهبة اللقاء قد خفت قليلا.. ولكن أن تراه لوحدها؟!! ليست خائفة مطلقا.. ولا يوجد سبب لتخاف.. ولكنها هيبة زايد.. الرجل الذي رسمت له في خيالها الآف الصور.. والذي تشعر بهيبة لقائه حتى نخاع النخاع.. نزلت ركضا لوالدتها وهي تلبس عباءتها على عجالة وتهتف بنفس مقطوع: يمه عمي برا جاي يأخذني.. مزنة أجابتها ببساطة: اطلعي لعمش.. لا تعطلين الرجال.. كاسرة برجاء حقيقي قلما سمعته مزنة منها: يمه تكفين البسي عباتش واطلعي معي.. بس لين أسلم عليه.. مزنة باستنكار: نعم!! وليش إن شاء الله؟؟ لا تقولين لي خايفة منه.. عاد ما يلبق عليش كلش.. خلصيني يا بنت بلا دلع.. وروحي لعمش.. عيب تنقعينه على الباب.. كاسرة برجاء أشد.. استغربته مزنة أشد الاستغراب: يمه تكفين.. تكفين.. ماتوقعت أني أول مرة بأشوفه.. بأشوفه بروحي.. ما تتخيلين وأشلون هايبة شوفته.. لو تميم هنا كان خليته يطلع معي.. يمه البسي عباتش ووقفي عند الباب بس.. تكفين يمه.. ما طلبت منش شيء.. تكفين.. #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخمسون كاسرة نزلت ركضا لوالدتها وهي تلبس عباءتها على عجالة وتهتف بنفس مقطوع: يمه عمي برا جاي يأخذني.. مزنة أجابتها ببساطة: اطلعي لعمش.. لا تعطلين الرجّال.. كاسرة برجاء حقيقي قلما سمعته مزنة منها: يمه تكفين البسي عباتش واطلعي معي.. بس لين أسلم عليه.. مزنة باستنكار: نعم!! وليش إن شاء الله؟؟ لا تقولين لي خايفة منه.. عاد ما يلبق عليش كلش.. خلصيني يا بنت بلا دلع.. وروحي لعمش.. عيب تنقعينه على الباب.. كاسرة برجاء أشد.. استغربته مزنة أشد الاستغراب: يمه تكفين.. تكفين.. ماتوقعت أني أول مرة بأشوفه.. بأشوفه بروحي.. ما تتخيلين وأشلون هايبة شوفته.. لو تميم هنا كان خليته يطلع معي.. يمه البسي عباتش ووقفي عند الباب بس.. تكفين يمه.. ما طلبت منش شيء.. تكفين.. مزنة برفض: يأمش عيب عليش تطلعيني قدام الرجال.. كاسرة تتنهد: يمه ما أقدر أطلع جدي أوقفه في الشمس.. وإلا كان خذته.. عدا أنه لين أروح لجدي وألبسه وأطلعه أبي لي على الأقل عشر دقايق تكفين تأخرت على عمي ومتفشلة منه.. بس وقفي عند الباب..لين أنا أسلم عليه واركب معه عقب ارجعي داخل.. مزنة كان بودها رفض هذا الموقف المحرج.. لكنها لم تسمع مطلقا كاسرة تترجاها بهذه الحرارة.. لم ترد كسر خاطرها وهي ترجوها بهذه الطريقة غير المسبوقة.. عدا أنه رأت أن الموقف ليس ذا أهمية حتى تحمله أكثر مما يحتمل!! ( وش فيها؟؟ بألبس عباتي.. إن سلم رديت السلام.. وانتهينا) مزنة هتفت بحزم: خلاص بأدخل أجيب عباتي دقيقة وحدة بس.. مع دخول مزنة للداخل..رن هاتف كاسرة.. كاسرة ردت بحرج: هلا يبه زايد بحزم حنون: وش فيش يأبيش.. لا تكونين زعلانة على كساب وماتبين تروحين معي؟؟ كاسرة باستنكار: لا والله.. أنا أصلا ماني بزعلانة من كساب وحتى لو كنت زعلانة.. وأنت جايني بروحك رضيت.. بس أنا فديتك أنتظر أمي تلبس عباتها.. لأنها تبي تطلع تودعني عند الباب.. حينها بدا لزايد كما لو كان سمع شيئا غير طبيعي.. خارق للعادة.. سهم اخترق سمعه.. ليرشق في مكان قصي من روحه!! مكان ظل لها وحدها طيلة أكثر من ثلاثين عاما!! مكان لم يقترب منه أحد.. لأن ذكراها كانت تحرسه بوحشية وتمنع أيا كان من مجرد الاقتراب من حدوده!! "هل قالت أن مزنة ستخرج معها؟؟ هل قالت ذلك؟؟ أم أنا كنت أهلوس وأتخيل؟" شعر أن ذلك السهم الذي رشق في روحه.. أحدث عطبا وفتقا غير قابلين للرتق!! فهو طيلة السنوات الماضية لم يراها مطلقا.. وحرص ألا يراها.. كان يخشى من دمار كهذا!! هاهو الآن يرى نزيف روحه يتجسد أمامه.. بحيرات بحيرات.. يكاد يقسم أنه يرى احمرار الدم أغرق سيارته حيث يجلس!! يحاول إيقاف النزف.. فلا يستطيع.. وكيف يستطيع ومجرد سماعه أنه سيراها دفع مئات الذكريات المطرزة برائحتها وابتسامتها وعنفوانها.. وحتى سلاطة لسانها!! وكل ذكرى لا تتوانى عن طعن روحه بلا رحمة!! وكل طعنة تحدث مزيدا من النزيف!! "الظاهر يازايد أنك كبرت وخرفت.. احترم نفسك.. وسنك.. السنين مرت.. والحين بتصير جد.. والقلب علته مابرت؟!! " ( وبقدر السنوات التي مرت عظمت ذكراها فكل سنة تمر.. تجسد الذكرى.. حتى باتت أسطورة!! والأساطير لا تتحقق يازايد.. لا تتحقق!! . لا أريد أن أراها.. لا أريد.. لن أنظر لناحيتها حتى!! فهل يستطيع أحد أن ينظر للأساطير بعينيه إلا إن كان مجنونا؟؟ أو يريد أن يُجن ؟!!) كان إحساسه كإحساس من كان يتنفس طوال عمره عبر فتحة أشبه بفتحة ابرة.. حتى اعتادت رئتيه على قلة الهواء.. ثم قالوا له أنك تستطيع أن تتنفس كل هواء العالم دفعة واحدة.. حينها كيف ستكون ردة فعله؟؟ سيرفض.. لأنه يخشى على رئتيه التفجر.. هكذا هو حاله تماما.. يخشى على قلبه أن ينفجر.. قلبه الذي توقف عن النبض منذ واحد وثلاثين عاما..منذ المرة الأخيرة التي رآها فيها يقولون له الآن استعد لتشغيل قلبك بكل طاقته.. كيف سيحتمل القلب الساكن طوال ثلاثة عقود أن يعود للنبض.. وليس أي نبض.. ليس أي نبض!! إنها مزنة.. مزنة!! هل يعلمون من هي مزنة؟!! طوال هذه السنوات التي مضت كانت حينما تمر ذكراها بخياله.. حتى الخيال يقف احتراما لذكراها!! شد له نفسا عميقا..شعر بألم مروره عبر قصبته الهوائية المختنقة وهو يضع كفه اليمين على الناحية اليسرى من قفصه الصدري ويضغط بشدة لأنه يشعر بألم حقيقي يمزق عضلات قلبه.. يتمنى لو يستطيع أن يشق قفصه الصدري لإخراجه من مكانه.. يتمنى لو أنه لم يحضر لإحضار كاسرة.. يتمنى ألا تخرج مزنة مع ابنتها..!! ولكن امنياته ذهبت أدراج الرياح وهو يرى كاسرة تخرج.. وخلفها خيال آخر ملتف بالسواد تماما اعتصم بمكانه قريبا من الباب!! بينما كاسرة تقدمت نحو سيارته.. وجد نفسه حينها يقع في حيرة ما اعتادها أبدا.. وهو من يقرر قراراته دون تردد.. هل يبقى في سيارته حتى تركب معه.. ويسلم عليها في بيته؟؟.. أم ينزل ليسلم عليها أولا..؟؟ وجد أنه مجبر على النزول.. فحضوره هنا أساسا كان لرد بعض اعتبار الفتاة بعد إحراج ابنه لها.. وهو في جلوسه في سيارته سيحرجها أكثر.. نزل من سيارته وهو يركز نظره على كاسرة فقط.. ويحاول ألا ينظر ناحية شيء عداها.. ( لا تنظر ناحيتها.. لا تنظر ناحيتها لا تنظر ناحيتها!!!) كاسرة رفعت نقابها فوق رأسها فسيارته كانت تقف حاجزا بين بوابة البيت وبينها.. تلقته لتقبل أنفه.. وهي تشعر أنها غير قادرة على السيطرة على انفعالها.. بينما كان زايد رغم تركيزه فيها عاجز عن رؤية ملامح وجهها حتى.. تلقاها بتحية فخمة برمجها عقله العملي الحاضر: هلا والله ببنتي.. ياحياش الله نورتي الدوحة أجابته بتهذيب: الله يحيك.. نورها فيها دامك فيها.. "أقصر مني قليلا.. لكنه مهيب فعلا.. تشعر بهيبته تحيطك رغما عنك!!" (شكله في الجرايد غير.. حتى الوسامة والله إنه وسيم جذاب.. مع أنه مافيه مواصفات الوسامة السخيفة المتوارثة والله إنه أحلى من ولده البايخ) "هو كذا.. فيه شيء يشدك لا تعلم ماهو؟؟" هكذا كانت أفكار كاسرة وهي تتبادل السلامات والتحيات مع عمها.. بينما مزنة مازالت تقف في مكانها.. توقعت أنه سيلقي عليها السلام.. ولكنه لم يفعل.. ولا يبدو أنه سيفعل.. لم تهتم.. فربما لم ينتبه أصلا لوجودها.. فهي لا تتوقع أنه تجاهلها عمدا!! لا تعلم أنه تجاهلها عمدا.. لأنه عاجز عن احتمال نتائج عدم تجاهلها.. يعلم أنه كان من الذوق أن يلقي عليها السلام من بعيد.. ولكنه رأى الأسلم أن يدعي أنه لم يراها.. إذا كان شعر بمجرد رؤية الخيال الذي تحاشى بعدها مجرد الالتفات له.. أنه قد يتداعى وينهار.. يتداعى بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فكيف لو ألقى عليها السلام وردته؟؟ " لا أريد أن أسمع صوتها حتى!! أريد أن أحتفظ به في ذاكرتي كما كان..دون أن أنبشه وأنبش مواجعي أكثر من هذا.. لن أحتمل المزيد ولا بأي صورة.. يكفي أن احساسي بوجودها معي في ذات المكان يكاد ينسفني نسفا!!! لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها هو ذاته لم يتغير.. فتتجدد جروحي.. لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها أكثر نضجا وأنوثة.. فتزداد جروحي.. لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها ماعاد يحمل شيئا من رائحة صوتها القديم.. فتُنسف جروحي.." (يا الله.. يا الله.. خل الدقايق ذي تخلص على خير!!) انتهت الدقائق فعلا شد له نفسا مبتورا وهو يعود لسيارته ويهتف لكاسرة بحزم أبوي: اركبي يأبيش.. كاسرة عادت لوالدتها وهي تهمس لها بخفوت: يمه أركب قدام وإلا ورا؟؟.. أمها تبتسم وهي تضع كفها على طرف كتفها: اركبي قدام يأمش.. مهوب سواق عشان تركبين ورا.. كاسرة بتوتر: أدري يمه.. بس ما أدري ليه معه حاسة كل شيء مقلوب.. حينما رآها تعود لأمها.. شعر أن ألم عضلات قلبه يعود بقوة حتى حدود التمزيق المتوحش: يالله هونها وعدها على خير.. ماعادني بحمل ذا كله.. ثبت نظره على مقود السيارة حتى سمع صوت فتح كاسرة للباب.. حينها وبشكل حاد مفاجئ التفت للمكان الذي كانت تقف فيه مزنة.. رأى طرف أناملها فقط على الباب وهي تدخل.. ثم تغلق الباب خلفها.. رأى طرف أناملها فقط..كأنها تودعه للمرة الأخيرة..!! أنامل مزنة!! لم تكن محض أنامل.. كانت علامة من تاريخه الإنساني الذي لا يتكرر.. ثلاثون عاما مرت بين رؤيته لها آخر مرة واليوم.. فمتى يراها مرة أخرى؟ شعر كما لو أن الأكسجين الذي كان يُعمر العالم قبل لحظات قد نفذ كله.. (وش فيها لو أني سلمت بس سمعت صوتها بس!! يا الله.. يا صوتها..!!) مد يده ليفتح أعلى جيب ثوبه.. بحثا عن أكسجين يعلم أنه لن يحصل عليه.. لم يخرجه من حالته إلا صوت كاسرة القلق: يبه فيك شيء؟؟ حينها تذكر المخلوقة التي تجلس جواره.. والتي جاء أساسا هنا من أجلها.. فإذا بالزيارة تتحول لكارثة فعلا.. ويتناسى السبب الذي جاء من أجله.. هتف بصوت مرهق فعلا ورغما عنه.. لأنه حاول جاهدا إخفاء إرهاقه فلم يفلح: مافيني شيء يأبيش.. أنتي قولي لي.. وش أخبار كساب معش؟؟ همست بعذوبة: تمام.. كساب ما يقصر.. صوتها لا يشبه صوت أمها.. صوتها عذب أنثوي واثق.. ولكن صوت مزنة كان متفجرا بالحياة إلى أبعد مدى.. هكذا كانت أفكاره تغتاله..بل تقتله.. أفكاره تعود وتذهب وتعود لترجع إلى مزنة!! لم يعلم أن مجرد الأفكار التي ستثيرها رؤيتها ستكون مؤلمة بل قاتلة هكذا!! هتف زايد بذات النبرة المرهقة: لا تغطين على سواد وجهه.. الحركة اللي سواها ماني بمطوفها له.. وكنه الليلة ماجا وحب رأسك وتعذر فأنا ما أنا بولد علي آل كساب.. وذا الشنب على مرة!! كاسرة انتفضت بخفة.. يجبر كساب على الاعتذار؟؟؟.. تتخيل ما الذي قد يُجبر كساب على الاعتذار.. فلا تجد.. لا تتخيل شيئا قد يلوي ذراع كساب.. بدت لها فكرة اعتذار كساب مثيرة.. وفي ذات الوقت مقلقة!! همست كاسرة بهدوء: أنا اقدر ظروف شغل كساب.. وعارفة إنه تارك شغله ذا الأيام كلها.. فلازم إنه يرجع له.. ابتسم زايد: كذا المرة الأصيلة تدمح خطأ رجّالها.. لكن خطأ كساب كبير وأنا بأعرف أحاسبه عليه زايد نفسه مازال لا يعرف الطريقة التي سيجبر فيها كسّاب على الاعتذار.. فهو مثلها يعرف أنه لا يمكن أن يلوي ذراع كساب.. لكنه حتى ذلك الحين سيرتجل.. . . يدخلان إلى البيت.. يهتف زايد بمودة: اخذي راحتش يأبيش.. علي خذ له جناح تحت وبابه على برا.. وحتى أنا خذت لي غرفة تحت.. لأن عفرا ذا الأيام عندنا.. كاسرة لا تنكر إحساسها بالحرج.. وهي تخلع نقابها وتدخل.. حينها رأى وجهها بوضوح.. فتح عينيه وأغلقهما.. وهو يشعر أن الألم الفعلي الذي لا يريد مبارحة قلبه اليوم يتزايد..ويتزايد!! " يا الله بها شبه كبير من والدتها.. وخصوصا التماعة العينين المتمردة.. التي كانت تأسرني وت وتذبحني وتنهيني في لحظات!! وقد تكون أجمل من مزنة بكثير.. ولكن حسن مزنة كان شيئا مختلفا في عيني.. مختلفا لأبعد حد!!" (يا الله.. يبدو أنها لن تبرح تفكبري اليوم) مزون وعفراء ووقفتا بمودة وهما ترحبان بكاسرة ترحيبا دافئا حماسيا بكل المودة!! بينما زايد هتف بإرهاق وهو يغادر: مزون يأبيش أنا بأروح أنسدح قوميني لصلاة العصر.. ما أبي غدا والله الله في كاسرة.. زايد غادر بينما مزون همست بقلق: خالتي فديتش.. قهوي كاسرة ثم طلعيها لغرفتها ترتاح لين الغدا.. أنا بأروح أشوف أبي وش فيه؟؟ مهيب عوايده!! . . حين دخلت عليه كان يخلع ثوبه.. حين رآها.. ابتسم: وش فيش يأبيش؟؟ ليه خليتي مرت أخيش ماقهويتيها؟؟ مزون بقلق: يبه وش فيك؟؟ مهيب عوايدك تنسدح ذا الحزة.. وقبل ما تتغدى.. زايد بأبوية حانية: مرهق شوي يأبيش.. شيبنا ماعاد فيه لياقة مثل أول!! مزون تبتسم: وش شيبت؟؟ أنت أساسا شيخ الشباب.. يتمدد على سريره ويهمس بإرهاق: وش شبابه؟؟ يا الله حسن الخاتمة.. مزون تجلس جواره على سريره وتهتف بضيق: تدري إني ما أحبك تقول كذا.. يبه أنت ترد العين عنك.. تراني ما أنا بنظول.. ابتسم وهو يربت على كفها ويغلق عينيه: يأبيش بس أبي أتمدد شوي.. حاس مافيني حيل.. مزون انتظرت عنده لدقائق.. حتى ظنت أنه غرق في النوم.. أغلقت الإضاءة والباب خلفها بخفة وهي تغادر.. لم تعلم أنه لم ينم.. ولن يستطيع النوم.. ولكن جسمه خال تماما من أي طاقة!! كما لو أن رؤيتها سحبت كل المؤشرات الحيوية من جسده.. كما لو أن كل ما يعتصم به من جلد طوال حياته تبخر في لحظة واحدة!! هذا وهو لم يراها فعلا بمعنى الرؤية.. فكيف لو رآها!! (الظاهر يازايد أنك كبرت وخرفت.. عمر اللي راح مايرجع عمر اللي راح مايرجع ) . . " تعالي يأمش.. ادخلي برجلش اليمين وسمي باسم الله وادعي إن الله يعطيش من خير المكان ويكفيش شره" كاسرة خطت للداخل مع عفراء وهي تفعل كما تقول وتبتسم: هذا أنا سميت ودعيت وهي تهمس في داخلها (أكيد محتاجة الدعوات.. من ربي بلاها بولد أختش.. محتاجة الدعوات والصبر) عفراء بمودة: شوفي شناطش كلها حطيناها هنا.. ماقلتي لنا إنش تبين نرتبها كنا رتبناها.. خليناها لين تجين.. حتى شناطش اللي قبل.. كاسرة بمودة: الله يعطيش العافية خالتي.. أنا بارتبها بنفسي.. عفراء بحنانها الطبيعي: إن بغيتي مساعدة منا وإلا من الخدامات.. تكفين لا تستحين.. ثم أردفت عفراء بحرج: يأمش أنا مالي وجه من سوات كساب.. بس تكفين لا تزعلين منه.. أنتو في أول حياتكم.. ولو كبرتي الشيء بيكبر.. ولو صغرتيه بيصغر... كاسرة بمودة: ماني بزعلانة.. وأنا مقدرة ظروف شغل كساب.. عفراء غادرت وهي تهمس بمودة: خلاص الغدا عقب ساعة تكونين ارتحتي شوي.. وترا عقب كم يوم نبي نسوي لش عشا.. اعزمي كل ربعش.. كاسرة كانت تتقدم لداخل الغرفة إن كان يصح تسميتها محض غرفة.. كانت أشبه ما تكون بشقة ضخمة.. تبدأ بغرفة جلوس وتنتهي بغرفة النوم مرورا بقسمين آخرين.. أحدهما فيه مكتب ومكتبة ضخمة.. والآخر فيه أجهزة رياضية المساحات شاسعة جدا.. ويوجد حمامان.. أحدهما في غرفة الجلوس والآخر في غرفة النوم.. في داخلها لم تشعر بالارتياح للمكان.. فاره جدا.. فخم جدا.. قاس جدا.. بارد جدا.. تمنت مكانا أصغر.. أدفأ.. أكثر حميمية!! كانت تقول إنها حين تعود للدوحة تستطيع محاصرة كساب.. اكتشاف خباياه.. بينما هما خلال شهر العسل كانا شبه متلاصقين طوال الوقت عدا الأيام الثلاثة الأولى التي أخذ فيها دورة التسلق..ولم تستطع اكتشاف شيئا.. فكيف هنا في ظل انشغاله بعمله.. ثم حين يعود يستطيع الابتعاد عنها حتى وهما في مكان واحد.. في مثل هذه الغرفة المملوءة بأماكن التباعد.. تشعر بحياة مقبلة ملأى بالتعقيدات بينهما.. وهاهي التعقيدات بدأت في ظل شعور أهله أنه أخطأ بحقها وهم يكيلون لها الاعتذارات.. لا تريد أن يشعر أحد بما بينها وبين زوجها.. فهي تستطيع حل مشكلاتها لوحدها.. لا تريد أن تبدو مثارا لشفقتهم.. وزوجها يتعمد تجاهلها.. فهي تستطيع حل مشاكلها!!! أو... إنهائها من أساسها!! *************************************** " تدرين أني اشتقت لعبود الخايس.. ما لحقت أشبع منه.. إلا هو ناط مسافر وما أدري متى بألحق أشبع منه وأنا بأرجع باريس عقب شهر!!" جوزاء تنظر بحرج لعالية التي كانت تهمس هذه العبارة بتأفف حقيقي.. وتكمل بذات التأفف: اليوم كلمته.. أسأله متى بيرجع.. يقول لي يمكن أسبوع بعد.. نعنبو وش ذا الشغل!! حتى أمي متضايقة واجد.. تقول المسكين مالحق يتهنى ولا يرتاح إلا هم منتدبينه شغل.. وأبي مثلها.. بس طبعا ابي مستحيل يبين.. ابي كان عامل حسابه إن عبدالله بيوديه العمرة عقب أسبوعين.. خاطره في خوته على طريق طويل.. ماشبع منه ولا من سوالفه.. الحين خلاص مايقدر يقول له يوديه وهو توه راجع من السفر.. كانت عالية تنهمر بتأففاتها المتذمرة المغلفة بحزن بالغ الشفافية.. بينما جوزاء تستمتع بحرج.. وهي تحاول ألا تظهر حرجها.. وهي تحاول الإنشغال بحسن الجالس في حضنها.. تحاول ألا تشعر بالذنب.. ولكنها تشعر بذنب عميق.. ليس من أجل عبدالله.. فهو يستحق مافعلته وأكثر منه أيضا.. ولكنها تشعر بالذنب من أجل أهله الذين أبعدته عنهم وهم مازالوا ملهوفين له وعليه.. رن هاتف عالية وهي مازالت مستمرة في موال الشكوى من غياب عبدالله.. كان المتصل هو نايف يطلبها أن تأتيه في مجلس النساء.. عالية ذهبت لنايف.. لتتناول جوزاء هاتفها وترسل بأنامل مرتعشة: "عبدالله تكفى لا تتاخر.. تكفى ارجع في أقرب وقت" حين وصلت رسالتها لعبدالله.. شعر كما لو أن أحرف الرسالة مسامير لاهبة انغرزت في شغاف قلبه حتى أقصاها.. ومع ذلك شعر في داخله بتوجس ما.. (وش عندها جوزا؟؟ أكيد مهيب خالية وراها شيء) ولكن رغما عنه أثرت به رجاءاتها لأبعد حد.. أرسل لها: "اشتقتي لي؟؟ صح؟؟ قولي أنش اشتقتي لي.. وأفكر عقبها أرجع" حين وصلها رده.. اشتعلت غضبا: "قلت لك قبل اشتاق أشوف الموت ولا أشوفك بس هلك فاقدينك واجد أنا حبيت أبري ذمتي وأبلغك!!" حينما وصله رسالتها شعر بتصاعد السخرية المرة في روحه: " خوش تبرية للذمة!! ليش ما تقولين أنش حاسة بالذنب عشان اللي سويتيه؟؟ وعلى العموم متى ماقدرت أرجع رجعت.. عشان هلي اللي فاقديني مهوب عشانش!!" ألقت بهاتفها جوارها وهي تشعر بالغيظ: إيه اطلع على حقيقتك يا الكذاب!! خلك كذا.. لا تكذب علي.. ******************************************** "هاه يامش.. أشلون مكانش؟؟" كاسرة تنظر حولها وهي تزم شفتيها بعدم رضى ومع ذلك أجابت والدتها بثقة: الحمدلله يمه.. زين... مزنة بمودة وهي تثبت الهاتف على أذنها: زين الليلة أنا وأختش وعمتش وشعاع بنجيش ونجيب لش قهوة.. جوزا كان جات معنا.. بس رجّالها الحين مسافر.. تقول لا رجع.. جاتش إن شاء الله.. كاسرة تبتسم: من جدش يمه!! وش قهوته؟؟ مزنة تبتسم: لازم نجي ونكبر قدرش قدام جماعتش.. بعد وضحى طالبة لش فوالة غير شكل!! كاسرة بمودة: الله لا يخليني منكم.. ما ابي إلا شوفتكم.. مزنة بتساؤل عفوي باسم: إلا عمش وش أخباره معش.. ها طلع يأكل بشر يومش خايفة منه؟!! كاسرة بابتسامة عذبة: ماني بخايفة منه.. بس هايبته.. فيه فرق.. وفعلا يمه لازم الواحد يهابه.. اتسعت ابتسامتها: تدرين يمه عمي يجنن.. لو هو اللي كان خطبني بدال ولده كان واقفت عليه بدون تردد.. بس يا الله الحين أكتفي فيه اب.. وأتصبر بولده!! مزنة تضحك: صدق ماعندش وقت... إلا تعالي ليش عمش ماعنده ذوق كذا حتى السلام ما سلم علي.. وأنا واقفة كني طوفة.. كاسرة بلباقة: ما أدري يمه.. يمكن ما أنتبه أنش واقفة.. ما اعتقد إنه بينتبه ومايسلم.. أصلا هو جنتل وكله ذوق ****************************************** " هلا والله بالعريس.. ياحياك الله" كساب يلتفت لعمه ويهتف بنبرة مقصودة: الله يحيك.. كساب توجه لعمه وهو عائد من عمله دون أن يعود لبيته حتى.. فعلي أبلغ كسابا بوجود خلاف بسيط بين عمه وخالته..وأن خالته عندهم الآن حتى يمتص غضب كساب قبل أن يعود للبيت.. لم يعلم أنه لن يعود وأنه سيتوجه لعمه مباشرة.. رغم أنه على كل الأحوال.. كان من المستحيل أن يأخر السلام على عمه.. وخصوصا أنه توجه لشركة والده في الصباح وسلم عليه!! كساب سأل عمه بذات النبرة المقصودة: عمي.. أبي أسلم على خالتي قم نروح داخل لها.. حينها نظر له منصور بنصف عين: تدري يا ولد أخي ترا دور البريء مايلبق عليك ما سمعت المثل اللي يقول: مبروم على مبروم مايلف.. وأنا وأنت كل واحد منا مبروم.. أنت داري إن خالتك في بيتكم.. فليش محاولة التغابي البايخة ذي!! حينها سأله كساب بنبرة يحاول أن يتحكم بالغضب فيها: وخالتي وش اللي وداها لبيتنا ياعمي.. وش اللي طلعها من بيتها؟؟ منصور بحزم: أسأل خالتك.. أنا ماطلعتها من بيتها.. هي اللي باعت البيت وراعيه.. حينها هتف كساب بغضب: خالتي طول عمرها تستحمل وما تشتكي.. وماحدها على ذا إلا شيء كايد..وش سويت فيها؟؟ منصور بحزم أشد: أص ولا كلمة.. كساب انقلبت عيناه من الغضب: لي أنا تقول أص.. منصور هز كتفيه بسخرية مريرة: زايد قالها لي وأنا بيني وبينه ست سنين فليش ما أقولها لك وبيني وبينك 15 سنة.. تدري كساب أنت آخر واحد يحق له يفتح ثمه.. كساب يحاول أن يكتم غضبه حين بدت له حرقة عمه: وليش مايحق لي أفتح ثمي.. منصور حينها كان من هتف بغضب: لأنك منت برجّال.. ولا حركتك اللي سويتها في مرتك اليوم حركة رجّال أنا لو أني راجع مع مرتي من سفر.. واتصلت فيني قيادة الجيش شخصيا.. كان قلت لهم بأوصل مرتي للبيت وعقب بأجيكم.. مهوب أحذفها في المطار وأخليها ترجع بروحها.. كسّاب استرخي في جلسته وهو يهتف ببرود: ماشاء الله ما أسرع وصلتك العلوم.. منصور رد عليه ببرود مشابه: مثل ما وصلتك العلوم... كساب ببرود حازم: لا تقارن خالتي بمرتي.. كل مرة لها طريقة تعامل.. وأنا بعد لو كنت راجع من السفر وخالتي هي اللي معي كان لازم أوصلها للبيت أول.. لو حتى كان شغلي كله بينهار.. منصور بحزم: المرة هي المرة... عشان كذا أنت مايحق لك تتكلم.. يعني لو زايد يعاتبني.. أقول له عتابك على رأسي.. لأنه بعيني شفت أشلون كان زايد يعامل وسمية.. كان باقي يحطها على رأسه من كثر ما يحترمها ويعزها.. مهوب مثلك.. حينها سأله كساب بحزم: زين يحترمها ويعزها.. كان يحبها؟!! منصور بحزم: فيه زواجات واجد تستمر وتنجح وهي مافيها حب.. لكن مافيه زواج يستمر بدون احترام.. حينها نظر كساب لعمه بشكل مباشر وهتف بمباشرة حازمة: زين دامك ماشاء الله قاعد تعطي نصايح.. وعارف مشكلتي مع مرتي وش مشكلتك أنت مع خالتي؟؟.. ما كنت تحبها؟؟.. أو ماكنت تحترمها؟؟ منصور بنبرة حازمة: أنا عارف عدل وش مشكلتي مع خالتك.. لا هي قلة احترام ولا قلة حب.. لأنه ماظني فيه رجال يحب مرته ويحترمها مثل ما أنا أحب خالتك واحترمها مشكلتي اللي أنا عارفها عدل.. أني رجال عسكري.. أنا في العسكرية من يوم عمري17 سنة.. العسكرية ربتني أكثر من هلي وطبعي العسكري حاضر حتى في بيتي وأعرف نفسي عنيد ورأسي يابس وما أتراجع في قراراتي ماحسنت صورتي ولا دورت أعذار لروحي.. ثم انهمر بعتب عميق عاصف: وخالتك عارفة عيوبي ذي كلها.. وعارفة قبل ذا كله أني ما أحبها تدخل حد في حياتنا لو أنها ماصغرتني قدام زايد وعلي..لو أنها مادخلت حد بيننا.. ولو أنها عقب مادخلتهم بيننا.. احترمتني وماكبرت السالفة ورجعت معي لبيتها.. كان شلت جميلها فوق رأسي أنا حتى البيت قلت لها باكتبه لها.. ولو أنها رجعت للبيت كان أنا قعدت في المجلس لين تولد لو بغت.. وكان سويت لها كل اللي هي تبغيه.. لكن خالتك باعتني وصغرتني.. فلا تجي ذا الحين يا ولد أخي تنفخ صدرك علي.. وتبي تحسسني أني غلطت على خالتك.. إيه أنا غلطت.. بس غلطها هي أكبر.. لأن مشكلة أي زوجين دامها بينهم فهي صغيرة.. وتنحل لكن يوم تطلع برا بيتهم.. تكبر.. وحلها يصير صعب واجد... ************************************** " بكرة ابي بيصوم أول الأيام البيض وناوي أصوم معه تصومين معي؟؟" نجلاء بابتسامة عذبة وهي تتناول غترة صالح وعقاله منه: كان ودي حبيبي.. بس ما أقدر أصوم.. الشهر الجاي أصومهم معك!! حينها تغير وجه صالح وهو يجلس على طرف السرير ويهتف بضيق: ما أدري ليه توقعت ذا الشهر بشارة حلوة منش.. نجلاء بذات الابتسامة العذبة: الله يجيب خير من عنده.. لا تتضايق.. صالح بذات نبرة الضيق: ما أقدر أكذب عليش وأقول أني ماني بمتضايق.. ميت أبي بيبي جديد.. أكثر حتى من أيام خويلد.. نجلا قربنا ندخل السنة العاشرة من زواجنا وماعندنا غير ذا الولدين.. وأصغرهم عمره 5سنين.. حينها هتفت نجلاء بضيق: فيه ناس يقعدون عشرين سنة وحتى طفل واحد ربي ما يرزقهم.. قل الحمدلله على عطاه.. صالح بنبرة تسليم: الحمدلله على عطاه.. والله يخلي لنا خالد وعزوز ويرزقنا برهم.. بس لا تنسين إن المال والبنون زينة الحياة الدنيا.. حينها جلست نجلاء جواره وهي تدفن وجهها بين كفيها وتنخرط في بكاء مفاجئ بلا مقدمات صدم صالحا ليلف جسده كاملا ناحيتها وهو يربت على كتفها ويهتف بقلق حنون: نجلا اشفيش؟؟ نجلاء بين شهقاتها الخافتة: أنا دارية أنك تبي تلومني وساكت.. أول شيء كان العيب مني وأنت اللي صبرت علي.. وعقبها أنا طولت في الحبوب وأنت منت براضي.. والحين أكيد تلومني على كل شيء!!.. أنا بروحي حاسة بالذنب.. وحاسة بالضغط من كل ناحية!! أنت.. وفرش البيت.. وعرس سميرة.. تكفى لا تزودها علي!! صالح شدها وهو يزيل يديها عن وجهها ثم يدفن وجهها المحمر في عرض صدره ويهدهدها كأنه يهدهد طفلة: خلاص ياقلبي.. ما ابي بزران.. والله ما أبي.. دام ذا السالفة تضايقش بلاها.. أنا ماصدقت ترضين وترجعين.. خلاص ياقلبي لا تنكدين على نفسش.. لا شفتش متضايقة ضاقت علي الوسيعة!! ************************************ "هلا يبه.. قلت تبيني أمرك أول ما أرجع البيت هذا أنا جيت" زايد يلتفت لكساب ويهتف بحزم اقعد بيننا كلام.. كساب جلس وهو يهتف بحزم مشابه: آمرني!! زايد بأمر صريح ومباشر: تروح الحين لمرتك وتعتذر لها على موقفك السخيف معها.. وتحب رأسها.. كساب بنبرة تهكم: وأحب رأسها بعد؟؟ ثم مال على والده من قرب وهو يهتف بتساؤل بنبرة مقصودة: دامك تأمرني بذا الطريقة.. فأشلون بتجبرني لو أنا مارضيت.. حاس أنك مجهز لي شيء!! زايد حينها هتف له بنبرة حزم مخلوطة بالتهديد: دام أمر أبيك لك ماله قيمة عندك.. وتبي تنجبر.. خلاص يا تنفذ.. يا أسحب المشروع منك.. حينها وقف كساب وهو يهز كتفيه بعدم اهتمام: اسحبه.. ولا تنسى تدفع لي الشرط الجزائي لأنك أنت اللي تبي تلغي الاتفاق.. ما نعيف السيولة.. وخصوصا لا كانت بذا الحجم.. حينها شد زايد يد كساب بحدة: اقعد يا ولد.. انت ماتعرف تحشم حد!! كساب مال على رأس والده يقبله وهو يهتف باحترام: محشوم يابو كساب.. بس ما يجهلك أنه مهوب أنا اللي يلوى ذراعي.. أنا ولدك.. ابتسم زايد بفخامة وحميمية : وأنا اشهد أنك ولدي.. ودامك ولدي.. تبي تفشلني في البنية الي وعدتها أنك بتعتذر لها وتحب رأسها ؟؟ تبي تصغرني عندها.. وتدري أني مالي كلمة عندك..؟؟ ترا والله يأبيك سواتك فيها منقود وفشيلة.. والرجّال إذا خذ بنت الأجواد لازم يكرمها لأن ذا من طيب أصله.. ابتسم كساب بتلاعب: حاضرين يابو كساب.. نحب رأسها ونتعذر.. ما يعيف حبة ذاك الرأس كون الخبل.. وأنا ما أنا بخبل.. حينها ابتسم والده بتلاعب شبيه: وكاد يأبيك.. وكاد.. حينها تجاوز كساب الخطوط الحمراء وهو يسأل والده بنبرة مقصودة: زين يبه دامك تقول وكاد.. من الأزين يبه.. مرتي وإلا أمها يومك خابرها وهي صغيرة؟؟ حينها رد عليه والده بنبرة مقصودة مشابهة وهو ينظر لها بنظرة مباشرة: والله ذا السؤال اسأله لروحك وجاوب أنت عليه.. لأن الثنتين حلالك.. أنت تشوف وتحكم.. "اتركني يا بني في حالي.. لا تنبش مزنة ولا ذكراها.. فاليوم كل الجراح مكشوفة.. لا تذر الملح على جراحي.. ودعني أضع الرماد فوق الجمر الذي لن ينطفئ لهيبه ولكن يتوارى حتى أكمل المسير كما سرت طوال حياتي!!" ******************************** " هلا والله بالعريس الطفشان!!" كساب يبتسم وهو يتلقى خالته بحضن دافئ: طلعتوا علي سمعة خايسة.. الحين الواحد لا صار عنده شغل ضروري واضطر يروح له تسوون له ذا السالفة كلها.. خالته تبتعد عن حضنه قليلا وتبتسم: ايه لا صار جاي من شهر العسل دايركت.. نسوي له أكبر من ذا السالفة.. كساب ينظر لمن وقفت بتردد وهي تتقدم بتوتر: الحمدلله على السلامة كساب.. كساب يلتفت لها وهو يميل بصفحة خده إليها ويهتف بهدوء حازم: الله يسلمش مزون.. أشلونش أنتي؟؟ حينها قبلت خده باشتياق وهي تهمس بمودة: الحمد لله.. شيء في داخله يدعوه لتخفيف التحفز ضد مزون.. إن كان هناك أخرى دخلت على الخط.. باتت على قرب قريب منه.. ومن أنفاسه!! أفلا تستحق شقيقته من باب أولى بعضا من هذا القرب؟!! تمنى وهي تقبل خده لو شدها إلى حضنه.. ولكنه لم يستطع.. فمازال درب سواد قلبه طويل.. طويل!! هتفت خالته بنبرة مقصودة: ترا مرتك فوق.. كانوا أهلها عندنا وتوهم راحوا من شوي.. التفت لها وهو يهتف بتقصد: أدري إنها فوق.. حينها ردت عليه خالته بتقصد أكبر: وأنت وش عرفك إنها فوق.. والبنت معنا من ظهر ماشفتك دقيت عليها.. أمها دقت.. أخوانها دقوا.. أهلها.. صديقتها.. بس حضرتك لا.. أعرف العروس ذا الأيام مايسكت تلفونها اتصالات ومسجات من رجّالها.. استدار ليواجه خالته بحزم: اشتكت لش كاسرة من مني؟؟ عفراء باستنكار: حاشاها بنت الأجواد.. إلا تدور لك المعاذير.. حينها مال كسّاب على خالته وهو ينظر لعينيها: وكذا المرة الأصيلة مهما صار بينها وبين رجالها تدور له المعاذير.. حينها فهمت خالته تعريضه هتفت بحزم: بس المعاذير بيجيها يوم وتخلص يأمك.. وحينها هتف كساب بمصارحة حميمة حانية: تدرين خالتي أنتي بالذات أنا معش ظالمة وإلا مظلومة.. ولو أدري عمي ضايقش بأدنى شيء وما علمتيني.. بأزعل.. بس ما أقدر أنكر إن زعل عمي وحسرته ضايقوني واجد.. عمري ماشفت عمي مقهور كذا!! كساب غادر بينما عفراء جلست.. " إلا تنبشني يأمك.. أنت بالذات من بدهم كلهم.. ماهقيتك بتوقف مع عمك ضدي بروحي متضايقة وراكبني الهم أسأل روحي.. أكل ؟؟.. حد قومه للصلاة؟؟ حد قومه للدوام؟؟.. من بيريقه..؟؟ من بيخفف عنه لا جا متضايق وتعبان من شغله ؟؟ من؟؟ ومن؟؟ ومن؟؟ " ************************************** كانت مستغرقة في الترتيب حين شعرت بشفتيه وقبلته الدافئة على كتفها العاري.. ارتعشت بخفة وهي تلتفتت إليه بنظرة حادة عميقة وتشد روبها الحريري من جوارها لترتديه.. أخذ الروب من يدها وألقاه أرضا وهتف بتلاعب: دام تبين تتسترين عني.. أكيد زعلانة ؟؟.. كاسرة تناولت روبها لترتديه وهي تشده على جسدها وتهتف بحزم: زعلانة؟؟ لا من قال؟؟ وليش أزعل أساسا.. أنت الظاهر خذتني من الشارع .. عشان كذا عادي عندك ترميني في الشارع.. هتف بذات نبرة التلاعب: أفا.. أفا.. وش ذا الكلام كبير؟!! حينها انفجرت كاسرة بغضب: وتمسخر بعد ؟!! شوف كسّاب أنا تحملت منك واجد في سفرنا.. كنت أقول لنفسي تحملي يا بنت.. كبري عقلش.. لا تفضحين نفسش ورجالش وأنتي بلاد غربة.. خلكم لين ترجعون ديرتكم وعقب تفاهمون مثل الأوادم.. أول ما رجعنا ديرتنا.. سويت فيني اللي مافيه رجال يسويه في مرته!! وخليت هلي وهلك يحسون إن فيه شيء مهوب طبيعي بيننا وحن مالنا أسبوعين متزوجين.. شوف ياولد الناس أنت يأما تعاملني بما يرضي الله وتحترمني.. يأما كل واحد يروح طريقه!! حينها رفع حاجبا وأنزل آخر: وأنتي كذا عادي عندش تروحين لبيت هلش مالش أسبوعين من عرستي.. أجابته بثقة: الحياة ماتوقف عشان كلام الناس لأنه كلام الناس عمره مايخلص أنا كان يهمني مانقطع سفرتنا.. عشان ما أجيب لنفسي شبهة.. لكن الحين.. كفاية يعرفون الناس إنك خليتني في المطار ورحت لشغلك عشان يشوفونه مبرر منطقي أخليك.. أجابها بشبح ابتسامة: ومايهمش الناس يقولون شوفوا كاسرة الي مافيه أحلى منها رجالها ما استحملها ..طفش منها وهم عادهم في المطار.. وتحجج بشغله..؟؟ أجابته بحزم بالغ: مايهمني حد.. أنا إذا ماسويت خطأ.. مايهمني حد.. خلهم يتكلمون لين يشبعون.. حينها شدها ناحيته برفق ليقبل جبينها وهو يهتف بعمق: أنا آسف.. ماهقيت أنش بتزعلين.. كاسرة ارتعشت بخفة.. لم تتخيل أنه قد يعتذر وهو من يقول أنه لا يعرف الاعتذار.. لا تنكر أبدا أن اعتذاره أثر بها..تأثيرا شفافا غائرا في الروح.. هتف بنعومة وهو يمسك بذقنها: زين أنا حبيت رأسش أراضيش.. راضيني أنتي.. وأنا اليوم أي حد يشوفني يهب فيني عشانش.. محتاج رضوة كبيرة.. حينها سألته بعمق به نبرة حزن وهي تنظر لعينيه: عمي زايد جبرك تعتذر؟؟.. أجابها بذات العمق: أظني ما يجهلش.. أنه ماحد يجبرني.. ما أنكر إنه حاول يجبرني.. وهددني يسحب المشروع لكن أنا بعد هددته بالشرط الجزائي.. أنا اعتذرت لأني ذا المرة زودتها عليش واجد.. ومع كذا ما اشتكيتي مني وحشمتيني.. تسائلت بثقة موجوعة: لو انا علمت عمي زايد أنكم غلطتوا في مخططات مشروعه.. وعقبه يفسخ العقد وأنت اللي تدفع الشرط الجزائي.. مهوب أحسن..؟؟ هتف كساب بابتسامة: تسوينها؟؟؟ أجابته وهي تبتعد عنه وتهتف بذات الثقة الموجوعة: ما أسويها.. مع أنك تستاهل.. كساب أوقفها وهو يشدها ناحيته ويهتف لها بعمق: عادش زعلانة.. يعني اعتذاري ما كفاش.. همست له بحزن: ويعني اعتذرت الحين بيني وبينك.. هل اعتذارك بيلغي الحرج اللي أنا حاسة فيه طول اليوم وأنا أبرر أنك مشغول وأنا أقدر شغلك كساب احنا ماحن بعايشين بروحنا.. معنا هلك.. وأنا ممكن أستحمل أي شيء إلا أنك تقلل احترامي قدام الناس.. كساب لاحظ أنه من بداية زواجنا وأنا اللي أحاول أخلي مركبنا يمشي.. وإلا لو عليك أنت كان غرقته من أول يوم!! وما أدري ليه أحس أحيانا إن هذا قصدك.. إنك تغرق مركبنا.. ما تبيني كساب.. لا تطول السالفة.. كل ماطالت كل ماصعبت.. حينها سألها بعمق: وأنتي ليش يهوون عليش كل موقف والثاني تلمحين أو تصرحين إنه الحل إنه نخلي بعض؟؟ يعني لذا الدرجة بايعتني؟!! أجابته كاسرة بحزن حازم: يعني أنت اللي شاري؟؟.. أو تصرفاتك تصرفات شاري؟؟ أجابها بثقة طاغية وهو يشدها ليحتضنها بقوة حانية: إيه شاري.. مهما بدت تصرفاتي غريبة وسخيفة وتضايق.. دامش ما تبيعيني ولا ترخصيني.. فأنا شاري وشاري وشاري لا تشكين أبد في ذا الشيء !! ***************************************** اليوم التالي " غريبة كساب المصدوع مانزل لشغله لين الحين!!" مزون تبتسم: خليه خالتي.. يقعد عند مرته شوي.. وإلا سواته البارحة سوات عاقل.. وهما تتحاوران سمعا صوت علي: خالتي مزون عندكم حد؟؟ عفراء بحنان: تعال يامك مافيه حد.. علي دخل باستعجال وهو يقول: صبوا لي فنجال قهوة بس.. عندي شغل ما ابي أتأخر عليه.. عفراء بذات الحنان: يأمك اقعد وسم بسم الله.. علي بذات الاستعجال وهو يمسك بنفجانه: بسم الله.. وترا عمي كلمني.. يسأل يقول وين حطيتي النياشين حقته.. عندهم استعراض اليوم!! عفراء بضيق: ومايقدر يتصل يسأل بنفسه؟؟ وإلا صار يبي وسيط؟؟ علي ابتسم: بصراحة خالتي أنتو النسوان مخلوقات غريبة.. الحين قبل يومين ثايرة بينكم.. وطالعة من بيته.. وتبينه يكلمش اليوم ماكأنه صار شيء!! عفراء بذات الضيق: يأمك ماراح تفهمني.. صحيح أنا زعلانة من منصور.. وأبي لي وقت أرتاح من ضغطه علي.. بس موب معنى كذا إنه حتى الكلام ماراح أكلمه.. منصور رجّالي وابو ولدي.. علي يقف ويهتف بذات الابتسامة: والله مخي على قدي وصعب علي أفهم تعقيدات مثل هذي.. خلاص اتصلي في رجالش وبلغيه وين مكان أغراضه.. لأنه مستعجل وشاب نار.. علي غادر بينما عفراء تهتف خلفه بغيظ: علي لا تصير سخيف تعال أقول لك وين أغراض عمك تكلمه.. علي يشير بيده وهو يغادر: كلمي رجالش بنفسش.. مزون تضحك: خلاص قولي لي وأنا أتصل له.. عفراء أخبرت مزون.. ومزون اتصلت وهي تضع الهاتف على (السبيكر) عفراء تشير بيدها (سكريه بلا سخافة) لكم مزون تركته مفتوحا وهي تتصل لتهتف بكل احترام مودة: هلا عمي صباح الورد جاءها صوته مرهقا مستعجلا: هلا يابيش.. ألمها قلبها حين سمعت ارهاق صوته.. كان بودها لو انتزعت الهاتف من يد مزون لتساله لماذا يبدو صوته مرهقا هكذا؟؟ ولكنها لم تتحرك أبدا من مكانها وهي تستمع.. فهي تعلم لِـمَ هو مرهق.. لأنها هي ذاتها مرهقة.. ولكنها هذه الأيام كانت مرهقة أكثر في قربه وكلاهما يحتاج إلى فترة راحة ودراسة قرارات.. مهما بدت فترة البعاد صعبة!! مزون بذات المودة: عمي فديتك أغراضك تراها في صندوق في الدرج الثالث من التسريحة.. حينها أجابها بحنان: مشكورة يأبيش.. مزون بعفوية: عمي تبيني أجي أرتب لك شيء.؟؟ أسوي لك شيء؟؟ حينها أجابها بحزم أقرب للغضب :مشكورة .. ليه شايفتني مكسح؟! أنا بس أبي لي كم يوم وأتعود على مكان كل شيء.. حياتي كلها وأنا متعود أسنع أغراضي بنفسي.. وأسهل مابه أرجع أتعود مرة ثانية.. وإذا كني تعودت الكم أسبوع الي فاتوا إنه حد يسنع لي.. ممكن أجيب لي بدل الصبي اثنين يسنعون مكاني وأغراضي.. وليش أجيب.. أصلا المجلس مليان صبيان.. أخلي واحد من اليوم يرتب أغراضي!! انتهى الاتصال لتهمس عفرا بضيق عميق وحزن أعمق: عاجبش كلام عمش.. يبي يدخل الصبيان بيتي وغرفتي ويخليهم يتعبثون في أغراضنا.. لا وزيدي على ذا كلامه المبطن.. أني أنا وجودي كان عشان أسنع له مكانه.. والخدم يكفون عني!! مزون بمؤازرة: خالتي الله يهداش.. لا تضايقين نفسش.. كلام عمي كلام واحد محتر.. عفراء بألم عميق: لا مهوب كلام واحد محتر.. إلا كلام واحد شايل في قلبه!! ***************************************** بعد عدة أيام " صالح يأبيك.. عبدالله ماقال لك متى بيأتي؟؟" صالح بمودة واحترام: لا جعلني فداك.. حتى بيتي تقريبا خلص.. بس كان فيه كم شغلة أبي أخذ رأيه فيها قدام أنزل.. وما أبي أنزل بعد وهو مابعد جا.. عشان يحضر عشا المنزل.. أبو صالح بتساؤل حازم: وفهد عاده مطول في دورته بعد..؟؟ صالح ابتسم: وش فيه أبو صالح يبي يجمع عياله كلهم.. فهد توه بادي الدورة يبي له أسبوعين بعد.. أبو صالح صر عينيه: يعني مهوب حاضر عرس بنت عمه..؟؟ صالح هز رأسه نفيا: لا طال عمرك في الطاعة.. فهد ماصدق ذا الدورة تجيه.. قده متشفق عليها ..يبي يعلق نجمته الثالثة.. وهما في حوارهما تفاجاؤا جميعا بدخول عبدالله الذي حضر بدون إعلام مسبق عبدالله بإطلالة جديدة.. عارضان خفيفان جدا بدا فيهما أصغر سنا بكثير.. هزاع الذي كان مشدودا لمباراة عبر التلفاز كان أول من قفز وانتبه لسلام عبدالله وهو يقبل أنفه ويهتف بمرح: وش عنده أخينا الكبير يبي ينافسني.. من شافك قال أنك أصغر مني.. وخصوصا إن العوارض الخفيفة مهيب مبينة شيباتك.. عبدالله بابتسامة: رحت اليوم للحلاق أبيه يضبط عوارضي.. حاسها فوق حدر.. صالح يتلقاه بمرح مشابه: إلا قول إنك غرت مني.. لأنه كان شكلي أنا أصغر منك.. وتبي ترجع أمجادك!! عبدالله يقبل أنف صالح ويهتف بذات الابتسامة: وش فيها؟؟ حاسدني يعني!! ثم حينما انتهى من صالح مال على رأس والده ثم كفه وهو يقبلهما باحترام أبو صالح ينظر له بتعمق كأنه يريد أن يخترق أفكار عبدالله وهو يهتف بأمر : عبدالله اقعد جنبي.. عبدالله جلس جواره... صالح وهزاع تأخرا للزواية القريبة من التلفاز ليتابعا المباراة.. لأنهما علما أن والدهما يريد أن يحادث عبدالله حديثا خاصاً.. عبدالله كذلك شعر بذلك وهو يجلس بجوار والده ويمسك كفه ويهتف بمودة: آمرني جعلني فداك.. ************************************** مجلس آخر.. والد.. وولدين.. زايد يتحاور مع علي.. بينهما شيء غير مفهوم.. عفوي أو متقصد؟؟!! كساب يسألهما بحزم: وش فيكم تساسرون؟؟ بينكم شيء ما تبون أعرفه قمت من المجلس.. زايد هتف بنبرة مقصودة بها رائحة خبث شاسع: وش اللي ممكن نتكلم فيه وما نبيك تعرفه؟؟ كل شيء يخصنا.. يخصك.. كنت أقول لعلي عن أن رئيس كلية الطيران طالب مزون تلقي كلمة في حفل للطلبة الجدد.. وأسأله إذا يقدر يروح معها.. إلا لو أنت تقدر تروح؟؟.. جزاك الله خير!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع في [ 3 ] .. من الجزء الواحد والخمسين الى الجزء الخامس والسبعين .. روآية : بيـــن الأمس واليـــــــــــوم .. للكــآتبة / # أنفاس_قطر # [ 3 ] .. من الجزء الواحد والخمسين الى الجزء الخامس والسبعين .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والخمسون " آمرني جعلني فداك!!" أبو صالح نظر إلى عبدالله نظرة غامضة خليط من غضب عارم وعتب عميق ومرارة قاسية وهو يهتف له بنبرة مقصودة: بأقول لك سالفة.. اسمعها لين آخرها وعقبه نتفاهم!! اليوم اللي قبل سفرك بيوم.. كنت بأدخل البيت.. فشفت السواق يعطي خدامة أم حسن كيس ملفوف.. أنا نغزني قلبي منهم.. دعيت السوق ولاغيته.. قلت له وش ذا اللي أنت معطيه الخدامة؟؟ فهو قال لي ( إن ام حسن موصيته يجيب له موس حلاقة حاد مثل اللي يستخدمونه الحلاقين.. وماتبي حد يدري) أولها قلت وش هي تبي بموس الحلاقة.. وعقبه نقدت على روحي.. قلت بصرها.. تبي به اللي هي تبي به ودامها ماتبي حد يدري.. فأكيد إنها تبيه في شي يخصها بروحها!! عقبه يوم شفتك ثاني يوم نازل متلطم.. ماطرا علي شيء.. ولا كذبتك.. مادريت إنك قدك متعود على الكذب على أبيك.. لكن يوم شفتك ذا الحين.. بذا الحلاقة اللي حتى ماسويتها وأنت صغير.. فهمت السالفة كلها.. أبو صالح صمت وعبدالله صمت كذلك.. وهو يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه حرجا من والده.. لم يتخيل أنه قد يقف يوما هذا الموقف المخزي أمام والده!! أبو صالح هتف بغضب مكتوم: ها.. وش فيك متلايط؟؟ ليش ما تحكي؟!! عبدالله بنبرة حزن عميقة: وش كنت تبيني أقول لك يبه.. أقول لك إن مرتي حلقت شنبي ولحيتي.. جوزا مقهورة واللي أنا سويته فيها واجد.. كنت تبيني أضربها.. وإلا أسحبها من شعرها ؟؟.. أبو صالح تفجر غضبه وهو مازال يكتم صوته والغضب يبدو واضحا في ارتعاش يديه: وتدور لها عذر يا المرة!! والله ثم والله لو عالية اللي أغلى علي من نسمتي.. سوت كذا في رجّالها.. إن كان أقول له اجلدها قدامي.. وإن عيا.. جلدتها بروحي لين يتمخلس جلدها.. أنت كنك منت برجال وبتسنع مرتك ولا أنت بكفو.. رديناها على أهلها يسنعونها.. طاق من ديرتك.. تتنى لحيتك تنبت بدل ما توريها السنع!! نعنبو دارك.. هو قد حد سوى سواتها.. المرة إذا زعلت من رجالها.. زعلت بحشمتها وطلبت رضاها يجيها.. مهيب تمد يدها على لحى الرياجيل يا المرة!! عبدالله شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: ما يصير إلا اللي يرضيك يبه!! بس تكفى ما تدخل حد بيني وبين مرتي!! أبو صالح بحزم بالغ: ماني بمدخل حد بينكم.. بس عقب مابردت خاطري فيك.. بأقول لها الكلام اللي كان قلته لبنتي لو أنها سوت سواتها.. ************************************ زايد يتحاور مع علي.. بينهما شيء غير مفهوم.. عفوي أو متقصد؟؟!! كساب يسألهما بحزم: وش فيكم تساسرون؟؟ بينكم شيء ما تبون أعرفه قمت من المجلس.. زايد هتف بنبرة مقصودة بها رائحة خبث شاسع: وش اللي ممكن نتكلم فيه وما نبيك تعرفه؟؟ كل شيء يخصنا.. يخصك.. كنت أقول لعلي عن أن رئيس كلية الطيران طالب مزون تلقي كلمة في حفل للطلبة الجدد.. وأسأله إذا يقدر يروح معها.. إلا لو أنت تقدر تروح؟؟.. جزاك الله خير!! ثم أردف بخبث أشد: تدري يأبيك حفل كبير بيكون في الشيراتون.. وفيه ناس واجد.. وأبي واحد منكم يروح مع أختكم.. لم يفت زايد ارتعاش الفنجان في يد كساب وهو ينزله أرضا ويهتف بحزم بالغ وحاجباه ينعقدان بغضب : أنا من زمان شايل يدي من ذا الموضوع.. وأنت بروحك قايل لي.. مالحد عليها كلمة غيرك.. كيفك في بنتك.. توديها.. تخليها..تحرقها.. أنا مالي شغل... أنهى عبارته ليخرج كالملسوع.. بينما علي وزايد يتبادلان بينهما نظرات انتصار!! بينما هو توجه لسيارته..وهو مازال يرتعش من الغضب!! بحث في أدراجها عن شيء لم يره منذ أكثر من شهرين.. وجد العلبة الموبؤة.. شد له منها سيجارة.. حينما يقفز إلى ذاكرته موضوع مزون يجد أنه يريد أن يعاقب نفسه مادام عاجزا عن معاقبتها كما يريد!! أو ربما يعاقب نفسه لأنه يعلم أنه عاقبها أكثر مما يجب.. " تستاهل.. تستاهل!! هذي هي ما تبي تتوب!! يعني يأما أموت بالسكتة من سبتها وإلا ما ترتاح.. ماكفاها إنها موتتني وأنا حي!!" شد له نفسين.. ليشرق ويكح وويطلق التأففات اللاهبة وهو يلقيها خارجا بعد النفس الثاني فقط.. يكره نفسه وهو يطفيء النار بالنار هكذا!! يكره نفسه حين يشعر بنفسه ضعيفا هكذا!! تناول العلبة كاملة وألقاها خارجا بامتداد يده وكل قوته!! ثم عاد ليلكم المقود بقبضتيه كلاهما حتى تصاعد الألم في مفاصله!! مرارة جارحة تتصاعد في روحه.. يستطيع أن يقول لوالده أنها لا تهمه.. فلتفعل ما تريد.. لكنه لا يستطيع أن ينكر على نفسه كم تهمه!! وكم كانت سعادته المخفية حين تركت الطيران!! وهي ترسل له رسالة مع عمها.. أنها تركتها من أجله وأنها تريد رضاه!! " كذابة.. كذابة.. عمرها ماهمها إلا نفسها!! ماصبرت حتى شهرين من يوم خلت الطيران.. وهذي هي ناطة تبي ترجعنا للفضايح تقول تبي رضاي؟!! داستني أول وتالي.. وتقول تبي رضاي!!" كلما استغرق في أفكاره .. كلما زادت لكماته للمقود وبيديه الإثنتين.. حتى انحرفت يده اليسار من قوة لكماته لتضرب حامل جهازه المحمول الذي كان له طرف حاد.. ربما لو كانت اللكمة غير لكمة كساب لم يكن ليحدث سوى كدمة بسيطة.. ولكن لأن لكمته كانت مفرطة القوة.. جرح نفسه جرحا غائرا نوعا ما بين مفاصل كفه!! انتزع غترته وهو يتأفف غضبا وقرفا لا ألما.. ولفها حول قبضته.. وهو ينزل للبيت.. دخل كالإعصار وهو يتجه لغرفته.. كانت كاسرة تجلس مع مزون وعفراء في الصالة العلوية.. مر بهن كالسهم ودون أن يسلم حتى.. وغترته في يده وليست على رأسه!! كاسرة وقفت وهي تهمس لهما بذوق: بأروح أشوف كساب وش فيه؟؟ همست لها عفراء بأمومة: الله يعينش.. شكلها قلبة من قلبات مزاجه!! كاسرة دخلت خلفه وهي تناديه.. دون أن يجيبها.. بحثت عنه حتى وجدته في حمام غرفة النوم يغسل يده وحوض المغسلة ممتلئ بالدم.. والغترة الغارقة بالدم ملقاة في القمامة... مدت يديها مع يديه تغسلهما وهي تهتف بجزع: كساب من ويش ذا؟؟ هتف لها بنبرة نفاذ صبر غاضبة: مافيني شيء.. جرح بسيط.. وخري خلني أضمده!! هتفت بحزم وهي تتناول الضمادات من صيدلية الحمام: أنا بأضمده لك.. شدته خارج الحمام وهي تجفف يده بفوطة نظيفة وبيدها أدوات الضماد.. لم يناقشها لأنه يشعر أنه سينفجر من الغيظ.. مع أول عبارة قد يقولها.. جلست على السرير وجلس جوارها.. حين كشفت الفوطة.. كان الدم مازال يتدفق.. هتفت له بحزم حان قلق وهي تشعر أن قلبها يؤلمها من عمق الجرح: كساب يدك تبي خياطة.. لازم تروح للمستشفى.. رد عليها بغضب: زين خلاص عطيني إبرة فيها خيط.. وأنا بأخيطه.. مايحتاج مستشفى.. كل السالفة رتبتين.. كاسرة بصدمة: أنت صاحي !!.. في أي قرن عايش؟!! تبي تخيط الجرح بروحك.. أجابها بذات النبرة الغاضبة: وتبيني أروح المستشفى عشان جرح سخيف مثل ذا؟!! كاسرة حينها انفجرت بغضب: أنت وش ذا العقل اللي عندك؟!! يدك تنزف وتقول جرح سخيف وبتخيطه بروحك!! كساب بغضب مرعب: قصري حسش لأنها مهيب ناقصتش!!.. وقف وهو يشد له من إحدى الأدراج علبة بها إبر وخيوط من تلك التي توزع في هدايا الطائرات.. والأبرة تكون أساسا فيها خيط.. تناول الكحول المعقم من أدوات الصيدلية التي أحضرتها كاسرة.. سكبه على الخيط والأبرة.. ثم عقّم الجرح.. كاسرة كانت تنظر مذهولة له.. لا تصدق ماتراه.. وغضبها يتزايد عليها.. ثم لم تستطع أن تنظر وهي تراه يغرز الإبرة في جلد يده..أشاحت بنظرها وبمرارة.. لم يستغرق دقيقة حتى انتهى.. بخياطتين صغيرتين دقيقتين.. كما حدد!! ثم وضع عليه لاصق طبي.. وانتهى!! كل هذا وكاسرة مازالت تجلس جواره.. حينها هتفت بنبرة عاتبة: ترا الطريق للمستشفى ما يأخذ ربع ساعة حتى.. بدل الطريقة الهمجية المتوحشة اللي سويتها في روحك.. لكن أنت إذا ما وجعت قلبي ما ترتاح!! حينها هتف لها بمرارة متأصلة: والله ماحد قلبه موجوع غيري.. إذا هي وأبيها ماذبحوني ماهم بمرتاحين!! كاسرة هتفت بغضب: من هي ذي اللي بتذبحك؟؟.. أجابها بغضب مشابه: مهوب شغلش!! كاسرة انفجرت: إلا شغلي ونص.. من هذي اللي تأثيرها عليك يوصل إنها تذبحك!!.. حينها أجابها ببرود كان يحترق تحته: اعتبريها زلة لسان غير مقصودة!! كاسرة صمتت وهي تحترق.. لن تسأله أكثر حتى لا يشتم رائحة احتراقها تتصاعد مع احتراق جوفها من الغيرة.. فهي باتت تشك أنه اخترع هذه العبارة لمجرد إغاضتها!! همست بحزم وهي تسأله لتغير الموضوع: أنت قاعد مع حد يدخن يوم جرحت يدك؟؟.. فيك ريحة زقاير.. وأشلون جرحت يدك أساسا..؟؟ حينها أجابها ببساطة حازمة كأنه يريد أن يجرحها: أنا اللي جرحت نفسي بنفسي!! وأنا اللي كنت أدخن!! كاسرة قفزت كالمدلوغة: نعم؟؟ أنت اللي ويش؟؟ ومن متى وأنت تدخن.. وأنا معك قربنا نخلص 3 أسابيع عمري ماشمتيها فيك ولا شفتها معك!! أجابها وكأنه يريد أن يجرحها أكثر لشدة جروحه التي تغلغت في روحه: أدخن حسب المزاج.. متى ماطرا علي!! عندش مانع؟!! ****************************************** مازالت عاجزة على السيطرة على دموعها وارتعاشها.. وجهها تورم لكثرة البكاء.. ولا يهمها أن يدخل عبدالله الآن ويراها حتى وإن كانت وعدت نفسها الآف المرات أنه لن يرى دموعها!! كلما تذكرت ماحدث لها الليلة.. تزايدت دموعها انسكابا.. وأناتها ارتفاعا.. تشعر بالحرقة والمهانة والعار والخجل وانعدام الأمن.. كل هذه المشاعر القاسية القارصة تجمعت الليلة عليها.. ليتزايد بكاءها مرارة وحرقة!! كانت تجلس مع أم صالح ونجلا حين ناداها عمها أبو صالح لتلحق به إلى غرفته.. وقفت بجزع لتتبعه.. وتوجس مرعب يتصاعد في روحها لطالما كانت تخاف أبا صالح وتهابه.. أكثر حتى من والدها.. تقدمت بخجل وهي تدخل غرفته بخطوات متيبسة.. هتف لها بحزم: تعالي وسكري الباب تقدمت وهي تغلق الباب... ليحكى لها الحكاية التي حكاها لعبدالله..والا ستنتاج الذي استنتجه!! شعرت أنها تتمنى لو أنها تذوب في تلك اللحظة.. تختفي!!.. تتبخر!!.. لم تستطع حتى رفع عينيها إليه.. وليته اكتفى باحراجها بالحكاية التي كانت لوحدها كافية لتشعر بكل عار العالم.. ولكنه انفجر فيها بحزم غاضب: هذي فعايل بنت الأصل يا بنت الأصل.. والله ثم والله لو عالية مسوية كذا في أخيش إن دمها حلال عليه وش ظنش أبيش يقول لو درى بسواتش..؟؟ زين رجالش غلط عليش.. وماراضاش.. كان جيتيني.. والله ثم والله لأعلقه من أرجيله عشانش.. لكن ذا الحين مالش وجه عندي.. وعذرش انقطع.. لأن سواتش ماتسويها حتى مضيعة المذهب.. ورجالش كنه إياش اللي ماعرف يسنعش!! قال لها كلاما كثيرا مؤلما جارحا.. تحاول أن تتناساه فلا تستطيع!! وأكثر ما يؤلم أنها لم تستطع أن تدافع عن نفسها حتى بكلمة.. لأن ما سيرونه جميعهم أنه مهما اخطأ عبدالله في حقها لا يمكن أن تعاقبه بهذه الطريقة.. حق له أن يمزق روحها وحياتها ويضيع مستقبلها.. ثم تكون بضع شعرات في وجهه أثمن من كل ذلك!! نادمة بشدة على تصرفها.. وليس من أجل عبدالله.. ولكن لأنها بهذا التصرف جعلت نفسها في موقع المخطئة الخطأ الذي لا يغتفر.. تتخيل لو علم والدها الذي هدد بقتل عبدالله لو ضايقها.. لو علم بما فعلته.. لربما قتلها هي!! لا يوجد حتى من تلجأ إليه!! لأن الكل سيرفع حاجبيه استنكارا من فعل هذه المجنونة.. شعور بعدم الأمان وأنها لن تجد ظهرا يسندها بات يخنقها... فهي بفعلتها هذه أعطت لعبدالله سلاحا مسلطا دائما على رقبتها.. ومع وجود أبي صالح كشاهد.. ضاقت عليها الدائرة حتى اختنقت!! تتخيل مظهرها أمام الناس لو انتشر الخبر.. "جوزا الخبلة حلقت شنب رجالها ولحيته" يزداد بكاءها عنفا.. لا تريد أن تكون منبوذة أكثر من ذلك!! لا تريد أن تكون منبوذة!! تتخيل ما الذي قد يفعله عبدالله في ظل معرفته أنها لا تستطيع العودة لأهلها خوفا من معرفة والدها لما فعلته!! تعلم أن والده أعطاه نصيبه من الكلام الجارح.. وأنه الآن معبأ تماما عليها!! رغم كراهيتها له ولكنها تعلم تماما أي موقف محرج مذل وضعته فيه أمام والده!! ولأنه لا يستطيع تفريغ غضبه في والده.. فبالتأكيد سيبحث عمن يفرغ غضبه فيه!! ومن أنسب ممن كان سببا لإحراجه وذله؟!! تبكي أكثر واكثر.. وهي تكتم شهقاتها حتى لا تزعج ابنها النائم.. تشعر كما لو أن شهقاتها مناجل مزقت روحها دون أن تجد طريقا للخروج.. لذا مازالت تعيث خرابا وتمزيقا كخبط عشواء بحثا عن الطريق!! ألا يكفي ماحدث لها طيلة السنوات الماضية؟! ألا يكفي!! " والله العظيم تعبت.. تعبت!! ماعاد فيني استحمل!! أنا ما أنا بطوفة الكل يضرب فيها ويبونها ما تنهد!! تعبت ياربي... تعبت!! يا الله فرجها من عندك.. وإلا خذ أمانتك عندك!!" كان بكائها يزداد عنفا مكتوما..وأفكارها تزداد قتامة ومرارة... وجسدها يزداد ارتعاشا كمصابة بالحمى.. حين سمعت صوت الباب يُفتح..!! ********************************* يقف أمام باب غرفتها وهو يشد له نفسا عميقا هل يفعلها ؟؟ أربع سنوات مرت لم يدخل غرفتها مطلقا!! ولكنه سيموت من القهر أن فعلتها وذهبت!! سيموت فعلا!! فهو كان قد بدأ يبني له أملا أنها ستعود يوما إلى حضنه.. ولكن إن ذهبت.. فإن كل هذه الآمال ستنهار لا محالة.. ألا تعلم مكانتها عنده!! لماذا تريد المتاجرة بهذه المكانة؟! ولماذا تريد الاستمرار في إشعاره برخص مكانته عندها؟؟ كم هو مؤلم إحساسه أن الإنسان الأثمن لديك في كل العالم.. يُشعرك أنك الإنسان الأرخص لديه!! قضى الساعات الماضية يركض على الكورنيش.. ثم مر بمسجد وصلى قيامه.. هدأت سورة الغضب.. ولكن القهر والمرارة تعمقا حتى أقصى خلية من خلاياه تشبعت خلاياه بهما حتى تفجرت بقيحهما!! شد له نفسا عميقا آخر.. ثم طرق الباب.. همست برقة: ادخلي خالتي.. مابعد تمنت.. دخــــــل.. كم اختلفت الغرفة من بعده!! في المرة الأخيرة التي دخلها ليرجوها للمرة الأخيرة بكل حرارة أن تتراجع عن قراراها لدراسة الطيران.. وصفعته برفضها القاطع كانت الغرفة أشبه بغرفة طفلة.. ألوان الزهر والبنفسج تغمر المكان.. ولكنها الآن غرفة تنضح بمرارة النضج وألوان المارون والذهب وستائرها الكلاسيكية القاتمة.. مزون حين رأته قفزت حتى كادت تتعثر.. لم يخطر لها مطلقا ولا حتى في أعذب احلامها أنه قد يزورها يوما!! توجس قاتل اخترم روحها.. وسعادة محلقة شعرت بها ترفرف في جوانحها.. لا يهمها إن كان جاء ليسمعها بعضا من قسوته!! يكفيها أنه هنا.. لم تتخيل أنها قد تراه في غرفتها مرة أخرى.. قريب هكذا!! وكم حلمت بهذا القرب!! تذكرت أنها ترتدي بيجامتها.. قد يكون سابقا اعتاد رؤيتها بالبيجامة وهما يسهران كل ليلة سويا.. ولكنها الآن تشعر بخجل عميق.. وتود أن تتناول روبها المعلق لتلبسه.. ولكن قدميها المتيبستين لم تتحركا من مكانهما.. همست باختناق: هلا كساب.. هلا والله.. تفضل حياك.. تعال نقعد في الجلسة!! أجابها بقسوة: ما أنا بجاي أقعد.. كلمة ورد غطاها.. أجابته بذات الصوت المختنق: آمرني فديتك.. حينها انفجر فيها بغضب عارم: الحين تقولين آمرني فديتك.. وأنتي مايهمش إلا روحش ولا عليش من حد.. سويتي اللي في رأسش ودخلتي طيران.. ويوم طاب خاطرش منها خليتيها بكيفش.. الحين أبي أدري يا اللي ما تستحين.. تروحين تلقين خطاب عندهم ليه؟؟ وفي حفل مفتوح بعد.. أنتي وش وجهش؟؟ مغسول بمرق؟؟ مافيه حيا؟؟ أنتي وش جنسش؟؟ وش مخلوقة منه؟؟ خافي ربش فيني؟؟ وحتى في أبيش وأخيش وعمش؟؟ ماعاد يستطيع الاحتمال ومرارة الأربع سنوات تتفجر حممها لاهبة متدفقة: أنتي ماكفاش اللي سويتيه فيني السنين اللي فاتت.. خليتني أوطي رأسي بين العرب.. وأنا اللي كنت رافعه فيش.. بسبتش عشت قهر ماظنتي شافه بشر في ذا العالم كله!! أدري إنه خلاص قد ذا موضوع تافه عندش وش قيمة كلمة تلقينها في حفل مختلط.. عقب مادرستي أنتي أربع سنين اختلاط؟؟ موضوع عادي بالنسبة لش!! لكن أنا كنت رجيت فيش خير.. قلت حست خلاص.. يمكنها عقلت!! كان ودي أني أصدق إنه ذا الكابوس خلص.. وأختي وبنتي بترجع لي!! لكن مادريت إن باع أول.. بيبيع على كل حزة!! وأني أنا كنت رخيص أول وتالي!! حينها انفجرت باكية وهي ترتعش بعنف: والله العظيم... ماوافقت.. والله العظيم... ما وافقت.. كانت تنتحب وتشهق بعنف وكلماتها تتقطع كأنها تشرق بالكلمات وتكاد تغص بها: الرئيس.. كلمني.. وقال لي.. حفل مفتوح.. قلت له.. ما أقدر.. ما أقدر.. ما أقدر ورجع ..وكلم .. ابي.. وابي.. قال له.. نفس.. الكلام.. وقال له..هذا.. موضوع.. انتهى.. والله العظيم ما وافقت.. ماوافقت.. والله العظيم.. ماوافقت.. لا يعلم لـمَ شعر لحظتها.. أن الدنيا غامت في عينيه..وأنه لا يبصر شيئا!! كانت ترتعش بعنف أمامه.. ووجهها محتقن.. دموعها تسيل بغزارة.. وهي تشهق بشكل متقطع وتكرر بلا انقطاع: والله العظيم.. ماوافقت.. والله العظيم .. ماوافقت.. فهي أيضا تعبت من كل هذا وحان لحظة انفجار كبت كل هذه السنوات وقهرها ومراراتها.. فهو لأول مرة يواجهها بهذه الحدة بعد صمت السنوات الأربع الأشبه بالموت!! لأول مرة يمزق الحواجز الهشة/المتينة التي فصلت بينهما!! تمنى كساب لحظتها لو يستطيع التوجه للصراخ في أبيه وفي علي.. كيف يتخذان من مشاعره لهوا.. يعلمان كلاهما كم هذا الموضوع حساس بالنسبة له.. لا يجد لهما عذرا!! لا يجد لهما عذرا!! شعر أن قلبه يتمزق بمعاول مسنونة وهو يرى حالتها الهستيرية.. لأول مرة يشعر برغبة بالبكاء بعد وفاة والدته!! كما لو كان فقدها للمرة الثانية!! حاول الاقتراب لاحتضانها.. وتمنى أن يحتضنها.. ربما حتى لو عاندت وقالت له أنه ستذهب.. فهو كان سيتحضنها على كل حال.. ليسكن هذا اليأس والذعر الذي شعر بهما يتفجران في جوانحها.. وليسكن القلق الأشد الذي تفجر في جوانحه هو!! لم يسبق مطلقا أن رآها هكذا.. لا في أقصى حالات الحزن.. ولا في أقصى حالات الغضب..!! طوال الوقت متزنة.. هادئة.. حتى عندما تبكي.. تبكي بصمت!! فما الذي حدث لها الآن!! اقترب وهو يمد يديه لها ويهتف لها بحزن جازع: هدي.. هدي.. ولكنها دفعته وهي تصرخ بهستيرية: ما أبيك.. ما أبيك.. خلني.. خلني.. مد يديه أمامه وهو يشير لها أن تهدأ: خلاص بأروح الحين.. وأرجع بعد شوي.. خرج رغما عنه.. وهو لا يريد الخروج.. ماعاد حتى يريد الصراخ بعلي أو والده.. الحزن غلب الغضب.. يشعر كما لو كان جسده تفتت من الألم!! يريد أن يجد له حضنا يرتمي فيه.. يسكب بعض مرارته فيه.. مادامت رفضت حضنه..!! يريد أن يسكن قليلا.. ويدعها تسكن قبل أن يعود لها.. فهناك حديث طويل.. طويل بينهما حديث بطول ومرارة قرون!! توجه لغرفته.. نادى بإرهاق: كاسرة!! لم تجبه.. توجه لسريره ليتمدد عليه.. وهو يشعر أن جسده كله يتمزق كما لو كان ينام على فراش من مسامير مسنونة.. نادى للمرة الثانية بإرهاق أعمق: كاسرة وينش؟؟ جاءها صوتها حازما محملا بحزن غريب عميق: نعم.. هتف بعينين مغلقتين ونبرة ذابلة: تعالي جنبي.. تعبان حدي.. حاس أني بأموت.. أجابته بنفس النبرة الحازمة الحزينة: آسفة.. روح أخذ لك شفطتين تريح أعصابك.. مالك عازة فيني!! فتح عينيه وهتف بنبرة ذابلة تماما: والله العظيم مهيب ناقصتش.. أجابته بألم: دام مهيب ناقصتي.. مهوب أنا اللي أنقصها ولا أزيدها. خيرك فيك.. أجابها حينها بحزم وهو يعتدل جالسا: تدرين كاسرة يمكن حياتي كلها ما أحتاج لش كثر الليلة.. وأنتي شاحة علي أنش تقعدين جنبي!! رغما عنها آلمها قلبها.. أن يعبر بهذه الصراحة عن حاجته لها.. لم تتوقع أنه قد يفعلها يوما ...فكيف وهو يفعلها بهذه السرعة؟!! ولكنها لا تريد الاستسلام والتراجع.. عن موضوع خطير مثل هذا!! حينها سيعتاد أن يمرر كل شيء عليها.. كسّاب يحتاج لوقفة حازمة إن كانت تريد الحياة أن تستمر بينهما.. ولكن هل كساب في هذا الوقت.. سيحتمل أو يتقبل الوقفات الحازمة وهي تهتف له؟؟: اسمعني عدل يا كساب.. لا راح أجي جنبك.. ولا تجي جنبي.. لين تحلف لي إنك ماترجع تدخن.. ولا تقول تعصيني.. لأنك أنت عصيت ربك.. وماظني إنه يجهلك إن التدخين حرام!! حينها وقف كسّاب وهو ينتزع غترته من جواره ليحملها معه ويهتف بغضب مثقل بالمرارة: الشرهة علي اللي جيت أبي حنان وحدة ما تشوف أبعد من خشمها المرفوع!! السموحة يا بنت ناصر.. ضيعت الدرب!! غلطت!! وأوعدش الغلطة هذي ماتكرر مرة ثانية!! . . دار في البيت قليلا.. وهو يشعر أن جدران البيت الواسع تتقارب لتطبق عليه لدرجة أنه عجز عن التنفس.. ماعاد يحتمل ألا يراها.. يكاد يجن كلما تذكر كيف حالتها.. ودموعها وارتعاشها!! قد يكونان خلال السنوات الماضية تبادلا الجرح حتى غاصت جراح كل منهما في روح وجسد الآخر.. ولكن هذه المرة لا ذنب لها.. لا ذنب لها.. اختار الوقت غير المناسب ليفجر فيها كل غضب السنوات الماضية ومراراتها!! كل يوم خرجا فيه صباحا وكل منهما يتجه لسيارة.. وهو يتجاهلها كأنه لا يراها.. بينما كان في أكثر الأيام يتبعها.. لم تكتشفه أبدا.. بسبب مهارته في السواقة والاختباء خلف السيارت وهو يجعل فاصلا بينهما.. لا يعلم ماذا كان يريد من اللحاق بها!! تعذيب نفسه أكثر.. إحراق نفسه أكثر.. وهو يتمنى كل يوم لو دخل إلى الداخل وأخرجها عنوة!! أو ربما كان كل ما أراده مجرد الاطمئنان لوصولها وهي تذهب إلى مكان بعيد مع الخادمة والسائق.. كثيرا ماشعر بالحنق على والده.. إذا كان قد وافق على دراستها هناك.. فلماذا لا يوصلها بنفسه!! يتذكر كل يوم جلسا فيها على مائدة الأفطار وحيدين في ظل غياب علي وسفر زايد في بعض الأحيان.. يتجاهلها ويرفض حتى تناول فنجان القهوة من يدها لتعود مدحورة إلى مقعدها.. لا ينظر حتى ناحيتها.. وهي لا تعلم أنه يبقى جالسا حتى يراها تناولت شيئا.. لأنها منذ صغرها حين يتغيب والدها عن البيت.. تقل شهيتها للطعام لأقل حد.. ولا تأكل إلا بالمحايلة!! ومادام لا يستطيع محايلتها.. فليبقَ جالسا حتى تأكل.. لأنه يعلم أنها لن تقوم عن المائدة مادام جالسا.. وحتى لا يبدو مظهرها سخيفا وهي جالسة هكذا.. فهي كانت تضطر لتناول شيء أمامه!! ولا يعلم هو أيضا مدى صعوبة ابتلاعها للطعام مع ضخامة العبرات التي تسد حلقها كلما رآته يتجاهلها هكذا كأنها غير موجودة!! وهي تتخذ الطعام ستارا حتى تبقى معه في مكان واحد لأطول مدة ممكنة!! وهي تشعر بالألم أنها مهما بقيت جالسة.. فهو لن يكلمها.. ومع ذلك رغما عنها تشعر بالأمل أنه قد يكلمها اليوم !! "ربما اليوم يحدثني.. يسألني محض سؤال سخيف.. اسألني كساب كما كنت تسألني وأنا صغيرة هل فرشتي أسنانك اليوم؟؟ وحين أجيب بلا!! تشد أذني رغم أنك بالكاد تلمسها.. وتعيدني للحمام لتفرش أنت أسناني بنفسك!! . اسألني هل أشرقت الشمس اليوم؟؟ لأخبرك أن الأيام بعدك باتت متشابهة!! . اسألني كيف هو يومك الدراسي؟؟ لأخبرك أنني أكره الكلية والكتب والتدريبات وكل شيء أغضبك مني!! . اسألني كساب.. اسألني عن أي شي!! أما تعبت من هذا الجمود والصمت والغضب!!" لتنتهي جلستهما معها دون أن يسألها عن شيء... ودون أن تخبره عن شيء!! مرارة جارحة وألم متبادل تشاركاه طيلة السنوات الماضية هو بتجاهله لها.. وهي باحتمال هذا التجاهل!! هو بغضبه الأسود رغم أنه تمنى كل يوم أن يسامحها.. ودعا ربه كل يوم أن يقويه ليسامحها!! وهي بحزنها المتزايد وهي تذبل كل يوم أكثر في انتظار هطول أمطار رضاه التي شح بها عليها حتى أجدبت روحها!! ماعاد قادرا على احتمال وطأة القلق والأفكار ونهشهما لروحه.. صعد لغرفتها ولم يجدها.. بحث عنها كالمسعور وهو يتخبط في أنحاء الغرفة.. توجه ركضا لغرفة خالته.. فلم يجدها أيضا!! تفجر قلقه ورعبه وهو ينزل ركضا لغرفة علي.. فلا يجده أيضا.. حينها انهار جالسا على سرير علي وهو يتصل به ويسأله بقلق ورعب: علي وينكم كلكم؟؟ أجابه علي بصوت ممزق ارهاقا وقلقا: مزون تعبانة شوي.. جبتها أنا وخالتي المستشفى.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والخمسون " أنت يا الخبل كم كانت سرعتك مالك حتى عشر دقايق من يوم سكرت مني" وجهه مسود تماما ..أنفاسه تعلو وتهبط.. غترته ملقاة فوق رأسه كيفما اتفق.. أزراره العلوية مفتوحة.. والكتفان العاليان الشامخان كانا متهدلين.. منظر لم يُرَ فيه أبدا كساب المتفاخر.. الأنيق.. المعتد.. المتكبر!! ولم يتوقع أنه قد يراه هكذا يوما..!! أجابه بجزع كالموت: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟ رغم استغراب علي من حالته ولكنه أجابه بتأثر عميق: خالتي ماجاها نوم وراحت لها تبي تسهر معها.. لقتها تبكي ومنهارة وهي تصيح بكلمة وحدة (ما أبيك).. نادتني وجبناها هنا... وخالتي معها داخل.. وأنا طلعوني كساب تجاوز علي ليدخل.. علي هتف بحزم: انتظر شوي..القسم قسم حريم.. لكن كساب أزاحه جانبا وهو يدخل دون تفكير.. ويصيح بألم: خالتي وينكم؟؟ وهو يتخبط بين الستائر ولا يريد فتحها حتى لا يكشف ستر من يختفين خلفها!! خالته أطلت من خلف أحد الستائر وهي تشير له بيدها تعال.. حين دخل كانت مزون تكاد تسبل عينيها.. والطبيب يمسك بمعصمها ليقيس الضغط مع بدء مفعول المهدىء انتزع يدها من يد الطبيب وهو ينحني ليضم كفها لصدره!! ويرى دمعة تخر من عينها قبل أن تغلقها.. دمعة نحرت روحه التي لم يبقَ فيها شيء لم ينحر مئات المرات!! التفت للطبيب وهو يهمس بغضب مكتوم بصوته الممزق ألما وإرهاقا: مافيه دكتورات هنا؟؟!! ابتسم الطبيب وهو يربت على كتف كساب: يا ابني دي زي بنتي.. ودلوئتي أنا المناوب هنا.. حينها سأله كساب باهتمام موجوع: وش فيها؟؟ الطبيب بنبرة مهنية: انهيار عصبي.. أنا دلوئتي اديتها مهدئ وهنطلعها لاوضة فوء لينهار كساب جالسا على المقعد المجاور لسريرها وهو يدفن وجهه بين كفيه.. لو استطاع أن يبكي لبكى.. ولكن إن كانت عيناه شحت بدموع لم تعتد ذرفها فإن روحه كانت تنزف كل دموع الأرض التي اعتاد نزفها حتى أغرق جوانحه بها!! كانت خالته تنظر له باستغراب.. لم تتوقع أبدا ردة الفعل هذه من كساب لذا سألته بحذر: كساب أنت صاير شيء بينك وبين مزون؟؟ كساب حكى لها كل ماحدث دون زيادة أو نقصان وختمها بقوله بكل ألم: ما أدري ألوم ابي وعلي وإلا ألوم روحي..!! أجابته خالته بألم مشابه: يأمك ماتدري وين الخيرة.. يمكن الله يبي الخير لكم من ورا اللي صار.. كساب يصرخ بألم شاسع موجوع وهو يقفز ليشير لمزون: أي خير وهي حالتها كذا..؟؟ أي خير وأنا سبة اللي صار لها..؟؟ حينها أجابته خالته بحزن: يعني مهتم الحين يأمك إنها انهارت.. وما اهتميت من وجيعتها ذا السنين اللي فاتت كلها!! كان لازم تدري إنه بيجيها يوم وتنهد!! ************************************** حين سمعت صوت الباب يفتح.. رفعت قدميها عن الأرض وضمت ركبتيها لصدرها في حركة دفاعية عفوية.. أكثر ما تخشاه أن يضربها ويصحو حسن على هذا المنظر!! " لا .. لا ماراح يضربني.. ماسواها وهو محتر يسويها الحين.. بس هو الحين محتر أكثر من يوم راح إذا أنا الحين عقب كلام أبو صالح متحسفة أكثر وخايفة أكثر!! فهو أكيد محتر أكثر عقب مادرا أبيه باللي صار!! يارب مايضربني قدام حسن.. يارب مايضربني قدام حسن!!" دخل عبدالله بهدوء وعلى وجهه ترتسم علائم غموض.. حين رأته رغما عنها بدأت دموعها تنهمر بغزارة أكبر وشهقاتها المكتومة تتعالى حينها اتجه ناحيتها.. حين رأته اقترب همست بين شهقاتها: تكفى لا تضربني هنا عند حسن خلنا نروح للجلسة.. جلس جوارها وهو يمد يده ناحيتها.. انكمشت بعنف.. ولكنه مسح على شعرها وهو يهتف بحنان عميق مغلف بحزن أعمق: أنا آسف إذا كان كلام ابي جرحش.. امسحيها في وجهي!! حين دخل.. كان قراره أنه سيتجاهلها فقط.. لن يكلمها.. حتى لا ينفجر فيها.. فهو يشعر بمرارة الحرج من والده تحرق روحه حتى أقصاها.. ولكن حين دخل ورأى حالتها.. عينيها الزائغتين.. وجهها المحمر الغارق بالدموع.. شعر أن قلبه يذوب.. يذوب بكل معنى الكلمة.. لا يستطيع احتمال ألمها أو دموعها.. هو يحتمل الألم عنها.. لكن هي لا لا.. يستطيع أن يتحمل عنها كل ألم العالم.. ويدفنه بين أضلاعه ليبعده عنها.. حتى لا يقترب من ملامسة حدودها حتى!! وهي حين مد يده ناحيتها كانت تظن أنه يريد أن يشدها من شعرها للجلسة.. انكمشت بعنف..ثم صعقت بتصرفه الحاني.. شعرت أن مشاعرها المرهفة المرهقة انهارت.. بدون تفكير ألقت بنفسها على صدره.. عبدلله تيبس لثوان وهو يراها في عرض صدره.. ليشدها بحنو.. وهو يضمها لصدره.. ويطبع قبلاته على شعرها.. بينما كانت هي تشهق بعنف وصدره يغرق من غزارة دموعها.. لم يتخيل عبدالله أنها قد تفعلها بنفسها.. كانت سعادة شفافة تتسرب إلى روحه وهو يهمس لها بولع وحنان: بس حبيبتي خلاص.. خلاص.. كان يشعر كما لو أن صدره يُشق وهو يسمع أنينها الموجوع.. اختلطت مشاعره بعنف.. بين فرحة بوجودها بين أحضانه.. وبين حزن مزق روحه لدموعها الغالية!! ليتفاجأ أكثر بها تخلص نفسها بحدة من حضنه وتصرخ فيه بكراهية عميقة: لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي.. علم حينها أن هذه لم تكن سوى لحظة مسروقة من زمن كراهيتها المر.. احتاجت حضنا.. فوجدته.. وحين علمت أنه حضنه هو.. ابتعدت عنه!! عبدالله ابتعد عنها.. ووقف دون يكلمها.. "يا الله أي قسوة وكراهية في قلب هذه المخلوقة!! ألا تلين؟!! ربما لو شعر الحجر بمشاعري تجاهها لذاب تماما.. وهي لا تريد أن تلين حتى!! كم أنا متعب منها.. ومن هذه الحياة!! أ يحكم علي أن أحبها كل هذا الحب.. وتكرهني هي كل هذه الكراهية؟؟ حتى متى؟!! حتى متى؟!!" ***************************************** " أختكم وش اللي صار فيها؟؟ وأشلون ماقلتوا لي ؟؟ تخلوني لين فقدتكم بروحي وأنا أدور في البيت كني خبل" علي بنبرة تهدئة: يبه فديتك مافيها إلا العافية.. تبي ترتاح بس يوم وإلا يومين !! كساب بغضب مكتوم متحسر: إلا فيها وفيها.. وكله منك أنت وولدك!! خليتوني أهب فيها.. وأنتو عارفين زين إنها عيت تروح للحفل!! البنية ارتاعت مني.. حرام عليكم اللي سويتوه فيها وفيني!! لو صار فيها شيء ماراح أسامح نفسي ولا أسامحكم!! حينها التفت له زايد وهو يهتف بحزم غاضب مثقل بالوجع: لا تحملنا أغلاطك وأنك ماتعرف تتصرف لا أول ولا تالي.. زين وقلت لك إنها عيت تروح الحفل.. وش الفايدة؟؟ بتقول عيت منه مثل ماخلت الطيران.. عشانها تبي كذا !! حرقتوا قلبي أنت وإياها على ذا الحال والجفا!! تعبت منكم وعشانكم... بغيتك تروح تكلمها.. تستفسر منها.. تفتح باب حوار.. مهوب تهب فيها لين صارت كذا!! لولا إنك ولدي.. وإلا كان قلت حسبي الله ونعم الوكيل فيك!! ذبحتها أول وتالي!! زايد أنهى عبارته الموجوعة الغاضبة ثم عاد إلى مقعده بجوار مزون الذي له يجلس فيه أكثر من ساعة وهو يلتزم الصمت ويحتضن كفها بين كفيه.. قبل أن ينفجر بالسؤال في ابنيه!! كان ينظر بحزنه العميق إلى ذبولها الظاهر.. الهالات تحت عينيها.. مظاهر لم تتكون من يوم أو يومين.. بل كانت تذوي أمامه منذ سنوات.. ويشعر أن روحه تذوي معها وهو عاجز عن رد روحها إليها.. كان يعلم أنها تحب كساب أكثر منه.. من صغرها وهي تحبه أكثر منه!! لم يعتب عليها.. بل كان سعيدا بهما وعلاقتهما.. وما المشكلة أن يكون لديها أبوان لا اب واحد..؟؟ ولكن هذا الأب الثاني كان قاسيا فعلا!! ولو كان فعلا أبا ماكان ليقسو كل هذا !! ولكنه لا يستطيع أن يحاسبه على هذه القسوة.. فمهما كان روح الشباب جرفته بعيدا.. ولا يستطيع أن يمنحه تجربة وثقل مشاعر سنوات مازال لم يمر بها.. حاول طوال هذه السنوات الإصلاح بينهما ولكن مع عناد كساب بدا الإصلاح متعذرا.. ولم يتخيل أنه حتى يحدث الصلح هذا ما سيحدث لصغيرته.. يمد يده ليمسح على شعرها.. وروحه تنزف وجعا مصفى: "سامحيني يا أبيش.. سامحيني.. ماهقيت إن ذا كله بيصير ليته فيني ولا فيش يا الغالية!! ليته فيني ولا فيش!! يا أبيش لا تخليني!! الحياة كلها متعلقة بأنفاسش فيها!! وش حياة مافيها ضحكتش وصوتش؟؟ القبر أحسن منها!!" ********************************** ثلاثة أيام مرت.. وحالها لا تحسن فيها!! نائمة طوال الوقت.. كما لو كانت تهرب بالنوم!! مع إن الطبيب توقف عن إعطائها المهدئات منذ اليوم الأول لأنها لم تعد للثورة ولا للصراخ.. وبدأ بإعطائها مضادات الاكتئاب.. لأنه يتبع الإنهيار غالبا إكتئاب حاد.. ومع ذلك طوال الوقت نائمة.. وأنا أبقى فقط أراقب ملامحها.. أنتظر أي ملامح لاستيقاظها.. وحين يحدث.. وتفتح عينيها..وتراني.. تفر من عينيها دمعة واحدة.. دمعة أشعر بها كمشرط مسموم يمزق مابقي فيني.. وكأنه بقي فيني شيء لم يتمزق من أجلها!! ثم تعود لإغلاق عينيها والغرق في النوم.. وأنا أعود لمحاولات المراقبة!! ألازمها طوال الوقت.. لا أغادر المكان إلا حينما يأتيها زوار نساء.. حينها أغادر مضطرا ولكني لا أبتعد حتى.. أبقى في الاستراحة وأطلب من خالتي أن تتصل بي فور مغادرتهن.. وإن أطلن البقاء أحرق خالتي بكثرة اتصالاتي!! أخشى أن تفتح عينيها أو تصحو أو تتكلم وأنا غير موجود.. أريد أن أكون أول من يسمعها حين تتكلم!! يا الله هل كان يجب أن يحدث كل هذا حتى أعلم أنني لا أستطيع أن أحيا في العالم بدون وجودها.. ما الجديد كنت أعلم ذلك حتى وأنا غاضب منها!! ولكن هل كان يجب أن أشعر أن هذا الوجود مهدد حتى أصحو من غيبوبة الغضب ؟؟ ********************************* أربعة أيام مرت.. في الليلة الأولى حين خرج من عندي لم أستطع النوم مطلقا.. ومازلت في نوم متقطع مليء بالكوابيس والقلق.. حين خرج.. أعترف أنني تمنيت في داخلي.. لو ركضت خلفه وأعدته.. شعرت أن مرارته كانت تخنق روحي.. ولكني منعت نفسي.. قلت لنفسي لابد أن أصلح مابيننا .. وأصلحه هو!! لم أعلم أنه غير قابل للاصلاح وأنه مملوء بالأعطاب.. ماكان يدريني بما حدث بينه وبين شقيقته.. كيف أعلم أنه كان بحاجتي فعلا؟!! كيف أعلم بشيء وهو من كان يتباعد ويقسو ويجرح!! أربعة أيام مرت لا أراه فيها إلا عند شقيقته حين أذهب لزيارتها.. أو حينما يأتي لللاستحمام وتبديل ملابسه فقط!! وفي كلا الحالتين يتجاهلني وكأنني غير موجودة!! ويبدو أنه اعتاد لعبة التجاهل حتى اتقنها!! أولا مع أخته.. ثم معي!! عمي زايد أخبرني بكل شيء!! كان الوحيد الذي شعر بي وأنا أدور في المنزل وحيدة.. ولا أعلم شيئا مما يدور حولي وكأنني لا أسكن معهم في نفس المنزل.. شاركني همه المتجذر الذي عاناه حتى غاص في أقصى روحه.. وشاركته همي الجديد الذي بدأ يغوص في روحي.. وكأنني أعرف هذا الرجل طوال عمري.. وكأن بيننا خيط مخفي من تفاهم يتجاوز حدود الكلام!! ولكن كل منا كان يشبه الآخر أن هناك أشياء يخفيها لأنه يريد الحفاظ على خصوصية حياته التي يجب ألا تمس!! فلا يمكن مثلا أن أعري زوجي وسلبياته ولا حتى أمام والده!! وهأنا أطرق باب مكتبه حين علمت أنه عاد أخيرا.. هتف لي (تعالي يأبيش) يعلم أنه ليس هناك سواي في صقيع هذا البيت..!! دخلت وأنا أحاول أن أرسم ابتسامة فاشلة لا حاجة لأحد منا فيها: أشلونها مزون الليلة.. أنا جيت منها عقب المغرب.. كانت على حالها.. هتف بحزن عميق: وأنا توني جيت منها.. وعادها على حالها.. حاولت في كساب يروح معي بس مارضى!! فهتفت له بسكون: جاء عقب العشاء بدل ملابسه ورجع المستشفى.. لأعود وأتذكر عودته الليلة.. كان يبدو مرهقا تماما..ذابلا.. عارضاه يحتاجان الترتيب..على غير أناقته البالغة أقصاها دائما!! تمنيت حينها لو أستطعت أن أضمه لصدري.. لم أتخيل أنني قد أراه يوما هكذا.. قد تكون ثلاثة أسابيع مدة قصيرة جدا لتكوين فكرة عن أحدهم.. ولكن اعتداده بنفسه فكرة تكونت منذ اليوم الاول!! لا أستطيع مطالبته بقرب أذوي إليه من أجله هو.. مادمت قد رفضت أن اكون جواره حين احتاجني.. مادامت الظروف عاكست وكل التوقيتات كانت خاطئة فهل أستطيع إصلاح ما أراد الله عز وجل أن يحدث؟؟ الليلة نهضت لأحضر له غياراته.. ولكنه نهرني بقسوة: أعرف أخذ ملابسي بروحي.. عدت وجلست مكاني.. لا أنكر هذا الألم العميق المتسلط على روحي ومع ذلك هتفت له بحزم: تراني ما أعرف الغيب.. ودامك تعاملني بذا الغموض وانعدام الشفافية بيننا.. فاشلون تبيني أعرف خفاياك.. تصرخ علي وتجيني وأنت مدخن.. وعقبه تقول تعالي جنبي.. فرد علي بحزم مرعب وهو يرتدي ملابسه: مافيه داعي نحكي في موضوع تافه ماله قيمة.. أما التدخين فنذر لله علي ماعاد يطب حلقي لين أموت إذا ربي شافى مزون.. عشانها هي بس.. مهوب عشانش !! كم صفعة وجهها لي خلال عبارته القصيرة هذه؟؟ تحقير.. ومهانة.. وقسوة.. وإذلال.. في أحيان كثيرة أجدني أفكر بالهروب من كساب وبيته قبل أن يصل امتهانه لعمق روحي التي ماعتادت أبدا قبول مثل هذا التعامل.. ولكن أجدني أعود لأقول إن هذا تصرف لا يليق لا بتربيتي ولا بشخصيتي ولا بكوني ابنة أصول.. فبنت الأصل لا تتخلى عن زوجها في ظرف مثل هذا..!! أنا حتى أهلي حين سألوني عن مرض مزون قلت لهم مجرد حمى.. فلست من تخرج أسرار بيتها.. وهأنا الآن أتلهى بالإعداد لزواج تميم الذي لم يبق عليه سوى يومين وأنشغل فيه حتى أقصى طاقتي!! أخرجني من أفكاري صوت عمي زايد العميق: الله ماخذ عقلش يأبيش..يتهنى به هاش اخذي!! انتفضت بخفة وأنا أراه يمدني بورقة مطوية: وش ذا يبه؟؟ أجبني بمودة: هدية صغيرة عشان عرس تميم.. أكيد أنش تبين تجيبين هدية لمرت أخيش.. وعندش مصاريف أنا داري إن كساب ماكان نسى مثل ذا الشيء.. بس دام موضوع مزون شاغله ماظنتني إنه تذكر.. قفزت وأنا أهتف باستنكار: والله العظيم ما أخذ منك شيء.. كساب مايخلي علي قاصر.. وأنا أساسا عندي فلوس.. جعل خيرك واجد!! لا أعلم لماذا ابتسم حينها بحزن وهو يقول: جعل كساب يعرف قيمتش قبل يفوت الوقت.. مشكلة كساب مايعرف غلاة الشيء لين يفقده!! ****************************** " حبيبي تكفى ترخص لي!! سميرة تعبانة وتعبت أمي " صالح برفض: أمسي عندها الليلة اللي قبل العرس.. بس من الحين لا.. مهوب كافي إني أني رخصت لش تنامين عندهم ليلة العرس بعد عشان ما تخلين أمش بس من الحين معناها أربع ليالي وأنا بروحي .. نجلاء برجاء: وأنت بتحسب الليلة بعد.. خلاص الحين صرنا الساعة وحدة في الليل.. ماعاد تنحسب.. صالح بحزم: دامها ما تنحسب ليش تبين تروحين ذا الحزة.. روحي لهم بكرة.. واقعدي عندهم طول اليوم.. نجلاء برجاء أشد بدأت تستخدم فيه سلاح غرغرة الصوت بالدموع: تكفى حبيبي أمي اتصلت لي تقول تعالي.. وغانم هو اللي بيجيني!! صالح هز رأسه بتأفف: صدق دموع تماسيح.. بس تعرفيني على طريف وما استحمل دموعش.. شِين المرة لا عرفت غلاها.. يا الله قدامي أنا اللي بأوديش.. جعل يسقى إذا خلصنا من موال سميرة وعرسها وفضيتي لي بروحي!! . . . " يالله قولي لي وش آخر خبالش خليتي منظري سخيف قدام صالح وأنا هالة الدموع عنده مثل البزران عشان يخليني أجي" حينها رفعت سميرة وجهها المحمر الغارق في دموعها عن المخدة لتدفنه في حضن نجلاء الجالسة جوارها.. لتشعر نجلاء أن حرارة دموعها اخترقت ملابسها وأغرقت فخذيها.. حينها همست لها بحزن فعلي: ياقلبي لا تقطعين قلبي.. قومي كلميني.. أدري كل البنات يبكون قبل عرسهم.. بس أنتي حالتش بزيادة.. قولي لي وش اللي مضايقش؟؟ همست سميرة بصوت متقطع مختنق ووجهها مختبيء في حضن نجلاء وكأنها تحادث نفسها: أقول لنفسي هو حلو وعيونه حلوة وابتسامته تذبح..وأحلى مني.. لكن غير عن المظاهر اللي ماتهم.. فيه شيء في روحه كان يشدني.. شيء كان ودي أوصل له وأسكنه.. لكن الحين أحسه بيسكر كل شيء في وجهي..وماراح يتقبلني!! نجلاء تربت على ظهرها بحنان: سمور ياقلبي.. ما ظنتي تميم عقله صغير وزعلان من سبت الحادث هذا قضاء وقدر.. سميرة بحزن: وأنا وش يدريني إنه مهوب زعلان.. أشلون أعرف.. أشلون بنتفاهم.. حتى الكتابة يمكن مايقدر يكتب لي!! حينها همست لها نجلاء بحزن أعمق: المفروض هذا أول شيء فكرتي فيه قبل توافقين عليه. مهوب تفكرين فيه قبل عرسش بيومين!! ************************************** " العريس وش يفكر فيه؟؟" تميم يشير لوضحى بسكون : ولا شيء!! حينها أشارت وضحى بابتسامة: زين إن هم خففوا جبس يدك اليمين قبل عرسك.. الجبيرة هذي خفيفة واجد.. ماراح تبين حتى من تحت الثوب.. وصرت حتى تقدر تحرك يدك وأصابعك مع الجبيرة.. يعني هانت.. لم يجبها بشيء وهو يتشاغل بأوراق على مكتبه.. حينها أشارت له وضحى بحنان: أنت وش شاغل نفسك فيه.. خلاص نام.. أشار لها بهدوء: شوي.. عندي كم شغلة أبي أسويها عشان الشغل بكرة.. وضحى أشارت بذات الحنان: خلاص ياقلبي بسك شغل.. صار لك أسبوع هالك نفسك شغل.. تميم أشار بحزم: ووش اللي تبني أسويه.. أخلي شغلي عشان عرسي قرب.. وضحى بابتسامة: أبيك ترتاح شوي بس!! ثم أردفت بخبث لطيف: تدري تميم أنا مستغربة أنك ما سألتني عن شكل سميرة أشلون صارت عقب ماكبرت.. ماعندك فضول!! حينها أشار وعلى وجهه ترتسم ملامح مرارة غريبة: وليش أسال وأنا شفت بعيني!! وضحى عقدت حاجبيها: متى شفتها؟؟ وأشلون؟؟ تميم بذات المرارة: حرمنا المصون ماكانت حاطة صورها على اللاب لما جبتيه لي أصلحه؟؟؟ حينها انعقد حاجبي وضحى أكثر: بس أنت قلت لي أنك ماقلبت في الصور!! أجابها بغضب: وأنا ما أكذب.. وفعلا ماقلبت فيها.. بس الشيخة سميرة كانت مخلية خاصية الصور بحجم كبير.. أول مافتحت نطت لي الصور وبحجم واضح.. سكرتها على طول.. ثم أردف بمرارة شديدة العمق أشبه بالغصة: مادققت أبدا في الملامح.. بس طبعا سكرت عقب ماصقعني بياضها غير الطبيعي ونحرها كله مكشوف.. حينها شعرت وضحى بشيء غير طبيعي في مرارة إشاراته.. لذا أشارت بدفاع مستميت: هذي كانت صورها في عرس.. وسميرة من كثر ماهي حريصة ماتخلي المصورات يصورنها.. أنا اللي كنت مصورتها.. وكان مفروض إنها بس بتنزل الصور على الجهاز عشان تطبعها.. مهوب ذنبها إنها نستها.. أشار لها حينها بعدم اهتمام يخفي خلفه وجعا شاسعا: إيه صح.. كلامش كله صح!! **************************************** أربعة أيام مرت وهو يتجاهلني تماما.. يبدو أنه تعب من تمثيل دور العاشق الكاذب.. وكم بات يريحيني هذا التجاهل..!! مادام يتجاهلني فأنا لا أوذيه وهو لا يؤذيني.. ونحن نعيش فترة من السلم.. كلا منا لاه في حياته وكأننا محض زميلي سكن.. هو في عمله ومع أهله وابنه.. وانا أيضا مع أهله وأهلي وابني يأتي لغرفتنا ليرتاح.. يستحم.. يستبدل ملابسه وينام في الليل..دون أن نتبادل أي حديث إلا في أضيق الحدود ومن أجل حسن فقط!! حتى أني هذه الأيام لا مانع لدي من الاهتمام بملابسه وأغراضه مادام يريحني من كلامه ومن فرض نفسه علي جسديا وروحيا.. وكأنني بهذه الطريقة أوجه له شكري على تجاهله لي.. بقدر ماكرهت تجاهله لي في زواجنا الأول... بقدر ماأحببته في زواجنا الثاني!! . . . تعبت من تمثيل دور التجاهل بينما أنا أحترق ما أشبه اليوم بالبارحة!! هأنا أعود لتمثيل التجاهل كما كنت أفعل في زواجنا الأول.. ولكن الفرق أنني هناك كنت أتجاهلها لأمنع نفسي من الاقتراب منها.. ولكن الآن كيف أتجاهلها وأنا أريد أن أكون أقرب لها من أنفاسها.. مرهق ومتعب لأبعد حد.. ماعدت حتى قادرا على النوم.. وأنا أتقلب على أريكتي وأحترق شوقا لضمها لصدري!! في الوقت الذي تبدو هي مرتاحة لهذا التجاهل.. لدرجة أنها ماعادت تصفعني بكراهيتها.. بل وترتب كل مايخصني بدقة.. وكأنها تقول لي.. مادامت بعيدا عني فأنا بخير!! ولكن أنا لست بخير.. لست بخير!! لا أعلم كيف استعبدني حبها بهذه الطريقة..!! أعترف أني أشعر بالضعف أمامها.. كان لدي آمال شاسعة أن وهج حبي سيطفئ نار كراهيتها.. ولكن لم أعلم أن الكراهية تعمقت في روحها حتى طبعتها بطابعها.. مازلت حتى الآن آمل في ذلك.. فحبي لها أكبر من كل شيء ولكن كيف أحقق ذلك إن كان التواصل مفقود بيننا أكره أن أفرض نفسي عليها.. ولكني ماعاد بي صبرا ولا طاقة لاحتمال بعدها عني!! . . . ربما أن فترة التجاهل هذه جعلتني أصفي الذهن حينما أرى عبدالله وتصرفاته سابقا بسبب اندفاعه نحوي في تعبيره عن مشاعره المزيفة كنت في موقع دفاع دائم.. لكن أجدني الآن أراقب تصرفاته باستغراب.. وأكثر ما بات يثير استغرابي هو تعامله مع حسن!! يعامله بخبرة واحتواء حتى أكثر مني!! وبقدر مابات الأمر يؤلمني لأني لأ أريد أن يتولى مسؤوليات ابني أحد غيري بقدر ما يثير استغرابي لأبعد حد.. قد اتجاوز صبره على مرافقته الطويلة.. وحتى اطعامه له دون يوسخ ملابسه رغم أن كلا التصرفين ليست من ملامح صبر الرجال هنا ولا تعاملهم ولكن ما استغربت له بالفعل.. أنه قبل عدة أيام حين ذهبت للسلام على كاسرة.. رفض أن أخذ حسن معي وقال أنه لا يحب أن أخذه لزيارات نساء فقط مادام لايوجد عندهم أطفال من سنه ليلعب معهم.. لأنه معنى ذلك أنه سيبقى طوال الوقت يستمع لأحاديث النساء.. اهتمامه بهذه التفاصيل غريب.. ولكن الأغرب ماحدث تاليا.. كاسرة أصرت أن أبقى للعشاء رغم محاولاتي للتفلت من أجل موعد نوم حسن.. ولكني لم أستطع التفلت منها.. شعرت بالحرج فجلست كنت قلقة أنني سأعود وأجد حسن قد التهم الكثير من الحلويات.. والطاقة وصلت حدها الأقصى عنده.. وسأعاني حتى أجعله ينام لأنه تأخر عن وقت نومه!! وحتى إن نام فهو سينام بملابسه ودون أن يستحم أو يغسل أسنانه.. ولكن الغريب أنني حين عدت.. وجدته نائما.. وبجواره عبدالله يعمل على جهازه المحمول وبعض الأوراق!! حين انحنيت لأقبله كان شعره تفوح منه رائحة الشامبو.. مسرح.. وهو يرتدي بيجامته.. لم أسأل عبدالله عن شيء.. ولكني بداخلي تصاعد الضيق لأنه كان كل ظني أن الخادمة هي من حممت ابني.. وأنا لم أكن أرضى بذلك.. عدا إن ادخال عبدالله للخادمة غرفتي وفي غيابي.. بدا لي قلة تهذيب منه وتقليل مقصود لاحترامي.. ولكن حين دخلت الحمام.. كان الحمام غير نظيف.. والملابس مازالت في السلة.. استغربت كيف تحممه.. ثم لا تأخذ الملابس للغسيل وتنظف الحمام.. وحينها لم أستطع الصبر للصباح توجهت لها وسألتها.. قالت لي أنها لم تدخل غرفتي مطلقا ولا تعلم من حمم ابني.. حينها سألت عالية بشكل غير مباشر.. قالت أنها وصلت للتو فهي كانت تتعشى مع نايف.. حينها سألت عبدالله وانا أحاول أن أتشاغل بترتيب بعض الأشياء وبنبرة عدم اهتمام.. قهرني حين أجابني ببرود: بدل اللفة الطويلة اللي سويتيها وأنتي ماخليتي حد في البيت ماسألتيه.. كان سألتيني على طول!! أنا اللي سبحته .. وإلا عندش مانع بعد؟؟!! وتكرر الأمر مرة ثانية حين ذهبت أنا وعالية قبل يومين لسميرة للسلام عليها وإعطائها هديتها!! من أين أتي بخبرة هكذا؟؟ صالح الذي هو أب من قبله وابنائه بين يديه منذ ولادتهم.. لا يتصرف هكذا!! أصبح شاغلي هذه الأيام مراقبة تصرفاته مع حسن.. أكاد أجزم أن خبرته أحسن مني حتى.. في ملابسه وأنواعها.. في أعراض الأمراض والأدوية.. في طرق التعامل والتربية!! بل أنه البارحة كان يهتف بعفوية وهو يلمس بيجامة حسن: بيجامات البرزان هنا خايسة.. صديقي فيصل جاي قريب.. بأوصيه يجيب لحسن بيجامات من ماركة ممتازة.. ناعمة ومهما انغسلت ماتخرب.. ويجيب له بعد أدوية حرارة.. وخليها في الثلاجة.. أدوية الحرارة حقت البزران هناك ممتازة.. ألا يصيب هذا بالجنون؟!! يحممه.. يطعمه.. لا بأس.. ولكن من أين يعرف لأنواع البيجامات.. بل ولتحولاتها بعد الغسيل!! أفكار عديدة بدأت تغزو رأسي.. ولكني أحاول إبعادها.. أ .. أ... أيعقل أن ....؟؟؟ هو لا يهمني.. ولكني لن أسامحه.. أن ترك حسن بعد تعلق فيه هكذا!! ********************************** رأيته عدة مرات الأيام الماضية.. وهو يزور ابنة شقيقه.. يلقي تحيته الجافة التي بات يعتز بها كثيرا في الفترة الأخيرة.. وأتسائل أين هي نبرته الدافئة التي كانت تذيبني!! كم يجمع هذا الرجل من المتناقضات!! وكم هو متعب حتى استنزاف الروح..!! قد يكون كلا منا الآن مشغول بوضع مزون أكثر من اهتمامنا بأنفسنا!! ولكن ما الذي يمنعه أن يتعامل معي بصورة طبيعية؟!! لا أعلم لِـمَ هذا التجاهل وهو بالكاد يلقي التحية ثم يسألني كأنه يتكرم علي: كيف حالك؟؟ .... وفقط وإن كان بيننا خلاف.. فنحن زوجان.. وناضجان.. ونمر بظرف أسري طارئ!! ما الذي يمنع أن يحادثتني كما يحادث أي أحد.. وليس بكوني زوجته!! حين يجلس بجوار مزون.. وأنا أعلم انه اختار المكان الأبعد عني.. أحاول أن أتشاغل بأي شيء عن النظر له.. ولكني لا أستطيع.. كما لو كان هو بؤرة الضوء في المكان.. لم يغلق زراره العلوي.. يعلم أنني أكره ذلك لأن عضلات أسفل رقبته تبدو واضحة.. ومع ذلك يتعمده.. ربما نسي!! بل تعمد إغاظتي!! أنظر لساعته.. لقلمه البارز من جيب صدره.. قلت له مرارا.. أن هذا القلم لا يتناسب مع هذه الساعة.. وفي كل مرة كنت أعيده وأحضر له قلما آخر.. وهاهو يحضرهما معا!! قد يبدو كل ذلك سخيفا.. ولكن لمن هي مثلي!!.. كل إشارة سخيفة ستزدحم بالتأويلات حتى تتفجر!! كما لو أنه يرسل لي رسالة.. أنه مستغن عن وجودي في حياته.. كما استغنى عن كل ماكنت أحرص عليه في مظهره!! . . . أسأل نفسي: هل أبدو كشاب مراهق غبي!! وهل من حولي يلاحظون؟!! قد أكون مشغولا تماما ومهموما بموضوع مزون.. ولكن لا أستطيع أن أخدع نفسي وأنكر أن جزءا من أسباب زياراتي الكثيرة لمزون.. حتى أراها هي!! أراها ذابلة مرهقة.. يبدو أننا كلنا نضغط عليها.. الكل يريد حقه منها.. سواءا أنا أو ابناء أخي.. تبدو مثقلة بالهموم بنظرات عينيها الشاردتين!! أسألها بجمودي الكريه: كيف حالكِ؟؟ ثم أصمت.. بينما أنا أحترق رغبة أن أسألها بالتفصيل عن كل شيء!! عن كل مافعلته وتفعله في غيابي!! أدعي أنني لا أنظر لها.. بينما أنا أتصيد النظر لها.. وأكثر ما أنظر له بطنها.. حين أراها وقفت.. هل كبر؟؟ هل مازال زايد الصغير متعبا؟؟ لأشعر حينها أن يدي ترتجف رغما عني.. فقد اعتدت دائما أن أتحسس بطنها وأنا أعقد حوارا طويلا مع ابني أخبره فيه بعشرات الحكايات..وأنا أستمتع برنين ضحكاتها العذبة!! كم حلمت أن أكون معها حين يتحرك للمرة الأولى!! ولكن يبدو أن حتى حق الحلم سُلب مني!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والخمسون " كساب الله يهداك.. روح لشغلك.. أنا بقعد عندها.. ولا صار أي تطور في حالتها.. أو عدك أتصل فيك فورا" كساب ينظر لعلي ويهتف برفض قاطع: لا.. ماني برايح مكان.. وشغلي ماعليه شر.. هذا الشباب يكلموني إذا احتاجو شيء.. حينها همست عفراء بنبرة مثقلة بالتعب: زين منت برايح لعرس نسبيك الليلة.. مايصير ما تروح يأمك.. أجابها كساب بحزم: إلا بأروح.. بأبارك له وأرجع.. ثم أردف بحنان: أنتي اللي روحي للبيت.. مايصير تصلبين نفسش كذا خالتي.. عفراء برفض مغمور بالحزن: لا فديتك.. دخلت هنا أنا ومزون سوا.. وبنطلع سوا.. كاسرة أصلا عجزت ترجاني أروح وهي بنقعد مارضيت.. ثم أردفت عفراء بابتسامة مرهقة: وإلا لا يكون هذا قصدك.. تبيني أروح عشان المدام تجي تقعد عندك وأنت لك أسبوع مخليها.. كساب لم يرد عليها حتى.. بينما كان علي من علق وهو يهتف بتلقائية: تدرون أني استغربت إنه مرت كساب في البيت.. حسبتها في بيت أهلها.. توني دريت إنها موجودة اليوم رحت أبي الخدامة تعطيني الريوق أجيبه لكم.. لقيتها في المطبخ تشوف ترتيبهم للريوق.. حينها هتف كساب بغضب مفاجئ: وأنت دخلت عليها المطبخ؟؟ ابتسم علي: عدال لا ينقطع لك عرق.. مادخلت عليها سمعت صوتها ورجعت.. وناديت الخدامة ثم أردف بنبرة خبث لطيفة: ودامك رجال تغار..وماتبي حد يشوفها.. ماخفت على مرتك وهي بنية في بيت كبير بروحها.. وأنت حتى ما تنام عندها.. مافيها شيء لو أنت قلت لها نامي في بيت هلش دامك لاهي عنها.. وكل اللي في البيت لاهين.. كساب بغضب: قلتها قبل وأعيدها.. مالحد دخل في تصرفاتي مع مرتي.. علي بذات الابتسامة التي تحولت للجدية: والله كلمة الحق بأقولها.. لو مرتي مكانها مستحيل أخليها بروحها والبيت فاضي عليها.. خاف ربك في مرتك ياكساب.. ترا حتى اللي مايشوف.. بيشوف أنك ماتعاملها بما يرضي الله.. حينها هتف كساب بحزم مرعب: علي اقصر السالفة.. ومرتي مالك شغل فيها.. عفراء تهمس بنبرة تهدئة لكساب: يأمك وش فيك شبيت.. أخيك ترا ماقال إلا الصدق.. ويبي لك الخير.. كان كساب على وشك الرد.. حين اقتحم أجواءهم الصوت الضعيف: يبه.. يبه.. كساب انتفض بعنف وهو يلتفت بحدة لمصدر الصوت.. كانت مازالت مسبلة العينين وعلى ذات وضعيتها النائمة.. كساب هتف بخفوت مبحوح وكأن صوته كله ذهب من شدة الترقب واللهفة: علي اتصل في ابي خله يجي الحين.. أساسا هو تو رايح.. مابعد بعّد!! اقترب بخفة وهو يجلس جوارها ويهمس لها بكل حنان العالم ولهفته المجروحة ترقب أيام وليال متطاولة امتدت لقرون: مزون ياقلبي.. أنتي صحيتي؟!! حينها شعر بهمساتها كما لو كانت سهاما من سعادة اخترقت روحه المثقلة باليأس: يبه.. يبه!! كانت تنادي بضعف ودون أن تفتح عينيها كساب التفت لعلي وهو يكاد يجن من سعادته: علي تكفى خل ابي يأتي بسرعة يد علي ترتعش على الهاتف وهو يضيع مكان الأزرار ويهتف بتأثر: هذا أنا اتصل لا تربشني.. بينما عفراء جلست وهي تضع يدها على بطنها لأنها شعرت بثقل كبير في جسدها كله.. كانت الايام الماضية مرهقة تماما لها جسديا وروحيا!! مزون لم تعد مطلقا للنداء أو الهمس.. بينما الجميع يشعرون أن الدقائق تمر متثاقلة بطيئة.. وهم في انتظار زايد.. كساب مازال يجلس جوارها وهو يكتف نفسه وكل مايخشاه أن تكون هذه الهمسات همسات عابرة وتعود لحالتها التي أضنت روحه.. " يالله يا كريم أنك تمن عليها بالعافية من عندك.. لو قعدت على ذا الحال.. ما أعرف أنا أشلون بأعيش وأتعايش مع الوضع!!" زايد دخل وأنفاسه تعلو وتهبط وهو يهتف برعب جازع: وش فيها مزون؟؟ وش فيها؟؟ علي بقلق: كانت تدعيك يبه!! كساب وقف ليجلس والده مكانه ودون أن يتكلم.. يشعر أنه لا طاقة فيه للكلام والترقب يستنفذ كل طاقته.. زايد جلس جوارها وهو يمسك بيدها ويهمس لها بحنان متألم وهو يشعر بقلق عميق ألا ترد عليه.. لأنه اُستنزف وهو يناديها الأيام التي مضت دون مجيب: مزون يأبيش.. أنا هنا.. حينها فقط فتحت عينيها.. وكأنها كانت تنتظر وصوله.. ولا تريد أن تفتح عينيها إلا على وجهه.. همست بضعف: هلا فديتك.. كنت أتناك من زمان.. ليه ماجيت؟؟.. قبل جبينها وهو يشعر برغبة عميقة للبكاء لفرط سعادته: وهذا أنا جيت يأبيش.. همست بتثاقل: رأسي يوجعني.. كم صار لي راقدة؟؟ هتف بكل حنان العالم: رقدتي واجد.. واجد يابيش.. همست بذات التثاقل ولكن بنبرة مغرقة في الوجع: تدري يبه كني سمعت كساب وشفته هنا.. بس عقب قلت أكيد أتحلم.. كساب وش بيجيبه عندي!! حينها تقدم من كان يقف خلف والده وقلبه يكاد يتوقف من شدة سعادته التي غمرت كل جوانحه حتى أقصاها.. ليهمس بحنان عميق: وكساب صدق هنا!! حينها ارتعشت بعنف وهي تغلق عينيها بقوة.. حينها اقترب كساب حتى وقف جوارها مباشرة.. شد على يدها بقوة حانية وهتف بحنان تغلفه نبرة الحزم: زعلانة علي.. افتحي عينش وحطيها في عيني.. وقولي إنش زعلانة وخلينا نتكلم.. لا تهربين.. همست بصوت مختنق وهي مازالت تغلق عينيها: تبي تعاتبني أني أهرب.. واحنا اصلا عايلة هذا أول شيء تسويه.. أنت هربت وعلي هرب.. كلكم كنتم متفشلين مني وهربتوا مني.. ابي هو الوحيد اللي ماخلاني ولا هرب مني.. ما أبي أشوف حد غيره.. هتف كساب بذات النبرة الحازمة الحانية: حن يوم قررنا نهرب على قولتش كان قرار والتزمنا فيه.. وماغمضنا عيوننا وحن نسويه.. افتحي عيونش وقولي إنش ماتبين تشوفيني!! حينها فتحت عينيها بتردد.. وعادت لإغلاقها بسرعة وهي تراه يقف أمامها بإرهاقه المتبدي في كل تفاصيله.. نظرة العينين الحانيتين اللتين افتقدهما حد الوجع جبينه المعقود بحزم كالعادة.. هتف لها بأمر مباشر: مزون افتحي عيونش.. لتفتح عينيها دون تردد.. ويصبح الاثنان هما بؤرة المشهد والبقية يراقبون بأنفاس محبوسة.. فهم كانوا يشاهدون مجبرين طيلة السنوات الماضية هذا الفيلم المؤلم الذي لايريد الانتهاء.. وهاهي النهاية توشك على طرق الأبواب مع كل توجس العالم كيف ستكون هذه النهاية؟؟ فتحت عينيها بينما اقترب منها لينحني عليها ويدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها ويجلس جوارها على طرف السرير وهو يسندها لأنه يعلم أنه إن أجلسها وتركها فقد تهوي لطيلة فترة نومها الماضية وتخدر جسدها.. والسبب الأهم أنه لا يريد أن يتركها بل يريد أن يحتضنها قريبا من قلبه.. وكم اشتاق لاحتضانها!! وهي حين شعرت بدفء ذراعه التي أسندتها.. وهي كانت تظن نفسها تحلم.. حلم خشيت أن تفتح عينيها وتجده تبخر.. دفنت وجهها بين كفيها وبكت كانت تتمنى لو دفنت راسها في كتفه.. ولكنها خشيت ألا يستقبلها حضنه.. "فقد تعبتُ من آمال لا تحقق!! تعبت من أيام وليال تطاولت وأنا أرهف السمع كل ليلة في انتظاره عله الليلة يطل علي!! لتنتهي الليلة دون أن يتحقق حلمي سوي من دموع أذرفها على مخدتي.. التي اعتدت أن أبدلها كل أسبوعين.. لأنني أوقن أنها ما عادت تحتمل المزيد من الدموع.. وأنها ستنفجر تحت راسي لو حملتها أكثر... بينما أنا أحتمل!! ومع ذلك بقيت أحلم.. ولم أتوقف عن الحلم!! . لكن حين انفجر بي.. شعرت أنه مهما انتظرت بعد ذلك فلن يتحقق حلمي رفضت أن يقترب مني.. لأني لا أريد حضنا سأفقده للابد.. لن أحتمل أن أتذوق حضنه وأنا أعلم أنها المرة الأخيرة.. كانت كلمة المرة الأخيرة هي ماتطرق رأسي.. لا أريده.. إن كان سيحضنني لمرة وسيرحل.. كنت أشعر أن هذه اللحظة قادمة لا محالة.. كنت أشعر أنه ينتظر الفرصة ليترك البيت وينخرط في حياة مستقلة بعيدا عنا.. ويتناسانا.. وأحاول أن أنكر هذا الشعور وأبعده عن قلبي لشدة ماكان يرعبني.. أحتمل حتى بعده وتجافيه ولكن وهو معي في ذات البيت.. حتى لو سافر ..رائحته هنا.. ملابسه.. كتبه.. أشياء أتصبر بها على بعده.. ولكني من ناحية أخرى كنت أقول لو أراد أن يفعلها لفعلها من منذ زمن.. ودون اهتمام.. ولكن كنت أصبر قلبي وأقول أن كساب يهتم كثيرا لمظهره أمام الناس.. وخروجه ليسكن وحده سيثير الكثير من الأقاويل ولكنه الآن وجد الغطاء المناسب هاهو تزوج.. ثم اتخذ حفلا رفضت حضوره ذريعة ليهرب مني نهائيا.. وحتى يجد المبرر كله.. أعاد كل الذكريات المرة وفتح كل الجروح بيننا ثم أتى يريد احتضاني لمرة.. لا أريد هذا الحضن الأخير إن كنت حُرمت حضنه للأبد.. لا أعلم ما الذي حدث بعدها.. نمت ربما.. ونمت طويلا... لم أكن أريد أن أصحو من النوم.. لأني كنت متيقنة أنني حين أصحو سأجده رحل للأبد.. والغريب أنني كلما فتحت عيني.. رأيته هو.. لتفر دموعي رغما عني.. يبدو أنه لا يريد مغادرة أحلامي.. ما أجمل الأحلام إن كان هو فيها.. لأبقى إذن نائمة مع ذكراه.. . ولكن رغما عني.. وجدتني أصحو لأنه مازال في الحياة من يستحق أن أقاتل من أجله.. من أجل زايد.. من أجله فقط استفقت.. زايد الذي لم ينبذني ولم يقسُ علي.. زايد الذي مهما ارتحل الجميع وتركوني فهو سيبقى معي زايد الذي أعلم أنه من أجلي احتمل المرارة وقسوة الحرج وكل من حوله يعاتبونه.. زايد أبي وأمي وشقيقي.. ليرحلو كلهم.. فأنا وهو باقيان !!" كساب شد كفيها ليبعدها عن وجهها وهو يهمس قريبا من أذنها بعمق أزلي: إذا قلت سامحيني .. بتسامحيني؟؟.. ارتعشت بعنف وهي تشهق وتهمس باختناق: وش قلت؟؟ هتف بصوت أعلى قليلا: أقول أنا آسف.. تسامحيني؟؟ وإلا قلبش صار قاسي مثل قلب أخيش؟؟ عفراء رغما عنها بدأت دموعها تنهمر.. فالموقف كان أكبر من احتمالها.. بينما زايد وعلي وقفا في موقف المراقبة وتأثر عميق يهزهما هزا حينها.. حينها.. حـــيــــــنـــــها.. أدرات مزون وجهها لتدفنه في كتف كساب.. وهي تنفجر في بكاء جنائزي.. الغريب عاد لوطنه.. والعصفور عاد لعشه.. والطفل عاد لأحضان أمه!! يا الله كم هذا الشعور جميل ومؤلم وسامٍ!! كساب احتضنها بقوة كما لو أنه يريد أن يعوض عما مضت من أيام باردة قاسية.. تحجرت مشاعره فيه لدرجة اليأس.. وهو يهتف لها بحنان موجوع: بس.. بس.. طالبش ماتبكين.. علي هتف بتأثر: والمسكين هنا أنا.. طلعت هربان.. ولا حد عبرني ولا حد حضني!! مزون أفلتت كساب بخفة وهي تمد يديها لعلي.. علي اقترب ليحتضنها بحنو وهو يقبل راسها ويهتف بحنان شاسع: الحمدلله على سلامتش يالغالية.. والله العظيم الدنيا من غيرش ما تسوى ************************************** مضى لها حوالي أسبوع وهي تتهرب مني وقبل هذا الأسبوع كانت تتشاغل عني.. تتشاغل بعشرات الأشياء.. حينا ترتب مع الممرضات الملفات أو يعلمنها الفرنسية.. أو يعلمنها التطريز أو التريكو أو تنسيق الازهار.. وتقضي ماتبقى من الأوقات بين هذا كله..إن كان تبقى وقت.. في قسم الأطفال الذين يعانون ذات مرضها.. وخصوصا مع وجود طفلين عربيين في القسم كانت تقضي كثير من الوقت مع والدتيهما.. أنا سعيد جدا أنها خرجت من قوقعتها وتتفاعل مع من حولها.. وتبدو هي سعيدة بذلك إلى درجة الإشراق.. ولكن أنا أشعر بالوحدة فعلا.. فأنا حياتي الفترة الماضية تمحورت حولها.. وكنت مشغولا بها تماما.. أشعر كما لو كانت تستغني عني.. وهذا الإحساس يؤلمني لأبعد حد!! ليتحول بعد ذلك كله تشاغلها الذي كان عفويا إلى هروب متقصد.. قد يكون الذنب ذنبي.. وإن كنت أرى نفسي غير مذنبا.. قبل أسبوع وجدتها تصنع لها شيئا بالتريكو.. سألتها ماهذا؟؟ فقالت أنها ستجرب فيني مواهبها الجديدة.. وتصنع لي شالا سيكون جاهزا مع اقتراب الشتاء.. حينها تناولت كفها بعفوية وقبلتها.. أو لأعترف وأقول أني لم أكن عفويا..ربما أطلت أو تعمقت.. ولكن ما السوء الذي فعلته؟؟ هذه زوجتي.. وتقبيلي كفها تعبير عن امتناني لما ستصنعه من أجلي.. شعرت أن في هذا نوع من التقدير لها.. والقبلة كانت لمجرد كفها لم أقبل خدها ولا شفتيها.. لذا صدمتني ردة فعلها الحادة.. وهي تبكي وترتعش وتطلب مني الخروج من المكان!! ومن بعد ذلك لم نعد مطلقا للتناقش في الموضوع.. لا هي عاتبت.. ولا أنا اعتذرت.. لأني لم أرد فتح الموضوع مرة أخرى.. ولكنها من يومها بدأت تتهرب مني.. أو ربما هذا إحساسي.. لأن ماكانت تتشاغل به قبلا هو مايشغلها الآن.. كل شيء له من وقتها نصيب إلا أنا !!! . . . أريد أن أفرج عنه وأمنحه حريته.. فهو شاب يريد أن يكون مع شباب من سنه.. يلعب كرة القدم التي أعلم أنه مفتون بها.. يذهب للفرجة أو التسوق.. وبما أني أصبحت أحسن.. فلماذا لا أطلق سراحه؟؟ أعلم أنه تعرف على مجموعة من الشباب في جنيف.. يستطيع الذهاب وقضاء اليوم هناك.. لا أريده أن يشعر أنه مقيد بي وكأنه سجين عندي.. وخصوصا أنني وجدت عشرات الأمور التي تسليني وتشغلني.. مادمت سعيدة وأتسلى فلماذا لايكون مثلي!! ولأعترف أنني بعد تحسني.. بدأت نظراته لي تقلقني!! لم تعد نظرات خليفة المشفقة الحانية التي أدمنتها ولكنها تتحول لشيء أعمق واخطر.. شيء يقلقني كثيرا.. وما أكد لي ذلك هو قبلته غير البريئة إطلاقا لكفي قبل حوالي أسبوع.. أعترف أني أصبت بحالة بكاء غير طبيعية.. وكأن خليفة الذي أعرفه غادر وتركني مع خليفة آخر لا أعرفه.. فخليفة الذي أعرفه واعتدت عليه لم يكن مطلقا ليتصرف هذا التصرف.. بدا قلق ما يتسرب لروحي.. قلق أقرب للخوف!! وأعترف أني بدأت أشغل نفسي أكثر وأكثر.. والغريب والمضحك أن شهيتي مع العمل انفتحت أكثر وأكثر.. هذا الأسبوع ازددت كيلوين دفعة واحدة.. الاطباء استغربوا وبدأو يعيدون جدولة برنامج طعامي.. فهم لا يريدون أن تتحول حالة فقدان الشهية لفرط شهية.. وإنما يريدون إعادة التوازن لحياتي بشكل نهائي وطبيعي!! لا أعلم كيف وأنا أشعر أن حياتي غير متوازنة!! ************************************** "سميرة قومي يا بنت وش ذا النوم كله؟!! لش أسبوع كنش قردة ماترقدين.. واليوم ما تبين تقومين" سميرة تفتح عين وتغلق الأخرى وهي تهتف بنبرة ثقيلة غارقة في النوم: نجلا تكفين بأنام ساعة وحدة بس أنا أصلا كلت حبتين منوم.. لو سحبتيني بأنام عليش في الطريق.. نجلاء بغضب: لا بارك الله فيش من بنت.. وأنتي أشلون تأكلين منوم بدون ماتقولين لي.. سميرة لم ترد عليها لأنها عادت لتغرق في النوم.. نجلا كانت تدور في الغرفة بغضب وهي تكمل تجهيز بقية أغراض سميرة وتهتف بغيظ: زين يا الخبلة.. زين.. اخمدي شوي لين أخلص باقي شغلي.. عقبه بأسحبش من شعرش للحمام.. وأفك الماي عليش.. ولكنها توقفت عن حركتها السريعة وعادت لتقف جوار سميرة النائمة وتنتحني لتمسح على شعرها بحنان وتهمس بشجن عميق موجوع: ياقلبي ياسميرة.. ميتة من التعب وماعادت تعرف أشلون تريح جمسمها دام عقلها تعبان مايرتاح.. نامي ياقلبي.. نامي.. ريحي شوي.. الله يكتب لش الراحة والسعادة وين مالقيتي وجهش!! ********************************** " كساب قوم روح لشغلك.. هذا أنا زينة.. وسمعت الدكتور بنفسك.. يقول اليوم بيسون لي فحوص شاملة وبكرة بيطلعوني إن شاء الله وابي وعلي راحو وأنت عادك قاعد" حينها علقت عفراء بابتسامة أمومية دافئة: أصلا صار له على ذا القعدة أسبوع لا راح للشغل ولا حتى للبيت.. حينها همست مزون بجزع: وكاسرة وينها؟؟ رد عليها كساب بحزم: كاسرة ماعليها شر.. في بيتها ولا عليها خلاف.. همست مزون بحرج: البنية عروس ما كملت شهر.. وأنت تخليها وتقعد عندي!! أجابها كساب بحنو عميق وهو يميل ليقبل جبينها: الحمدلله اللي رجعش لي بالسلامة.. وأصلا لو قعدت عندش عمري كله ماكفرت عن اللي سويته!! حينها همست مزون بحزن: لا تحمل نفسك ذنب.. هو ذنبي أنا.. كساب قاطعها بحزم: خلاص مانبي كلام في ذا الموضوع.. أجابته مزون برجاء شديد: زين إذا لي خاطر عندك.. طالبتك.. قوم روح لشغلك.. وعقبه لمرتك.. لا عاد ترجع هنا الليلة.. كساب باعتراض: بس.. مزون برجاء أشد: قلت طالبتك.. تعال بكرة الصبح عشان ترجعني البيت.. ************************************ " من اللي بتروح معي الحين؟؟ أنتي وإلا وضحى؟؟" كاسرة مشغولة بالتأكد من الأغراض الموجودة في الأكياس وتهتف بثقة: الحين وضحى بتروح معش.. لأنها تبي ترجع تتسبح عشان ترجع تتزين مع سميرة في القاعة.. وهي بتشرف على الترتيبات الأخيرة.. وأنا اللي بأروح معش المرة الثانية عشان أشوف ترتيبات القاعة قبل تكمل ثم بأرجع و بتجيني اللي بتزيني هنا.. وبأخلص قبل المغرب وأجي لش القاعة مزنة بحزم: زين بتقعدين لين تلمين معنا أغراضنا آخر الليل؟؟ وإلا بتروحين لبيتش؟؟ كاسرة بثقة: لا بأقعد وبأرجع معكم هنا.. وبأمسي هنا الليلة.. حينها صرت مزنة عينيها بحزم: استأذنتي كساب زين؟؟ " حتى لو لم أستأذن.. لن يعلم أنني لم أنم في البيت حتى!!" ولكنها هتفت بحزم: أكيد بأستأذنه وماظنتني إنه بيعيي.. كاسرة بالفعل شدت هاتفها لتتصل به.. رغم أنها كرهت أن تتصل به.. فالحوار بينهما الأيام الأخيرة كان شبه مقطوع.. تعلم تماما ماذا سيقول (سوي اللي تبينه!!) المهم ألا تزعجه!! لذ تفاجأت برفضه القاطع: لا.. ترجعين وتنامين في بيتش.. كاسرة تشعر بغيظ لم يظهر في صوتها الواثق: أنت صار لك أسبوع ماتدري عني شيء.. يعني لو نمت عند هلي يمكن ماتدري.. فليش تبي ترفض بدون سبب!! كساب بحزم بالغ: وأنتي لازم تنشفين الريق وتطولين السالفة وهي قصيرة.. قلت لش ترجعين بيتش ترجعين بدون نقاش.. أيش الشيء اللي مافهمتيه في كلامي؟؟.. كاسرة شدت لها نفسا عميقا حتى لا تنفجر وهي ترص على الأحرف والكلمات: إذا على الكلام مفهوم.. ومهوب أنا اللي يجهلني الحكي.. لكن صاحب الحكي هو اللي ماينفهم.. كساب أنا لازم أقعد مع أمي نلم باقي أغراضنا عقب مايروحون المعازيم.. عشان كذا بأرجع معها.. أجابها بحزم أكبر: اقعدي براحتش.. وساعدي أمش مثل ماتبين.. وإذا خلصتي أنا اللي بأجيبش!! *********************************** " الحين أنتي ليش ترجفين كذا؟؟ ترا أخي مايعض والله العظيم" حينها أجابت سميرة (بعيارة) باكية وهي تمنع دموعها من الانهمار: زين يمكن إنه يشخر أو يرفس وهو نايم.. وضحى أيضا تحاول منع دموعها من الانحدار تأثرا مع حال سميرة وهي تهمس باختناق: لا مافيه أهدأ منه وهو نايم كنه بيبي متكتف.. سميرة شدت يد وضحى وهي تهمس باختناق: وضحى تكفين لا تخليني!! وضحى ترسم ابتسامة فاشلة: تكونين رايحة تحاربين وتبين مساندة عسكرية.. أصلا أنتي يا الغبية حتى الاوتيل مارضيتي تروحين.. خلاص هذا أنتي الليلة في بيتنا ووطوفتي وطوفتش وحدة.. دقي الطوفة وأنط لش بالمساندة.. والحين افرديها.. المرة عصبت.. تبي تخلص شعرش تحط الطرحة.. حينها قفزت لهم نجلاء التي انتهى شعرها والتي كانت تراقب من بعد اختناق سميرة بالدموع.. وتوقف خبيرة الشعر لأن سميرة شدت وضحى لتقف جوارها!! نجلاء تحاول أن تهمس بمرح تخفي خلفه اختناقها الحقيقي الذي بدأ بالتزايد منذ بدأت سميرة في التزين واقتراب موعد الختام: اسمعيني سمور.. ياويلش تخليني أبكي وتخربين مكياجي.. تراني أبي أرجع لصالح يشوفه.. مهوب يشوف خريطة ألوان.. وأكيد بعد تميم مايبي يشوف خريطة ألوان!! سميرة حينها بدأت تشهق حين تذكرت أن تميما سيراها رغم أنها لا تنسى.. وانحنت وهي تدفن وجهها بين كفيها.. خبيرة الشعر هتفت بتأفف: هيك ماراح نخلص ولا الصبح!! نجلاء أزالت يديها عن وجهها وهي تهتف لها بحزم: اصطلبي يا بنت.. اللي سوت لش المكياج راحت.. من بيعدله لش لو خربتيه.. وإلا تبين تضحكين الناس اللي بيدخلون يسلمون عليش.. أنتي بتعقلين وإلا أدعي أمي تشوف لش صرفة؟؟ حينها همست سميرة وهي تهتف كطفلة تجبر نفسها على الصمت: أمي لا.. لا.. أمي بروحها متضايقة..وجننتها الأيام اللي طافت.. لا تضايقينها أكثر.. تكفين نجلا.. خلاص بأسكت!! نجلاء تأخرت للزواية وهي تتظاهر بالانشغال في ترتيب أغراض سميرة المتناثرة وجمعها.. بينما كانت أنفاسها تعلو وتهبط.. وتقهر نفسها بشدة حتى لا تنفجر بالبكاء.. *************************************** كانت تتأكد من شكلها في المرأة ومن ثبات اكسسوار الشعر قبل أن تتناول عباءتها المفرودة على السرير لتلبسها.. حينها دخل.. لم تهتم لدخوله.. فهما الأيام الماضية اعتاد كل منهما تجاهل الآخر.. وهي أدت ماعليها واستأذنته للذهاب لحفل زفاف ابن خالها وأذن لها.. لذا لم تهتم وهي تتناول العباءة.. ثم تتذكر شيئا فتنزلها... لتتاول حقيبتها.. وتضع فيها البودرة والعطر وأحمر الشفاه.. ولكنها لا تعلم أن هذا الآخر الذي كان يراقبها بدقة.. قد نضج تماما.. ويشتعل شوقا لها!! يريد أن يعاقبها فإذا به يعاقب نفسه.. فبعدها عنه يسعدها ولكنه يتعسه.. وماعاد به أي طاقة للاحتمال!! هي على كل حال تفتنه.. فكيف وهي بفتنتها التي بلغت أقصاها الليلة في فستان حرير سماوي؟!! كانت على وشك ارتداء عباءتها حين فوجئت به يشد عباءتها من يدها.. ويمسك بها من خصرها.. انتفضت بعنف وهي تبعد كفيه عنها.. وتهمس بقرف: عبدالله لو سمحت أنا بأروح العرس.. أمي صافية وعالية ينتظروني تحت.. أجابها ببرود مدروس: اتصلي فيهم وقولي عبدالله بيوديني.. خلهم يروحون.. أجابته بعصبية: الظاهر أنك استخفيت.. حينها هتف بحزم بالغ: والله ماحد مستخف غيرش.. أنتي بتعرفين أشلون تكلمين معي.. وإلا حلفت ما تحضرين العرس الليلة.. حينها أجابت بجزع: لا عبدالله تكفى.. هذا عرس ولد خالي.. وعرس بنت عمك.. حينها أجابها بحزم أكبر: زين دامش ميته تبين تروحين.. تسنعي.. الحين تقعدين عندي وعقب أنا بأوديش.. وأنا رايح العرس.. أجابته بتأفف: أنت وش طرى عليك.. صار لك أسبوع راحمني من ثقل طينتك وإلا مايهون عليك تشوفني مستانسة تبي تنكد علي.. أجابها بتقصد وهو يتناول كفها ويفتح باطنها ناثرا قبلاته فيها: نكد متبادل ياقلبي ميت من شوقي. وأنتي لو أموت صدق ماحسيتي فيني!! حينها شدت يدها بعنف: عبدالله خلني أروح.. أجابها بحزم بالغ: قلت لا.. حينها علمت أنه جاد فيما يقول ( وش ذا الشوق اللي طلع عنده فجأة وهو أسبوع كامل كني والطوفة واحد حتى المطالع مايطالعني!!) حينها قررت اللجوء للخبث النسائي المعهود.. لأنه علمت يقينا أنها أن عاندت فهو سيعاند.. لذا همست بمداهنة مدروسة كاذبة: زين عبدالله خلني أروح الحين..عيب أتأخر.. ووعد علي أني لا رجعت أرضيك وأسمح خاطرك.. حينها ضحك عبدالله: تدرين أنش ماتعرفين تكذبين.. ولا كذبتي قعدتي تشبكين إيديش لأنش مرتبكة.. جوزاء التفتت ليديها لتجد أنها بالفعل كانت تشبك أناملها وهي تفركها بشكل دائري.. جوزاء شعرت بالغيظ الممزوج بالحرج.. قد تكون بالفعل لا تكذب عادة وتكره الكذب.. ولكنها لا تنكر أنها هذه الأيام تكذب على أهلها وأهل عبدالله في شأن علاقتها بعبدالله وأنهما مرتاحان.. ولا يبدو أن هناك من اكتشف كذبها.. فكيف اكتشف هو أنها تكذب؟؟ أجابته بغيظ: خلاص ماراح أكذب عليك.. بأقول لك لا رجعت تفاهمنا.. وما أعتقد أني أقدر أمنعك من حقك إذا بغيته!! حينها أشار لها عبدالله بيده أن تغادر وهو يفتح دولابه ليتناول له ثوبا ويهتف بنبرة عميقة بها رنة حزن واضحة بينما كانت هي ترتدي عباءتها: تدرين جوزا.. يمكن أكون محتاج لش جنبي مثل ما أي رجال محتاج مرته.. لكن عمر ماحاجتي لش كانت مجرد حاجة جسدية رخيصة.. أنا قعدت الاربع سنين اللي فاتت بدون مرة.. وكنت مقرر أني بأقعد عمري كله كذا.. لأنه كان مستحيل أضم مرة لصدري عقبش.. جوزا لازم تشوفين لش حل في طريقة تعاملش معي.. لأنه الصبر له حدود.. وأنا أبي منش الاحترام قبل أي شيء.. لا تحبيني.. بس احترميني.. جوزاء غادرت وكل ماقاله له يتقزم ويتراجع أمام عبارة واحدة (أنه بقيت السنوات الأربع الماضية بدون امراة) "إن كان كذلك.. فمن أين أتت معرفته بالأطفال؟؟ يا الله رأسي سينفجر من كثرة التفكير!!" ****************************************** نجلاء مازالت تحاول منع دموعها التي تريد الانهمار منذ بداية هذا اليوم وهي تنظر لشقيقتها التي كانت تجلس بين صديقاتها الكثيرات اللاتي حضرن كلهن اليوم.. كانت غاية في البهاء والبراءة والحسن.. تبدو كما لو كانت إحدى شخصيات القصص الكرتونية لشدة رقة ملامحها وصفائها غير المعقول.. تبتسم نجلاء بشجن وهي تنظر لفستان سميرة الشديد الرقي بأكمام الدانتيل الطويلة حتى منتصف كفها.. وتذكر خلافهما حوله.. كانت نجلاء تريده بدون أكمام حتى يظهر لون الحناء ونقوشه الغامقة في شدة بياض بشرة سميرة المصقولة!! ولكن سميرة رفضت وبشدة كانت تقول ببراءتها العذبة: "تبين تميم لاشافني يقول هذي مافي وجهها حيا.. استحي أول مرة يشوفني.. يشوفني متفسخة كذا!!" نجلاء لم تقترب منها منذ صعدت لتجلس على مقعدها.. تركت المهمة لوضحى.. لأنها تشعر أنها لو اقتربت فأنها ستثير فضيحة بمناحة تشعر بها باتت قريبة.. كانت شعاع تهمس لسميرة بخفوت: أنتي وين ركبتش داستها.. خلني أقرصها.. فتهمس وضحى بابتسامة مرحة: وخري يالبزر.. وصفي في الدور.. أنا أول.. أنا أكبر وتخرجت وأشتغل.. وأنتي أصغر وعاد باقي عليش سنة.. حينها ابتسمت شعاع وهمست (بعيارة) وهي تنظر لسميرة وبجوارها عالية: إذا هذي وبنت عمها اللي عقولهم لش عليها تحفظ.. اعرسوا.. يعني حن اللي ركادة وثقل مانعرس.. عالية (بعيارة) أشد: لا حد يحارشني.. أنتو قلتوها عقلي عليه تحفظ.. لا ينوبكم من التحفظ شوي.. تعرفوني خبلة وماينداس لي على طرف!! شعاع تضحك: احترميني تراني حماتش.. واللي خليت أخي يتورط ويستخف ويأخذش.. بركاتي يعني وإلا كان الحين الحال من بعضه وأنتي عانس حالش حالنا!! عالية تضحك: يبقى ذنبش على جنبش في اللي بأسويه فيش وفي أخيش.. مافيه حد صاحي يحط الحية في خُرجه.. (الخرج= كيس منسوج يستخدم لحفظ الأغراض قديما) وضحى بابتسامة : المثل ذا ماله شبيه عند خالش هريدي ياسميرة "اللي يحط الحية في خُرجه"..؟؟ سميرة لم تكن تستمع حتى .. عيناها زائغتان وذقنها كان يرتعش بشدة دلالة على شدة ارتعاشها!!.. عالية همست بخفوت وهي تشد على كف سميرة: سميرة الناس شوي وينتبهون لش.. شعاع وقفت فورا في وجه سميرة حتى لا يراها أحد.. بينما وضحى جلست من الناحية الأخرى.. وهي تقرأ آيات من القرآن الكريم عليها.. ولكن الارتعاش لم يتوقف.. شعاع همست بقلق: أقول لنجلا تجي؟؟ عالية برفض قاطع: لا تنادون لا نجلا ولا خالتي أم غانم.. الثنتين أصلا على طريف.. وماسكين نفسهم بالغصب!! عالية شدت ذراع سميرة بقوة وهي تهمس في أذنها بحزم: سميرة ركزي معي.. لا تفضحين نفسش وتفضحينا.. أدري أنش مستحية يالخبلة.. بس الناس اللي بيدخلون هنا يسلمون.. لا شافوش كذا ماقالوا مستحية.. قالوا مغصوبة.. امسكي اعصابش لين تروحين.. عقبها فكي دموعش كلها تميم.. وسودي عيشته وضحى تحاول أن تبتسم بفشل لتأثرها من حال سميرة: خوش نصيحة لبنت عمش.. واللي بيروح فيها أخي المسيكين.. حينها حاولت سميرة أن تبتسم.. صفقت شعاع بخفة وهمست بخفوت: جدعة يا بنت أخت هريدي.. امسكي الابتسامة ذي لين آخر العرس طالبتش!! *************************************** " يمه ترا تميم يقول مهوب داخل!! غانم بيدخل يجيب أخته.. وأنا بأروح لأن غانم هو اللي بيوصلهم البيت" مزنة حينها هتفت بغضب: أشلون مايبي يدخل.. حن ما اتفقنا على كذا قل له مافيه حد غيري أنا واخواته وعمته.. وبيدخل مع باب خاص وبيطلع معه خله يدخل يصور مع مرته يشوفها.. المسكينة وش له متعدلة ومرتزة؟؟ مهاب بحرج: يمه لا تفشليني أكثر ماني متفشل.. توني تلاغيت أنا وإياه.. وغانم واقف وسطنا مهوب داري وش السالفة!! وأنا ذا الحين في نص هدومي من غانم عقب ماقلت له ادخل جيب أختك لأن تميم مستحي.. والله يمه ماعاد باقي إلا أضرب ولدش وإلا اسحبه عندكم.. معند ورأسه ألف سيف مايدخل.. مزنة بغضب: زين ياتميم.. دواك عندي.. خل غانم يدخل .. لا بارك الله في عدوين ذا الولد قهرني وبيقهر البنية!! مزنة أشارت لبناتها أن يخرجن معها.. وهتفت بحرج بالغ لأم غانم ونجلا اللتين كانت تقفان في الزواية ملتفتان بعبايتيهما: أم غانم.. تميم حياوي بزيادة واستحى يدخل.. ولدش غانم هو اللي بياتي يأخذ أخته.. لا تنكر كل من نجلا ووالدتها تصاعد الضيق العميق في نفسيهما.. فحتى هما تمنيتا أن تريا سميرة حين يدخل عليها زوجها يلمحان الفرحة التي تمنيا رؤيتها.. مادامت قد أصرت على هذا الرجل بالذات أرادا أن يطمئنا عليها.. سميرة لشدة خجلها وارتباكها لم تلحظ شيئا مما يدور حولها.. فسميرة رغم مرحها الدائم وتعلقاتها الدائمة إلا أنها حينما تعاني من الخجل الذي يتحول أحيانا لخجل غير طبيعي يجعلها تتوتر وعقلها يتوقف عن التفكير.. لذا لم تنتبه لأي شيء حتى رأت طرف الثوب الأبيض جوارها.. حينها كادت تتقيأ جزعا لولا أنها سمعت الصوت الدافئ الحاني الذي تعرفه جيدا: إذا بتلاقون لي عروس حلوة كذا.. زوجوني من الليلة.. حينها انفجرت في البكاء وهي تحتضن خصر غانم الواقف.. ليتلطخ ثوب غانم من زينة وجهها المختلطة بدموعها المتفجرة.. ولينفجر معها الاثنتان اللتان كانتا تنتظران مجرد شكة دبوس لينهمرا.. غانم شعر باختناق حقيقي وهو يرى نساء حياته الثلاث كلهن في حالة بكاء هستيري.. سبق له أن مر ببكاء والدته في زواج نجلاء وهو ابن السابعة عشرة وسميرة تنتحب معها وهي تتعلق بثوب أمها.. ولكن لا شيء يشبه مرارة هذا البكاء!! هتف بهذا الاختناق المر: أنتو متأكدين إن حالتكم هذي حالة بشرية طبيعية؟!! أمه هزت رأسها وهي تهتف بأنين: مش هاين عليا البيت من بعد سميرة.. حاسة بيه هيبئ زي الئبر.. هتف غانم بابتسامة موجوعة: الظاهر يمه وقت التراجيديا تقلبين على الموجة على المصري الخالص.. همست أم غانم باختناق وهي تربت على كتفه: خذ أختك لجوزها.. وأنتي يا نجلا امسحى وش سميرة.. ولو أني حاسة أنه مكياجها ماعادش نافع!! . . في الخارج يجلس في سيارة غانم.. أنفاسه تعلو وتهبط.. واختناقه يتزايد.. يشعر أن البشت يخنقه.. وأزرار ثوبه تخنقه.. وسيارة غانم تخنقه!! بل وجسده يخنقه..!! يتمنى لو أنه هرب من كل هذا.. لماذا يتزوج ليرضي الجميع بينما هو أبعد الناس عن الرضا بهذا الزواج؟؟ لماذا وافق على إدخال نفسه في هذه المهزلة؟؟ لماذا لم ينهِ هذا الزواج قبل أن يكتمل بعد أن بات يشعر بشكوكه تخنقه بعد حادثة تكّسر يديه؟؟ كان غارقا في أفكاره السوداوية.. ولأنه لا يسمع فهو لم يسمع صوت فتح الباب.. ولكنه شعر باهتزاز السيارة الطفيف والباب الخلفي يفتح.. حينها شعر أنه عاجز عن التنفس.. لم ينظر مطلقا للخلف.. بقي متيبسا في مكانه.. يتمنى لو أنهم لم يحضروا.. وجيد أنه لا يسمع حتى لا يسمع نحيب من ركبت السيارة وهي مازالت تنتحب.. غانم كان يُركبها في الخلف.. وقف لجوارها لحظات ثم شد على كفها.. وهتف لها بخفوت حازم: اسمعيني عدل.. أكيد أنا أتمنى لش التوفيق في حياتش.. لكن لو هذا التوفيق ماصار لأي سبب.. لا ترددين ولا لحظة وحدة أنش ترجعين لنا.. أدري عيب أقول ذا الكلام وكأني أعصيش على رجّالش.. لكن اللي أنا خايف منه.. لأنه أنتي اللي أصريتي عليه.. إنه لو ماكنتي سعيدة أو ما ارتحتي تصبرين على الوجع لأنش خايفة حد يقول أن هذا اللي سويتيه في روحش.. وهذا كان اختيارش.. لا تخافين من شيء.. بيت أبيش وبيتي مفتوحين لش.. وعمر الحياة ماتستمر على اختيار غلط عشان حن خايفين من شماتة الناس.. أهم شيء تكونين أنتي مبسوطة وسعيدة.. سميرة شدت على كف غانم دون أن تتكلم.. غانم التف ليركب سيارته.. وحسرة عميقة تتصاعد في روحه.. لا يستطيع حتى أن يوصي الجالس الصامت جواره بشقيقته.. والمشكلة أنه لا يبدو راضيا.. لا يعلم هل هو خجل كما يقول مهاب.. أم أن هذه شخصيته؟!! تميم غارق في أفكاره بينما الجالسة غارقة في دموعها وخجلها يخنقها لأبعد حد.. حين وصلا للبيت.. ونزلا الراكبان الأماميان.. غانم يشير لتميم أن يمسك بيد سميرة حتى يدخلها لأنها لا ترى من خلف العباءة الموضوعة فوق رأسها.. ولكن تميم ادعى عدم الانتباه... وهل على الاصم حرج؟؟ حينها أنزلها غانم وهو يقربها حتى أوصلها قرب الباب.. قبل جبينها وهتف لها بحنان: لو بغيتي أي شيء ترا ما بيننا إلا دقة تلفون!! حين غادر غانم والاثنان واقفان عند الباب.. انفتح الباب لتظهر وضحى خلفه التي سبقتهما للبيت لتتأكد من ترتيب العشاء الخاص بالعريسين.. وتخرج المباخر من غرفتهما.. ابتسمت بشفافية : سربرايز أنا هنا عشان أنكد عليكم.. هلا والله بالعرسان.. كانت وضحى تهتف بالعبارة وهي تشير بها في نفس الوقت.. وضحى همست لسميرة : عطيني عباتش مافيه حد في البيت.. سميرة باختناق همست لوضحى: أنا بكيت واجد.. أكيد شكلي الحين يروع.. وضحى أشارت لتميم: تميم فديتك ممكن تطلع فوق.. خمس دقايق بس وأجيب لك العروس.. تميم لم يشر بشيء وهو يصعد بينما كان في داخله يهتف بإرهاق نفسي عميق (خليها عندش أحسن وأنسوني).. وضحى شدت سميرة بسرعة لغرفتها.. حين خلعت عباءتها عن وجهها هتفت وضحى بصدمة بالغة: ياخسارة المكياج اللي بفلوس واجد على الفاضي لا وهذا وهو ضد الماي.. شكلش كبيتي على وجهش سطل ماي يالخبل.. سميرة عادت لتنتحب: أنا متفشلة منه بدون شيء.. الحين يشوفني كذا بعد.. وضحى بعزم: ومن قال بيشوفش كذا.. يالله بسرعة خلنا نمسح المكياج كله بسرعة.. أصلا أنتي وحدة ببشرتش ما تحتاجين مكياج.. بنمسحه كله وبنحط لش ماسكرا وغلوس بس.. سميرة بألم: يعني أول مرة يشوفني يشوفني بماسكرا وغلوس.. أشلون عقب؟؟ وضحى تدعك وجه سميرة بمزيل ماكياج قوي..بعد أن ضعت فوطة صغيرة حول جيب الفستان حتى لا يتطلخ.. وتهتف بمودة: العمر كله قدامكم بيشوفش لين يعجز.. الحين أنتي مستحية وهو مستحي وش بيشوف يعني..؟؟ وبعدين أخي يحب يده مقلوبة اللي الله أرسل له وحدة مثلش.. بيتبطر على النعمة يعني!! وضحى أنهت مهمتها في أقل من خمس دقايق وأنهتها برشات عطر أحاطت بها سميرة من كل ناحية.. وضحى ابتسمت: يالله قومي هذا أنتي تهبلين وتجننين.. لو أقول لأحد أني مسحت مكياج عروس قبل يشوفه رجالها بيقولون لي استخفيتي بس والله أنش أحلى كذا.. أصلا أنا دايم أقول لش المكياج مايلبق لش!! سميرة بدأت ترتعش بعنف ووضحى تقودها لغرفتها الجديدة وتهمس باختناق: وضوّح باقعد عندش شوي.. تكفين وضحى تضحك: الحين تميم أكيد يدعي علي أني خذتش منه.. يالله بلا بياخة روحوا تعشوا.. أنتي وإياه صار لكم يومين ماكلتوا شيء.. وضحى دفعتها للداخل وأغلقت الباب.. كانت ترتعش كمصابة ببرد شديد وهي تقف عند الباب دون أن تتقدم.. لم ترفع رأسها حتى وقدماها مغروستان في الأرض.. هو كان خلع غترته وبشته وألقاهما بقرف على السرير ويجلس على مقعد مستغرقا في أفكاره التي كلما غرق فيها كلما ازداد ضيقا ووجعا.. لم ينتبه مطلقا لمن دخلت.. وهي بقيت على وقفتها ربما لربع ساعة دون أن يتقدم منها أحد كما توقعت.. حينها رفعت رأسها بخفة لتراه جالسا شاردا.. فشعرت أن قلبها يكاد يتوقف وعادت لتنكيس رأسها وارتعاشها يتزايد كما لو أنه مازال هناك للتزايد.. وهي ترتجف كريشة جافة معلقة في مهب ريح عاصفة.. بعد فترة من الزمن.. قرر أن يقف ليتوجه للحمام حتى يتوضأ ليصلي قيامه.. فتفاجأ بالمخلوقة الواقفة عند الباب.. رغما عنه صد بقرف.. لم يكن يريد النظر حتى ناحيتها.. ليس لديه اتهام محدد ضدها.. وفي ذات الوقت لديه قائمة ضخمة من الاتهامات!! ولكنه شعر أنه قليل التهذيب والفتاة تقف لا يعلم منذ متى.. رغم أنه تمنى أن يجعلها تقف حتى تمل.. ربما تقرر أن ترحل حينها.. اقترب منها بهدوء.. وهي حين سمعت صوت الخطوات تقترب.. شعرت أنه يكاد يغمى عليها من الجزع والخجل.. نكست رأسها أكثر وارتعاش جسدها بدا واضحا جدا.. تميم حين اقترب لاحظ ارتعاشها غير الطبيعي (وش فيها ذي؟؟ تمثل وإلا مريضة؟؟) لمس حينها طرف كمها وهو لايريد أن يلمسها حتى.. ليشير لها أن تجلس.. حينها انفجرت مرة أخرى في البكاء.. نظر لها باستغراب أقرب للغضب.. (وش فيها ذي تبكي؟؟ هذا وأنا ماقربت جنبها وإلا يكون هذا هو اللي هي خايفة منه أني أقرب جنبها أكتشف شيء ماتبيني أكتشفه؟!!) حينها شدها بحدة وأجلسها على المقعد بقوة.. ثم تركها متجها للحمام وهو يشعر بالقرف من كل شيء.. بينما سميرة حين رأت قوته في شدها كادت تصرخ طالبة النجدة.. لولا أنه أجلسها وتركها.. حينها بدأت تكثر من قراءة آيات القراءن الكريم وهي تحتضن نفسها وتحاول تهدئة روعها... ******************************************* " يمه كساب ينتظرني برا تبين شيء بعد؟؟" مزنة وهي ترتدي عباءتها أيضا: لا يأمش خلاص.. هذا احنا خلصنا وامهاب ينتظرني برا بعد.. خرجت كاسرة لم يكن في الخارج سوى سيارة كساب ومهاب والمكان خال تماما.. كاسرة توجهت لسيارة كساب و.......... ************************************ قضت ساعتين ربما وهي جالسة في مكانها حتى استطاعت أن تهدأ وتجعل أعصابها تتمالك.. بينما هو أيضا جالس في مكانه بعد أن أنهى صلاته.. ظنت سميرة أنه اعتصم بمكانه ليترك لها المجال لتهدأ بدون ضغوط منه وفعلا هدأت قليلا وبدأت حالتها تستقر.. ورغم شعورها بخجل عميق منه ولكنها قررت أن تنهض لتستحم وتصلي.. حتى يصليا بعد ذلك معا.. وقفت وغادرت وهي تخشى أن تتعثر في خطواتها لشدة ارتباكها.. بينما هو كان ينظر لها وهي تغادر (الظاهر تعبت من تمثيل السحا الساعتين اللي فاتت ماقصرت ساعتين كاملة وهي مستحية يعتبر انجاز) حين انتهت من الاستحمام.. وجدت أن وضحى قد أعدت لها كل شيء في غرفة التبديل.. ارتدت قميص نومها ولكنها لم ترتدِ روبه لأنها شعرت أنه خفيف.. وارتدت روبا آخر لونه أبيض من حرير ثقيل.. وخرجت وهي تحمل سجادة الصلاة التي أخبرتها وضحى بمكانها.. صلت قيامها بعيدا عنه.. ودعت الله مطولا أن يلهمها السكينة ويكتب لها التوفيق وكانت تشعر بذه السكينة تحيط بها وتقويها حين اقتربت حتى وقفت أمامه.. وأشارت له بخجل بإشارة التكبير.. لم يكن يريد حتى أن ينظر ناحيتها.. بل هو مازال لم ينظر ولا يعرف حتى تفاصيل ملامحها.. ولكنه وقف وهو يشير لها أن تقف خلفه.. سيصليان.. ولكن هل الصلاة ستصلح أخطائها التي بات يشعر بها حاجز يحول دون رؤيته لها.. فور انتهائهما.. عاد للجلوس وهي جلست والصمت محتكم بينهما.. كيف سيتحاوران وبأي طريقة؟؟ كل منهما يدعك كفيه وهو غارق في أفكاره الخاصة!! وشتان بين أفكارهما.. بين أفكار سوداء في حياة يبدو لا أمل فيها!! وأفكار بريئة بحياة وردية يتحديان فيها كل الصعاب!! طال الصمت واحتكم حتى أغرق المكان.. ليقف تميم فجأة ويغادر لأنه شعر أنه ماعاد يحتمل وجودها قريبا منه هكذا.. توجه للحمام ليستحم.. بعد دقائق.. بحثت سميرة عن هاتفها الذي أخبرتها وضحى أنها وضعته لها على التسريحة.. تناولت الهاتف وأرسلت لوضحى: " تكفين وضوح تعالي دقيقة عند باب الغرفة" وضحى وقفت عند الباب لتخرج لها سميرة.. وضحى بحرج: وش تبين يالخبلة؟؟ سميرة بخجل: يا أختي باختنق وأنا قاعدة معه بروحنا... مستحية.. هو ساكت وأنا ساكتة.. والحين دخل يتسبح.. مايصير أجي عندش شوي.. حاسة أني بأموت من السحا .. باقعد عندش لين يجون هلش بس.. عشان ماحد يدري.. وضحى تنظر للباس سميرة وتضحك: أما على السحا... وش ذا اللي أنتي لابسته.. حطي ذا الروب يالخبلة!! سميرة باستنكار: لا والله.. من جدش.. وضحى بخفوت: تدرين ألبسي جلابية وجلال يالعجوز أحسن!! ثم أردفت بخبث: تعالي تبين تجين عندي استأذني تميم أول.. سميرة بيأس: أشلون أستأذنه.. أكتب له؟؟ وضحى بذات الخبث: لا ليش الكتابة المفروض تبدين تعلمين إشارة.. هذي الإشارة.. سويها.. وضحى اعادت الإشارة عدة مرات لسميرة.. سميرة باستغراب: والاستئذان وش دخله في الشفايف؟؟ وضحى تكاد تنفجر ضحكا: يأختي أنا اللي أعرف وإلا أنتي.. نفذي وأنتي ساكتة.. وأشوف أنتي بتجيني عقبها أو لا.. سميرة هزت كتفيها: زين.. بس ظنش تميم مهوب زعلان لا قلت له بأجي عند وضحى شوي.. وضحى ترقص حاجبيها: لا مهوب زعلان!! اخلصي بس.. سميرة عادت للداخل.. حين عادت كان قد خرج من الحمام.. كان ينظر لها باستغراب غاضب.. أين كانت ولماذا الهاتف في يدها؟؟ سميرة وضعت الهاتف جانبا الذي نسته في يدها حين خرجت لمكالمة وضحى.. تقدمت منه بخجل وهي تشير له بالإشارة التي علمتها وضحى.. حينها اتسعت عينا تميم.. وتوقعت منه سميرة أي ردة فعل إلا هذا الفعل.. إلا هذا الفعل !! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والخمسون كانت تقترب منه بخجل.. بينما كان ينظر لها باستغراب وغضب وهو يراها تدخل من الخارج وهاتفها بيدها!! ولكن مع اقترابها وتركيز النظر إليها.. هاهو يتمعن في تفاصيلها بتركيز.. "بها شيء ليس هو الجمال بمعناه المعروف.. شيء مختلف.. أعمق وأخطر فاتنة !! مثيرة!! فماذا فعلت بهذه الفتنة والإثارة؟؟ ومن لها هذه الفتنة لِـمَ توافق على أصم أبكم مثلي؟؟ إلا إن كانت أساءت استخدام النعمة التي منحها الله عز وجل؟؟ . يا الله لماذا هذه الأفكار المرة؟؟ لماذا؟؟ انظر لها تميم.. انظر!! كم تبدو مرتبكة وخائفة!! تبدو كطفلة مذعورة مجنحة بأجنحة البراءة!! لا أعتقد أن تبدو بهذا الوجل والطهر قد لوثتها الذنوب!!" سميرة اقتربت بخجل أكبر وهي تشير له بالإشارة التي علمتها وضحى!! بداية كاد يضحك رغما عنه وهي تشير لشفتيها.. ولكن عيناه اتسعت ذهولا..مع الإشارة الثانية التي تبعت مع الأولى لم يصدق ما رآه.. أ حقا ما أشارت به؟؟ ربما كانت مخطئة!! لكنها أعادت الإشارتين اللتين كانت تظنهما إشارة واحدة بتصميم مغلف بخجلها.. حينها لم يحتمل.. لم يحتمل.. والذهول يتحول لغضب عارم متفجر مدمر.. كان يصرخ في داخله: " قذرة ومنحلة.. لم تستطع الصبر لليلة وحدة وهي تمثل البراءة والحياء ولكن ماذا أقول.. سوى منحلة.. منحلة!!" تميم ترجم قرفه وجزعه وغضبه وصدمته فيها أسوأ تعبير وأقساه وهو يصفعها بكل قوته بيده اليسار.. بما أن يده اليمين مازالت في الجبس.. ومع أنه ليس بأيسر بل أيمن.. ويده اليسار مازالت غير قوية بل وتؤلمه أحيانا من أثر الشعر السابق.. إلا أن حدة الغضب والقهر جعلتا صفعته غاية في القوة لتلقيها بكل قوة بقرب قدمي السرير.. تميم وقف ينظر لها بذهول.. ولشدة ذهوله لم يشعر بالألم المنتشر على طول يده اليسرى!! وهي كانت ملقاة على الأرض.. وتنظر له بجزع مرتعب.. وعيناها متسعتان من الصدمة وممتلئتان بالدمع لأقصى حد.. كما لو أنهما توشكان على التفجر بفيض دموع لا حد له.. هو لم يتخيل أنه قد يفعلها يوما.. أنه قد يضرب امرأة.. " إلى أي مخلوق بشع تحولت؟؟ ماذا فعلت؟؟ ماذا فعلت؟؟ . يا الله ماكل هذا القهر والألم والوجع" تميم لم يعد يستطيع النظر إليها حتى.. يشعر بالذنب والقهر والخديعة.. يشعر أن كل المشاعر المتضادة اخترقت روحه كمدافع مزقته بقوتها.. ارتدى ملابسه ونزل ركضا.. حينها كانت وضحى تجلس في الصالة العلوية قريبا من الدرج.. تنتظر عودة والدتها.. حين رأت تميم ينزل ركضا.. فُجعت وهي تحاول اللحاق به دون أن تفلح.. حينها عادت لغرفته وهي تفتح الباب بحرج مختلط بالجزع.. لتشعر بالفجيعة وهي ترى سميرة تسند رأسها بين ركبتيها ووهي تجلس على الأرض وظهرها ملتصق بقدمي السرير وصوت نحيبها يتعالى بوضوح مكسور.. حينها قفزت برعب وهي تجلس جوارها وترفع وجهها.. لتشعر وضحى أن كل غصات العالم اخترقت حنجرتها وهي ترى أثر كف تميم الواضح على خد سميرة الثلجي!! ولتبدأ سميرة بالصراخ الهستيري كطفلة مرعوبة: تكفين وضحى أبي أروح لبيتنا.. تكفين.. خلاص ما أبيه ما أبيه.. بأروح لبيتنا تكفين.. وضحى تقفز لتغلق الباب قبل وصول والدتها.. وتعود لسميرة... وهي تهمس بحزم ممزوج باختناقها: وش اللي صار؟؟ سميرة بين شهقاتها: والله ماسويت شوي.. ماسويت شيء.. استاذنته مثل ماعلمتيني.. ضربني.. ضربني.. حينها هتفت وضحى بصدمة كاسحة: حسبي الله ونعم الوكيل.. كله مني.. كله مني.. والله العظيم ماقصدت إلا خير.. كنت متأكدة إنه بيعرف إني اللي علمتش الإشارة وانش ماتعرفين معناها.. لأني سمعته يفتح الدولايب وأنا واقفة برا فعرفت إنه طلع من الحمام.. قلت إنه بيشوفش جايه من عندي.. و بيلقى له شيء خليه يفك من جموده شوي.. ولأني أعرفه ذكي فهو أكيد بيستغل الفرصة اللي هو عارف إن أخته أرسلتها له.. والله العظيم ماقصدت شيء شين.. بغيتكم تفكون شوي وتتعشون وتنبسطون.. والله العظيم ماقصدت شيء شين!! حينها رفعت سميرة وجهها المحمر وهي تهمس بصدمة بين شهقاتها المتقطعة: ليه الحركة وش معناها؟؟ وضحى تضع يديها فوق رأسها وهي تهمس بضيق: خلنا نأكل وعقب عطني بوسة!! ثم أردفت بانهيال موجوع حرج: سامحيني سميرة.. والحين أنا باصلح غلطتي.. الحين والله العظيم ماهقيت تميم ممكن يمد يده عليش حتى لو زعل.. حينها هتفت سميرة بوجع منثال: صحيح أنا ماهقيت منش تسوين فيني ذا المقلب بس هذا أنتي قلتيها.. يعني حتى لو أنا أشرت له بذا الإشارة وهو زعل منها.. كان ممكن يتصرف معي أي تصرف إلا ذا التصرف.. أنا عمري في حياتي ماحد مد يده علي.. عشان انضرب ليلة عرسي.. أنا مستحيل أقعد عند أخيش دقيقة.. هذا مهوب صاحي.. والله العظيم مريض.. وين تلفوني؟؟ باتصل في غانم يجيني.. ثم بدأت تصرخ بكل الوجع والحسرة: أخيش مفكرني بهيمة.. وإلا ماوراي حد يرد الضيم عني؟؟ وضحى قفزت قبل سميرة لتأخذ هاتف سميرة وتخبئه في جيب بيجامتها.. وهي تهتف بحزم: بس يا الخبلة.. افضحي روحش الفضيحة اللي مالها دوا عروس تروح لبيت أهلها ليلة عرسها مضروبة!! تخيلي بشاعة الكلام اللي بيطلع عليش.. الحين أخي الغلطان.. لكن أنتي اللي بتصيرين الغلطانة والمجرمة.. قلت لش هذي غلطتي وغلطة أخي وأنا بأحل السالفة بدون ماحد يدري.. سميرة انهارت تبكي مرة ثانية بأنين مثقل بالحسرات: مستحيل قلبي يصفا له.. وضحى هذا ضربني وليلة عرسي... أنتي حاسة فيني.. عروس تنضرب ليلة عرسها.. أنتي شايفة وجهي أشلون.. ضربني ضرب واحد مليان غل.. هذا أكيد مريض نفسي.. أنا مستحيل أعيش معه خلاص.. هذا ممكن كل شوي يضربني وبدون سبب.. وضحى بألم: والله أني حاسة فيش.. زين اصبري عليه شوي.. عشان نفسش مهوب عشانه.. خلاص هو مايستاهل عقب اللي سواه.. والله العظيم عشانش.. وضحى شدت سميرة وأجلستها على الأريكة.. واحضرت ثلجا من ثلاجة جناحهما ووضعته على وجه سميرة وهي تهتف بألم: حتى لو حطيت عليه ثلج هذا بكرة احتمال يصير بنفسجي.. أشلون الناس يشوفونش كذا.. تدرين.. بأقول لتميم أنكم تروحون لشاليه لين تخف اللي وجهش!! سميرة بجزع كأنها طفلة خائفة وهي تشد كف وضحى: لا وضحى تكفين.. مستحيل أروح معه مكان بروحنا.. وضحى بذات الألم الذي اتسع في روحها: والله العظيم ماعاد يسوي شيء.. ولو سوا.. اتصلي في أخيش وخليه يجيش.. سميرة برعب حقيقي: لا لا.. شيدريني يمكن يذبحني.. مستحيل أروح معه.. أخيش مهوب صاحي وما ينتأمن.. وضحى تشعر أنها تريد تبكي لمافعلته.. أرادت خيرا فإذا به يتحول لكل الشر: خلاص سميرة أنا بأروح معش.. ********************************* " يمه كساب ينتظرني برا تبين شيء بعد؟؟" مزنة وهي ترتدي عباءتها أيضا: لا يأمش خلاص.. هذا احنا خلصنا وامهاب ينتظرني برا بعد.. خرجت كاسرة لم يكن في الخارج سوى سيارة كساب ومهاب والمكان خال تماما.. كاسرة توجهت لسيارة كساب وفتحت الباب الخلفي وركبت.. وهي تلقي السلام. هتف كساب بغضب: تعالي قدام يامدام.. أكون سواقش وأنا مادريت.. أجابته كاسرة بهدوء مقصود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته محشوم يا أبو زايد.. بس أنا ماعلي نقاب.. مغطية وجهي بشيلتي عشان كذا ما أبي أرتز قدام.. حينها التفت كساب للخلف بحدة ليهتف بغضب أشد: والعباية مفتوحة بعد!!! أجابته حينها كاسرة ببرود: أنا جيت هنا مع سواقة خالتك.. وكنت راكبة ورا والسيارة مظللة .. وما أقدر ألبس نقاب ولا عباية مسكرة عشان مايخرب مكياجي وشعري.. حينها حرك كساب سيارته وهو يهتف بحزم غاضب فعلا: كنت أسمع بالعذر اللي أقبح من ذنب والحين شفته وسمعته.. يعني ماكنتي تقدرين تأخذين معش عباية ثانية ونقاب!! بس لا صارت الوحدة مافي وجهها حيا من وين تجيبه؟؟ أجابته كاسرة بغضب: الحيا أعرفه من قبلك.. ومهوب أنت اللي تعلمني إياه.. ثم أردفت بنبرة مقصودة: وكنت مثلك أسمع باللي يهاد ذبان وجهه وماشفته لين عرفتك.. أنت أصلا لو مالقيت شيء تعصب عليه بتخترع لك.. هتف ببرود: ماعليش مردود.. أجابته ببرود: أكيد ماعلي مردود دامني عندك أنا والكرسي واحد.. حد يرد على الكرسي.. يعني حتى سلامة مزون مابشرتني فيها.. تخيل إن عمي زايد هو اللي بشرني.. أجابها ببرود: المهم الخبر وصلش.. لا ومهوب من أي حد.. من الرأس الكبيرة مباشرة!! أجابته بنبرة مقصودة: كان فيه واحد يتفلسف علي قبل حوالي شهر.. وقال لي طريقة وصول الرد أهم من الرد نفسه.. وأنا أقول لذا الواحد.. فرحتي بالخبر وحدة.. سواء عرفته منك أو من عمي زايد.. لأني فعلا مبسوطة بسلامة مزون.. لكن الاختلاف كان في احساسي فيك.. لو أنك أنت اللي بلغتني.. ليش تبي تحسسني دايم أني شيء غير مهم في حياتك!! هتف لها ببرود أشد: أنتي ما تتعبين من كثر ما تتفلسفين؟!! ثم أردف بنبرة مقصودة: وإذا على تحسيس الثاني بعدم أهميته.. فأنتي راعية الأولة.. وراعي الأولة ماينلحق.. أجابته كاسرة بذات نبرته المقصودة ولكن غزاها شيء من حزن شفاف: أنت تبي تحاسبني على شيء ماقصدته.. أو يمكن تبي لك حاجز جديد بيننا لأنك شايف أن الحواجز هذي كلها ماتكفيك.. أجابها ببرود: والله الحاجز هذا ببركاتش ياهانم.. كاسرة صمتت.. أرهقها هذا الحوار العقيم وهي مرهقة أساسا.. لماذا تتجادل معه وهي تعلم أنها ستعود دائما لنقطة الصفر ودون أي فائدة!! حين وصلا للبيت.. صعدت فورا لغرفتها.. كانت تخلع عباءتها حين دخل هو.. لم تتوقع مطلقا أنه سيأتي توقعت أنه سيوصلها ويعود للمستشفى.. توقعت بعدها أنه ربما سيدخل الحمام.. يستحم.. يستبدل ملابسه.. شيء من هذا القبيل.. ولكنه جلس على السرير يراقبها بصمت.. لا تنكر أنها ارتبكت من مراقبته.. بل خجلت وهي تجلس جواره ولكنها تصنع مساحة بينهما لتخلع كعبها العالي.. ثم تنحني قليلا لتضعه تحت السرير لأنها خجلت أن تحمله أمامه لخزانة الأحذية.. كانت قد وقفت واتجهت للتسريحة حين سمعت صوته يقول بهدوء غريب: استغرب وحدة بطولش وتلبس ذا الكعب كله.. ظنت أنه يخاطب أحد غيرها.. لو كان هناك معهما أحد ثالث!! للتو كان بينهما زوبعة.. وهاهو يوجه لها الحوار العفوي وكأنه لم يحدث شيء (أنا من زمان أقول عنده انفصام في الشخصية!!) لم ترد عليه وهي تتجه للتسريحة وتجلس على مقعدها وتبدأ بتفكيك تسريحتها حينها صدمت أنه يقف ويتجه ناحيتها ثم يمد يده إلى طيات شعرها وينزع معها مشابك الشعر.. ارتعشت بعنف وهي تمسك بكفه وتجذبها ناحيتها وتحتضنها بكلتا كفيها وتهمس بحزن عميق: تكفى كساب بس.. خلني.. يعني مابين وجودنا في السيارة لين وجودنا في غرفتنا.. انقلبت 180 درجة!! تدري وش أحس فيه الحين؟؟ أنك شايفني مجرد جسد رخيص.. تكفى كله إلا ذا الإحساس!! كله إلا ذا الإحساس!! حينها جذب كفه من بين كفيها وهتف بعمق وهو يبتعد عنها: الظاهر إن كل واحد منا يتكلم بلغة مختلفة.. عشان كذا ماحد منا فاهم الثاني.. ولا فاهم وش هو يبي!! *********************************** عاد بعد صلاة الفجر وهو يتسلل حتى لا يراه أحد بناء على رسالة وضحى الغاضبة .. وهي تطلب منه الحضور فورا لغرفتها.. كان مثقلا بالوجع إلى الحد الذي لا حد له.. ماعاد لوجعه حدود.. مثقل بالألم والقهر واليأس.. أي حياة هذه الذي تبدأ بكل هذه الشكوك ثم بصفع العروس..؟! فتح باب وضحى بخفة.. ليجدها تجلس على سريرها ووجهها متورم لكثرة مابكت.. حينها أشار بجزع: وضحى أشفيش؟؟ حد فيه شيء؟؟ وضحى أشارت بغضب ودموعها تنهمر: ولك وجه تسأل بعد سواد وجهك؟؟ حينها أشار لها تميم بألم غاضب: إلا سواد وجه صديقتش مهوب سواد وجهي.. وضحى بغضب أشد: صديقتي وجهها أبيض وطول عمره أبيض.. البلا من اللي مخه ما أدري أشلون يفكر.. تميم بوجع: يعني أمانة عليش حركتها حركة عروس المفروض إنها مستحية وتنتظر إنه عريسها هو اللي يبادر.. هذي وجهها مافيه حيا.. وضحى بوجع أشد: سميرة ماتعرف وش معنى الحركة.. والله العظيم ماتعرف.... كلمتني يوم أنت دخلت الحمام تتسبح.. تقول إنها خايفة ومستحية وتبي تجي عندي.. قلت لها استاذني تميم بذا الحركة... حسبتك بتدري إنها جاية من عندي و بتفهم إن الحركة هذي مني.. وأني أبيك تتلحلح.. مهوب أنت مستحي والبنت مستحية.. لا ينكر تميم صدمته البالغة وشعوره بألم عميق ممزوج بندم شفاف ومع ذلك أجاب وضحى بألم مثال وهو يفجر كل غضبه وشكوكه: أنا ماني بمستحي..وليش أستحي.. شايفتني ماني برجال.. الحيا للنسوان.. اللي رفيقتش ماتعرفه.. أنا قرفان منها.. فاهمة أشمعنى قرفان.. من يوم شفت صورها في اللاب.. وعقبه تجي لبيتي وحن متملكين بدون حيا وتحاول توقفني بدون خجل من مسكها لرجال.. وعقبه ترسل لي ورد بدون حيا.. أمانة عليش قولي لي أي تصرف من هذولا تصرف وحدة تستحي.. وأصلا وحدة مثلها.. شابة صغيرة وفي جمالها.. ليش توافق على واحد مثلي إلا لو كان عندها شيء ماتبي حد يعرفه!! انقلب وجه وضحى بقرف: أخييييييه منك ومن أفكارك.. ماهقيت أنك ممكن تفكر كذا.. صدق أنك مريض!! الحين لو سألتك.. تشك فيني أنني ممكن أروح في طريق خَمَل.. (خمل=شبهة) نميم باستنكار حاد: لا طبعا.. وضحى بغضب: خلاص باقول لك أنك تقدر تشك فيني مليون مرة.. وسميرة ماحتى تشك فيها واحد من ذا المليون.. تميم عقد حاجبيه بحزم: أنا مايهمني دفاعش عن صديقتش.. كم ناس نظن فيهم خير وهم يخفون البلاوي.. أنا علي من اللي حسيته وشفته بعيني.. رفيقتش ذي ماتستحي وفيها شيء غير مريح.. وضحى يزداد غضبها: أنا أبي أدري وش عندك ضدها؟؟؟ مجرد أفكار مريضة في رأسك.. أنا ماني بمتخيلة وين راح مخك وش سوت.. تشك مثلا إنها تكلم.. تسوي شاتنغ.. خلت شباب يشوفون صورها.. أو... تميم بإشارة غاضبة: بس.. بس.. لا تكملين.. لا يريدها أن تفتح جروحه التي تنزف بغزارة.. لا يريدها أن تمنحه صور لشيء يؤلمه ولا يعلم ماهو ؟!! وضحى بذات الغضب المتزايد: لا فسر لي.. وإلا ليش تفسر؟؟ دامك ماتبي بنت الناس وشاك فيها ومافي أذنك ماي.. ليش أساسا تتزوجها.. فيه ناس يتطلقون وهم في الملكة.. لا أنتو أول حد ولا آخر حد.. تميم بغضب: خذتها عشانكم.. وأنتي أكثر وحدة عارفة أني كنت أبي أتزوج وحدة بحالتي.. وضحى بدأت تنتفض من الغضب: واللي مثل حالتك.. بتكون ملاك نازل من السما.. منزهة من العيوب لأنها ما تتكلم ولا تسمع.. سميرة أطهر من الطهر.. ومهوب أنت اللي تعرفها.. أنا اللي أعرفها وأحلف على ذا الشيء وأنذر بعد تدري تميم ماهقيت أني بأقول كذا.. بس والله أن سميرة خسارة فيك.. وأنت منت بكفو تأخذ مثلها.... حينها قاطعها بغضب موجوع: عشاني واحد أصم أبكم رفيقتش أحسن مني.. وخسارة فيني.. هذي آخرتها ياوضحى!! وضحى بدأت تبكي لشدة الانفعال: والله العظيم أنت استخفيت.. مستحيل تكون تميم.. وين راحت أفكارك.. طهارة سميرة هي اللي خسارة في وسخ أفكارك.. وأنك تتكلم أو تسمع مالها علاقة!! لا حول ولا قوة إلا بالله وش ذا المصيبة؟؟ *************************************** قبل ذلك حين عدت من حفل الزفاف وجدته نائما.. ليس سوى كاذب كبير كالعادة لا أنكر أنني سعدت أنه نام وتركني أنعم بالسلام بعيدا عنه!! ولكن لِـمَ يكذب علي بقصة الشوق المزعومة؟؟ لماذا يستمر في لعبة السخرية مني؟؟ أكرهك عبدالله.. وحتى أخر نفس سبقى يتردد في صدري سأبقى أكرهك أيها الحقير!!! . . تمثيلية النوم قد أخذ عليها جائزة الأوسكار يوما!! هربت من مجابتها.. تعبت من تمثيل التجاهل وأنا أحترق!! وتعبت أكثر وأنا أنظر لها بكل اللهفة وتنظر هي لي بكل الكراهية والإزدراء!! ولكن لا أنكر أنني شعرت بالتسلية وأنها أسمع صوت فتحها للخزائن.. لأنها تريد ازعاجي!! ثم صوتها العالي وهي تحكي لحسن حكاية حتى ينام غريبة هي هذه المرأة!! كيف تريدني أن أتركها وأتناساها.. وحين تجدني نفذت ماتريده.. ونمت تريد إزعاجي لأقوم من النوم.. . . " هذا أنا قمت وش تبين؟؟" جوزاء كانت تغلق أزرار بيجامتها لتلفت له بجزع: خوفتني!! أجابها بابتسامة: تخوفين بلد.. وتصحين جيش من النايمين عقب.. يالله هذا أنا قمت وش تبين؟؟ جوزاء تتشاغل بإعادة بيجامة تحركت من مكانها قليلا لتعيدها للصف الشديد الانضباط وتهتف بعدم اهتمام: بصراحة ما أدري وش تقصد من كلامك السخيف؟؟ لا قومتك ولا شيء.. بالعكس تمنيتك تقعد نايم وتريحني!! حينها ضحك عبدالله: قلت لش أنش ماتعرفين تكذبين.. أو إن كذبش مكشوف عندي.. تعالي قولي لي وش اللي في مخ الحلو مشغله وخلاه يصحيني من النوم؟؟ لا تعلم جوزاء ماذا كانت تريد بالتحديد عشرات الأفكار تزدحم في مخيلتها ولكنها هتفت بدون تردد: عبدالله أنت عيال غير حسن؟! لا ينكر عبدالله أنه شعر بالارتباك.. لا يعلم كيف خطر هذا السؤال ببالها لكنه أجابها بتحكم واثق: لا ماعندي عيال غير حسن ففي النهاية هذه هي الحقيقة.. فلم يعد له ابن غير حسن.. لكنها عاودت الإصرار: احلف زين!! أجابها حينها بخبث: زين انتي وحدة تقولين ما تبيني.. وماتبيني حتى أتدخل في حسن.. وش عليش لو طلع علي عيال أو حتى عندي مرة!! أظني المفروض تنبسطين.. وتقولين فكة مني!! حينها انقلب وجهها بغضب: يعني تكذب علي عبدالله... تكذب علي!! لم يستطع إلا أن يضحك وهو يقول: يا بنت الحلال ماعندي مرة غيرش ولا ولد غير حسن.. رغما عنها تنفست الصعداء وهي تصر للمرة الثانية: زين احلف دامك صادق!! حينها أجابها بحزم: مع أني أكره أسلوب إن حد يكذبني.. لكن دام ذا الشيء بيريحش والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم أني الحين ماعندي ولد غير حسن.. ربما أن تشديده في الحلف وتثليثه جعلها لا تنتبه للكلمة الملبسة (الحين).. ومع ذلك عاودت السؤال: زين من وين جاتك معرفتك للبزارين وطول بالك عليهم؟؟ حينها أجابها ببرود: تقدرين تقولين هذي موهبة من الله عز وجل.. وإلا تبين تعترضين على عطا رب العالمين.. احمدي ربش على زوج متعاون مثلي.. غيري قاط عياله على أمهم ومايدري شيء عنهم.. أجابته بسخرية: عياله.. كلهم ولد واحد الله يحفظه.. حينها أجابها بنبرة تلاعب مقصودة: والله بيننا موعد لين خمس شهور قدام ويشرفون الباقيين إن شاء الله.. أجابته بغضب: تدري أنك واحد وقح!! أجابها ببرود: وأنتي وحدة جعجاعة وماعندش غير الحكي.. ثم أردف بتقصد وهو يقف ليتجه ناحيتها: من هذرتش الواجدة أنش وعدتيني بشيء إذا رجعتي.. وبما أنش صحيتيني من النوم.. فأنتي أكيد مانسيتي الوعد!! ************************************ " لا أعلم أي ذنب أذنبته.. هل هذا عقاب لي لأني خالفت رغبة أهلي وأصررت عليه وأنا أعلم أنهم رافضون!! أ هكذا يعاقبني أنني فضلته على الجميع؟! أعلم أنني بالغت في أفكاري المثالية.. ولكن ماهو سوء المثالية؟؟ شعرت بالفعل أن تميم هو من سيحتويني.. سيحتوي جنوني وصراخي.. كنت أشعر أن عمقه الذي كالبحر هو ماسيحتويني ويبدو أن هذه الأفكار ليست سوى محض جنون.. لأن تميم لم يكن بحرا بل كان وحشا.. يا الله كلما استعدت بشاعة مظهره كيف انقلبت عيناه لينقض علي ويضربني أشعر أنني لا أريد التوقف عن البكاء أ يحكم علي أن يكون هذا زوجي؟! لا لا يستحيل.. لا يمكن .. لا يمكن " وهي غارقة في أفكارها ودموعها.. دخل عليها تميم.. حينها انكمشت بعنف والدموع تزداد انهمارا.. ألمه منظرها حتى عمق الروح.. مرهق هو من كل هذا.. مرهق.. مرهق !! أشار لها أنهم سيغادرون الآن.. ولكن يبدو أنها لم تفهم.. وكيف تفهم وهي تبدو مرعوبة وجزعة هكذا!! فتح جهاز حاسوبه.. وطبع لها بسرعة.. " قومي البسي عشان نطلع الشاليهات ووضحى بتروح معنا!!" وضع الجهاز أمامها على الطاولة.. ثم غادرها ليضع له غيارات في حقيبته... لم تكن تريد الذهاب معه لأي مكان.. تشعر كما لو كانت تُقاد لقبرها.. ولكنها وجدت نفسها مجبرة.. فهي لا تريد أن تجلب لنفسها الكلام.. وقبل الكلام.. يكفي كل ماتشعر به من ألم.. لن تحتمل مزيدا من الألم حين يعلم الجميع بما حدث لها!! ************************************* كاسرة صحت من نومها وهي تشعر بألم خفيف في حنجرتها وخياشيمها ناتج عن تنشقها لعطره الثقيل الفخم من قرب.. " الحين وين جاني عطره وحن من عقب ماصلينا الفجر.. كل واحد نايم في ناحيته وبيننا مساحة مثل مساحة المحيط الأطلسي وبيننا زعل مثل مساحة المحيط الهادي!!" ( لا أنكر أني البارحة تضايقت كثيرا من تفكيره.. أو ماظننت أنه يفكر به!! ولكني تضايقت أكثر من أجله.. لا أعلم أي فوضى للمشاعر بات يخضعني لها! ولكن كان من الأمور التي فتتنتي في كساب وفي ذات الوقت أغضبتني منه إحساسي أنه غير خاضع لجمالي وأنه يتجاهل فتنتي حين يريد!! . ولكن في ذات الوقت أكره أن يهمش عقلي لينظر لجسدي فأنا عقل قبل أن أكون جسد.. وهذا الأمر لابد أن يكون واضحا تماما بيننا) كانت هذه أفكارها المموهة قبل أن تصحو بالفعل!! حين صحت فعلا.. علمت أنه كان أقرب لها من عطره بكثير.. فهي كانت تنام في حضنه.. وذراعاه تحيطان بها.. لم تتحرك من مكانها.. فهي لا تستطيع أن تنكر كم اشتاقت للنوم في حضنه.. رغم قصر المدة التي عرفت فيها هذا الحضن.. وهو حين أحس بدفء أنفاسها على صدره التي أنبئته أنها صحت من نومها.. شدها أكثر لصدره وهو يقبل أذنها و يهتف فيها بنعاس: فيه وحدة هربت من حضني البارحة.. أشلون أصحى وألقاها في حضني الحين.. ممكن تفسرين لي؟؟ همست له بعذوبة ناعسة: اسأل روحك.. لأني البارحة نمت وأنا في مكاني.. أجابها بتلاعب: أسألش أنتي.. لأنه أحيانا في أحلامنا نسوي اللي نبيه.. أجابته بتلاعب شبيه: ونفس الكلام ينطبق عليك.. أنهت عباراتها وهي تبتعد عنه وتعتدل جالسة.. ليعاود شدها قريبا منه وهو يحتضن ظهرها ويهمس بذات النعاس: وين بتروحين؟؟.. أجابته برقة وهي تحتضن بكفيها ذراعه التي تحيط بخصرها: بأقوم أكلم أمي أشوف أخبار المعاريس.. هتف بسكون: وأنا بعد بأقوم الحين عشان أجيب مزون للبيت.. اقعدي معي شوي.. حينها شددت احتضانها لذراعيه وهي تهمس بحزم يخفي خلفه ألما عميقا: صحيح كساب لو صار يوم وتضايقت واحتجت حد يخفف عنك.. ماراح تجيني..؟؟ أجابها ببساطة حازمة: أكيد.. باب تسكر في وجهي مرة مستحيل أطقه مرة ثانية.. سألته بذات الألم الشفاف المغلف بالحزم: ليه أنت ماتعذر أبد؟؟ أجابها بذات البساطة الحازمة: مشكلتي قلبي أسود.. وإذا شلت على أحد.. أبطي وأنا شايل عليه.. حينها سألته بعمق: طيب ولو أنا جيت مرة متضايقة ومحتاجتك.. وش ردة فعلك علي!! أجابها بأريحية وهو يشدها ليحتضنها أكثر: بأقول العين أوسع لش من الخاطر!! أبركها ن ساعة.. بس لا تهقين أني ممكن أنا أسويها يوم!! " لا بأس كساب لتلعب لعبة التباعد التي لا أعرف كيف قواعدك فيها.. كيف برجل يتباعد ثم أجده بيني وبين عظامي.. يتنفس أنفاسي؟؟ كيف هو تفسيرك للتباعد؟؟ وحتى متى سنبقى نلعب بين حواجزك المتكاثرة؟؟" ****************************************** " مزون.. مزون!!" أجابت مزون بابتسامة مشرقة: هلا عمي تعال فديتك.. دخل منصور بخطواته الثقيلة الصارمة وهو يرتدي لباسه العسكري.. حين رأى مزون تجلس على المقاعد وليس على سريرها اتسعت ابتسامته.. فهو زارها بالأمس فور معرفته بسلامتها.. ولكنها كانت مازالت مرهقة وتجلس على سريرها.. وقفت لتسلم عليه بينما كان يهتف لها بمودة: أشلونش اليوم يأبيش؟؟ ابتسمت بشفافية: مابعد صرت طيبة مثل اليوم.. اقعد خلني أقهويك.. شكلك مابعد تقهويت.. ماشاء الله أنت أول واحد جيتني اليوم.. ابتسم وهو يجلس: أنا أساسا رايح الدوام.. بس قلت أمرش قبل تطلعين!! مزون كانت تسكب له القهوة بينما هو كان شاردا نوعا ما وهو يتلفت حوله.. حاولت مزون كتم ابتسامتها وهي تهتف بخبث لطيف: عمي تدور حد؟؟ رد عليها بحزم: لا.. ليش تسألين؟؟ مزون بذات الخبث اللطيف: لأنه الفنجال برد في يدي وأنا مادته.. ولا حد صوبي!! حينها سألها بمباشرة: وينها؟؟ أجابته بابتسامتها المتسعة وهي تشير للحمام بخفوت: تتسبح داخل!! ثم أردفت بشجن: عمي حالكم مهوب عاجبني.. لا حالك ولا حالها.. أجابها بحزم: هي اللي طلعت من بيتها وكبرت السالفة.. أجابته مزون بحزن: زين خالتي حامل وتعبانة.. ونفسيتها تعبانة.. ما تستاهل شوي تنازلات منك.. شد منصور له نفسا عميقا: أنتي بنفسش شايفة أشلون هي تتهرب مني أشلون نتفاهم زين؟؟ ابتسمت مزون: وهي تقول أنك أنت اللي تصد عنها وماتبي تكلمها.. منصور باستنكار: أنا ؟!! وقبل أن تجيبه مزون سمعا صوت باب الحمام يُفتح.. وصوت عفراء من الباب الموارب: مزون عندش حد؟؟ كني سمعت صوت!! مزون بخبث رقيق: لا ماعندي حد تعالي!! عفراء خرجت وهي تجفف أطراف شعرها بالمنشفة التي تمسكها بين يديها ولأن وجهها كان مائلا للجانب وهي كانت خالية الذهن تماما لوم تنتبه لمن لم يستطع حتى البقاء جالسا حين خرجت.. بل وقف.. لا يعلم لماذا؟؟ كانت عفراء تهمس بعفوية: الله يجيرنا من نار جهنم.. الساعة 7 الصبح والماي حار مولع.. حسيت جلدي بينسلخ.. أنهت عبارتها لتنتبه حينها للواقف أمامها.. سقطت المنشفة من يدها.. وهي تشعر بفتور في عظامها.. تمنت أن تعود للحمام حرجا من شكلها.. ولكنها رأت أن هذا الموقف سيبدو سخيفا.. فهذا زوجها وليست المرة الأولى التي رآها هكذا.. مزون استغلت حالة الذهول اللذيذ الذي غرق فيه الاثنان وهما يتادلان النظرات.. لتتجه للحمام وهي تهمس بثقة: أنا باتسبح.. خذو راحتكم.. عفراء حين سمعت صوت باب الحمام أغلق.. ارتبكت وهي تطرق الباب بخفة.. وتقول بصوت تنخفض: مزون يالخبلة تعالي!! حينها تقدم منها منصور.. أمسك بكفها وهو يشدها بعيدا عن باب الحمام.. شعرت حينها كما لو أن الهواء سكن حولها.. ووجهها الذي كان محمرا من حرارة الماء تفجر احمرارا لعشرات الأسباب.. مد ظهر أنامله ليمسح على خدها الدافئ وهتف بنبرة ثقيلة خادرة: يوم أنتي قلتي له مرة بعد زواجنا بفترة بسيطة إن الماي ينزل من الحنفيات حار.. أنا وش سويت.. وفي نفس اليوم؟؟ ارتعشت بيأس وهي تجيب بخفوت ودون أن ترفع نظرها إليه: ركبت تبريد مركزي على خزان البيت الرئيسي.. حينها هتف بنبرة عميقة فيها رنة حزن.. رجولة.. شيء عميق خاص به: ولو تبين ركبت لخزانات مستشفى حمد تبريد مركزي!! أجابته حينها بحزن شفاف موغل في الشفافية: مابغيتك تركب برادات ولا خزانات.. بغيتك تحس فيني..!! حينها أمسك بوجهها بين كفيه ورفعه بخفة لينظر إلى عينيها ويهتف بتأثر: إذا أنا ماحسيت فيش.. من اللي في العالم يستحق أحس فيه.. أجابته بذات النبرة الحزينة الشفافة: اسأل نفسك.. أنا بغيتك تحسسني إني شريكة حياتك صدق.. رأيي مهم عندك.. واستقلال شخصيتي مهم عندك.. أجابها حينها بصدق نادر موجع: عفرا أنا ماعاد فيني صبر على بعدش.. الليل ما أرقده.. أدور في البيت كني خبل.. باقي أضرب رأسي في الطوف من القهر.. هتفت بجزع شفاف حقيقي: سلامتك من القهر يأبو زايد.. صمتت لثانية ثم أردفت بحزن: وأنت ظنك إن حالك أحسن من حالي.. طول اليوم وأنا بالي مشغول عليك.. وش سويت؟؟ وش كلت؟؟ جيت وإلا مابعد جيت؟؟ بس يا منصور أنا طلعت من البيت لأنه فيه وضع أنا ماقدرت استحمله.. حينها هتف منصور بحزم يخفي خلفه أمله الشاسع: خلاص أنا مستعد أجي وأراضيش قدام زايد وعياله.. مع أنه الموت أهون علي أني أصغر نفسي قدام أحد.. بس مستعد أسويها بدون تردد.. المهم ترجعين لي!! أجابته عفراء بلهفة: طيب وشغلي؟؟ ليصدمها بقسوة وهو يقول بحزم: لا الشغل لا.. أنا قبل حملش يمكن ماكان عندي مانع في الشغل.. بس أنش تخلين ولدش عشان تروحين للشغل مرفوض.. لازم عفراء تقدمين تنازل شيء مقابل شيء.. هذا أنا قلت بأراضيش.. راضيني أنتي بذا الموضوع.. حينها شدت عفراء لها نفسا عميقا وهمست بحزم: وأنا ما أبيك تراضيني قدام حد..ولا تصغر نفسك قدام حد.. أنا مستعدة الحين الحين.. إذا جاء كساب وخذ مزون.. أني أرجع معك للبيت الحين.. وبدون تدخل أي حد بيننا.. بس شغلي ما أخليه.. لأني ماني بمقتنعة بأسبابك.. وأنت ماقدمت لي شيء يقنعني.. وإذا على ولدنا ..مزون دراستها العصر..بأخليه عندها الصبح.. حينها غزت الخيالات الحالمة أفكاره.. أ حقا ستكون في حضنه الليلة؟؟ بعد أن اُنهك من بُعدها وصقيع البيت بَعدها!! ولكنه على الجانب الآخر.. رافض تماما لعملها.. لا يمكن أن يخدعها ويقول أنه موافق.. لذا هتف بحزم: سامحيني عفرا.. قلت لش الشغل مرفوض!! حينها ابتعدت عنه وهي تدير له ظهرها وتتشاغل بوضع أشياء مزون وأشياءها في الحقيبة .. حتى لا يرى لمعة الدموع في عينيها وهي تهتف بحزن عميق: خلاص يأبو زايد.. أنت اللي أنهيت الحوار مهوب أنا.. توكل على الله.. الله يحفظك.. روح لشغلك.. ***************************************** " يمه من جدش؟؟ وأشلون وضحى تروح معهم؟؟ هذي أكيد استخفت!!" مزنة بغضب: يأمش مادريت حتى أنهم راحوا.. تخيلي أنا أساسا مانمت.. وعقب ماصليت الفجر.. رحت للمطبخ اللي برا أجهز ريوقهم.. خلصت على الساعة 7.. وطلعته أنا والخدامات.. لقينا باب الغرفة مفتوح.. وماحد فيها.. والسرير ماحد نام عليه...عاد الورد اللي نثرناه فوقه.. فوقه ماتحرك من مكانه.. أدور وضحى مالقيتها.. بغيت استخف.. رحت أدور تلفوني باتصل.. لقيتها مرسلة لي مسج أنها راحت معهم الشاليهات لأن سميرة مستحية وأحرجتها بتمسكها فيها.. أتصل فيهم تلفوناتهم مسكرة!! كاسرة شدت نفسا عميقا وهي تثبت هاتفها على أذنها: يمه السالفة كلها مهيب طبيعية.. انتظري لين أتصل في وضحى وأشوف السالفة وأخلي امهاب يروح يجيبها ولين ذاك الوقت خلي السالفة عادي.. أي حد يسألش عنهم.. المعاريس رايحين الشاليهات.. ووضحى في غرفتها.. لا حد يدري إنها معهم حتى صديقاتها.. وأنا الحين بأرسل مسج لها أقول لها كذا.. وأطلب منها تكلمني على طول.. ************************************ " يا الله ياقلبي الليلة بنمسي في بيتنا إن شاء الله كنا نتنى عرس سميرة.. وهذا احنا خلصنا الحمدلله.." نجلا بتأثر: زين خل أمي صافية تروح معنا الليلة تمسي عندنا.. واجد متاثرة من روحتنا.. صالح بألم: يا بنت الحلال تبي لها يومين وتتعود.. هذي عالية عندها.. وعبدالله ومرته.. يعني وجودهم بيخفف عنها.. أنا أصلا عرضت عليها تروح معنا.. بس هي مارضت.. نجلاء وقفت وهي تهمس بهدوء: الله يجعل دخلتنا للبيت دخلة خير ويعطينا من خير ذا البيت ويكفينا شره.. **************************************** " هزاع تبي فلوس؟؟" هزاع يلتفت لوالده مبتسما: غريبة تعرض علي من نفسك.. بالعادة لازم أذل نفسي شوي وأنا أطلب.. أبو صالح يبتسم: يا الكذوب.. وأنا متى حديتك تذل نفسك والفلوس تجيك بدون ماتطلب.. هزاع يبتسم: جعلني ما أخلا منك.. بس الشباب ماقصروا.. كل واحد من أخواني عطاني.. فرحانين أني خلاص بأدخل الكلية وبيصير عندي راتب وماعادني بغاثهم بالطلبات.. أبو صالح بأريحية: ادري أن الكلية أول ماتدخلون فيه أشياء واجد يطلبونها خافك محتاج فلوس.. هزاع يقف ليقبل رأس والده: الله لا يخليني منك.. لو احتجت لا تظن أني أصلا باستحي.. السحا ممسوح من قاموسي ************************************ " سميرة ياقلبي ماكلتي شيء!!" سميرة تلمس خدها المزرق وتهمس بسكون كسكون الموت: والله العظيم ماني بمشتهية شيء.. أنا لو أقدر أزوع كبدي.. زعتها.. وأنتي تبيني أأكل.. وضحى بحزن عميق: لو أقدر أرجع الزمن ورا.. رجعته.. احساسي بالذنب يخنقني.. سميرة تهمس بذات النبرة الساكنة الميتة: الذنب ذنب أخيش بروحه.. صحيح أنتي غلطتي.. بس ردة فعله كانت جريمة في حقي.. مافيه حد يرد على غلطة تافهة بجريمة.. فرضا استخفيت وعقلي ناقص وقلت له عطني بوسة.. يعطيني كف؟؟ والغريب أنها ضحكت ضحة مرة قصيرة أشبه بالبكاء: تدرين وضحى أيام الملكة تعرفين الأفكار الغبية اللي تدور في رأس الغبيات مثلي.. كنت أسأل نفسي ببراءة قصدي بغباء.. أشلون أول مرة بيوبسني أبو ضحكة حلوة.. الحين يوم أتخيل مجرد تخيل إنه ممكن يسويها أحس أني بأرجع كل اللي في بطني.. وصدقيني لو كان في بطني شيء الحين كان رجعته قدامش.. وضحى تستمتع بألم وهي تشعر كما لو كانت أمعائها تتمزق.. فمن تتكلم عنه سميرة هو شقيقها الأغلى من عينيها ومع ذلك تجد نفسها مضطرة لبلع حسرتها والسكوت.. لأن حسرة من تشاركها هذه الطويلة الصغيرة هي حسرة تجاوزت كل مدى.. تجلسان منذ ساعات على هذه الطاولة لم تتحركا.. بينهما نزيف مر من الكلمات والوجع.. وهو يجلس في الخارج.. الجو حار جدا.. ومع ذلك مازال يجلس تحت المظلة رغم تصبب عرقه الغزير.. وسميرة تكمل نزفها المر: تدرين وضحى لولا خاطرش.. وإلا كان دعيت في قلبي إن أخيش مايقوم من قعدته هذي.. حينها قفزت وضحى وهي تصرخ بألم: بس سميرة.. بس.. من الصبح لين الحين وأنتي تذبحيني بس حرام عليش..وأخرتها تبين تدعين عليه!! تميم هذا اللي من الصبح تقطعين فيه.. أغلى علي من أنفاسي اللي أتنفسها.. تميم هذا مافيه أطيب من قلبه ولا أحن..أنتي ماتعرفينه.. بس هو موجوع موجوع.. رجّال رأسه مليان شكوك.. والشك يذبح الرجّال.. لا تلومينه على شكوك أنتي زرعتيها في رأسه!! سميرة قفزت هي أيضا لتصرخ باستنكار: أنا؟؟ وضحى بدأت تبكي: إيه أنتي.. هو غلطان والغلط راكبه من رأسه لساسه.. بس أنتي كان لش من الغلط نصيب.. وأنا اللي طحت في النار بينكم.. حينها بدأت سميرة تصرخ بجزع موجوع متحسر: ليه وأخيش وش عنده ضدي..؟؟ أنا اللي يصلون على طرف ثوبي.. يأتي أخيش يشك فيني!! وسرعان ماانهارت كل الحقائق.. ووضحى تنثال بكل شكوك تميم.. وليتها لم تفعل.. ليتها لم تفعل وهي تكمل على خطئها السابق خطأ أشد فداحة!! وكلاهما كان بحسن نية!! . . . مازال على مقعده.. غارقا في أفكاره وآلمه الذي يغوص في روحه إلى نخاع النخاع.. ربما لو بصق الآن لبصق دما من روحه المدمرة!! " لماذا يحدث كل هذا؟؟ لماذا؟؟ لماذا لم أنهِ الموضوع بأكمله قبل أن نصل إلى هذه المرحلة؟؟ قبل أن أنحرها وأنحر روحي قبلها!!" يتذكر وصولهم هنا.. كان يريد أن يهرب قبل أن يراها.. لكن كأنها تريد عقابه.. خلعت نقابها قبل أن يهرب.. تحول اللون الأحمر الداكن في خدها إلى لون مزرق.. كلما تذكر ترتعش يده التي صفعتها.. " أ حقا أنا فعلت ذلك؟؟ أ حقا امتدت يدي لها؟؟ (امساك بمعروف أو تسريح بإحسان) لم أستطع أن أفعل أي شيء منها!! ولكني مثقل بالوجع والألم والخديعة.. عشرات الخيالات المؤذية تغزو خيالي وتجرح كل مافيني رجولتي وحميتي وإنسانيتي!!" وهو غارق في أفكاره.. شعر بمن يلكزه في كتفه بعنف.. كانت هي.. وجهها محمر وعيناها متفجرتان بالدموع.. واللون الأزرق في خدها ازداد لونه ازرقاقا وفي قلبه ألما.. كانت تصرخ تصرخ وتصرخ.. قالت كلاما كثيرا.. لم يفهم منه شيئا.. يستطيع أن يقرا حركة الشفاة بصورة جيدة.. ولكن شفتيها كانتا تتحركان بسرعة هائلة عدا أنه لم يستطع التركيز وهو يرى حالتها الهستيرية وهي تمسح سيول أنفها وعينيها بذراعها في حركة يائسة مرارا وتكرارا وضحى وصلت فورا خلفها وهي مقطوعة الانفاس ووجهها محمر كذلك ودموعها تنهمر بغزارة.. سألها تميم بإرهاق موجوع: هذي وش فيها؟؟ وضحى أشارت له بخجل: أنا قلت لها عن شكوكك فيها.. حينها تفجر غضب تميم: أأتمنش على سر وتروحين تقولينه لها.. أنتي ماكفاش اللي سويته فيها البارحة؟؟ وضحى تبكي: بغيتها تعرف السبب اللي خلاك تسوي كذا!! تميم يشير بغضب أشد: وانتي وش دخلش؟؟ وش دخلش؟؟ كانا يتبادلان الإشارات بينهما وسميرة خارج المشهد تصرخ وتصرخ وتصرخ.. التفت تميم لها وهو يشير لوضحى بعصبية: زين هي الحين وش تقول ولا تدسين علي شيء.. أساسا أنتي خلاص ماعاد تعرفين تدسين شيء؟؟ وضحى بألم شاسع: كلام واجد.. مقهورة ومضيومة.. تسبك شوي.. وتتحسر شوي!! تميم بغضب: ترجمي لي وبسرعة.. حينها كانت سميرة تشهق وهي تنهمر بكل ألمها: أنا وش ذنبي اللي سويته؟؟ عشان أنا سليمة ووافقت عليك تشوف هذا مبرر أنك تشك فيني!! أو حتى لأني نسيت صوري على جهازي.. أو تهورت وحاولت أقومك ثم استخفيت وأرسلت لك ورد.. أنا أساسا غبية.. غبية.. اللي حسبتك ممكن تكون لي القلب الكبير.. أنا مابغيت صوتك ولا كلامك.. بغيت قلبك بس.. مادريت أنك أساسا ماعندك قلب.. وأنك واحد مريض.. طلقني الحين.. طلقني.. أنا مستحيل أعيش معك دقيقة.. أنا سميرة بنت راشد تشك فيني وفي أخلاقي.. تخسى أنت ووجهك.. كفو لك وحدة تناسب أفكارك الوسخة مهوب أنا.. وضحى كانت تترجم بالحرف وبذات سرعة انثيال سميرة التي كانت شهقاتها تتزايد وارتعاشها تتزايد؟؟ بينما غضب تميم يتزايد ويتزايد.. ولكن قبل أن يبدر من أي منهم تصرف ما.. سميرة انهارت على الأرض وجسدها كله يرتعش بعنف كأنها حالة صرع.. وضحى وتميم جثيا كلاهما جوارها.. كانت وضحى تريد أن ترفعها عن الارض ولكن تميم أشار لها أن تسرع وتحضر ماء وهو يشد سميرة ناحيته ويضع رأسها في حضنه.. وضحى دخلت ركضا.. بينما تميم أسند رأسها بخفة لحضنه وهو ينظر لحالتها غير الطبيعية من الارتعاش كما لو كانت لسعها تيار كهربائي.. عيناها تتقلبان.. والزبد يخرج من بين شفتيها.. شعر أن هذا الألم الذي مزق روحه لايريد التوقف عن تمزيق روحه.. ما ذنب هذه الصبية فيما فعله فيها؟؟ حتى لو كان يشك فيها أو مازال؟؟ كان يجب أن يطلق سراحها قبل أن يحدث كل هذا!! لماذا يعاقبها على شكوك لا اثبات لها.. لماذا؟؟ كان يجب أن يكتفي بعيش ألمه هو لوحده.. " يا الله خلاص مافيني.. مافيني!! حاس أني باموت.. ماعادني بمستحمل أكثر من كذا!! خلاص" ***************************************** " هلا كاسرة.. أنتي وين؟؟ فيه ناس بيجون يهنوني السلامة.. تنزلين لنا في مجلس الحريم العود تتقهوين معنا؟؟" كاسرة تجيب بمودة: ماعلية بأجي بس بعد شوي.. لأني في بيت هلي.. خليت كساب يوديني وهو رايح صلاة العصر لأنه جدي فديته عنده موعد اليوم.. وأنا تعودت إذا كان عنده مشوار برا البيت إني أنا اللي ألبسه.. وما أقدر أغير عليه ولا على نفسي عادتنا.. أول مايروح موعده بأجيكم أنا وامي.. لأنها هي يعد تبي تهنيش السلامة.. مزون بمودة رقيقة: حياكم الله!! حين أنهت كاسرة الاتصال هتفت مزنة باهتمام: ها كلمتي وضحى.. تعبت أتصل والتلفون مسكر.. كاسرة تزفر: لا يمه.. بس هي أرسلت لي مسج.. تقول مافيه شيء.. وكل شيء زين.. وإنه مافيه داعي نحرجها.. لأنها بروحها منحرجة من روحتها معهم.. بس سميرة مستحية واجد..وأصرت علي وعقبه تميم أصر عشانها.. مزنة تتنهد: خير خير إن شاء الله.. يا الله قومي لبسي جدش.. امهاب جاي الحين يأخذه.. **************************************** " ترا بنسافر قريب؟؟" جوزاء تلتفت لعبدالله بحدة: حن؟؟ وين؟؟ عبدالله بحزم: مصر!! جوزاء بعصبية: ما أبي أسافر معك.. عبدالله بذات الحزم: بتسافرين غصبا عنش.. لأنه حن ماحنا برايحين نتفرج بنروح عشان تدرسين.. جوزاء بصدمة: أنا وش أدرس؟؟ عبدالله بحزم أكبر: تكملين دراستش.. أنا راسلتهم خلاص وعبدالرحمن عطاني أوراقش.. احتسبوا أكثر ساعاتش.. يعني فصل واحد وتتخرجين.. جوزاء بعصبية: ما أبي أروح.. عبدالرحمن قد عرض علي.. عقب ماحاول في الجامعة هنا يرجعوني ومارضوا لأني تجاوزت الحد المسموح للاعتذار.. قلت له برا ما أبي أروح!! عبدالله بحزم بالغ: والله هذاك أخيش وكيفش تعين.. بس أنا أقول لش إنش بتروحين رضيتي وإلا مارضيتي.. *************************************** " يمكن قريب أسافر وأودي مزون أبيها تغير جو شوي تسافر معنا؟؟ " علي يلتفت لوالده ويهتف بمودة: لو ماعندي شغل ضروري سافرت معكم.. زايد بحزم: على ذا الشغل.. لا مرة ترادك الصوت ولا حد يدري عنك لا رحنا أنا وأختك.. علي يبتسم: ياشينك يأبو كساب لا حطيت شيء في راسك.. سنين وانت تحن على كساب لين طاعك.. بس أنا عاد باسي مهوب قوي مثل كساب... يعني كساب خذ منك سنين.. بس أنا عاد ماخذ في يدك كم شهر ارحمني يبه طال عمرك.. زايد بمباشرة صريحة: أبي أدري وش فيك نقص ماتعرس.. ناقصك يد ولا رجل؟؟ علي يضحك: ناقصني أني أكون أنا أبي أعرس.. مالي مزاج يا أبو كساب.. لا اشتهيت العرس.. جيتك بروحي وقلت زوجني.. وعد علي وأنت ريح بالك مني.. أنا مرتاح كذا.. ************************************ " هاجهزتي لنا القهوة والقناد والبزار اللي بنروح به معنا!!" (بزار=بهار مشكل) عالية بتأفف: يعني إلا تذكرني بالمغثة.. تو الناس باقي 3 أسابيع على روحتنا.. نايف يبتسم: يا بنت أختي العزيزة.. خلني أنبهش من بدري.. لا تورطينا مثل السنة اللي فاتت.. جبتي لنا بزار اللي يعز النعمة.. سويت ريجيم بسبته.. عالية تضحك: وش أسوي.. كل سنة كانت نجلا هي اللي تولى المسئولية والسنة اللي فاتت يوم رحنا.. كانت توها زعلانة من صالح وطافشة بيت أهلها استحيت أقول لها.. تخيل أنا استحيت!! إلا المسكينة طلعت مجهزة كل شيء مثل عادتها.. ويوم سافرت اتصلت فيني في زعلانة.. قالت لي يعني عشاني زعلانة مع صالح بأغير عادتي معش كل سنة.. نايف بابتسامة: واللي طاح فيها أنا المسكين.. عالية تبتسم: لا تسوي فيها شهيد بزاري.. لأنك كان باقي تلحس الصحون ثم أردفت بتحذير وهي تتذكر شيئا: شوف قبل ما تحجز.. تأكد إن فهد بيكون رجع من دورته.. لأني مستحيل أروح ماشفته.. حتى لو أجلنا السفر شوي!! نايف بمودة: فهد راجع بعد أسبوعين وسفرنا بعد ثلاث أسابيع.. عالية تسأله: زين بتكون خلصت موضوع البيت..؟؟ حينها هتف نايف بضيق: الموضوع تقريبا خلص.. باقي بس استلم الفلوس وأسلمها للمحكمة تقسمها.. يا الله عالية ما تخيلت أني باتضايق كذا لا بعت البيت عشان خواتي زعلانين.. عالية ترفع يديها للسماء: يارب يقعدون زعلانين ويفكونك من شرهم!! نايف ينهرها: عيب عليش.. خالاتش ذولا.. وخواتي.. وما أحب حد يقول عليهم شر.. يعني عشان يحبوني.. عالية تهز كتفيها: هذي مهيب محبة طال عمرك.. هذا تملك.. يا أخي هم مهوب قادرين علي عيالهم ورياجيلهم.. متشطرين عليك.. عشانهم يشوفونك طيب وما تحب تحزنهم.. ثم أردفت بحماسة: خلاص لما ترجع المرة الجاية.. بتدور بيت!! ابتسم نايف: لا من الحين بأعطي أبو صالح وكالة.. وطلبت من صالح يدور لي بيت زين على راحته.. ما أبي أشغل نفسي بذا السالفة.. عالية تبتسم: الله يانايف ماني بمصدقة إنه ماعاد باقي علي إلا فصل واحد وأخلص.. حاسة أني أدرس عمري كله.. نايف (بعيارة): هذا كله استعجال على الدكتور عبدالرحمن؟؟ نظرت له عالية بنصف عين: عندك مانع يا أفندي؟! نايف يقف وهو يبتسم: لا ماعندي مانع.. ولو عندي مانع بتأكليني بقشوري أصلا... عالية تقف معه وهي تهتف بابتسامة: وأنت فصل عقبي وتعرس بعد.. لا تبكي لا تبكي من الحرة... نايف يهز رأسه رفضا: لا طال عمرش.. أنا توني.. وعاد وراي دكتوارة.. تبين يعني بعلش أحسن مني؟!! ***************************************** " شوفي يام عبدالرحمن.. ترا من بكرة بأجيب المهندس عشان يشيك على المكان أبي أسوي الطابق اللي فوق كله لعبدالرحمن وغرف البنات انقليها تحت" أم عبدالرحمن تبتسم: تو الناس يا ابن الحلال.. أبو عبدالرحمن بحزم: لا تو الناس ولا شيء.. أول ما ترجع مرته من السفر بنحدد موعد العرس.. حينها همست أم عبدالرحمن بخجل: زين دامك تبي ننقل غرف البنات تحت.. شعاع من زمان وهي تقول إنها تبي تغير غرفتها.. أم عبدالرحمن انكمشت قليلا حين رأت انعقاد حاجبيه.. وظنت أنه سينفجر فيها ولكن الغريب أنه أجابها بذات الحزم وبقوله: خليها تغيرها على كيفها.. بس أنا اللي بأوديها تتنقى.. ولو تبي تغير الديكور والحمام بعد ماعندي مانع.. وحتى جوزا لو بغت تسوي شوي في غرفتها مايهمها من المصاريف.. عشان لاجات عندنا أو تنفست عندنا عقب الولادة إن شاء الله.. تعين المكان اللي يريحها.. **************************************** " الحين يا اللزقة.. أقول لك بانزلك بيتك.. تقول لا.. ما يكفيك أنك رحت معي لموعد جدي.. وصدعت رأسي بهذرتك وجدي يسوي العلاج الطبيعي.. وهذا احنا راجعين.. وعادك ماتبي تتخلص.. تراني مافيني ريحة آل ليث عشان تلزق كذا؟؟" عبدالرحمن بمرح: ياحي الطاري بس.. وش أسوي ماعندي غيرك أتسلى به.. خل بنت آل ليث لين تخلص دراستها وربي يفرج علي وأعرس وعقبه بأتفل في وجهك!! مهاب يبتسم: خوش دكتور.. مايعرف من الثقل إلا اسمه.. عبدالرحمن بابتسامة: أنا ما أدري وش تفسيركم للدكتور... نظارة وتكشيرة.. ماعليه النظارة ومشينا الحال.. بس عاد التكشيرة وثقل الطينة خليتهم لك.. مهاب بذات الابتسامة التي تكون حاضرة دائما مادام يتحاور مع عبدالرحمن: تدري يا الدب.. لو خالد آل ليث عنده بنت ثانية.. كان نشبت في حلقهم يزوجوني عشان أصير عديلك وأغثك.. عبدالرحمن يضحك: غاثني بدون شيء.. ومصنع مرتي سكر عقبها لأنها نادرة.. وإلا وش رأيك يبه؟؟ قالها وهو يتقدم قليلا ليستند على مقعد الراكب الأمامي حيث يجلس الجد جابر الذي أجابه بتأفف: رأيي.. إنه رأسي آجعني من هذرتكم.. عاد حن مبطين؟؟.. أبي الحق على صلاة المغرب في المسجد.. مهاب بمودة واحترام: خلاص يبه عشر دقايق وحن في البيت طال عمرك.. وقبل المغرب إن شاء الله.. لم يكد مهاب ينتهي من عبارته.. حتى تعالى صراخ عبدالرحمن بالتحذير الجزع: امــــهــاب.. انـــتـــــــبــــه !! انـــــــتــــــــبـــــــه!!! #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والخمسون ست أشهر مضت.. منذ ارتحل.. تمر الأيام علي بطيئة متثاقلة..غاية في الثقل!! هي كانت من قبله تمر بطيئة!! وأنا أدعو الله أن يأخذ أمانته بعد وصلت أرذل العمر.. واشتقت إلى لقاء ربي!! فكيف من بعده؟!! كيف من بعدك يا بني؟؟ أصبحت أشعر بشروق الشمس وغيابها سكاكين تنغرز في روحي.. لأني أعلم أن هذا يوم جديد يمر علي من بعده!! عمري ضعف عمره مرتين.. والحياة كلها كانت أمامه.. بينما أنا حياتي أصبحت خلفي!! ومع أن ذاكرتي كانت بدأت تضعف ومنذ سنين.. لكن منذ غادرني.. وذكرياتي معه.. حتى تلك التي كنت نسيتها.. تمزقني وأنا أستعيدها مرارا وتكرارا.. حفيدي الأول.. وفرحتي الأولى.. الولد الذي لم يرزقني الله به أذكر أول مرة حملته وأنا أكبر في أذنه وادعو له بالصلاح.. وكم كان صالحا وبارا..!! كلماته الأولى ومناغاته ترن في أذني ولا تفارقني.. حين قال (أبي) قالها لي... فلم يكن له أب غيري.. فقد وُلد يتيما.. وحتى بعدها كنت أنا فقط والده!! حين خطا خطوته الأولى كان متجها لي.. ومنذ ضعفت وضعف بصري وهو من يقودني دون يتذمر أو يشكو.. مجرد طفل صغير حينها!! لم يقل لي يوما أريد أن أذهب لألعب.. لم يتركني وهو جواري ملتصق بي.. فخذه الصغيرة ملتصقة بجنبي.. يا الله ماكل هذا الوجع!! ارحم شيبي وضعفي.. ماعاد القلب يحتمل المزيد..ارحمني برحمتك.. وإن كان مازال في العمر بقية.. فمنَّ علي بنعمة النسيان التي باتت حلما بعيدا المنال.. يا الله ياكريم إذا كنت قد أذقتني حسرة فقد ولدي.. فلا تذق أبا عبدالرحمن مثلها!! يكفيه رؤية عبدالرحمن حي ميت طوال الأشهر الماضية.. يا الله لا تذقه الحسرة التي ذقتها!! فإن كنت أنا أستطعت الاحتمال.. فهو لن يحتمل فراقه.. لن يحتمل!! ************************************ ست أشهر مضت منذ تركني.. حاولت الاعتصام والصبر والتجلد وأنا أقول هذا قدر الله وحكمته وإن كان قد أخذ ابني.. فلحكمة منه سبحانه!! وأنا مؤمنة ومصلية.. وأعلم أنه إن شاء الله في خير حال في عالم خير من عالمنا.. هكذا كنت أصبر نفسي.. ولكن كيف للقلب المكلوم أن يستوعب كل هذا الوجع؟؟ كيف له أن يستوعب خلاء المكان بعده؟؟ أيام العزاء كدت أموت لشدة ماتجلدت.. وخصوصا وأنا أرى انهيار وضحى وعيناها تتبعاني أينما ذهبت.. وكأنني مصدر القوة لها.. تنتظر انهياري لتنفجر تماما.. تجلدت وتجلدت وتجلدت.. حتى ماعاد جلدي يحتمل التجلد.. وشعرت به يتفطر كما انفطر قلبي.. أصبحت هاربة على الدوام من البيت.. غالب وقتي أقضيه في بيت أم عبدالرحمن.. نتشاطر وجع ماعاد في الاحتمال.. في خفية عن الأعين التي تراقبنا.. كلانا نبكي ابننا الذي رحل.. ونبكي جزعا أن يرحل الآخر!! كنت أكره أن أعود للبيت... وكيف أعود وكل شيء هناك يذكرني به.. هذه الستائر هو اختار لونها.. وهذه الأرائك هو اشتراها.. بل حتى أواني المنزل كان معي عندما اشتريتها.. هنا جلست وهو يمر علي في الصباح.. مقبلا رأسي وأنا أدعو له بالتوفيق وبحفظ رب العالمين!! وهنا جلست أنتظره عائدا من رحلته والقلق يعتصرني إن تأخر ساعة واحدة.. وهاهو الآن لن يعود مهما انتظرته.. بدأت الحسرة تأكل روحي شيئا فشيئا.. كرهت حالة القلق الذي أثرتها في أبنائي وأنا أظنهم لا يلاحظون.. لأتفاجأ يوما بهم ثلاثتهم.. بل أربعتهم وسميرة معهم.. يأتون لأخذي من بيت عمتهم بعد رحيل مهاب بثلاث أسابيع.. ويذهبون بي إلى بيت آخر.. إنه بيت كساب الذي عرضه على تميم حين علم أنه يبحث عن بيت ليأجره.. لم يسمحوا لي أن أعود للبيت حتى.. ولم يحضروا حتى قشة واحدة من بيتنا القديم.. حتى ملابسي لم يحضروها.. وكأننا نبدأ كلنا حياة جديدة.. خيرا فعلوا.. حتى وإن كانت ذكراه أبدا ثابتة كالوسم في الروح ولا أحتاج شيئا يذكرني.. ولكني كنت فعلا على وشك الإصابة بالجنون والذكريات تخنقني من كل ناحية في ذلك البيت.. هأنا أشغل نفسي بالكثير.. ختمت حفظ القرآن الكريم.. وهأنا أقرأ كل ليلة آيات كثيرة أدعو أن يكون أجرها لمهاب.. صبرني يا الله بعده.. وأدخله فسيح جناتك.. واللهم أرضه.. كما أرضاني.. اللهم أرضه.. كما أرضاني.. اللهم أرضه.. كما أرضاني.. ************************************ يا الله يا امهاب ما أقساك!! أ لم تقل لي دوما وأنا صغيرة.. إذا ضربكِ أحد ما.. فاخبريني حتى أضربه!! وعدتني أنك ستدافع عني دوما.. فأين أنت الآن؟؟ هاهي الحياة تضربني وتصفعني وتركلني وجعا من بعدك.. وأنت لست هنا لتدافع عني!! ما أشد مرارة الأيام بعدك.. مرارتها كمرارة العلقم الذي سكن روحي ورفض أن يغادر.. ظننت أني في لحظة من اللحظات سأموت لا محالة.. فما كنت أشعر به وجع ظننت أنه لن يسكنه إلا الموت.. ولكن سبحان الله!! الحياة تستمر.. والمؤمن مبتلى!! ومهما بدت الحياة صعبة بعد أحبابنا فهي تستمر!! هانا أعمل.. وأدفن نفسي في العمل!! أصبحت أشعر أن حياتي تتمحور حول هؤلاء الأطفال الصم.. سعادتي رهن بابتسامتهم.. وحزني الحاضر دائما رهن بدموعهم.. أقنعت سميرة أن تعمل معي.. وهاهو وجودها معي يخفف علي كثيرا من وجع الحياة!! *************************************** *************************************** ست أشهر مضت وهو ذات الحال.. غيبوبة أشبه بالموت.. وإن كان هناك من يموت فهو أنا..والده.. أشعر أن أجزاء روحي تتساقط شيئا فشيئا مع كل يوم جديد يمر علي وهو لا تحسن في حاله.. بل أشعر أن مابات يحول بيني وبين لفظ أنفاسي الأخيرة.. وهو وجود أنفاسه في الحياة.. حالما تختفي هذه الأنفاس سأختفي معها.. لا أفارقه أبدا.... عدا ثلاث ساعات فقط بين منتصف الليل وقبل آذان الفجر.. أترك عنده أحد الصبيان وأطلب منه أن يتصل بي فورا لو حدث أقل شيء.. أعود لأبيت في مجلسي.. حتى يرى الجميع سيارتي أمام البيت.. خوفا على أهل بيتي... ولكني لا أستطيع حتى دخول البيت من بعده!! الكل يحاولون في أن أغادر قليلا على أن يتنابوا معي.. ولكن لا أستطيع.. لا أستطيع مفارقته.. أعلم أني أهملت بيتي وبناتي.. ولكن أوصي تميما وعبدالله دائما في أهل بيتي.. والاثنان لا يقصران.. وخصوصا عبدالله الذي أعلم أنه من يتولى مسئولية البيت التي تركتها له.. لا أفارق عبدالرحمن لأني أخشى أن أتركه فيحدث أحد أمرين.. أما أن يتحرك أو حتى ترمش عيناه وأنا غير موجود.. أما ما أخشاه أكثر.. أن تحين ساعته وأنا لست موجودا حتى أوجهه للقبلة وأتشهد على رأسه مادام لا يستطيع التشهد.. كنت أحلم بأولاده.. فإذا الحلم يتحول فقط أنني أريده جواري على أي حال كان!! حتى وإن لم يصح من غيبوبته.. ليبق جواري.. فأي حياة لا يكون هو فيها؟!! ************************************ ست أشهر مضت وابني في غيبوبته.. والغريب أنه خال تماما من أي كسور أو أي إصابات.. كان مصابا برضوض شديدة.. ولكنها كلها تعافت.. ومع ذلك مازال لم يصحُ.. وأنا لا أمل الانتظار.. ولن أمله!! مادامت أنفاسه وأنفاسي في الحياة.. سأبقى أنتظر!! عبدالرحمن يا بني.. أمك تحتاجك.. حتى متى كل هذا النوم؟؟ كل يوم تشرق شمسه.. أركض للمستشفى.. أقول اليوم لعل وعسى.. أبقى أرأقبه حينا.. أتحسس جسده حينا.. وادعو له في كل الأحيان حتى يقترب آذان الظهر ويجبرني فاضل على المغادرة.. وأنا أشعر أن روحي تركتها خلفي.. حتى تفكيري طوال اليوم شارد.. ليس معي.. حتى أعود إليه!! ماعدت أشعر بطعم أي شيء في الحياة.. فأي طعم للحياة هو لا يتذوقه..؟؟ حتى حسن الصغير الذي كنت أرى الحياة في ابتسامته.. يجلس في حضني.. يتمسح بي.. يشد برقعي.. يريدني أن ألتفت له.. سامحني ياصغيري.. ليس نقصا في غلاك.. والله يعلم.. ولكن ماعدت أشعر بشيء.. وكأن كل شيء رهن بعودة هذا النائم!! ************************************ ست أشهر مضت وعبدالرحمن على حاله.. لا أعلم هل هذه رحمة به حتى لا يعلم برحيل امهاب .. فأنا مازلت لا أتخيل كيف ستكون ردة فعله حين يصحو ويعلم.. أصبحت الحياة باهتة باردة.. والغريب أنها ليست كذلك بسبب غياب عبدالرحمن فقط.. بل ربما كان السبب الأكبر هو غياب والدي..الذي حتى في تواجده تشعر أن روحه غائبة هذه الأيام!! البيت ماعاد به حياة بعدك يافاضل!! عبدالرحمن كان كالنسمة الهادئة.. في كثير من الأحيان لا أشعر حتى بوجوده في البيت.. ولكن والدي كان اعصارا يشعل البيت بالحياة.. أتخيل ارتعاشي حين أسمع صوته الغاضب أو حتى صوت صفق الأبواب تعبيرا عن غضبه.. يا الله كم اشتقت لتلك الأيام!! ربما من الأشياء التي كنت أجهلها عن نفسي.. أنني لم أكن أنام حتى أسمع صوت خطواته يطل علي ليلا ويتأكد أنني نائمة قبل أن يغلق الباب.. رغم أني في تلك الأيام كنت أرتعب حين أشعر بدخوله.. وكأنه إعلان عن حضر تجول.. وكنت أجهل سبب الأرق الذي يصيبني حين يكون غائبا في رحلات القنص.. ولا أعرف لذلك سببا.. الآن أصبحت أعرف السبب!! حين أزور عبدالرحمن لا تتوقف دموعي عن الانهمار.. بداية كان من أجل عبدالرحمن.. ولكن عبدالرحمن حالته استقرت تماما.. ودموعي الآن هي لحالة والدي.. لا يجلس حتى.. وعيناه تتبعان كل سنتيمتر مربع من جسد عبدالرحمن.. يبحث عن بادرة حياة.. أو يحرك أصابعه أو مفاصل قدميه ويديه.. لأنه يخشى حين يصحو أن يعاني من تصلبهما.. لذا يريد أن يحافظ على مرونتها.. بقدر مابكيت وارتعبت حين أصاب عبدالرحمن ما أصابه.. وأنا أخشى أن يتركنا وحيدين مع والدي.. بقدر ما أبكي الآن.. لأني أريده يصحو من أجل والدي.. تبقى شهرين على تخرجي.. لا أعلم حتى كيف استطعت الحضور والدراسة والنجاح.. ولكن لأقل أنني فعلتها من أجل والدي فقط.. حتى لا أخيب ظنه بي!! فقد كنت أريد الاعتذار عن الفصل بعد حادث عبدالرحمن.. ولكن والدي كان من رفض وبشدة.. استغربت حتى اهتمامه بالموضوع في خضم انشغاله بعبدالرحمن.. ظننت أنه لن يهتم أبدا.. ولكني قلت لابد من إستئذانه.. لذا فوجئت برفضه وهو يبرره أنه من الأفضل أن تكون شهادتي بيدي لأني لا أعلم مايكتبه الله في الغيب!! ************************************ ست أشهر مضت.. أصبح عمر حسن الآن أربع سنوات.. وهو يمضي للخامسة.. يا الله ياعبدالرحمن أ لم تشبع من كل هذا النوم؟؟ حسن يسأل عنك دائما.. ويسأل متى ستصحو؟؟ موجوعة ياعبدالرحمن من بعدك.. وإحساس اليتم يخنقني.. لن تتخيل كم أثر فيني غيابك!! ستكون سعيدا عندما تصحو و ترى كم أصبحت قذرة.. قذرة بمفهومي!! ومتوازنة بمفهومك!! فلكثرة الساعات التي تمضي وأنا أرأقبك بسكون.. أنسى أن أغسل يدي كل ساعة.. ولا أستحم ولا أستبدل ملابسي سوى مرتين.. مرة حين أعود من عندك ظهرا والأخرى ليلا .. وستكون أسعد حين تعلم أني قصصت كثيرا من طولة لساني من أجلك.. فلساني ماعاد فيه إلا الدعاء لك.. وأخشى أن أضايق به أحدا فيغضب مني الله ولا يستجيب دعائي.. أما التغيير الأكبر ياعبدالرحمن فهو تغيري من ناحية عبدالله.. التغير الذي أنا أشعر به.. ولكن لم أسمح لنفسي أن أشعره هو به.. أنا لست ناكرة جميل ياعبدالرحمن.. وأعترف أنه لولا وجود عبدالله ماذا كنت سأفعل أنا ووالدتي وشعاع من بعدك أنت وانشغال والدي معك.. أتخيل لو أن هذا الحادث حدث وعبدالله لم يظهر.. كنت سأترمل مرتين وأتيتم مرتين!! كيف كان حالنا سيكون؟؟ عبدالله الآن من يتولى مسؤولية بيت والدي كاملة.. تميم أيضا لا يقصر أبدا.. ولكن تميم لديه من المشاغل والحزن مايكفيه... الحياة بيني وبين عبدالله ساكنة تماما.. ماعدت أعارضه.. أو أضايقه.. أو اشتمه.. ولكني أيضا أعلم أني لا أريحه.. فبقدر ما يغمرني بعاطفته وحبه وحنانه بقدر ما أعاني من الجمود والتبلد.. لا أنكر أنني حاولت الخروج من شرنقة جمودي.. ولكن لم أستطع لم أستطع.. فهذا أرث ليال متطوالة من الألم.. أصبح أكثر ما أخشاه أنه سيأتي يوم ويمل مني.. أنا مللت من نفسي.. لا أعلم كيف مازال يحتملني.. وما أخشاه أكثر أن يكون قد ملَّ مني فعلا.. ولكنه صابر علي لإحساسه بالمسئولية تجاهي وتجاه أسرتي!! فأنالم أعد أتخيل للحياة معنى ولا نكهة بدون عبدالله ووجوده.. ولو تركني.. لا أعلم ما الذي سيحدث لي.. قد أموت!! وهذا القلق بدأ يتصاعد في روحي من عدة أشهر.. أخشى بالفعل أن يتركني.. أريده أن يبقى بجواري.. وأريد أطفالا آخرين منه.. يشبهونه كما يشبهه حسن.. لا أريدهم أن يشبهوني أنا.. ولكن الحمل تأخر.. والغريب أنني أساسا لم أتناول حبوب منع الحمل.. فقد كنت أنتظر دورتي الشهرية الأولى بعد زواجي والتي لم تأتِ إلا خلال أيام حادثة عبدالرحمن وعزاء مهاب.. نسيت الموضوع تماما في خضم انشغالي بك.. لأكتشف أنه ثلاثة أشهر مرت بعد حادثك وأنا لا أتناول مانعا ولم أحمل.. حينها أصبت بما يشبه الجنون.. أريد أن أحمل.. أريد طفلا آخر يربطه بي.. ويمنعه من تركي!!.. ولم يخيب الله رجائي ودعائي.. أنا حامل ياعبدالرحمن.. حامل.. أنا الآن في الشهر الثاني.. ومازلت لم أخبر أحدا.. بودي أن أخبر عبدالله.. ولكن لا أعلم هل الوقت مناسب أو لا؟؟ أو ربما كان الحاجز الذي بنيته حول نفسي هو مايمنعني!! ***************************************** ست أشهر مضت على تحولها.. لا أعلم هل أحمد الله على الهدوء الذي نعيش فيه.. أم أشتاق لأيام جنونها وتناثر حممها!! مطلقا لم تعد لصفعي بموال كراهيتها بعد ماحدث لشقيقها وانشغالها الدائم به!! ويكون بودي أن أسألها كل يوم: إن كنتِ لا تكرهينني فلماذا لا تقولين أنكِ تحبينني مادمت أصدح بمشاعري لكِ ليلا ونهارا؟؟.. وهاهي ساكنة.. رقيقة.. غاية في العذوبة.. وغاية في البرود والجمود!! الغريب أنه كلما زدت أنا ولعا بها.. كلما شعرت أنها تزداد جمودا!! ما أخشاه أن جمودها ماهو إلا كراهيتها بدأت تتحول لكراهية أعمق تكتمها في داخلها.. حبي لها يتزايد بصورة غريبة مضاعفة.. ماعدت أعترض.. فهذا ماكتبه لي رب العالمين!! ولكن جمودها يقتلني!! شيء في روحي يذوي كلما رأيتها تصفع لهفتي بالجمود.. مشروع إكمالها لدراستها تأجل عن غير رغبتي!! أتمنى أن تكمل دراستها لأني حينها سأشعر أنني أصلحت كل أخطائي.. وربما ينهار حينها كل مايبعدها عني!! ومازلت مصرا أن تكمل.. ولكن مع حالة عبدالرحمن الفكرة بأكملها مؤجلة حتى يمن الله عليه بالشفاء.. حتى الحمل.. لم أطلب منها أن تترك المانع.. لأني لا أريد اجبارها على الحمل في ظروفها الحالية.. وبقدر ما أتمنى طفل آخر منها.. أكون معها في حمله يوم بيوم.. بقدر ما أنا قلق ألا نكون مع حالتنا غير الطبيعية أهل لهذا الأمر..!! ********************************** ********************************** ستة أشهر مضت.. خلال هذه الأشهر الستة اختلطت السعادة بالحزن في أقصى معاني كل منهما.. سعيد أنا بل في غاية السعادة لانصلاح الوضع بيني مزون.. وعلاقتنا الفريدة تعود لسابق عهدها.. بل أقوى مما كانت.. لأن التجربة القاسية التي مررنا بها.. صقلت هذه العلاقة وعمقتها!! أما أيام الحزن فهي ماكانت قبل ستة أشهر تماما وماتلتها من أيام.. كأن ماحدث حدث بالأمس فقط.. حين تلقيت اتصالا من ثرثار ما.. "سيارة نسيبك توها سوت حادث قدامي الحق على الرجّال.. الحادث شين والدعمة من صوب بابه.. يمكن إنه يودع الحين" ربما هو قدر الله عز وجل لي أن أكون من يواجه المصائب في لحظتها الأولى.. فقد كنت قريبا من موقع الحادث أعاين أحد مشروعاتي.. حين وصلت كانوا يخرجونهم من السيارة.. حين رأيت السيارة.. أصبت بما يشبه الجنون وأنا أحاول الوصول لامهاب.. علمت أن من كان يقود يستحيل أن يعيش.. فالاصطدام كان بالكامل من ناحيته.. أردت فقط أن ألقنه الشهادة.. ولكن المسعفين صدموني أن من كاد يقود كان أسلم روحه فور الاصطدام.. لأتفاجأ بالصوت الجزع الخائف المكسور الذي أعرفه جيدا يصرخ بجزع مؤلم: العيال وينهم.. يا امهاب.. ياعبدالرحمن.. وينكم؟؟ امهاب طيب؟؟ يا امهاب؟؟ وينك يأبيك؟؟ كان يقف بين رجلي شرطة يريدون أن يقودوه لسيارة الأسعاف الثانية.. حتى يتأكدوا فقط من عدم وجود ارتجاج مخ فقط.. لأنه لم يصب حتى بخدش واحد.. اتصلت بعلي ليلحق بي.. وحتى يبق هناك حتى أوصّل الجد وأعود له.. وتبعتهم للمستشفى وبقيت معه حتى أعدته معي لبيتي.. ليس على لسانه سوى سؤال واحد.. "امهاب طيب؟؟ امهاب وينه؟؟" لم أستطع أن أجيبه بشيء..وسؤاله يخنقني..أن ترى انكسار سنوات عمره الجليلة وهو يسأل كطفل مذعور!! أحضرته لوالدي في المجلس.. ليتولى هو مسئوليته.. وتبقت أمامي المهمة الصعبة.. إبلاغ "كاسرة " ... لم أتخيل أن المهمة ستكون صعبة ومؤلمة حتى رأيتها تقف أمامي..!! كانت تذهب وتعود وهاتفها بيدها.. تنتظر اتصالا من والدتها يبلغها عن سبب تأخر جدها وشقيقها.. حين رأتني وقفت وسكنت.. لدرجة أنني شككت أنها توقفت عن تنفس الهواء.. كنت أنظر لها وأهمس ماذا ستفعل هذه القوة في خضم الحزن؟؟ وكيف تعرف هاتان العينان الدموع؟؟ همست بصوت مبحوح وكأنها تسبر خفاياي: جدي لا.. جدي لا.. جدي لا.. همست لها بسكون: جدش طيب.. حينها جلست وهي تضع يدها على رأسها.. وتهمس وهي تتنتفس بعد الاختناق: الحمدلله يارب.. ولكنها عادت لتقفز وتختنق من جديد: وجهك فيه حكي من يوم دخلت.. تميم فيه شيء؟؟ لا أعلم لِـمَ استبعدته هو بالذات؟؟ هل كانت تحميه حتى من مجرد الخيالات؟؟ لم أكن أريد إيذاءها ولكنها يجب تكون مع أسرتها الآن وهم يتلقون الخبر همست بذات السكون: امهاب يطلبش البيحة.. لا أعلم ما الذي حدث لها.. كما لو أن أحدهم سحب لون وجهها وإشراقته فجأة.. و وجهها يتحول لشحوب أشبه بشحوب الموتى.. لم تبكِ.. لم تصرخ.. لم تندب.. كل ماقالته بنبرة ميتة: ودني لأمي الحين.... كانت مزون تخبرني حينها.. أنها تخشى على كاسرة.. لأنها لم تر دمعة واحدة لها طوال أيام العزاء.. بينما كانت شقيقتها تبكي بهستيرية.. وأمها تبكي بسكون.. ولكن مالا تعلمه مزون.. أن كاسرة بكت طويلا وكثيرا.. ليال كثيرة ماعدت أعرف عددها.. كانت تبكي على صدري حتى أشعر أن صدري غرق من غزارة دموعها.. وأنه احترق من لهيبها!! في الليلة الأولى حاولت أن تهرب عني بدموعها.. كانت تبكي في خفية عني.. ولكني اقتحمت خلوتها.. بكاءها مؤلم خافت أشبه بالأنين.. بل كانت تئن فعلا.. كما لو أنها تنزف دمها مع دموعها.. لم أسمح لها بالهروب.. ربما أكون حاصرتها.. وأنا أشدها رغما عنها لاحتضنها وأسكن نشيجها... كما فعلتُ في كل ليلة بعدها.. ************************************** ستة أشهر مضت.. وماعاد شيء كما كان.. حياتنا كلها تغيرت من بعدك.. يا الله ما أقسى مرارة بعدك.. والأقسى كان كتماني لمقدار وجعي.. طوال أيام العزاء كنت أتماسك.. أحاول أن أكون صمام الأمان.. كنت أعلم أن والدتي تنتظر انفجاري لتنفجر.. كما كانت وضحى تنتظر انفجار والدتي لتنفجر هي بدورها.. بينما أن كان صمام أماني هو جدي.. لو أني رأيت دمعة واحدة تخر من عينيه.. لا أعلم ما الذي كان من الممكن أن يحدث لي.. ورغم محاولات التماسك في العزاء وأمام والدتي.. إلا أنني بعيد عنها.. بكيت.. بكيت كثيرا.. بكيت كأن هذا الوجع مخزن في روحي منذ دهور!! كساب رفض قطعيا أن أبات في الأيام التي تلت رحيل امهاب بعيد عنه.. لا أعلم هل كان يخشى من انهياري بعيدا عنه.. أم كان يريد أن يكون شاهدا على هذا الانهيار؟؟ حاولت كثيرا اقناعه أنني لابد أن أبات عند والدتي.. ولكنه رفض قائلا سأخذك الساعة الواحدة ليلا وأعيدك الساعة السادسة.. وفعلا كنت لا أغادر حتى أتأكد أن أمي ووضحى في فراشهما الذي بات فراش مشترك للألم... وأعود لهم في وقت مبكر.. وأحيانا بعد صلاة الفجر مباشرة.. في أول ليلة حين تأكدت أنه كسابا نام.. اعتزلت في غرفة الجلوس.. كرهت أن يرى دموعي.. وربما خجلت أن أطلب مؤازرة لم أقدم له مثلها.. أطلقت العنان لدموعي التي كنت أشعر بها طوال اليوم كسكاكين على أعتاب عيني تمزقها لأنها تريد طريقا للنزول.. لأتفاجأ به يوقفني ويشدني إلى حضنه.. حينها انهرت.. تماما كما أراد أن يراني!! بكيت وبكيت وبكيت وانتحبت وأفرغت كل طاقة الدموع عندي.. كما كنت أفعل كل ليلة وأنا أبكي على صدره حتى أنام وهو يهدهدني كطفلة!! والغريب أنني كنت أصحو من النوم جزعة.. تخنقني الكوابيس.. لأجده مازال على نفس الوضعية الصعبة من الجلوس ومتيقظا.. كما لو كان يحرس حزني!! يا الله يا مهاب.. أ كان يجب أن ترحل حتى تعلم مقدار غلاك!! ليتك تعلم كم يأكلني الندم كل كل لحظة مرت عارضتك فيها.. على كل مرة وقفت في وجهك..!! على كل مرة ضايقتك بعنادي..!! لو كنت أعلم فقط أن بقائك معنا قصير هكذا..أقسم أنني لم أكن أضايقك بشيء..! والإحساس الغريب الذي أشعر به.. أن مادام مهاب رحل دون أريحه بمهادتني!! فليس هناك من يستحق بعده!!! إن كان مهاب لم يحضَ بهذه المهادنة.. فلن يحضى بها غيره.. وخصوصا أن غيره لم يسع مطلقا لهذه المهادنة.. مازال غريبا غامضا كأول يوم عرفته فيه!! مازالت العلاقة بيني وبين كساب كما هي.. مد وجزر!! بينما كل شيء آخر في حياتي تغير.. أسرتي بكاملها انتقلت جواري.. وطلبت من كساب أن يفتح بابا بيني وبينهم يكون مفتاحه معي.. ففعل ذلك.. من الأمور التي أنا عاجزة عن شكر كساب عنها هو أنه حينما رأى ضيقي من حال أمي المتردي.. وعلم ببحث تميم عن بيت للايجار.. لأنه يريد بيع بيتنا.. وبناء بيت جديد على أرض اشتراها مؤخرا.. فعرض كساب على تميم بيته.. ولكن تميم رفض إلا أن يأخذ كساب الإيجار.. كساب وافق.. وقال له أعطني الإيجار الذي كنت ستعطيه لأي بيت آخر.. ولكن مالا يعلمه تميم.. أن المبلغ الذي يدخل لحساب كساب يتم تحويله لحسابي لأن كسابا أساسا كان قد حلف ألا يأخذ شيئا.. وها أنا أعيد تحويل المبلغ ولكن بزيادة عليه إلى والدتي.. حتى لا تعلم أنه هو ذاته مبلغ الإيجار فيغضبون جميعا.. تسألني أمي دائما.. ماذا سأفعل بكل هذا المال؟؟.. فأقول لها أنا أعمل.. وكساب لا يقصر علي مطلقا.. وهذه حقيقة فعلا.. كساب من الناحية المادية لم أرَ أكرم منه!! ولكن من الناحية العاطفية أعجز عن التحديد وتتساقط المسميات.. حينا غاية في الكرم.. وحينا آخر غاية في البخل!! لا تمر ليلة واحدة لا نتعارك أو نختلف في الرأي أو نحتد.. ولكن يستحيل أن أنام أو يتركني هو أنام بعيدا عن حضنه.. من أطراف الحديث التي أسمعها من خالته عفراء.. شبه كبير بينه وبين عمه.. ولكن كما علمت من مزون وليس من عفرا فعمه.. كان عاشق متيم لا يتوانى عن التصريح بحبه لها.. لا أتخيل أن كساب قد يقول لي في يوم من الأيام أنه يحبني.. ربما أصاب بسكتة قلبية حينها من الصدمة!! من أسوأ ماعانيته خلال الأشهر الماضية.. سفرات كساب المتعددة.. يسافر على الأقل مرة كل شهر.. وتمتد السفرة بين يومين لعشرة أيام.. حينها أشعر كما لو أنني مصابة بعدم التوازن.. الإحساس الذي لا يظهر لأحد ولا حتى له هو.. فربما نسيت.. أو تناسيت أني متيمة بهذا الكساب الغبي!! لم أستغرق وقتا طويلا بعد زواجنا لأعرف كم أصبحت أحبه!! يبدو كما لو كان طبخني على نار هادئة.. واستمتع هو كثيرا بهذا.. وفي الوقت الذي كان فيه هو طباخ ماهر.. وجعل مشاعري تنضج له كما أراد.. كنت أنا طباخة فاشلة.. لأني مازلت حتى الآن عاجزة عن مجرد إشعال النار تحت القدر.. فكيف بإنضاجها؟؟ مر على زواجي سبعة أشهر.. وأقصى ما أتمنى الآن هو طفل!! لأني أعلم أن حياتي مع كساب سيأتي لها لحظة ما وتتوقف عند نقطة معينة.. لا أريد طفلا لأجبر كساب على يرتبط بي.. فأنا يستحيل أن أفكر هكذا.. وحتى لو فكرت فأنا أعلم أن كسابا لو أراد تركي.. فلن يربطه بي ولا حتى عشرة أطفال!! أريد جزءا من روح كساب تبقى معي حين يتركني.. لذلك أريد طفلا منه.. كل شهر يمر تزداد لهفتي لهذا الطفل.. وكل شهر يمر يخيب ظني.. ومالم أخبر به أحد أني أجريت الفحوص لأتأكد من حالتي.. وقلت لكساب أني ذاهبة مع فاطمة لأنها هي من تريد إجراء فحوص.. وهأنا أنتظر النتائج بقلق !! ********************************** ********************************** ستة أشهر مرت على ليلة زفافي.. ستة أشهر مرت على صفعته لي.. يا الله كم يبدو ذلك الزمن بعيدا..!! وكأن تلك الليلة كانت بوابة ولوجي لحياة جديدة.. عدنا في الليلة التالية مباشرة حين علمنا بالخبر.. ويا الله ما كان أقسى تلك الأيام..!! ومرارة الفقد تحول كل شيء عداها إلى شيء تافه حقير.. صفعة تميم لي وحتى شكوكه ماعاد لهم قيمة أمام كم الحزن الذي اخترقني وأنا أرى وضحى في انهيارها.. وأمي مزنة في تماسكها الهش.. وحتى كاسرة في صمودها الموجع.. والجد في حزنه الصامت العميق!! وحتى تميم في انهياره الضائع.. حين أتذكر الحالة الهستيرية والقهر المرعب بل حالة الجنون التي أصابتني حين أخبرتني وضحى بشكوك تميم.. أجدها تبخرت أمام حزن تلك الأيام!! ماعدت أستطيع أن أفكر دقيقة بنفسي وأنا أركض من مكان لآخر ونقابي على وجهي لأخفي آثار مابوجهي.. والجميع يظنه خجل عروس ماعاد يوجد مثله!! كنت أقول سأبقى معهم حتى تمضي بهم سفينة الحياة قليلا.. فلا يمكن أن أكون قليلة الأصل وأتركهم وهم على هذه الحال.. ولكن الأشهر مرت ومازلت هنا.. وأنا أتولى مسئولية البيت كما هو مفترض من زوجة صاحب البيت.. والغريب أنني أبقى من أجل أمي مزنة فقط.. أصبحت أسعد لحظاتي حين أرسم ابتسامة على وجهها.. أو حين تنهرني بحنان "بس يا الخبلة!!" من أجلها مستعدة أن أرتكب كل الحماقات.. وأروي كل النكت السخيفة حتى أرى واحدة من ابتساماتها المتباعدة!! كنت أحبها منذ أيام صداقتي مع وضحى.. ولكن كانت محبتي لها كمحبة أم صديقتي اللطيفة بدون تمييز.. لكن حين سكنت معها وعرفتها... شيء عميق ربط بيننا.. باالتأكيد أحب أمي بجنون.. ولا أحد يشارك أمي مكانتها.. ولكن أمي هي الأم كما نعرفها جميعا.. حنونة.. متفانية.. بذلت كل جهدها لتربيتنا أفضل تربية !! ولكن مزنة شيء مختلف.. مختلف.. شيء تريد التعلم منه والتماهي به مزنة مقاتلة حقيقية.. واكتشفت أنها أورثت أبنائها كلهم ذات الروح المقاتلة.. حتى وضحى التي كنت أظنها لينة مهادنة.. هأنا أكتشفها من جديد في الحياة العملية.. لا يستطيع أحد أن يدوس لها على طرف.. أو أن يقلل من قدرها.. أو حتى يسيء إلى أحد من طلابها.. حينها من فعل ذلك سيندم على أنه تجرأ على مجرد التفكير بذلك.. العمل هناك متعة حقيقية.. وأنا أكتشف عالما جديدا كان مجهولا بالنسبة لي.. فرغم اهتمامي الغبي بتميم لكني لم أفكر مطلقا بتعلم إشارة واحدة.. لأني كان لدي حلم أكثر غباء أنه هو من سيعلمني لغته.. إشارة إشارة.. رسمت أحلاما ساذجة لليالي طويلة نقضيها سويا.. وهو يعلمني الإشارة ويكتب لي معناها.. ولكن الآن رغم أني أصبحت أعرف الكثير من لغة الإشارة وتعلمتها بصورة سريعة أثارت العجب.. إلا أنني يستحيل أن أشير بإشارة واحدة لتميم.. فذكرى إشارتي الاولى له لا أستطيع إزالتها من عقلي.. حتى وإن كنت ماعدت أحقد عليه بسببها.. ولكن ألم كهذا يصعب نسيانه!! يصعب نسيانه بالفعل!! بيني وبين تميم لا يوجد شيء إطلاقا.. لا تواصل حميم بيننا كزوجين ولا بأي طريقة.. و الغضب... ماعدت غاضبة منه.. فمرارة الحزن طهرتني تماما.. فتميم كاد يموت من شدة الحزن لفراق أخيه.. وما رأيته فيه من الحزن والقهر جعلني أشفق عليه.. ولكن ليس إلى درجة إحياء مشاعري البريئة التي كانت له.. فهذه المشاعر ماتت واندثرت.. هانحن.. أنا وهو نتشاطر جناحا.. وأنا أهتم بكل مايخصه وترتيبه كزوج يفترض علي القيام بواجباته.. لكن عدا ذلك لا شيء بيننا.. أعلم أن أسرته تلاحظ ذلك.. فوضحى تعرف الحقيقة.. وأمي مزنة ليست غبية لتعلم أن هناك أمرا ليس طبيعيا.. والغريب أنه لا مانع لدي من المضي في هذه الحياة.. ماذا أفعل؟؟ أطلب الطلاق لأعود لأسرتي.. ثم ماذا؟؟ يجبر عمي خالد فهدا أو حتى هزاعا على الزواج بي ؟!! أعلم تماما أن هذا ماسيحدث.. حالي هكذا أفضل بكثير... أعيش حياة استقلالية مع أسرة أحبها كثيرا.. أعني وضحى وأمي مزنة.. بل حتى تميم لو أراد أن نبني حياة زوجية كاملة معا فلن أمانع.. ولن أمنعه شيئا هو من حقه.. فلسنا أول زوجين ينشئان أسرة ولا وجود لأي حب بينهما.. وأنا أعلم أنه سيكون والدا جيدا.. فهو حنون ومتحمل للمسئولية من الطراز الأول.. وهذه صفات الوالد المفترض!! ولكن تميما متنازل عن هذا الحق.. فربما يخشى أن يُصدم أنه ليس الرجل الأول كما يظن بي فتنهار مشاعره الهشة الرقيقة.. حتى أفكاره المريضة ماعادت تهمني.. ليفكر كيف مايشاء.. فأنا أصبحت أؤمن بالمقولة التي تقول "واثق الخطوة يمشي ملكا" مثل أمي مزنة تماما!! ********************************* ستة أشهر مضت.. ستة أشهر مضت وأنا أشعر كما لو أن روحي شُطرت.. وجسدي شُطر وكيف لا أكون من بعد "عضيدي" ؟!! أصبحت أعرف الآن ألم من لا أخ له.. وإحساسه بالوحدة دون سند أو عضيد.. أصبحت أفهم جيدا المثل الموجع القائل : يد واحدة لا تصفق.. سابقا لأني أعلم أنه في البيت لم أكن أقلق على أمي وشقيقاتي إلا حين يسافر.. لكن أنا الآن في حالة قلق دائم.. رجل وحيد في بيت من النساء.. وأنا أوزع جهدي بين بيتي وبيت عمتي التي لها من قلقي نصيب وافر.. مرهق على الدوام.. ومشغول بعشرات الأشياء.. بين عملي وأسرتي وبناء بيتي!! ولكن مايرهقني أكثر من كل الأشياء.... هــــي.. ســــمـــيــــرة.. حين أدخل للبيت أعلم اني سأجدها تضحك.. أو ربما تقفز على المقاعد.. أو تثرثر على أمي حتى تطردها أمي.. ولكني أعلم أيضا أنها فور رؤيتها لي ستنطفئ ابتسامتها المشرقة.. وتنزل عن المقاعد.. وتتوقف عن الثرثرة.. كما لو أنني جالب للكآبة من الطراز الأول!! لا ألومها..فأنا حين أتذكر مافعلته بها.. أجدني عاجزا عن مسامحة نفسي.. فكيف تسامحني هي وأنا حتى لم أطلب السماح.. وكيف أجرؤ على طلب السماح؟؟ كما لو أنك تقتل إنسانا ثم تقول له أنا آسف.. سامحني.. كنت أتوقع أنها بعد مرور شهر أو شهرين على الأكثر ستطلب الطلاق وكنت مستعدا لذلك.. ولكن الأشهر مرت.. وارتباطها بالبيت يتزايد.. وارتباط من في البيت بها.. وأنا على رأسهم..!! لم أعد أستطيع تخيل بيتنا من غيرها.. فهي من تجعل أمي تبتسم.. وهي من تشعرني أن كل همومي تتضاءل حين أراها وأنا أعلم عمق الجرح الذي تحمله في روحها ومع ذلك تبتسم!! وإن لم تكن الإبتسامة لي.. لو حدث وابتسمت لي يوما.. سأسجل ذلك التاريخ ضمن أهم التواريخ في حياتي.. مع تاريخ ميلادي ربما!! فابتسامتها ستكون ميلادي الجديد الذي انتظره بشغف وقلق.. قلق لأني أعيش في رعب أنها سيأتي يوم تقرر فيه تركي.. وقبل أن تبتسم لي!! أريدها أن تبقى في حياتي بأي صورة هي تريدها.. أنا حتى لم أجرؤ على تكدير طهرها بقبلة خوفا أن تتخذها عذرا لتهرب مني.. طهرها الذي ماعدت أشك فيه مطلقا.. بل أراهن عليه بحياتي!! لو أن وضحى فقط لم تتدخل بيننا.. لا بإشارتها السخيفة.. ولا بإفشاء شكوكي بعد ذلك.. كنت لأعلم بعد العشرة أي مخلوقة طاهرة هي.. فمن يعرفها ويعيش معها يستحيل أن يتطرق إلى ظنه أي شك بها!! ولكن مابت أشك فيه.. أنها أصبحت خبيثة بل مجرمة خبيثة!! وإلا فما معنى تباسطها في اللباس أمامي في الأونة الأخيرة..؟؟ بعد أن كانت طول الأشهر الأولى بالكاد أرى اطراف أصابعها وهي في بيجامات طويلة واسعة.. لا أعلم هل تتصرف بعفوية لأنها اعتادت عليّ وعلى وجودي.. أم أنها تتصرف بخبث مقصود أو غير مقصود؟؟ الآن أصبحت العودة المسائية للبيت بمثابة الاستعداد لليلة جديدة من التعذيب رغم أن كل ماترتديه هو محض بيجامات تشبهها فعلا بشقاوتها وحيوية ألوانها وقصاتها.. بعيدا عن تلك البيجامات الكئيبة التي انا أشتاق لأيامها الهادئة.. مع أنني حتى في كنت في تلك الأيام أحترق وأتصبر.. ولكني الآن أترمد... أترمد وأخشى أنه ماعاد للصبر عندي مدى طويل!! أما أغرب مايحدث بيننا.. أنها ترفض أن تستجيب لإشاراتي مع أني أعلم أنها أصبحت تفهم لغة الإشارة بشكل ممتاز وتشير بشكل جيد.. بل تصر أن نتواصل عن طريق الكتابة !! وهذا التواصل اساسا هو في حدوده الدنيا.. " أين ساعتي الفلانية؟؟ أين وضعتِ أوراق عملي التي أحضرتها بالأمس؟؟" وهكذا... لا أعلم ماذا تقصد من ذلك.. ربما هي رسالة أنها لن تتواصل معي بطريقتي.. لأنها لا تريد صاحب الطريقة بل تنتظر الفرصة للتخلص منه!! ******************************* ******************************** هأنا أكاد أدخل شهري التاسع.. وأخيرا.. يا الله هونها علي!! مضت علي أشهر الحمل الماضية ثقيلة طويلة.. فحملي كان غير مستقر.. والأطباء منعوني من الحركة.. لذا حتى عملي الذي تخاصمت مع منصور من أجله لم أستطع أن أذهب إليه وأنا أقدم على إجازة طبية مشفوعة بالتقارير.. وكأن منصور يهتم؟!!.. أشك في أحيان كثيرة أن منصورا نَسيني!! رغم أنه عن بالي لا يغيب مطلقا!! لم يحاول مطلقا مصالحتي حتى بعد انتهاء أيام وحمي المريعة.. وحاجتي له مع حالتي الصحية المتدهورة.. لم يكلمني ولو لمرة واحدة ليسأل عن حالي.. أعلم أنه يكلم الجميع حتى جميلة ولكن أنا لا.. بل أنه ذهب لزيارة جميلة ست مرات خلال الأشهر الماضية.. مرة كل شهر.. وكأنه يريد أن يغيظني لأني عاجزة عن السفر.. والغريب أن جميلة باتت مفتونة به تماما.. ولا يغيب عمها منصور عن لسانها لدقيقة واحدة طوال مكالمتي لها.. هذا ماكان ينقصني.. أن تقف ابنتي في صفه!! بل هي الآن أصابتني بالجنون لكثرة ما تتهمني أنني من أخطأت في حق عمها العزيز منصور وأني من يجب أن أعود له.. لأنها تريد ان ترانا سوية حين تعود للدوحة... ماذا أقول لها؟؟ أ أقول أنه لم يبذل أي محاولة لنكون سويا؟؟ رغم أني تعبت وأنا أنتظر تذكره لي!! يبدو أنها حين تعود للدوحة ستضطر لرؤيتنا كلا على حدة.. يا الله لا أتخيل أنني سأراها أخيرا.. أكاد أموت شوقا لها.. مضت ثمانية أشهر منذ آخر مرة رأيتها.. أشعر أن الأيام القليلة المتبقية على عودتها لا تريد أن تمضي أبدا.. أريد أن أراها.. أخبرتني أنها استعادت وزنها بالكامل.. كنت أريد أن أراها عبر كاميرا الحاسوب ولكنها رفضت.. قالت أنها تريد مفاجئتنا... وكم طال اشتياقي لهذه المفاجأة!! ******************************* هذه الليلة أنا غاضب.. غاضب من الجميع.. من زايد ومن علي ومن مزون ومن جميلة.. كلهم كانوا يعلمون بحال عفرا الصحي السيء ومع ذلك لم يخبرني أحد.. كلما سألتهم عنها أجابوني باللباقة المقيتة "على خير حال!!" وأما من كنت أتحاشى سؤاله.. فهو من أخبرني بالحقيقة.. طوال الأشهر الماضية لم أسأل كساب عن حال خالته.. كنت أسال الجميع إلا هو.. لأنني أعلم إن سألته.. سيجدها فرصة ليسمني بكلامه الملغوم وفي النهاية لن أخرج بفائدة.. فلماذا أسأله أساسا... لكن الليلة لم أجد سواه في المجلس.. ولم أطق صبرا ألا أسال.. لينظر لي بطريقته التي أكرهها لأنه تشبه طريقتي الباردة المتكبرة: مهتم يعني ياعمي؟؟ بصراحة ماقصرت!! أجبته بغضب: أنت بتحكي مثل الأوادم وإلا ليتتك كف على وجهك أعلمك السنع.. أجابني ببرود ساخر: لا كف ولا شيء.. وليش الخساير.. كلها كلمة ورد غطاها.. خالتي تعبانة واجد مثل ماكانت طول الشهور الماضية.. وأنت زايدها عليها باهتمامك الواضح فيها!! حينها قفزت وأنا أصرخ بغضب أشد: أشلون تعبانة واجد على قولتك وأنا كل يوم مافيه حد ماسألته.. وكلهم يقولون إنها طيبة.. نظر لي بنصف عين : مافيه حد ماسألته عنها ؟!! وأنا يا ترا كنت من ضمنهم؟؟ أو أنت سألتني أنا عنها؟؟ أنا ماني بمسؤول عن اللي هم قالوه لك.. حينها لكزته في كتفه بغضب: أنت أكيد تكذب علي.. مستحيل كلهم يكذبون وأنت الصادق.. حينها اعتدل وهو يهتف بغضب مشابه لغضبي: أنا ماقلت إلا الصدق.. وأنت صدق اللي تبي.. خالتي حملها كان غير مستقر.. وممنوعة من الحركة بعد.. يعني لو خالتي طيبة على قولتك.. وش لدّها تروح لبنتها وهي كبدها تقطع عليها؟؟ وش لدّها ماتروح لشغلها؟؟ حينها صمتت.. كانت هذه الأسئلة تدور برأسي.. وجرحني لأبعد معرفتي أنها لم تذهب لمدرستها.. وأنا أقول: كانت المدرسة مجرد عذر اخترعته للهرب مني!! سعيدة بتركي بينما أنا أموت في اليوم ألف مرة بعيدا عنها..!! أما عدم سفرها لجميلة.. فجميلة قالت لي أنها حلفت عليها ألا تحضر من أجل حملها.. ولم أتخيل أن هناك تفسيرا آخر..عدا مصاعب الحمل العادية!! انتفضت بغضب عارم وانا أصرخ في كساب: قوم ادع لي خالتك تجيني في مجلس الحريم الحين... ********************************* مضت ثمانية أشهر بالتمام والكمال.. وسنعود للدوحة قريبا جدا.. يا الله اشتقت لكل شيء.. والدي.. أشقائي..مع أنهم زاروني قبل فترة.. ولكن لم تُشبع الزيارة القصيرة شوقي لهم.. مشتاق للتدريس.. وطلابي.. وابن شقيقي .. فقد أصبح عندي ابن شقيق مازلت لم أراه.. فزوجة جاسم أنجبت ولدا قبل عدة أشهر.. لا أتخيل أنني قد أصبحت عما.. تقتلني اللهفة لآراه.. سيكون مولودي الأول بنت إن شاء الله حتى أزوجها له.. فيبدو أنني تأثرت بطبائع البدو!! ولكن ما أنا مشتاق له إلى درجة تتجاوز كل حدود الشوق ومسمياته.. المخلوقة التي كانت معي طوال الأشهر الثمانية.. جميلة ذاتها !! فلأني خرجت معها مرافقا من الدوحة.. فيبدو أنها لم تستطع تجاوز هذه الفكرة.. وهأنا أحترق للعودة للدوحة حتى نبدأ بفكرة أخرى.. وتقتنع أني لست مرافق فقط ولكن زوج أيضا.. قررت أن أقيم لها حفل زفاف كبير.. فهي تستحق أن تشعر بإحساس العروس الذي سُلب منها.. ولكني أترك هذه الفكرة كمفاجأة لها حتى نعود الدوحة.. مع بدء تحسنها.. وتغير نظرتي لها.. وشعوري بقلقها من ذلك إلى درجة التهرب مني.. أقنعت نفسي كما لو أننا في فترة خطوبة.. أليس هذا ماكان سيحدث لو أني خطبت؟؟ كنت سأخرج مع خطيبتي وأراها وأجلس معها ونتكلم.. ودون أن يحدث شيئا بيننا حتى يحين موعد الزفاف.. أقنعت نفسي بذلك حتى أستطيع الصبر.. ولكن الصبر في حالة جميلة كان جارحا وقاسيا لأبعد حد.. علمت أنها جميلة كما هو اسمها منذ بدأت تتحسن وتبرز تفاصيل وجهها الجاف.. ولكن اكتمال الصورة كان شيئا يفوق الخيال.. لم أتخيلها مطلقا بكل هذا الجمال.. والأجمل هو روحها الشفافة كروح طفلة.. شيء عذب يأسرك دون أن تشعر.. أستغرب أن من كان لها كل هذا الجمال.. والعود الريان النابض بالحياة.. تضحي بهما لأنها تريد أن تكون رشيقة.. وأما ماعذبني أكثر وأكثر.. أن هذه الصورة الموجعة الموغلة في الحسن والبهاء كانت تكتمل رويدا رويدا أمام ناظري.. وأنا أنضج كذلك رويدا رويدا.. كما لو أنك زرعت لك بذرة جافة لا معالم للحياة فيها.. ثم أخذت تراقب كيف بدأت الحياة تدب فيها شيئا فشيئا.. حتى أصبحت برعما صغيرا ينمو قليلا قليلا.. ثم أصبحت وردة بالغة الجمال والنضارة.. أو فاكهة شديدة الحلاوة ناضجة ممتلئة بالحياة.. وأنت محظور عليك حتى مجرد الاقتراب للمسها أو شمها أو حتى تذوق القليل منها.. مع أنك من قضيت الليالي الطويلة تعتني بها ولا شيء يشغلك سواها.. فكيف يكون حالك؟؟؟ لذلك أنا مستعجل بكل لهفة للعودة للدوحة.. وهذه الأيام نجهز للعودة.. ومازالت هي ترفض بإصرار أن تذهب معي لشقتي.. تقول أنها ستغادر من المصحة للمطار مباشرة.. وسنسافر هذه المرة من جنيف قريبا منا.. وربما خيرا فعلت حين رفضت الذهاب معي.. فأنا أعلم أنني مع حالتي المأساوية هذه لا يمكن أن أؤتمن.. وأنا أريد أن نعود للدوحة لأقيم لها حفل زفاف أولا... ***************************************** مضت ثمانية أشهر منذ خرجت من الدوحة وأنا أظن أني أخرج منها ولن أعود لها إلا جثة ربما.. هأنا أعود ممتلئة بالحياة والحماس وبشيء من الضيق أيضا..لأني اعتذرت للفصل الثالث.. كنت أريد أن أعود لأدرس هذا الفصل وخصوصا أنني كنت تقريبا استعدت وزني كاملا.. ولكن الأطباء رفضوا وقالوا أنني لابد أن أخضع لما يشبه جلسات العلاج النفسي مع مراحل العلاج الأخيرة حتى لا تعود لي الحالة مرة أخرى حاولت إقناعهم أنني شفيت من هذا الجنون.. ولكنهم رفضوا ومعهم خليفة وعمي زايد وعمي منصور.. طلبو أن أتمهل حتى أنهي علاجي بالكامل.. قلت المهم أن أعود قبل ولادة أمي.. يا الله كم أنا مشتاقة لهذا الصغير..!! لم يبق شيء في أسواق جنيف لم أشتريه له.. رغم أني لا أعلم ما جنسه!! كما اشتريت كذلك كثيرا لابن شقيق خليفة.. فهو متلهف جدا لرؤيته.. وحين أتذكر خليفة وحالته هذه الأيام.. أشعر بحزن شفاف ينغرز في روحي.. يبدو كما لو كان متلهفا للعودة والتخلص مني.. أشعر بقلق عميق.. لا أعلم كيف ستكون حياتنا معا حين نعود للدوحة.. فهو لم يقل لي شيئا أبدا.. لم أسمعه مثلا يقول أنه طلب إعداد غرفة لنا في بيت أهله.. أو سكن مستقل.. لم أسمعه مطلقا يتحدث عن أي مخططات مشتركة لنا حين نعود.. كل ما يتحدث عنه هو التجهيزات للعودة.. وكأن كل ما بيننا سينتهي على أعتاب الطائرة التي ستنزلنا في الدوحة.. لا أريد أن أجبر خليفة على الحياة معي إن كان لا يريد.. فجميله علي سيبقى في عنقي حتى أموت.. فما قام به من أجلي لم تقم به حتى أمي!! تمنيت أن أستطيع رد بعض هذا الجميل.. ولكن يبدو أنه لايريد ذلك.. وربما كان الخطأ خطئي.. فأنا لا أشجعه مطلقا بخجلي وهروبي الدائم.. شيء مجهول في داخلي يمنعني من ذلك.. ولا أعلم سببا لذلك!! هل أنا أنتظر عودتنا للدوحة وتحرر مشاعري بعيدا عن جو المصحة وذكرياتي كمريضة؟؟ ربما... **************************************** **************************************** مر شهران على عودتي من باريس.. وخمسة أسابيع على استلامي لعملي في مختبرات مستشفى حمد كمهندسة جينية.. لأنني أساسا كنت وقعت عقدا معهم قبل تخرجي.. لذا استلمت عملي فورا.. بعد حادث عبدالرحمن رفض والدي أن أسافر.. وماهي فكرته القاسية المتوحشة؟؟ أنني قد أترمل وأنا في الغربة..لذا من الأفضل أن أبقى أنتظر الخبر هنا.. للمرة الثانية يقف معي عبدالله.. وهذه المرة قاتل بضراوة.. فأبي ماعاد يلين لكلامه كما كان سابقا.. أو ربما يدعي أنه ماعاد يلين..!! مع أن الظاهر أنه لان.. لأن عبدالله انتصر!! وهو يعد والدي إن حدث أي شيء أن يسافر بنفسه لإعادتي!! وربما كنت كوالدي أعيش في رعب أنني سأصحو من النوم في يوم لأجد نفسي أرملة وأنا لم أصبح زوجة!! قلقي هو لمجرد الفكرة وليس من أجل عبدالرحمن بذاته كشخص.. فأنا رغم مرحي بل جنوني أحيانا .. إنسانة حين أفكر.. أفكر بعقلانية!! لذا لم أخدع نفسي بأفكار المراهقات وأقول أنني تحطمت لوضع عبدالرحمن.. فأنا كنت لا أعرف عبدالرحمن.. وكل ما بيننا هو حبر على الورق..وتعليقاتي المرحة على حالي قبل حادثه.. لا أنكر أنني تأثرت من منطلق كونه زوجي.. وتأثرت أكثر من حال جوزاء وشعاع ووالدتهما.. ولكن عدا ذلك كنت خالية من أي إحساس خاص تجاهه.. حتى قبل شهر.. قبل شهر واحد فقط!!.. هل من الممكن أن ترتبط بهذه القوة والسرعة والمتانة بشخص هو للموت أقرب منه للحياة؟؟ بشخص لا يشعر بك.. ويستحيل أن يشعر بك وهو على هذه الحال!! هذا الجنون البعيد عن أي عقلانية مُدعاة هو ما يحدث معي منذ قرابة الشهر!! بعد بدء عملي بأسبوع.. شعرت برغبة عارمة أن أرى عبدالرحمن.. لا أعلم هل هو من باب الفضول أو المؤازرة.. قلت لنفسي :أنا وهو في ذات المبنى.. لن يعلم أحد بزيارتي له.. وكان المانع أمامي هو والده.. فأنا أعلم أنه لا يفارقه أطلاقا.. ولكن لابد أنه يذهب للصلاة في المسجد في الطابق الأرضي.. لذا انتظرت قريبا من باب غرفته.. حتى رأيت والده يغادر بعد الأذان مباشرة.. أعطيت لنفسي وقتا يصل لربع ساعة لأغادر قبل عودته والده.. وكنت أظن أنني سأغادر بعد دقيقتين فقط.. أراه واغادر.. ولكني لم أعلم أن الوقت مضى مضى.. وأنا أقف متخشبة أنظر له وعيناي تفيض بالدمع الذي أغرق نقابي دون أن أشعر.. حتى فوجئت بوالده يفتح الباب ويسألني من أنا؟؟ كنت أرتدي البالطو الأبيض فوق عباءتي.. ولأني لغتي الانجليزية متوسطة.. انهمرت عليه بالفرنسية.. حتى شعرت أن العجوز شعر بالملل مني!! حينها غادرت.. وأنا أشعر كما لو أنني نجوت من جريمة تلبست بها!! ولكني لم أستطع إكمال المشوار للأسفل.. فقد وقفت في الرواق.. أسند ظهري للحائط.. وأنا أستعيد الحالة غير الطبيعية التي حدثت لي قبل دقائق.. " يا الله.. أكيد أني استخفيت!!" بالفعل كان ما أصابني حالة غير طبيعية.. بقيت أتمعن فيه وكأنني أرى رجلا للمرة الأولى في حياتي.. مع أنني سبق أن رأيت عبدالرحمن شخصيا ومباشرة.. ولكن رؤيته تلك المرة السابقة أثارت فيّ مجرد مشاعر الخجل الطبيعية.. التي قد تحدث لأي فتاة ترى زوجها المستقبلي!! لكن رؤيته هذه المرة أثارت فيني مشاعر سماوية سامية شعرت بها اخترقت شيئا مجهولا في روحي وانغرزت هناك حتى النصل!! كنت أنظر لسكونه وملامحه المسترخية.. بدا نائما على وشك الاستيقاظ.. والغريب أن وجهه مملوء بالنضارة والحياة.. كيف؟؟.. لا أعلم ! عارضاه مرتبان بدقة.. كما لو أن الحلاق خرج من عنده للتو.. وهذا مايحدث.. فأنا علمت بعد ذلك أن والده يحضر له الحلاق مرتين في الأسبوع.. بل ويصر على أن تعقم أدوات حلاقته هنا في المستشفى.. والممرضات يعقمنها له عن طيب خاطر لشدة تأثرهن من حاله ولطفه.. وكرمه!! ومنذ ذلك اليوم.. قبل شهر.. أدمنت زيارة هذا الأمير النائم.. بدأت أقنع نفسي أنني ربما لو قبلته كالقصة الأسطورية حين قبّل الأمير الأميرة وصحت من نومها الطويل... أنه قد يصحو من نومه.. وربما كانت هذه رغبتي أنا.. أتمنى بالفعل لو استنشق رائحته من قرب.. أريد أن أعرف كيف هو عبق رائحة من يبدو بهذه النظافة والبراءة.. ولولا بقية من حياء ليست بيدي ولكنها رادع من الله لي... لكنت فعلتها !!.. أزوره إن استطعت وسمحت لي الظروف مرتين في اليوم.. مرة حين يذهب والده لصلاة الظهر... والأخرى حين يذهب لصلاة العصر.. رغم أن دوامي ينتهي مع أذان صلاة العصر.. ولكني أبقى حتى أراه أولا ثم أخرج للسيارة.. مازلت حتى الآن لم اُكتشف.. صدفني والده مرتين.. وكل مرة أنجو بحيلة الفرنسية.. ولكن يجب أن أكون أكثر حذرا.. لأني أظن أن الثالثة لن تمر عليه.. وقابلت مرة الخادم الذي يعمل عندهم.. أما المصيبة أنني رأيت مرة جوزاء وشعاع.. لكن حينها أنقذني الله أنني رأيتهم قبل أن يروني.. كنت أعلم أنهن غالبا يزرنه في الفترة الصباحية فقط.. لأن والده يرفض أن يبقين أكثر من ذلك لأن بعد ذلك يزوره الرجال بعد خروجهم من دواماتهم.. وحتى تأخذ جوزا حسن من الروضة!! فلماذا بقين حتى الظهر؟!! أحيانا لا أراه إلا مرة في اليوم.. ومرات معدودة لم أستطع أن أراه لأني أعلم أن أهله عنده.. أقسم أنني حينها شعرت كمن هو مصاب بالصداع الشديد ولابد أن يأكل حبتين بنادول وإلا فأن ألم رأسه لن يتركه!! ألم أقل أنني أدمنت رؤيته.. ولم أكن أبالغ!! ***************************** ****************************** مضت سبعة أشهر على زواج كساب.. ومازلت أنتظر حفيدي الذي لا يبدو حتى أنه يلوح في الأفق قريبا.. لا أريد أن أبدو بصورة العجوز الممل كثير الأسئلة..الذي يتدخل فيما لا يعنيه!! فربما كانت رغبتهما هذه في التأجيل.. مع أنني أستطيع سؤال كاسرة وليس ابني!! وأعلم أنها ستجيبني ودون مواربة.. فهذه الصبية أصبح يربطني بها علاقة فريدة خليط من الأبوة والصداقة المتينة.. ربما أني الآن أعرفها أكثر مما يعرفها كسّاب!! فهذا الفتى الغبي مازال لا يعرف قيمة الجوهرة التي بين يديه.. كنت أظن أن الزواج سيعقله.. ولكنه مازال كما كان.. في حياته قلق لا تعلم ماهو.. أقول ربما لو أصبح أبا فأنه سيستقر ويرتاح.. وبقدر سعادتي بعودة المياه لمجاريها بين كساب ومزون.. بقدر رغبتي لو أنه يولي كاسرة بعضا من اهتمامه بمزون.. فمزون لديها أنا وهو وعلي.. بينما كاسرة ليس لها سواه!! أما رغبتي أنا.. حــفــيــد.. هل أطلب الكثير.. أريد حفيدا.. ليس بالعسير على رب العالمين لو أن البشر يعلمون هذه النعمة.. ومنذ رأيت تأخر حمل كاسرة.. بدأت أشدد ضغطي على علي.. وبالفعل علي ليس ككساب.. فهو يكاد يرضخ تحت ضغطي أعلم أني أستغل طيبته .. ولكن ما السوء في استقراره ومن ثم حصولي على حفيد؟؟ *********************************** ست أشهر مضت منذ عادت المياه لمجاريها بيني وبين كساب.. يا الله كم كانت الأشهر الماضية سعادة بالغة لم أشعر بمثلها في حياتي كلها.. ولكن لأعترف أني مع سعادتي أشعر بالغيرة من كاسرة.. وفي ذات الوقت لا ألومها لو شعرت بالغيرة مني.. أغار منها لأنها باتت تجلس مع والدي وتتحدث معه أكثر مني بكثير.. تقريبا طوال بقائه داخل البيت.. بينهما حديث لا يتوقف حول كل شيء الاقتصاد والسياسة والمجتمع وحتى الذكريات التي تجمعه بجدها.. بالطبع علاقتي بوالدي فريدة جدا.. ومع كثرة ما أتكلم معه لم يكن بيني وبينه هذا الحديث الذي يكاد لا ينقطع وهو ينثال بحماس.. كما يحدث بينه وبين كاسرة.. وفي ذات الوقت.. لا ألومها مطلقا لو شعرت بالغيرة مني.. فأنا أشعر كما لو كنت أستولي في كساب على اهتمام هو من حقها.. فكساب يوليني اهتمام مبالغ فيه.. كما لو أنه يريد تعويضي عن جفاء وجفاف كل السنوات الماضية.. في كثير من الأحيان.. هو من يأتي لأخذي من الجامعة.. ولأن موعد خروجي مسائي وأحيانا ليلي.. فهو كثيرا مايصر أن نتوجه للقهوة وأحيانا للعشاء في مكان ما!! أعترف اني كنت أحيانا أرفض بإصرار.. وأقول الليلة ليكن الخروج معك لكاسرة.. فيرد علي: أنتي الآن معي وهي في البيت!! في الليل لابد أن يمر بي قبل أن يتوجه لغرفته.. ويجلس لنتحدث قرابة الساعة.. الغريب أنه يحدثني عن كل شيء.. كل شيء.. إلا.. عــنــهــا.. كاسرة !! بقدر ما أعرف كاسرة من نفسها مباشرة.. بقدر ما أجهلها بعينيه.. فكاسرة شخصية صريحة مستقيمة لا تعرف التلوي.. والإنسان الذي لا يعاني من عقدة نقص يسهل عليه جدا التعامل والتآلف معها.. ولكن من يعاني من إحساس النقص يستحيل أن يتقبلها.. لأن جمالها وذكائها يشعران من حولها بالخطر والضآلة.. وهنا أقول لو أن العلاقة لم تعد بيني وبين كساب بعد زواجه بفترة قصيرة.. لا أعلم كيف ستكون علاقتنا أنا وكاسرة... لا أفترض سوءا بنفسي ولكني كنت أضع احتمالات فقط.. الآن علاقتي بها رائعة.. عدا ربما إحساس الغيرة غير المؤذي.. ولكن ما أتمناه بالفعل أن يمنحها كساب ماتستحقه من محبة.. وهي أيضا تمنحه ما يستحقه من المحبة.. وما يستحقه كساب كثير.. كثير جدا!! وأتمنى أكثر من أي شيء أن أصبح عمة.. أحلم بذلك قبل خلافي مع كساب.. وحلمت به أكثر خلال فترة خلافنا.. وأحلم به الآن أكثر وأكثر... دراستي رائعة جدا.. واستمتع بها جدا.. فيبدو أنني أتمتع بعقلية اقتصادية متميزة وابن الوز عوام !! خُطبت خلال الفترة الماضية مرتين.. لم أصدق أن هذا سيحدث!! شككت لفترات أن أبناء آل ليث هم أول وأخر من يخطبني.. وهذه المرة جاء ابن لتاجر كبير من أصدقاء والدي.. وبعده بفترة دبلوماسي من أصدقاء علي.. الخياران كل واحد على حدة كانا يبدوان مغريين.. صليت الاستخارة.. وصرفني الله عنهما.. مع أنني في تفكيري المبدئي لم أكن رافضة لأي واحد منهما.. ولكن كان للخطبتين تأثير رائع على نفسيتي.. فمهما كان إحساس الأنثى أنها مرغوبة يدفع بثقة جميلة في روحها.. رغم أنني وللحق لست بحاجة لهذه فأنا ولله الحمد متوزانة الآن نفسيا تماما بدراستي وعلاقتي مع أسرتي.. وقبل كل شيء إحساسي برضا الله عليّ... ************************************ الأشهر الماضية كانت فترة سعادة غامرة لي... لم اشعر بهذه الراحة منذ سنوات.. والحال يستقر بين مزون وكساب لتستقر حال الأسرة كلها.. ترقيت قبل عدة أشهر لمرتبة أخرى في السلم الدبلوماسي.. وأصبح عملي أيضا أكثر استقرارا.. وربما كان هذا سلاح جديد يستخدمه والدي ضدي.. وكأنه كان يحتاج أصلا لسلاح !! فهو يعلم كم أنا أحترمه وأحبه ويؤلمني قلبي حين أجعله يلح علي وأنا أشعر أني مصدر قلق له.. لا أريد الزواج الآن.. أين المشكلة؟؟ المشكلة هي أنني أكاد أوافق من أجله حتى أريحه.. فليس لي طاقة أكثر بالتهرب منه..!! ************************************ علقت نجمتي الثالثة منذ حوالي أربعة اشهر.. وأصبحت نقيبا.. ارتاح بالي من هذه الناحية.. والحال مستقر بأسرتي كلها والحمدلله.. والدتي تحسنت صحتها كثيرا.. والدي لم أراه بهذه السعادة منذ سنوات.. عالية أكملت دراستها واستقر بها المقام.. حتى هزاع الذي كان يشكل قلقا لنا.. هاهو يستقر في دراسته.. عبدالله وصالح كلاهما لاه وسعيد في حياته العملية والأسرية.. إذن ماذا تبقى بعد هذا السرد الإذاعي الأشبه برسالة تُرسل لمغترب؟؟ تبقى أنا؟؟ وكثير هو ما تبقى لـ "أنا" في داخلي أشعر أن شيئا مهما ينقصني.. أقول ربما هي الحاجة لإنشاء الأسرة وأنا أدخل أعتاب التاسعة والعشرين.. ولكني أعود لأقول أنني لا أنفع لأكون رب أسرة.. ليس لأني كثير الخروج أو قليل الالتزام.. فأنا أبعد مايكون عن هاتين الصفتين.. ولكن لأني أعلم أنني جلف إلى حد كبير!! أخشى ألا أكون قادرا على تقديم الحنان لزوجتي وأولادي.. لا أنكر أنني أشعر بحاجتي لشريكة الحياة كأي رجل طبيعي.. ولكني أحاول أن أؤجل هذا التفكير.. لا أعلم حتى متى..فهل ستصبح لي شخصية جديدة أكثر حنانا مثلا؟؟ لا أعلم ماذا أنتظر وخصوصا مع إلحاح والدي ووالدتي كما يفعل كل الاباء.. وكأن كل المواضيع في الحياة انتهت وماعاد يوجد إلا موضوع الزواج!! وخصوصا مع اقترابي من الثلاثين.. وماذا إن أصبحت في الثلاثين أو تجاوزتها؟؟ هل أنا فتاة يُخشى عليها العنوسة؟؟!! ********************************** ********************************** ستة أشهر مضت منذ سكنت بيتي.. الحياة مستقرة رائعة كما تبدو.. زوج محب.. وطفلان رائعان.. وبيت جميل أثتته كما أريد تماما.. ولكن أبدو كمن يبحث لنفسه عن الهموم والمشاكل... لذا يكبر صغائر الأمور.. غريبٌ أن أعترف بذلك!! فمن لديه هذه المشكلة يكون غالبا لا يعرف ذلك.. بل يرى أن هذه المشاكل هي فعلا مشاكل.. لكن أنا أعترف أني افتعلها.. ولا أعلم لماذا؟ هل عدم حملي هو السبب؟؟ هل إحساسي هو بالفراغ؟؟ أم أن لشكوكي أساس فعلي؟؟ طفلاي ماعادا يأخذان من وقتي إلا القليل... فالله رزقني طفلان ذكيان هادئان.. وولله الحمد على عكس ما أراه في كثير من أطفال معارفي!! في الدراسة لا يتعبونني.. وبعد ذلك مع والدهما أو يلعبان بهدوء ودون شجار بينهما.. يأكلان لوحدهما.. ويلبسان لوحدهما!! إذن ماذا أفعل أنا؟؟ أبدأ بالهواجس والتفكير.. أحاول إبعادها فأفشل.. فيكون النكد من نصيب صالح!! أصبحت أصيبه بالجنون لكثرة ما أتصل فيه هاتفيا كلما خرج.. حتى لو كنت في بيت أهلي أو أهله !! "مع من أنت؟؟ أين أنت؟؟ ماذا تفعل؟؟" مؤخرا عرض علي أن يجد لي عملا بالشهادة الثانوية.. أمر أشغل نفسي فيه!! ولكني رفضت.. "لماذا يريديني أعمل؟؟ لماذا يريديني أن أنشغل؟؟ وماهو الذي يخطط له؟؟" ************************************** ست أشهر مضت منذ بدأت تظهر حالة جنون نجلاء الجديدة.. في البداية كنت سعيدا.. فمن لا يسعد بغيرة زوجته واهتمامها به.. وبنفسها من أجله!! ولكن مازاد عن حده انقلب ضده.. فغيرتها بل شكوكها باتت غير طبيعية.. مطلقا لم أعد أذكر رغبتي بطفل جديد.. بل أغلق الموضوع لو فتحته هي.. لأني أخشى أن يكون هذا الأمر هو السبب.. أحيان كثيرة لم أعد أرد على اتصالاتها لأنها تحرجني وأنا في المجلس.. رغم أني سابقا كان يستحيل أن أتجاهل أي اتصال لها.. ولكن الآن ما أن أرى اسمها حتى أزفر بملل.. لأني أعلم أنها ذات الأسئلة التي لا تمل من تلقي ذات الاجابات عنها.. "أين أنت؟؟ وماذا تفعل؟؟" نجلاء لم تكن هكذا مطلقا.. كنت أظن أن دخولنا لبيتنا.. سيكون هو نهاية لكل مشاكلنا.. لم أعلم أنه سيكون بداية لها.. حتى حينما عرضت عليها أن تعمل لأني قلت ربما إحساسها بالفراغ مايدفعها لذلك.. ثارت علي بشدة.. واتهمتني أنني أريد ألهيها لأغراض دنيئة.. أي أغراض هذه؟؟ لا أعلم !! ********************************************* ********************************************* تمر الحياة وأنا من رحلة إلى رحلة.. يوما في أوسلو.. وآخر في بومباي!! بقدر متعة هذا العمل.. بقدر ماهو منهك ويسرق الحياة.. أشتاق كثيرا لأخوتي الصغار مها وصالح حين أسافر.. ولكن من أنا مشتاق لها أكثر هي سميرة... بيتنا فقد روحه من بعدها.. لتنتقل هذه الروح إلى بيت تميم.. وسبحان الله ربما كانوا في حاجة روحها الشفافة مع المصيبة التي ألمت بهم!! ولكن ماذا أفعل أنا حين أعود للبيت..؟؟ أمي مشغولة على الدوام بالصغيرين.. ووالدي عنده اهتماماته ووارتباطاته.. وسبحان الله أيضا الذي رزقنا بهذين الصغيرين على كبر والدتي.. فلولا وجودهم الله أعلم كيف كان والداي ليحتملان غياب سميرة وسكون البيت!! أفكر أن أعمل شيئا يغير من روتين حياتي.. أقول أدرس شيئا معينا.. أحضر دروسا في التفسير أو الحاسوب.. لأجد أن هذه فكرة فاشلة.. فجدول رحلاتي متغير وأحيانا تبرز رحلة فجائية من هنا أو هناك!! وهذا لا ينفع لجدول دراسي.. أقابل كسابا من وقت آخر.. وخصوصا بعدما أصبح بيننا نسيب مشترك.. شقيق زوجته.. وزوج شقيقتي.. وكثيرا ما تعاودني الرغبة أن أعاود خطبة شقيقته.. وأقول أن سبب رفضهم لي كان دراستها.. والآن مرت أشهر طويلة.. كم تبقى لها؟؟ فصل ونصف؟؟ ولكني أعود لأقمع هذه الرغبة بقسوة.. فربما لم تكن هذه الدراسة سوى عذر لرفضي!! ******************************** ********************************* أنا في باريس الآن.. وتبقى على تخرجي وعودتي للدوحة حوالي 3 أشهر.. بقدر ما أشتاق للعودة بقدر ما باتت العودة تتحول لكابوس مرهق.. وصل إلى حده في المرة الأخيرة حين عدت في عطلة منتصف العام لأرجع عالية بعد تخرجها.. يا الله.. حالة هستيرية أصابت شقيقاتي.. كل واحدة منهم تريد أن تكون من تأثث البيت الذي اشتراه لي صالح.. وحين أخبرتهن أنني سأكلف مهندس ديكور بذلك.. حتى لا أغضب أي واحدة منهن.. كلهن غضبن!! وقضيت طوال الإجازة أحاول إرضائهن.. لأعود إلى باريس محملا بدموعهن على شقيقهن الجائر.. لا أعلم لماذا لم يكنّ مثل صافية؟؟ هل أرضعتها أمي حليبا مختلفا؟؟ رغم أن صافية تخنقني أحيانا باهتمامها.. ولكنه اهتمام أمومي بقدر ما يضايقني في بعض الأحيان بقدر ما يسعدني!! تعبت من الغربة.. ومع ذلك أريد أن أدرس الدكتوراة فورا.. والسبب.. هـــنَّ !! ربما أن عالية تعبت لكثرة ماتقول لي لابد أن تلزمهن حدودهن حتى ترتاح.. وذلك الحين حتى هن سيرتحن.. لأنهن لن يشغلن بالهن بي!! لكن أنا أعترف أنني ضعيف جدا امامهن.. ليس لضعف في شخصيتي.. ولكن لمحبتي لهن.. كل واحدة منهن لها في تربيتي نصيب.. كل إنسان له أم واحدة.. وأنا لي سبع أمهات لا أشك في محبة واحدة منهن لي.. يصعب علي أن أضايق واحدة منهن وأنا شقيقهن الوحيد الذي من المفترض أن يكون هو السند والعون لهن!! و لا أعلم أي سند وعون أنا.. وأنا هارب على الدوام !!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والخمسون " خالتي تعالي معي.. عمي يبيش تحت في مجلس النسوان" عفراء وقتها كانت تعتدل بإرهاق من تمددها على سريرها لترد على سلام كسّاب الذي دخل للتو.. لتصعق بما قاله وكلماتها تتناثر بصدمة: نعم وش تقول؟؟ كساب ابتسم: خالتي سمعتيني عدل.. عفراء مازالت كلماتها تتبعثر: وعمك وش يبي فيني؟؟ كساب مازال يبتسم: وش يبي فيش؟؟ هو يبيش كلش.. العم العزيز معصب وطالعة شياطينه.. يقول إنه ماكان يدري إنه أنش كنتي تعبانة ذا الشهور اللي فاتت كلها.. عفراء بارتباك ووجل وحلقها يتشقق جفافا: وحدة حامل.. أكيد بأكون تعبانة.. أشلون مايدري.. كساب بذات الابتسامة: حضرة العقيد ماباقي حد ماكان يسأله عنش.. بس تعرفين الذوق.. لازم يقولون طيبة وبخير.. بس عاد أنا بطيتها عنده.. قلت له إنش ممنوعة من الحركة.. وإن الحمل ماكان مستقر.. خليته شوي ويبكي.. يا الله خالتي تلقينه حرق مجلسنا الحين.. خلينا نلحق على الباقي من الكراسي!! حينها همست عفراء بارتباك: زين وين زايد؟؟ حينها تغيرت معالم كساب من المرح للجدية: ليه خالتي أنا ما أكفي؟!! كل السالفة يبي يكلمش بس.. عفراء يتزايد ارتباكها.. لم تتخيل مطلقا أنها ستراه: لا بس أخاف زايد يزعل.. وأنا الحين في بيته!! كساب هتف بغضب حقيقي هذه المرة: وبيتي يا خالتي.. خالتي لا تكونين خايفة من عمي وأنتي معي.. وخايفة أني ما أقدر أرد عنش عشانه عمي.. عشان كذا تبين إبي.. حينها كانت عفراء من هتفت بغضب: عاد في هذي تخسي.. منصور عمره مامد يده علي ولا بأي طريقة.. حينها عاد كسب للابتسام وبخبث أكبر: دام أنا ولد أختش حبيبش ينقال لي تخسى عشانه وأنتي تدافعين عنه دفاع المستميت... ترانا وصلنا خير.. خلينا ننزل... ولو بغيتيني أطير وما أصير عزول عطيني نظرة.. وأنا بألقطها وأطلع!! . . . يجلس في الأسفل.. غاضب أو يدعي الغضب !! لا يعلم هو أيهما!! فهو منذ علم أنها دخلت شهرها التاسع وهو مصاب بحالة جنون.. اسمها "لابد أن تعود لي قبل ولادتها!!" فربما ما لا تعلمه هي.. أنه كان يحسب شهور حملها بدقة.. وكان كل يوم تدخل فيه شهر جديد.. هو بمثابة فتح لجروحه التي لا تغلق أصلاً.. مطلقا لم يعد لفتح باب عودتها إليه.. كان يقول "سأنتظر حتى تلد كما تريد!! وبعدها نتفاهم!!" فهو كان مجروح منها لأبعد حد.. مجروح لأنها كانت تعلم اهتمامه البالغ فيها.. اهتمامه بكل موعد لها.. اهتمامه بصحتها.. ولعه بهذا الطفل وهو مازال عمره أسابيع فقط في بطن أمه!! فكيف هان عليها كل هذا؟؟ وهان هو عليها قبل كل ذلك؟؟ كان يعلم أنها للتو دخلت شهرها التاسع .. ماعاد حتى يستطيع النوم.. وهو يخشى أن يأتيها الطلق وهو نائم.. ورغم أنه أمنَّ عليا أن يخبره إن حدث ذلك.. ولكن الأمر مختلف لو كانت تنام إلى جواره هو.. ألا يكفي أن أشهر الحمل كلها مرت.. وهو لم يرها حتى.. لم ير حتى شكلها ببطنها المتضخم... أ يراها بعد ذلك وابنها جوارها؟!! يستحيل.. يستحيل.. حينها بدأ عقله يعمل.. كيف يعيدها.. والليلة جاءه السبب على طبق من ذهب!! ولو لم يجد سببا لاخترع.. وربما من أجل ذلك سأل كساب مع أنه تحاشى سؤاله طوال الأشهر الماضية!! ثم فــجــأة يجد له حجة ليسأله الليلة.. وهو أنه لم يجد سواه.. يعلم أن الحوار سيكون غير تقليدي مع كساب.. أما أن يحتد.. أو يتخابث.. وحينها ربما يكون هذا سببا لتحريك الركود!! يكره هذا الأسلوب الملتوي الذي لا يشبهه.. ولكنه مضطر له.. تعب من الطرق المستقيمة التي جعلته يبعثر كرامته من أجلها ودون فائدة أيضا.. وهاهو ينتظر قدومها.. يا الله ما أقساها.. !! ستة أشهر لم يرها حتى.. مازال لا يعلم حتى كيف استطاع الصبر!! شهران فقط هي الأيام التي عاشتها معه.. ويبدو كما أنه لم يعش في حياته كلها سوى هذين الشهرين..!! لا يعلم كيف مضت الأشهر الماضية من دونها.. وهو يتجلد على بعدها!! بدا له احتمال كل قسوة العسكرية وتمريناتها القاسية والمستحيلة أحيانا.. بدا أهون بكثير من عذاب فراقها!! فتح كساب الباب أولا.. وشرعه لخالته.. وهو يسندها.. وقف منصور وهو يفتح عينيه على اتساعهما وكأنه يريد أن يلتقط المشهد بحذافيره.. لا يريد أن يفوت على نفسه لمحة واحدة من لمحاتها.. وهي دخلت بخطوات مترددة وهي تضع جلالها على رأسها وتسدله على وجهها.. وحين دخلت أزالته لتضعه على كتفيها.. وهي عاجزة عن توجيه نظرها إليه لشدة خجلها.. يا الله كم اشتاق لها.. كم اشتاق لكل تفاصيل وجهها العذب!! شعرها المرفوع بفوضوية وخصلاته تتناثر على صفحة وجهها المرهق.. وكم آلمه قلبه وهو يرى كيف تضخمت بطنها بعيدا عنه.. وكيف فاته مراقبة ابنه وهو يكبر في أحشائها الغالية!! وكم آلمه قلبه لرؤيتها بهذا الإرهاق والهالات السوداء تحيط بعينيها وهي تستند بكل ثقلها على كساب.. تقريبا كان كساب هو من يحملها حتى أجلسها.. كان بود منصور منذ رآه يسندها أن يدفعه بعيد عنها.. فمن المفترض أن تكون هذه مهمته هو!! كساب هتف بنبرة مقصودة: عشان تدري أنك غالي ياعمي... خالتي ماتنزل كلش من فوق إلا لو كان عندها موعد.. وأنا اللي أنزلها.. لأن البنات مافيهم حيل لها.. وهي مافيها حيل كلش ولا حتى مع المساعدة.. منصور يهتف في داخله " آلمني أكثر أيها الخبيث.. فيبدو أن كل ما أشعر به من ألم مازال لا يكفيك !!" ولكن منصور هتف بأمر حازم: كساب اطلع برا.. عفراء شدت على يد كساب بعفوية.. وكساب شد على كفها بحنو وهو يجلس جوارها ويهتف بذات نبرته المقصودة: اعتبرني غير موجود.. ولو تبيني أسكر عيوني سكرتها.. منصور بنبرة أمر أشد حزما: أقول لك كساب اطلع برا عاد النفس عليك طيبة.. رجّال ومرته وبينهم حوار خاص.. وش دخلك أنت؟؟ كساب نظر لخالته متسائلا.. عفراء هزت رأسها بقلق.. وهمست بخفوت: خلاص روح.. تعرف أن منصورا عنيد.. وكساب أكثر عندا.. لم ترد إحداث معركة قبل أن تعرف ماذا يريد.. كساب مال على أذنها وهمس بخبث ظريف: أنا طالع لغرفتي.. إن بغيتيني أرجعش فوق.. اتصلي علي.. أما لو طرا عليش مشوار ثاني.. اتصلي في مزون تجيب عباتش !! كساب خرج.. ومنصور مازال واقفا.. الصمت لف المكان لدقيقة.. وهي صامتة تدعك كفيها.. بينما كان هو يملأ عينيها من رؤيتها.. التغييرات التي أصابتها بعده.. ابنه الذي كبر كثيرا في بطنها.. الحزن والإرهاق المتبدي في كل تفاصيلها استمر الصمت لدقيقة أخرى حتى هتف منصور بسكون غريب كما لو أنه مقطوع الأنفاس ويحاول إخفاء ذلك: مساش الله بالخير يأم زايد.. لم تستطع الرد.. فريقها جاف.. جاف جدا.. أما حين تقدم وجلس جوارها.. شعرت أن حلقها تشقق من الجفاف.. لدرجة أنه كحت كحة جافة.. هتف بعمق دافئ: سلامات.. لم ترد أيضا.. حينها هتف بعمق أكبر: تروحين معي لبيتش؟؟ البيت وراعيه فاقدينش.. وماقصرتي في الغيبة.. لم تستطع الرد أيضا.. حينها هتف بنبرة مقصودة: يقولون السكوت دليل الرضا.. ترا بأشيلش الحين معي للسيارة.. حينها همست بيأس موجوع ودون أن ترفع عينيها: والسبب اللي عشانه صار ذا كله.. هتف منصور بعمق: زمان قالوا " يغلبن الكريم.. ويغلبهن اللئيم" وأنا ماني بلئيم.. اللي تبينه يصير.. ماراح نختلف.. وماتدرين يمكن أنتي لا ولدتي تقولين ما أبي شغل خلاص.. عفرء حينها أجابت بحزم رقيق وهي تدعك كفيها الساكنتين في حضنها ونظرها مثبت عليها: ماعليه.. أنا اللي أقرر ذا الشيء باقتناعي.. حينها مد يده لذقنه ليرفعه بخفة وهو يهتف بنبرته الثقيلة الدافئة: زين كلميني وعينش في عيني.. تدرين أني ما أحب تلدين بعيونش عني!! يا الله وش تقولين؟؟ أنا مستحيل أطلع من ذا البيت الليلة من غيرش.. ولو عييتي فرشت لي فراش هنا ونمت.. لأني مستحيل أسمح لحد غيري يوديش لا جاش الطلق.. عفراء همست بخجل عميق: كلم أبو كساب وقل له أني بأروح معك!! ما أقدر أطلع من بيته وهو ما درا ورخص لي بعد.. لم تتوقع مطلقا أنه بعد كل هذا الغياب.. ستُحل القضية بهذه البساطة والسلاسة.. ولكن كلاهما ماعاد به احتمال لفراق الآخر.. كلاهما كان يحتاج لمجرد نقرة بسيطة ليهوي من عناده.. إن كان لايريد أن يكون غيره من يذهب بها للمستشفى.. فهي كانت تعيش في رعب أنها قد تلد وهو ليس جوارها.. أنها لن تشعر ولو لمرة بكفه القوية الحانية تشد على كفها وتؤازرها حين تهاجمها آلام الطلق.. وفي داخلها تمنت أن أن يكون جوارها حين تصل جميلة.. فكل هذا الانفعال هي غير قادرة على مواجهته وحيدة!! تريده إلى جوارها.. وكم افتقدت قوة مساندته!! ************************* " عبدالله لو سمحت.. جوالك شوي.. أبي أكلم أم خالد جوالي فضا شحنه" عبدالله يمد صالحا بهاتفه وهو يهتف بمرح: وأم خالد لو اتصلت ولقت جوالك مسكر بتسود عيشتك.. صالح تناول الهاتف من عبدالله وهو يشعر بضيق عميق أن حالته وهو نجلاء باتت ملاحظة لهذه الدرجة.. رغم أنه كان يحاول جاهدا ألا يبدو ذلك واضحا للعيان حتى لا يحرج نفسه ويحرج أم أولاده.. ولكن عبدالله لم يرحمه وهو يردف بمرح: أبي أعرف على ويش تغار.. من زين فرة صويلح تغار عليه.. غبّرت وأنت عندها..كن حد بيتفكر وجهك يعني.. شكلها تبي ترفع معنوياتك بس.. حينها هتف صالح بحزم: عبدالله سكر الموضوع خلاص.. وهاك تلفونك ما أبي أكلم.. الله الغني من منتك.. عبدالله تغير وجهه وصوته للجدية: عيب عليك ياصالح.. خذ كلم أم عيالك.. ومن متى وأنا وأنت بيننا حساسيات كذا.. لا تكون صدق متضايق من ذا الموضوع.. حينها انفجر صالح بخفوت مقهور: إيه متضايق.. وليش ما أتضايق.. أم خالد عمرها ماكانت كذا.. طول عمرها رايقة وعاقلة.. وش للي غيرها عليّ ما أدري؟؟ حينها أجابه عبدالله بنبرة مقصودة: المرة ماتتغير إلا لو كان رجالها تغيّر عليها.. شوف أنت وش أنت مغير في معاملتك مع بنت عمك وتعرف.. صالح صمت وهو يشد الهاتف ويتصل بها.. ليجدها بالفعل غاضبة لأنها تتصل وهاتفه مغلق.. حينها هتف صالح بغضب مكتوم: دامش منتي بمصدقة أني في مجلس هلي.. هاش عبدالله كلميه.. دام أبو عيالش ما لكلامه كرت عندش.. نجلاء هتفت بجزع: لا خلاص خلاص مصدقتك.. لكن صالح أعطى الهاتف لعبدالله وهو يُسمع نجلا مايقوله بنبرة مملوءة بالغيظ والقهر: هاك كلّم بنت عمك اللي ما أدري وين ودتها ظنونها برجالها عقب عشرت عشر سنين.. قل لها أنا وين.. عبدالله شعر بالحرج وهو يتناول الهاتف رغم أنه كان يشير بيديه لا.. حتى لا يحرج نجلاء... ولكنه ختاما وجد الهاتف في يده فهتف باحترام: مساش الله بالخير يأم خالد.. نجلاء ردت عليه باختناق: مع السلامة يأبو حسن.. ثم أنهت الاتصال.. عبدالله بغضب: ليش تحرجني كذا.. المسكينة شكلها كانت تبكي من الفشيلة.. لا ينكر صالح تضايقه الشديد حين علم أنه أحرجها لدرجة البكاء ومع ذلك هتف لعبدالله بضيق: دامك لاحظت.. أكيد أبيك وأخوانك لاحظوا بعد.. انتظر كم يوم ويهزئني ابي كني بزر لاني ماني بقادر أسنع مرتي.. عبدالله بغضب: لا مالاحظو.. ولا حد لاحظ.. بس أنت عارف زين إن علاقتي أنا وإياك غير.. يا أخي بينك وبين مرتك مشكلة لا تدخلني بينكم.. أسوأ شيء ممكن يسويه الرجّال إنه يكشف عيوب مرته قدام طرف ثالث وهي تسمع أو تشوف.. جرحتها واجد يا صالح.. هذي بنت عمنا قبل ما تكون مرتك وأنا ما أرضى عليها لو أنت رضيت!! صالح هتف بضيق عميق وهو يعبث بهاتف عبدالله بين يديه ليفرغ فيه بعض طاقة ضيقه: عبدالله قل لي وش كنت تبيني أسوي..كلمتها من تلفونك.. وهي تعرف رقمك زين.. ومع كذا مهيب مصدقتني أنا وين؟؟ تخيل !! حرقت أعصابي على شيء ما يستاهل.. عمري أصلا ماكنت موقع شبهة ولا سويت شيء يخليني كذا.. عبدالله هتف بنبرة جدية: صالح أنا ما أدري أنت وش مسوي بأم عيالك بس ما أعتقد إنها تتغير كذا بدون سبب.. يمكن صالح لأنكم صرتو في بيت بروحكم هي محتاجة اهتمامك زيادة.. يا أخي اهتم فيها.. تستاهل أم خالد.. كان صالح على وشك الرد لولا أنه وقع في هاتف عبدالله على شيء جعل عيناه تتسعان ذهولا.. هتف بصدمة: عبدالله من وين جبت ذا الصورة؟؟ عبدالله نظر للصورة المقصودة ثم هتف ببرود موجوع: يعني ظنك يوم تمسح صور خالد الله يرحمه من تلفوني وكمبيوتري وتطلب من فيصل يتخلص من كل صوره اللي في البيت.. إني ما راح أقدر أجيب له صورة أحتفظ فيها..أصلا صوره كلها مخزنة على إيميلي.. يعني مستكثرين علي صورة مافيها روح عقب ماراح هو كله!! صالح حينها همس بحزن: لا عبدالله مهوب القصد وأنت عارف.. بس أنا ماكنت أبي شيء يفتح مواجعك.. عبدالله بحزن عميق: مواجعي أصلا مفتوحة.. ما أحتاج شيء يفتحها.. ******************************* " كاسرة.. كاسرة!! " كاسرة تجيبه من داخل مكتبه : تعال أنا هنا.. أطل عليها بشبح ابتسامة: غريبة ماتوقعتش هنا.. أجابت بابتسامة عذبة: وأنا ما توقعت أنك بترجع بدري كذا.. قلت بأدور لي كتاب أقراه.. أجابها بثقة: إذا حضر الماء بطل التيمم.. أنا بكبري هنا.. تعالي سولفي معي وبلاها القراية.. حينها أجابته بنبرة مقصودة: زين أنك جيت بدري ونفسك مفتوحة للسوالف.. لأنه فيه سالفة مهمة أبي أقول لك عنها.. كساب جلس على الأريكة في زواية المكتب وهتف بحزم: تعالي جنبي.. وقولي لي.. وش عندش..؟؟ كاسرة تقدمت بثقة وجلست جواره.. ليمد كفيه ويحتضن بها كفها وكأنه يحثها على الكلام.. كاسرة هتفت بثقة هادئة: كساب حن صار لنا سبع شهور متزوجين......... حينها قاطعها بابتسامة غامضة: تدرين المقدمة هذي تأخرت شوي.. كنت متوقعها قبل فترة... كاسرة لم تهتم لمقاطعته وهي تكمل بذات ثقتها الهادئة: ولحد الحين الله مارزقني بالحمل.. عشان كذا أنا قررت أسوي فحوص.. قاطعها للمرة الثانية بذات الابتسامة الغامضة: اللي أنتي رحتي تسوينها مع فاطمة وقلتي لها إن فاطمة اللي بتسويها.. وكنت عارف من أول ماقلتي لي إنه أنتي اللي تبين تسوينها.. ليش ماقلتي لي أنا.. وأنا اللي بأروح معش!! أجابته كاسرة بثقة: يمكن حسيت إنه وجودك أو حتى معرفتك بيكون فيها ضغط نفسي علي.. حبيت أسويها بدون ماحد يعرف.. حينها أجابها باهتمام غامض : والنتيجة؟؟ كاسرة بثقة: مافيني شيء نهائي.. حينها ابتسم كساب: وأكيد الحين الخطوة الثانية إنش تبيني أسوي أنا الفحوص.. كاسرة بثقة حازمة: حقي أطلب منك ذا الشيء.. كساب بابتسامة واثقة: حقش ليش لا.. أنهى عبارته ووقف ليتجه لمكتبه ويفتح أحد أدراجه.. ويستخرج منه ملفا.. ثم يعود ليجلس جوارها.. ويضع الملف فوق فخذيها.. ويهتف بثقة: هذا الملف فيه.. أكثر من سبع فحوص شاملة مسويها خلال الثلاث السنين الأخيرة.. وأخرها من أسبوعين.. بتلاقين من ضمنها فحص للخصوبة وللجهاز التناسلي.. أنا بعد مافيني شيء.. ولو تحبين أسوي فحص عشانش سويت.. عشان ماتقولين أني متحجر ولا متزمت.. حينها لا تعلم لِـم شعرت ببرودة لاسعة وفتور في عظامها.. شبكت كفيها فوق الملف وهتفت بسكون: يعني أنت عارف من قبل ما تتزوجني حتى أنك مافيك شيء.. ومع كذا ماطلبت مني أني أسوي الفحص.. كساب وقف وهو يهتف ببساطة: تو الناس .. ليش العجلة؟؟ ثم أردف بنبرة مقصودة وهو يستند على المكتب: وما تدرين يمكن هذي رغبة رب العالمين لأنه شايفنا ما نصلح إنه نكون أباء.. ماحد يعترض على المكتوب!! حينها قفزت كاسرة لتهتف بغضب: تكلم عن نفسك لو أنت شايف أنك ما تصلح أب.. لكن أنا عارفة أني بأكون أم فعلا وبكل معنى الكلمة.. كساب بحزم: هذي وجهة نظرش أنتي.. لكن أنا أشوف شيء ثاني.. كل واحد منا أعند من الثاني.. وما أعتقد إنه هذي صفات أباء لازم يقدمون تنازلات عشان عيالهم.. كاسرة لا تريد أن تتكلم معه.. تشعر بحزن غريب وألم أغرب.. ربما لو علمت أن في أحدهما مشكلة ما.. كانت ستقول إن شاء الله تنحل مع العلاج.. ولكن الآن تشعر بحزن عميق أن الله عز وجل قد يكون غير راضيا عليها لذا لم يستجب لدعواتها أن يرزقها بطفل.. وتشعر بحزن أعمق وأعمق مغمور بالألم أن كسابا يراها لا تصلح أما.. فكيف تستمر الحياة بينهما إن كان لا يرى هذه الحياة مكتملة.. مكللة بوجود الأطفال؟!! تشعر أن إحساسها الدائم أن الحياة ستنتهي بينها وبين كساب.. يتحول لإحساس بالغ القوة.. هذا الإحساس الذي يعذبها.. بينما هو لا يهتم !! كاسرة لم تقل شيئا.. وهي تضع الملف على المكتب قريبا منه حيث يستند.. وتستعد للمغادرة.. ليوقفها وهو يشدها.. ويجلسها معه على الأريكة.. هتف بحنو دائما تستغرب نبرته المغمورة فيه حتى الثمالة.. لشدة مايليق به وفي ذات الوقت تذيب قلبها لا تعلم كيف: لا تروحين وأنتي زعلانة!! همست بألم تخفيه خلف حزم صوتها: لا تقول إنك مهتم.. لأنه آخر شيء يهمك.. زعلي أو رضاي!! أجابها بذات النبرة الحانية وهو يسند رأسها لصدره ويشد عليها ليحتضنها بيد واحدة: تدرين زين إن ذا الكلام مهوب صحيح.. وإني ما أحب أزعلش.. شا اللي يرضيش؟؟ تبين أسوي فحص ثاني.. سويت.. كاسرة بسكون حازم: وليش تسوي.. وعنك ملف مليان فحوص.. حينها ابتسم: أجل زعلانة عشان أنا قلت إنه مانصلح نكون أباء.. خلاص أنا اللي ما أصلح.. وأنتي بتكونين أحلى ماما.. حينها ابتعدت كاسرة عنه وهي تهمس بغضب رقيق: كساب أنا ما ببزر.. ويوم تقول لي كلام يوجع مثل هذا..لا تخلي السالفة كنها مسخرة!! كساب باستغراب مقصود: يوجع؟؟ ومتى كانت الحقيقة توجع؟؟.. كاسرة وقفت وهي تهمس بغضب حقيقي مكتوم: دام شايفها حقيقة.. وش يلزمنا في ذا الحياة؟؟ دامك تشوف إنه مانصلح نكون أباء على قولتك.. ليش عايشين مع بعض..؟؟ حينها وقف وهو يهتف بغضب: أظني إني ألف مرة قايل لش إذا اختلفنا في النقاش.. لا تجيبين طاري الانفصال.. ومع كذا لازم كل مرة تطربيني فيه!! كاسرة بذات الغضب: لأنه هذا مهوب اختلاف في النقاش.. هذا اختلاف في الحياة كلها.. أنا يمين وأنت يسار.. كساب شد له نفس عميق وهتف بحزم: تدرين بأروح أشوف خالتي وش سوت أخير لي.. لأنه أنتي أحيانا تستخفين والواحد مايقدر يتفاهم معش.. كساب غادر بينما كاسرة عادت لتجلس على الأريكة وهي تشعر بإرهاق في كل جسدها.. موجوعة تماما.. تماما.. لماذا يُكتب عليها كل هذا الألم..؟؟ ولماذا تحبه كل هذا الحب بينما هو عاجز عن مبادلتها إياه؟؟ ولماذا تكون هي من ستموت رغبة في طفل منه بينما هو يرى أنهما لا يصلحان ليكونا أبوين حتى؟؟ ولماذا؟؟ ولماذا؟؟ ولماذا؟؟ عشرات الأسئلة الموجعة التي تمزق روحها ولا تجد لها جوابا يريحها!! ************************************* " أنتي مارحتي لعبدالرحمن اليوم؟؟" جوزاء تلتفت لعبدالله وهي تشير له بعلامة السكوت حتى لا يوقظ حسن الذي نام للتو.. وتشير له أن يذهب لغرفتهما وهي ستحضر له.. عبدالله عاد لغرفته وكان يخلع ثوبه حين دخلت قادمة من غرفة حسن المفتوحة بباب على جناحهما.. همست بإرهاق: تبي شيء عبدالله؟؟ هتف لها بحنو: لا حبيبتي.. بس كنت أسأل أنتي مارحتي لعبدالرحمن اليوم؟؟ جوزاء بذات النبرة المرهقة: اليوم ماقدرت.. كنت تعبانة شوي.. اليوم كانت متعبة حقا.. ولم يتبق أي شيء في معدتها منذ الصباح!! اقترب منها وهو يضع يده على جبينها ويهتف بقلق: ليه وش فيش ياقلبي؟؟ صمتت لثانية (أتخبره أو لا تخبره؟؟) ثم همست بتعب: شوي إرهاق بس.. هتف بحنان وهو يتجه للحمام: لو قعدتي تعبانة لبكرة بأوديش للمستشفى بدون نقاش.. أنتي واجد ترهقين نفسش.. في البيت ومع حسن وعند عبدالرحمن.. وفي بيت هلش.. صمتت لم تستطع الرد وهي تراقبه بوجع حتى أغلق على نفسه باب الحمام وهي تشعر بعبرة ضخمة تقف في منتصف حنجرتها وهي تشعر بها تتضخم وتتضخم حتى كادت تمزق أوتار حنجرتها!! " لماذا أنت شديد العذوبة هكذا؟؟ لماذا تكون طيبا ورقيقا هكذا كنسمة؟؟ بينما أنا لا أستحق.. لا أستحق!!" ***************************************** " سميرة.. لو سمحتي.. جهزي لي الملفات اللي كنت عطيتش قبل يومين.. اللي فيهم مواصفات الكمبيوترات الجديدة!! أدري بكرة سبت ماعندش دوام.. فجهزيهم لي قبل تنامين.. " سميرة أزاحت أوراق العمل التي كانت تصححها جانبا.. وطبعت على الحاسوب المقابل لها.. والذي لا يفارق الطاولة الصغيرة في الجلسة.. أدراته ناحيته : " اطبع لي وش تبي؟؟" حينها قفز بغضب وهو يشير بذات الغضب: أنا ماطلبت منش تأشرين لي.. بس أنتي عارفة وش أبي.. ماتبين تطيعيني.. مهوب مشكلة!! سميرة عادت وشدت الحاسوب ناحيتها وطبعت: حاضر أجهزهم لك بكرة.. وحتى لو ماعندي دوام.. أنا متى رقدت وأنت رايح الدوام؟؟ شيء ثاني بعد؟؟ أشار لها بنفاذ صبر: لا.. وعاد للجلوس حيث كان يجلس منذ أكثر من ساعة. وهو يراقبها حينا ويتشاغل بأوراق بين يديه حينا.. وبينهما جهاز الحاسوب المحمول الصغير المفتوح على برنامج الطباعة.. الجهاز الذي يتمنى لو يحمله ليلقيه مع النافذة.. يراقب بدقة ونهم وألم حتى أناملها التي تصحح.. انحناءات بيجامتها المشبعة بألوان زاهية.. نحرها وزنديها اللذين يكادان يضياءان لشدة تألق بشرتها وصفائها.. حتى تعب وأرهق من المراقبة.. وإن كان لم يمل من مراقبتها.. فهو مستعد لمراقبتها عمره كله دون أن يمل.. لكن مراقبتها متعبة له.. متعبة لأبعد حد.. وكأنها تختبر صبره وتضغط على رجولته لأقصى الحدود.. حين شعر أنه لن يحتمل هذه المراقبة أكثر.. طرق لها بخفة على الطاولة.. حين رفعت رأسها أشار لها بأول شيء خطر بباله وهو سؤاله عن الملفات.. حينها قفزت بباله هذه الفكرة.. لن يعاود هو الطباعة لها.. سيشير لها.. لن يجبرها أن تشير له.. ولكنها تفهم إشاراته.. حاول إرضاءها طوال الأشهر الماضية بهذه الطباعة الرتيبة الممللة التي تقف حاجزا بغيظا بينهما.. في البداية كان لا بأس بذلك.. فهي مازالت لا تعرف لغة الإشارة.. ولكنها الآن تعرف.. على الأقل يريد أن يشعر أنه على سجيته معها.. هي على الطرف الآخر.. مستغربة منه.. لأول مرة يصر هكذا على أن يشير لها.. ما الذي يهدف له من هذا؟؟ وهي غارقة في أفكارها بين تصحيح أوراقها بعد أن أجابته.. سمعت طرقته الثانية على الطاولة.. رفعت رأسها مستفهمة.. أشار لها بهدوء: طيب أنا أبي أنام ممكن تقومين عن سريري.. حينها قفزت سميرة بخجل.. ودون أن تقول له اطبع لي ماتريد.. فهي كانت تجلس على الأريكة التي تنفتح لتتحول لسرير.. والتي كانت سريره الذي اختاره بنفسه منذ انتقالهما لبيتهما الجديد..وقبلها كان ينام على أريكة أيضا.. فتحت الأريكة بنفسها.. وهي تحضر له مخدته وغطاءه وترتبهما على السرير.. تجاوزها ليجلس على طرف سريره.. وكانت هي ستغادر.. لولا أنه شدها ليمسك بكفها بطريقة تملكية مقصودة.. حينها التفتت بحدة له ولا تنكر أن رعشة حادة اجتاحت جسدها.. فهذه هي المرة الأولى التي يفعلها.. طبعت له وهي مازالت تقف وتنحني على الحاسوب بشكل جانبي بيدها الحرة: تميم تبي شيء؟؟ حينها طبع لها بيده الحرة لأنه لم يكن يريد افلاتها وهو يذوب من مجرد إحساسه بنعومة يدها المرتعشة في كفه: تروحين بدون ماتقولين لي تصبح على خير.. طبعت له وتوترها يتزايد: تصبح على خير.. حينها أفلت كفها وهو يشير بتقصد: لا قولي لي تصبح على خير كذا.. لم ترد عليه وهي تتجاوزه وتغادر المكان متجهة لسريرها.. كأنها تريد أن تهرب من الإشارة ومن مرارة ذكراها!! ************************************* " ياحيا الله أم زايد.. نورتي بيتش" خطت عفرا للداخل بخطوات مترددة.. وهي تنظر للمكان حولها.. مازال كما هو لم يتغير به شيء.. عدا لمساتها.. بشكل عفوي لمست طاولة الزينة الضخمة بقرب باب المدخل.. كان مغبرا قليلا.. ابتسم منصور ابتسامته الفخمة المعتادة التي طال افتقادها لها: أدري البيت حالته حالة.. بس عشان تدرين إنه مايهون علي حتى في غيابش أسوي شيء يضايقش.. كنت ما أخلي الصبيان يدخلون البيت إلا مرة في الأسبوع إذا كنت أنا موجود عندهم عشان ينظفون تنظيفهم اللي كنه وجيههم.. جلست بإرهاق على أقرب مقعد وهي تهمس بتأثر: ما أدري تقدر تسامحني على تقصيري في حقك وإلا لا..؟؟ بس تدري.. كله منك!! ابتسم منصور: مني انا؟؟ عفراء بذات التأثر: إيه منك.. مر شهر وشهرين وثلاثة يعني ماكنت تقدر تسوي نفس اللي سويته الليلة.. منصور أنا وش أبي منك إلا أنك تحسسني أني شريكة حياتك صدق.. رأيي محترم ومقدر عندك .. بكرة بيننا عيال ولازم تحترمني قدامهم.. شدها منصور ليحتضنها بخفة لأنها يخشى أن يؤلمها وهو يهتف بشجن عميق: وأنتي شريكة حياتي وحبيبتي وأم عيالي.. ثم ضحك ضحكة قصيرة: وكرشتش مسوية زحمة.. إحساس غريب وأنا حاضنش بروحش وكرشتش بروحها.. دفعته بخفة في صدره وهي تمسح دمعة فرت من عينها وتبتسم: وتعلق على كرشتي بعد.. هذا ولدك مهوب كرشتي!! مد يده ليمسح وجهها وهو يهتف بحنان عميق: تكفين لا تبكين.. أجليها لبكرة.. عفراء باستغراب: وش معنى بكرة؟؟ منصور بفخامة حميمة: فيه ناس غالين واصلين من السفر بكرة.. عفراء شعرت أنها ستفقد توازنها وهي تعود للجلوس وتهتف بذهول: جميلة!! هي قالت لي بعد يومين.. منصور بابتسامة: تبي تسوي لش مفاجأة بس أنا خفت عليش من الصدمة.. قلت أقول لش قبل.. شدت على كف منصور وهي تضع يدها الأخرى على بطنها حيث شعرت بثقل مفاجئ وهتفت بلهفة موجوعة: صدق يامنصور؟؟ صدق؟؟ بكرة بكرة؟؟ أجابها وهو يشد على يدها بقوة حانية: صدق بكرة بكرة ياقلب منصور... ************************************ " جميلة الله يهداج ليش تبكين جذيه؟؟ حد راد ديرته وهله ويبكي!! " جميلة تمسح دموعها وتهتف بتأثر: كان ودي إنه فواز وسوسن خلصوا علاجهم ورجعوا قبل ما أرجع.. حرام ماشفت أشلون أمهاتهم كانوا يبكون يوم قلت لهم إن سفرنا صار بكرة.. حتى الممرضات تعودت عليهم.. وش كثر علموني أشياء.. صار بيننا عشرة.. وماينكر العشرة إلا قليل الأصل !! خليفة مد يده ليمسح خدها .. انتفضت بخجل وهي تبتعد بعفوية.. بينما هو ابتسم رغم أنه كان يزفر في داخله ضيقا من هروبها الدائم حتى من لمساته العفوية هتف لها بحنان: ادري أنج منتي بجليلة أصل وتكرمين.. بس أخاف الدموع عاللي عندج تخلص.. كفاية بكرة لاشفتي خالتي عفرا.. حينها ابتسمت ابتسامة مبللة بالدموع: ياقلبي يمه.. وش كثر اشتقت لها!! حاسة من كثر شوقي لها بيغمى علي لا شفتها!! ************************************* " كاسرة قومي كلميني.. أدري أنش مابعد نمتي" كاسرة نهضت واعتدلت جالسة.. وهي تسند ظهرها لظهر السرير..وتهمس بسكون: نعم كساب؟؟ كساب كان يجلس على طرف السرير بقربها وهتف بحزم: ما أدري ليه تسوين كذا؟؟ تدرين ماعادنا عشرت كم يوم.. صار لنا عشرت أسابيع وشهور.. وتدرين زين أنه مهما اختلفنا ما أحبش تنامين على زعل.. يعني مفروض تنتظريني لين أجي ونتفاهم.. كاسرة بذات السكون: وش فرقت يعني؟؟ كساب بذات الحزم: فرقت أني حسيتش تضايقتي واجد ذا المرة!! كاسرة حينها هتفت بحزم: زين فرضا أني تضايقت.. هل بيغير من الكلام اللي قلته شيء؟؟ كساب هز كتفيه: صراحة أول ماقلته.. ماظنيتش بتزعلين.. لأني كنت أظنها وجهة نظرش بعد.. حينها كتفت كاسرة ذراعيها أمامها وهمست بحزم رقيق: كساب الناس ليش يتزوجون.. يبون سكن الروح وينشئون أسرة.. إذا كنت تشوف إنه حن مانصلح نشكل أسرة.. كأنه تقول إنه زواجنا ماله داعي يستمر!! حينها استغربت كاسرة أنه صمت وهو يزيل غترته عن رأسه ثم يميل ليضع رأسه في حضنها.. حيمها لا تعلم لِـمَ آلمها قلبها بشدة " أ مرهق هو؟؟" همست باهتمام عذب وهي تمد أناملها لتعبث بخصلات شعره: تعبان كساب؟؟ هتف بسكون: لا.. مالت لتقبل صدغه ثم همست قريبا من أذنه: زين هذا هروب من الحوار؟؟ أجابها بسكون أكثر: تدرين أني آخر واحد يهرب من حوار!! قالها ثم اعتدل جالسا وهو يتناول كفها التي كانت فوق رأسه ويقبلها بتروي ثم وقف وهو يهتف لها بتلقائية: بأروح أطل على مزون شوي وبأرجع لش!! همست حينها بسكون غريب: على راحتك.. بس لو طولت علي بأنام.. هز رأسه وهو يغادر.. ويهتف لها بذات التلقائية: نوم العافية.. تعلم أنه قال (شوي) لكنها تعلم أن هذه (الشوي) لن تقل عن ساعة.. مطلقا لا تتضايق من علاقته بأخته.. بالتأكيد تتمنى لو كان بعضا من هذا الوقت لها.. لكن مايحزنها فعلا.. أنها تمنت لو كانت هي ومهاب هكذا.. كم هو مؤلم ومحزن أننا لا نعلم كم هو ثمين ونادر مابين أيدينا حتى نفقده!! حينها لا يبقى لنا سوى عض أصابع الندم حتى تدمي!! ربما لو لم تجرب حرقة فراق شقيقها.. كانت ستغار وبشدة مزون.. فهي غيورة على كساب لأبعد حد.. ولكنها لا تغار عليه من مزون.. لأنها تمنت من قلبها أن تكون مثلها الآن.. وتعلم كم عانت مزون من مرارة جفاء كساب..!! ومايهمها فعلا أن كساب يغادرها.. ويترك حوارا آخر معلقا كعادته الغريبة مؤخرا.. وعلى العموم هي لن تهتم له.. ستسأل الدكتورة إن كان هناك شيئا قد يساعدها على الحمل.. إن كان لايريد هذا الطفل.. هي تريده !! ****************************************** " هلا.. وش اجتماع القمة المغلق اللي مابغيتوني فيه!!" علي ومزون الجالسان في الصالة السفلية ينظران لكساب الذي نزل عليهما للتو بعد أن بحث عن مزون ولم يجدها في غرفته.. ابتسم علي: لا اجتماع قمة ولا شيء.. بس فاقدين خالتي.. مع أني ماكنت أشوفها إلا لين أتاكد إن مرتك مهيب فوق.. بس البيت فاقد حلاه الليلة.. حاس كني بزر وأمي خلتني.. ابتسم كساب: ماصدقت أصلا حضرت العقيد يأشر لها إلا هي ناطة لبيتها.. صدق نسوان!! مزون تضحك: يوم قالت لي جيبي عباتي بأروح لبيتي.. حسبتها تمزح... نزلت بالعباية لقيت عمي منصور واقف فيها عند الباب.. ماعنده صبر وإلا خايف إنها تغير رأيها.. كساب بحنان: الله لا يحرمنا منها.. ويهون عليها.. والله لولا أني خفت على عمكم ينجلط.. وإلا كان قلت خلها عندنا لين تولد.. علي بمودة جزيلة: أنا والله كنت حاس فيه.. لأنه ماكان يتردد يقول لي وش اللي في خاطره.. واجد واجد كان مهتم فيها.. مزون بنبرة مقصودة: وعقبال ماتلاقي اللي تهتم فيها!! ضحك علي: ليه عندش حد معين؟؟ مزون بحماس: أنت بس قول مجهزة لك لستة وش طولها.. كساب يضحك: وأنا يعني ليش ماجهزتي لي لستة.. وإلا أنا المحروم..؟؟ مزون تبتسم برقة: عندك اللي تكفيك عن اللستة كلها.. خلنا في علي!! علي يضحك: خلوكم مني الحين.. لا قررت قلت لش نقي لي!! ************************************** صحت قبله.. لم ترد إزعاجه.. وهي تُلبس حسن وتنزله لجدته في الأسفل ثم تعود لعبدالله اليوم سبت.. لذا ستتركه ينام حتى يصحو وحده.. يؤلمها قلبها كثيرا من أجله ... فهو يرهق نفسه كثيرا في العمل.. مهموم بمشاكل أخوته.. وهــي... لا تخفف عنه مطلقا.. تشعر بالألم أنها تزيدها عليه بدلا من ان تكون بلسما لتخفيف جروحه.. ورغم هذا وذاك اعتادت ثم حرصت خلال الأشهر الأخيرة أن تكون هي أول ما يفتح عينيه على رؤيته.. لكي تنعم في بداية الصباح بابتسامته الآسرة التي كان يمنحها له حالما يفتح عينيه ويقول لها ذات العبارة ( رؤية عينيك حالما أفتح عيني تنبئني أن هذا العالم بخير!!) وما يؤلمها أكثر أنها لن ترد عليه الابتسامة مثلها.. ولن ترد على عبارته التي تذيب قلبها.. برد يوازي تأثيرها فيها.. فهي أما تقفز لتتشاغل بترتيب ملابسه.. أو تقول له سأنزل لاعد فطورك.. أو سألبس حسن للروضة.. أي شيء حتى لا يلمح الدموع التي تتقافز إلى عينيها رغما عنها.. ودون أن تنتبه كيف انطفأت ابتسامته وهو يزفر (يوم جديد مازالت عاجزة عن مسامحتي فيه!!) اليوم هي متعبة بالفعل.. جسديا ونفسيا.. تريد إخباره بحملها.. لتسعده إن كان هذا الخير سيسعده.. أو لتحضى بمؤازرته التي تحتاجها فعلا على الأقل!! حين اقتربت الساعة من العاشرة وهو لم يصحُ بعد.. اقتربت لتجلس جواره.. لا تعلم كيف بادرت بنفسها وهي تميل لتقبل جبينه ثم تهمس من قرب: عبدالله قوم.. طولت وأنت نايم.. فتح عينيه باستغراب: حد حب رأسي وإلا أنا أتخيل؟؟.. حينها مالت لتقبل جبينه مرة أخرى وهي تهمس بعذوبة قريبا من أذنه: لا شكلك تتخيل.. اعتدل جالسا وابتسامة سعادة حقيقية تضيء عينيه قبل شفتيه: زين دامش كريمة اليوم.. عطينا بوسة من الخاطر بدل حبة الرأس ذي!! حينها اقتربت أكثر لتقبل عينيه كل واحدة على حدة وهي تهمس بشجن موجوع: الله لا يحرمني من عيونك.. حينها لا يعلم لِـم شعر بألم قارص يعتصر قلبه..لكثرة ما اعتاد جفاها.. أقلقه هذا اللطف المتدفق.. شد كفها وهتف بقلق: جوزا فيش شيء؟؟ همست بذات الشجن الموجوع: مافيني شيء.. لكن الغريب أنها اقتربت لتدفن وجهها في صدره وهي تبكي بصوت خافت.. عبدالله شدها لصدره بقوة وهو يهتف بقلق أشد: جوزا منتي بطبيعية.. والله العظيم أن قد تقولين لي وش فيش؟؟ حينها ابتعدت عنه قليلا وهي تمسح وجهها وتهمس باختناق: يعني إذا ماكنت شريرة وقاسية أكون ماني بطبيعية.. ابتسم وهو يعاود شدها ليحتضنها بقوة أكبر ويهمس في أذنها برجولة حانية: ماقصدت ياقلبي.. تدرين أنا وش كثر متشفق أنش تسامحيني.. لأنه عقبها بيننا كلام طويل.. كلام محتاج أقوله لش فوق ماتتخيلين.. عشان فعلا أحس إنه خلاص مافيه حواجز بيننا.. همست ووجهها مختبئ في صدره: زين قل لي.. زفر بألم: ما أدري لو الوقت صار مناسب أو بعد.. أنتي لحد الحين ماطمنتيني على مكانتي في قلبش عشان أنا أجمد قلبي.. كانت تريد أن تقول شيئا ولكن لسانها ارتبط.. استحثها على الكلام: ها جوزا؟؟ همست باختناق وهي تبتعد عنه قليلا: الحين أبيك توديني للدكتورة أنا تعبانة شوي.. ولا رجعنا تكلمنا.. حينها همس بقلق: يعني عادش تعبانة.. أنا قلبي كان حاسس أنش فيش شيء مهوب طبيعي اليوم.. دقيقة ألبس وأوديش.. همست بابتسامة مرهقة: عبدالله مافيني شيء هو شوية ارهاق.. أنا بأخذ عباتي وأنزل تحت.. وأنت أسبح.. وخذ راحتك.. أجابها باستعجال: هي خمس دقايق.. شاور سريع ونازل.. جوزاء تناولت عباءتها وحقيبتها ونزلت للأسفل.. حين نزلت كانت أم صالح هي من تجلس مقابلا لها.. وهناك شخص آخر يجلس مقابلا لأم صالح ولكنه غير واضح لارتفاع ظهر الكرسي.. كانت جوزا ستتراجع خوفا أن يكون فهد أو هزاع.. لولا أن أم صالح هتفت بصوت عال متضايق: تعالي ياجوزا يأمش.. شوفي ذا الشهباء اللي ترطن علي.. أرسلت على عالية تجي تشوفها.. ومابعد جات.. الصبيان جابوها من المجلس يقولون إنها تسأل عن عبدالله.. يا الله جرنا من كشف الستر!! جوزاء حين سمعت اسم عبدالله تكهربت.. وهي تستدير لترى المقصودة بالكلام كانت.. كانت.. كانت.. قنبلة شقراء فاتنة.. تبدو غير صغيرة في السن.. لأن حسنها بلغ تمام النضوج.. متأنقة في طقم رسمي ثمين من شانيل بتنورة قصيرة تصل أسفل ركبتها بقليل.. وعيناها بلون أزرق مشع لم يسبق أن رأته على الطبيعة.. امرأة تشعر بالخطر أن تمر بجوار أحدهم في الطريق.. وخصوصا لمن لم يعتادوا هذا اللون من الجمال المختلف.. فكيف وهي في بيتها وتسأل عن زوجها؟؟ جوزاء سألتها بعصبية باللغة الانجليزية التي لا تتقنها تمام الاتقان ولكنها تستطيع التفاهم بها: ماذا تريدين بعبدالله؟؟ همست الشقراء بثقة بالغة متحكمة وهي تلوي شفتيها وتضع قدما على الأخرى لينكشف جزءا كبيرا من فخذها حين ارتفعت تنورتها قليلا: أنا راشيل زوجة عبدالله.. وأريد أن أراه حالا.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والخمسون عبدالله كان ينزل الدرج باستعجال وغترته مازالت في يده.. سلم وهو يرى والدته تجلس أمامه لم ينتبه كيف كانت ترتعش من الغضب وهو يتلفت حوله ويسأل باستغراب: يمه وين جوزا؟؟ حينها انفجرت والدته بغضب: جوزا طاحت مغوم عليها وشلتها عالية والخدامات للمستشفى الحين.. عبدالله لشدة جزعه وهو يركض ناحية الباب لم ينتبه لمن وقفت حين سمعت صوته.. ولم يوقفه سوى أمر والدته الغاضب: عبدالله.. استدار عائدا وهو ينتفض بحمية الطاعة "لـبـيـه" بينما أمه تكمل بذات الغضب: تعال شل بلوتك معك.. ولا أشوف وجهك أنت وياها.. حينها رأى من تقصد بـ (بلوته)!! كانت تقف بكامل ثقتها وأناقتها المقيتة وكأنها ذاهبة للترافع في أحد جلساتها أو لإلقاء أحد ندواتها شعر بسعير من نار يعبر أطرافه ليشعل كل خلية في جسده.. شعر أنه يشتم رائحة احتراق خلاياه تتصاعد في الجو.. هاهي أمامه وفي بيته.. لم يسأل حتى كيف هي هنا.. كان كل مايراه أمامه دم ابنه يسيل على يديها ومن بين أنيابها فعلا.. وجهها وكفيها غارقين في دمه البريء... كل ما أراده أن يطبق في عنقها ويزهق روحها.. وذكرى انتفاض جسد خالد الصغير بين يديها تعطل كل تفكير لديه.. وكان على وشك فعلها.. لولا أن وجه صغير آخر أطل عليه.. وجه حسن ليقف بينه وبين مايريد أن يفعله.. حينها هتف بكراهية محرقة وهو يكاد يبكي قهرا لشدة ماقهر نفسه: أمامي.. لم يقترب منها حتى.. لم يرد أن ينجس يديه بها.. أو يتهور فيجد يديه أطبقتا في عنقها فعلا ليقتلها كما قتلت ولده!! ولم يرد أن يتحاور معها أمام والدته التي يعلم أن حالتها الصحية لا تحتمل.. خرجت معه بكل ثقة وهو يقودها للمجلس.. ويسألها بكراهية: كيف استطعتِ الوصول لهنا.. وكيف خرجتي من أمريكا اساسا مع الحكم عليكِ؟؟ أجابته بثقة: ألم تكن تتابع القضية وتعلم بالحكم؟؟ أجابها بمرارة: أعلم أنكِ أجدتِ التمثيل ببراعة وأن المحامين أثبتوا أنك تعانين من اضطراب نفسي.. وحكموا عليك بإعادة التأهيل في مصح فدرالي!! وأعلم أن إعادة التاهيل تستغرق سنوات.. فكيف خرجتِ أنت؟؟ وحتى لو خرجتِ من المفترض أن تبقي تحت المراقبة وتمنعي من السفر!! أجابته بذات الثقة وهي تدخل المجلس: هؤلاء هم محدودو التفكير من يحتاجون لسنوات.. لكن من هي مثلي تشفى في غضون أشهر.. وليس عسيرا علي إسقاط قرار منع السفر.. واللحاق بك لهنا.. وأعلم أن عنوانك موجود لدى السفارة الأمريكية.. لذا كان الوصول لك من أسهل ما يكون!! وهذا هو المفترض أن تكون المرأة مع زوجها.. وأنت تعلم كم أنا أحبك.. ومستعدة للعيش معك في أي مكان.. أجابها باحتقار ممزوج بأقصى درجات البغض والكراهية: أي زوجة وأنا طلقتكِ منذ سنوات قبل حتى عودتي الدوحة المرة الأولى.. أجابته بذات الثقة المقيتة وهي تجلس: وأنت تعلم أيضا أنني رفضت توقيع أوراق الطلاق.. ثم حين صنعت أنت حيلة وفاتك وأصبحت أنا أرملة.. كان لدي قناعة أنك لم تمت لذا أعدت توثيق الزواج بعد اكتشافي أنك على قيد الحياة.. لذا من الأفضل أن نتفاهم.. لأنني أستطيع الآن أن أعود هناك وأنجب أطفالا أنسبهم إليك.. أجابها بذات نبرة الاحتقار: أنا طلقتك كما يطلق أي مسلم زوجته وماعادت تربطني بكِ علاقة.. أعلم أنكِ مازلتي زوجتي هناك في الأوراق لرسمية.. لكن مالا تعلمينه أن محاميّ هناك على وشك استصدار قرار بإبطال الزواج بناءً على قتلكِ لابني ودخولك للمصحة.. وبينما أنتي هنا تطاردينني قد يصدر الحكم بين لحظة أخرى.. أنا أيضا تعلمت الدرس.. ومدى أهمية المحامي الذكي!! المحامي أخذ مني مبلغا مهولا.. لكنه يستحق!! أجابته وهي تهز كتفيها بثقة وتنظر لأناملها: لنرى من ينتصر.. محاميك أو محاميّ؟؟ عبدالله ابتعد عنها وكل مايريده لو استطاع تفجير دماغها بأي شيء يجده أمامه كانت يديه ترتعش بشدة وهو يشعر أنه يكاد يموت من القهر وهو يرى قاتلة ابنه هنا في وسط مجلسه وبين أهله بكل وقاحة ولا يستطيع أن يذيقها بعضا مما أذاقته.. قهر نفسه أكثر وأكثر وهو يتصل بوالده وصالح وفهد.. ويتصل كذلك بالشرطة وبالسفارة الأمريكية ويطلب منها إرسال ممثل عنها.. هذه المرة لن يرتكب خطأ.. ولن يسمح لها أن تغضبه فيرتكب الأخطاء.. سيتصرف وفقا للقانون وبدقة.. حتى يتخلص منها وللأبد.. لأنه الآن مايشغل باله شيء واحد.. يريد أن يتخلص منها ليطير إلى من لازال لا يعلم ما حل بها.. وقلبه يغلي قلقا عليها.. لا ينكر صدمته البالغة من رؤيتها هنا حين استعاد رباطة جأشه.. لم يتوقع رؤيتها ولا في أشد كوابيسه سوداوية!! ولكن ربما كان هذا ماكتبه الله له.. لكي يغلق هذا الباب بشكل نهائي.. ودون أن يخشى أن يبقى كشبح يهدد بإفساد حياته.. *************************************** قبل ذلك بقليل.. "صالح أنت الحين مسوي روحك زعلان من البارحة مع أنه المفروض أنا اللي أزعل عقب مافشلتني في أبو حسن؟؟" صالح باستغراب: مسوي روحي زعلان !! ثم أردف بجدية: إلا زعلان يامدام.. أنا سكتت واجد على خبالك.. والظاهر أنش غرش الغلا.. نجلا باستنكار: أنا؟؟ صالح بغضب: نجلا أنا تراني طفشت وطلعت روحي منش.. أنتي بتسنعين وإلا سنعتش.. ملاحقني بالتلفونات من مكان لمكان كني راعي خمل.. ولا رجعت البيت طفشتيني بكثر الأسئلة.. صرت لا شفت اسمش في التلفون وإلا رجعت البيت أحس هم طابق على نفسي.. نجلاء اتسعت عيناها ذهولا وهما تترقرقان بالدموع.. يستحيل أن يكون هذا صالح الذي لم تعتد منه إلا على كلمات الغزل.. أ يعقل أن صالح الذي يذوب في الأرض التي تمشي عليها يقول لها هذا الكلام.. كانت تريد أن تتكلم ولكن الكلمات وقفت في حنجرتها كأشواك حادة.. عدا أن صالحا لم يترك لها الخيار أصلا وهو يرد على اتصال وصله ويهتف في الهاتف بصدمة كاسحة: لا تسوي أي شيء.. ولا تتحرك من مكانك لين أجيك.. خمس دقايق بس وأنا عندك.. **************************************** " كساب يدري إنش رايحة معي للدكتورة؟!!" كاسرة تنظر لفاطمة التي تجلس جوارها في المقعد الخلفي من سيارة كاسرة وفي الأمام الخادمة والسائق وتهتف بهدوء: أكيد يعرف.. يعني بأروح من وراه... فاطمة بتساؤل حذر: ماقال إنه هو بيوديش؟؟ كاسرة بتلقائية حازمة: إلا قال.. وكان مصمم هو اللي يوديني.. بس عقب الكلام السخيف اللي قاله البارحة.. قلت له ما أبيك توديني وتلاغينا قبل أجي.. وقال لي روحي مع اللي تبين.. فاطمة تبتسم: يأختي صحيح رجالس يهوس.. بس عقله متركب شمال.. كاسرة بضيق: والله ماحد مخه متركب شمال غيري اللي صابرة عليه.. والله العظيم لا هذي أنا ولا طبايعي.. بس الله يأخذ غلاه اللي صبرني عليه.. ويريحيني.. فاطمة تتسع ابتسامتها: لا تصيرين عاد من مكفرات العشير.. كساب يحبش ومدلعش وحاشمش وحاشم هلش عشانش.. كاسرة بضيق أعمق: أما عاد يحبني كثري منها!! فاطمة بابتسامة: والله هذا اللي أنا شايفته.. والحب له ترا أشكال كثيرة تظهر في غير الكلام.. كاسرة بحزم : سكري ذا الموضوع المالغ.. وصلنا للدكتورة.. نزلت الاثنتان.. بقيتا لأكثر من أربعين دقيقة قبل أن تنادي الممرضة باسم كاسرة.. نهضت الاثنتان لتصدمان بوجود كساب يقف أمام باب الدكتورة قادما من غرفة انتظار الرجال.. فاطمة تراجعت بوجل لغرفة انتظار النساء بينما همست كاسرة باستغراب: كساب وش اللي جابك هنا؟؟ كساب بثقة: قلتي لي ماتبيني أوديش.. بس ماقلتي أنش ماتبيني معش.. كاسرة كون إنه اختلفنا في رأي مهوب معناته إني أبي أحرمش من شيء حقش.. وانا متأكد إن الدكتورة بتقول لش كلام لازم توصلينه لي.. وأنتي بتستحين وماراح توصلينه.. فحقش أني أكون معش وأسمع بنفسي.. ترا في النهاية الطفل هذا ماراح تجيبينه بروحش.. كاسرة لم تعرف هل تتأثر لوجوده وحرصه أن يكون معها؟؟.. أم تصفعه لوقاحته؟؟ لم ترد والممرضة تفتح الباب وتهمس بمهنية: تفضلوا لو سمحتوا.. . . يجلسان في السيارة بعد أن عادت كاسرة معه.. وكساب يبتسم ويهمس بفخامة مرحة: زين إن فاطمة كانت ذوق ورجعت قبلنا على السيارة وإلا يمكن كان رجعتي معها وخليتيني صمتت كاسرة ولم ترد عليه وهي تشعر بصداع حقيقي ناتج عن إرهاقها فهي بالكاد نامت البارحة لكثرة التفكير.. ثم ازداد صداعها وحرجها مع توصيات الدكتورة السخيفة وجدولها الأسخف.. وتمنت لو أنها لم تدخل نفسها في كل هذا وكساب يسمع.. كساب مد كفه ليحتضن كفها القريبة منه وهو يهتف بتساؤل فخم: كاسرة وش فيش؟؟ ليش زعلانة؟؟ هذا أنا سويت كل اللي في خاطرش وأنا ماني بمقتنع.. مع أني مستحيل أسوي شيء ماني بمقتنع فيه.. حينها شدت يدها بعيدا عنه وهي تهتف بعمق: تدري كساب أنت مثل اللي يبي يكحلها عماها.. ثم أردفت بحزم موجوع: يعني تتمنن إنك رحت معي وأنت منت بمقتنع.. مشكور طال عمرك.. فيه شيء ثاني عندك تبي تجرحني فيه؟؟ حينها كان هو من صمت وهو يعيد تثبيت كفيه على المقود ونظره على الطريق.. حينها ورغما عنها هي من شعرت بالألم.. لا تعلم كيف يستطيع قلب مشاعرها بهذه الطريقة!! اعتادت عليه حادا دائما في حواراته.. في الفترة الأخيرة حين بات يصمت وهما في خضم حوار حاد.. تشعر بألم عميق.. تشعر كما لو أنه مرهق.. لذا يفضل الصمت.. تتمنى لو استطاعت أن تحمل عنه بعضا من هذا الإرهاق.. ولكن كيف وهو لا يخبرها ماسبب إرهاقه حتى!! تمنت حينها لو مدت يدها لتمسح على عروق كفه البارزة بقوة يديه وهي تحيط بمقود السيارة.. ولكنها لم تفعل.. فهي مجروحة منه لأبعد حد.. مجروحة حد السماء.. قطع الصمت بينهما وهو يهتف بسكون كأنه يحادث نفسه: أشرايش نروح المزرعة الحين.. همست باستغراب: الحين الحين!! أجابها بجدية واثقة: إيه الحين.. بأتصل في الصبيان هناك يرتبون المكان ويقولون للطباخ يسوي لنا غدا.. بنروح نتغدى هناك ونتعشى ونرجع في الليل بعد العشاء.. زمان مارحنا هناك.. والجو أساسا حلو.. وإلا عندش مانع؟؟ هزت كاسرة كتفيها: لا مانع ولا شيء.. نروح.. ******************************************* "جوزا بسش بكا.. حرام عليش اللي في بطنش!!" شعاع تهمس لها بذلك ولكنها..مازالت عاجزة عن التوقف عن البكاء رغم أن وجهها تورم لكثرة مابكت.. ورغم محاولات شعاع وعالية لتهدئتها!! كانت تشعر أن هناك مصيبة قادمة.. لكن أن يكون عبدالله متزوجا عليها.. لم تخطر لها هذه المصيبة على بال؟؟ متى تزوجها؟؟ طبعا قبل فترة قصيرة.. مع شعورها أن عبدالله قد مل منها!! "طبعا ولماذا لا يمل مني إن كان قد تزوج هذه؟!!" عالية تهمس بابتسامة فاشلة: حشا الجويزي فاتحة حنفية.. بسش.. سمعتي الدكتورة بنفسش تقول مهوب زين تبكين كذا والبيبي توه صغير كذا!! لم ترد.. لا تريد أن تتكلم حتى!! تشعر أن ما بداخلها من ألم لن تعبر عنه كل الكلمات!! ويبدو أن عبدالله سيبقى دائما مصدرا لكل آلام حياتها وأبشعها!! لماذا يفعل بها هكذا وفي هذا الوقت بالذات؟؟ كانت على استعداد أن تتنازل عن كل شيء من أجله.. فلماذا يخذلها ويجرحها بهذه الطريقة؟!! لماذا يشعرها بالضآلة والامتهان وزوجته تأتي هكذا بكل وقاحة لوسط بيتها؟؟ كلما حاولت السكوت خوفا على جنينها.. عاد لها تفكير بشع مؤلم جارح.. كيف كانت تنام في حضن عبدالله كل ليلة وجسده مطلخ ببقايا زوجته الأخرى؟؟ كيف؟؟ كيف؟؟ "المجرم !! الحقير !!" لتزداد دموعها انهمارا وشهقاتها ارتفاعا ووجعا!! ******************************************* ينظر لها كيف تشبك يديها بقلق وتزفر بتوتر منذ ركبا الطائرة.. تبدو كطفلة قلقة في يومها الدراسي الأول.. هتف لها بحنان: جميلة اش فيج متوترة جذيه؟؟ همست باختناق: ما أدري خليفة.. مرعوبة.. ومتوترة.. ومشتاقة لأمي.. ما أدري .. ما أدري!! ثم صمتت وهي تخشى ان تقول (ومرعوبة من إحساسي إنك بتخليني!!) منذ ركبت الطائرة وهي تتحاشى أن تنظر له لأنها تخشى أن تنفجر في البكاء.. أحاسيسها مشوشة وتفكيرها مرتبك وتشعر بخوف عميق يبتلع روحها في سودوايته.. وهو لا يطمئن قلبها على مكانتها عنده.. أ حقا كل مايريده هو التخلص منها؟؟ وليتها تعلم أن كل مايريده الآن أن يضم كفيها الصغيرين المرتعشين بين كفيه وقريبا من صدره.. لكنه يقهر نفسه وهو يقول (هانت كلها ساعات ونصير في الدوحة يمكن الغشاوة اللي على بصرها تروح) ************************************** " يا حبيبتي ريحي أعصابش شوي.. يعني لو حرقتي نفسش بتوصل أسرع.. خلاص لا تحاتين الليلة ممساها في حضنش!! " عفراء تشد كف منصور التي تحتضن كفها وتهمس بإرهاق مختلط بالتوتر والشوق: يا الله يامنصور ماعاد فيني صبر خلاص.. بأموت أبي أشوفها.. منصور يخلص كفه من كفها بخفة ليمد ذراعه ويحتضن كتفيها ويهتف بتقصد: ماكان فيه حد بيموت غير منصور ولا حد درا عن هوا داره.. لو متت هنا في حجرتي.. ماكان حد درا عني.. عفراء بجزع: بسم الله عليك.. ولا تفاول على نفسك.. ابتسم بفخامة وهو يشدد احتضانه لكتفيها: زين عادش مصممة تروحين معي المطار..؟؟ والله العظيم تعب عليش ياقلبي.. أنا بأروح بروحي وبأجيبها لش.. عفراء بإصرار عذب: تكفى يامنصور.. مايصير توصل وماتلاقيني في وجهها.. وبعدين أنا لو قعدت انتظرك لين تجيبها الله أعلم وش ممكن يجيني!! ********************************* " يمه أشرايش أنا وأنتي نروح الصالون؟؟" مزنة تلتفت لسميرة وتبتسم لها بأمومة: تبين أروح معش رحت؟؟ سميرة بمرح: لا يمه ما أبي بودي جارد.. أبي أروح أنا وأنتي نسوي بديكير ومنيكير.. مزنة بعفوية: مافيه مناسبة.. وأنا ماأسوي إلا لو فيه مناسبة.. آخر مرة سويت قبل عرسش.. قبل.. قبل... ثم بترت عبارتها حتى لا تكملها.. لتقفز سميرة وتتناول كف مزنة لتقبله وهي تهمس بمرح عذب: طالبتش بلاها قلبة المود ذي.. تدرين قلبي الرهيف مايستحمل.. وإلا تبيني على قولت خالي هريدي.. جات الحزينة تفرح مالئتش ليها مترح.. مزنة ربتت على رأس سميرة وهي تبتسم بحزن: بسم الله عليش من الحزن.. ذا الوجه الحلو ما انخلق إلا يبتسم.. سميرة برجاء: زين خلاص امشي معي نسوي بديكير ومنيكير.. مع أنش منتي بمحتاجة بس عاوزة أشوف رجليكي الحلوة لما تبئى بمبي بعد البديكير حينها غمزت لها مزنة بخبث لطيف: إذا البديكير والمنيكير حق وليدي ماعليه نروح.. سميرة تضحك: لا لا.. أنتي ماتعلمتني في قانون المصارعة إن الضرب تحت الحزام ممنوع.. وبعدين أنتي بنية عزابية وش تبين بسوالف المتزوجات.. كانتا في حوارهما حين دخل تميم.. وكالعادة انطفئت ابتسامة سميرة بشكل عفوي.. ولكنه لم ينتبه.. لأنه بالكاد لوح بيده مسلما وهو صاعد للأعلى بسرعة.. مزنة ربتت على فخذ سميرة وهمست بحزم أمومي: قومي يأمش شوفي رجالش وش فيه؟؟ سميرة هزت رأسها وصعدت خلفه.. أ ليست هذه مهمتها كزوجة؟؟ حين دخلت كان يبحث بين أوراقه بعصبية.. طبعت له على الحاسوب: تميم تدور شيء؟؟ قل لي وأنا بأعطيك إياه؟؟ وحملت الحاسوب ووضعته أمامه.. لكنه لم ينظر له حتى وهو يزيحه جانبا ويستمر بالبحث.. أعادت وضع الجهاز أمامه.. وأعاد إزاحته دون النظر له.. حينها حملت الجهاز وأعادته مكانه.. وجلست وهي تنظر له.. لأول مرة بعد ليلة زواجهما تراه ثائرا هكذا.. رأته حزينا متضايقا.. لكن ثائرا لا.. يقتلها فضولها الطبيعي أن تعرف عن ماذا يبحث وهو بهذه العصبية ولكنها يستحيل أن تشير له لذا بقيت صامتة.. وهو يبعثر كل الأوراق ويظهر على وجهه علائم التأفف والضيق.. ثم يغادر وهي مازالت لا تعلم لماذا حضر؟؟ ولماذا غادر؟؟ وفضولها يزداد حول ماكان يبحث عنه.. لأنها تعرف تماما مكان كل شيء!! ولا تنكر أنها تعبث في أوراقه في غيابه.. لذا هي تعلم كل تفاصيل عمله أيضا.. فعن ماذا كان يبحث؟؟ عن ماذا؟؟ ********************************** " عبدالله وش فيك تأخرت كذا؟؟ المسكينة من صبح ماسكتت والحين صرنا عقب العصر والبكا خطر عليها.. الدكتورة عطتها مهدئ وعطتها إبرة مثبتة.. بس تقول لازم تهدونها" همس بضيق موجوع وهو يقف مع عالية في الخارج: صدق هي حامل؟؟ عالية بجدية: ليه هذي مواضيع فيها مزح؟؟ عبدالله بضيق أشد: وذا الكلبة يعني مالقت تنط لي إلا اليوم؟؟ عالية بتساؤل: صحيح عبدالله إنك متزوجها من أيام سفرتك الأولى لأمريكا.. اتصلت أسأل صالح بس ماعطاني تفاصيل.. عبدالله بذات الضيق:صحيح وطلقتها قبل ما أتزوج جوزا المرة الأولى حتى بس ذا المصيبة بتقعد نقطة سوداء ي حياتي ماني بمتخلص منها.. عايو بتساؤل: وش سويت الحين معها؟؟ عبدالله بإرهاق: قدمت ضدها بلاغ في الشرطة.. واضطرت توقع تعهد بعدم الاقتراب مني بعد ماضغطوا عليها في السفارة.. بس السالفة عادها تبي لها شوي لين أخلص منها مرة وحدة... عالية بهمس تحذيري: ترا اللي ذابح جوزا إنها تحسبك توك متزوجها عليها.. عبدالله باستغراب مصدوم: من جدش؟؟ وأنتي قلتي لها شيء؟؟ عالية هزت كتفيها: لا طبعا.. موضوع مثل هذا بينك وبينها بس.. أنا بأدخل أخذ شعاع وبنروح مصلى الحريم لين تخلصون كلام لأنه شكلكم بينكم كلام واجد.. وعقب أنا بأرجع معك البيت.. بأروح أشوف ولدك ..أكيد جنن أمي الحين!! عالية خرجت مع شعاع وعبدالله دخل.. حين دخل توقع أنها ستصرخ به.. ستطرده.. ولكنها لم تتحرك من مكانها حتى وهي تتمدد بشكل جانبي.. ودموعها تسيل بغزارة.. شعر أن قلبه يتمزق وهو يرى انهيارها الواضح.. شد له مقعدا وجلس جوارها مد يده ليزيل خصل شعرها التي التصقت بوجهها المبلل ولكنها أبعدت وجهها عن مدى يده.. همس لها بخفوت بنبرة تذوب حنانا: جوزا ياقلببي مافيه حد خالي من العيوب.. وذا المره اللي شفتيها اليوم يمكن تكون ذنبي الوحيد في الدنيا اللي لين اليوم وربي يعذبني به.. بس صدقيني ياقلبي إن أي علاقة تربطني بها انتهت من قبل ما أعرفش حتى.. من قبل مانتزوج زواجنا الأول حتى.. قاطعته بنبرة ميتة : عبدالله اطلع برا.. ما أبي أشوفك.. طلقني!! عبدالله بصدمة: أطلقش؟؟.. كذا؟؟.. واحنا بيننا طفل.. والثاني جاي في الطريق..؟؟ وحتى من غير أطفال.. جوزا أنا أحبش ومستحيل أبعد عنش.. أنا مهوب بس أحبش.. أنا أذوب حتى في النفس اللي تنفسينه.. والله العظيم ماعاد يربطني فيها شيء.. طلقتها من خمس سنين.. لم تكن حتى تسمع.. موجوعة حتى أقصى روحها.. مشتتة.. ومضطربة.. ازداد انهمار دموعها وهي تهمس بذات النبرة الميتة: ما أبي أسمع شيء.. أبيك تطلقني وبس.. حينها ابتعد عبدالله بكرسيه قليلا وهو يكتف ذراعيه أمامه ويهتف بحزم: جاتش من الله.. أول يوم عقب زواجنا ذا المرة.. قلتي لي ماينجبر قلب على قلب.. وهذا الظاهر اللي صار.. أنتي أساسا منتي بمتقبلتني.. وظهور راشيل في الصورة ماكان راح يغير شيء.. بالعكس المرة الحريصة على رجالها بتلقى هذا سبب تتمسك فيه.. المرة اللي تبي رجالها مستحيل تخليه لوحدة ثانية.. وخصوصا لو كانت عارفة وش كثر يحبها مثل مانتي عارفة أنا وش كثر أحبش لكن أنتي ماصدقتي.. خليتيني الجاني وأنا الضحية.. راشيل هذي ذبحت ولدي قدام عيني.. خالد الله يرحمه كان أكبر من حسن.. عشان ماتقولين بعد أني كذبت عليش يوم قلت أني ماعرفت مره عقبش.. وقف وهو يهتف بحزم أشد: تبين الطلاق حاضر.. بس انتظري شوي.. ليش تبين تطولين عدتش.. لا صرتي في شهورش الأخيرة طلقتش.. وعلى فكرة أنا ماني بخايف من تهديد أبيش.. بس حرام تحرقين قلبه أكثر ماهو محروق إذا رحتي لبيت هلش قولي أنش توحمين ومقروفة مني.. وعلى العموم ماكذبتي.. أنتي من أول يوم لين اليوم وأنتي مقروفة مني!! أنهى عبارته وخرج.. وهو يشعر كما لو كان نحر روحه قبل أن يخرج.. كما لو كان طعن قلبه ألف طعنة وتركه ممزقا أشلاء خلفه.. تعب.. تعب.. تعب من احتقارها لمشاعره.. تعب من سكب مشاعره هدرا.. سيبقى يحبها لاشك في هذا.. ولكن قد يكون من الأفضل أن ينجو بنفسه التي باتت تذوي من أجلها وهي لا تهتم.. حتى بعد أن علمت بكل شيء لا تريد مسامحته.. لم يبق شيء يستحق التأسي عليه.. حتى متى سيبقى راضيا بالفتات منها..؟؟ حتى متى سيبقى راضيا بما تتصدق به عليه من قربها..؟؟ يشعر أنها امتهنت روحه حتى أقصى درجات الامتهان.. وحتى حينما احتاجها في أسوأ ظروفه.. شحت عليه بأدنى مساندة وهي تقرر الهرب منه كأنه وباء معدٍ.. تعب.. تعب بالفعل.. وماعاد يحتمل المزيد.. تعب من كل شيء... وهـــي قبل أي شيء.. خـــرج لتنهار هي خلفه في حالة هستيرية أخرى من البكاء.. لتجدها شعاع أغمي عليها مرة أخرى حين عادت لها.. ***************************************** " مع إنه احنا صرنا شهر 3 بس والله الجو هنا بارد زين أني خليت لي هنا شوية شالات وملابس" كانت كاسرة تهمس بذلك وهي تشد الشال على كتفيها بعد أن وضعت صينية الشاي جانبا على الطاولة في الشرفة الأرضية المفتوحة على المزرعة من الخلف وهي تنظر لكساب الذي يقوم بتمرينات الضغط المعتادة.. ابتسمت وهي تردف: احنا التمارين ورانا ورانا في كل مكان.. هتف لها وهو منهمك في التمارين: نص دقيقة وخلص.. جلست وهي تراقبه كعادتها كلما رأته يتمرن.. لا تستطيع أن تنكر أبدا أن هذا التكوين الجسدي الاستثنائي وهذه القوة المفرطة المتبدية تستجلب الإعجاب الطبيعي رغما عنها.. ولكن غرورها الطبيعي بنفسها أيضا حاضر دائما : إن كان لديه ما يأسر الإعجاب فانا لدي ماهو يأسر أكثر من الإعجاب من بكثير.. ولكنها تعود لتزفر بشيء أعمق من الحزن.. فهي لا تريد إعجابه.. فهي تعبت من نظرات الإعجاب.. تريد منه شيئا أعمق وأثمن.. فأجأها بوقوفه أمامه وهو يهتف بشبح ابتسامة وهو يلمس طرف خدها: أنتي ماتملين من كثر ماتبحلقين فيني!! أجابته باستنكار باسم: وليش أبلحق؟؟ من حلاتك يعني؟؟ ابتسم بخبث وهو يجلس ويجفف وجهه بالمنشفة: ما أدري اسألي روحش وخصوصا لا ولعتي واحنا في مكان عام.. وعشان كذا صرتي كل ماقلت لش خلينا نطلع مكان.. تتهربين.. " الخبيث.. كنت أظنه لا يلاحظ.. كنت أكره أن ابدو بمظهر الغيورة أمامه لذا أصبحت أتحاشى الخروج معه حتى لا أضطر لتمثيل البرود وأنا أحترق.. فعلى مثل جداتنا (عين ماتشوف ماتحزن) فقلت مادمت لن أرى عيون النساء تطارده.. فعلى الأقل لن تحترق أعصابي علانية" أجابته كاسرة بثقة غامرة: مشكلتك واثق بنفسك على غير سنع.. وقلتها لك قبل إذا أنت تستانس لا حسستني بالغيرة عليك.. أنا بعد بأستانس لا خليتك تحس بنفس الشيء.. حينها فوجئت به يمد يده عبر الطاولة وهو يشد معصمها بقوة ويهتف بقسوة: وأنا بعد قلتها لش قبل.. لو سويتيها ذبحتش.. حتى لو كنت عارف إنش سويتي ذا الشيء لمجرد أنش تغيظيني.. إذا أنتي غرورش وكبريائش مايسمح لش تعترفين أنش تغارين علي.. فانا اعترف أني واحد غيور لأبعد حد.. لو حد بس شاف طرف شعرش ذبحتش وذبحته.. كاسرة كانت في البداية مذهولة من هجومه غير المتوقع.. ولكن ذهولها تبدد لجزع وهي ترى ذراعه العارية ملتصقة بالأبريق الساخن الذي أنزلته عن الغاز للتو و الذي يقبع على الطاولة الصغيرة بينهما.. حينها انتفضت وهي تسحب الأبريق بيدها الأخرى ودون أن تتناول القماش الحامي.. لتلسع هي أناملها.. انتفض هو أيضا واقفا بجزع.. وهو يشد اناملها وينفخ عليها.. بينما كانت هي تمسك بذراعه وتنظر لاحمرارها وهي تهمس بغيظ: خلني أروح أجيب لك كريم حروق من الصيدلية.. أنت أعمى ماتشوف الأبريق لصقت يدك فيه.. أجابها بغضب: والله مافيه حد أعمى وغبي غيرش.. عني احترقت بالطقاق.. تحرقين يدش..؟؟ كاسرة بغضب: وأنت مالك شغل في يدي .. فكني.. خلني أروح أجيب لك مرهم الحرايق.. كساب شدها للداخل وهو يهتف بحزم غاضب: إلا أنتي إلا تعالي أحط لش المرهم.. كساب شدها خلفه حتى وصلا الصيدلية الموضوعة في المطبخ الداخلي.. همست كاسرة بحزم: حط لنفسك أول.. أنا لسعة بسيطة.. بس أنت لصقت يدك في الأبريق.. كساب لم يرد عليها وهو يمد الكريم على أناملها المحمرة أولا.. ثم يناولها الكريم وهو يهتف بحزم: يالله حطي لي أنتي.. عشانش وإلا ترا حرقي مايستاهل.. كساب أخذت الكريم منه وهي تمد بعضا منه على ذراعه وتهتف بغيظ فعلي: يعني حرقك اللي مايستاهل.. وحرقي يستاهل؟؟ تدري أنك أحيانا تخلي الواحد يكرهك من من قلب!! حينها أمسك بمعصمها وهو يمنعها من اتمام مهمتها ويهتف بعمق وهو ينظر لعينيها: وأنتي صدق تكرهينني الحين من قلب؟!! لم تجبه وهي تضع الكريم على الرف القريب منها.. وتستعد للمغادرة ولكنها تقف عند باب المطبخ وتهتف بشجن: يمكن القلب فيه أشياء واجد.. بس أكيد الكراهية مهيب من ضمنها!! ********************************* " سميرة أصب لش شاهي بعد؟؟ وإلا تدرين عندي فطاير مجهزتها لو جاني حد.. بأروح أحطها في الفرن" سميرة تشد نجلا وتجلسها وتهمس بنبرة مقصودة: اقعدي ماني بجاية أتقهوى وأعرف أنش مرة سنعة وضيفش مهوب في الخلا.. بس يوم كلمتش ماعجبني صوتش عشان كذا نطيت عندش.. وش السالفة يأم خويلد؟؟ نجلاء بضيق: مافيه شيء!! سميرة بمودة وهي تستحثتها: نجول ..علي أنا؟؟ نجلاء باستسلام موجوع : شوي مشاكل بيني وبين صالح.. حينها هتفت سميرة بغضب: رجعنا على طير ياللي.. لا يكون صالح رجع لطولة لسانه اللي قبل.. نجلاء باستنكار حزين: لا والله.. حاشاه.. بس.. بس.. سميرة بقلق: نجلا وش فيش؟؟ نجلاء بذات الضيق المتزايد: صالح ماعاد مثل أول.. أحس فيه شيء مغيره علي.. خايفة يكون في باله موال.. وأعترف أني صرت أضيق عليه بغيرتي.. بس والله العظيم حاسته هو متغير.. سميرة بجدية: نجلا.. لا تبهتين الرجال وأنتي كل كلامش حاسة وحاسة.. ألف مرة قلت لش.. عمري ماشفت رجال يحب مرته مثل ماصالح يحبش.. حرام عليش تضايقينه.. نجلاء بحزن: غصبا عني سميرة.. من غلاه والله العظيم.. وأنا ماتعودت منه إلا على الحنية والكلام الحلو.. عشان كذا قسوته غريبة علي.. سميرة هزت كتفيها وهي تنظر لنجلا بشكل مباشر: تدرين نجلا وش مشكلتش أنتي وصالح؟؟ إنه صالح طول ذا السنين كان يحبش أكثر مما تحبينه.. وأنتي تعودتي تاخذين أكثر ماتعطين... نجلاء قاطعتها باستنكار: حرام عليش سمور وهذا اللي طلع معش!! سميرة نهرتها بابتسامة: يمة منش خلني أكمل كلامي.. الحين بعد ما استقر فيكم الحال.. وصالح ماعاد ضايقش بشيء.. صار دورش تعبرين لصالح عن غلاه اللي أنتي تقولين إنه حدش تسوين ذا كله!! المشكلة شكلش ماتعرفين تعبرين إلا بالنكد.. كل مرة تحب رجالها أكيد تغار عليه.. هذا تحصيل حاصل.. بس طبعا ما تخنقه بغيرتها.. لكن تعبر عن حبها بطرق كثيرة.. ومشكلتش مالقيتي إلا أسوأ طريقة وعشان تبررين لنفسش تصرفاتش الخايبة.. اقنعتي نفسش إن صالح متغير معش.. نجلاء بضيق: أنتي أصلا مخش مفوت.. ومافيه حد يقول ذا الفلسفة إلا وحدة خبلة مثلش.. سميرة تضحك: والله مافيه حد خبل غير وحدة لها عشر سنين متزوجة واللي تعطيها النصايح مالها نص سنة.. حينها قرصتها نجلاء وهي تحاول أن تجاريها في المرح: روحي بس لمحل تميم.. وشوفي الغزلان اللي جايين للمحل أفواج وأفواج.. ولا رجع أخر الليل ماشاف إلا وجهش المغبر اللي من بياضش كنه وجه مومياء طالعة من قبرها.. سميرة تبتسم بمرح: يا أختي أنا وحدة أؤمن بأحقية الناس في شوفة الجمال.. يا أختي رجّالي حلو.. خل البنات يمتعون عيونهم.. قالوا لش خبلة مثلهم.. لهم شوف وحر جوف.. وهو آخرته لي.. وأنا عاجبته وتارسة عينه مغبرة وإلا مومياء!! سميرة رغم علاقتها المتينة بنجلاء.. إلا أن نجلاء لا تعرف أبدا حقيقة علاقتها بتميم.. بل هي أقنعت الجميع أنها تعيش معه حياة سعيدة وخصوصا بعد تعلمها لغة الإشارة.. كرهت أن تترك لأي حد المجال أن يقول لها العبارة المقيتة (قلنا لش!! حذرناش!! بس أنتي ماطعتي!!) وهي في حوارها مع نجلاء وصلها رسالة من تميم.. بالعادة الرسائل بينهما في غاية الرسمية.. توقعت أنه يقول أنه سيتأخر أو ماشابه..لذا تفاجأت بالرسالة: " بعد ساعة بأجي لش في بيت أختش.. عازمش على العشا" توترت نوعا ما.. فهي نادرا ماتخرج معه لمكان عام.. عدا مشوار المدرسة ووضحى معهما.. لم تعلم كيف ستتفاهم معه... بورقة وقلم؟؟ وكيف سيطلب هو العشاء في المطعم؟؟ أم ستضطر هي أن تطلب؟؟ بدا الأمر لها محرجا وغير مريحا.. وقررت أنه حين يحضر لأخذها سترفض الذهاب معه.. لا تعلم مابه اليوم.. أولا أثار فضولها ببحثه عن شيء مازالت لا تعلم ماهو.. ثم هذه الدعوة غير المتوقعة!! ************************************* " يا الله يمه.. وأخيرا ماني بمصدقة" عفراء تحتضن جميلة ودموع الاثنتين تنهمر بغزارة والاثنتان تجلسان في المقعد الخلفي لسيارة منصور المتوقفة في مواقف المطار.. لأن عفراء لم تستطع النزول أساسا.. عفرا تهمس باختناق عميق: شيلي نقابش شوي.. خلني أشوف وجهش ياقلبي.. السيارة مغيمة.. وانا مافيني صبر لين البيت.. جميلة رفعت نقابها بخفة.. لتنفجر عفرا في البكاء بتأثر عميق وهي ترى كيف استعادت جميلة كامل عافيتها.. وهي تمتع نظرها المشتاق لكل تفاصيل صغيرتها التي استعادت كل رونقها وحياتها الطبيعية معها.. عاودت احتضانها بقوة بشكل جانبي وجميلة تهمس باختناق باسم: أخينا العزيز خذ المكان كله ماخلا لي من حضنش شيء.. عفراء بحنان عميق: وش أسوي ماجيتي إلا كرشتي على أخرها.. بروحي ماعاد أقدر أتنفس من الثقل.. جميلة تتناول كفي والدتها وتقبلهما وهي تغرقها بدموعها: المهم أني جيت قبل تولدين شان أكون معش. وهما غارقتان في طوفان مشاعرهما وتأثرهما أطل عليهما منصور الذي كان قد توجه مع خليفة ليسلم على والده وشقيقيه الذين حضروا لاستقباله.. هتف بابتسامة حانية: ها يا جميلة يا أبيش.. خليفة يقول ماخلصتي سلامات على أمش.. حينها رفعت جميلة رأسها من حضن أمها وهي تهمس باختناق موجوع: وينه خليفة؟؟ منصور بنبرة أبوية باتت تليق به تماما: جاي وراي.. أنهى عبارته وتوجه لمكان السائق ليركب.... حينها أطل عليهم خليفة بالفعل ليفتح الباب من ناحية عفراء ليقبل رأسها وهو يهتف بابتسامة ودودة: قرت عينج بشوفت جميلة.. وقرت عينها بشوفتج.. كانت بتموت وتشوفج بس.. لم يكن يعلم بالشهقات المكتومة غير الطبيعية التي بدأت تصدر ممن تجلس جوار عفراء.. وهي تشد الشيلة لتضعها على فتحات عينيها منذ سمعت صوته وكأنها المرة الأخيرة التي ستسمعه فيها.. حين انتهى خليفة من السلامات المعتادة مع عفراء هتف بنبرة حانية: يا الله جميلة.. هذا أنتي سلمتي على أمج.. امشي معاي.. خالاتي ومرت جاسم ناطرينج في البيت.. تعشي عندهم بس.. وعقب بأردج لأمج تنامين عندها.. صُعق بل تمزق بل تناثر أشلاء بالرد المختنق: لا.. سأل بذات احساسه بالصدمة المريعة: أشلون لا؟؟ ماتبين تروحين معاي الحين..؟؟ خلاص روحي مع أمج وبيي عقب ساعة وأخذج.. ذات الصوت الذي يتزايد اختناقا: لا.. بدأ صوته برتجف بغضب وبكثير من الخوف.. أحقا هذه الجريمة التي سترتكبها في حقه؟؟.. أستتركه؟؟ أم هذه محض هواجس؟؟ : جميلة أشلون لا.. انزلي قدامي.. لا تصرفين مثل اليهال.. كلها ساعة زمن وأردج لأمج.. عفراء شدت على يد جميلة بتحذير غاضب وهي تهتف بحزم: خليفة يأمك.. أنا بعد بأروح معك الحين.. نسلم على خالاتك ومرت أخيك ونتعشى عندهم بعد.... جميلة قاطعتها بصوتها المرتعش اختناقا: لا يمه لا.. لم يعلم خليفة أي جنون يخطر ببال هذه الصغيرة.. وهي تظن أنها برفضها.. تترك له مجال الاختيار دون ضغط.. ستذهب مع أمها وهي تحله من أي مسؤولية تجاهها.. وإن كان يريدها بعد ذلك سيكون قد اختارها باختياره هو ودون أي ضغط.. همست بصوت ماعاد ظاهرا لشدة اختناقها بالعبرات: لا خليفة ما أبي أروح معك.. أبي أقعد عند أمي.. حينها شعر أنه عاجز عن التنفس فعلا.. أ يعقل كل هذه القسوة والجحود والنكران والوحشية؟؟ هتف بغضب موجوع: تقعدين عند أمج كم يوم يعني؟؟ جميلة عجزت عن أن تقول ماخططت لقوله.. ولكنها ختاما قالته وهي تشعر كما لو أن الأحرف تمزق لسانها: أبي أقعد عندها على طول.. تظن أنه يجاملها وهو يطلب منها الذهاب معه.. و لكن لو علم أنها لن تعود له مطلقا... سيصفو تفكيره بعيدا عن علاقتهما كمريضة ومرافقها.. حينها سيعود لها بشكل جديد كما تتمنى.. منصور هتف بحزم بالغ: جميلة عيب عليش.. روحي مع رجالش.. أو أنا بروحي بأوديش.. همست بألم روحها الممزقة: تكفى عمي لا.. لا .. عفراء بغضب حقيقي: روحي يا بنت مع رجالش وإلا والله لأزعل عليش.. وتشوفين مني شيء عمرش ماشفتيه.. قاطع خليفة محاولات عفرء ومنصور لاقناعها وهو يشعر كما لو أن روحه تنزف بكل غزارة.. مهما كان توقعه لجحودها لم يتخيل أنه سيصل لهذه المرحلة!! وهي تبعثر كرامته أمام أهلها.. وحتى أمام أهله الذين ينتظرون غير بعيدين وهم يحضرون على سيارتين حتى يعود هو بزوجته على إحداها.. لن يسمح لمشاعره أن تمتهن كرامته.. لن يسمح لحبها أن يذله ويحتقره هكذا!! بأي صورة يعود لوالده وهو يخبره أن زوجته لن تعود معه.. قاطعهم بحزم أخفى خلفه ألم روحه الذي لا حدود له: بس لا تحايلونها على واحد ماتبيه.. خلاص مهمته انتهت في نظرها.. ولازم ترميه مثل الزبالة.. كاهي بنتكم رجعت لكم.. وسلمتها لكم بكل صحتها.. ومهمتي انتهت خلاص.. واحتسبت أجري عند رب العالمين.. وبنتكم ورقتها بتوصلها باجر.. ثم أردف وهو يبصق روحه: جميلة أنتي طالق.. **************************************** " غريبة أنش قاعدة هنا.. منتي برايحة لخالتي وبنتها!!" مزون تنظر لعلي العائد من صلاة المغرب وهي تمسح تأثرها وتحاول ألا تبكي لأنها تعلم أنها ستبكي كثيرا حين تذهب لجميلة التي أخبرتها خالتها للتو حين اتصلت مزون بها أن جميلة منهارة تماما وفي حالة بكاء هستيرية بعد تطليق خليفة لها وأنهم في طريق العودة للبيت.. هتفت مزون بتأثر: بأروح.. بس بعد شوي.. عادهم في الطريق.. علي بابتسامة وهو يجلس جوارها: زين ليش محزنة كذا؟؟ المفروض أنش مبسوطة.. مزون بشكل مباشر لشدة إحساسها بالألم: رجّال جميلة طلقها وهم عادهم في المطار... تخيل.. تخيل.. وخالتي زعلانة منها وتقول إنها اللي حدته يسوي كذا.. علي بصدمة: من جدش؟!! مزون بألم: يعني بافاول على بنت خالتي بالطلاق!! حينها صمت علي لثوان ثم أردف بحزم القرارات الحازمة: أبي درا وإلا عاده.. مزون هزت كتفيها: أكيد مابعد درا.. السالفة توها صارت وأبي مابعد رجع من المسجد.. حينها أردف علي بحزم شديد: اسمعيني عدل.. الحين الحين رشحي لي وحدة أقول لأبي يخطبها لي أول مايرجع من المسجد.. مزون بصدمة: من جدك..بذا السرعة ؟؟ علي بذات النبرة الحازمة: إيه من جدي.... أنتي ألف مرة قايلة لي عندي لك عروس.. يعني أكيد فكرتي بحد معين وماراح أكذب عليش يامزون.. وطبعا سر بيني وبينش.. أنا خايف من شيئين.. إنه لو أنا خطبت بعد مايشيع خبر طلاق جميلة يقولون إني خطبت عشانها تطلقت.. الشيء الثاني واللي أنا خايف منه أكثر إنه لو ماخطبت ورجّالها مارجعها.. يحنون علي أبي وعمي أني أتزوجها... وأنا أساسا كنت خلاص بأقول لأبي يخطب لي.. فخليني أخلص السالفة مبدئيا وأنا مابعد عرفت بطلاقها.. مزون حينها ابتسمت: بس أنت عرفت!! ضرب خدها بخفة حانية وهو يبتسم: لا ماعرفت.. وخلصيني عطيني اسم زوجتي المستقبلية؟؟ مزون حينها أصيبت بحالة من الحماس العفوي: في بالي أكثر من وحدة ومن زمان.. بس أنت عطني المواصفات اللي تبيها.. علي بجدية: أهم شيء تكون وحدة رايقة وهاديه مالي خلق على وحدة قوية ولا لسانها طويل.. الجمال مايهمني بس في نفس الوقت أبيها تكون ستايل وذربة لأنه لازم إنها بتنعزم مع زوجات دبلوماسيين فلازم إنها تشرفني.. والشيء الثالث والمهم بعد تكون بنت ناس فيهم خير.. يعني نسب يشرف!! تعرفين إن منصبي حساس وكل شيء يؤثر علي !! مزون حينها اتسعت ابتسامتها وهي تهتف بنبرة مقصودة: خلاص... لــقـيـتـهـا لك !! #أنفاس_قطر# . . .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والخمسون " مساكم الله بالخير!!" علي ومزون ينظران لوالدهما الذي دخل للتو وبينهما نظرات غريبة وهما يردان: هلا يبه.. زايد جلس وهو يهتف بنبرة مقصودة: وش فيكم سكتوا يوم شفتوني؟؟ بينكم سر ماتبوني أعرفه..؟؟ مزون صمتت.. بينما علي هتف بحزم وهو ينظر لوالده بشكل مباشر: أنا كنت قايل لمزون تدور لي عروس عشان أريحك.. وكنا ننتناقش في ذا الموضوع.. حينها اعتدل زايد في جلسته وهو يخفي لهفته خلف حزم صوته المدروس: ها وش استقرت مداولاتكم عليه؟؟ علي بنبرة مقصودة: مزون رشحت بنت فاضل بن عبدالرحمن بس أنا كنت أقول... قاطعه زايد بحزم: وش كنت تقول.. فاضل رجّال ونعم النسب.. علي بحزم: ما اعترضت.. بس قلت عشان حالة عبدالرحمن ولدهم الله يفك عوقه..ما أعتقد أنهم يمكن يوافقون.. ولو وافقوا أكيد ماراح يوافقون على إنه نسوي العرس لين يتشافى ولدهم.. زايد بذات النبرة الحازمة: عبدالرحمن حالته مستقرة صار لها شهور.. وأنا أصلا كنت توني زرته الأسبوع اللي فات.. وفاضل بنفسه كان يقول لي وش كثر يحاتي بنيته اللي عنده في البيت.. وأنا كنت ناوي أزوره ذا الأيام.. قم نروح له ذا الحين!! علي شعر بانتصار داخلي (لِـمَ لا؟؟) وهو يهتف بحزم مدروس: الحين الحين؟؟ زايد يقف وهو يهتف بطريقته القاطعة: الليلة ماعندي ارتباطات.. دقيقتين بأبدل وأجيك ونروح له.. مجرد جس نبض.. وكانه وافق رحنا له عقب في مجلسه مع عمك وأخيك... حين غادر زايد.. ابتسمت مزون وهي تسأل علي: وش معنى اخترت بنت فاضل.. مع اني قلت لك عنها وعن وبنت ناصر آل سيف..؟؟ علي ببساطة باسمة: لسببين.. الأول ما ابي أخيش كساب يصير عديلي.. يعني خلصوا البنات عشان أروح أخذ أخت مرته.. كن السالفة حلاوة.. ماصدقنا نبي ناخذ بنات البيت كلهم.. وبعدين يا أختي أخيش هذا حار.. لو صار مشكلة بينه وبين مرته.. ما أبيها تأثر علي أنا ومرتي.. ولو كانت أختها أكيد بتأثر.. والسبب الثاني والأهم.. بنت ناصر عندها أخيها تميم الله يخليه لهم.. أول كان يكسر خاطري لأني ماكنت أعرفه.. بس عقب ماصار قصيرنا وعرفته أنا أشهد إنه رجّال ماينضام اللي في ضوه.. بس بنت فاضل الله يعينهم.. ابيها شيبة صاير تعبان مع تعب عبدالرحمن وعبدالرحمن مايندرى وش يكتب له ربي.. قلت يمكن الله رايد أني اخذها واريح بال ابيها من صوبها.. *************************************** " خليفة يأخوي هونها وتهون يأخوك" خليفة بألم عميق: ذبحتني ياجاسم ذبحتني.. ماهقيت ولا حتى واحد في المية إنها بتسوي فيني جذيه.. توقعت تتدلع شوي.. تتغلى.. قلت حقها.. خلها تتدلع.. الدلع كله لها.. بس هي طلعت بايعة يأخوي بايعة.. ثمان شهور ياجاسم .. ثمان شهور.. مالي شغلة غيرها.. كانت فيها هي كل شيء في حياتي.. أفرح لا فرحت.. وأحزن لا حزنت.. اليوم اللي هي ماتبتسم فيه أحس فيه بارد ماله طعم.. ولا شفت دمعة بعينها ودي أقص شريان من قلبي أهون علي!! ثمان شهور تارك هلي وديرتي.. حاول فيني منصور وزايد إني أرجع لو شهر للدوحة.. قلت لا.. ما أخليها دقيقة.. مثل ما طلعنا من الدوحة سوا نرد سوا مادريت إنها تنطر نرد عشان تذبحني.. وإلا لو أني قايم في جلب (كلب) ذا الشهور كلها مايعضني جذيه.. جاسم يركن سيارته جانبا بعد أن أصر على أخذ خليفة من المطار والذهاب لوحدهما على أن يعود والده وشقيقه الصغير معا.. ويهتف بتأثر: زين دامك تحبها هالكثر ليش طلقتها.. جان نطرت عليها شوي.. خليفة بحزم موجوع: لا ياجاسم لا.. الله يلعن حبها جانه بيذلني.. يعني تسوي فيني اللي هي سوته واحنا بعدنا في المطار وعقب أقول لها خلاص روحي على كيفج وأنا ناطرتج.. هذي باعتني وبرخيص بعد!! جاسم بذات التأثر: خلاص يأخوي من باعك بيعه.. هذي ماعليها حسوفة.. ليش حارق نفسج جذيه؟؟ خليفة باختناق روحه الممزقة: الحجي هين يأبو أحمد.. مجروح يأخوي.. حاس كني بأموت.. تدري وش حاسس فيه.. جن بنتي أنا خانت فيني.. جن روحي تمردت علي.. جن يدي أنا قطعت شراييني.. تتخيل هالاحساس أشلون.. جميلة كانت بنتي وكانت روحي وكانت يدي!! جاسم بتأثر أعظم: كل شيء يبدأ صغير ويكبر إلا الحزن.. يبدأ كبير ويصغر.. أنت الحين توك متأثر.. بس صدقني كلها كم يوم وتهون.. خليفة بألم عميق: على قولتك كلها كم يوم.. واللي حط حبها بوسط حشاي قادر يشيله.. يا الله يأبو أحمد أنا متشفق وايد لشوفت أحمدوه الصغير.. وخالاتي أكيد بعدهم ناطرين في البيت.. خلني أروح لهم بفشيلتي..وألقط ويهي!! ****************************************** " بس ما أبي أسمع صوتش.. بس" عفراء تقف وتنتفض غضبا وهي تنهر جميلة التي مازالت ملتفة بعباءتها وتدفن وجهها في المخدة وتنتحب بصوت عالٍ عفراء تنهرها بقسوة أشد: اقول لش بس.. ما أبي أسمع صوت بكاش.. ليش تبكين الحين؟؟ مهوب هذا اللي تبينه؟؟ والله ياسواتش ماتسويها حتى مضيعة المذهب!! الرجّال اللي له ثمان شهور عازش وحاشمش ومخلي كل شيء عشانش هذي تكون جزاته..؟؟ حتى لو ما تبينه.. مهوب كذا السنع.. هذا راعي جميل عليش.. احشميه قدام هله.. كبري قدره مثل ماكبر قدرش.. وش أقول؟؟ وش أقول؟؟ الظاهر أنهم صادقين وأني ماعرفت أربيش.. خليتي للناس لسان عليش وعلي.. جميلة ترفع رأسها وتعتدل جالسة وهي تمسك بكف والدتها القريبة منها وتقبلها قبلة مبللة بدموعها وهي تشهق: محشومة يمه... والله العظيم يمه أني أبيه.. ماهقيت إنه بيرخصني كذا.. هو أصلا ماصدق يتخلص مني.. كان ينتظر نرجع الدوحة عشان يتخلص مني.. عفراء تنتزع يدها بقسوة وهي تصرخ بها: بس ما أبي أسمع كلمة.. سودتي وجهي.. هذا حكي وحدة عاقلة.. منصور يدخل عليهما وهو يهتف بحزم: عفرا بس ذا الانفعال مهوب زين لش.. والبنية ميتة من البكا وأنتي تزيدينها عليها.. عفراء بذات الانفعال: والله لو قلبي يقواني.. كان ضربتها بعد.. جميلة دفنت وجهها بين ركبتيها.. وعفراء مازالت منهمرة بغضب وبكاء جميلة يتزايد منصور جلس بجوار جميلة وهو يربت على رأسها حينها تكورت في حضنه قطة باكية وهي تنتحب بعنف.. تشعر بالضياع منذ طلقها خليفة وكأنها لا تقف على سطح الأرض حتى وأن أي أقل حركة ستدفع بها إلى الهاوية أو توقعها لينكسر عنقها.. شدها منصور بقوة حانية: بس يأبيش خلاص.. صحيح أنتي غلطانة بس لا تحاتين.. السالفة بينش وبين خليفة بتنحل.. وقريب!! همست ووجهها مختبئ في كتفه: لا عمي تكفى.. تكفى لا ترخصني.. خليفة لو يبيني.. ماباعني عند أول موقف.. عفراء تنتفض بغضب: ولها لسان بعد تحكي.. ولها لسان.. منصور حينها وقف ليشد على كف عفراء ويهتف بحزم حان: عفرا بس عمري ماشفتش معصبة كذا.. مهوب زين عليش.. عفراء لشدة غضبها وانفعالها من تصرف ابنتها لم تشعر بتزايد الآلام معها.. فهي كانت تحمل في داخلها امتنانا عميقا لهذا الشاب الذي ربطتها به علاقة قوية قد يكون أغلبها على الهاتف.. كانت تعلم أن خليفة قدّم لابنتها مالم يقدمه أحد آخر سواه.. احتمل دلالها وتقلب مزاجها وسار معها حتى الخطوة الأخيرة.. ثم يكون ردها عليه بهذه الطريقة غير الأخلاقية.. لم تستطع تقبل تبرير جميلة الذي بدا لها مثاليا إلى درجة الخيالية الكاذبة.. لم تر أي منطق إنساني أو أخلاقي يبيح لها أن تتصرف بهذه الطريقة الجاحدة.. لم تعلم كم كان ألم هذه الصغيرة جارحا!! وكم كانت أوجاعها تنزف بغزارة وهي تشعر بالخوف والهلع والضياع!! عفرء انحنت قليلا وهي تمسك بأسفل بطنها وتشعر بإحساس بلل مرعب مفاجئ.. شد منصور على يدها أكثر وهو يهتف بقلق: عفرا اشفيش؟؟ عفراء انحنت أكثر وهي تعتصر ثم تهمس من بين أسنانها: منصور تكفى اطلع شوي.. وإلا تدري روح شغل السيارة.. جميلة قومي جيبي لي ملابس أغير ملابسي.. الماي نزل علي خلاص.. جميلة قفزت وهي تصرخ بجزع: يمه أشلون الماي نزل فجأة كذا؟؟ عفراء بألم وهي تجلس بشكل جانبي على الأرض: ما أدري.. ما أدري.. بسرعة جميلة.. لا يختنق البزر.. منصور وقف كالصنم.. يبدو تائها مازال غير مستوعبا للموقف لدقيقة واحدة ربما ثم يصرخ بجميلة بطريقته الحازمة النافذة: لا تجيبين لها ملابس ولا شيء.. أنا بألفها في بطانية وأنزل فيها.. واتصلي في مزون عقب تجهز أغراض أمش لأنها هي اللي عارفة كل شيء.. عفرا قالت لي كذا.. وبالفعل لم يتردد منصور وهو يلفها ببطانية وينزل بها ركضا وجميلة تنزل ركضا خلفه وهي تنسى كل شيء وفي بالها خاطر واحد مجنون.. " لو صار لأمي أو أخي شيء من سبتي والله العظيم ما أسامح نفسي طول عمري" ************************************** " موافق يأبو كساب.. مثلك ومثل ولدك مايردون" زايد بحزم: ماعليه يأبو عبدالرحمن خذوا وقتكم وخذ شور البنية وأمها.. فاضل بحزم مشابه: البنت شورها عندي.. وأنا أقول موافق.. ثم أردف بنبرة ألم وهو ينظر لناحية عبدالرحمن: يازايد يأخي.. أنا أحاتيها واجد.. والله ياهمها هي وعبدالرحمن مايخليني أمسي الليل.. وأنا شوفت عينك مهمل بيتي وقاعد هنا.. البنت خطاطبيها واجد.. وانا كنت أحاتي أني أوافق على حد مهوب كفو لها عشان أريح بالي من صوبها.. خايف يصير لي وإلا يصير لعبدالرحمن شيء وأنا مابعد تطمنت عليها.. ويوم الله جاب لنا علي.. ماني بردي عقل عشان أعطلكم.. أنا أشتري رجّال.. ولا تظني أرخصها ..والله يابنيتي ذي إنها اغلى من عيوني.. بس الله يزينها من صوبه.. زايد بإصرار: ماعليه يافاضل أمنتك الله تنشدها وتاخذ شورها.. فاضل بإصرار مشابه: بأروح أنشدها الحين.. وبكرة الصبح تراني بأوديها تسوي الفحص الطبي.. وخل علي يسويه بكرة.. وأنا معتمد عليك تكلم لنا حد يعجلون النتيجة.. أبي أملككم بعد بكرة.. علي ينظر للمشهد أمامه وكأنه أمر لا يخصه.. جزء من مشهد تمثيلي قد يبعث على الضحك.. هاهما يقرران كل شيء ودون أن يسأله أحد عن رأيه في أي شيء.. ضحك في داخله " وش فرقت؟؟ عرس والسلام وأريح رأسي وش فرقي عن ذا العالم اللي يعرسون كذا!!" ************************************ " عالية أمي وش أخبارها؟؟" عالية بحذر: أنا قلت لها السالفة مثل ماطلبت مني.. وطبعا بهرتها بشوي مشاعر وأنا أطلعك مسكين..ومقهور ومظلوم.. عبدالله بذات الحذر: وهي وينها الحين..؟؟ عالية بحذر أشد: مسكرة على روحها في غرفتها من بعد ماقلت لها السالفة.. حينها سألها بنبرة أقرب للحزن: أنا بأروح لها.. وأنتي الله يخليش سبحي حسون واقعدي عنده لين أجيش.. حينها سألته عالية بذات الحذر: وأم حسون وش أخبارها؟؟ أجابها عبدالله باصطناع بارع: جوزا تعبانة شوي.. واتفقنا تقعد عند أمها ترتاح شوي.. ثم أردف باهتمام: لكن أنتي اللي وجهش مهوب عاجبني.. حينها كانت عالية من أجابته باصطناع بارع: مصدعة شوي.. وباروح أكل بنادول.. عبدالله بقلق: ياكثر ماتأكلين ذا البنادول.. ثم أردف باستغراب: إلا وشمعنى رأسش مايوجعش كذا إلا في الويكند؟؟ عالية كمن اُمسكت بالجرم المشهود: وش علاقة الويكند بوجع رأسي.. رأسي يوجعني طول الأسبوع... عالية فرت للاعلى.. ودقات قلبها تتصاعد هلعا.. دائما تخيفها دقة ملاحظة عبدالله.. كيف ربط بين صداع رأسها وإجازة نهاية الأسبوع؟؟..وهي تهمس لنفسها: " أنتي بعد ياعلوي بقرة... حد رأسه يوجعه لأنه ماشاف حد.. وإلا ماسمعنا عن ذا الإدمان إلا عند وحدة بقرة مثلش يا الله خلاص بكرة الأحد وبأشوفه.. الله يلعن شيطانك ياعبدالرحمن على كثر ماأنت حايسني.. أخرتي بأطيح في مصيبة من سبتك" بينما عبدالله غادر متجها لغرفة والدته.. الهم يملأ جوانحه لاقصى حد.. يعلم أن والدته ستسامحه.. فقلبها الطاهر قلب أم.. ولكن جوزاء ماعاد يطمع بمسامحتها.. ولكن كيف يستطيع احتمال الحياة بعيدا عنها وعن حسن..؟؟ ستبقى في المستشفى ليومين أو ثلاثة لكن بعدها ستخرج.. وبالتأكيد ستأخذ حسن.. فكيف سيحتمل الحياة الخاوية بدون وجودهما؟؟ ولكن هل باليد حيلة؟؟ يجب أن يعتاد على هذه الفكرة.. فيبدو أن الحرمان سيبقى هو مصيره الذي يتجرعه طوال حياته!! ويبدو أنه بالغ في التفاؤل حين ظن ولو لحظات أن الحال سيستقر به إلى السكينة والاستقرار والاحتواء.. ******************************** ركبت إلى جواره بصمت.. وهل هناك شيء غير الصمت بينهما.. تريد إخباره أنها لا تريد الذهاب معه ولكنه لم يشر لها بشيء إطلاقا وهو يحرك سيارته ويمضي وتراه يخرج من المناطق السكنية للشارع العام.. تبحث في حقيبتها عن ورقة وقلم.. ولكنها لا تجد.. فهذه الحقيبة خالية تماما أخذتها لزيارة نجلاء ولا يوجد بها سوى هاتفها وعطرها ومحفظة زينتها ومفاتيحها الأشياء التي وضعتها على عجالة قبل أن يوصلها السائق والخادمة لبيت نجلا.. توترت أكثر ولا تعلم السبب.. وهو لم يلتفت لها حتى.. وهو يكمل طريقه.. رأت أنه ماعادت حتى تستطيع الاعتراض وهما يعلقان في ازدحام الشارع متجهان لداخل الدوحة.. حين وقفا في الإشارة خطرت لها فكرة.. تناولت ورقة من أوراق الفواتير الموضوعة بينهما وكتبت عليها بمحدد الشفاه.. "وين بنروح؟؟" أشار لها بحزم: قلت لش عازمش على العشا.. والطاولة انحجزت لنا خلاص.. قبل ماتقولين شيء ثاني.. تحركت السيارة ولم يترك الخيار لها لأي اعتراض.. حتى وصلا للمطعم.. مطعم هندي سبق أن أحضرها له غانم عدة مرات.. وميزته بالإضافة إلى طعامه اللذيذ أن طاولات العائلات يُغلق عليها بستارة.. حين دخلا أعطى للموظفة عند الباب بطاقة عليها اسمه.. فقادته للطاولة المحجوزة باسمه.. والتي حجزها له بالهاتف أحد موظفيه.. توترت أكثر وهي تجلس.. وهي تشعر بالحرج.. لم ترَ سابقا كيف يتصرف في الأماكن العامة.. عدا في مدرستها وكلهم هناك يتحدثون لغته.. حين وصلت قائمة الطعام.. وضعت القائمة جانبا.. لم ترده أن يفرض عليها أن تطلب هي.. أشار لها متسائلا: ماتبين تطلبين شيء؟؟ هزت رأسها رفضا.. إشارة توجه لمن يتكلم ومن لا يتكلم.. هز كتفيه وهو يشير: خلاص بأطلب لش على ذوقي.. حين جاءت النادلة.. فتح القائمة وأشار لها على صفحات القائمة بما يريد.. وأحيانا كان يشير على الشيء ثم يشير بيده (اثنين) سجلت النادلة وأخذت القوائم.. ومضت.. بدا الأمر لسميرة أبسط بكثير مما ظنت وأكثر سلاسة.. توقعت أن لن يعرف أن يتفاهم.. وانهم قد يضطرون أن يحضروا أحدا للتفاهم معه.. وأنها حينها ستضطر للتدخل.. " صدق أني غبية.. رجّال صار له سنين في السوق مهوب عارف يطلب أكل في مطعم يعني!! لكن العزومة هذي بكبرها وش داعيها؟؟" حينها أشار لها تميم بتقصد: حطي نقابش.. ترا مافيه حد معنا.. لم ترد أن تستجب ولكنها لم ترد أن تبدو بمظهر الغبية أو من تريد افتعال مشاكل.. خلعت نقابها وهي تضعه مفرودا جانبا حتى لا يتجعد.. بينما كانت تريد إعادة لف الشيلة حول وجهها فوجئت به يمد يده ويعيد خصلة من شعرها خلف أذنها.. انتفضت بخفة وهي تعود للخلف (هذا أش فيه مهوب صاحي اليوم؟؟) بينما أشار لها ببساطة: أنتي شعرش لونه أشقر طبيعي وإلا مصبوغ؟؟ لم تجب على إشارته وإحساس خجل غير طبيعي يقتحمها بعنف.. قد يكون سؤال طبيعي ولكنها لم تتوقعه مطلقا منه.. كما أنها لا تريد أن تشير له.. أشار لها حينها بذات التقصد: لذا الدرجة سؤالي صعب؟؟ أو ماتبين تجاوبين؟؟ حينها رغما عنها أشارت له باقتضاب: مصبوغ.. أشارت كأنها تريد أن تتخلص من الإشارة..ومن ثقلها على روحها.. لكن الغريب أنها لم تشعر بتلك المرارة التي كانت تتخيل أنها ستشعر بها حين تشير له.. ظنت أنها لو حدث وأشارت له ستكون الإشارة كسكين يمزق روحها.. ولكن الإشارة عبرت بسلاسة دون تعقيد.. دون أن تثير في نفسها التعقيد الذي ظنته !! ولكنه لم يتركها تنعم بهدوئها وهو يشير لها مرة أخرى: زين وش لون شعرش الطبيعي؟؟ أشارت بذات الاقتضاب: بني.. حينها أشار لها بذات البساطة كما لو كانا فعلا زوجين في جلسة حوار عفوية: طيب ليش تصبغينه..؟؟ الطبيعي دايما أحلى!! حينها أشارت بتوتر: عشان بشرتي فاتحة واجد.. الغامق علي مهوب حلو.. حينها أشار بذات البساطة: ما أتوقع إنه فيه شيء ممكن يكون مهوب حلو عليش.. حينها أخفضت رأسها بخجل.. لن تنظر لإشاراته بعد.. يكفيه ما أشارت به رغما عنها.. لم تعلم أنه أيضا اكتفى من الإشارات.. وهو ينظر لها كيف أنزلت رأسها وتدعك يديها... ويبتسم بانتصار.. فهو تجاوز النجاح المطلوب لمخططه الليلة.. ولن يثقل عليها أكثر.. وليستمتعا بالطعام الذي حضر.. تميم بدأ ذهنه يعمل في اتجاه مغاير.. ستة أشهر مضت منذ زواجه.. لو أنها كانت تريد الطلاق.. كانت طلبته منذ زمن.. إذن هي تنتظر تحركا ما منه.. ولكنه يجب أن يتحرك بحذر وبخطوات مدروسة ليبدأ بتفكيك التعقيدات المتراكمة بينهما.. فهو لا يستطيع أن يحضر لها بشكل مباشر ويقول لها سامحيني.. حينها لابد أنها ستنفجر به.. لابد أن يهيئها بالفعل لهذا الصلح.. رغم أن الصبر أصبح في أدنى مستوياته عنده.. ويخشى أن تفسد لهفته مخططاته المدروسة بدقة!! لذا كانت خطوته الأولى بهذه الإشارات العفوية حول أشياء عفوية لن تثير ريبتها بشيء وستضطر للإجابة عنها.. وقبلها كانت ببحثه عن اوراق له لم يجب عن تساؤلها حولها لأنها كتبت له ولم تشر.. هاهو يتحرك ببطء مدروس ويدعو الله أن يلهمه الصبر والحكمة!! ************************************* " يا بنات ابيكم بيأتي الحين.." شعاع باستغراب: غريبة يمه.. بيخلي عبدالرحمن مرتين.. توه كان عندنا عقب صلاة المغرب.. ليش يرجع بعد عقب صلاة العشاء.. ثم أردفت بابتسامة وهي تنظر لجوزاء: والله الظاهر أنش غالية واجد يا الجويزي.. مادرا أنش تعبانة إلا المغرب وجالش على على طول والحين جاي بعد مرة ثانية.. جوزاء أخذها تفكيرها لاتجاه مرعب.. هل يعقل أن والدها علم بما فعله عبدالله.. لذلك عاد مرة أخرى.. فهو حينما زارها المرة الأولى.. بدا لها طبيعيا جدا.. علم أنها مرهقة من الحمل.. وجاء للسلام والإطمئنان عليها.. ثم غادر.. ولم يبدُ عليه أنه علم بشيء.. تتذكر جيدا تغليظه بالحلف أن يؤذي عبدالله لو ضايقها بأدنى شيء.. يزداد رعبها.. لا تريده أن يؤذي عبدالله بأي طريقة.. فهي أدت الواجب بإيذائه وزيادة.. بدأت أناملها وشفتاها ترتعشان بشكل ملحوظ.. أمها وقفت وهي تضع يدها رأسها وتهمس بقلق: جوزا وش فيش يأمش؟؟ أجابت بارتعاش: بردانة يمه.. بردانة.. أم عبدالرحمن همست بحنان: انسدحي يامش.. انسدحي.. خلني أسنحش.. جوزاء تمددت وهي مازالت ترتعش.. ووالدتها غطتها جيدا.. حينها كانت تسمع نحنحة والدها عند الباب.. ازداد ارتعاشها.. وبدأت عيناها تسيل بغزارة.. وبالكاد وجهها يظهر وهي تخفي جسدها المرتعش تحت الغطاء وتدعو الله أن تمضي زيارة والدها على خير.. رغم أنها تعلم أن زيارته ليست طبيعية أبدا.. حين دخل كادت تنفجر فعلا في البكاء لولا أنها رأت أن وجه والدها كان هادئا تماما وهو يجلس ويدعو شعاع أن تجلس جواره.. حينها انتقل احساس التوجس لشعاع.. ومشاعر الوجل اللذيذة التي اشتاقت لها تعاودها.. مشاعر الوجل التي كانت تشعر بها كلما سمعت والدها يناديها.. أرادت أن تبكي.. لا تعلم خوفا أم سعادة!! أ حقا عاد والدها لها؟؟ همست باختناق: والله العظيم يبه ماسويت شيء.. حينها ابتسم: لذا الدرجة أنا شراني في عينش.. ؟؟ يعني ما أدعيش كون كني بأعصب عليش.. حينها أجابت شعاع بخجل عميق: محشوم فديتك.. بس جيتك كذا خوفتني.. أجابها حينها ببساطة حازمة مباشرة: جايش خطاطيب.. حينها كانت أم عبدالرحمن هي من قاطعت الحوار بتردد: فاضل الله يهداك.. وش خطاطيبه وعبدالرحمن كذا!! حينها قاطعها بصرامة: وعبدالرحمن وش فيه؟؟ هذا هو حالته مستقرة يعني بنوقف نصيب البنية عشان عبدالرحمن في غيبوبة.. زين لو طوّل وهو كذا.. نقطع نصيب البنية؟؟ خلاص ماعاد باقي عليها شيء وتتخرج.. عقب تخرجها خلها تعرس وتوفق.. شعاع بدأ جسدها يرتعش فعلا من شدة الحرج.. دقات قلبها تتزايد ودموعها تبدأ بالتقافز.. تعلم أنه جاءه خطاب من قبل.. أحيانا والدها من يرفض.. وفي بعض أحيان والدتها تخبرها.. لكنها لا تشجعها على الموافقة لأنها ترى الشخص غير مناسب.. فما الذي تغير هذه المرة ليضعها والدها في هذا الموقف؟؟ همست أم عبدالرحمن بذات التردد: بس أنت كنت دايم تعيي.. وش معنى ذا المرة جاي لنا وكل واحد من عيالنا في مستشفى؟؟ أجابها فاضل بنبرة صارمة: لأنه رجّال مايعيي منه إلا خبل.. وأنا ماني بخبل.. وأبي مصلحة بنتي.. ثم أردف وهو يوجه خطابه لشعاع بحزم مرهق: ها يأبيش.. وش رايش.. اللي جايش علي ولد زايد آل كساب.. الصبي أنا أعرفه زين.. مصلي ومنصبه زين.. ومايجهلش ولد زايد آل كساب..ناس فيهم خير وخيرهم واجد.. وأنا يا أبيش وافقت عليهم.. وأبي أملكش في أسرع وقت.. ما ظنتي إنش بتفشليني في الرياجيل.. حينها انفجرت شعاع في بكاء خافت وهي تخفي وجهها في كتف والدتها التي تجلس جوارها من الناحية الأخرى.. والدتها ربتت على رأسها وهي تهمس لفاضل بحزم رقيق: تم يا أبو عبدالرحمن.. قل لهم البنت موافقة.. فاضل وقف وهو يقول بحزم: خلاص بكرة الساعة سبع ونص خلها تجهز أوراقها أوديها تسوي الفحص الطبي.. ازدادت شهقات شعاع ارتفاعا وهي تخفي وجهها أكثر في كتف والدتها.. ليقف والدها قريبا منها وهو يربت على كتفها ويهتف بحنان عميق: لا تظنين أبيش بيوافق على حد مايستاهلش.. تراش غالية..غالية!! ولو أني داري أنش ماشفتي مني كلمة طيبة..بس الله وحده أعلم بغلاش اللي خالط النسم.. حينها أفلتت والدتها لتحتضن خصر والدها وهي تدفن وجهها أسفل صدره وتزداد شهقاتها تتابعا.. بينما احتضنها هو بحنان وهو يربت على رأسها يا الله كم تمنت أن تفعلها يوما وهي تظنه حلما بعيدا المنال!! كم تمنت أن تدفن وجهها في صدره وهي تشعر بقربه من روحها كما هو الآن!! لو أرادها حتى أن تتزوج أسوأ رجل في العالم.. ستكون راضية إن كان هو راضيا!! جوزاء كانت تنظر بتأثر وسعادة للمشهد أمامها وهي تعتدل جالسة.. سعيدة جدا من أجل شعاع.. ولكنها في داخلها تعلم أنها أكثر سعادة أن عبدالله بعيد عن غضب والدها الذي تعلم كم يصبح مرعبا حين يغضب!! *********************************** " متى تبينا نمشي؟؟" كانت كاسرة توجه الخطاب لكساب الذي يضع رأسه في حضنها وهما يجلسان على الأرجوحة الخشبية الضخمة.. أو بمعنى أصح هي من كانت تجلس على الطرف تماما بينما هو يتمدد على طول الأرجوحة.. هتف لها بهدوء: بنتعشى أول وعقب بنمشي.. ثم أردف بخبث باسم: لا تخافين ياحضرة المديرة.. بتروحين بكرة الشغل وتنكدين على الموظفين..وتنبسطين.. شدت شعره بخفة حانية وهمست بابتسام: دامني مانكدت عليك ماني بمستانسة.. شد أناملها من فوق رأسها وهو يتحسسها بحنو : تدرين أصابعش على رقتها لو أعصرها شوية.. شوية بس.. بتنكسر.. أجابته بذات الابتسام: حشا مهوب أصابع لا تكون بسكوت.. قبّل جانب سبابتها وهو يهتف بابتسامة: بسكوت وأحلى من البسكوت.. صمتت وهي تشد أناملها برقة لتعبث في شعره بذات الرقة.. تنهدت.. كيف يكون تأثيره عليها بهذا الحجم والضخامة بينما هو لا يشعر بها؟؟.. همست كأنها تريد إبعاد ذهنها عن التفكير: كسّاب عمرك انضربت.. كساب اعتدل جالسا وهو يهتف باستنكار باسم: نعم؟؟ ابتسمت: سمعتني عدل.. عمرك تهاديت مع حد وانضربت؟؟.. ابتسم: أنتي شايفتني جيمس بوند وطايح في خلق الله؟؟ وإلا تبين تشمتين فيني؟؟ أجابته بذات الابتسامة الرقيقة: جاوب بدون ماتتهرب.. أجابها بعفوية: ترا أنا لين قبل كم سنة.. يمكن جسمي يقرب من جسم تميم.. ويمكن تميم أعرض مني بعد.. بس أعترف أني من صغري فتّون.. ما أعيل على حد.. بس لا هديت.. ما أنمسك..( الفتّون=الذي يتحمس في العراك بجدية) بس من حيث أني قد انضربت في هدة.. إيه انضربت ضرب الكلاب.. رفسوني لين قلت بس.. حينها ضحك: ولو تعرفين عشان من؟؟ يا عشانش.. ياعشان أمش.. يا عشان خدامتكم..يا عشان حد جاي يزوركم.. همست كاسرة باستغراب باسم: من جدك؟؟ هتف بذات الابتسامة: كنت يا أولى ياثانية جامعة.. وإبي طلب أوصله بيتكم يبي يزور جدش.. سيارته في التشييك.. وسيارته الثانية كان رايح عليها علي.. المهم نزلته.. وهو دخل وأنا بأمشي.. إلا أشوف سيارة داخلة في حوشكم وتتبعها سيارة ثانية.. لا ويقط الرقم عند الباب وهو يشوفني واقف.. أنا عاد ولعت.. ورحت أتبعه.. لين وصل بيتهم.. يوم نزل.. نزلت وراه وهديت عليه.. ووين يوجعك.. بس عقبها طلعوا علي اللي كانوا في مجلسهم كلهم.. ورقوني لين حبيت القاع.. بس كان عادي عندي لأني أصلا بردت خاطري فيه قبل يطلعون علي.. ابتسمت كاسرة: كذاب.. تراني ماصدقت ولا كلمة ياجيمس بوند على قولتك.. هز كتفيه باسما: لا تصدقين.. المهم تعجبش السالفة!! ابتسمت كاسرة: كسالفة عجبتني.. ثم أردفت بنبرة مقصودة: وخاطري نتكلم في سالفة ثانية.. اجابها بجدية: قولي.. همست بذات جديته: سالفة أنك ماتشوفنا نصلح أباء.. حينها هتف بغضب: أنتي صدق غاوية نكد.. شايفتنا رايقين إلا لازم تجيبين طاري ينكد علينا.. أجابته ببرود متحكم: ينكد عليك بروحك.. أنا شفتك رايق.. قلت وقت مناسب نتفاهم فيه.. مادريت أنك بتشب كذا.. كساب يتنهد وهو يهتف بحزم: وأنا ما اعترضت على أنش تصيرين أم لو الله بغى لنا.. بس أنتي لازم تنتزعين مني اعتراف غصبا عني إنه حن أباء مافيه مثلنا.. خلاص لا تزعلين ماراح أدخلش معي.. أنا واحد بأكون أفشل أب في العالم.. وأنتي مالش شغل في رأيي.. ويا الله امشي.. خلينا نرجع الدوحة!! *************************************** " خالتي وش اللي صار لها؟؟ " جميلة ارتمت في حضن مزون وهي تنتحب: كله مني.. كله مني.. منصور بحزم رغم القلق المتصاعد في روحه: بس يا جميلة.. أمش دخلت شهرها.. وكان متوقع تولد في أي وقت.. مزون التي وصلت للتو وهي تركض وأنفاسها مقطوعة همست لعمها وهي تحتضن جميلة: خالتي طيب وش أخبارها الحين؟؟ منصور بإرهاق متوتر: يأبيش كلام أنا ما أفهم له.. بس الولادة متعسرة شوي.. مزون بمودة: خلاص عمي أنت روح البيت.. أنا وجميلة موجودين.. روح للبيت أول ماتولد بنتصل لك.. منصور بحزم: مستحيل.. أنا قاعد في استراحة الرجال أي شيء تبونه دقوا علي.. منصور غادر لاستراحة الرجال.. وهو يحاول إخفاء عظم توتره وقلقه.. يقتله القلق على عفرا أكثر من الجنين بكثير بكثير.. فهذا الجنين يمكن تعويضه لو أراد الله.. ولكن عفراء لا تعويض عنها.. لم يستطع حتى الجلوس وهو يظل واقفا.. بينما مزون جلست مع جميلة وهي تحتضن كتفيها وجميلة تخفي وجهها في كتف مزون وتنتحب ومزون تهمس لها بحنان: جميلة شا اللي صار؟؟ جميلة بين شهقاتها: زعلت مني واجد عشان خليفة طلقني.. وتقول أنا السبب.. وظلت تصارخ وتصارخ وعقبه نزل معها الماي.. جبناها هنا وقبل شوي طلعت علينا الدكتورة.. تقول توها ما انفتح إلا ثلاثة ونص سانتي.. والطلق ضعيف.. والجنين أصلا مابعد نزل في الحوض.. قالت بيعطونها طلق صناعي.. ولا ماتيسرت بيسون لها عملية.. حينها انفجرت جميلة في بكاء هستيري: والله العظيم لو صار لأمي أو جنينها شيء.. أشلون بأقدر أعيش؟؟.. مزون تهدئها وهي تربت على ظهرها: بس حبيبتي.. ادعي لها.. ولا تحملين نفسش شيء مهوب ذنبش!! ************************************** "شعاع ليش مارحتي مع أمي.. الخدامة كان نامت عندي أنتي وراش بكرة مشوار وعقبه الجامعة" شعاع بتوتر: أصلا لو رحت البيت كان استخفيت من التفكير.. متوترة وخايفة.. بأموت من الخوف.. جوزاء بمودة باسمة: ترا الفحص مايحتاج ذا التوتر.. إلا لو أنتي متوترة من اللي ورا الفحص.. وإلا قولي من كثر منتي شفقانة على بكرة تبين تكونين قريب من ابي.. هذا هو حذفة عصا في المستشفى اللي جنبنا.. يعني ماراح يطول لين يجيش بكرة.. شعاع تكاد تبكي: تدرين أنش سخيفة.. ثم حاولت أن تردف بتماسك: تكفين جوزا لا تكلميني عن بكرة.. قولي لي وش صار بينش وبين عبدالله يوم جا.. ماعلمتيني.. جوزاء بتوتر أخفته خلف ثقة مصطنعة: ماصار شيء.. شرح لي السالفة كلها.. واتفقنا أقعد عندكم في البيت شوي لين ارتاح من الوحم.. شعاع بتساؤل: أي سالفة؟؟ جوزاء ابتسمت: سالفة خاصة بيني وبين رجّالي.. وش عليش أنتي يا الملقوفة؟؟ خلينا نتكلم عن مسيو علي أحسن؟؟ شعاع تفتح الكرسي الذي يتحول لسرير وتتمدد عليه وهي تهتف بغيظ: قلت لش أنش سخيفة.. ولا عليش مردود!! ************************************ " خطبة ومن وراي.. ماكني بأخ هذا الكبير ولا ولدك الكبير" زايد بحزم: مافيه داعي تسويها سالفة.. حن كنا رايحين نجس نبض الرجّال بس.. والرجّال الله يكبر قدره.. كبّر قدرنا ووافق على طول.. كسّاب بغضب: زين بلغوني.. عطوني خبر.. علي بتهدئة: كساب الله يهداك.. أنت كنت رايح المزرعة.. وأنا والله العظيم دقيت على جوالك ولقيته مسكر.. وشاهد العقد على خير أنت.. كساب تنهد: على العموم ألف مبروك مقدما.. أنا وش أبي إلا توفيقك.. ابتسم علي: زين وعشان ماتعصب بعد.. وتقول ماعلمتوني.. خالتي في الولادة.. ووديت مزون لهم قبل شوي.. يعني لا جات بشارة الولد لي نصها.. حينها ابتسم كسّاب: الله يقومها بالسلامة.. ولك بشارتين مهيب وحدة... بشارة دخولك السجن معي.. وبشارة ولد عمي إن شاء الله وإلا بنته.. ********************************** صعدت لغرفتها.. بينما بقي هو مع والدته في الأسفل.. لا تنكر أنها متوترة.. بما أنه بدا لطيفا وودودا هكذا.. فلابد أنه يريد ثمنا لهذا.. استحمت واستبدلت ملابسها والهواجس تأخذها للبعيد: " زين سمور مهوب أنتي اللي تقولين لروحش لو بغانا نكون أسرة طبيعية ماعندي مانع.. شكلش كنتي تقولين كلام في الهوا لأنش كنتي عارفة إنه عايفش الحين شفتي الرجّال تلحلح.. جاتش حالة رعب!! يا الله ياكريم تعدي ذا الليلة على خير اليوم من أوله ما أدري أشلون جاي" كانت تمشط شعرها أمام المرآة حين دخل.. توترت أكثر.. بينما سلم هو ثم توجه لمكتبه.. وجد أنها أعادت ترتيب كل شيء بتنظيم جديد.. أشار لها بتساؤل: أنتي رتبتي كل شيء من جديد.؟؟ وقفت لتتجه للحاسوب.. لكنه أوقفها وهو يشير بتقصد: لا تصيرين سخيفة.. توش في المطعم أشرتي لي.. تبين ترجعين تطبيعين الحين؟!! حينها وجدت بالفعل ان حركتها ستبدو سخيفة.. أشارت له بتوتر: إيه رتبتهم من جديد.. عشان اليوم مادريت أنت وش تبي.. قلت يمكن ترتيبهم معفوس.. حينها أشار لها ببساطة : لو سألتيني بشكل مباشر كان جاوبتش.. لأني خلاص أي سؤال تطبعينه لي ماراح أرد عليه.. يعني دامش تعرفين الإشارة ليش تبين تعذبيني كذا؟؟ أجابت بتوتر: توني باقي إشارات كثيرة ما أعرفها.. أجابها بذات البساطة وهو يتوجه للحمام: اللي ماتعرفينه بنتعلمه سوا.. ونعلمه عقب لعيالنا.. حينها شعرت سميرة كما لو كانت ضُربت على رأسها بقوة ارتعشت بتوتر: " والله أنك منت بخالي يا تميم!! عيالنا مرة وحدة!! " سميرة أنهت قيامها ووردها بسرعة وهي ترتعش.. واندست في داخل السرير وهي تغطي جسدها كاملا كان حينها هو من يصلي قيامه.. كانت تحسب في ذهنها من معرفتها لوقت صلاته وورده.. أنه الآن انتهى.. بدأ جسدها يرتعش بعنف.. ماذا لو قرر أن ينام جوارها؟؟ لم تستطع أن تنام وتوجسها ورعبها يزددان.. وهو لم يحضر.. لم تستطع أن تبقى في هذا التوجس أكثر لابد أن تقطع الشك باليقين!! حينها رفعت عينيها ولم تجده في غرفة النوم أساسا.. اعتدلت جالسة لتطل ببصرها على غرفة الجلوس المفتوحة على غرفتهما لتجده قد نام فعلا على أريكته.. حينها لم تعلم أتشعر بالراحة أو الإهانة.. الراحة لأن هذا فعلا ماتمنته.. أن ينام لتمضي الليلة بسلام.. والإهانة لأنها شعرت أنه يستهين بها وبأنوثتها المفترضة.. *************************************** " تدري أني اشتقت لك يا الخايس!! يومين ماشفتك.. كنهم سنتين.. شكله لا تزوجنا على خير بأخليك تقدم استقالتك من الجامعة وأنا من المستشفى عشان أقعد مقابلتك بس" كانت عالية تقف أمام سرير عبدالرحمن وهي مطمئنة تماما.. فهي مرت جوزا صباحا قبل دوامها لتحضر لها فطورا أصرت والدتها أن تذهب به معها.. حينها رأت شعاع تستعد للخروج وعلمت من جوزاء أن والدها سيأخذها للفحص.. أغرقت شعاع بالكثير من التعليقات التي جعلت شعاع تبكي.. ولكن سبب روح المرح المتدفقة أنها كانت سعيدة جدا لأنها ستذهب لرؤية عبدالرحمن فورا ولن تنتظر حتى صلاة الظهر.. بل وستراه مرتين أخريين اليوم.. لم تهتم أن الخادم كان موجودا... فهي لا صبر بها.. وعلى العموم هي كانت ترتدي البالطو الأبيض.. هل سيميز الخادم من تكون؟؟ لكنها لم تستطع أن تطيل لأن الخادم سألها بأنجليزية سليمة: من أنتِ؟؟ هل أنتِ من الطاقم الطبي المهتم بحالة عبدالرحمن؟؟ عالية في داخلها: " الدب مهوب هين.. طلع هندي مثقف!!" أجابته بالإنجليزية: نعم.. وهي تسجل ملاحظات على ورقة كانت معها.. ثم تغادر وهي تدعو على الخادم الذي كدّر على زيارتها التي تمنت أن تكون طويلة قليلا.. *************************************** " يا الله يا مزون.. طولت واجد!! من البارحة لين اليوم وهي تتعذب.. خلاص ليش ما يولدونها بعملية ويريحونها من البارحة والماي نازل عليها.. خايفة البيبي يصير له شيء" مزون تربت على كف جميلة وتهمس بإرهاق: خلاص الممرضة قالت لي إنه الجنين نزل طبيعي في الحوض وبتولد طبيعي.. والماي اللي نزل معها ترا مهوب كله.. نزل شوي بس.. جميلة بتأثر: ياربي يهونها عليها.. خلاص ماعاد فيني صبر.. بعد دقائق خرجت الممرضة وجهها يتهلل بشرا: ولد.. ولد.. بوي.. وماما زين.. مزون وجميلة كلتاهما قفزتا.. جميلة انخرطت في بكاء حاد بينما مزون فتحت حقيبتها وهي تمد الممرضة بما معها وتهمس بسعادة حقيقية: الله يبشرش بالخير.. الممرضة بابتسامة: وين بابا؟؟ مزون تضحك بسعادة: لا بابا مالش شغل فيه.. جاش اللي يكفيش.. بابا خليه علينا.. جميلة لم تستطع الوقوف وهي تدفن وجهها بين كفيها وتستمر في البكاء.. بينما مزون تناولت هاتفها وهي تتصل بعمها وتحاول إخفاء فرحة صوتها: عمي تعال برا أبيك شوي منصور خرج لها كان وجهه مسودا من القلق الذي بدا يتحول لرعب مع طول الوقت الذي قضته عفراء في الولادة لشدة ارهاقه لم ينتبه لألق الفرحة في عيني مزون بل كل ماخطر له مزيدا من الرعب. هتف بجزع: خالتش فيها شيء؟؟ ابتسمت مزون بسعادة حقيقية: فيها إنها صارت أم زايد رسميا.. ويدك على البشارة!! لم يهتم أنه كان في الممر وهو يخنق مزون باحتضانها ويهتف بسعادة حقيقية مجنونة: أبشري بالبشارة. أبشري بها.. أقدر أشوف عفرا الحين؟؟ مزون تخلصت من حضنه بحرج وهي تهمس بسعادة: عمي اللي يهداك وش تشوفها.. ممنوع تدخل أنا بأدخل الحين عندها وبأطمنك عليها *************************************** " ها وش الأخبار البارحة عقب ماجا حبيب القلب عند الدكتورة؟؟ بصراحة حركته خــــــطـــــــيـــرة!! وأتصل لش عقب جوالش مسكر.. وين رحتي؟؟" كاسرة همست وهي تنظر للأوراق أمامها باهتمام: رحنا عقب للمزرعة!! فاطمة تتناول الأوراق من كاسرة وتعطيها أوراق أخرى وتهمس بمرح: يا أختي يأختي على الحركات الرومانسية!! كاسر بحزم لم يتبدَ فيه ضيقها الواضح: أنا مثلش غبية حسبتها حركات رومانسية.. أثاري الأخ يبي يطق من الدوحة بكبرها عشان بنت خالته راجعة البارحة مع رجالها.. وأنا أقول غريبة وش طرا عليه ذا العزومة..؟؟ فاطمة باستنكار: عيب عليش كاسرة.. وش ذا الكلام؟؟ عمر عقلش ماكان صغير كذا؟؟ كاسرة تقف وهي تتناول ملف من الخزانة المجاورة وتعود لتفتحه وتهمس حينها بضيق فعلي لا يعبر حتى عن مدى الضيق الذي تغلغل في روحها: أحاول فاطمة مايكون عقلي صغير.. وأنتي عارفة إن ذا الكلام مستحيل أقوله عند حد غيرش.. بس صُغر العقل غصبا عني يحضر.. يعني مالقى يعزمني بروحنا إلا اليوم اللي هي جاية فيه..!!! لا وأزيدش من الشعر بيت.. تطلقت وهي عادها في المطار.. يعني صارت حرة.. فاطمة لو شفتي بس الساعة اللي كان جايبها لها.. على كثر الهدايا اللي يبجيبها لي..مافيه هدية جات نص قيمتها.. أنا والله ثم والله مايهمني الشيء كشيء مادي.. لكن اللي موجعني إن غلا الهدية من غلا راعيها.. ********************************** " ها وش الأخبار ياعروستنا؟؟" كانت جوزا تسأل شعاع التي دخلت للتو وأنفاسها مقطوعة.. شعاع تجلس وهي تزفر بصوت عال وكلماتها تتبعثر من الجهد المبذول: يعني مالقوا يحطونش غير في آخر طابق.. ست طوابق على الدرج طالعة نازلة.. يا ربي بأموت.. وين الماي؟؟ زينب عطيني ماي.. جوزا تنهرها وهي تشير للخادمة ألا تحضر شيئا: لا تشربين ماي وأنتي كذا.. خذي نفسش أول وارتاحي.. وعقب اشربي!! شعاع تاخذ أنفاسها المتطايرة: ياربي يا جوزا.. إحراج إحراج.. لا وتخيلي كان معي في نفس المكان.. سمعت أبي يكلمه.. وهو الظاهر يقول لابي يروح.. وهو بيكمل كل الإجراءات بروحه.. حسيت وجهي ولع من معرفتي إنه قريب مع أني ما أدري وينه.. ولو حتى شفته ماعرفته!! ثم أردفت وهي تنظر حولها: حسون ماجاء..؟؟ جوزا تنهدت: عالية عقب ماطلعتي كانت تقول لي إنه راح للروضة فديت قلبه وعقب إبيه بيجيبه هنا.. ياربي بأموت اشتقت له فديت عويناته.. ********************************* " منصور بس الله يهداك.. من جدك تحبب فيه كذا!! توه على ذا الحبب كلها.. والله العظيم جرثمته الحين" كانت عفرا تهمس بإرهاق كبير لمنصور الذي كان يحمل ابنه بحذر ويقبل جبينه ويديه الصغيرتين.. وهو يهتف لها بابتسامة سعيدة عميقة: تراني ما أسمع وش تقولين!! وإلا تدرين تراني أسمع ومطنش.. ابتسمت جميلة وهي تتناول الصغير من بين يدي منصور وتهمس بسعادة عميقة: يمه خلي عمي منصور على راحته.. مسكين من البارحة لين اليوم وهو على قعدته.. خليه يحب ذا النملة على راحته!! أنهت عبارتها وهي تضعه جانبا على الأريكة لتدخل يديه ثم تعدل لفته جيدا ثم ترفعه وهي تقبله أيضا بعمق.. عفراء بتذمر باسم: قولي أنش تدافعين عن عمش منصور عشان ما أقول لش شيء لا حبيته.. بس حرام عليكم توه ماله ساعات وتحبونه كذا.. جميلة تعاود تقبيله قبل أن تضعه في سريره وهي تقرص خده بلطف وتهتف بغنج طبيعي: ترا كله إلا نملة مفعوصة.. احمدي ربش ماكلته في لقمة وحدة.. ربما كان قدوم هذا الصغير نعمة من رب العالمين.. بعد خليفة كانت تشعر أن حياتها أصبحت خاوية لدرجة الرعب..لم تستطع احتمال هذا الإحساس لدقائق ولكن هاهي تشعر بها فجأة ممتلئة بهذا الصغير إلى حد التخمة.. لم تنكر خوفها الداخلي العميق الذي كانت تشعر به أن تشعر بالغيرة منه.. ألا تحبه كما تتمنى.. وكما تستحق أمها وعمها منصور.. ولكن حينما وقعت عيناها عليه للمرة الأولى حين دخلت على أمها في غرفة الولادة.. مخلوق مرزق متغضن.. عرفت أن قصة غرام طويلة ستربطها بهذا المخلوق الرائع.. من يستطيع أن يرى هاتين اليدين الصغيرتين والعينين المنتفختين المغلقتين ولا يقع في غرام صاحبها على الفور؟؟ عاوت تقبيله مرة أخرى وهي تهمس لوالدتها بشقاوة: خلاص أخر مرة يمه لين الساعة الجاية.. وعقبه حسبة جديدة... حينها كان منصور ينهي اتصالا وهو يقف: كساب وهله طالعين من الدوام وكساب يقول مافيه صبر لين العصر عشان يشوف زايد الصغير.. عشان كذا هم جايين الحين.. عفراء همست بذات ارهاقها العميق: حياهم الله.. جميلة أشارت للمضيفة التي كانت تقف في الزواية البعيدة أن تتقدم وهي تعطيها تعليماتها ثم تهمس بعفوية: يمه أنا بأروح الحمام لين يروح كساب.. ثم غادرت للحمام فعلا.. وكان منصور على وشك الخروج أيضا حين طرق الباب عمال التسليم الذين أحضروا سلتين ضخمتين من الورد والشكولاته.. وكانوا يدخلونها بينما عفراء شدت الغطاء على وجهها حتى غادروا منصور قرأ البطاقة ثم ابتسم وهو يغادر.. ويهمس لعفراء بمودة: حبيبتي.. لا راحت مرت كساب دقي علي.. أدري أنش تعبانة وتبين تنامين.. بس بأشوفكم دقيقة أنتي وزايد الصغير وأمشي وأخليكم ترتاحون.. بعدها بدقائق.. طرقت كاسرة الباب ثم دخلت.. وهي تتقدم لتقبل رأس عفرا وتتحمد لها السلامة بكل مودة.. عفراء همست بابتسامة مرهقة: عقبالش يأمش عاجلا غير آجل.. ابتسمت كاسرة بمودة: إن شاء الله.. ثم همست وهي تتلفت حولها: ماعندش أحد.. عفراء بعفوية: جميلة في الحمام يوم درت ن كساب بيجي.. ومزون راحت البيت قبل شوي مع علي.. حينها توجهت كاسرة للباب وهي تفتحه وتشير لكساب أن يدخل.. كساب دخل ليتألق وجه عفرا بنور خاص.. تذكرت كيف كان هو أول طفل تضمه لصدرها.. فرحتها بطفلها لم تختلف عن فرحتها به.. ابتسمت بذات الإرهاق: هلا والله أني صادقة.. ابتسم وهو يميل ليقبل جبينها.. ثم يميل ليبحث عن كفها ليقبلها ولكنها شدتها قبل أن يفعل هتف بكل المودة الخالصة: الحين ترحبين عشان تقنعيني إن كرتي ماطاح.. إلا طالح وطاح وطاح.. همست عفراء برقة: ماسمعت الشاعر يقول.. وما الحب إلا للحبيب الأولي.. ابتسم كساب وهو يشد مقعدا ليجلس بالقرب منها: كلام شعراء مايوكل عيش.. قبل كتفها بذات المودة الخاصة بها وهو يهمس بحنان قريبا من أذنها: الحمدلله على سلامتش يا الغالية.. ومبروك زايد.. ثم رفع صوته: وعقبالي أنا وكاسرة نجيب زايد بعد.. كاسرة شعرت بغيظ شديد منها.. ليس بسبب كلمته.. فهي ستؤخذ على نحو عفوي.. ولكن لأنها تعلم أنه ليس سوى كذاب كبير لا يريد زايدا أو سواه!! همست حينها كاسرة بذوق: عسى ماتعبتي ياخالتي؟؟ ردت عفراء بإرهاق: شوي يأمش.. الحمدلله على كل حال.. أهم شيء إن البيبي طلع سليم.. كساب وقف وهو يهتف بمودة: خالتي أدري أنش تعبانة وبنخليش ترتاحين.. ثم أردف وهو يوجه الحوار لكاسرة: يا الله كاسرة.. نمشي؟؟.. عفراء بمودة: اقعدوا تقهوا.. كساب برفض: لا خالتي فديتش بنمشي.. همست كاسرة بذات ذوقها المدروس: دقيقة كساب بأسلم على جميلة وأجيك.. أجابها كساب بعفوية: خلاص بأروح أشوف عمي أدري إنه ينتظر برا.. ولا طلعتي دقي علي.. كاسرة لو كانت ستحكم عواطفها المقلقة لم تكن لتطلب السلام على جميلة.. ولكنها تعرف الأصول جيدا.. وتعلم أن من أقل مستلزمات الذوق أن تسلم على جميلة بعد هذه الغيبة الطويلة.. وليست هي من تقصر في واجب.. أو تسمح لمشاعر غبية أن تظهرها بمظهر غير لائق.. المضيفة طرقت الباب لتخرج جميلة.. كاسرة وقفت لتسلم وإحساس الخطر في داخلها يتعاظم بلا هوادة حين رأتها.. هي شعرت بالغيرة منها حينما رأتها المرة الماضية وهي محض فتاة مريضة وبرفقها زوجها.. فكيف وهي تراها بهذا الحسن مع اكتمال عافيتها ومن غير زوج!! كان حسنها ظاهرا ومرتويا لأبعد حد.. رغم الإرهاق الواضح عليها وأثر البكاء على وجهها.. ولكن ليست كاسرة من تسمح حتى لنفسها أن تبدو في موقف ضعف.. رحبت بجميلة بذوق رفيع وحماسة مدروسة دون افراط أو تفريط.. وهي تهنئها بسلامة أمها وقدوم المولود.. همست جميلة بابتسامة صافية: الله يسلمش.. وباركي لي بولدي.. لأنه خلاص زيودي أصلا حقي بروحي.. ابتسمت كاسرة باحترافية: الله يطرح فيه البركة ويجعله عبد صالح.. الحين اسمحوا لي.. بأرجع لكم مرة ثانية الليلة إذا ارتاحت خالتي عفرا باجي أنا وأمي وأختي ومرت تميم إن شاء الله.. وهي تغادر وقعت عيناها على البطاقة التي يتلوى عليها خط كساب الفخم الأنيق ولم تهتم وهما في المحل أن تقرأ ماكتب لأنها ظنتها تهنئة تقليدية: "الحمدلله يأم زايد على السلامة.. ومبروك قدوم زايد.. أخيرا بردتي قلب العقيد.. من أبو وأم زايد بن كساب قريبا إن شاء الله" شعرت بكثير من الألم.. حتى متى وهو يستهين بمشاعرها لهذه الدرجة..؟؟ لماذا يريد أن يبدو أمام أهله كما كان ملهوفا على انجاب طفل..بينما يعرف هو وهي الحقيقة؟؟ تعبت من كل هذا.. تعبت فعلا!! ************************************* " تعال حبيبي حسون تعال أغديك!!" هز رأسه رفضا بينما جوزا تهمس لوالدتها باحترام: خلاص يمه فديتش أنا بأغديه.. أنا مافيني شيء.. أم عبدالرحمن برفض: والله ماتنزلين من سريرش.. أنتي بروحش مافيش حيل من كثر ماتزوعين.. ثم أردفت لحسن: تعال يأمك غداك كذا بيبرد.. هز رأسه رفضا وهو يقفز للسرير مع أمه: أبي ماما.. وإلا بابا.. أم عبدالرحمن بمودة: ياقليل الخاتمة.. حتى جدتك اللي ربتك ماعاد لها كرت.. ثم أردفت بحزن: وإلا ليش أتشره عليه.. ماعاد شاف من جدته وجه راضي.. الله يزينها!! جوزا تبتسم: يمه فديتش ماعليش من حسن.. أنا باغديه.. عدا إن عبدالله أرسل لي مسج إنه أكل في الطريق وهو جايبه كيك وعصير.. ذكرها اسم عبدالله بألمها المتزايد.. أخبرتها عالية اليوم إنه مشغول تماما في قضيته مع زوجته السابقة.. لا تنكر أنها شعرت بألم عميق.. وأنها كان يجب أن تكون جواره.. حتى لو لم يكن بحضورها يكون بمساندتها.. ولكنها حتى المساندة شحت بها عليه.. ماذا تفعل وهي عاجزة عن المسامحة.. كما لو أنها تُضرب على رأسها للمرة الثانية والضربة الأولى مازالت لم تشفى... أخرجها من أفكارها سؤال والدتها: شعاع متى تخلص محاضرات اليوم؟؟ جوزاء تنظر لساعتها وتهمس بثقل: بعد شوي يمه!! أردفت أم عبدالرحمن بتوتر لا تعلم له سببا: زين إنه بكرة ماعندها جامعة.. لأنه فاضل ملزم.. لو خلصت الفحوص اليوم.. يملكها بكرة!! ************************************ " راح عليش علي.. كنت أبي أصيده لش.. بس صارت السالفة كلها بسرعة.. سبحان الله نصيب شعاع!!" ابتسمت وضحى وهي تعدل وضع نقابها وتنظر للمرأة ثم تنظر لكاسرة المبتسمة التي كانت تجلس أيضا بعباءتها في انتظار نزول والدتها وسميرة ليذهبن جميعا لزيارة عفراء: حلوة ذي تصيدينه.. يكون فار بتصيدينه للقطوة.. على قولتش هو نصيب شعاع.. وشعاع تستاهل كل خير.. والطيبون للطيبات.. سبحان الله لما كنتي توصفين لي طبايعه.. كنت كأني أشوف نص شعاع الثاني.. مافيه حد نقي وشفاف وطيب وحساس مثلها.. كاسرة بمودة: فعلا شعاع تستاهل كل خير.. بركات دعوات عمتي اللي جابت لها علي.. ثم وقفت وهي تهتف بتساؤل باسم: أبي أعرف أمي وسميرة وش أخرهم..؟؟ الثنتين صايرين صمغ وغطاه.. لازم مع بعض.. لا وحدة منهم تفقد الذاكرة.. سميرة تضحك وهي تنزل الدرج وخلفها مزنة: سامعتش ياسوسو.. وتراني ماني بايحة منش عشان تدخلين النار.. كاسرة تبتسم: لا تبحين مني سمورة هانم.. هذا أنتي سمعتي بأذنش.. ************************************** " وين كنت فهد؟؟ صار لي ساعة أنتظرك ميت جوع أبي أتعشا وكلهم مايبون عشا!!" فهد ينظر لهزاع بابتسامة واسعة: كنت في الدوحة شريت شكولاته وورد عشان يوديها المحل لهل حضرة العقيد في المستشفى.. العقيد جاله ولد اليوم.. هزاع يضحك: اللي يشوف شدوقك يقول الولد جاي لك أنت.. فهد بذات الابتسامة: أكيد.. ليه أنت عندك شك.. زايد بن منصور أصلا ولد الكتيبة كلها.. ثم أردف بتساؤل وهو يضرب كتف هزاع بخفة: إلا أنت وش أخبارك ويا التدريبات؟؟ هزاع يزيل غترته ليظهر رأسه الخالي من الشعر تماما وبه عدة إصابات وهو يضحك: اليوم حك القائد شعري بنفسه.. يقول أني أبي تأديب.. عشان تقدمت في الصف كم سانتي.. المشكلة إنه شعري كان يا الله طالع.. وهو مصر إني مطول شعري.. فهد بجدية: تستاهل.. صار لك الحين خمس شهور من يوم دخلت الكلية ما أنت بعارف توقف في الصف.. هزاع بابتسامة مرحة: جانا حضرة النقيب بفلسفته.. من بيفكنا منه..؟؟ حاضر سيدي أبشر.. عُلم.. *********************************** " كساب رجاء لا تنام هنا.. روح نام في مكان ثاني!!" كساب باستنكار: نعم.. ووين تبيني أنام يعني؟؟ كاسرة اعتدلت جالسة وهي تسند ظهرها لظهر السرير وتهتف بحزم: والله احنا ساكنين في ملعب مهوب غرفة.. دور لك مكان ونام فيه غير جنبي.. حينها هتف كساب بغضب: وأنا متى فرضت نفسي عليش؟؟ أو جبرتش على شيء ماتبينه؟؟ كاسرة بذات الحزم المتمكن ولكن مغمور بنبرة وجع حقيقية: كساب أنا الليلة ما أبي أشوفك جنبي حتى.. يا أخي حاسة أني مكتومة منك.. صار لك يومين ضاغط على نفسيتي وأعصابي حاسة أني ابي تايم أوت منك لو سمحت.. حينها نهض كساب من جوارها وهو يهتف ببرود بالغ الحزم: حاضر يا مدام.. بأريحش من شوفتي.. بأطلع من الغرفة كلها.. بأروح أنام عند علي.. خلني أشاركه الليلة الأخيرة من حريته.. قبل مايدخل خنقة السجن بكرة.. ************************************* " أنتي صاحية.. توش مالش ساعة من تملكتي.. وجاية ناطة عندي!!" شعاع تبتسم بخجل ووجهها يحمر بتلقائية: تدرين كان ودي أتدلع وأسوي روحي مستحية.. بس شأسوي مع حالتش.. ماخلتيني أتدلع.. من اللي بيعابلش إذا استحيت.. أمي ذابحتها الشحنة لعبدالرحمن نزلتها عنده وجيت أنا والخدامة.. حينها تسائلت جوزاء: زين وينها الخدامة؟؟ شعاع تتلفت حولها: حسبتها جات قبلي.. لأني طلعت على الدرج وهي على الأصنصير لأن معها أغراض.. ثم ضربت رأسها وهي تتذكر: يوووه الغبية هذي أول مرة تجي معي.. وما تعرف حتى رقم الغرفة.. الحين وين ألقاها.. أنا بأنزل تحت.. لو هي تفتهم بتنتظر عند الباب اللي دخلنا معه.. جوزاء بحنان: شعاع ياقلبي مالحقتي ترتاحين توش طالعة ست طوابق بتنزلين بعد؟؟ شعاع وهي تعدل وضع نقابها على وجهها وتتناول حقيبتها وتهمس بتذمر: وش أسوي زين.. المسكينة الحين حايسة مع أغراضها.. بأروح أدور لها.. شعاع نزلت الطوابق الستة بسرعة.. وهي تنزل الدرجة الأخيرة من الطابق الأرضي.. ألتوى كاحلها لشدة استعجالها.. جلست على الدرجة وهي تكاد تبكي من الألم.. ثم شعرت أن شكلها محرج وهي تجلس هكذا.. قررت الوقوف وهي تتحامل على نفسها ولكنها كانت تتحرك بصعوبة.. يستحيل أن تصل للباب الخارجي.. ويستحيل أكثر أن تعاود صعود الدرج.. قررت حينه أنه لابد من ركوب المصعد.. مهما كان رعبها من المصاعد.. فلايوجد أمامها سواه.. قررت أن تتصل أولا بالسائق حتى يعود ويبحث هو عن الخادمة.. ثم توجهت لمنطقة المصاعد ووقفت بجوار سيدتين كانتا تنتظران ركوب المصعد.. وكان هناك شاب وحيد يقف في الزاوية ويكلم في هاتفه.. حين انفتح المصعد ركب هو أولا.. ثم ركبت السيدتين خلفه وشعاع تتبعهما وهي لا تشعر بشيء سوى ألم كاحلها.. وهي تنزوي إلى آخر المصعد.. وتضغط على زر الطابق السادس.. . . . . قبل ذلك بحوالي عشرين دقيقة " اسمع ياعريسنا.. أنت الحين نزلني.. وعقب دور لك موقف.. مع إن خالتي ملزمة علي أجيبك في يدي يعني إن شكلك بيتغير عقب ماصرت رجّال متزوج" علي يوقف سيارته أمام الباب لينزل كساب .. ثم يذهب ليبحث عن موقف أكثر من ربع ساعة مرت قبل أن يجد له موقف ثم ينزل.. ويتوجه لمنطقة المصاعد.. وهو هناك وصله اتصال من كساب: وينك يأخي.. خلاص أنا بأروح.. خلصني!! علي باستعجال: هذا أنا جايك.. عند الاصنصيرات الحين.. حين انفتح المصعد القريب منه.. ركب.. لتركب خلفه ثلاث سيدات.. ضغط على زر الطابق الخامس وهو معتصم بمكانه قريبا من الباب.. ودون أن ينظر إلى ماضغطن السيدات.. ليتفاجأ هو والصبية في آخر المصعد أن السيدتين نزلن في الثالث ولم يتبق في المصعد سوى هما الاثنان.. انتظر أن تنزل الصبية الثالثة ولكنها لم تنزل.. وهي حين انتبهت أن المصعد عاود الإغلاق والشاب لم ينزل.. أخذت تضغط لوحة التحكم من عندها.. وهو يضغط لوحة التحكم من عنده.. وكلاهما يريد أن يفتح الباب.. فلا هي تريد البقاء مع الشاب وحيدة.. ولا هو يريد أن يبقى مع امرأة في مكان مغلق لوحدهما!! وكما هو معلوم.. مصاعد مستشفى الولادة كما مصاعد مستشفى حمد.. مزودة بلوحتي تحكم للأزرار.. أحدهما في أول المصعد والثانية في آخره.. هو كان يضغط زر الفتح بقوة.. وهي لارتباكها تضغط زر الإغلاق بذات القوة.. وماحدث أن المصعد لم ينفتح ولم ينغلق.. بل أطلق أزيزا خافتا ثم انتفض قليلا ليعلق ويتوقف تماما بين الطابقين الثالث والرابع... #أنفاس_ قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والخمسون شعاع حين علمت أن المصعد تعطل.. شعرت أن أعصابها أُصيبت بالشلل.. " يعني طول عمري مرعوبة من المصاعد ويوم قررت أركب يتعطل فيني لا ومعي رجّال وبروحنا" تناولت هاتفها وهي ترتعش برعب حقيقي.. حاولت الاتصال بجوزاء.. ولكن الإرسال عن مقطوعا في داخل المصاعد كالعادة.. ألقت حقيبتها أرضا لأنها كانت عاجزة حتى حمل نفسها وهي تتسند بظهرها على آخر المصعد.. وتمنع نفسها من التفكير بشيء حتى ألم كاحلها الذي نسته في خضم رعبها.. وهي تشد له نفسا عميقا وتكثر من الدعاء.. علي حين توقف به المصعد.. كان خاليا إلا من شعور حرج أن المصعد أغلق عليه ومعه امرأة لوحدهما تناول هو أيضا هاتفه بثقة ليتصل بكساب.. ليجد الإرسال متعذرا أيضا.. اتصل بطلب نجدة المصاعد المعلق في المصاعد.. ولكن لم يجبه أحد.. شعاع حينما رأت الرجل يتصل ولا أحد يجيبه.. بدا ارتعاشها يتزايد ومحاولاتها لعدم التفكير تتبخر وبدأت تشعر أن جدران المصعد تتقارب لتطبق على أنفاسها.. ثم جلست على الأرض وهي تضم ركبتيها لصدرها وبدأت ترتعش بشكل فعلي واضح وهي تحاول منع نفسها من البكاء أمامه.. علي صُدم من ردة فعلها المبالغ فيها.. هتف بنبرة تهدئة بصوته الهادئ العميق: يا أختي اذكري الله.. أنا أتصل والحين بيردون علي.. لا تخافين من شيء.. هذا ظرف طارئ وأنا حسبة أخيش.. حاول الاتصال مرة أخرى أمامها علهم يجيبون فتهدأ.. ولكنهم لم يجيبوا.. حينها بدأت تصرخ.. وهي تصيح بنبرة مختنقة: بأموت والله العظيم بأموت.. تكفى يأخي كلمهم.. واللي يرحم شيبانك كلمهم.. علي بدأ يتوتر من حالتها غير الطبيعية " أكيد هذي خبلة!! الله يستر لا يصير لها شيء ومامعها في الأصنصير إلا أنا" شعاع بدأت تشعر بالاختناق الفعلي الناتج من رعبها الحقيقي من المصاعد.. وهي ترا علي يتصل مرة بعد مرة ولا أحد يجيبه.. والوقت يمر واختناقها يتزايد ويتزايد.. لم تشعر بنفسها إلا وهي تشد نقابها عن وجهها لأنها ماعادت قادرة على التنفس أبدا.. علي حين رأى المرأة أزالت نقابها عن وجهها أشاح نظره عنها بشكل كامل وهو يوليها ظهره.. ويتصل مرة أخرى.. هذه المرة أجابوه.. هتف علي باستعجال: الأصنصير معطل.. ومعي وحدة تعبانة أجابوه بقولهم: شفنا العطل يأخوي.. استحملوا بس ربع أو نص ساعة بالكثير.. لأنه فيه واير محترق ولازم نغيره... والأكسجين عندكم يكفي..وبيكون فيه طاقم إسعاف واقف عند الباب.. علي هتف لشعاع بنبرة تهدئة ودون أن ينظر ناحيتها: ربع ساعة ..نص ساعة بالكثير ويفتحون لنا.. حينها قفزت شعاع أمامه وكل تفكير لديها يتعطل وهي تصرخ بهستيرية: وش نص ساعة والله العظيم بأموت..بأموت.. أنت ماتفهم.. بأموت.. ثم بدأت تبكي بهستيرية وكل محاولاتها لمنع نفسها من البكاء تنهار: بأموت والله العظيم ماني بقادرة أتنفس.. بأموت.. بأمـــوت.. بــــأمـــوت... علي لم يستطع أن يرد عليها بشيء .. فالتفكير كله طار والكلمات كلها تبخرت.. منذ صافحت عيناه صفحة وجهها.. شعر كما لو أن ماسا كهربائيا كاسحا ضرب قلبه في منتصفه تماما.. لينثره أشلاء رآها تتطاير أمامه في فضاء المصعد !! شعر أن هذا الوجه كان يرافق أحلامه منذ الأزل..وقلبه يذوي مع انفعالها.. أما حين بدأت بالبكاء.. فهذا القلب المجنون بدأ يتداعى بصورة مؤلمة غير طبيعية.. كان نظره كله مركز على وجهها.. يحاول أن يشيح بنظره فلا يستطيع.. يحاول أن يبعد نظره عنها.. فيجده يعود لها مرة أخرى.. ينظر لارتعاش شفتيها.. وكيف تخرج كلماتها من بينهما مبعثرة كتبعثر السكر.. ينظر لعينيها المغرقتين بالدموع..التي بدت له بحيرة تفيض بحبات الكريستال الصافي الذي تعلق بأطراف أهدابها.. ينظر لخديها المحمرين المبللين كخدي طفلة!! "يا الله ..هل هناك هناك مخلوقة عذبة ورقيقة كهذا؟؟" حاول أن يشيح وهو يقول لنفسه: النظرة الأولى لك والثانية عليك.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. ولكنه لم يستطع أن يشيح بنظره عنها .. كما لو أن هناك شيء أقوى منه يجبره على ذلك.. ينظر لها وهي ترتعش وتبكي كطفلة خائفة.. وبباله خاطر واحد مجنون: ماذا لو أخذها في حضنه ليسكن جزعها وارتعاشها الذي يشعر به يذيب كل خلية في جسده..؟؟ ليكتمل جنون هذا المشهد بشعاع تفقد وعيها.. وربما كان هذا رحمة بها لأنها لو بقيت بوعيها أكثر لفقدت عقلها.. علي حين رأها تميد وكأنها ستفقد الوعي.. أمسك بها.. لأنه كان يعلم أنها ولو وقعت دون إسناد على أي من زوايا المصعد الحديدية فإن إصابتها ستكون جسيمة.. وكان من المفترض.. أنه حين أسندها.. أن تنتهي مهمته وأن يتركها ممدة على أرض المصعد.. ولكنه لم يستطع تركها للأرض وهو يسندها إلى حضنه هو: " هذي حرام تلمس القاع القاسية جسمها.. يمكن تنخدش من رقتها.." " تدري أنك استخفيت ياعلي.. استغفر ربك.. البنية حرام عليك.. ومسكتك لها حرام.." رغم كل شعوره بالحرج مما يفعله والفتاة ممدة في حضنه.. ولكنه لم يشعر بالأثم وألم الذنب الذي يشعر به أصحاب القلوب الصحيحة حين يرتكبون أدنى ذنب.. كان يشعر أن مايفعله هو حق مكتسب وحقيقي وأصيل.. كانت ممدة في حضنه.. فاقدة للوعي.. وهي تتيح له بذلك فرصة مراقبتها بحرية.. لم يحاول حتى إيقاظها.. أراد فقط أن ينظر إليها بتمعن.. وكأن الله سبحانه يمنُّ عليه بذلك حين جعلها تفقد وعيها.. كل تفاصيل وجهها الطفولي العذب.. وانحناء ذقنها منحدرا لامتداد لعنقها.. بل حتى شعرها الحريري.. لأن شيلتها سقطت مع سقطتها.. كان وجهها خاليا تماما من أي زينة عدا مرطب شفاه ملمع بلون زهري خفيف.. ومع ذلك بدت له أجمل مخلوقة رآها في حياته.. رأى في حياته آلاف الأشكال اللاتي قد يكنَّ أجمل منها فعلا.. سافر لعشرات البلدان ورأى مختلف أشكال النساء.. لم تحرك واحدة فيه أدنى إحساس.. حتى إصراره على جميلة كان من محبته لخالته واعتزازه إنها تربت في بيتهم.. فما مصدر غرابة وقوة وعمق إحساسه بهذه المرأة المجهولة التي تتمدد في حضنه في موقف لم يكن ليخطر له ببال أبدا؟؟ ماهو السر في هذه المخلوقة؟؟؟ شعر كما لو أنه في حياته كلها كان ينتظر شيئا مجهولا لا يعلم ماهيته وهاهو يجده الآن.. ولا يعرف كيف.. حاول جاهدا ولعدة مرات أن يبعدها عن حضنه ليمددها على الأرض.. ولكنه لم يستطع فعل ذلك.. كما لو أنه يخشى على رقتها أن تكسرها قسوة الأرض فعلا.. لم يستطع إبعادها عنه لأن عينيه كانتا عاجزين عن الابتعاد عن مدى وجهها كما لو أنه مأسور بسحر أزلي استعصى على الفك.. لم يعلم كم مضى من الوقت وهو مفتون بمراقبتها فقط.. كان يريد إبعادها عنه فإذا به دون أن يشعر بنفسه يرفعها قليلا عنن حضنه ليضمها لصدره بخفة.. ولكنه انتفض بجزع حقيقي.. وهو يفلتها ويكثر من الاستغفار والدعاء لله أن يقويه على شيطانه.. ولكنه لم يستطع إلا أن يعيد الكرة مرة وهو يشعر أن رائحتها أسكرته تماما..وأوقفت كل تفكير عقلاني لديه.. هذه المرة احتضنها بقوة رغما عنه.. وهو يشعر أن قلبه يبكي..يبكي فعلا.. ينزف دموعا لا حدود لها.. ولا يعلم لماذا؟؟ أ خوفا من ذنب مافعله؟؟ أم رهبة قربها؟؟ أسند ذقنه لرأسها وهو يتنفس عطر شعرها بعمق.. يحاول جاهدا قهر نفسه ليفلتها.. ولكنه لم يستطع.. لم يستطع.. كما لو أن روحه ستغادره لو تركها.. أي جنون أصابك ياعلي وفي دقائق معدودة فقط؟! ضمها أكثر وهو يشعر بليونة جسدها تذيب كل أعماقه.. كما لو أن تفاصيل عظامها الرقيقة تنطبع بعلامات من نار على كل نواحي جسده.. بدأ هو يرتعش بعنف كالمحموم تأثرا من قربها الذي قلب كل كيانه.. كإعصار هائل مر في لحظات ليقلب كل شيء!! أفلتها قليلا وهو مازال يرتعش بذات العنف ليملأ نظره من وجهها.. يعلم أن المصعد سيفتح قريبا.. رغم أنه تمنى ألا ينفتح أبدا.. أراد أن يتزود من كل تفاصيلها.. كان وجهها قريبا جدا منه.. وشفتاها اللتان ماتزالان ترتعشان بخفة تبدوان غاية في العذوبة إلى درجة التعذيب.. أقترب منها أكثر.. وكان على وشك أن يفعلها.. لولا أنه انتفض بعنف.. وهو يهز رأسه بعنف رافض.. وينـزلها أخيرا على الأرض !! ويقفز بحدة مبتعدا عنها وهو يلهث بذات الحدة: استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. وش كنت بأسوي الله يلعنك يأبليس؟؟؟ "والله العظيم ..إني عمري كله وأنا أدور لها وعقبه ألقاها في نفس اليوم اللي أتزوج فيه!!" كان علي على وشك أخذ حقيبتها.. كان يريد أن يبحث فيها عن أي اثبات لها حتى يأخذه ليعرف كيف يتوصل لها فيما بعد.. فهو يستحيل أن يتركها بعد أن وجدها.. ولكنه قبل أن يتناول الحقيبة.. تحرك المصعد بسرعة ثم انفتح .. وقف علي جانبا.. بينما المرضات دخلن وهن يحاولن إفاقتها.. بينما علي يهتف برجاء عميق: تكفون غطوها.. كان يشعر بغيرة عميقة أن يرى رجل آخر مارآه هو.. بل مايعتبره بكل جنون حق له وحده!! كان يريد أن يتبع الممرضات ليتعرف على اسمها.. ولكنها مع إيقاف الممرضات لها بعد أن جعلناها تشم شيئا في داخل الأكسجين.. نهضت من إغماءتها وهي تتناول حقيبتها وتغطي وجهها بطرف شيلتها و تهرب وهي تعرج.. الممرضات طلبن منها التوقف ولكنها كانت تشير بيدها: مافيني شيء.. مافيني شيء.. أراد علي أن يتبعها ولكن كان هناك العشرات متمجهرين حول المصعد ينتظرون رؤية من اُغلق عليهم المصعد..فقدها بينهم.. ركض في أنحاء الطابق الرابع حيث انفتح المصعد.. لم يعلم أنها تركت الطابق كله وتوجهت للدرج.. بقي يدور كالمجنون في الطابق.. ثم استند إلى الحائط وهو يلكمه ويكاد يبكي قهرا.. كيف اختفت هكذا..؟؟ كما لو أنه وجد حلمه الذي كان يبحث عنه حياته كلها.. ثم سمح له أن يتبخر أمامه كسحابة صيف.. وَقَته هجير الشمس لثوان ثم ارتحلت للأبد ليحترق من الشمس التي كان قد اعتاد عليها.. لأنه يستخدم واق منها هو قلبه الخالي.. ولكن قلبه الآن ماعاد بين يديه.. أخذته وفرت به.. فكيف سيحتمل؟؟ بدا له الأمر فوق احتماله.. لأنه ليس أمرا في استطاعة البشر.. بل هي قدرة رب العالمين الذي حكم عليه بهذا الامر المهول الذي يمزق روحه بطريقة غير إنسانية!! وهو في وقفته.. رن هاتفه.. كان كساب هو المتصل.. هتف له علي بنفس مقطوع: كساب ما أقدر أجي لخالتي.. تعال لي أنت في الطابق الرابع.. لم يستغرق الأمر دقيقتين ليصله كساب وهو يهتف له بقلق: وش فيك؟؟ علي بإرهاق: تعبان شوي.. أبي أمشي للبيت.. وأبيك أنت تسوق.. وهما في السيارة.. كان كساب يسأله ولكن علي لم ينتبه مطلقا لما يقول.. فباله وتفكيره لم يكونا معه إطلاقا.. هتف كساب بنبرة مقصودة وهو يحاول كتمان غضبه وهو يهز كتف علي بعنف: علي وش فيك منت بطبيعي!! علي انتفض بخفة: مافيني شيء.. مرهق شوي قلت لك.. كساب بذات النبرة المقصودة التي أصبحت أقرب للغضب وهو يضرب جيب علي على صدره بقسوة: والشيء ذا هو سبب إرهاقك؟؟ حينها التفت علي لما يشير له كساب كان لونا زهريا فاتحا يلوث جيبه تماما.. لم يربط علي وهو يجيب بعفوية: ما أدري من وين جا الوسخ ذا؟؟ حينها أوقف كساب السيارة وهو يلتفت بحدة لعلي وينفجر بغضب متفجر فعلا: وسخ؟؟ أنت مفكرني بزر تلعب عليه.. أنت نزلتني في المستشفى ووين رحت ذا كله يا قليل الأصل.. علي بجزع غاضب: أنا قليل الأصل؟؟ كساب بذات غضبه المتفجر وهو يلكم عضد علي بقوة: إيه قليل أصل وماتستحي.. ومافي وجهك ذرة حيا.. تقول لي وسخ ..وهي داعسه خشتها في صدرك.. لا وجاي بكل وقاحة لين المستشفى عقبها.. حينها انتبه علي أن مابصدره هو بقايا ملمع شفاهها.. حينها لمسه بكل خفة وهو يهمس بوجع كأنه يحادث نفسه: مكان شفايفها..!! كساب كان يريد أن يشده خارج السيارة ليضربه.. ولكنه شد له نفسا عميقا وهو يمنع نفسه من التهور ويشغل السيارة ويهتف بحزم غاضب: وتعترف بعد..زين ياعليان.. خلنا نرجع البيت.. إما ربيتك من جديد ما أكون كساب بن زايد.. أنت ما تستحي على وجهك.. توك متملك مالك ساعتين.. يومك دروبك دورب خمل كذا ماكان خذت بنات الناس.. أموت وأعرف أشلون كنت داس علينا كذا.. أشلون كنت مسوي روحك الملاك اللي مايغلط.. علي حينها هتف بألم: وين راح تفكيرك.. أنا الله العظيم ماطلعت من المستشفى مكان.. علي حكى لكساب كل شيء.. فهو لن يحتمل وزر هذا الألم لوحده.. حينما انتهى من حكايته.. انفجر كساب ضاحكا وهو يهتف: تدري أني كنت أشك إنك خبل.. بس الحين تأكدت مافيه مجال للشك.. علي أجابه بألم حقيقي: داري أنك بتضحك علي.. واضحك مايهمني.. تدري ياكساب يوم شفتها تبكي هقيت إن الشاعر يوم قال: (وماذرفت عيناكِ إلا لتضربي...بسهميكِ في أعشار قلب مقتّل) إنه ما قالها إلا عشانها.. القلب من اللحظة اللي شفتها فيها صار قطع مكسرة.. وزادتها علي ألف مرة يوم شفتها تبكي.. كساب مازال يضحك: نعنبو دارك هذا كلام صاحين.. أنا أشهد أنك استخفيت.. أمحق دبلوماسي عقله أقل شيء يطيره.. علي بغضب: إيه كلام صاحين.. وبأدورها لين أعينها.. واتزوجها.. كساب يحاول أن يتماسك من الضحك: واشلون بتعينها.. المسكينة تلاقيها ارتاعت من المستشفى بكبره.. ثم أردف بتماسك جدي: وبعدين أنت واحد تزوجت خلاص.. عيب عليك ذا الكلام حتى لو كان نكتة.. علي بإصرار: أنا مستحيل أتزوج حد غيرها.. ثم أردف بألم: كساب حتى بعيد عن مشاعري اللي أدري أنها غبية وسخيفة وتضحكك.. البنت ضميتها لصدري.. وأعوذ بالله منك يا ابليس ماكان بين شفايفي وشفايفها إلا ستر ربي.. لين الحين أحس أنفاسها دخلت صدري ومارضت تطلع...وريحتها عبت رأسي.. وعقبه تقول اخليها!! في أي دين وشرع هذا؟؟ كساب حينها هتف بجدية صارمة مرعبة: عشانك بزر.. وقلبك معلق في مخباك.. اصطلب ياولد.. بنات الناس مهوب لعبة عندك.. شفت بنت بين إيديك في موقف ضعف.. وماقدرت تمسك نفسك منها.. سويت غلط كبير واجد.. لكن مهوب لدرجة أنك تحس أنك مسوي غلط تبي تصلحه.. البنت ماصار بينك وبينها شيء بالمعنى اللي لازم يتصلح.. إلا عاد لو أنت اللي تبي تحس إن غلطك لازم يتصلح.. خلك من خبال البزارين.. وإلا تدري روح افضح روحك أحسن.. وقول لأبيك أبي أطلق بنت فاضل عشان وحدة ضميتها في الأصنصير.. افضح روحك وافضح بنت الناس اللي ماتدري من هي.. اسمعني ياعليان زين.. حكي ياصلك ويتعداك.. والله ثم والله لا تهين بنت فاضل بن عبدالرحمن بأدنى شيء وإلا تفكر تخليها أن قد تشوف شيء عمرك ماشفته.. *************************************** " شعاع وش فيش.. نقزتي قلبي؟؟ اهدي وقولي لي" كانت شعاع تنتحب وترتعش بقوة في حضن جوزاء: يمه ياجوزا يمه.. تسكر علي الاصنصير مع رجّال بروحنا.. وكنت بأموت.. والله ما أدري وش هببت.. بس الأكيد إنه الرجّال شاف وجهي ويمكن شاف شعري بعد.. وعقبه أغمي علي.. ياويلي من ربي.. ياويلي من ربي.. الرجّال شاف مني اللي حتى رجّالي مابعد شافه مني!! جوزا تهدئها: خلاص شعاع ياقلبي.. أنتي مالش ذنب.. خلاص والله ماعاد تقعدين عندي عقب اليوم.. أساسا أنا بأطلع يا الليلة يابكرة.. وخلاص أنتي مالش قعاد عندي.. شعاع مازالت تنتحب وهي تحاول تهدئة نفسها: خلاص باقعد لين العصر.. بأخلي الممرضات يشوفون رجلي وبارتاح وعقب بأروح.. ***************************************** " الحمدلله على السلامة يأم زايد!! أنا أمس ماجيت لأن مزون قالت لي أنش تعبانة" عفراء تهمس باحترام جزيل: الله يسلمك.. وتلفونك يكفي..ماكان تعنيت.. زايد بفخامة : مايصير يأم زايد.. لو مهوب عشان زايد الصغير.. عشان بنتي جميلة..لازم أجي أتحمد لها السلامة جميلة تبتسم بمودة مصفاة: وجعل جميلة ماتبكيك.. قول آمين.. ثم أردفت بمرح: إلا سماوة زايد وينها؟؟ عفراء نهرتها: عيب يا بنت.. زايد يبتسم: عفرا وش فيش على البنية.. إنها صادقة.. تبون تسمون عليّ ببلاش.. عفراء بذات الاحترام العميق: اسمك بروحه سماوة.. زايد بمودة: سماوة زايد بتجيكم في البيت لا طلعتوا.. وماتبونها.. تراها لجميلة.. ثم أردف بتقصد: ولو أني زعلان منها واجد..على سواتها في سمي الغالي.. حينها انطفئت ابتسامة جميلة وهي تنكمش قليلا في مقعدها.. مزون شدت ذراع والدها وهي تهمس في أذنه :يبه مهوب وقته.. ثم أردفت بصوت عال: يبه ماتبي تشوف سميك.. همس في أذنها: ترا موضوع خليفة والله ما أخليه يعدي بالساهل.. حطي عندها خبر بذا الشيء.. ثم أردف مثلها بصوت عال: جيبو سميي أشوفه.. مزون وقفت لتحضر زايد الصغير ثم وضعته بين يدي والدها الذي حمله بحرص ووجهه يشرق قبل جبينه وهو يدعو له بالصلاح.. همست مزون بابتسامة: مهوب لو أنك تطيعني وتتزوج كان الحين عندنا ولد حقنا بروحنا بدل ماجميلة تحرني كل ماجيت أحبه.. زايد أعاد الولد لها ثم قرص خدها بمودة: وأنتي من جدش تبين مرة تشاركش في أبيش.. ابتسمت مزون: يبه فيه فرق بين المحبة والإنانية.. أكيد أني ما أبي حد يشاركني فيك.. بس لو بغيت تتزوج أكيد حقك.. لأنه أنت توك.. والمفروض سويتها من زمان مهوب ذا الحين.. وتدري يبه الدبة جمول حرتني.. خاطري في أخ صغنون لي بروحي.. مالي شغل.. ابتسم زايد وهو يقف: وهذا زايد الصغير حقكم كلكم.. وانتظري شوي وينترس البيت من عيال كساب وعلي إن شاء الله ********************************** منذ عاد من المستشفى وهو في حالة انعدام وزن تامة.. لم يستطع حتى الذهاب لعمله وباله مشتت هكذا.. لا يعلم أي عاصفة ضربت منتصف قلبه هكذا وهو يشعر به مفتت أشلاء.. خلع ثوبه.. وهاهو معلق أمامه.. وسيحتفظ به هكذا حتى آخر يوم في عمره.. عيناه لا تغادران مكان شفتيها التي لامست صدره... كلما تذكر ذلك شعر بنغزة حادة حقيقية في قلبه.. والأمر المؤلم أكثر لمشاعره الرقيقة وضميره الحي أنه يشعر أنه يخون المرأة التي من المفترض أن تكون هذه المشاعر لها.. أنه يخون شعاع..!! للتو صباحا كان يطبع توقيعه بجانب توقيعها الذي بدا مرتبكا متعرجا كما لو أن أنامل من يوقع ترتعش.. لماذا يُحكم عليه أن يحب بهذه الطريقة المجنونة.. ذلك الحب المجنون الذي يقال عنه "حب من النظرة الأولى"؟؟ يحب امرأة لا يعرف عنها شيئا وفي نفس الوقت الذي أصبحت مشاعره مقيدة لامرأة أخرى رسميا.. حين يفكر في سخرية كساب منه.. يجد أن كساب كان محقا في كل ماقاله.. فهو ليس أكثر من غبي سخيف من يحب بهذه الطريقة الطفولية الغبية؟؟ ولكن ماذا يفعل.. يعلم أن قلبه اللين ليس كقلب كساب المتحجر.. هكذا خلقه الله.. فهل يعترض على ذلك؟؟ هاهو يصلي العصر.. وقضى الوقت بين الصلاتين في دعاء وحيد: " يا الله ياكريم إن كان لي في هذه البنت خير فاجعلني ارآها.. إن كنت تعلم يا آلهي أن حياتي يجب أن تكون معها لا تحطم قلبي هكذا واجعلني آراها مرة واحدة فقط حتى أعرف من هي" علي قرر أن يتوجه للمستشفى وفي باله خاطر واحد إن كان الله راضيا عليه ويعلم أن في لقاءها مصلحته فهو سيعثر عليها حالا.. فهو لا يستطيع إحراج نفسه بالسؤال ولا بالوقوف في الممرات.. أما إن كانت هذه الفتاة ليست سوى مجرد اختبار من رب العالمين ليعذبه في هذه الدنيا فهو لن يعترض على ماكتبه الله له.. وسيبقى يتجرع ألم ولهه وعشقه غير المعقول.. ولكن زوجته ماذنبها؟؟ ماذنبها؟؟ فهو يعلم أن مايشعر به الآن يستحيل أن يكون شعورا وقتيا سيمضي مع الوقت بل هذا الشعور اخترق قلبه وأستولى على روحه حتى آخر قطرة.. يشعر أنه لا يستطيع التفكير بشيء عدا تلك المجهولة.. وكلما فكر بها شعّر بدقات قلبه تتسارع إلى حد الإجهاد وهو يشعر كما لو أن قلبه سيقفز من بين جنبيه.. ************************************* " صالح طالع الحين؟؟" صالح بتأفف: تكفين نجلا بدون تحقيقات.. طالبش.. نجلا بألم: يمه وش فيك شبيت فيني؟؟ كنت أبي أقول لك إني مجهزة فوالة العصر تحت.. ولو كنت بتتقهوى معي قبل تطلع.. صالح بنبرة تراجع نادمة: كله منش.. ماعاد خليتي فيني مخ يفكر.. على طول مخليتني متحفز كني في موقع اتهام.. همست نجلا بضيق وهي تنظر للأسفل: محشوم يأبو خالد.. حينها مد صالح يده وهو يرفع ذقنها ليقبل أرنبة أنفها ويهتف بابتسامة: مشكلة الغالي لا درا أنه غالي.. تغلى بزيادة!! حينها ابتسمت وهمست بمرح: يعني لو سألتك وين رايح منت معصب علي؟؟.. ابتسم وهو يربت على خدها: إلا بأزعل.. وأعصب بعد.. وين بأروح يعني؟؟ كانا ينزلان للأسفل حيث القهوة ونجلاء تهمس بنبرة مودة: أبي أروح الصالون بأغير شوي في شعري.. عندك مانع..؟؟ صالح بعفوية: لا حبيبتي ماعندي مانع.. **************************** لا تنكر أن توترها يتزايد منه..والأكثر استغرابها.. منذ ذهابهما للمطعم قبل أمس.. وتوجس عميق أصبح في روحها من ناحيته.. أصبحت تجيب على إشاراته بإشارات مشابهة.. ولكنه يشير لها في الحدود الدنيا عن أمور عفوية يومية.. تشعر أن حاجزا كبيرا بينهما انهار.. وهذا الإنهيار لابد أن يحدث بعده تقارب!! وهذا التقارب المفترض يقلقها ويوترها.. تجد نفسها غير مستعدة له إطلاقا.. لطول ما اعتادت على حياتها الساكنة معها.. حياة آمنة كانت تريحها.. لا تريد تغييرها.. فمع التقارب يحدث التعقيد البشري الناتج عن تعقيد المشاعر أمور هي في غنى عنها.. لكنها في ذات الوقت لا تستطيع منع تميم من حقه الذي هو سنة الله في خلقه.. أفكارها مشوشة.. وتميم بغموضه يزيدها تشويشا.. فلا هو من يصرح بما يريد.. ولا هو يظهر نواياه.. أو ربما كان كل هذا محض هواجس في عقلها هي وحدها وهو يتصرف بعفوية.. منذ أن غادر لصلاة العصر لم يعد.. تعلم أنه سيذهب لعمله.. رغم أنه لم يعد منه إلا وقت الغداء.. بالكاد غفا له نصف ساعة.. رن هاتفها.. كانت نجلا التي همست لها باستعجال: تروحين معي الصالون؟؟ سميرة بابتسامة: ماكنش يتعز على قولت خالي هريدي.. كان ودي بس عندي تصحيح.. إلا أنتي وش تبين بالصالون؟؟ نجلاء بعفوية: باروح أصبغ شعري... سميرة بصدمة: نعم؟؟ صاحية أنتي؟؟ حد عنده لون شعرش ويفرط فيه حرام تخربينه بالصبغات.. أنا أصلا أصبغ شعري عشان يكون نفس لون شعرش.. نجلاء بضيق: أقول ابي أسوي تغيير يمكن يعجب صالح!! سميرة بتحذير: ياويلش يا الخبلة تسوينها... أنتي أساسا ألف مرة قايلة لي إن صالح يموت في لون شعرش.. نجلاء بيأس: يجاملني.. صالح ماعاد يشوف فيني شيء عاجبه.. مايشوف إلا عيوبي.. يعني الحين شايلته وشايلة بيته.. والله العظيم حتى فنايله وسراويله مايعرف مكانهم.. كل شيء أنا أسويه له.. وعقبه يحاسبني إني أغار عليه.. وكني أنا مصدر الضيق الوحيد في حياته.. سميرة بتهدئة: خلي خلافاتش أنتي وصالح بعيد عن شعرش.. لا تصيرين خبلة.. أنتي الحين شعرش حلو وناعم.. بس يوم يدل الصبغات والله العظيم لا ينقلب حاله.. نجلاء بتصميم: قلت لش أبي أسوي تغيير.. وأنا استاذنت صالح ورخص لي.. ماتبين تروحين معي خلاص.. بأروح بروحي!! سميرة تنهدت بعمق.. يبدو أن لا أحد مرتاح في هذه الحياة.. فحتى أختها التي يبدو أنه لا مشاكل عندها.. تخترع لها مشاكل من تحت الأرض أو ربما كان عندها مشاكل فعلا لا تشعر سميرة بها "النار ماتحرق إلا قدم واطيها!!" وانشغال سميرة بحياتها جعلها تغفل النظر عن الإحساس بمشاكل أختها كما تشعر هي بها.. كانت تريد أن تحمل أوراقها لتنزل في الأسفل لتصحح عند مزنة حين وصل هاتفها رنة رسالة.. كانت من تميم.. توترت كما لو أنه سيقفز من الرسالة عفريت ما لو فتحتها.. سابقا لم تكن تهتم حين يصلها رسالة منه لأنها تعلم تماما ماهو المضمون.. " سأتأخر.. جهزي لي الأمر الفلاني" وفقط لكن الآن لأنها تشعر كما لو كان يلاعبها على الحافة فهي تخشى من كل خطوة..فتحت وأصابعها ترتعش: " افتحي درج مكتبي الأول" توجست.. وهي تتجه للدرج وتفتحه.. وجدت علبة مربعة مغلفة بتغليف راق جدا.. والشريطة عليها اسم محل مجوهرات شهير جدا.. وفوقها بطاقة.. فتحت البطاقة: " أعلم أني لم أهديكِ شيء طيلة الأشهر الماضية رغم أن كل شيء جميل أراه أتخيله ينير نحركِ أو معصميكِ أو أناملكِ ولكن لم أستطع أن أفعل ذلك سابقا.. كما تشجعت وفعلتها اليوم . أتمنى أن يعجبك ذوقي.. وأتمنى أكثر ألا تتعبي رأسك الجميل في البحث عن مبررات فالبحث عن المبررات يفسد دائما كل ماهو جميل!! " سميرة وضعت العلبة فوق المكتب وهي تنظر لها بفضولها العفوي الطبيعي: وش اللي تغير زين ياتميم؟؟ أول ماتقدر والحين تقدر!! الرجّال ذا بيجنني.. لم تقاوم طبعا فضولها في فض الغلاف وفتح العلبة ثم الانبهار فعلا بما في داخلها لا تعلم هل انبهرت لأنها لم تتوقع أن تكون الهدية بهذا الذوق والجمال.. أم لأنها لم تتوقع أن يكون عند تميم كل هذا الذوق الرفيع!! كان عقدا ماسيا ناعما دائريا بإحجار ناعمة متناهية في الصغر.. ولم تقاوم طبعا رؤيته على نحرها.. ارتدته بالفعل وهي تشعر كما لو كان قد صُنع لها خصيصا وهو يبدو مبهرا على نحرها الناصع.. في لك الوقت تماما وصلها رسالته الثانية: " أحلى من العقد لبّاسه عارف إن العقد الحين يلمع أكثر من لمعته لأنه كان له شرف ملامسة الطهر اللي مالمسناه" سميرة أعادت العقد في علبته بسرعة وهي ترتعش: يمه يمه سكني هذا.. وأشلون درا أني لبسته.. وش ذا الكلام اللي يروع اللي يقوله.. الرجّال شكله استخف رسمي.. ************************************ " كساب وين بتروح؟؟" لم يرد عليها وهو يضع أغراضه وملابسه في حقيبته والتي كانت في مجملها موضوعة في أكياس قماشية داكنة.. ويبدو واضحا أن بداخل كل كيس حذاء برقبة عالية.. وهو يصفها بعناية دقيقة داخل الحقيبة... أعادت السؤال بحزم: كساب لو سمحت جاوبني.. وين بتروح..؟؟ أجابها حينها بحزم: شايفتني أحط ملابس داخل الشنطة.. وين بأروح يعني؟؟ بأسافر.. همست بغضب رقيق: وبدون ماتعطيني خبر حتى..؟! حينها هتف بسخرية: تدرين كنت بأقول لش البارحة.. بس البارحة مرتي طردتني من غرفتي.... تخيلي!! سألت بحزم وهي تنظر له وتكتف ذراعيها: بتطول..؟؟ رد عليها بغضب: مالش شغل.. يعني أنش مهتمة طولت وإلا قصرت..؟؟ وإلا رحت في داهية..؟؟ كاسرة شدت لها نفسا عميقا ثم همست بتحكم: كساب هذا مهوب أسلوب تفاهم.. ضحك ضحكة تهكم: تدرين أول مرة أدري أنش تعرفين شيء اسمه تفاهم.. كنت أظن مافي قاموسش إلا شيء اسمه النكد.. حينها هزت كتفيها وهمست بثقة: أنت كساب تمام مثل اللي عيرني بعيارته وركبني حمارته.. تروح وترجع بالسلامة.. الله يحفظك من كل شر!! أغلق حقيبته وهو يتمتم: مع السلامة.. إذا بغيتي شيء دقي لي على خطي الثريا.. كان قد وصل إلى الباب وهي مازالت واقفة متكتفة بذراعيها وتمنع عبرة كبيرة تجمعت في حلقها من الظهور.. حينها أنزل حقيبته عند الباب.. وعاد ليشدها ويدفنها بكل قوته بين أضلاعه وهو يهمس في أذنها بنبرة غريبة.. خليط من حنان وكبرياء وشجن: والله العظيم واللي خلقني وخلقش أني ما أحب أزعلش.. بس ما أدري هل أنتي اللي تستفزيني.. أو أنا أساسا متحفز ما أحتاج استفزاز؟!! لم ترد عليه.. لأنها تعلم أنها إن تكلمت فربما تنفجر باكية.. وهي تفضل أن تموت على أن يعلم أنها تبكي لأنه سيسافر.. بل ولا يسافر والوضع بينهما مستقر حتى... بل مثقل بتعقيدات لا معنى لها ومحملة في ذات الوقت بكل المعاني.. وحتى لو كان الوضع مستقر.. فهي لا تحتمل بعده.. لا تحتمل.. البارحة لم تستطع النوم حتى لأنه كان بعيدا عنها لا تنتفس عبق أنفاسه.. كل ما استطاعت فعله أنها قبلت كتفه حيث مكان شفتيها ودون أن تتكلم.. حينها رفع رأسها ليقبلها بتروي ثم همس بحنان متدفق: زين على الأقل ابتسمي عشان أدري أنش منتي بزعلانة علي.. أجبرت نفسها على رسم ابتسامة متقنة ليبتسم هو أيضا بشكل عفوي.. ويقبل جبينها ثم يغادر.. توقف عند الباب ثم هتف بحزم: أربع أيام وراجع إن شاء الله.. ثم خرج وأغلق الباب خلفه.. حينها تأكدت من إغلاق الباب بالمفتاح.. وانفجرت في بكاء صامت مكتوم.. وهي تدفن وجهها في المخدة وكأنها تخشى أن تسمع هي نفسها صوت بكاءها!! متعبة بالفعل من هذه الحياة.. أن تحبه بهذه الطريقة الجنونية الخالية من أي منطقية.. مع أن المنطق كان يقول أنها يجب أن تكره شخصية متسلطة ومستفزة كشخصيته.. وبعد كل ذلك كل ما يفعله.. أنه يتلاعب بها.. يقربها حين يريد.. ويبعدها حين يريد.. وهي ليس أمامها سوى أن تتلهف لقربه.. أو تتألم لبعده.. تعبت فعلا.. تعبت.. مرهقة تماما وماعاد بها قدرة للاحتمال أكثر.. ماعادت قادرة على الاحتمال فعلا.. لو كان هناك بادرة أمل أنه قابل للتغيير كانت ستصبر حتى آخر العمر.. ولكن يبدو أنه مخلوق مستعصي على التغيير.. والمبرر الوحيد لهذا هو أنه لا يحبها.. تعلم أن بينهما المودة بل الكثير منها.. وإلا كيف تفسر اهتمامه بها.. ولكن هذه المودة لم تصل للحب ولن تصل.. هــي.. لأنها تحبه.. تغيرت كثيرا من أجله رغم أنها كانت تظن أنها يستحيل أن تتغير من أجل أحد.. ولكنها لا تستطيع أن تحيا مع استنزاف المشاعر والكرامة هذا الذي يبدو بدون أمل.. لا تستطيع.. لا تستطيع.. يبدو أنها وصلت لختام المرحلة التي كانت تعرف إنها قادمة لا محالة.. نهضت لتضع ملابسها الضرورية في حقيبة وتستعد هي أيضا للمغادرة.. كانت تعلم أن هذا ما سيحدث.. وكانت تعلم يقينا أن حياتها مع كساب لن تستمر.. حلمت بطفل يحمل بعضا من روحه ويبقى بين ذراعيها.. ولكن هذا الحلم يبدو أنه لن يتحقق.. وكأن الله عز وجل يرسل لها رسالة إنها تدفن نفسها في حياة عبثية مع شخص لايقدرها.. قد يبدو غريبا أنها تقرر الرحيل أخيرا رغم أن كساب غادر وهما يبدوان متصافيان ظاهريا.. ولكن هذا بالفعل ماتريده..!! لا تريد أن يكون آخر ما تتذكره من كساب.. قسوته أو حدته أو صراخه.. تريد أن يكون آخر ماتتذكره ملمس شفتيه وعبق أنفاسه ودفء أحضانه وحنان صوته.. وبما أنه متغيب على كل الأحوال.. فهي ستتجرع ألم غيابه حتى تعتاده!! *********************************** " على البركة ملكة علي.. السموحة توني دريت من ابي قبل أجي المطار وإلا كان كلمته وكلمت الوالد قلت لا رجعت كلمتكم" كساب يبتسم وهو يجلس مع غانم حول طاولة للقهوة بعد أن قابله في المطار وهو ينهي اجراءات السفر.. يرد عليه كساب بمودة: الله يبارك فيك.. ولا تعّذر ترا الملكة توها اليوم الصبح.. وعقبالك إن شاء الله.. غانم بابتسامة: أنا لا.. تو الناس.. كساب بابتسامة مشابهة: لا تو الناس ولا شيء.. أنت أساسا أكبر من علي يا الشيبة.. حينها هتف غانم بتقصد وهو يطرق الحديد وهو ساخن: السنة اللي فاتت خطبت عند ناس.. بس ردوني.. ومن كثر ماكنت متشفق على موافقتهم ماعاد لي خاطر في العرس كله.. حينها رد عليه كساب بنبرة مقصودة: ترا الحال من سنة لين سنة يتغير.. ما تدري يمكن لا خطبت الحين يغيرون رأيهم... ******************************* " يا الله يأمش.. الدكتورة كتبت لش خروج خلاص.. خلينا نرتب لش أغراضش" جوزاء كانت تجلس على المقعد وليس على السرير وهي تبدل ملابس حسن.. همست بإرهاق: زين مابغت.. شعاع حينها هتفت برجاء: زين يمه بأروح أشوف عبدالرحمن بسرعة وأرجع.. صار لي يومين ماشفته بأروح مع الممر الداخلي اللي بين المستشفيين وبأرجع بسرعة.. وانتو عادكم ترتبون الأغراض.. أم عبدالرحمن برفض: يمكن يكون عنده رياجيل الحين.. عدا إن رجلش توجعش أشلون بتمشين ذا المسافة كلها.. شعاع برجاء أشد: بأتصل في أبي لو عنده حد أو لا.. الشيء الثاني رجلي ماعاد توجعني ماشاء الله هنا ممرضة فلبينية فرتها لي رجعتها مكانها.. تقولين كن مافيني شيء.. . . . . كان يدخل مع الباب الرئيسي ويعبر الباحة وهو يشعر بدقات قلبه تتصاعد وهو ينظر ناحية المصاعد.. يبدو أنه سيقع في غرام كل المصاعد بلا استثناء.. ليلفت انتباهه امرأة قادمة من ناحية الدرج.. وتتجه للباب الجانبي المؤدي لمستشفى حمد داخليا عن طريق قسم الدخول.. هــي.. هــي.. هــــــــــي..كاد يجن لفرط سعادته.. هي.. عرفها بالحقيبة.. وبالعرج الخفيف.. حتى لو كانت عرجاء لا يهمه.. حتى لو كانت ابنة عائلة لا تناسبه اجتماعيا لا يهمه.. فهو يعلم أنها نصيبه.. هكذا دعا ربه.. والله استجاب لدعوته.. المعجزة حصلت أمامه.. كطيف أرسله الله عز وجل له.. تبعها عبر ذات الطريق.. ولن يفلتها هذه المرة !! ************************************* "يا الله يأمش.. خلينا ننزل لعفرا نسلم عليها قبل نطلع.. وباتصل في شعاع تنتظر عند ابيها لين نجيها.. عشان نقصر عليها المسافة" جوزاء تتأكد من وضع نقابها وتتناول حقيبتها وهي تشد كف حسن وتهمس بمودة: يا الله فديتش.. أم عبدالرحمن بحنان: أنا قلت لهم يرتبون غرفتش خلاص.. مشتهية شيء أكلمهم في البيت يسوونه..؟؟ جوزاء بحزم: لا يمه جعلني فداش.. لأني بأروح لبيتي.. أم عبدالرحمن باستغراب: وش غير رأيش وأنتي البارحة قايلة لي إنش بترجعين معي للبيت.. جوزاء بذات الحزم: أمس كنت تعبانة شوي.. بس اليوم طيبة وأبي أروح لبيتي.. # أنفاس_قطر# . .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الستون كانت تمشي بهدوئها المعتاد.. عدا أن كاحلها مازال يؤلمها قليلا وهي لا تريد أن تثقل خطواتها عليه.. كانت في البداية تمشي بعفوية وذهنها خال تماما.. ولكنها بدأت تشعر بالتوتر لأنها شعرت أن هناك من يتبعها.. أسرعت قدر ما استطاعت.. ولكنه أسرع كذلك.. والممر بين المستشفيين طويل جدا.. وشبه خال من المارة... حينها سمعت ذات الهمس الرجولي العميق الهادئ الذي سمعته اليوم صباحا: تكفين اسمعيني دقيقة.. أنا والله بأموت من الحرج.. ماسويتها وأنا مراهق أسويها الحين.. شعاع أسرعت في مشيتها أكثر وهي تشعر بالرعب والخجل وتكاد تنكفئ على وجهها.. دون أن تنظر ناحيته أبدا بينما همس لها بضيق: تكفين لا تحرجيني أكثر.. أبي أدري بس أنتي بنت من.. والله العظيم أن قصدي شريف.. شعاع حينها بدأت تشهق وهي تحاول الهرب.. وعلي كان على وشك التهور ليخبرها ما اسمه حتى تطمئن له.. لكنه رأى هذا التصرف خال من العقلانية تماما.. فهي قد تأخذ الاسم وتقدم شكوى معاكسة ضده.. حينها كيف سيكون موقفه أمام عمله وأسرته.. وحتى أهل زوجته المفترضة!! علي أصر عليها برجاء أشد كما لو أن حياته كلها تتوقف على جوابها: تكفين أنا حالتي حالة من صبح.. عقلي طار مني.. تكفين بس قولي لي أنت بنت من؟؟ شعاع بصوت مكتوم بين شهقاتها: تكفى ..أنا مرة متزوجة لا تفضحني.. لا تفضحني.. علي بصدمة كاسحة والكلمات تفر منه والدنيا تعتم أمامه وتتفجر بالسواد: مستحيل تكونين متزوجة.. مستحيل.. ماني بغبي ونفسي دنية لذا الدرجة.. وأنا دعيت ربي.. دعيته.. مستحيل يخذلني.. شعاع تزداد شهقاتها الخافتة رعبا: والله العظيم إني متزوجة..والله العظيم تكفى لا تمشي وراي.. تكفى لا تفضحني.. حينها توقف علي تماما.. بينما أكملت هي طريقها بذات السرعة.. كما لو أن كل عفاريت الأرض تطاردها.. وقف لأنه شعر كما لو أنه ذُبح في التو واللحظة.. ذبـحـتـه.. نحرته بدم بارد..!! أ تكون هذه آخرته؟؟ أن يتعلق بامرأة متزوجة؟؟ هو علي النقي الطاهر.. لا يجد من بين نساء الأرض إلا امرأة متزوجة ليهبها قلبه..؟! هو تجرأ على انتهاك حرمة ما ليس له ولن يكون حتى له.. وهو كان قد طمأن نفسه بأنه سيصلح ذنب ما ارتكبه!! فإذا كل دروب الأمل تُغلق أمامه تماما.. تماما.. شعر أن قدميه لا تحملانه فعلا.. وهو يشعر بأنفاسه تضيق وتضيق يتسند على أطراف الممر بثقل.. ليلاحظه شابان ماران فيهبان لمساعدته ليسقط مغمى عليه بين أيديهما.. ********************************** " هلا والله بالغالية أشلونش يأبيش؟؟" كاسرة تنحني على كف جدها لتقبله وهي تهمس بحنان عميق: لا قدك طيب أنا طيبة.. هتف بشجن: مافيه امهاب صغير جاي في الطريق يأبيش؟؟ ردت عليه بشجن مشابه: مافيه يبه.. ولا بيكون فيه.. أنا جيت وبأقعد عندكم خلاص على طول وهذا أنت أول حد أقول له.. وطالبتك ماتحلف علي.. ولا تجرب غلاك مثل المرة الأولة.. كل الناس أقدر عليهم إلا أنت... حينها هتف بضيق عميق: ليه يأبيش تسوين كذا.. كساب رجّال مافيه مثله!! همست بألم: أنت قلتها يبه.. رجّال مافيه مثله.. بس أنا أبي زوج بعد وأب لعيالي.. هي هكذا كاسرة.. أرادت أن تضع النقاط على الحروف.. تعبت من اللعب بين الأسطر الذي لا يشبهها... لم ترد أن تبدو قضيتها مموهة أو غير محددة الملامح.. بما أنها قررت الخروج من بيتها فهي لا تريد أن يصلح بينهما أحد ولا أن يتدخل أحد.. لأنها لم تقرر هذا القرار وهي تريد التراجع فيه.. أبدا.. ********************************* " يا الله شعاع وش فيش؟؟ طلعنا من المستشفى وأنتي حالتش حالة مابغيت أسألش قدام أمي" شعاع مازالت ترتعش من أثر مقابلتها مع (الرجل الغريب) الذي أوقفها في الممر: تدرين جوزا.. ولد آل كساب شكل وجهه نحس علي تونا ماكملنا 24 ساعة متزوجين والمصايب تحذف علي.. أولها ضاعت الخدامة.. ثم بغت تنكسر رجلي.. ثم تسكر علي الاصنصير مع رجّال.. وعقبه الرجّال ذا نفسه لاحقني قبل شوي وأنا رايحة لعبدالرحمن يقول لي أنت بنت من.. وغرضي شريف.. تخيلي الوقح.. جوزا بغضب: وليش ما اتصلتي لأبي يجيش ويأدبه.. شعاع بتماسك: يا أختي أبي اللي فيه مكفيه..والرجّال أصلا يوم قلت له أني متزوجة وقف وخلاني وأنا عقب اليوم حرمت أتحرك أي مكان بروحي.. أنتي قولي لي وش الأخبار عندش؟؟.. جوزاء تشعر بتوتر تحاول إخفاءه خلف هدوء صوتها: عادي لقيت عمتي وعالية تحت سلمت عليهم وأنا الحين في غرفتي بأرتب شوي.. الغرفة حايسة شوي وتبي ترتيب.. شعاع بعتب رقيق: أنتي مسز كلينر ماتعرفين ترتاحين.. توش طالعة من المستشفى تعبانة.. جوزاء تبتسم: إذا شفت المكان مهوب مرتب تعبت أكثر!! *********************************** " كاسرة أنتي أكيد استخفيتي.. يعني يوم ربي هداش ووافقتي على رجّال وهو صدق نعم الرجّال ما صدقتي يسافر عشان تطقين من بيته وش ذا الخبال؟؟ " كاسرة بحزم: يمه تكفين.. ما أبي حد يناقشني.. أنا ماخذت ذا القرار وطلعت من البيت وبلغتكم أني ماني براجعة عشان تحاولون تقنعوني أغير رأيي.. كساب رجّال والنعم.. لا ضربني ولا هانني ولا قصّر علي بشيء بس خلاص ماصار بيننا توافق والحياة وقفت بيننا.. مزنة بغضب: إلا بناقشش وأكسر رأسش بعد.. أنتي وش فيش متفرعنة ماكن وراش كبير.. الشيء طب برأسش سويتيه.. ما قلتي أشور أمي؟؟.. أخذ نصيحتها؟؟. صار لش شهور عند الرجّال وعمرش ما اشتكيتي منه.. على أول موقف بتخلينه مرة وحدة.. ثم أردفت مزنة بنبرة مقصودة كما لو أنه خطر لها شيء فجأة: أو يمكن إنش ساكتة على شيء صار لش شهور..؟؟ وكرامتش ماسمحت لش تشتكين وإلا تطلبين الشور.. وخلاص الحين ماعاد فيش صبر!! حينها أجابت كاسرة بضيق: هذا أنتي قلتيها بروحش.. تكفين يمه لا تلحين علي.. صدقيني اللي صار بيني وبين كساب شيء خاص.. لا يروح بالش بعيد وتظنين فيه شيء شين.. بس يمه خلاص أنا ما أبي أرجع مهوب لأن صبري خلص.. أنا كان ممكن أصبر على كساب عمري كله.. بس لأن وضعنا أنا وكساب وضع غير قابل للحل صدقيني.. ****************************** " هلا والله بالخال العزيز؟؟" نايف بمودة: هلا والله ببنت أختي العزيزة اللي باريس من عقبها ماكن فيها حد.. عالية بمرح: تدري إني اشتقت لك يا الدب!! ما أدري متى تخلص ذا الشهور الثلاثة عشان أشوف خشتش الشينة.. حينها هتف نايف بضيق: يمكن تكون أقل من 3 شهور.. برفيسوري عنده مشروع بحث كبير يبي يتفرغ له ويقول يبي يخلص من كل طلابه قبل يبدأ فيه.. فالحين بادي يغير في مواعيد مناقشاتنا.. عالية بسعادة: زين ليش تقولها وأنت محزن كذا.. المفروض تنبسط!! نايف بضيق: أنبسط على الخنقة والاكتئاب اللي ينتظرني في الدوحة..؟؟ حينها همست عالية بتهكم غاضب: وش رأيك زين تهاجر وتعيش في فرنسا حياتك كلها.. عشانك واحد ضعيف شخصية ما تقدر توقف خواتك عند حدودهم.. نايف بغضب: علوي تلايطي واعرفي أشلون تحشمين خالش.. يعني مادة اللسان عشانش مانتي بقدامي ألتش كف على وجهش يسنعش.. عالية بذات التهكم الغاضب: إيه وش عليه.. عليّ انفخ ريشك يا نويف.. أنت أصلا ماتقدر تنفخ ريشك إلا علي.. لكن خواتك تصير عندهم فار بين قطاوة.. يا رجّال اصطلب.. والله العظيم لا تصير حياتك كلها دمار دامك معطيهم وجه كذا.. ما أقول لك اقسى عليهم.. بس مافيه حد يسوي سواتك!! نايف بغضب: الشرهة علي اللي كلمتش أساسا.. ثم أنهى الاتصال وهو يغلق الخط في وجهها و يشعر بضيق عميق لسبيين: الأول أنه لا يحب أن يضايق عالية أو يحزنها.. كما لو أنه يضايق نفسه.. الأمر الآخر أنه غضب منها بينما هي محقة.. محقة تماما!! ************************************ " يمه أنا بأروح لغرفة استراحة المواليد بأطل عليهم شوي!!" عفراء باستغراب: تروحين ليه وأخيش هنا؟؟ جميلة بابتسامة: حاسة أني صايرة عزول 24 ساعة.. عمي منصور من كثر الزوار مايقدر يقعد عندش إلا ذا الساعة ويلاقيني صاكة عليه.. عفراء بابتسامة حانية: تعالي يا بنت بلا خبال.. جميلة رقّصت حاجبيها رفضا وهي تلبس نقابها وتغادر قبل وصول منصور.. حين وصلت لاستراحة المواليد.. انزوت وجلست في زواية الغرفة.. وانخرطت في بكاء حاد...!!! حينها كان منصور يدخل على عفراء بعد أن تأكد من عدم وجود أحد.. تلفت حوله وهو يتساءل: وين جميلة؟؟ عفراء بمودة: راحت قريب.. حينها اقترب وهو ينحني على رأسها ويهتف بفخامة حميمية: يعني أخذ راحتي!! ابتسمت عفراء: يعني المسكينة صادقة يوم تقول إنها صاكة عليك.. منصور توجه لسرير ابنه ليشرق وجهه وهو يقبله بحرص وحنان كبيرين ثم يشد له مقعدا وهو يقربه لأقصى حد من عفراء وهو يشد على كفها ويهتف بمودة حقيقية: جميلة مثل بنتي.. ولو أساسا بنتي في عمرها.. باستحي أحب أمها قدامها.. خوش دروس نوريها البنية.. ثم أردف بتساؤل: ماقالت لش شيء عن خليفة؟؟ عفراء بحزن: لا.. ذا الولد بيقعد حسرة في قلبي.. خلني لين أصح شوي وأكلمه بنفسي.. أصلا لو درا أني ولدت أنا متاكدة إنه كان كلمني بنفسه.. حينها اقترب منصور من عفرا وهو يهمس بخفوت خوفا أن تسمعه جميلة لو حضرت: تدرين إن زايد كلّم أحمد الليلة.. حينها انتفضت عفراء وهي تسأل باهتمام: وش قال أحمد؟؟ منصور بحزم خافت: بصراحة زعلان واجد هو وعياله.. زايد حاول فيه إنه خليفة يجي ويتفاهم معنا.. بس أبوه مارضى.. قال إنها صغرت قدر ولده اللي المفروض إنها احترمت إنه ولد عمها اللي خلى كل شيء عشانها.. وقال لو هي بغت تجي بنفسها وترجع لبيتها.. خليفة بيرجعها.. لأنه أصلا المطلقة عدتها في بيتها.. حينها انتفضت عفراء بغضب رقيق: لا منصور اسمح لي.. صحيح بنتي الغلط راكبها من ساسها لراسها لكن إني أخليها تروح هناك بنفسها.. لا وألف لا.. خليفة رجّال ماينقص من قدره ياتي لين مجلسك.. ثم يأخذ مرته.. حزتها بأخليها تروح معه غصبا من ورا خشمها.. لكن إني باكسر نفس بنيتي واذلها وأنا أوديها لبيتهم.. لا يا منصور لا ما عليه هي غلطانة بس الغلط ما ينحل بغلط.. البنية عقبها مهي بقادرة ترفع عينها في حد.. آسفة منصور أنا ماعينت بنتي في الشارع.. يبيها يدل بيتنا.. وحن مانبي منه عذر.. العذر من صوبنا.. لكن إني بأجبر خليفة عليها.. وأكسر نفسها لا.. هتف منصور بحزم: أصلا أنا قلت كذا لزايد.. وزايد قبلي قاله لأحمد.. قال له الغلط من صوب بنتنا اللي هي بنتكم.. بس خليفة هو اللي لازم يجي يأخذها.. حن شيبانه وهي بنيتنا اليتيمة.. هو أدبها وزيادة يوم طلقها وهم عادهم في المطار.. والحين مهوب منقص من قدره ياتي بس للبيت ويأخذها وحن اللي بنتعذر له بعد.. أنا ما أدري عن رأي خليفة.. بس إبيه عيّا بدون نقاش.. عفراء حينها همست بضيق: منصور أنا تعبت من كل ذا.. البنية صغيرة.. وتوها طالعة من مرض.. دام هذا ردهم.. ماني بضاغطة عليها بشيء.. خل بنتي عندي.. وخلها ترجع لجامعتها وتكمل دراستها .. وخليفة يدل طريقها لا بغاها.. ********************************* " علي حبيبي وش فيك؟؟ وجهك ماصع مرة وحدة؟؟ أجيب لك عشا؟؟" علي بإرهاق: ماني بمشتهي.. بس بأنام شوي وأقوم زين.. مزون تجلس جواره وهي تضع يدها على جبينه وتبتسم بشجن وقلق: هذي من فرحتك بالعروس سخنت.. رأسك دافي ياقلبي.. ابتسم بألم: الظاهر كذا.. مزون تقف وهي تهمس بقلق حقيقي: بأروح أجيب لك كمادات.. شد كفها ليجلسها وهو يهتف بذات النبرة المرهقة: مافيني شيء.. اقعدي بس.. كلت حبتين مسكن وبأقوم بكرة زين.. حينها همست بضيق: تدري إن مرت كساب خلت البيت.. علي بعفوية: عادي.. رايحة لهلها لين يرجع كساب من السفر.. مزون بذات نبرة الضيق: علي أنت تتذكر مرة وحدة راحت فيها لأهلها عشان كساب مسافر..؟؟ علي يعتصر ذهنه: ما أدري صراحة.. يعني أنا وش عرفني مرت كساب راحت وإلا قعدت!! مزون بنبرة قاطعة: عمرها ماسوتها.. حتى لو طولت السهر عندهم.. ترجع وتنام في غرفتها.. عقب ماتمر علي مثل ماكساب يسوي.. حينها اعتدل علي جالسا وهو يشعر بدوار طفيف.. لأنه لم يتناول أي شيء منذ البارحة هتف باهتمام: وش تقصدين يعني؟؟ مزون بألم حقيقي: أنا ما أقصد شيء.. أنا متأكدة.. لأني كلمتها أبي أشوف وينها.. ردت علي بكلام ماريحني.. إنه حن دوم خوات.. وإني أنا وابي وخالتي عفرا بنظل هلها لو مهما صار.. بعدها ماسألتها عن شيء.. لأني فهمت هي وش تقصد.. حينها هز عليّ كتفيه وهتف بثقة: ما ألومها!! مزون باستنكار: ماتلومها.. تخلي كساب وماتلومها ؟؟!! علي بثقة: يمكن من محبتش لكساب تشوفينه خالي من العيوب.. لكن مهما كان أخينا غالي.. خلينا نعترف إنه مليان عيوب.. يعني المرة وش تبي؟؟ تبي رجّالها يحسسها باهتمامه فيها.. إن هي الأولوية في حياته.. حتى لو ماكانت هي فعلا الأولوية وش بيضره لاحسسها بذا الشعور الحلو.. رسول الله صلى الله عليه وسلم وش وصلى في وصيته الأخيرة قبل موته.. قال: رفقا بالقوارير.. يعني المرأة قارورة أقل شيء يمكن يكسرها.. لكن أخيش كان يتعامل مع مرته كإنها مدرعة.. يضربها بصواريخه ومايبيها تتأثر.. ثم أكمل وصوته يرتفع بغضب: يتأخر معنا في السهر عمري ماشفته رفع التلفون وقال لها أنا بأتاخر.. عمري ماسمعته يقول لها حبيبتي في التلفون ولو حتى على سبيل الغلط.. لو صار وقلبت في تلفونه عمري مالقيت في صادر رسائله رسالة غزل وحدة لها كلها رسايل رسمية كنها رسايل مدير لموظفة عنده.. يمكن تقولين وهي مثله.. بأقول بعد ما ألومها.. لأنه هو اللي لازم يبادر.. هو اللي لازم يحسسها بأهميتها في حياته عشان هي تتصرف بالمثل.. حينها هتفت مزون بغضب: وانت اشفيك شايل على أخيك كذا..؟؟ علي بذات نبرة الغضب: ماني بشايل منه.. بس أقول لش لا تلومينها.. البنية عداها العيب.. وزين إنها صبرت على كساب ذا كله.. غيرها ماتسويها مع معاملته الزفت.. وخصوصا أني أسمع إن شخصيتها قوية واستقلالية.. كان يرتعش فعلا وهو يتكلم.. هاهو يكاد ينفجر حبا.. ومع ذلك يستحيل أن يعثر على من يتدفق حبه لها ليغرقها في هذا الفيض الذي أغرق روحه.. بينما شقيقه الغبي كانت أمامه على الدوام من تستحق مشاعر الوله والعشق والغرام ولكنه أضاعها من بين يديه.. قاطع حوارهما الحاد صوت زايد يدخل مع الباب المفتوح أساسا وهو يهتف بحزم صارم: وش فيكم صوتكم طالع؟؟ مزون.. علي تعبان.. ليش ترفعين صوتش عنده؟؟ مزون تراجعت بخجل بينما علي كان من هتف بهدوء مغلف بإرهاقه بعد أن أفرغ طاقة الغضب لديه: يبه.. مزون مالها ذنب أنا اللي احتديت في الحوار شوي.. زايد بذات الصرامة الحازمة: ووش سبب الحوار الحاد أساسا؟؟ الاثنان صمتا.. فهما لا يريدان الكلام عن مشاكل شقيقهما.. زايد أعاد السؤال بصرامة أشد.. حينها همست مزون باختناق لأنها كانت تخشى غضب والدها إذا علم بخروج كاسرة من البيت: كنا نتكلم إن مرت كساب طلعت من البيت زعلانة من كساب.. ما أدري لو دريت أو بعد..؟؟ حينها اجابها زايد بسكون واثق: عندي خبر.. هي بنفسها بلغتني وخذت بخاطري.. عداها العيب بنت ناصر.. لكن العيب راكب أخيكم من ساسه لراسه.. حينها همست مزون بغضب: يوم أنت وعلي كلكم حاطين كساب الغلطان هي اشتكت لك إنه سوى لها شيء..؟؟ زايد بثقة: أبد.. ما قالت عنه إلا كل كلمة طيبة.. وكذا المرة الأصيلة ..لا اختلفت مع رجالها ماتروح تفضحه وتفضح روحها.. بس أخيش أعرفه.. وكنت عارف إنه مهوب مرتاح لين تطفش منه.. مزون حينها همست بيأس: زين والحل؟؟ كساب راح وهي في البيت.. يرجع مايلقاها..؟؟ زايد بحزم: بكرة بأروح لها بنفسي.. وبأحاول أرضيها.. عشانها وإلا أخيش مايستاهل... *************************** " يا الله حبيبتي أنا آسف على التأخير توني نزلت عبدالله في بيتهم وجايش الحين متشفق على شوفت قصة شعرش الجديدة" نجلاء بخبث رقيق: من قال لك فيه قصة شعر جديدة؟؟ صالح باستغراب: أنتي اليوم قلتي لي بأروح أسوي تغيير في شعري؟؟ نجلاء بذات لخبث الرقيق: التغيير مهوب لازم يكون قصة أحيانا صبغة!! صالح بصدمة: نعم؟؟ صبغة؟؟ أنتي أكيد استخفيتي!! نجلاء بانكماش: ليش؟؟ أنا استاذنتك وأنت رخصت لي!! صالح بغضب متفجر: لا لا تكذبين علي.. أنا رخصت لش تغيرين قصة شعرش لو بغيتي بس.. مهوب تصبغينه.. حينها همست نجلاء بحزم غاضب: زين وأنا صبغته .. وش صار؟؟ انتهى الكون؟؟ وش بتسوي يعني؟؟ صالح انفجر تماما بغضب: أنا بجيش الحين وأرويش نهاية الكون أشلون.. زين يا نجيل..زين إذا مارويتش شغلش الحين ما أكون ولد خالد آل ليث!! والله وطلع لش لسان بعد.. ****************************************** كان يدخل إلى غرفته بخطوات ثقيلة مرهقة وفي وقت متأخر قليلا.. البارحة عاد مبكرا من أجل حسن.. لكن الليلة لمن يعود؟؟ فهي خرجت من المستشفى الليلة وأخذت حسن معها.. وهو ليس أمامه سوى تجرّع ليالي طويلة من الوحدة والمرارة.. في استغراقه في أفكاره المؤلمة لم ينتبه كيف الغرفة تلمع كما لو أن صاحبتها فيها.. مفرش السرير الذي تم تغييره.. والذي عودته جوزا أنها لابد تغيره في الأسبوع مرتين.. الرائحة العطرية الدافئة والناعمة والخفيفة التي تفوح من مبخر الزيت العطري والتي تحرص جوزاء على استخدامها بدلا من البخور لأنها لا تضايق تنفس حسن كالبخور.. وفي كل الأحوال حتى لو استخدمتها لابد أن تغلق باب غرفة حسن حتى تطفئها كما هو مغلق الآن.. ولكن إن كان لم يلاحظ كل هذا فهو بالتأكيد سيلاحظ المخلوقة التي تجلس أمامه تماما على الأريكة.. كانت ترتدي فستان صيفيا مشجرا بألوان ناعمة هادئة بأكمام قصيرة ويصل طوله لمنتصف ساقيها .. كما لو أنها بهذا الفستان الناعم المحايد ترسل له رسالة مشابهة.. هادئة ومحايدة.. لم يعلم بماذا يشعر حين رآها.. الشعور بالصدمة حصل وانتهى.. ولكنه لم يعلم هل هو سعيد أو خال تماما من الإحساس؟؟ مجروح منها مجروح حتى النخاع.. ومرهق من كل شيء في الحياة حتى نخاع النخاع!! لماذا عادت؟؟ لماذا؟؟ هل لأنها حامل؟؟ أم حتى لا تضايق والدها؟؟ لا يريد أن يكذب على نفسه بأي أمل.. ويقول إنها عادت من أجله.. فهي قبل يومين عرفته حجمه تماما.. وهي تصفعه بطلب الطلاق في أكثر وقت احتاجها فيه في حياته .. وهي تثبت له بذلك ضآلة قيمته عندها!! سلّم.. وردت عليه السلام بتوتر.. سألها بسكون: أشلونش الحين؟؟ إن شاء الله أحسن..؟؟ همست بذات التوتر وهي تشعر باختناق حقيقي.. فهي توقعت أن يكون عبدالله أكثر سعادة برؤيتها: الحمدلله زينة.. ثم أردفت بتوتر متردد: وأنت وش صار على قضيتك؟؟ حينها أجابها بنبرة سخرية مبطنة: الحمدلله انتهى كل شيء وبأسرع مما توقعت.. اليوم صدر طلاق نهائي غير قابل للاستئناف هناك في أمريكا وراشيل رجعت نيويورك الليلة.. خلصت انتهيت منها نهائيا.. شكرا على السؤال.. ماقصرتي.. فهمت جوزا تلميحاته المبطنة.. وآلمتها.. ألمتها كثيرا.. لو أنها لم تصده قبل يومين.. لم يكن أي شيء ليتغير عليها فهي على كل الأحوال كانت في المستشفى.. وكل ما احتاجه هو إحساسه بمؤازرتها معنويا لا فعليا.. تناول غترته عن رأسه ليضعها في السلة.. لكنها تناولتها من يده وهي تهمس بنبرة مقصودة مثقلة بالشجن: تراني جيت وأنا ما أدري إن قضيتك انتهت.. ولا إنها سافرت.. جيت من المستشفى هنا على طول.. أجابها بسكون وهو يستعد للمغادرة : مشكورة.. ماقصرتي بعد.. أمسكت بمعصمه وهي تتساءل بألم: ليش تكلمني كذا؟؟ حينها انفجر بغضب مكتوم وهدوءه الظاهري كله ينهار: أشلون تبيني أتكلم.. تبيني أركع وأحب أرجيلش عشانش تكرمتي ورجعتي لبيت رجالش وأنتي تمنّين عليه بالرجعة بعد.. كنش تفضلتي عليه يوم رجعتي.. أشلون تبيني أتكلم.. تبيني أقول أنا طاير من الوناسة لأنش عبرتيني عقب مامرمطتيني ذا الشهور كلها.. أقول أنا باستخف من الفرحة لأنش فكرتي مرة وحدة فيني.. أنا تعبت يا جوزا.. تعبت.. سبع شهور وأنا بأموت في انتظار ابتسامة رضى وحدة منش وانتي شاحة فيها.. وآخرتها وش احتجت منش.. بس توقفين معي لين تنتهي مشكلتي.. طردتيني من عندش مثل الكلب.. قولي لي يام حسن.. عقب ذا كله أشلون تبيني أتكلم.. حينها انفجرت هي أيضا.. فإذا كان هو محمل بمرارة سبعة أشهر ويراها طويلة!! فهي محملة بمرارة عشرات وعشرات الأشهر: حرام يا أبو حسن.. تصدق كسرت خاطري.. سبع شهور تعاني مني؟؟.. صدق إني مجرمة وماعندي إحساس.. ليه؟؟ لأني أنا ماعندي سالفة.. وش جاب سبع شهور لأربع سنين.. السبع شهور أكثر بواجد.. أربع سنين وأنا في اليوم أسأل نفسي ألف مرة.. أنا وش سويت عشان تسوي فيني كذا.. أربع سنين وأنا ماتمر ليلة أشم نفسي وأقول ريحتي خايسة..عبدالله قال لي كذا.. وعقبه هرب مني.. أربع سنين وأنا أموت بحسرتي كل ليلة.. بنت صغيرة عمري كله انخطف وتبخر عشان تمثيليتك.. ترملت وضاعت دراستي.. وشخصيتي انقلبت 180 درجة.. وبيدي طفل صغير مايمل كل ليلة يسأل عنك وأنا أحكي له عشرات السوالف عن حبيب مالقيته وعن أبو مالقاه.. عبدالله بغضب مثقل بالشجن: والأربع سنين هذي أنا كنت قاعد ألعب ومستانس؟؟ لو أني سألتي نفسش في اليوم ألف مرة أنا متت في اليوم ألف مرة وأنا أحلم بس أني أشم ريحتش ولو مرة قبل أموت.. لا صورتش ولا خيالش فارقوني دقيقة كأن ربي يعذبني بش.. ولا تحورين الحقائق.. أنا كنت أقول لش طهري جسمش مني لأني شايفش شيء طاهر وأنا عقب راشيل مخلوق نجس.. جوزا بذات الغضب المتفجر: وأنا كنت بأفهم ذا الشيء بنفسي.. وأنت هربت وخليتني بدون ماتشرح لي شيء.. زين أنت رحت ووراك زوجة.. ما سألت نفسك هي حملت.. وش صار لها؟؟ وإلا بس كنت أنا عندك وناسة ساعة ومافكرت في اللي بيصير فيني.. يعني بعت الدنيا عشان ولدك اللي هناك.. وأنا وولدك اللي هنا مافكرت فينا.. يوم أنت رحت هناك عشان ولدك.. وتقول خايف عليه من أمه مثل ماقالت لي عالية.. ليش ماجبته هنا.. والله العظيم كنت ربيته مع حسن ومثل حسن وبدون ما أفرق بينهم لأني باعتبره طفل يتيم.. لكن لا.. ولد الأمريكية الشقرا كان عندك غير.. وش جابه جنب ولد جوزا.. عشانه بعت الدنيا وبعتني أنا وولدك فوقهم.. عبدالله بغضب: وأنا وش عرفني؟؟ وش عرفني أنش حملتي وجبتي ولد؟؟ جوزا بغضب متزايد: لا والله.. وأنا حملت من الشارع..!! يعني ياحضرة المهندس المتعلم الفاهم.. صار بيننا اللي بيصير الأزواج.. يعني ماراح تحط في بالك لو احتمال واحد في المية عن نتيجة ذا الشيء.. لكن ليش تفكر في ذا الشيء أنت بايع بايع ومافكرت في النتايج.. زين خلك مني.. فرضا أنا ماحملت.. هلك أمك وابيك واخوانك اللي كانوا بيموتون عقبك مافكرت في حد منهم.. عبدالله بغضب مثقل بالقهر: جوزا لا تلوميني لأني لمت نفسي قبل ماحد يلومني.. ولمت نفسي ألف مرة أكثر من اي واحد فيكم.. حينها همست جوزا بمرارة: وأنت بعد لا تلومني.. لا تلومني.. عبدالله حينها انحدر صوته لهدوء عميق: زين أنتي وش تبين ذا الحين؟؟ همست بذات المرارة وهي تتجه لخزانتها وتنتزع منها بيجامة: ما أبي شيء أنت بعد مشكور وماقصرت.. بأروح أرقد عند ولدي.. ************************************************ كان ثائرا بالفعل وهو يصعد الدرج بقفزات سريعة.. ويحاول أن يتحكم بغضبه حتى لا يتهور أو يرتفع صوته فيسمعه ابنيه.. كان يحاول أن يتخيل كيف أصبح شعرها بلون مصبوغ.. بعد ان اعتاد على أمواج العسل التي يذوب فيها.. وفي ختام الأمر يعلم يقينا أن صبغها لشعرها لا يهمه لتلك الدرجة حتى ولو كان مغرما بلونه الأصلي.. فنجلا هي نجلا حبيبته وأم أولاده سواء بشعر أشقر أو أسود.. ولكن ما يغضبه هو تعمدها لإغضابه.. حين دخل كانت الصدمة الحقيقية تنتظره.. كانت أمواج العسل.. كما يسميها.. بانتظاره كما تركها اليوم عصرا.. كل ماهنالك أنها ازدادات فتنة وإغراء بلفات لولبية أنيقة تتناثر على قميص نوم جديد.. وصاحبتهما ثائرة تماما وهي تستخرج ملابس صالح وتضعها على السرير.. حين رأته صرخت بثورة: الملابس هذي تكفيك الليلة وبكرة لين أرتب باقي ملابسك في غرفة الضيوف.. رد عليها صالح بغضب: نجلا وش ذا الخبال؟؟ نجلا بغضب مشابه: كيفي.. كيفي.. يأخي ماني بطايقة أشوفك قدامي.. وما أبيك تنام معي في غرفتي.. الحين فرضا أني استخفيت وصبغت شعري وش اللي صار.. ماعادني بنجلا.. صرت وحدة ثانية.. وإلا خلاص ماعاد فيني شيء تحبه إلا ذا الشعر.. بغيت تأكلني عشاني قلت أني صبغته.. أنا ماصبغته عشاني مهوب عشانك.. لأني استاذنتك وأنت قلت ماعليه.. مادريت أنك تدور علي سبب.. صالح بغضب أشد وهو يكتم صوته: نجلا بلا خبال صدق.. أنتي عارفة عدل إن غلاش واحد شعرش أصفر وإلا أحمر وإلا حتى قرعاء ماعندش شعر.. بس أنتي صايرة استفزازية بشكل.. ماترتاحين لين تطلعيني من طوري.. نجلاء وصل غضبها لأقصى حدوده: خلاص وش مصبرك علي.. طلقني دامني صايرة هم على قلبك كذا!! طلقني دامني صايرة مغثة كذا وأنت منت بطايق تستحملني!! صالح لم يرد عليها وهو يتجاوزها ويتناول ملابسه عن السرير ويخرج وهو يغلق الباب خلفه بحزم غاضب.. لتفجر هي في بكاء هستيري غير معقول وهي تلكم كل شيء حولها.. **************************************** "أعلم أنه عاد قبل ساعة ولكنه لم يحضر إلى غرفتنا حتى الآن هل علم بمشكلة كاسرة وهذا مايعطله في الأسفل؟؟" سميرة منذ تلقيها لهدية تميم اليوم عصرا وهي متوترة تماما.. وتشعر أن الوقت يجري بسرعة وموعد عودته يقترب بسرعة خرافية.. فهي متوترة جدا من لقائه بعد تلقيها هديته التي تشعر أنها غير بريئة أبدا.. رغم أنها جميلة جدا ووقعت في غرامها فورا !! تزفر بتوتر.. لا تعلم كيف ستقابله؟؟ أو ماذا ستكون ردة فعله؟؟ وحين رأته تأخر.. تمنت أن تشغله قضية كاسرة قليلا عنها.. وكان لها ما أرادت تماما.. حين دخل كان يرتسم على وجهه علائم الهم.. أشار لها بالسلام وهو شارد.. وردت عليه بإشارة متوترة.. لم يعاود الإشارة لها وهو يدخل للحمام ويستحم ثم يصلي قيامه ويقرأ ورده وهي تراقبه في كل هذا من تحت أهدابها وهي تتشاغل بتحضير بعض دروس الأسبوع القادم على الحاسوب رغم أنها تشك أنها شرحت درس الصف الثالث للصف الثاني أو ربما خلطت الدرسين في درس جديد.. فهي لم تكن تعلم ما الذي كانت تخلطه.. حين انتهى توقعت أنه سيتمدد على أريكته بعد أن أعدتها له ورتبت فراشه.. بينما كانت هي تجلس على المقعد المنفرد.. جلس بالفعل على الأريكة ولكنه قبل ذلك انحنى عليها قليلا لترتعش سميرة بعنف ثم ترتعش بشدة أكبر وهو يلمس نحرها بأطراف أصابعه بخفة ثم يجلس مكانه ويشير وعلى وجهه علائم التلاعب اللطيف وهو يشعر تماما بارتعاشها: ليه ما لبستيه ؟؟ وإلا حرام علي أشوفه عليش؟؟ تجمدت تماما دون أن تشير له بشيء وهي تشعر أنها قد تنفجر باكية في أي لحظة من شدة شعورها بالتوتر الذي خالطه الحرج.. حينها هز كتفيه وهو يشير ببساطة: مابه عجلة.. العمر قدامنا طويل إن شاء الله أشوفه متى مابغيتي تلبسينه.. أنهى إشارته ثم تمدد رغم أنه لم يكن يريد مطلقا التمدد.. كان على الأقل يريد لو يتحاور معها قليلا.. فهو مهموم من كثير من الأشياء وآخرها مشكلة كاسرة.. ويشعر بحاجة ماسة لنفض بعض همومه ولكنه لم يرد أن يثقلها عليها وهو يرى كيف احمرت عيناها فجأة وكأنها تريد منع نفسها من البكاء.. تنهد بألم في داخله.. "لماذا تبكي؟؟ كل ما أردته هو إسعادها.. أو ربما ماعاد شيء من ناحيتي يُشعرها بالسعادة.. بل كل ما يرتبط بي يشعرها بالألم والهم.." سميرة نهضت بالفعل لتندس في سريرها وتدفن وجهها في المخدة لتبكي فعلا وهي لا تعلم فعلا لماذا تبكي.. ولكنها تشعر بالتوتر والكثير من الانفعال.. ولا تستطيع التعبير عما داخلها سوى بذرف بعض الدموع علها تريحها... ************************************ " علي يأبيك وش فيك؟؟ مهيب عوايدك ثقل النوم كذا بالعادة ألقاك قبلي في الصالة تنتظرني عشان نروح لصلاة الفجر" علي يفتح عينيه بتثاقل وهو يهمس بصوت مرهق تماما: أعوذ بالله منك يا أبليس..ما أدري وش فيني.. مافيني حيل كلش.. زايد بحنان عميق بنبرته الفخمة الخاصة: زين قم.. قم يا أبيك.. قم توضأ وأنا بأنتظرك.. علي حاول الوقوف ليهوي من إحساسه بدوار حاد جعله يفقد توزانه.. زايد أسنده بقوة وهو يهتف بقلق حقيقي: لا.. منت بطبيعي.. قوم نروح المسجد.. ومنه بنطلع للمستشفى.. علي بسكون مرهق: يبه مافيني شيء.. بس عشان آخر شيء كلته البارحة الأولة.. إذا رجعت من المسجد تريقت وبأكون زين.. زايد يتصل وهما خارجان بالخادمات ليجهزن الفطور حتى يكون جاهزا فور عودة علي.. وهما يجلسان على طاولة الفطور الذي بالكاد لمسه علي.. هتف زايد بنبرة مقصودة: يعني أمس كله ماكلت شيء.. وهذا اللي كلته الحين.. علي بمودة: والله أني شبعت فديتك.. حينها هتف زايد بغضب: لا ما شبعت.. والله إن قد تكمل الصحن اللي قدامك.. علي ابتلع الطعام رغما عنه وهو يشعر به كما لو كان يبتلع حجارة.. براً بحلف والده.. ولكنه سرعان ماقفز ليتقيأه كله.. زايد قفز وراءه وهو يناوله كأسا من الماء ويهتف بقلق مرتعب: أنت اشفيك.. مقروف من الأكل.. وديتك لرجّال يكويك.. علي يمسح وجهه وهو يرتشف جرعات من الماء ثم يهمس بسخرية موجوعة: لو اللي فيني ينفع فيه الكوي.. كان قلت لك ودني.. وخلهم يكونني من رأسي لرجلي.. زايد يشد علي لغرفة الجلوس ليجلسا على الأريكة وهو يهتف بحزم أبوي بالغ: علي قول لي الصدق.. أنت تاكل شيء يضرك؟؟ حينها ابتسم علي بإرهاق: أنت وولدك واشفيكم علي.. كنكم توكم تعرفوني هو يقول لي أنت دروبك دروب خمل وتعرف نسوان؟؟.. وأنت تقول لي تاكل شيء يضرك... يعني ماتعرفني؟؟ أنا تربية من يازايد؟؟ زايد بألم أبوي: الدنيا مليانة بعيال وبنات الحرام.. خايف إن حد يكون جرك لشيء مهوب زين.. حالك مهوب عاجبني انقلب فجأة 180 درجة.. والدكتور أمس يقول مافيك شيء.. علي ابتسم وهو يقف ليقبل رأس والده ويهتف باحترام: تكرم لحيتك ولحيتي من الردا يأبو كساب.. حينها هتف زايد بنبرة مقصودة: أنت تملكت من هنا انقلب حالك من هنا.. يا أبيك أنا ماغصبتك على العرس.. والبنت أنت مختارها بكيفك.. وش اللي صار لك يأبيك في يوم واحد؟؟ حينها أجابه علي ببساطة موجوعة كما لو كان يقرر حقيقة أزلية لا نقاش فيها: اللي صار أني عاشق وفي يوم واحد عن ألف سنة.. واليوم أدري إنه بيصير عن ألفين سنة.. وكل يوم بيمر أدري إن عشقها بيزيد في قلبي مقدار ألف سنة.. انتفض زايد بصدمة كاسحة كما لو كانت لسعته حية: تحب وإلا عاشق؟؟ فيه فرق عود يا أبيك.. علي بذات البساطة الموجوعة: عاشق ومتيم ولو فيه وصف تعرفه أكثر منهم قوله لي.. حينها هتف زايد بحزم بالغ الصرامة: أنا عمري ماسمعت عن عشق يطلع في يوم واحد.. لكن دامك مقتنع فاسمع كلام يجمد على الشارب.. بنت فاضل بتأخذها بتأخذها.. وبتحشمها وتقدرها غصبا من ورا خشمك.. عقبها لو بغيت تعرس وتاخذ اللي تبي ماني برادك.. بس تكون وحدة من ثوبك وثوبنا.. ولين ذاك الوقت أنا داري أنك منت مسوي ينقص من دينك ولا أخلاقك.. علي وقف وهو يهتف بألم عميق: لا ثوبي ولا ثوبك.. أصلا البنت ذي مستحيل أخذها.. ولا تخاف بأخذ بنت فاضل الله يعينها على ما ابتلاها.. والله يغفر لي عظم خطيتي في حقها وحق ربي ونفسي قدامها.. مع وقوفه عاوده شعور الدوار ليجلس مرة أخرى بينما زايد يهتف بحزم وهو يوقفه: قوم نروح المستشفى.. ماعلي منك.. مستحيل أخليك كذا.. خلهم يركبون عليك مغذي.. وعقب بأكويك على القرفة.. مابه علي؟؟ مابك ياعلي؟؟ ما بكِ أيها القلب الطاهر الشفاف؟؟ أ تكون قد أصبت بـ "مرض العشق" الذي تحدث عنه كثيرا أطباء العرب القدامى..؟؟ وكان أول من تحدث عنه وحدده "أبقراط" اليوناني الملقب بأبي الطب.. ثم بعد ذلك فصّل فيه أطباء العرب مثل:الرازي وابن سينا والبغدادي وغيرهم.. ويمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: بالنحول وقلة الشهية وغؤور العين مع سماكة الجفن وحب العزلة وكثر التنهدات والشهقات واضطراب النبض وتسارعه خاصة عند ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به... ومشكلة علي التي لا حل لها ظاهريا أن الأطباء العرب المسلمين الذين تحدثوا عن مرض العشق اتفقوا أن أفضل علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة حتى تسكن روح العاشق القلقة الملتاعة.. لأن كثرة تفكيره بمعشوقته وبعدها عنه يؤدي لانحدار مختلف أجهزته الجسدية والعصبية.. ولكن في حالة علي وهو يظن نفسه لن يجتمع بها أبدا.. بل يرى مشاعره ناحيتها محرمة عليه.. كيف سيكون حاله؟!! كــيــف ســـيــــكـــون حـــالـــه؟؟ ********************************** " خوش صباح وأنتي معنا تريقين بس كان ودنا أنش قاعدة عندنا شوي ومفارقتنا عقب.. يا العمياء وحدة عندها رجالش وتفرط فيه؟؟ " كاسرة تحاول ارتشاف كأس الكرك وهي تشعر بجلاوته تتحول لمرارة وقفت في حلقها وتجيب بابتسامة مصطنعة: أمي إذا هذرتي كذا الصبح.. ماتقول لش عبارتها الشهيرة (اصطبح يا صبح)؟؟ سميرة تضحك: يوووووووه كل يوم تقولها لي لين عجزت.. يا الله مافيه تهربين من الجواب.. علمينا وش سوى رجالش المزيون وزعلش عشان نقطّع أذانيه..؟؟ حينها تدخلت وضحى في الحوار وهي تجيب بثقة: سميرة شكلش مابعدتي عرفتي كاسرة دامها ماتبي تقول وش سبب زعلها من رجّالها مستحيل تقول حتى لو قعدتي تلحين عليها مية سنة.. سميرة مازالت تضحك: إلا شكلش أنتي وأختش ماتعرفون حنة سميرة اللي على مستوى أنا مهوب بس أحن.. أنا أدخل في المخ بحنتي لين أوصل للي أبيه.. كانت تضحك وهي ترى تميم ينزل الدرج وجبينه معقود لتشرق وتكح.. حينها ابتسمت كاسرة فعلا بشفافية: تعيشين وتأكلين غيرها هذا كله ماتبين أخي يعرف شدوقش وش وسعها؟؟ سميرة تحاول أن تبتسم وهي تهمس باصطناع: أنتي الظاهر تبين الرجّال يطفش ويخليني لا شاف قاع بلاعة حلقي مع ضحكتي.. تميم سلم ثم جلس.. وهو يشير لكاسرة بحزم: البارحة جيتش لقيتش تسبحين.. تحبين نقوم لمجلس النسوان نتناقش؟؟ كاسرة أشارت له بثقة: مافيه حد غريب عشان نقوم.. الثنتين خواتي.. هذا أولا.. ثانيا: مافيه شي نتناقش فيه أصلا.. أنا ما أبي أرجع لكساب وهذي حريتي الشخصية ومع احترامي الشديد لك تميم لكن مافيه شيء بيغير رأيي.. حينها أشار تميم وهبى وجهه ترتسم علائم غضب: يعني تبين أخليش تهدمين بيتش وماتبين حد يناقشش حتى..؟؟ كاسرة بذات الثقة الساكنة: أرجوك تميم لا تضغط علي وتحرق أعصابك وأنت عارفني زين ما أغير قراري لا قررت شيء بعد تفكير.. حينها كانت مزنة تدخل من ناحية باب المطبخ وهي تحمل صحنا بيدها وترى إشارة كاسرة لتميم.. وضعت الصحن على الطاولة وهي تشير وتهتف بصوت مسموع ونبرة مقصودة: إيه تميم لا تقول لها شيء ولا حتى تسألها عن شيء لأنه حن الظاهر ساكنين في فندق ومالنا حق نسأل النزلاء عن خصوصياتهم.. سميرة شعرت بحرج ما وهي لأول مرة في هذا البيت تشهد هذا الحوار الحاد الناتج عن موقف مشكلة حقيقي.. وضحى وقفت على الحياد كعادتها احتراما لمن هم أكبر منها ويتناقشون في موضوع لا يخص أحدا سوى كاسرة.. وهي رغم إعجابها بشخصية كساب كوالدتها إلا أنها تعلم أن كاسرة لن تخرج من بيتها إلا لسبب كبير.. كاسرة أجابت بحزم: ليه يمه أنتي متضايقة مني ومن قعدتي عندكم.. رحت قعدت عند عمتي.. هذي هي في البيت بروحها مامعها إلا شعاع.. مزنة بغضب حقيقي: هذا اللي قاصر يا بنت بطني!! اطلعي من بيتش وتعزبي العرب..!! كاسرة بذات الحزم: وش أسوي دام أنتو ماتبون تحترمون قراري.. ثم أردفت وهي تنظر لتميم وتشير بحزم: تميم أنت متضايق من قعدتي في بيتك؟؟ تميم أشار باستنكار: أفا عليش.. أنتي الداخلة وحن الطالعين.. وإن ماشالتش الأرض أشيلش فوق رأسي.. بس أنا أبي مصلحتش!! كاسرة بحزم: وأنا أعرف مصلحتي زين.. واسمحوا لي بأروح لدوامي.. *********************************** " يبه جعلني فدا خشمك عطلتني عن الروحة للدوام بروحة المستشفى اللي مالها داعي يا الله جعلني الأول نزلني في دوامي ماعندي وقت أرجع للبيت وأخذ سيارتي وعقب بأخلي واحد من سواقين الوزارة يرجعني" زايد يشعر بقلق عميق يخفيه خلف حزم صوته: زين اليوم نروح نكويك على القرفة.. لأنك داري إن القرفة ماتبين في تحاليل المستشفى علي ببساطة: إذا بيريحك ذا الشيء.. حاضر.. نروح اليوم وأكتوي.. مع أني قلت لك إن الكوي مهوب نافع.. حينها هتف زايد بشجن: اسمعني يابيك.. يمكن مافيه حد حب وعشق مثل أبيك.. أبيك عاشق قديم.. بس يأبيك أبي أدري وش علاقة الحب بالأكل.. ثم ابتسم: كنت أكل ومافيني إلا العافية وعمر الحب ماسد نفسي من الأكل.. علي ابتسم بمودة: شكلك يبه حبك في مخباك ماشاء الله.. كم هي شفافة العلاقة بين هذا الوالد وابنه!! وهما يتحاوران كما لو كانا صديقان حميمان من عمر واحد.. وكل منهما يشعر بالآخر على ذات المستوى من القوة.. هتف زايد بحزم: دامك تقول إن ذا اللي أنت تحبها وما رضيت تعلمني من هي منت بماخذها.. فأنت لازم تشوف حل لنفسك يأبيك مايصير حالتك كذا!! علي بشجن: ووش الحل عندك يبه؟؟ هتف زايد بشجن مشابه: ذكرتني ببيت الشعر القديم يم كان العاشق يسأل الأصمعي: أيا معشر العشاق بالله خبروا.....إذا حل عشـق بالفتى ما يصنع؟ فرد عليه الأصمعي بالحل اللي لازم أي رجّال يسويه: يداري هواه ثم يكتم سـره.....ويخشـع في كل الأمور ويخضع ثم صمت زايد دون أن يكمل الحكاية وهو يشعر بحرقة غريبة أنه تذكر هذه الحكاية دون سواها.. حينها هتف علي بنبرة مقصودة: وش فيك يبه سكتت ماكملت السالفة.. تراني أنا بعد أعرفها.. وإلا عشان تاليها مايناسب الفكرة اللي كنت تبي توصلها لي.. الولد العاشق يبه رد على الأصمعي: وكيف يداري والهوى قاتل الفتى ..... وفـي كل يـوم قلبـه يتقطع ؟ فالأصمعي رجع ورد على الولد: فإن لم يجد صبرا لكتمان سره ...... فليس له سوى الموت ينفع فلقوا الولد مات فعلا وجنبه مكتوب: سـمعنا أطـعنا ثم متنا فبلغوا...... سـلامي لمن كان للوصل يمنع زايد بغضب: أمحق سالفة.. وامحق رجّال يذبحه حب مرة.. علي ابتسم: يبه أنت جبت أول السالفة وأنا جبت تاليها.. ثم أردف برجاء: يبه أنا أبي أروح العمرة... ضايق خاطري وحاس الهم راكبني.. ويمكن الله يغسل نفسي من حبها لا جيته عاني لبيته.. زايد بمودة مصفاة: أبشر يأبيك.. الحين بأكلم مدير مكتبي يسوي لنا الحجز الليلة بس خلني أول أروح لمرت كساب العصر ثم نودي أختك لبيت عمك.. وحجزنا إن شاء الله على الليل.. والحين انزل يأبيك وصلنا دوامك.. ************************************ " غريبة الباشمهندس جاينا لمكتبنا.. بالعادة مكلبش في شغلك ماتطلع منه" عبدالله يبتسم وهو يجلس على المقعد المقابل لمكتب صالح: كان عندي شغل قريب منك قلت أمر وأسلم.. صالح يبتسم: زين شفناك تنشرح نفسي على الصبح من يوم قمت اليوم وأنا أهاد ذبان وجهي.. عبدالله يضحك: الله يعين ذا الذبان علينا.. ومن سمعك اليوم يمكن مابقت ذبانة في الدوحة ماتهاديت معها.. أجابه صالح بخبث: أم حسن.. صح؟؟ عبدالله بخبث مشابه: لا تذاكى علي.. لأني بأقول لك.. أم خالد.. صح؟؟ تنهد صالح: الله يعين.. نجلا صارت لا تطاق.. ما تنتحاكى.. أكيد حد طاسها عين على ثقلها وزانة عقلها.. عشر سنين من يوم خذتها.. عمري مانقدت عليها في شيء.. إلا المنقود كان من صوبي.. وهي اللي كانت صابرة علي.. عبدالله ابتسم: يمكن تكون حامل وتتوحم.. وعشان كذا شخصيتها متغيرة عليك.. تدري الهرمونات لا اختبصت خبصت المرة معها.. صالح يهز رأسه رفضا: يا ليت.. كان قلت اخبصيني على كيفش.. ولاني بمشتكي.. بس لا.. الله يرزقنا عاجلا غير آجل يمكن تقر وترتاح.. ثم أردف بتساؤل مهتم: إلا بما أن مرتك أنت اللي حامل.. الوحم هو اللي ممشكل بينكم..؟؟ جاء دور عبدالله ليتنهد: لا طال عمرك.. أنا وام حسن سالفة عويصة شويتين الله يزينها من صوبه.. يتذكر عبدالله كيف كانا هو وهي اليوم صباحا.. وكل واحد منهما يتحاشى مجرد النظر للآخر.. مع أنه من المفروض ألا يكون بينهما كل هذا التعقيد مادام كل واحد منهما صرخ بالآخر وأخرج كل حرقته ليصبح كل مابينهما واضحا تماما.. ولكن ماحدث أن مابينهما تحول لكتل من مشاعر متشابكة معقدة لا يعلم كيف يستطيع تفكيكها وهو يشعر بكل هذا الإرهاق والاستنزاف الروحي.. ************************************* " الحين أبي أدري وش المصيبة اللي صارت جايبتني من الدوام دايركت هنا" نجلاء تنفذ عن ذراعيها وهي تهتف بهمة: مهوب عاجبني ترتيب غرفتي وغرف عيالي.. أبي أغير أماكن السراير والكباته بعد وعقب ارتب الملابس من جديد.. قلت تجين تساعديني والخدامات معنا.. سميرة تلقي حقيبتها على السرير وتتمدد وهي تهتف بتأفف مرهق باسم: صدق إنش اسنخفيتي والفاضي يعمل قاضي.. أنا حسبت بجي بألاقي صويلح مسوي وجهش حلبة مصارعة على صبغة الشعر لقيتش لا صبغتي ولا شيء..محزمة رأسش كنش في معركة ولابسة لي بنطلون جينـز وكرشش ناطة قدمش شبرين.. نجلا بجزع وهي تنظر لبطنها: أنا كرشي شبرين ياقليلة الحيا.. سميرة انفجرت من الضحك: عاد لا تقولين ما لاحظتي الزرار اللي مارضى يتسكر من كبر كرشش.. وإلا السحاب اللي بينفجر ما أدري أشلون تسكر أصلا.. أكيد تسكر بعد تعذيب من الطرفين.. أنتي عذبيته وهو عذبش.. حينها همست نجلا بضيق: بس يا الخبلة.. أنا أصلا ملاحظة من فترة أني ماتنة مع أني ذبحت روحي ريجيم بس بدون فايدة.. ظنش إن صالح لاحظ أني ماتنة..؟؟ مع أني كلش ماعاد ألبس ضيق عنده.. سميرة تضحك: أكيد لاحظ.. ظني الجيران لاحظوا عن بعد كيلوين.. أنا بصراحة صار لي فترة ماسكة روحي لا أعلق.. لأني أدري تموتين لا حد طرا أنش لش كرش.. بس عاد مع بنطلون الجينـز هذا مالش حل صراحة.. ماقدرت أمسك روحي.. حينها انفجرت نجلا باكية وهي تجلس على السرير وتدفن وجهها بين كفيها.. سميرة اعتدلت بجزع وهي تقفز بجوار نجلا: أفا يأم خويلد.. هذا وأنتي أساسا دمعتش بعيدة.. وما يبكيش إلا الكايد تضحكين من تعليقات وحدة خبلة مثلي.. خلاص سحبتها.. نجلاء بين دموعها وشهقاتها: يا الخبلة ما أبكي منش.. بس أنا متضايقة من روحي.. صايرة حساسة بشكل.. وأقل شيء يؤثر في أعصابي.. وخايفة يكون فيني مرض وإلا شيء.. لأنه وزني صاير يزيد بسرعة مع أني تقريبا ماعاد كلت.. الشهر هذا بس زايدة ثلاثة كيلو.. سميرة بمؤازرة: زين نجول يمكن تكونين حامل؟؟ نجلاء بضيق: وش حامل بعد... توني قبل أسبوع علي الدورة.. وحتى دورتي مروعتني.. ماعادت مضبوطة مثل أول.. والدم خفيف واجد.. خايفة أكون مريضة ياسميرة.. أحاول أبعد ذا الفكرة عن رأسي وأشغل نفسي عنها.. بس ترجع وتأكل تفكيري.. تعبانة سميرة تعبانة من التفكير.. حينها همست سميرة بألم وقلق: زين وليش ماقلتي لي من أول.. نجلاء عادت للبكاء: وش أقول؟؟ ما أبي أروع حد عشان شكوك في راسي وما أبي اقول لاحد عشان ما أسوي فحوص والشكوك تتحول لحقيقة.. حينها همست سميرة بحزم: بس أنتي بتروحين معي الحين وتسوين فحوص غصبا عنش.. بأكلم سيارة بيت هلي.. وبنحط عيالش عند أمي.. وبنروح... ******************************** " زين إن الهندي المثقف ذالف لا رده ربي ذا الأذوة" كانت عالية تهمس بذلك لعبدالرحمن وهي تشد لها مقعدا وتجلس.. وتهمس له بابتسامة صافية: اشتقت لك يالخايس من البارحة لين اليوم.. وش أخبارك اليوم؟؟ مثل البارحة.. خست من النوم.. وريحتك واصلة آخر الممر يا اللي ماتستحي... يا أخي بسك نوم.. الناس عرسوا وجاوبو عيال.. وأنا قاعدة جنبك استاند باي.. لا تكون ناوي تطول بعد.. تراك مسختها... والصبر له حدود.. يا أخي خلصت السوالف اللي عندي وأنا كل يوم أهذر فوق رأسك هذي تطلقت وهذي تزوجت والدكتور الفلاني سافر.. خلاص دورك تسولف علي.. ولو أني لو تبي الصدق حتى لو أنت صاحي ماراح أخلي لك مجال تفتح حلقك لأني هذرتي أساسا ماتخلص... ويا الله الـ24 سويعة اللي في اليوم يكفوني.. حينها همست بحزن: تدري عبدالرحمن بأقول لك سالفة محزنتني واجد.. وزين أنك منت بواعي عشان ما أبي حد يعرفها.. بس جد أنا حزينة ومتضايقة أدري بتقول أشلون حزينة وأنتي قبل دقيقة فاتحة شدوقش على أقصى اتساع بشري ممكن.. أنا كذا يا دحومي دقيقة بتلاقيني أضحك والدقيقة الي بعدها استخف وأبكي.. البارحة عبدالله وراني صور ولده اللي مات في أمريكا.. صور واجد للولد من وهو صغير لين كبّر.. قلبي قبضني يوم شفته.. لسببين.. الأول تخيلي أشلون مات.. روح طاهرة مالها ذنب.. الثاني.. الثاني هو.. إني أشك إنه يكون ولد أخي من أساسه... لكن طبعا مستحيل أقول ذا الكلام لأحد.. الحقيقة ذي لو كانت حقيقة بتذبح عبدالله اللي ضاعت سنين عمره عشانه.. خلاص وش بيستفيد والولد مات.. حتى لو ماكان ولده هو رباه وحبه كنه ولده.. علم الجينات يقول ولد مثل هذا مستحيل يكون ولد عبدالله لأن عيونه زرق.. والعيون الزرق أكثر صفة متنحية بين الجينات الوراثية ومستحيل تطلع في الجيل الاول.. لكن ممكن تظهر في الجيل الثاني.. لكن أرجع وأقول لنفسي الله قادر على كل شيء.. وعبدالله يقول سوى له فحص دي إن أي في ثلاث مستشفيات وش فايدة الحكي في شيء ماعاد له فايدة؟؟ تدري يا الدحمي خاطري أنا أجيب عيال عيونهم ملونة.. مهوب لو تزوجت ولد عمي غنوم أبو عيون عسلية كان أحسن لي بدل ما أنا قاعدة جنبك مثل الكرسي.. أقله كان جبت بزران شقران حمران وعيونهم عسلية مثل خالتي جيهان أم غنوم.. وحسنت نسلي المغبر.... عالية لشدة استغراقها في الثرثرة وهي تنظر لوجه عبدالرحمن فقط.. لم تنتبه لجهاز قياس ضربات القلب ولتغير الإشارات الحيوية وتسارعها بشكل طفيف.. منذ أن بدأت بحكايتها مع غانم.. لتعود مؤشراته للسكون والانضباط وهي تقول بابتسامة: بس وش أسوي بقلبي الخبل اللي مالقى يتعلق إلا بواحد دب مايشبع رقاد مثلك.. ثم انتفضت وهي تنظر للساعة: ياويلي خلني أطق.. ابيك على وصول.. وهي تخرج فعلا ليدخل فاضل بعدها بثوان ********************************* " الحمدلله على السلامة يام زايد نورتي بيتش" كان منصور يُدخل عفراء لبيتها وهو يسندها.. بعد أن رتبت لها مزون غرفة في الأسفل.. جميلة تدخل خلفهما وهي تحمل زايد الصغير بحرص وتهمس بمرح: الحين أم زايد أم زايد.. وأنا الكبيرة ماعاد لي كرت.. وين أم جميلة؟؟ منصور بابتسامة أبوية: ماعليه خليها تجامل ذا الصغنون شوي.. وإلا الغلا كله لش.. جميلة تمشي خلفهم ومنصور مازال يسند عفراء باتجاه الغرفة وتهتف بذات المرح: إيه إلعبوا علي... شايفيني مقصة.. عفراء بمودة حانية: خلاص ولا يهمش.. اللي بيقول لي أم زايد ماني برادة عليه لين يقول أم جميلة.. جميلة وضعت الصغير في سريره وهي تقبله وتهتف بذات الابتسامة الرقيقة: لا أنا أصلا ما أرضى حد يتعدى على مكانة ولدي ورجّالنا الصغير جعل ربي مايخلينا منه ومن زايد الكبير.. ثم قبلت أنف منصور الذي كان قد أجلس عفراء على السرير وجلس جوارها: ولا من حضرة العقيد... شدها منصور ليجلسها جواره من الناحية الأخرى وهو يحتضن كتفيها ويهتف بذات نبرته الابوية الجديدة الرائقة تماما: ولا يحرم العقيد منش.. إلا قولي لي.. ماتبين تعلمين رماية؟؟ جميلة بصدمة: نعم؟؟ منصور يريد أن يشغلها بشيء عن التفكير.. فهو رآها بالامس وهي تبكي في غرفة المواليد ولكنها لم تراه.. والرماية هي مايعرفه.. ابتسم منصور: إيه الرماية.. بتستانسين.. أول نبدأ مسدسات ثم البنادق لين نوصل الرشاشات.. عفراء ضحكت وهي تتخيل ابنتها الرقيقة المدللة مع رشاش: منصور حرام عليك من جدك؟؟ منصور بجدية: والله من جدي.. تتسلى معي ونسولف أنا وإياها دامش لاهية في زايد الصغير.. لين ترجع جميلة لجامعتها جميلة ضحكت برقة: لا عمي فديتك.. بلاها الرشاشات والمسدسات لأنها في يد وحدة مدمغة مثلي خطر على المجتمع.. وأنا أصلا مشغولة مع أمي في زايد الصغير... وما ابي أبعد عنه أصلا.. ********************************** " وضحى.. وضحى" وضحى تجيب كاسرة التي كانت تناديها من الاعلى وهي تطل عليها: نعم كاسرة.. كاسرة بحزم: قولي لأمي تفتح باب الحريم اللي يفتح على الحوش عمي زايد جاي يبيني.. وصار برا خلها تدخله.. بس أبدل ملابسي وألبس دراعة ضافية وأنزل الحين. #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والستون يقف أمام باب مجلس الحريم المطل على الحوش.. يعرف هذا البيت جيدا.. فهو من بناه.. ويحفظ كل تفاصيله.. التي حاول تناسيها منذ علم أنها سكنت قريبا منه.. طوال الأشهر الستة الماضية وهو يحاول تجاهل حقيقة سكناها بجواره.. حتى حين يخرج من بيته يدور للجهة الأخرى لم يعبر ولو لمرة واحدة من أمام بيتهم مباشرة خوفا أن يلمحها خارجة في سيارة مغيمة بالسواد.. حتى الجد جابر.. غالبا هو من يأتي لمجلس زايد لأنه يشعر بالضيق من الجلوس في البيت فيمر كل يوم بعد عودته من صلاة العصر.. ويبقى حتى يذهب لصلاة المغرب.. ثم يعود لبيته.. لذا لم يضطر أن يضغط على أعصابه.. وهو يتجاهل وجودها قريبة هكذا.. ومع ذلك في أحيان كثيرة كان يقول لنفسه ليلا وهو يستعد للنوم "هل لو أرهفت السمع قليلا سأسمع صوتها يعبر الحوائط؟؟" كان وجودها جواره رغم كل محاولات التجاهل متعب إلى حد كبير لمشاعره وذكرياته.. فهو يؤمن أنه لم يبق لسواه سوى الذكريات!! هذه المرة لم يضع مطلقا في باله أي احتمال أنه سيراها... فهو اتصل بكاسرة مباشرة حتى تكون من تفتح له الباب.. لذا حين فُتح الباب.. دخل بثقة وعفوية.. وهو يسلم بنبرته الواثقة الفخمة.. ليجد أن من فتحت له الباب سيدة متشحة تماما بالسواد ومعها خادمة كانت تضع صواني القهوة والشاي على الطاولة وتقف عندها.. عــــــرفــهـــا..!! عـــــــــــــرفــــــــهــــا!! وعرف من هي... وآه من هذه المعرفة ما أقساها!! أي كارثة.. مصيبة.. فاجعة.. كاسحة.. كل مسميات الصدمة للصدمة هذه لم تخطر له ببال!! "لماذا ترتكبين هذه الجريمة في حق عمكِ يا كاسرة؟؟ أأتي لأصلح بينك وبين زوجكِ فيكون جزائي أن تذبحيني؟؟ المرة الماضية لم أستطع احتمال رؤية طرف أناملها فكيف وهي تقف أمامي هكذا؟؟؟ كيف؟؟" لم ينظر مطلقا ناحيتها وهو يختار له أقرب مقعد للباب ويجلس عليه.. وهو يغلف كل مشاعره -التي احترقت فجأة- بالبرود قدر ما استطاع.. ولكنها لم ترحمه وهي ترد السلام بصوتها الرخيم.. ثم تهتف باحترام جزيل: حياك الله يا أبوكساب.. بنتك بتجيك الحين.. والله لا يقصر خطوتك ويكبر قدرك مثل ماكبرت قدرها.. حينها كاد يقسم أنه انتفض بعنف قارص وهو يشعر بلسعة باردة حادة كسهم مسموم اخترقت أذنه من ناحية لتخرج من الناحية الأخرى.. لم يكن يريد أن يسمع صوتها مطلقا.. كان يخشى من تأثير الصوت عليه أما أن يقلب مواجعه أو ينسفها..!!! فإذا به يقلبها كإعصار هائج..مجنون لا يرحم من يعبر عليه!! مازال الصوت هو نفسه كما سكن في روحه.. هو نفسه .. نفس البحة الناعمة ولكن..أكثر نضجا وعمقا وهدوءا وأنوثة..إلى درجة تثير الصداع.. ولكنه بات خاليا من روح تمردها المتعجلة على الدوام التي كانت تأسره وتغيظه في ذات الوقت.. لتسكنه روح عمق مختلفة مسكونة بأنوثة لم تُخلق إلا لها وحدها.. أنهت عبارتها وخرجت.. لتتركه مبعثرا خلفها.. لم يستطع حتى أن يرد على ترحيبها.. بل وصف (التبعثر) لا يمكن أن يرتقي ليصف حالته أبدا.. هل يُقال حين تتفجر الروح إلى أشلاء لا عدد لها.. مجرد تبعثر؟!! هل يُقال حين تقتحمك كل ذكرياتك الأثيرة بقوة آلاف القنابل النووية.. مجرد تبعثر؟!!! هل يُقال حين ترى كل أحلامك تتضاءل وتتقزم أمام مجرد همسات.. مجرد تبعثر؟!! إن كان يصح أن يُقال ذلك عن حاله ويوصف ذلك بالتبعثر.. فهو إذن تبعثر ملايين المرات ودون توقف!!!! " ألوم الولد الصغير على اندفاعه وأنا الشيبة القاضي ماني بقادر أتحكم في انفعالي؟!! أشلون شكلي قدامها وأنا حتى ماتحفيتها ولا سألتها لو كاسرة قالت لها شيء مثل ماهو مفترض؟؟ ليتني ماجيت.. ليتني ماجيت..!!!" بعد أقل من دقيقة عادت مرة أخرى.. لتصدمه صدمة أشد من الأولى.. فهو توقع أنها انجزت مهمتها في ذبحه.. فلماذا عادت إذن؟؟ "لماذا عادت؟؟ لماذا؟؟ أ لم يكفها مافعلته بي؟؟ ماعاد بي شيء يحتمل وجودها أبدا!!" كاسرة دخلت خلفها.. وهي تتجه لزايد لتقبل رأسه ثم تجلس جواره وهي تهمس باحترام: أمي من كثر ماهي زعلانة عشان كساب تبي تقعد تساعدك عليّ.. حينها كانت مزنة تتوجه لتجلس في الناحية الأخرى.. زايد شعر بالفعل أن ريقه جاف.. وأن الكلمات كلها هربت منه.. كره لأبعد حد أن يكون هو.. زايد المتحكم المسيطر في هذا الموقف... موقف الضعف..الذي لا يليق به أبدا!! شد له نفسا عميقا وهو يستعيد سيطرته على الموقف!! فهذا نتاج فترة متطاولة من التدرب على التحكم في أعصابه في أقسى المواقف وأعقدها.. ليهتف بحزم السيطرة على الأمور : زين يأبيش دام حتى أمش مهيب راضية على سواتش منتي بمكبرة قدري وقدرها وترجعين لبيتش.. ولو كساب مضايقش بشيء أنا بأخذ لش حقش منه.. أنتي تعرفين غلاش.. وتدرين أكثر أني وش كثر أوصي كساب عليش.. بس مايصير يأبيش الرجّال طلع وأنتي في البيت يرجع ما يلقاش.. همست حينها كاسرة بحزم مخلوط باحترامها العظيم لزايد: قدرك أنت وأمي على رأسي.. بس ماظنتي إنه يرضيك أنه قدرك وقدرها يغصبني على حياة ما أبيها..؟!! حينها تكلمت مزنة بثقتها البالغة الراقية: زين الحين أنا وعمش موجودين أنتي بنتي وهو أبيه.. قولي لنا السبب.. ما يصير يأمش تهدمين حياتش كذا وماتبين حد يتدخل.. كساب ماشفنا عليه شيء يحدش تطلعين من بيتش.. ودامش ماتبين تكلمين.. فالحق الحين عليش مهوب عليه... شعر زايد بصداع فعلي يمزق دماغه بمطارق لا ترحم "هل هذه تتكلم أم تغرد؟؟ كيف أحل المشكلة وأنا عاجز عن التركيز هكذا؟؟" كاسرة بذات الحزم الرافض لإعطاء مبررات: يمه اسمعيني أنتي وعمي أحيانا ترا ما يكون فيه سبب ينقال.. صدقوني أنا وكساب مابيينا مشكلة فعلية بس ماصار بيننا توافق.. ليش تبون تغصبوني أو حتى تغصبونه؟؟ ماتدرون يمكن لا رجع من السفر تلاقونه مستانس أني أنا فكيته من شري.. حينها هتف زايد بحزم وهو مازال يتجاهل النظر بكل قوته لبقعة الضوء والتشتيت الجالسة في الطرف الآخر أمامه.. لا يعلم كيف يستطيع التوفيق بين كلام مهم يجب أن يقوله.. وإحساس قاهر بانعدام التركيز يتجمع في المكان: زين يأبيش ليش تسلبينه حقه إنه يعبر عن رأيه.. دام تقولين مابينكم مشكلة.. ارجعي لبيتش.. ماراح أقول الحين بس لا رجع من سفره يلقاش قدامه مثل ماكنتي وراه يوم سافر.. تفاهمي أنت وإياه وتأكدي أني معش طول الطريق.. بس لا تخلين العزة بالأثم تأخذش.. كان زايد يتكلم ويتكلم ويتكلم بطريقته الخاصة البالغة الحزم والفخامة بينما مزنة تنظر له من خلف فتحات نقابها الشديدة الضيق بالكاد تظهر رفات رموشها التي لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها وهو يتجاهل النظر لها.. فيكفيه مافعله به صوتها.. لن يحتمل رؤية (زولها) حتى!! كانت تنظر له وتبتسم رغم حساسية الموقف.. فهذه هي المرة الأولى التي تراه يتكلم بعد ثلاثين عاما!! حتى المرة الماضية حين جاء لأخذ كاسرة كانت هي معتصمة بالباب هو لم يرفع صوته بالسلام وكل حواره كان مع كاسرة.. وسبب رغبتها بالإبتسام.. أنها ترى أمامها كم تغير.. تغير جذري شكلا ومضمونا.. حتى أسلوبه في الكلام تغير 180 درجة.. فأين زايد الهجومي الحاد غير اللبق.. من هذا الفخم الأنيق والواثق الذي تشعر بروح سيطرته تحيط المكان بإحكام من حوله..؟؟ كإحساس..زايد الآن كما كان قبل ثلاثين عاما.. مجرد جار وابن جماعتها تربطها به المودة العامة.. ولم تحمل له أبدا مشاعر خاصة.. كانت وهي مراهقة تشعر بالغيظ منه.. ولم توافق على الزواج منه لأنها شعرت أنه يريد فرض سيطرة عليها هي ترفضها.. بعد ذلك تحولت المشاعر لمشاعر احترام عميق وهي ترى تواصله مع والدها ولا تأخذه أبدا مشاغله المتزايدة عن وصله وخصوصا مع معرفتها بمحبة والدها له ولكنها وهي تراه الآن لا تنكر أنه يستحق فعلا مشاعر الإعجاب التي يثيرها في الجميع.. فهي كانت سابقا تستغرب كيف استطاع زايد المتهور العنيد طويل اللسان أن يحقق كل هذه النجاحات..!! الآن.. آن لها ألا تستغرب أن من له هذه الطريقة المقنعة المبهرة في الكلام لابد أن ينجح.. لا تعلم كيف إن ابنتها مازالت لم تقتنع حتى الآن.. رغم أن في ابنتها كثير من عنادها ولكن السنوات هذبتها ومنحتها الحكمة.. ولو كانت هي في موقع ابنتها من تستمع لزايد لكانت تعود معه لبيتها الآن.. زايد تعب فعلا من محاولة إقناع كاسرة التي كانت مصرة تماما على موقفها حينها وقف وهو يهتف بحزم: تعبتيني يأبيش وماهقيت إني مالي خاطر عندش كذا كاسرة همست بجزع حقيقي وهي تقبل رأسه: محشوم فديتك.. بس ظني إنك صرت أكثر واحد يعرفني في ذاك البيت وماظنتي يرضيك أكسر نفسي عشان أرضيك.. زايد قبل جبينها وهو يهتف لها بمودة عميقة: أنا رايح يأبيش عمرة الليلة وبأدعي لكم ربي يصلح بينكم بس طلبي مني شي واحد.. لا جا كساب يبي يكلمش.. لا تصدينه.. طالبش يأبيش تقعدين معه وتتفاهمون... حينها همست كاسرة في داخلها بألم: (لا تخاف مهوب جاي.. أصلا هو يبيها من الله..) ولكنها أجابته بمودة: أنت تأمر.. والله لا ياتي لأقعد معه ونتكلم.. بس لا تهقا أني رديتك وأني بأرجع معه.. قدرك أكبر عندي من كل قدر.. زايد غادر وهو يشعر أنه يريد أن يهرب فعلا.. يشعر ن جسمه خلا من الطاقة تماما..قدماه بالكاد حملتاه للخارج.. يبدو أنه سيحتاج بالفعل إلى الذهاب للعمرة مع ابنه التي جاءت في وقتها لتبرد بسكينتها جروح قلبه التي انفتحت على اتساعها ليُذر عليها كل ملح العالم!! كان يعلم أنه يستطيع أن يضغط على كاسرة أكثر من ذلك لو استخدم كل ذكائه وقدرته على الإقناع.. ولكن هذا هو كل ما استطاعه حتى لا يبدو بمظهر مزري أمامها.. يا الله لماذا جاءت مع ابنتها لماذا؟؟ ماذا استفاد غير اشتعال الحرقة والمرارة في جوفه.. وفشله في الوساطة التي جاء لها..؟؟ لو أنه على الأقل نجح في وساطته كان سيقول أن حرقته المتزايدة التي تكوي جوفه جاءت بنتيجة.. لا يعلم كيف مازال لها كل هذا التأثير الأسطوري في ذاكرته رغم مرور كل السنوات؟؟ كيف لم يخفت تأثير وجودها في المكان كما لو أنها شمس تحرق كل ماحولها..؟؟ تماما كما كان يشعر بها وهو يراها تعبر الطريق أو تقف أمام الباب وهي صغيرة.. ليجد كل شيء حولها بهت.. تماما كما الشمس تُبهت ماحولها!! "يبدو أن مزنة ستبقى حسرة مرة في قلبي حتى أموت!!!" خلفه كانت مزنة تهمس بغضب وهي تخلع عباءتها وتجلس: أنتي مافي وجهش سحا حتى جية عمش مالها قيمة عندش.. ماحتى كبرتي قدره وهو جايش عاني لين مكانش..؟؟ حينها استغربت مزنة وقلبها يتهاوى وهي ترى كاسرة جلست جوارها لتحتضن خصرها وهي تضع رأسها على كتفها وتهمس بحزن: بس يمه طالبتش.. بس.. حرام عليكم كل واحد يضغط علي من ناحية.. أنا بروحي تعبانة وماحد راضي يرحمني.. مزنة احتضنتها وقلبها كما لو كان سيتمزق ألما من أجل ابنتها وهي تهمس بحنان: يأمش نبي مصلحتش.. كساب والله العظيم مافيه مثله.. أنا أعرفه زين يأمش يعني ما أظنه شين لدرجة أنش ماتطيقين تعيشين معه.. ولو فيه طبايع ماتعجبش.. المرة تقدر تغير رجّالها بصبرها عليه.. ولو أنتي ماتحبينه... ترا الحياة الزوجية تستمر بالمودة حتى لو ماكان فيها حب بمفهومكم يا الشباب..!! حينها تدفقت كاسرة بألم وهي تشدد احتضانها لخصر أمها ودفنها لوجهها في ثنايا صدرها: كساب مهوب شين.. أدري.. والله العظيم مهوب شين.. أما على الحب؟؟ أنا مهوب بس أحبه.. أنا أموت فيه ومن أقصاي ولو فيه شيء فوق كذا فهو حبي له.. ارتحتي يمه!! بس يمه ما ابي أعيش معه.. ما أبي.. تكفين يمه.. كفاية تسوين علي حصار.. انا بروحي متضايقة حدي إنه عمي زايد طلع زعلان.. مزنة صمتت وهي تمسد شعر كاسرة بأناملها.. ورأس كاسرة يرتخي على كتف أمها وهي تمنع نفسها ان تبكي.. رغم حاجتها الماسة لذلك.. ومزنة تقرر أن تتوقف تماما عن الإلحاح على كاسرة.. حتى حين..!! فهي لم تتوقع أبدا أن كاسرة قد تعبر عن حبها له بهذه الطريقة ثم تقرر تركه.. هناك شيء قد لا تفيد فيه الوساطات.. شيء بينهما ولن يحله سواهما!! ولكن مع ذلك مزنة ستنتظر عودة كساب قبل أن تنزل معه بكل ثقلها.. فهذا الشاب أصبح قريبا جدا من روحها.. وهي تعوض فيه كثيرا من مشاعرها التي كانت لمهاب..ويسد فراغا ما في حياتها.. فهو بعيدا عن كونه زوج ابنتها..كان كثيرا ما يزورها هي.. وبينهما تفاهم كبير رائع... تراه أكثر من مذهل.. ويعجز أيا كان على عدم الإعجاب بشخصيته ورجولته ولباقة حديثه وإتساع أفقه.. فلماذا ابنتها عاجزة عن رؤية كل هذه المزايا.. لماذا؟؟ ************************************ عاد للبيت بعد صلاة العصر.. بعد أن تغدى في بيت أهله.. لم يصعد للأعلى.. ولكنه يشعر أن البيت ساكن تماما.. حتى ابناه لم يراهما اليوم.. نادى إحدى الخادمات وسألها عن نجلا والأولاد.. فأجابته أنهم ذهبوا جميعا مع سميرة حوالي الساعة الثانية والنصف.. استغرب..سميرة تأخذهم بعد عملها وتذهب أين.. وكيف تخرج نجلا بدون أذنه.. يعلم أنها حتى لو كانت غاضبة فيستحيل أن تذهب دون أن تستأذن لو حتى برسالة هاتفية.. أ يعقل أنها عادت لبيت أهلها؟؟ اتصل بنجلا ولم ترد.. واتصل مرة أخرى لترد عليه سميرة.. سلم باحترام ثم سألها عن نجلا.. سميرة همست بتردد: نجلا تعبانة شوي وجبتها المستشفى الأهلي عشان يسوون لها فحوص شاملة.. حينها تفجر قلق صالح: أشلون تعبانة والبارحة مافيها شيء؟؟؟ ووش ذا التعب اللي يستلزم فحوص شاملة؟؟ تدرين... خلاص أنا جايكم الحين؟؟ لم يستغرق سوى عشرين دقيقة ليكون واقفا بجوار سميرة.. التي شعرت بالحرج من وقوفها مع صالح في الممر.. بعد أن اتصل بها لتواجهه خارجا.. حتى يعلم منها ما الذي حدث قبل أن يرى نجلاء كان صالح يتفجر قلقا حقيقيا وهو يسأل بأنفاس مقطوعة: نجلا وش فيها؟؟ سميرة شرحت له باختصار ودون تعمق عن حالة نجلا.. ليجيب حينها بغضب متفجر: وليش ماقالت لي أنا يوم إنها صار لها كم شهر وهي تعبانة؟؟ سميرة أجابته بحرج: إسأل روحك يابو خالد.. أنت اللي عايش معها المفروض إن التغيرات ذي ما تمر عليك.. والحين دامك جيت.. اسمح لي بأكلم رجالي وأروح.. نجلا داخل في الغرفة هذي وأنا اسمح لي.. سميرة غادرت بالفعل لصالة انتظار أخرى حتى تهاتف تميم ليحضر لأخذها فهي لا تستطيع البقاء مع صالح.. بينما صالح لم يستطع صبرا وهو يطرق الباب ويدخل.. حين دخل كانت تتمدد على السرير وعليها لباس المستشفى وعباءتها جوارها.. ويسحبون منها عدة زجاجات من الدم.. بعد أن أصرت سميرة أنها لابد أن تبقى الليلة في المستشفى حتى ينتهون من نتائج الفحوص.. نجلا حين رأت صالحا.. رغما عنها تغرغرت عيناها بالدموع.. صالح دار من الناحية الأخرى بعيدا عن الممرضة.. ليشد على كف نجلا بقوة وهو يهتف بعمق: أفا يام خالد.. ترا مافيش إلا العافية لا توسوسين بشيء الوسوسة من عمل الشيطان.. نجلاء حينها بدأت تبكي: بس أنا ما أسوس.. والله العظيم ما أوسوس.. لا تقول إنك ما لاحظت أشلون أنا متنت مع أني ذبحت روحي ريجيم لا تقول إنك مالاحظت أشلون مزاجي على طول متعكر وأقل شيء يضايقني.. أما عاد اللي ماقلته لك إنه حتى دورتي الشهرية مختبصة مرة وحدة.. وعقب ذا كله تقول لي لا توسوسين.. صالح شد على كفها بقوة أكبر وهو يذوب لها حنانا: حتى ولو.. هذي كلها أعراض اختلال في الغدة بس يعطونش علاج ينظم عملها بتكونين زينة.. السالفة بسيطة لا تكبرينها يالغالية.. نجلا أجابت بحزن عميق: خير إن شاء الله خير.. ************************************* ركبت جواره وهي تشير بالسلام.. أشار لها بالسلام ردا عليها ثم أشار: شأخبار أختش؟؟ أشارت بقلق: مابعد طلعت نتائج الفحوص.. ثم أشارت بتردد: تميم أبي أروح لبيت هلي عشان عيال نجلا.. أمي ماتقدر عليهم كلهم.. ونجلا يمكن تمسي في المستشفى.. لا ينكر أنه شعر بضيق عميق.. فهي نادرا جدا ما باتت عند أهلها.. وهو اعتاد على وجودها لأبعد حد.. لا يتخيل أنه قد يبات الليلة دون إحساسه بعذوبتها تحيط المكان.. ومع ذلك هز رأسه موافقا.. وهو يتجه لبيت أهلها.. حين وقفا في باحة البيت.. كانت تستعد للنزول حين شد على كفها.. انتفضت وهي تنظر له وتشير بيد واحدة: تبي شي؟؟ شد على كفها بقوة أكبر ثم أفلتها وهي يشير ببساطة مهمومة: لا.. سميرة لا تنكر تصاعد دقات قلبها لأبعد حد.. تصرفاته باتت توترها كثيرا لدرجة القلق وهي تشعرها بالتحفز لعجزها عن فهمه.. كانت تشعر أنه يريد أن يقول شيئا ولكنها لم تمنحه الفرصة وهي تنسحب هاربة.. حين دخلت لداخل البيت وصلت رسالة لهاتفها.. كانت منه: " يعني عشان اسمك على القلب منحوت معاد تسأل صاحبك كيف حاله؟؟ " سميرة ألقت الهاتف على الاريكة كما لو كان سيلسع يدها.. ثم جلست بعيدا عن الهاتف كما لو كان الهاتف وحشا مرعبا وهي تضع كفها على قلبها لتهدئ دقاته: أنا أقول الرجّال استخف رسمي..مافيه شك.. بروحي كنت أسخن يوم أقرأ مسجات صويلح لنجول.. أشلون الحين والمسج لي!! يمه يمه يمه.. حرمت أفتح مسجات منه.... ********************************** " خوش وقت يروحون فيه علي وزايد للعمرة عشان نكسبش عندنا" مزون تلبس زايد الصغير وهي تجلس على الناحية الأخرى من السرير وهي تبتسم: إيه تبون تشغلوني خدامة عند زايد الصغير.. ألبس وأغسل.. عفراء بابتسامة أمومية: يا النصابة.. توش متهادة مع جميلة من فيكم اللي تبدل ملابسه وأنتي اللي فزت.. مزون تضحك: أنا فزت لأن جمول أصلا ماصدقت تشوفني تبي تتسبح.. خبرش الدلوعة لو ما تنقعت في الماي المعطر على الأقل نص ساعة.. بتجيها حساسية.. وبعدين أنا فزت المرة اللي فاتت.. ذا المرة المفروض مرتها.. والأخت صار لها أكثر من ساعة فوق.. عفراء بحنان موجوع: زين مزونتي روحي طلي عليها.. ترا حالها مهوب عاجبني.. وحاسة إنها داسة عني ضيقتها.. يعني من عقب حالتها الهستيرية يوم طلقها خليفة سكتت مرة وحدة عقب ماولدت.. أنا دارية إنها كاتمة في نفسها عشان ما تضايقني.. تكفين خليها تفضفض لش شوي.. مهوب زين تكتم في نفسها.. مزون تضع زايد الصغير بين يدي خالتها لترضعه وهي تقبل رأسها وتهمس بمودة عميقة: حاضرين يالغالية.. ولا تحاتينها.. مزون طرقت الباب بخفة.. ودخلت لتجد جميلة مرتبكة.. تنهض عن السرير وهي تحاول إخفاء وجهها ومازال روب الحمام عليها.. وهي تهمس بصوت محتنق: دقايق مزون بس أستشور شعري وألبس ملابسي وأنزل لكم الحين.. مزون تقدمت منها وهي تشدها لتجلس معها على السرير وتهمس بحنان: أدري أنش كنتي تبكين.. مافيه داعي تدسين.. شوفي وجهش وعيونش بس.. حينها دفنت جميلة وجهها في كتف مزون لتنتحب بوجع عميق: بأموت يامزون بأموت.. ماهقيت خليفة يسوي فيني كذا.. ماهقيت أني ممكن أهون عليه كذا..!! مزون بحزن: ياقلبي ياجميلة أنتي اللي حديتيه يسوي كذا.. جميلة بين شهقاتها: لا ماحديته... أنا عطيته الخيار.. وهو ماصدق يخلص مني.. أنا كنت أقول له كذا وأنا بأموت من الرعب إنه صدق يبيعني.. بس مابغيت أعيش حياتي معه وأنا حاسة إني خيار هو مجبور عليه.. حدته عليه الشهامة وأني بنت عمه المريضة.. بغيته يختارني الحين بكامل اقتناعه.. بس هو ماصدق.. ماصدق.. قال جاته من الله..باعني وبرخيص.. حينها همست لها مزون بنبرة تهدئة: زين دامش تقولين إنه بايعش.. خلاص ليش تبكين عليه كذا؟؟ جميلة مازالت تنتحب: هذي عشرة طويلة.. ثمان شهور وهو مستحملني ومستحمل غثاي.. تعودت عليه فوق ما تتخيلين.. وهو يا مزون.. طيب وحنون فوق ما تتخيلين.. تمنيت لو أقدر أرد له شوي من جميله علي.. قلت لا اختارني بإرادته والله لأخليه أسعد رجّال في العالم.. بس.. بس... مزون ترفع وجهها وتمسحه بحنان ثم تهمس بحزم رقيق: بس يا قلبي لا تبكين الوجه الحلو هذا ما انخلق عشان يبكي.. أصلا أنا محتاجتش تروحين معي ننقي شبكة علي ودبلته..وشوي هدايا لمرته.. تدرين الملكة صارت وحن مشغولين مع خالتي في المستشفى.. الليلة نروح للأماكن القريب.. وبكرة الصبح من بدري نكمل.. ونروح لهم في الليل بكرة.. جميلة تمسح وجهها: ماعليه مزون اسمحي لي ما أقدر أخلي أمي حايسة مع زايد.. مزون تبتسم: فديت حس المسئولية ياناس.. لا تحاتين أمش عندها بدل الخدامة أربع.. أنا اللي محتاجتش الحين!! *************************************** القلق يلتهم روحه.. وهما ينزلان للأسفل بعد أن أصرت الدكتورة .. أنه لابد أن تعمل نجلاء تلفزيون.. بينما قلق أشد سوداوية ومرارة يلتهم روح نجلا.. هل تكون مصابة بشيء في الرحم تريد أن تتأكد منه الطبيبة؟؟ نجلا طوال نزولهما للاسفل ويدها ترتعش بعنف في يد صالح التي تشد عليها بقوة وهي تكثر من الدعاء وقراءة القرآن.. وصالح يطمئنها إنه لا داعي للقلق.. رغم أنه يكاد يموت قلقا..بل يكاد ينتهي من شدة احتكام قلقه.. وهو يحاول إبعاد الأفكار المؤذية عن باله.. أ يعقل أن تكون مريضة وهو طوال الأشهر الماضية كان يحرق أعصابها؟؟ حتى لو لم تكن مريضة كما يدعو ويتمنى فهي كانت تعاني لوحدها من هواجسها دون أن يشاركها سوى بالصراخ عليها وتأنيبها في كل وقت.. يا الله كم هو نادم على كل هذه الشهور التي جعلها تعاني بسببه دون أن يخفف عنها..!! شد على يدها أكثر وهما يقتربان.. ويكثر الدعاء في قلبه.. وهو يشعر بندم عميق يُغرق روحه على كل دقيقة سمح لنفسه فيها أن يجرح مشاعرها!! حين وصلا.. وتمددت نجلاء على السرير.. شجاعة صالح كلها ذهبت وهو عاجز عن تقبل الفجيعة إن حدثت.. هتف لنجلا بحنان عميق: أنتظر برا؟؟ شدت نجلا على يده بقوة وهي تهمس بجزع: لا لا.. تكفى لا تخليني.. الطبيبة جلست من الناحية الأخرى وتبتسم وهي ترى علائم الرعب والتوجس على وجهيهما.. الطبيبة مررت الجهاز على بطن نجلاء من الأسفل.. بينما وجهيهما يزدادن امتقاعا..وهما ينظران للشاشة الضخمة أمامهما.. الطبيبة رفعت درجة الصوت من الجهاز ليسمعا بما أن الصورة لم تظهر بعد.. صالح هتف بجزع: وش ذا الصوت..؟؟ مع أنه سبق أن سمعه ولكن شدة جزعه وخوفه على نجلاء ألغى كل التركيز من مخيلته.. بينما نجلا اختنقت تماما وغامت عينيها وهي تشعر بانهيار حقيقي موجع وهي تتعرف فورا على الصوت.. لتظهر الصورة حينها واضحة على الجهاز.. ليصرخ صالح بصدمة كاسحة: جنين..؟؟؟ ابتسمت الطبيبة: ليه ماسمعت دقات قلبه؟؟...وشوفت عينك قربت كل أعضاءه تكتمل.. شوف رأسه وايديه ورجليه.. أنا بس حبيت أعرف المدام أي شهر.. لأن الدم ماوقف معها فهي مش عارفة الحمل بالتحديد كان متى.. لكن على الجهاز مبين.. المدام دخلت الشهر الخامس قبل يومين.. والجنين سليم الحمدلله.. والمدام كمان سليمة وكل تحاليلها ممتازة.. وحالة استمرار نزول دم بعد الحمل طبيعية مادامت لا تتجاوز الحد.. نجلاء أدارت وجهها ناحية صالح وهي تدفن وجهها في عنقه وتنتحب بصوت مسموع حينها وقفت الدكتورة لتغادر وهي تشد الستارة عليهما.. ليزداد نحيب نجلاء ارتفاعا.. صالح ضمها بكل حنان وهو يهمس بتأثر عميق: الحين ليه تبكين يا الخبلة.. هذا أنتي سليمة وحامل بعد.. شددت احتضانها لعنقه ونحيبها يزداد ألما وهي تهمس باختناق: مبسوطة يا صالح مبسوطة.. صالح هتف بألم السعادة الحقيقية: أجل لو زعلانة وش بتسوين؟؟ هذا أنتي اختصرتي أربع شهور من الحمل يعني شهور الوحم.. عشان ماتصدعيني وتقولين مشتهية لبن العصفور وإلا ما أدري ويش.. *************************************** عاد إلى غرفته الليلة في وقت مبكر لأنه كان لديه عدة رسائل إلكترونية مهمة لابد أن يرسلها قبل الغد.. لم يجدها في الغرفة.. ولكنه وجد الغرفة مرتبة بعناية بالغة.. وتفوح برائحة عطرة مميزة.. ثم حين فتح الخزائن وجد ملابسه كلها قد اُعيد ترتيبها بدقة أكثر عناية وتفوح منها رائحة عود ثمين مركز.. مطلقا لا يمكن أن يجد على جوزا أي ممسك من هذه الناحية.. فهي طيلة الأشهر الستة الماضية كانت تبالغ في اهتمامها بكل هذه التفاصيل.. ولكن لا يعلم لماذا شعر اليوم أن هذا الاهتمام ليس عفويا بل متقصدا حتى يلاحظه.. وهاهو لاحظه.. فماهي خطوتها التالية؟؟ كان مستغرقا في العمل على حاسوبه حين دخلت وهي تحمل حسن النائم على ذراعيها.. حينها قفز بجزع حقيقي.. وهو يلقي الحاسوب دون تفكير لا يعلم أين ألقاه.. ليتناول حسن منها وهو يهتف بغضب مكتوم: أنتي صاحية؟؟ الولد ثقيل.. وأنتي توش في الشهر الثاني وطالعة من المستشفى وهم معطينش إبر تثبيت.. تبين تسقطين أنتي وإلا وش تبين؟؟ حينها أجابت بألم عميق: يهمك يعني؟؟ عبدالله باستنكار وهو مازال يحمل حسن: نعم؟؟ جوزاء تجاوزته وهي تهمس بذات الألم العميق: تدري إنك حتى ماقلت لي مبروك على حملي؟؟ عبدالله بذات نبرة الاستنكار: نعم؟؟ حينها همست بسكون: ممكن لو سمحت تحط حسن على سريره عشان ألبسه بيجامته.. نام بدون مايقول لي إنه بينام.. عبدالله توجه لغرفة حسن ليضعه على السرير وجوزا وقتها كانت تستخرج لها ملابس داخلية وبيجامة حتى تستبدل ملابسه.. وضعتها على السرير ثم توجهت للحمام لتحضر بعض الماء الدافئ في إناء وفوطة صغيرة لتمسح جسد حسن بما أنه نام قبل أن تحممه كان عبدالله يراقبها وهي تقوم بعملها بكل دقة وتفاني.. حين وصلت لإلباسه ملابسه.. شدها عبدالله وهو يهتف بحزم: خلاص أنا بألبسه كفاية عليش ذا كله وأنتي مدنقة.. جوزا بجزع عفوي: لا والله ماتلبسه وأنا قاعدة صافة يدي.. عبدالله بحزم: بس جوزا اقعدي خلاص.. جوزا لم تجلس لكنها انسحبت بإرهاقها وعادت لغرفتها بينما عبدالله أكمل إلباس حسن الغارق في نومه وهو يحركه بخفة ثم يتولى هو مسئولية تحصينه بالأذكار.. ليعود بعد ذلك لجوزا التي كانت تستحم في الحمام.. عاود تناول حاسوبه.. ليكمل عمله المبتور.. حينها خرجت وهي تلتف بروبها وتسأله بسكون وهي تستدير لإخراج ملابسها: تبي عشا؟؟ ماظنتي إنك لحقت تتعشا في المجلس دامك جاي بدري كذا.. أجابها بسكون مشابه: ماني بمشتهي.. كنت مع واحد من الربع في كوفي عقب المغرب وكلنا كيك مع القهوة وسدت نفسي.. ثم أردف بذات السكون: ومبروك أجابته وهي مازالت توليه ظهرها بنبرة حزن عميقة: مالها طعم بالضبط مثل ماقلتها!! حينها وقف وتوجه ناحيتها ليمسك بخصرها وهو يديرها ناحيته ويهتف بعمق: لا تصيرين سخيفة لأنش عارفة أني مبسوط ومستانس..وفوق ما تتخيلين.. أجابته بذات نبرة الحزن الشفاف وهي تزيل يديه عن خصرها: مبين واجد إنك مبسوط!! ************************************* " سميرة يأمش روحي لبيتش.. نجلا جات وخذت عيالها من زمان" سميرة برفض: خلاص يمه بأنام عندكم.. أنا استأذنت تميم ورخص لي.. أم غانم باستغراب: بس يامش بكرة عندك دوام.. أغراضش كلها معش..؟؟ سميرة لأنها كانت قد قررت أنها ستبات.. فهي طلبت من وضحى إرسال حاسوبها وأوراقها التي كانت قد أعادتها معها حين أنزلوها في بيت نجلا اليوم ظهرا.. لذا أجابت والدتها: إيه يمه كلها معي.. لكنها يستحيل أن تخبر والدتها عن السبب الحقيقي لرغبتها في عدم العودة لبيتها وهي تحتضن هاتفها بين يديها وتقرأ رسالة تميم الأخيرة ربما للمرة الألف.. بعد أن قرأت كل واحدة من الاربع السابقة التي وصلتها الليلة لألف مرة أيضا ربما.. " يا ويلش يا وضحى لو كنتي اللي قلتي لتميم أني وحدة خبلة والمسجات تأثر علي فأشلون والمسجات منه هو!! لا حول ولا قوة إلا بالله هذي الليلة قاعد يلعب بي كنه يلعب بكورة" وهي في أفكارها انتفضت مع رنة الرسالة السادسة شعرت بالصداع وهي تهمس داخلها: الرجال هذا استخف وبيجنني معه.. فتحت الرسالة وشعورين متضادين يمزقانها تماما.. اللهفة لمعرفة المكتوب والخوف منه: " إن قلت احطك داخل العين.. عييت***خايف يحول الرمش بينك وبيني وان قلت احط بداخل القلب لك بيت***صعب علي اخفيك عن نظرعيني ودي اشوفك كل ما اصبحت وامسيت***ممساك في قلبي وصبحك بعيني " حينها ألقت سميرة الهاتف جوارها.. ودفنت وجهها بين يديها وهي تنخرط في بكاء رقيق عميق.. تشعر أنه يضغط على أعصابها ومشاعرها كثيرا.. والمشكلة أنها لا تستطيع مواجهته لأنه يضغط بطريقة غير مباشرة.. والدتها قفزت بجزع لتجلس جوارها ووهي تسأل بقلق: سميرة يأمش.. تميم مزعلش في شيء؟؟ سميرة دفنت وجهها في كتف والدتها وهي تهمس بصوت باكي: لا والله يمه.. بس أنا مضغوطة شوي.. لم ترد أن تكذب عليها بشيء وفي ذات الوقت لم ترد أن تخبرها بشيء خاص بها هي فقط ولن تتفهمه والدتها.. والدتها احتضنت كتفيها وهي تهمس بحنان: تعبانة يأمش من الشغل.. قدمي على إجازة.. سميرة بذات الصوت الباكي: خير يمه.. خير.. *********************************** " عمرة مقبولة يبه.. وتقبل الله طاعتكم" زايد يلتفت لعلي وهو يلف إحرامه ليستر الجزء العلوي من جسده النحيل وهما خارجان من عند الحلاق ويبتسم: وعمرتك وطاعتك مقبولة إن شاء الله ثم أردف باهتمام عميق: أشلون نفسيتك الحين يأبيك؟؟ علي بشجن إيماني عميق: مافيه حد يأتي هنا ونفسيته ماترتاح.. الله لا يحرمنا زيارة بيته.. زايد بذات الاهتمام: ودعيت من قلبك.. علي بذات الشجن الإيماني: والله العظيم دعيت ودعيت ودعيت من أقصاي.. الله لا يخيبني.. قلبي احترق من يومين وش بيصبرني باقي العمر..؟؟ زايد يهتف في داخله بألم هو يملأ عينيه من علي: "يصبرك اللي يصبر أبيك.. ثلاثين سنة مافتر لساني وأنا أدعي ربي في كل صلاة إنه ينسيني إياها وما نسيت.. لكن ذا المرة مادعيت إلا لك.. أنا استحملت واتحمل مافرقت علي المواجع عقب ذا السنين كلها.. لكن أنت بغيت تموت من يومين.. يأبيك لا تحرق قلبي عليك.. طالبك ياربي وأرجاك ماتحرق قلبي عليه وأنا واقف قدام بيتك وجايك عاني فلا ترد دعوة من نصاك" علي ابتسم وهو يهز كتف والده: يبه وين رحت؟؟ زايد انتفض بحزم: هنا يأبيك هنا.. يا الله خلنا نروح الأوتيل نرتاح ماعاد باقي على شروق الشمس إلا شوي.. ********************************* " يا الله.. أحلى صباح ذا الصباح مر علي من زمان" نجلاء تبتسم وهي تنفض الفراش ثم ترتبه وهي تنظر لصالح الذي نهض للتو: إيه اشتكي اشتكي... يعني أنا نكد من زمان.. صالح يميل ليقبل كتفها ثم يتوجه لتناول فوطته ويهتف بسعادة حقيقية: نكدي علي على كيف كيفش... أنا كلي حلالش.. نجلاء مازالت تبتسم وهي تكمل الترتيب: هذا كله تبي بنية يعني؟؟ صالح بمودة عميقة: بنية صبي اللي بيجي من الله حياه الله.. المهم أنش زينة وبخير.. يا الله كم يبدو هذا الصباح مختلفا لهما كليهما..!! مشرق شفاف مغلق بسعادة شفافة.. بعيدا عن الهم غير المعروف المؤلم الذي غمر الأشهر الماضية.. روح طاهرة نقية ساكنة تغمر المكان تماما كروح الجنين الذي يسكن أحشائها.. الذي جاء كالسحر ليعيد كل الأمور إلى أفضل من نصابها حتى!! كم يبدو كل شيء تافهما حقيرا أمام نعمة الله عز وجل وهو يمنح روحهما السكينة ويغمرهما بفضله!! ************************************ " عبدالله قوم.. خلاص أنا جهزت الريوق تحت عند أمي صافية" عبدالله نهض وهو يفتح عينيه على وجهها المرهق.. هتف بصوت ناعس: رجاء جوزا لا عاد تسوين شيء.. أساسا الريوق عند أمي أشكال وألوان على كل حال.. ومسوينه الخدامات من صبح.. مافيه داعي تسوين شيء.. جوزا بذات النبرة الساكنة الحزينة وهي تنهض من جواره: ليه ما تبيني أسوي لك شيء؟؟ أو ماتبي مني شيء؟؟ عبدالله اعتدل بشكل كامل ليشدها ويعيدها جواره ويهتف بنبرته الحانية التي افتقدتها خلال اليومين الماضيين إلى درجة الوجع: جوزا اشفيش كل شيء تفهمينه بالمقلوب.. أنا بس ما أبيش تتعبين نفسش.. أنتي بروحش تعبانة.. حينها أدارت وجهها للناحية الأخرى حتى لا يلمح دموعها.. حينها أدار وجهها ناحيته ليقبل عينيها المبللة بألم اشتياق موجوع ويهتف بعمق متجذر: مثل ماتكرمتي علي بمرة وحدة وذوبتي قلبي بكلمة.. أقول الله لا يحرمني من عيونش.. ياكثر ما تطعنين في ذا القلب ولا كفاش.. حــيـنـهـا.. دفنت وجهها في صدره وهي تنتحب فجأة بطريقة جنائزية فعلية كما لو أنها تكتم هذا الدمع في قهر روحها منذ دهور.. بكت كما لو أنها لم تبكِ مطلقا قبل ذلك.. ثم بدأت تلكم صدره بكل قوتها وهي تنتحب بجنون: أنت نذل وحقير وأنا أكرهك.. أكرهك.. تدري أني أكرهك.. شدها ليحتضنها بقوة ووهو يهدهدها كما لو كان يهدهد طفلة: خلاص خلاص...أششششش... أدري أنش تكرهيني.. وأنا أستاهل.. مازالت تنتحب بهستيرية كل ألم الذكريات ومرارتها.. ووجهها مدفون في صدره: لا ما أكرهك.. أحبك.. بس أنت ماتستاهل.. أجابها وهو مازال يحتضنها ويبتسم بألم: أدري بعد!! مازالت تنتحب وتهذي بكلمات مبعثرة: لا.. أنا أحبك.. بس أنا اللي ما أستاهل حتى أني أحبك عشاني أنا نذلة وحقيرة.. عبدالله يشدد احتضانها أكثر وهو مازال يهدهدها ويهتف بألم عميق.. عميق.. عميق: لا عاد هنا ما أسمح لش.. أنا لو رضيت تقولينها لي.. ما أرضى تقولينها لنفسش.. مازالت تنتحب وهذيانها مستمر وكلماتها تتناثر بين شهقات نحيبها: وكذابة بعد.... وممثلة.. أنا ما استخدمت.... مانع حمل أساسا.. وكنت بأموت... لو ما حملت..وكنت خايفة.... إنك تملل مني وتخليني.. وأنا زعلانة.... لأنك منت بفرحان بحملي..... مع أني كنت بأموت من الفرحة يوم دريت.. أبي ولد بعد.. وأبيه يشبهك مثل حسن.. أبي أجيب عيال واجد.... وأبيهم كلهم يشبهونك.. وأبي أكمل دراستي.. وأبي عبدالرحمن يقوم لأني اشتقت له واجد.. وأنا أحبك.. والله العظيم أحبك.. وما أتخيل حياتي من غيرك.. تكفى لا تخليني.. لا تخليني.. والله العظيم حياتك من غيرك ماتسوى.. أنا من قبلك ميتة وأنا حية.. أنهت عبارتها لترفع رأسها قليلا وهي تطوق عنقه بذراعيها وتدفن وجهها بين عنقه وكتفه وتستمر في النحيب من أقصى نقطة مدفونة في روحها.. عبدالله بدأ يشعر أن قلبه يؤلمه فعلا وهو يُعتصر فعلا بقوة كاسحة من فيض المشاعر المتفجر غير المتوقع.. يؤلمه فعلا وهو يحتضن خصرها بقوة ويهتف بألم شجن عميق: أنا كنت خايف إنش أنتي اللي تخليني.. وأنا اللي كنت حاس إن حياتي بتنهار يوم فكرت أنش بتخليني.. ولو أنت تحبيني شوي أنتي عارفة إن حبي لش ماله قياس.. ووالله العظيم أني كنت متشفق على حملش أكثر منش بس ما أبي أضغط عليش.. جوزا حينها صمتت عن الكلام ولكنها لم تصمت عن البكاء الذي تحول لأنين موجوع مثقل بشهقات خافتة وهي تتعلق بعنقه أكثر.. كما لو كانت تخشى فعلا أن يتركها.. وعبدالله يضمها لصدره أكثر وهو يدفن رأسه في طيات شعرها ويتنفس بعمق.. وألم قلبه يتزايد لفرط سعادة ماعاد يحتملها.. كان يحتضنها بكل قوته ويأسه وكأنه لا يريد إفلاتها أبدا لأنه يخشى أن يكون في حلم جميل طال اشتياقه له وهو لا يريد أن يصحو من هذا الحلم أبدا.. لا يريد.. لن يحتمل أن تمنحه كل هذا الفيض من خصوبة المشاعر ثم تعاود جره على أرض جفائها البور.. حسن قاطع فيض المشاعر وهو يقفز على السرير معهما ويهتف وهو يفرك عينيه بنعاس: وس فيه؟؟ سويتو ازعاز ماخليتوني أنام.. أنا زعلان عليكم ومابي أروح روضة.. حينها شدت جوزا حسن بينها وبين عبدالله وهي تحتضنهما كلاهما وتنتحب بشكل أشد.. عبدالله خلص حسن برقة وهو يهمس بألم: فكيه شوي.. الولد انخنق وهو مهوب فاهم شيء!! ************************************ سميرة تنتظر قدوم تميم ليأخذها لعملها رغم أنها أرسلت له رسالة إنها ستذهب مع سائق بيت أهلها.. ولكنه أرسل لها رسالة رفض قاطع.. كانت سعيدة جدا أنها أخيرا ترى منه رسالة رسمية بعد أن أرهقها البارحة برسائله غير الرسمية إطلاقا.. وهي في الانتظار وصلتها رسالة منه ظنته يخبرها أنه في الخارج.. ففتحتها بعفوية: " من أمس وقلبي خفقته ماهي بخير ..من يوم غابت عن سمايا بروقك يومين وهمومي بقلبي طوابير ......وأنت الوله ما يبلل عروقك كانه بخل ؟حول علي الفواتير!..وكانه ثقـل ؟الله يلين خفوقك ! أنا برا.. ياقلبي " سميرة همست بغيظ مخلوط بأنفاسها المقطوعة تماما من سببه وهي تضع هاتفها في الحقيبة: دمك خفيف ياولد.. وقلبي بعد؟؟.. الحالة صارت مستعصية عندك!! الله يشفيك.. حين خرجت.. وركبت جواره بتوترها الغريب هذه الأيام.. سلمت بإشارة ساكنة.. ثم التفتت خلفها لتلقي التحية على وضحى ليتحول التوتر إلى صدمة.. وهي تشير بجزع: وين وضحى؟؟ أجابها ببساطة: عندها موعد اليوم الصبح.. أمي ودتها وعقبه بتجيبها هي للمدرسة.. توترت أكثر وهي تهمس لنفسها بتذمر وبصوت مسموع: والله مهوب بعيد إنك بعد اللي مسوي ذا الحركة !! حينها أشار لها بإبتسامة: تراني حتى لو أنا ما أسمع.. أدري لو كان اللي جنبي يتحلطم.. أحس بالذبذبة.. سميرة شعرت بالخجل الذي تفجر لخجل أشد وهو يشد يدها ليحتضنها في كفه بقوة ثم يفلتها وهو يشير بتقصد: انبسطتي البارحة وأنتي مخليتني بروحي ماقدرت انام حتى..؟؟ حينها انفجرت سميرة وهي تشير بانفعال: أنت ليه تسوي فيني ذا كله؟؟ حرام عليك هز كتفيه ببساطة باسمة وهو يحرك السيارة: ليه أنا وش سويت؟؟ حرام يعني أعبر عن شوقي لش؟؟ *********************************** " الدحمي.. إلا أنت وش تحب تأكل دامك دب كذا؟؟ وحتى الغيبوبة ماضعفتك.. لأنه من الحين أقول لك إذا أنت تبي تاكل شيء من ورا أيديني استعد لشيئين.. أما الريجيم وإلا التسمم.. أنا فاشلة في المطبخ.. وترا مهوب ذنبي.. أمي ماعلمتني وتبيني أتبرأ من أمي ماعندي مانع... أهون علي من أني أتعلم أطبخ " صمتت عالية قليلا ثم همست بتردد خجول: عبدالرحمن.. لو مسكت يدك بس.. بتعصب علي وتقول إني قليلة أدب؟؟ تدري لو عليّ أنا.. خاطري أسوي أكثر من كذا.. لا تنصدم وتقلب وجهك وتقول هذي مافي وجهها حيا لأنه المشكلة أني مستحية ومن قلب وإلا ماكان خليتها في خاطري.. بس الحين صدق صدق خاطري أمسك يدك بس.. عادي يعني ماراح تزعل؟؟ وأيضا لشدة استغراقها في الثرثرة والارتباك والنظر لوجه عبدالرحمن لم تنتبه إلى تغير مؤشراته الحيوية.. دون أن تعلم أن هذه ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا حتى الرابعة.. فهو خلال الأسبوعين الماضيين بدأت مؤشراته الحيوية تتغير أحيانا مع حديثها.. فرغم شدة اهتمام أهله به إلا أنهم لم يكونوا يوجهون له حديثا مباشرا أو يشعرونه أنه مخلوق حي كما تفعل هي.. بحديثها الحماسي وكأنها تتحدث لإنسان متفجر بالحياة.. كان يسمع أحاديثهم من بعيد ودون تركيز كالهذيانات.. وكثيرا مايسمع تلاوة والده للقرآن التي كانت تعمق سكينته وسكينة روحه وهو يتمنى لو تنتهي هذه الحياة ليرتحل إلى جوار ربه.. فهو كان بالفعل في غيبوبة عميقة سيطر فيها عقله الباطن تماما الذي رفض عودته للحياة بعد أن شهد بنفسه موت صديق عمره.. كان يحاول أن يصل له وهو يسمع حشرجة صدره التي علم يقينا أنها لحظات انتزاع الروح.. ولكنه حين وصل له بصعوبة وهو يشعر أن جسده يتمزق من الألم كان مهاب قد فارق الحياة.. كان هو من أغلق عينيه وتشهد عليه.. قبل أن يدعو ربه بصدق موجوع أن يأخذه معه لأنه لن يحتمل الحياة بعده.. حتى وهو في غيبوبته كان يدعو الله بذات العمق أن ينهي هذا العذاب الطويل.. حتى دخلت هذه المخلوقة الغريبة حياته.. بداية لم يعرف من هي.. وهو يسمع ثرثرة كثيرة لا يفهم أكثرها.. ولكنها كانت تتحدث له من قرب وبشكل مباشر وكل حديثها له.. عرفها.. فهي عرفته بنفسها.. واعتاد عليها بسرعة.. في البداية كان عاجزا عن التركيز ولكنه بعد ذلك بدأ يركز معها ومع حديثها وهو يلتقط كل ماتقول.. وبدأت تجذبه لعوالمها الملونة المرفرفة المليئة بالحياة.. بدأ يشعر فعلا أن هناك حياة خلف أسوار سكون جسده.. تعرف على أخبار كل من تربطهم به علاقة وهي تشعره كم مضت الحياة بالناس بعده.. ثم بدأ يتعرف على وقت زيارتها ويتلهف لها بطريقة لا واعية.. ولكن مازالت حرقة مهاب أكبر بكثير من أن يقرر عقله الباطن إطلاق إساره... عالية حاولت بالفعل أن تمسك بيده لكنها فشلت لشدة خجلها ثم همست بتأفف: تدري عبدالرحمن أنا وحدة جبانة وما أبي أمسك يدك خلاص.. الظاهر أني خايفة أمسكها وتقوم تأكلني.. خلك أنت لين تقوم وتمسك يدي.. ياويلك ماتمسك يدي..وتبوسني بعد أول ما تشوف وجهي.. مهوب أنا قاعدة أسوي لك غراميات وأنت راقد ومكبر المخدة وبعدين كله على الفاضي.. نظرت لساعتها همست بتأفف: أف وأف وأف.. مسرع يمر الوقت.. ابيك مهوب ماخذ يوم إجازة واحد يعني ويريح شيباته شوي؟؟؟ ************************************** انتفض بشدة وهو يشهق بعنف وزايد يهز كتفه ليوقظه قبل صلاة الظهر ليصليا في الحرم ثم يطوفان قبل المغادرة للمطار.. ثم اعتدل جالسا وهو يشد له أنفاسا صعب عليه سحبها ليكح بشكل متقطع.. زايد ناوله كأس ماء وهو يربت على كتفه ويهتف بهم عميق: بسم الله عليك يأبيك بسم الله ثم أردف بهم أعمق: علي أشلون ممساك ؟؟ علي يحاول الوقوف بتوازن رغم شعوره بدوار خفيف وهو يهتف باحترام: زين جعلني فداك.. زايد بذات نبرة الهم العميقة فمايراه في هذا الفتى من ألم يجرحه لأبعد حد: تكذب علي وأنا ممسي معك وسامع بنفسي..!! علي بجزع عفوي: وش سمعت؟؟ والله ماقلت شيء!! زايد بشجن وجع عميق: تون يأبيك.. طول ما أنت راقد وأنت تون.. ونينك ذبحني.. ونين موجوع.. حرام عليك يأبيك تسوي في روحك كذا.. حينها همس علي ببساطة مغلفة بعمق إنساني متجذر: ليه يبه؟؟ هو الشيء ذا بيدي..؟؟ وإذا على الونين.. من شابه أباه فما ظلم.. وعلى الأقل يبه أنت عندك اسم تون به.. البلا اللي حتى اسمها مايعرفه.. سنين يبه وأنت تون باسمها وما مليت ولا عجزت.. مستكثر علي الونين الحين...؟؟ زايد بصدمة كاسحة حقيقية زلزلت كيانه وقلبت كل شيء فيه: انا أون باسمها؟؟ مستحيل.. مستحيل علي بنبرة بدأ الحزن يغلفها: تبي أقول لك اسمها عشان تصدق؟؟ أو تبيني أقول لك من هي لأنه صار عندي توقع.. تدري يبه ..عقب ما كبرت شوي.. صار يجيني إحساس مثل الموت يا ترى أمي كانت تسمعك وأنت تون باسم غيرها؟؟ بس عقبه ريحت نفسي بأحد ظنين.. تكفى لو كانت إنك ماتغيرها في بالي.. قلت لنفسي إنها لو كانت تسمعك كان مستحيل تسكت عليك.. والثاني قلت يمكن إنها حب عقب أمي.. لأني ماسمعتك تون باسمها إلا عقب موت أمي بسنة.. زايد مازال يهز رأسه رفضا.. وكل مافي باله هي وسمية.. وسمية فقط!! هل تجرأ على جرحها بهذه الطريقة المتوحشة؟؟ مستحيل مستحيل..!! يحاول أن يريح وجعه بظن ابنه الثاني.. أنه لم ينادي باسمها إلا بعد وفاة وسمية بما أن علي يقول إنه لم يسمعه إلا بعد وفاتها بسنة.. وعلي كان الوحيد الذي ينام معه أحيانا حتى قبل وفاة وسمية.. زايد بذات الصدمة: ومن بعد اللي سمعني أون باسمها غيرك؟؟ يمكن الحين فضيحتي الكل داري بها.. علي بنبرة شجن عميقة: ماظنتني حد.. لأنه ماحد كان ينام معك في غرفتك حتى لا سافرنا غيري.. كساب ومزون كل واحد منهم في غرفة.. مرة وحدة كنا كاشتين وأنا وكساب سهرانين وانت امسيت.. كساب استغرب وقال: أبي وش يقول؟؟ بس أنا قلت له إنك تنادي باسم مزون.. وعقبه رحت وقلبتك بشويش على جنبك الثاني عشان ما تون.. وعشان ماينتبه هو إنك تدعي حد غير مزون.. زايد شعر بضيق عميق التهم روحه.. من كل ناحية.. سيموت فعلا لو أن وسمية كانت تسمعه وهو بجوارها وينادي غيرها.. سيموت!! سيموت!! وكيف أنه حمّل هذا الفتى الصغير سره وهو مازال طفلا حرص على هذا السر وكتمانه.. ثم بعد ذلك أورثه دائه نفسه.. هذا القلب الذي حينما يحب لا يعرف أنصاف الحلول.. ولكنه مازال يقول أنه غير علي.. هو كان ومازال قادرا على الاحتمال..ومابقي له من مزنة هو محض ذكرى.. ولكن قلب علي الشفاف المغرق في الشفافية وروحه التي لا تعرف التلون لن تحتمل.. وقلبه يحترق بهذه الطريقة.. زايد هتف بحزم: يا أبيك خلك مني.. أنا سالفة غبّرت وكل السالفة مجرد ذكريات ماقدرت أنساها.. لكن أنت مستحيل أخليك كذا.. خلاص فاضل بأتفاهم معه.. وأعرف أشلون أرضيه.. لكن مستحيل أخليك كذا قدام عيني.. قل لي أي شيء عنها.. ونخطبها أول مانرجع الدوحة.. علي بحزم رقيق: يبه خلنا ننزل الحرم ومانضيع الوقت.. قلت لك البنت ذي خلاص مستحيل أخذها.. زايد بحزم أشد: زين بنعجل بعرسك.. ماتدري يمكن لا عرست تطيب نفسك منها.. علي برجاء: يبه طالبك ماتحل الغلط بغلط.. مرتي مالها ذنب في حالتي عشان نعاقبها بها.. خلني شوي يمكن أنسى وألا أتناسى بروحي.. وخل البنية تدرس براحتها لين تتخرج.. ووعد علي أتزوج إن شاء الله أول ما تتخرج مرتي... ************************************** " هلا والله مزون ياحياش الله.." مزون بمودة: هلا والله كاسرة.. أشلونش اليوم؟؟ كاسرة بذات المودة: طيبة طاب حالش مزون العائدة للبيت بعد أن انتهت من تغليف هدايا عروس علي كانت تحادث كاسرة على الهاتف وتهمس برقة: كاسرة تقدرين تروحين معنا بيت عمتش عقب المغرب..؟؟ خبرش خالتي نفاس.. وأنا وجميلة مستحين نروح بروحنا.. ونبيش تروحين معنا.. كاسرة بأريحية: أكيد أقدر.. عقب المغرب بتلاقوني جاهزة أنتظركم.. كاسرة أغلقت الهاتف وهي تنهض لتلبس نقابها وتهمس لفاطمة: فطوم تبين أوصلش للبيت؟؟ فاطمة تقف وهي تهمس بمودة: لا فديتش.. أصلا أبو العيال بيجيبهم وبنطلع نتغدى برا.. إلا أخت رجالش وش تبي فيش؟؟ كاسرة بحزم: قولي مزون.. أو لو بغيتي أخت كساب... بلاها رجّالي.. فاطمة تضحك:صدق خبلة.. وهو رجّالش حتى لو ماقلت.. كاسرة بثقة: تبيني أروح معها هي وجميلة لبيت عمتي.. أكيد يبون يودون لشعاع شبكتها.. حينها همست فاطمة بخبث: خاطري أشوف جميلة ذي اللي خلت كاسرة على سن ورمح تولع غيرتها.. أجابتها كاسرة ببساطة حازمة: حلوة وتجنن وجذابة جدا.. العين ما تمل من شوفتها.. وحتى طولها وجسمها يجنون إلا خيال.. وشعرها يجنن مع إنه قصير واجد.. وبشرتها كأنها حليب بعسل من كثر ماهي حلوة.. مع أني يوم شفتها كانت تعبانة وبدون ميكب كلش.. كفاية عليش كذا؟؟ أجابتها فاطمة بخبث لطيف: أفهم من ذا المعلقة اللي وش طولها إنها أحلى منش يعني؟؟ كاسرة بثقة: مافيه حد أحلى مني.. ولا حتى يقرب من مستواي.. بس على قولت الشيخ كسّاب.. لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.. يمكن تكون هي ذوقه.. وشايفها أحلى.. بكيفه مايهمني.. فاطمة تستعد للمغادرة معها وتضحك: كذابة عودة!! ********************************** "عبدالله اشفيك تأخرت؟؟ شوي ويأذن العصر وأنت مابعد تغديت" عبدالله باستعجال: هذا أنا جاي في الطريق عشر دقايق وأكون في البيت.. ثم أردف بابتسامة: وبعدين عبدالله حاف كذا.. مافيه حبيبي.. قلبي؟؟ جوزا ابتسمت: ماسمعت إن العجلة شينة.. عبدالله يبتسم: والله في حالتنا مااسمها عجلة.. صار اسمها مشي السلحفاة.. عبدالله أغلق الهاتف ومازالت ابتسامته الدافئة مرتسمة على وجهه.. يحاول أن ينظر لكل شيء في الكون بإيجابية.. حتى مقابلة الطبيب التي أخرته عن العودة للمنزل يحاول ن يأخذها من جانبه الإيجابي.. يتذكر اتصال الطبيب المسئول عن حالة عبدالرحمن به وطلبه أن يحضر حالا لمقابلته.. عبدالله تفجر قلقه وهو يجلس أمام الطبيب: عسى ماشر؟؟ الطبيب بمهنية خير إن شاء الله.. أنا طالبك بخصوص عبدالرحمن.. عبدالله بقلق أشد: وش فيه عبدالرحمن؟؟ الطبيب بذات النبرة المهنية: أنا بصراحة ماحبيت أتكلم مع أبوه عشان ما أعطيه أمل ولا أحطمه.. وأنا شايف بنفسي حالته.. عبدالله تزايد قلقه: ليه شاللي صاير..؟؟ الطبيب بهدوء: عبدالرحمن صار له أسبوعين والاجهزة المتصلة به تسجل تغيير متذبذب في إشاراته الحيوية.. عبدالله بذات النبرة القلقة: وهذا وش معناه؟؟ الطبيب بذات الهدوء: أحد شيئين.. أما أنه ممكن يصحو من الغيبوبة... أو.. إنه هذي أيامه الأخيرة.. عبدالله قفز وهو ينحني على مكتب الطبيب ويهتف باستنكار: نعم؟؟ الطبيب بذات المهنية: يا أخ عبدالله أنا اخترت أكلمك أنت بالذات عشان عارف إنك ممكن تفهم علي.. وتتهيأ للي بيصير على فرض إنه ممكن يصير.. في حالات الغيبوبة اللي بدون سبب عضوي مثل حالة عبدالرحمن قبل حدوث تغير كبير بفترة تبدأ تظهر مؤشرات طفيفة على تغير في المؤشرات الحيوية الحين فيه حالتين متوقعة تاليا: أما إنه يصحى.. أو لا قدر الله يموت.. وعبدالرحمن قضى فترة طويلة في الغيبوبة.. احنا ماندري لو كان يسمع أي أصوات أو عنده استجابات للمؤثرات الخارجية.. ولو صحى احتمال كبير يكون يعاني أما من تخلف عقلي أو شلل جسدي.. ويمكن يعاني منها كلها.. لأنه العقل والجسد قضوا فترة سبات طويلة وصعب يستعيدون نشاطهم السابق.. عبدالله بجزع: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وش ذا الفال يادكتور؟؟ الدكتور بذات المهنية الهادئة: أنا أهيئك لأسوأ الاحتمالات بس.. وبالنسبة لافضل الاحتمالات.. بالنسبة لحركة الجسد أنا شايف إن أبوه كان مهتم كثير بهذه الناحية لدرجة إنه كان يجيب مدلك زيادة عن مدلك المستشفى.. ودائما يحرك كل مفاصله.. فممكن نتوقع إنه لو صحى يتحرك بس بيحتاج لفترة قبل يستعيد الحركة بشكل طبيعي أما بالنسبة للنشاط العقلي ما أقدر أفيدك لحد مايصحى.. لأنه لو ماكان يسمع إطلاقا ولا عنده أي استجابة خارجية.. فاحتمال التخلف وارد بشكل كبير.. عبدالله حينها هتف بحزم: وحن إن شاء الله مؤمنين إن الله رحمته أوسع من كل شيء.. وأنا إن شاء الله متوقع قريب أسمع خبر إنه صحى وهو سليم إن شاء الله.. حينها أجابه الطبيب بابتسامة: إن شاء الله.. والحين أبي أقول لك على إجراء أنا قررت أسويه.. أنا لاحظت إنه تغير المؤشرات يصير عند عبدالرحمن خلال فترة معينة محددة تقريبا بين الساعة 11 الصبح و3 ونص العصر.. وهالشيء غريب فعلا... عشان كذا أنا بأخلي ممرضة تلازمه خلال هالوقت.. عشان نشوف شنو اللي يحفز النشاط عنده.. عشان نحلله.. يمكن نستفيد منه.. كان هذا حوار عبدالله مع الطبيب الذي قرر ألا يخبر به أحدا فهو لا يستطيع مطلقا أن يمنحهم أملا قد لا يكون حقيقيا فأهله لن يحتملو أبدا أن يفجعوا بعد أن تأملوا أملا شاسعا كهذا... *********************************** بعد خمسة أيام.. . . " سمور أشفيش.. من يوم جيتكم وحالش مهوب عاجبني سرحانة وذا التلفون مايرن رنة مسج إلا كنه راكبش عفاريت" سمير تهمس في داخلها : هذا اللي كان ناقصني.. دقة ملاحظة كاسرة.. ياشيخة ارحميني.. كفاية أخيش لاعب في حسبتي.. لا عاد ليلي ليل ولا نهاري نهار.. والمشكلة ليته بس يصرح وش يبي كان ارتحت.. خله يقول لي أنا زفت غلطان وأبي الرضا وأتغلى عليه شوي.. وإلا يقول لي أنا مليت منش وأبيش تفارقين لبيت هلش.. لكن مسجات ولمسات غير مقصودة وأنا أدري إنها مقصودة وهدايا وورد وعزومات عشا.. وفي النهاية يبين إنه ملاك مايبي شيء النصاب... تعبت والله العظيم تعبت.. خلاص بأنفجر منه... حينها قررت سميرة أن تقلب الطاولة على كاسرة حتى تبعدها عن حالتها وهي تهمس بتخابث: تدرين قبل شوي وأنا جايه من بيت هلي.. شفت سيارة كساب داخلة حوشهم.. زمان عن شوفة الحلوين... شعرت بألم عميق.. عميق جدا.. فهي كانت تترقب عودته بقلق روحي عارم منذ أيام بعد أن تأخر في رحلته ثلاثة أيام أكثر من موعد عودته مما زاد من قلقها عليه.. وإن كان عاد.. ليصبح قريبا.. فهي لابد أن تعتاد على هذا الوجع المر الجارح في غيابه.. همست بثقتها المعتادة: حياه الله على بيته.. سميرة بابتسامة: التئل صنعة... على قولت خالي هريدي وأنتي اللي اخترعتي الصنعة.. *********************************** قبل ذلك بقليل.. " علي فديتك وين بتروح؟؟ توك جاي!! " علي باستعجال وهو يتأكد من ترتيب مظهره في المرآة: فيه وفد جاي بأكون مع المستقبلين.. مزون بقلق: علي حبيبي هالك نفسك في الشغل وبزيادة.. مع أنك المفروض تأخذ راحة مع ذا المرض اللي ما عاد صحيت منه.. علي بشجن: خليني أشتغل يأخيش وألهي نفسي.. لو قعدت وأرتحت على قولتش بأموت من الهم.. مزون بحنان: أنت تدور الهم لنفسك بدون سبب.. يأخي عيش سنك شوي.. اطلع مع ربعك وانبسط... ماركبك الهم غير ذا الشغل اللي مايخلص.. علي يبتسم لها بمودة صافية وهو يخرج: خير خير إن شاء الله... بعد دقائق كانت مزون مستغرقة في مشاهدة برنامج ثقافي حين سمعت الصوت القوي الحاني: السلام عليكم .. حينها قفزت وابتسامتها تتسع وهي تتلقاه بقبلاتها واحضانها: هذا اللي قال أربع أيام صارت أسبوع بدون حتى ماتدق تلفون تطمني عليك لولا إن أبي قال لي إنك كلمته وإلا كان استخفيت.. كساب يجلس وهو يهتف بمودة: وهذا أنا جيت.. لا نقص مني يد ولا رجل.. وتأخرت غصبا عني.. مزون همست بمودة صافية: أشلونك فديتك عسى ماتعبت.. كساب بابتسامة: أبد.. مزون برقة: تتقهوى؟؟ كساب بمودة: لا بأطلع أشوف كاسرة وأتسبح ثم أردف نبرة غامضة باسمة: وفيه عقب سالفة صغيرة أبي أخذ رأيش فيها وعقب بأروح لخالتي.. تروحين معي؟؟ حينها همست مزون باختناق وهي تراه يقف فعلا: كاسرة مهيب فوق.. عند بيت أهلها.. كساب بعفوية: عادي بأتصل لها تجي.. مزون باختناق أكبر: كساب أنت ماكلمت مرتك طول الأسبوع اللي فات؟؟ كساب بنبرة غضب: ليه أنا كلمتش يعني؟؟ ماقدرت أكلم حد.. يالله قدرت أكلم ابي وقلت هو بيبلغكم.. مزون حينها همست بنبرة عتب: يعني أنت حتى ماسألت عنها؟؟ مرتك راحت لبيت أهلها زعلانة..وأبي حاول يرجعها بس هي مارضت.. حينها تفجر غضب أسود قاتم في كل تفاصيل وجهه: نعم؟؟ زعلانة؟؟ ******************************** " عالية يأمش.. لمتى وأنتي رابطة رأسش كذا..؟؟" عالية تضغط رأسها وتهمس بإرهاق: يمه الصداع ذبحني.. والبنادول ماعاد فادني.. أم صالح بقلق: تدرين لازم تسوين أشعة على رأسش.. وش ذا الوجع اللي مايشيله البنادول.. عالية باصطناع: يمه يمكن أسناني أو أذاني فيها شيء.. عشا كذا جايني صداع.. أم صالح بقلق: زين بكرة لا تروحين الدوام.. بأروح أنا وأنتي مع فهد للدكتور عالية تهمس لنفسها بهم " حتى لو رحت الشغل وش الفايدة؟؟ ذا المقرودة قاعدة تحرسه.. والمشكلة إنها عربية والله لا تفضحني لو شافتني أوطوط عنده شكلي لازم أغير الأدمان أخليه كابتشينو أحسن من وجه عبدالرحمن الدب" مرهقة عالية تماما وهي تشعر بفراغ عاطفي ونفسي كبير بعد أن تولت ممرضة حراسة عبدالرحمن خلال الفترة التي كانت تزوره فيها وبالطبع توقفت عن زيارته لأنها تعلم أن الممرضة ستسأل من تكون.. فكرت أن تتهور وتزوره بعد أن تخلع البالطو الأبيض على أساس إنها أحدى قريباته.. ولكنها لمعرفتها بحب الممرضات بشكل عام للثرثرة الودودة والعربيات منهن بشكل خاص.. علمت أن أن الممرضة قد تخبر شقيقات عبدالرحمن وأمه أو والده بزيارتها لو على سبيل تبادل أطراف الحديث.. تشعر بالفعل أن حالتها مزرية وهي لم تعتد أن تكون فاقدة السيطرة هكذا.. وهي تقرر أنها لابد أن تحاول علاج نفسها من هذه الحالة بأي طريقة!! ************************************* كانت توشك على الاستحمام لتبرد جسدها قليلا.. لأنها شعرت منذ معرفتها بعودة كساب بحرارة عارمة اجتاحت جسدها.. يا الله هاهو يعود ليقلب موازين حياتها من جديد.. وعلى كل حال يجب أن تعتاد على ذلك لأنها لن تتراجع عن رأيها.. منعها من ذلك رنين هاتفها.. تناولت الهاتف لتكون صدمتها الهائلة في الاسم المضيء على الشاشة.. لم تتوقع أبدا أنه قد يفعلها ويتصل.. توقعت أن تكبره سيمنعه تماما.. أو ربما لم يعلم بعد أنها رحلت.. ولأنه لم يجدها في البيت اتصل يبحث عنها.. لا تنكر أنها استغربت أنه لم يتصل بها الأسبوع الماضي إطلاقا.. لذا ظنت أنه لابد علم بمغادرتها للبيت.. تركت الهاتف يرن حتى انقطع.. فهي غير مستعدة أبدا لسماع صوته.. ليس لأنها خائفة...أبدا.. ولكن لأن الشوق أضناها تماما.. وهي يستحيل أن تتراجع عن قراراها بعدم العودة إليه..لذا لا تريد ألما هي في غنى عنه.. وصلتها رنة رسالة.. رسالة أثارت صدمتها بشكل أشد.. لم تتخيل أن كساب سيفعلها وبهذه السرعة!! شعرت أنه لابد وهو يطبع هذه الرسالة كسر لوحة مفاتيح الهاتف لشدة غضبه: " انزلي تحت يا الجبانة.. أنا في مجلس الحريم مع عمتي مزنة.. انزلي خلينا نتفاهم يأم التفاهم زين يا البرنسيسة أنا أوريش التفاهم على أصوله انزلي بس " #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والستون " الحين يأمك أنت ليه معصب كذا؟؟ بنتي وأنا أعرفها.. لو شافتك معصب بتعند معك!!" كساب بحزم غاضب: يعني يمه عاجبتش سواها؟؟ أنا مسافر وأنا وهي مابيننا شيء أبد.. أرجع ما ألاقيها.. أنا ماراح أجبرها على العيشة معي.. بس السنع سنع.. ليش ما انتظرتني لين أجي ونتفاهم.. مهوب تتقصد إني أروح.. عشان هي تطق من البيت.. وحتى جية أبي لين عندها مالها اعتبار!! قولي لي وين السنع في كل اللي هي سوته؟؟ مزنة بنبرة أمومية حازمة: يامك لا تظن إنه عشانها بنتي إني بأوقف معها ضدك.. أبد.. تأكد إني معك.. وما أبي إلا عمار بيت بنتي.. بس أنت شوف أنت وش موجع كاسرة فيه؟؟ شكلها موجوعة منك واجد!! كساب باستنكار حاد: أنا موجعها؟؟ مزنة بذات النبرة الأمومية الحازمة: بنتي أعرفها زين.. صبور وماحدها تطلع وهي مافي أذنها ماي إلا شيء كايد.. مزنة يستحيل أن تكشف مشاعر ابنتها لكساب.. فهي ائتمنها على هذه المشاعر التي ستجعل كساب في موقع القوة.. وهي لا تريد مطلقا أن تسلب ابنتها حقها في إدارة الحوار وفقا لرغبتها.. كساب حينها هتف بحزم: زين خلها تجي وأسمع منها.. لأني قدامش أقول أني ماسويت لها أي شيء.. حينها دخلت كاسرة .. تماما كما هي.. واثـقـة.. آسـرة.. فـاتـنـة.. سـاحـرة... وكل هذه الصفات تغلغلت فيها حتى نخاع النخاع..!! سلمت وجلست بعيدا عنه.. حينها هتفت مزنة وهي تقف: أنا بأروح وأخليكم تأخذون راحتكم في الحوار.. حينها همست كاسرة بحزم: يمه لا تروحين.. ماعندي كلام غير اللي قلته قدامش وقدام عمي زايد.. كساب بنبرة حازمة وهو ينظر لها من تحت أهدابه: بس أنا عندي كلام غير.. وأحب أقوله لش وحن بروحنا بعد إذن عمتي طبعا.. مزنة خرجت دون أن تهتم لرفض كاسرة.. التي همست بعد خروج أمها بكل ثقة: الحمدلله على السلامة.. أجابها بتهكم غاضب: ذربة يا مدام.. تقطرين ذرابة..!! فاجابته بتهكم غاضب مشابه: على الأقل أعرف الذرابة.. مهوب مثل ناس حتى مامرت عليهم.. حينها فوجئت به يتحرك من مكانه بسرعة واثقة متحكمة قبل أن تتصرف هي ليشدها من مكانها ويوقفها حاولت التخلص من قبضته دون جدوى وهي تهمس بغضب: كساب فكني أحسن لك.. كانت تغطي بغضبها على توترها وهي قريبة منه هكذا وهو يشدها ملاصقة له وتتنفس أنفاسه من هذا القرب.. وهي أضناها الاشتياق له من مجرد أيام!! هتف بتلاعب ساخر: أحسن لي؟؟ وش بتسوين يعني؟؟ الواحد يهدد على قد مستواه!! همست بغضب أشد: وأنت مستواك تستقوي على مرة تدري إنها ماتقدر عليك لا استخدمت ايديك؟؟ همس بمكر غامض: أنا استخدمت إيديّ؟؟ خافي ربش تبهتيني؟؟ كاسرة بذات النبرة الغاضبة: أنت تستعبط.. فكني!! كساب حينها ابتسم بمكر أشد وهو يرفع يديه الاثنتين من جواره ليريها إياهما: ترا ايديّ من زمان جنبي.. أنتي وش اللي ملصقش فيني؟؟ كاسرة تأخرت بحرج وهي تكتشف أنه بالفعل أفلتها.. ومع ذلك مازالت هي ملتصقة به.. هتف بذات نبرة التلاعب التي تغيظها: اعترفي إنش مشتاقة لي.. وبلا هياط.. أنتي بروحش منتي بقادرة تبعدين عني.. ثم هتف بنبرة تهكم: وبعدين وحدة زعلانة على رجّالها.. وشو له ذا الكشخة والتعدال..؟؟ عشان تنزل وتصارخ عليه يعني؟؟ جلست مرة أخرى بثقة وهي تحاول استعادة زمام نفسها التي قلبها بلعبته الصغيرة الماكرة: قلتها لك قبل.. مشكلتك ذا الثقة اللي على غير سنع.. أما على الشوق..لشنو أشتاق طال عمرك؟؟ لاحترامك لي؟؟.. وإلا لتعاملك الرقيق؟؟.. وإلا لكلامك الحلو؟؟ أما على الكشخة.. مسجك وصلني نزلت على طول.. ما أهتميت أبد أغير لبسي ولا أمسح مكياجي... لأنه رأيك في شكلي مايهمني!! ولو أنت تأثرت وما مسكت نفسك.. مهوب ذنبي!! كساب جلس غير بعيد منها في جلسته المتحكمة الواثقة وهو يهتف بثقة طاغية: خلينا الحين من ذا الهذرة الفاضية.. وقولي وش اللي زعلش كذا فجأة... خلصيني.. وقومي نرجع لبيتنا الحين.. أجابت بتهكم ساخر: أقوم أرجع البيت؟؟ كذا؟؟ ثم أنقلبت نبرتها للجدية: أما اللي مزعلني أظنك إنك عارف ومن زمان.. يعني لا تحط نفسك متفاجئ من طلعتي من البيت.. لأن الطلعة خلاص تحصيل حاصل.. كساب أنت لا تحترمني ولا تحبني ولا حتى تبي عيال مني... فليش أستمر في الحياة معك..؟؟ خلاص الحياة وصلت بيننا لطريق مسدود.. كساب باستغراب ساخر: الحياة بيننا وصلت لطريق مسدود؟؟ ومتى اكتشفتي ذا الشيء؟؟ ثم بدأ صوته ينحدر للغضب: اكتشفتيه وأنتي مودعتني ببوساتش وأحضانش..؟! يعني يالجبانة دام على قولتش بيننا خلاف من زمان.. وش ضر لو اننتظرتيني لين أرجع ونحل خلافنا.. ثم اشتد غضب صوته: وإلا عشانش جبانة وماعندش قدرة توقفين في وجهي وتقولين أنا بأروح لبيت هلي وأنتي ماعندش سبب؟؟ كاسرة بغضب: لا تقول جبانة.. أنا ماحبيت أسوي مشكلة وأنت موجود.. ونكبر السالفة.. كساب بذات غضبه المتزايد: وهي ذا الحين ماكبرت.. والناس كلهم عرفوا وأنا صاحب الشأن آخر من يعلم.. يعني هذا قدر رجالش عندش؟؟.. ما احترمتي عشرتنا حتى.. وأنتي تفضحينا وتطلعين من بيتش بدون سبب وأنا غايب.. كاسرة مصدومة من هجومه كما لو أنه هو المظلوم: طلعت بدون سبب؟؟ جد إنك غريب!! كساب احنا كل ليلة نتخانق بسبب وبدون سبب.. وش ذا الحياة؟!! خلاص كساب صدقني لو فيه مجال أني أقدر أكمل كان استحملت.. فلو سمحت.. طلقني ومثل ما اجتمعنا بالمعروف نتفرق بالمعروف.. رفع كساب حاجبا وأنزل الآخر: أطلقش؟؟ولو قلت لش مستحيل.. ثم أردف بحزم صارم: مهوب لو.. إلا مستحيل.. مستحيل أطلقش لو حتى ركعتي على أيديش.. وحبيتي أرجيلي.. كاسرة باستنكار: نعم؟؟ أحب أرجيلك؟؟ لا طال عمرك فيه طريقة إنسانية يستخدمونها الناس المتحضرين اللي أنت ما تنتمي لهم.. لو ما رضيت تطلقني بالحسنى.. بأرفع عليك قضية طلاق أو حتى خُلع.. ورجل أعمال معروف مثلك.. مايبي شوشرة على سمعته.. فخلنا نحل المسألة ودي.. كساب بسخرية: لا أنا أبي شوشرة.. ارفعي قضية.. شوفي القاضي البهيمة اللي بيحكم لش فيها.. أغباها قاضي واللي مايفهم شيء في الشرع والا القانون مستحيل يحكم لش.. أنتي ماتقدرين تعيبين علي لا دينيا ولا اجتماعيا ولا اخلاقيا ولا ماديا ولا صحيا يعني ماراح تلاقين سبب تقولينه للقاضي.. حتى التدخين اللي كان ممكن يكون لش حجة أنا خليته من زمان... وش بيكون مبرر طلب الطلاق أو الخلع خصوصا يوم يشوف القاضي أنا أشلون حريص عليش.. كاسرة صمتت.. هي ليست غبية وتعلم أنه ليس لديها سبب من الممكن أن يصنع قضية.. عدا أنها يستحيل أساسا أن تفعلها وتقف أمام كساب في المحاكم.. لكنها أرادت أن يظنها ستفعلها... همست بثقة: كساب لا تطولها وهي قصيرة.. خلاص ماتبي تطلق.. لا تطلق.. مايهمني.. لكن أنا مستحيل أرجع لك.. انتهينا.. خلاص.. وأظني الزيارة هذي انتهت.. حينه قفز من مكانه وهو يهتف بحزم غاضب: والله ماحد طولها وهي قصيرة غيرش.. الليلة مالش ممسا إلا جنبي رضيتي وإلا انرضيتي.. ويا الله قومي خلصيني.. كساب أنهى عبارته ليشدها وهو يوقفها ويمسك بمعصمها وهو يسحبها ويهتف بذات الحزم الغضب: تحدين الواحد يتصرف معش تصرف ما يبغيه.. نشف ريقي وأنتي رافعة ذا الخشم اللي يبي له كسر.. يالله امشى قدامي.. كاسرة حاولت أن تخلص معصمها منه بفشل.. حينها تناولت هاتفها وهي تتصل وتهتف فيه باستنجاد حازم: عمي زايد الحقني.. كساب يبي يسحبني معه بالغصب.. جاءها صوت زايد متفجرا بغضب حقيقي مرعب: الكلب.. الخسيس دواه عندي... كساب منذ سمعها تتصل بوالده وهو يعلم بالذي سيحدث.. كان سيسارع لإغلاق هاتفه.. لولا إن اتصال والده سبقه.. كساب شد له نفسا عميقا ليرد بحزم بيد وهو مازال ممسكا بمعصمها بيده الأخرى: نعم يبه؟؟ جاءه نفس الصوت المتفجر بالغضب: والله ثم والله لا تغصب كاسرة على شيء إن قد أحلف عليك ذا الساعة إن قد تطلقها بالثلاث الحارمة.. ولا عاد تعرفها حياتك كلها.. كساب أفلت معصمها وهو يبتعد بهاتفه ويهتف بجزع حقيقي أخفاه خلف حزم صوته المتحكم: لا يبه لا.. طالبك.. تكفى لا تسويها.. أجابه زايد بذات الغضب المتفجر: زين دامك رجّال حريص على مرتك اعرف السنع.. واحشم مرتك واحشمني.. أنا راجع للبيت وفي الطريق.. خمس دقايق وألاقيك قدامي.. كساب يكاد ينفجر من الغيظ.. لم يكن يريد أن يتدخل أحد بينهما.. فهو يستطيع حل مشاكله بطريقته.. ويعرف جيدا كيف يتعامل مع كاسرة كما يظن!! هتف باحترام ملغوم: حاضر يبه.. تامر.. طالع الحين وجايك!! بس يبه والله ما تطوف ذا الحركة.. زايد بغضب مرعب: تهددني ياولد.. كساب بجزع حقيقي: محشوم يبه.. مايهدد أبيه إلا ردي الدين والأصل.. وأنا ماني بشيء منها.. بس أنت خليتها تمشي شورها علي.. في موقف حساس واجد.. وذا الشيء مستحيل أعديه.. عليها قبل عليك.. زايد بذات النبرة الغاضبة: أنا صرت قريب البيت.. خلص هذرة وتعال... وأعلى مافي خيلك اركبه.. لكن بنت ناصر منت بعارفها إلا برضاها.. كساب أنهى اتصاله وعاد لكاسرة التي كانت تنظر له وعلى شفتيها ابتسامة انتصار ود تمزيقها.. هتف بنبرة ملغومة لأقصى حد: زين يا كاسرة.. والله ياذا الحركة ماتطوف.. أنا تلوين ذراعي بأبي؟؟ زين!! زين!! شوفي هو بينفعش وإلا لا؟؟ كساب خرج وهو يصفق الباب الضخم خلفه بصوت مسموع.. حينها جلست كاسرة منهارة تماما... وابتسامتها المصطنعة تنهار.. ربما لو كانت تشعر قبل هذه اللحظة بندم ما على أنها تركت كساب... فهذا الندم لم يعد له مكان الآن.. وهي تؤمن أن قرارها كان صائبا منذ البداية.. هاهو أتى وافتعل كل هذه القضية دون أن يحاول حتى الاقتراب من حل المشكلة.. كل مايهمه هو كسر شخصيتها وترويضها وفقا لرغباته دون أدنى اهتمام بما تريده هي.. المهم هو منظره هو!! هو فقط!! ************************************** " جوجو أنتي وش تستعملين من وراي؟؟" جوزاء تلتفت لشعاع باستغراب: أستعمل؟؟ شعاع بعذوبة: إيه يا النصابة وش تستعملين من وراي.. توش مالش إلا يمكن أسبوع من طلعتي من المستشفى ووجهش منور.. ومحلوة بزيادة.. وصايرة تجننين.. علميني وش تستخدمين.. حب لأختك وماتحب لنفسك.. جوزا ابتسمت بشفافية: صدق عبيطة.. وش باستخدم من وراش.. أنتي شكلش نظرش ضعف.. شعاع بابتسامة عذبة: إيه أكليني الأونطة على قولت هريدي خال سميرة ثم نهضت شعاع -المشغول بالها أساسا بشيء آخر- من مكانها لتجلس جوار جوزا وهي تلتصق بها وتتمسح بها كقطة وهي تشبك ذراعها بذراعها وتهمس برجاء طفولي عذب: جوزا تكفين أبي خدمة منش.. طالبتش.. تكفين عشان خاطري أنا أختش حبيبتش وإلا تدرين عشان خاطر حسون وأبو حسون لأنه خاطري يمكن ما يكون غالي.. تكفين تكفين يارب يهون عليش حملش.. وعيون عبدالله ماتشوف غيرش.. كانت شعاع منهمرة في سيل رجاءاتها الطفولية الرقيقة وهي حينا تقبل رأس جوزا وحينا كتفها بطريقة مرحة.. جوزا تضحك وهي تبعدها عنها وهي تشدها لتجلسها.. لتعود شعاع لتقفز وهي تقبلها.. جوزاء بين ضحكاتها: بس يالخبلة بس.. وش تبين حينها جلست شعاع وحالتها تتغير للجدية وهي تهمس بخجل غريب: بس احلفي تساعديني.. جوزا بابتسامة: لا تكونين عشانش بتأخذين ولد آل كساب تبين تستخفين وتقولين تبين تجهزين من باريس وميلانو وتبيني أنا وعبدالله نروح معش.. شعاع ابتسمت: والله فكرة باريس وميلانو مهيب شينة.. بس لا.. اللي أبيه والله العظيم لو خيرتيني بينه وبين سفرة باريس وميلانو باختاره مع أنه أسهل بواجد بواجد شفتي أشلون أنا قنوعة.. جوزا تبتسم: زين يا القنوعة خلصيني وش تبين؟؟ حينها صمتت شعاع وهي تشعر بخجل حقيقي أن تطلب ماتريده حين رأت أنها أصبحت قريبة.. جوزا أصرت عليها قبل أن تتشجع وهي تهمس باختناق وهي تدعك أناملها: أبي صورة لعلي!! جوزاء لم تستوعب.. همست باستغراب: من علي؟؟ شعاع باختناق أشد: علي بن زايد.. حينها همست جوزاء بتلاعب باسم وهي تنطق السؤال كلمة كلمة: من علي بن زايد ؟؟ شعاع بغيظ خجول: علي بن زايد بن علي آل كساب اللي ينقال له رجّالي.. ثم أردفت برجاء حقيقي: تكفين جوزا.. يعني هو في شرع ربي أني أدخل على الرجّال حتى شكله ما أعرفه.. بروحي أستحي.. خليني على الأقل أعرف شكله.. يعني الحين حددوا موعد الزواج بعد تخرجي بحوالي شهر.. يعني بعد أقل من 3 شهور من الحين.. أبي أعرف شكله.. أتاقلم معه.. يعني أنتي أول مرة خذتي عبدالله.. نجلا جابت لش صورة له قبل عرسكم.. الحين دبريني.. اطلبي من أخته.. أو من عبدالله أو هزاع.. أعرف هزاع يقدرش واجد ويحترمش... يعني دبريني.. مالي شغل.. أبي صورة له.. بأموت أعرف شكله.. تدرين أني حست أدور له صورة في الجرايد على النت.. لقيت صور وش كثر لأبيه قلت يا خوفي يكون يشبهه.. بيكون قصير وشين.. بس عقب لقيت له صور في موقع وزارتهم بس مع ناس كثير.. ووفود في مناسبات رسمية.. يعني ملامحه موب باينة كلش بس عرفت إنه طويل وضعيف.. جوزا انفجرت في الضحك: وأنا أقول البنت وش عندها معسكرة على النت 24 ساعة وأخرتها ماطلعتي إلا بطويل وضعيف.. ابتسمت شعاع بمرح رقيق: تدرين طوله وضعفه ذكروني باللي ماينذكر قليل الأدب اللي تسكر عليّ معه في الاصنصير وعقبه لاحقني.. بلفيت غرضه شريفه وإنه عمره ماسواها وأنا أول وحدة ما أدري من جدهم ذا الشباب يحسبون البنات غبيات ولعبة عندهم..؟؟ جوزا باستنكار فعلي: محشوم أبو زايد يكون مثل ذا.. ثم أردفت بخبث لطيف: إلا أنتي ماقلتي راعي الأصنصير على قوات وجهه وثقته بنفسه.. كان حلو وإلا قرد؟؟ شعاع ضحكت: من حيث حلو.. حلو.. سبحان الله يوم تشوفينه تقولين هذا ملاك.. ما تطلع منه ذا البلاوي.. بيبي فيس بشكل ماتتخيلينه.. وعليه جوز عيون صدق تقولين عيون بيبي.. وش وسعهم وورموشهم وش طولها.. بس صدق تحت السواهي دواهي.. ضحكت جوزا: لا والله.. الأخت كانت خايفة وهي تتمقل كذا!! مازالت شعاع تضحك: والله ماتمقلت ولا حتى انتبهت له وقتها والله العظيم.. بس يوم سألتيني الحين جاوبتش.. ثم أردفت برجاء عميق: الحين خلينا من قليل الحيا هذا الله لا يرده.. وش خصني فيه حلو وإلا قرد..؟؟ خلينا في علي.. تكفين.. تكفين دبري لي صورته يأم حسون.. أنتي اللي تشيلين الحمول الثقيلة ماتقدرين على شيء صغير مثل ذا.. مازالت الابتسامة الشاسعة ترتسم على وجه جوزا: أما على الحمول الثقيلة شكلش بتدخلينا الحرب.. حاضر ياقلبي.. بسيطة.. أجيب لش الصورة لا تموتين علينا من سبة ولد آل كساب... ********************************* " خليفة يا أخوك لمتى وأنت على هالحال؟؟" خليفة ينتبه من من شروده وهو يلتفت لجاسم ويهتف بسكون: أي حال يا بو أحمد؟؟ جاسم بقلق: شارد على طول ومهموم.. أي حال بعد؟؟ خليفة يبتسم: ماعليه يا أخوك عطني شوي وقت.. توني رجعت لشغلي.. وشوي وألهى وأنسى.. حينها ابتسم جاسم: اشرايك في رأي.. خوش رأي؟؟ خليفة نظر له باستفهام.. فأجابه جاسم بحماسة: تتزوج.. مايفل الحديد إلا الحديد.. تزوج ووسع خاطرك.. وانسى كل شيء.. ضحك خليفة: هذي يسمونها خوش نكتة.. موب خوش رأي!! جاسم بجدية: والله اتكلم من صجي.. ظروفك لما تزوجت جميلة ماكانت ظروف طبيعية.. أنا ما أعيب عليها بس البنت صغيرة وكانت مريضة.. تزوج الحين وحدة مقتنعة فيك من أولها.. وحدة راكزة وعندها استعداد للحياة الزوجية.. أم أحمد أختها اللي أصغر منها تخرجت الفصل اللي فات.. بنت ثقيلة ورزينة وحتى الجمال جميلة ماشاء الله.. ليش ماتتوكل على الله... خليفة برفض: لا جاسم لا.. أنا تسرعت في زواجي من جميلة.. ما أبي أتسرع مرة ثانية!! جاسم بإصرار: هذا موب اسمه تسرع هذا اسمه تصحيح وضع.. وأنت ماعدت صغير.. وصدقني كل ماطولت شفت الموضوع صعب.. خليفة يقف لينهي الحوار: تكفى جاسم لا تحن.. أعرفك لا حطيت شيء براسك الله يعين عليك.. *************************************** " أبي أعرف وش تبين بالبروفين؟؟ أنتي عارفة إن أمي مانعة دخوله للبيت حسيت كني أهرب مخدرات عبر الحدود.. وخايف حد يصيدني" عالية تتناول علبة الأقراص من هزاع وهي تفتحها بسرعة وتتناول منها حبة وتهمس له بإرهاق باسم: هذي اسمها مرحلة انتقالية.. بس أبي استخدمه يومين وعقب أكثف الكوفي والشاهي لين اخلص من وجع راسي.. هزاع حينها هتف بابتسامة: يا الخبلة ترا فيه اختراع اسمه دكاترة يروحون لهم الناس.. عالية بابتسامة: أنا باعالج روحي بروحي.. كل السالفة صداع.. هتفت في نفسها.... خلني أعالج وجع رأسي.. كفاية وجع قلبي اللي ماله علاج إلا قومة الدب بالسلامة.. هزاع يبتسم: نحن هنا عالية هانم..اسمعيني.. ياويلش تدري امي إني هربت بروفين لداخل البيت.. تبين شيء ثاني؟؟ عالية بمودة: لا فديتك مشكور... ولا تخاف.. أمك ماتشيلها عظامها عليك.. عندك يوقف الحكي.. هزاع يغادر وهو يضحك: ومن شر حاسد إذا حسد.. حتى حب أمي بيناشبوني فيه!! *********************************** مرهقة تماما هذا المساء.. الليلة هي مستنزفة لأبعد حد.. منذ مغادرة كساب.. وهي تتمنى لو اختلت بنفسها قليلا.. رووحها مثقلة بكثير من الوجع الذي احتاجت لسكبه بين جنبات غرفة مغلقة.. لكنها بقيت معهم في الأسفل حتى لا يلاحظ أحد تأثرها من زيارة كساب التي قلبت كيانها وأثارت أقسى مواجعها.. وهاهي أخيرا تختلي بنفسها.. صلت وقرأت وردها.. ومازالت عاجزة عن النوم.. قررت أن تستحم للمرة الثانية.. عل أعصابها تسترخي قليلا.. أطالت في الحمام وهي تشعر كما لو أن قطرات الماء تحفر إلى عمق عظامها المسكونة بالألم.. كيف تحمل روحها كل هذا التضاد..؟؟؟ تتمنى لو استطاعت التخلي عن كل شيء حتى تبقى قريبة منه.. فاشتياقها له نخر عظامها نخرا.. ولكنها على الجهة الأخرى يستحيل أن تفعل ذلك.. لأنها تعلم أنها ما أن تفعل ذلك.. حتى تذهب كاسرة كليا ولا يبقى منها شيء سوى شبح لإنسانة باهتة لا حياة فيها.. تقتات على ماسيتفضل به كساب عليها من مشاعر.. وهي يستحيل أن تفعل بنفسها ذلك يستحيل.. تفضل أن تموت على ذلك.. أما أن يكون كله لها.. أو لا تريد جزءا منه..!! حين خرجت.. كانت عيناها قد احمرت لطول ما استحمت.. كانت خالية البال تماما وهي تستدير لتخلع روبها.. حينها سمعت همسه الساخر الواثق: حد يتسبح ذا الحزة!! شهقت وهي تستدير.. لتراه يمدد ساقيه على سريرها وبحذائه الرياضي الخفيف وهو يرتدي لباسا رياضيا خفيفا أيضا وكلاهما باللون الأسود ويسند ظهره لظهر سرير.. وبيده كتاب كانت هي تقرأ فيه.. لم تستطع أن ترد عليه حتى... من شدة صدمتها وهي تنظر حولها للنوافذ المغلقة خلف الستائر الثقيلة والباب الذي أغلقته بنفسها.. من أين دخل؟؟ أكمل سخريته وهو يرفع الكتاب بيده: (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) ماتخيلت إنش تقرأين ذا السخافات!! حينها استعادت سيطرتها على نفسها لن تشعره بالانتصار أو تسأله كيف دخل فهي أصبحت تعرف أن هذا الأمر ليس بالعسير عليه أبدا.. أجابته بنرة واثقة ساخرة: والله في حالتي أنا وإياك.. الرجال من مجرة والنساء من مجرة ثانية.. ثم أردفت بنبرة حازمة: بس ممكن أعرف أنت أشلون سمحت لنفسك تعدى على حرمة البيت.. وإلا عشان البيت أساسا بيتك.. شايف حقك تدخله بدون احترام لأهله... كساب هز كتفيه وهو مازال على ذات جلسته ويهتف بثقة بالغة : أولا البيت هذا مهوب بيتي.. بيت تميم .. وأنا يوصلني أجاره كامل.. أما أني تعديت على حرمته؟؟ ماصدقتي.. أنا جاي لمرتي وهذا حقي.. وأنا قلت لش الليلة ممساش جنبي.. وأنا لا قلت ما أخلفت.. أجابته بثقة وهي مازالت معتصمة بمكانها البعيد عنه : أما مرتك وحقتك.. فهذا كلام فيه أخذ وعطا.. خلنا في موضوع أجار البيت دامك فتحته.. رجاء إنه أجار البيت ماعاد يتحول لحسابي لا هو ولا المبالغ الثانية للي كنت تحولها.. أجابها بنبرة قاطعة: اسمحي لي مهوب بكيفش.. أنتي مرتي ومسئولة مني.. واللي كان يتحول لش كل شهر بيتحول من غير تغيير.. أجابته بصرامة: بس انا ما أبي منك شيء.. ومادمت ماني في بيتك أنت منت بملزوم فيني.. حينها وقف وتوجه ناحيتها لا تنكر أنها انتفضت بجزع لم يظهر في تحكمها في نفسها وهي تنظر ناحية الباب لتتفاجأ أن مفتاحه ليس فيه.. أجابها بسخرية: ماني بغبي.. أول شيء سويته أني خذت المفتاح يوم دخلت.. عشان ماتطقين.. حينها أجابته بثقة: ومن قال لك أني ممكن أطق.. ليه أنا خايفة منك عشان أطق..؟؟ أجابها بذات السخرية وهو مازال يتقدم ناحيتها: أبد عندش ذا اللسان اللي وش طوله..إيه بتطقين.. طقيتي من بيت كامل منتي بطاقة من غرفة؟؟! لم تستطع أن ترد بكلمة.. فكلماتها جفت على شفتيها.. لأنه كان قد وصلها وهو يشد المنشفة عن شعرها ثم يلصق خده بنعومة خدها وهو يهمس في أذنها بدفء عميق: تدرين أنش قلتي لي اليوم الحمدلله على السلامة حاف.. ماتعودت منش على كذا.. تصلبت كل أطرافها تماما ودقات قلبها تتصاعد للذورة ومع ذلك همست بحزم بالغ خرج بكامل صرامته رغم اختناقها: كساب لا تحدني أصيح وأفضح روحي وأفضحك.. عيب عليك اللي تسويه.. أجابها بذات الدفء وهو مازال على ذات وضعيته: أولا ماراح تصيحين.. واثق منذا الشيء.. ثانيا أنتي ليش خايفة كذا.. أنا عمري غصبتش على شيء ماتبينه.. ومهوب رجّال اللي يغصب مرته.. وإلا يمكن أنتي خايفة مشاعرش تخونش.. أنهى عبارته ثم ابتعد عنها لتشعر أنها تكاد تنهار لفرط انفعالها وتوترها.. همست باختناق حينها.. فصوتها بح تماما: كساب أنت بتروح وإلا دعيت أمي تشوف لك حل..؟؟ أجابها حينها بتلاعب: تكفين.. ادعيها.. خليها تشوف قوات عين بنتها.. وإلا تدرين اتصلي في إبي أحسن.. خليه يدري إني هنا ويكلمني تكفين!! يعني مسوية روحش زعلانة علي وأنتي اللي فاتحة لي الباب ومدخلتني لين غرفتش وش ذا الوقاحة اللي عندش؟؟ مافي وجهش حيا أنتي؟؟ دامش ماتقدرين تصبرين عنه.. قومي اذلفي لبيته... كاسرة صمتت وهي تشعر بقهر عظيم يتزايد في روحها.. تعلم أن هذا ماسيقولونه لن يصدقها أحد لو قالت أنه دخل مع نافذة في الطابق الثاني لا حواجز تحتها أبدا.. الكل سيتهمها أنها من فعلتها... حينها ستضطر فعلا أن تعود له لأنها لا تستطيع مواجهتهم بعد ذلك.. حينها سيكون هو من يحقق هدفه.. استمرت في صمتها..ليهتف هو بكل ببرود وكأنه يدور في غرفته الخاصة: أنا تعبان وأبي أنام شوي قبل الفجر.. ماتبين أنام معش على السرير نمت على الكنبة؟؟ كاسرة حينها بغضبها وقهرها: كساب بلاسخافة.. من جدك ذا الخبال اللي تسويه... كساب هز كتفيه وهو يتجه للأريكة ويتمدد عليها ويهتف ببرود قارص: الخبال أنتي اللي بديتيه مهوب أنا.. خبالي رد على خبالش.. كاسرة لم تعرف ماذا يمكن أن تقول أكثر لهذا البارد الوقح الخالي من أي إحساس وهي تراه يتمدد فعلا ويغلق عينيه.. تتخيل سخافة منظرها لو خطر ببال والدتها أن تطرق عليها الباب وهي ترفض أن تفتح الباب لأنها لا تريد أن يرى أحد هذا الوقح نائما عندها.. تعلم أنه يريد فقط أن يجعل رأيه نافذا.. وأن ينتقم منها على مافعلته به اليوم وهي تتصل بوالده.. لا بأس (لينخمد) الليلة.. ستعرف كيف ترد عليه لاحقا.. ارتدت بيجامتها وهي تقرر أنها لن تنام حتى يغادر فهي لا تعلم ما الذي قد يفعله.. لذا جلست على أحد المقاعد المنفردة وهي تراقبه.. أو لتعترف أن هذا ماتريده..!!! أن تراقبه وهو نائم باسترخاء.. أن تعوض بعض وجع اشتياقها له.. وكم اشتاقت لهذا اللئيم الذي لا يستحق ما تحمله في قلبها له..!! لم تعرف كم مضى من الوقت وهي تراقبه قبل أن تغفو عينيها على محياه.. لتنهض بجزع.. وتجد الأريكة خالية ممن كان نائما عليها.. تهضت بجزع أشد وهي تدور حولها.. لتجد المفتاح في الباب المغلق أساسا.. والنوافذ مغلقة كذلك.. والغرفة خالية تماما من وجوده.. حينها سمحت لدموعها وقهرها بالإنسكاب.. وهي تنهار على الأريكة حيث كان نائما.. مازال عطره يعبق في المكان.. عطره الذي يحمل بعضا من شخصيته.. فاتن.. قاس.. فخم.. غامض.. لا تعلم لماذا كانت تبكي؟؟ هل من إحساسها المتزايد بالقهر؟؟ أم لأنها تمنت أن تفتح عينيها على وجهه كما أحتضنته أجفانها وهي تغفو؟؟ " ماذا تفعل بي؟؟ ماذا تفعل بي؟؟ أي فوضى عاصفة تثيرها في كل كياني؟؟ تعبت ياربي.. تعبت!!" *********************************** " كساب وينك؟؟ قبل الفجر جيت لغرفتك مالقيتك.. وعقبه في المسجد تفاجأت إنك كنت في الصف الأول وين كنت؟؟" كساب يدور حول السؤال وهو يجيب علي بسؤال آخر: ليه كنت تبي شي؟؟ لا تكون تعبان.. وجهك مهوب زين!! علي بسكون مرهق شديد الإرهاق: إيه والله تعبان شوي وأبيك توديني عيادة الدوحة والا الأهلى أركب مغذي أتنشط شوي قبل الدوام.. أجابه كساب بابتسامة قلقة: ليه كوية أبيك مافادت؟؟.. توه البارحة يقول لي إنه وداك لرجال يكويك.. علي بابتسامة مرهقة: وأنت صدقت يعني إني مقروف.. أبيك بيقعد وراي دامه يشوفني ما أكل لين يكويني في كل مكان... (انعدام الشهية) مرض يؤمن كثير من الناس –خصوصا البدو- أنه لا علاج له إلا الكي... ويسمونه (القَرفة).. وهو حالات قد تكون بسيطة أو تشتدد.. وهو غالبا انعدام شهية مصاحب بالترجيع الدائم.. وقد ينتج أن أحدهم أكل طعاما لا يستسيغه أو بدون ملح.. أو شعر بقرف من طعمه أو رائحته.. والكي على انعدام الشهية أشهره أن يكون في منتصف الرأس.. والبعض يقول في المعصم.. والبعض يقول في خلف القدم أسفل الساق.. وفعلا بعد الكي تتوقف هذه الحالة التي لا يعرفها الأطباء.. لأنها لا يمكن أن تظهر في التحاليل!! وهو مختلف عن مرض جميلة الذي كان فقدان الشهية المرضي.. لأن فقدان الشهية مرض نفسي في المقام الأول..ويتسبب به صاحبه لنفسه!! لكن انعدام الشهية مرض جسدي يحدث بسبب جسدي.. كساب هتف بقلق أعمق: وحركة المغذي ذي كم مرة سويتها..؟؟ علي بذات السكون: مرة وحدة قبل أمس... بس اليوم مافيني حيل أسوق السيارة.. كساب يشده للسيارة وهو يهتف بقلق: دامك ما تأكل أبد بذا الطريقة.. صدقني إنك مقروف.. والكوي علاج قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إنه آخر العلاج.. علي بشجن: قل لهم يكوون قلبي يمكن يفيد.. كساب بغضب: إلا بنكوي مخك يمكن يعتدل... تجاهل علي تعريض كساب به حتى ركبا السيارة حينها هتف بعمق: سمعت ياكساب المثل اللي يقول: (كلن بعقله راضي أما برزقه لا) يعني أنا وأنت كل واحد منا أكيد راضي بعقله وعنده إنه مافيه مثل تفكيره لكن الرزق.. سبحان الله.. الله رزقني برزق ماقدرت أتقبله ومع كذا مجبور أتقبله وأنت ربي رزقك برزق ماقدرت تحافظ عليه.. كساب حرك سيارته وهتف بتأفف: يا شين فلسفتك الفاضية !! حينها ابتسم علي بإرهاق: زين خلك من فلسفتي اللي ماتدخل مزاجك تكفى كساب ما أبي ابي يدري بشيء ولا أنه احنا رحنا للمستشفى.. بروحه صاير متوتر عشاني.. حينها هتف كساب باستغراب: أنا بصراحة مستغرب إنك قلت لأبي على خبالك.. هذي سالفة تقولها له؟؟!! ويوم علمتني البارحة عقب العشا إنه يدري بالسالفة كلها.. ومع كذا يحسبك مقروف وكواك.. استغربت صراحة.. علي كتف يديه أمام صدره وهو ينظر أمامه ويهتف بعمق: تدري لولا إنك أنت كنت معي عقب السالفة على طول أو يمكن ماكنت قلت لك أبد.. لكن ابي مستحيل أدس عليه شيء... ابتسم كساب: يا سلام على البابا وحبيب البابا... وحن لنا الله!! يا الله خلنا نروح المستشفى!! ********************************** " حبيبي قوم وش ذا الكسل فديت روحك..؟؟" فتح عينيه بتكاسل وهو يهمس بعبارته الأثيرة ويبتسم: أحلى صباح هو شوفة عيونش!! همست بابتسامة حانية وهي تمسح خده: إلا أحلى صباح هو شوفة ابتسامتك.. تدري عبدالله على كثر ماكرهتك قبل إلا إن ابتسامتك ماقدرت أكرهها.. كل ماشفتها في صورك أحس قلبي غصبا عني يذوب.. فيها سحر ماقدرت أقاومه أبد.. اعتدل جالسا وهو يشدها ليحتضنها من ظهرها وهو يمسح على بطنها بحنان حيث ابنه الذي مازال في علم الغيب وهو يهتف بابتسامة دافئة: وأنتي صدق كرهتيني حبيبتي؟؟ جوزا بشجن وهي تمسح بحنو على أنامله الساكنة على بطنها: ما أدري ياقلبي.. أو يمكن ما أذكر أو ما أبي أذكر.. من كثر ما أحبك.. أظني إنه مستحيل إني قدرت أكرهك في يوم.. ابتسم بشفافية.. وهو يشدد احتضانه لها كأنه يريد إخفائها بين ضلوعه: أشوف ناس متعملين النصب على مستوى.. أجابته بابتسامة وهي تشد احتضانها لذراعيه التي تحيط بخصرها: والله عندي مدرس خصوصي أكبر نصاب ومنه نستفيد.. أفلتها بخفة وهو يهمس بمودة: زين حبيبتي أنا بأمر عبدالرحمن قبل أروح الدوام.. تروحين معي؟؟ نوصل حسون للروضة أول ثم نروح.. وعقب ارجعي مع أمش.. أجابته وهي تقف بمودة شفافة: ليش لا.. مانعيف شوفة أبو فاضل اللي يقومه لنا بالسلامة.. زفر عبدالله حينها بضيق وهو يتذكر أن الطبيب قال له بالأمس أن مؤشرات عبدالرحمن عادت للسكون تماما.. كما كان سابقا.. لا يعلم هذه إشارة لماذا؟؟ ولكنه في داخله غير مطمئن أبدا لهذا؟؟ وفي داخله وساوس كثيرة يحاول طردها دون فائدة!! *********************************** " هـــيــه أم خويلد.. أم عزوز.. وينش؟؟" أقبلت قادمة من ناحية المطبخ الخارجي وهي تربط شعرها بإيشارب وتهتف بصوت عالي: هلا حبيبي وش فيك تصيح صوتك وصلني لين برا.. صالح بتأفف باسم: أخييه.. يعني عقب ماكنتي تستقبليني على سنجة عشرة على قولت خوالش.. وكابة على نفسش كيلوين عطر.. تقابليني الحين كنش جدتي وبريحة البصل!! ربما لو قال لها هذه العبارة قبل شهر واحد فقط لربما كانت افتعلت مشكلة كبيرة وانتهت بموجة عاصفة من الصراخ والبكاء ولكنها الآن ابتسمت بشفافية: الشرهة علي اللي اشتهيت أسوي لك غدا سبيشل.. ويا الله تعال حب رأسي الحين وإلا زعلت... صالح سد أنفه بطريقة تمثيلية وهو يقبل رأسها ويهتف بمرح: أعصر على روحي ليمون..وأحب رأسش ليش الخساير؟؟ نجلا تضحك برقة: كذا..؟؟ خلاص عطني عشر دقايق أتسبح.. وأشوف عيالي وأنزل أنا وإياهم نتغدى.. نجلاء غادرت بينما صالح جلس وبيده جريدة فتحها وهو يهتف بمودة باسمة: زين نجلا ياقلبي.. بلاها دخلة المطبخ ذي.. تكفين!! *************************************** " هيه ياهل البيت!!" جميلة التي كانت تبدل ملابس زايد وتجلس على السرير همست بمودة: تعال عمي حياك.. ماعندنا حد.. منصور دخل ليبتسم وهو يرى ابنته وابنه.. لا يبالغ مطلقا حين يقول ابنته.. إحساسه بها عميق ودافي وأبوي لأبعد حد.. يعلم أنه في بداية زواجه اتهم عفراء أنها افسدتها بالتدليل.. ولكنه الآن يرى كم كان جائرا في حكمه.. أو ربما لأنه أصبح ينظر لدلالها كما ينظر الأب تماما.. يرى دلالها يليق بها وبعذوبتها تماما.. فهي لا تتكلف أبدا هذا الدلال بل ينبع من شخصيتها ليمنحها كاريزما خاصة ما.. تشعر كما لو أنك تريد أن تدللها أكثر لأنها تستحق أن تكون مدللة والدلال لم يُخلق إلا لها.. بل أصبح الآن يعاملها كما يعامل طفلة مدللة تماما.. ولكن مع التطور المناسب لسنها.. رغم أنه بالكاد لم يمض عشرة أيام على عودتها.. إلا أنه في الأيام الأخيرة نادرا مايعود ويده خالية من شيء لها.. شكولاته فاخرة.. دب وردي.. زجاجة عطر.. لتتلقاه بفرحة طفولية تدفع سعادة حانية في قلبه.. لم يعلم أنه كان يمنحها حلما أثمن بكثير من محض حلوى أو دمية.. يمنحها أبا طال تمنيها له وتحسرها عليه.. حلم بعمق سنوات ربيع عمرها التي قضت أكثرها تتحسر على حرمانها من أب كانت تتمناه بكل يأس.. وزاد من يأسها معرفتها إنها لن تحصل عليه يوما.. فهل يعود الميت للحياة؟؟ ولكنها لم تكن تعلم أن الإحساس الميت يستطيع العودة للحياة.. كما تشعر به مع منصور!! وليس فقط في هذه الأيام الأخيرة.. بل قبل شهور وهي تتلهف لمكالماته اليومية وتتلهف أكثر لزيارته الشهرية ووللشعور المختلف الدافئ العميق الحاني الذي منحه لها.. منصور هتف مع ابتسامته الفاخرة: وين أم زايد؟؟ ابتسمت جميلة بمرح: ياسلام على اللي مافيه صبر عشان يشوف مدامته.. أم زايد تاخذ شاور يأبو زايد.. منصور بأريحية: زين انا عازمش على العشا.. قومي البسي.. جميلة بحرج: لا عمي فديتك ما أقدر أخلي أمي.. قاطعهما خروج عفراء من الحمام وهي تهمس بحنان: وامش تقول روحي.. أنا أصلا أبي الفكة من إزعاجش أنتي ومنصور.. جميلة بذات الحرج الرقيق: لا يمه.. ما أبي أخليش يمكن يجيش أحد مايلاقون حد عندش.. عفراء بإصرار: من اللي بيجيني الساعة 9 الليل!! ابتسم منصور: خليها يمكن ماتبي خوتي.. جميلة بجزع: لا والله ........ ثم أردفت بارتباك: خلاص خمس دقايق ونازلة.. جميلة غادرت بينما عفراء مازالت تقف وهي تهمس لمنصور بابتسامة: اعمل حسابك إن الخمس دقايق يمكن يوصلون ساعة.. وبنتي وأعرفها.. تبي تتجهز لطلعة!! الله يعين.. أنا كنت أقول لها قبل المشوار بساعتين!! شدها منصور من خصرها وهو يهتف بفخامة: أبركها من ساعة خلها تأخذ ساعتين ثلاث وش وراي.. عفراء أزالت كفيه بحرج عن خصرها: عيب منصور.. منصور شدها ليجلسها على الأريكة ويجلس جوارها وهو يحتضن كتفيها ويتنفس عبير شعرها المبلول ويهتف بخفوت دافئ: نشف قلبي من كثر ماتقولين عيب.. والمشكلة ما أدري وين العيب ذا.. عفراء أسندت رأسها لكتفه وهي تمسح أنامله بحنو وتهتف بشجن: والله منصور ما أدري أشلون أشكرك على تعاملك مع جميلة هي مستانسة بشكل ماتتخيله بك وهي تلاقي فيك الأب اللي أدري إنها متشفقة عليه.. أجابها منصور بشجن أعمق وهو يشدد احتضانه لكتفيها: أنا اللي والله ماتتخيلين كثر سعادتي وأنا أحس بجو الأسرة اللي ظنيت إني عمري ماراح أحس فيه إلا متطفل على زايد وعياله.. رفعت رأسها قليلا لتقبل كتفه وهي تهمس بتأثر : الله لا يحرمنا منك.. ابتسم منصور وهو يقبل شعرها: شكلي الحين أنا اللي بأقول لش عيب.. وخري عني أحسن.. لأني يا الله ماسك روحي!! ************************************ " مزون.. مزون!!" مزون بمودة: تعال فديتك.. أنا أرتب شوي داخل.. كساب أطل برأسه عبر غرفة التبديل حيث ترتب مزون ملابسها داخل الخزائن وهتف بابتسامة: مساء الخير... عوافي.. الله يقويش.. مزون بمودة رقيقة: الله يعافيك.. مافيه شيء بس أرتب شوية.. كساب حينها هتف بحزم: زين خلي الترتيب أبي أسولف معش شوي.. مزون وضعت قطعة الملابس التي كانت في يدها وخرجت معه ليجلسا كلاهما حينها هتف كساب بثقة: أمس قلت لش أبيش في سالفة.. بس سالفتي أنا أشغلتني شوي.. حينها هتفت مزون بحزن: وسالفتك وش صار فيها؟؟ كساب بثقته الطاغية المعتادة: بتنحل إن شاء الله.. كم يوم بس وترجع كاسرة.. مزون بدفء: إن شاء الله.. والله فاقدتها في البيت.. حينها ابتسم كساب بدفء مشابه: ماتدرين يمكن حن اللي نفقدش!! مزون باستغراب استنكاري: تفقدوني؟؟ كساب ضحك: وش فيش ارتعتي؟؟ عادي.. نفقدش مثل ماكل البنات يفقدون أهلهم وجودهم في البيت.. حينها صمتت مزون بخجل طبيعي وهي تعلم ما الذي خلف هذه المقدمة ليتناول كساب زمام الأمور وهو يهف بمودة حازمة: المرة اللي فاتت يوم عرضت عليش ولد آل ليث ورفضتيه.. ما أدري بالضبط وش أسبابش؟؟ هل فعلا لأنش تبين تدرسين.. أو عشان الخلاف اللي كان بيننا.. الحين كلها صارت محلولة.. الدراسة باقي فصل واحد غير ذا الفصل اللي قرب يخلص أساسا.. وأنا وأنتي ولله الحمد سمن على عسل... وأنا والله أبي لش الزين.. غانم لمح لي مرة ثانية.. والرجّال شاريش.. السالفة مافيها ضغط عليش.. هذي مهيب خطبة رسمية.. مجرد أخذ رأي.. فكري براحتش.. أسبوع أسبوعين.. وصلي استخارة.. وغانم أنا أعرفه زين.. رجّال والنعم!! مزون صمتت قليلا ثم همست باختناق خجول: تدري كساب حتى لو فكرت واقتنعت.. فيه حاجز بيني وبين غانم ما أدري.. ما أدري وش أقول لك .. أخاف يكون صعب علي أتجاوزه مهما حاولت... *************************************** " سميرة يامش وش فيش؟؟" سميرة بمودة: مافيني شيء يمه.. أنتظر بس البنات ينزلون عشان نتعشى.. مزنة بتقصد وهي تنظر لسميرة بشكل مباشر: يأمش أنتي فاهمة قصدي.. ثم تنهدت بعمق وأردفت: يأمش أنا ملاحظة التوتر اللي بينش وبين تميم.. أو بمعنى أصح توترش أنتي من تميم.. تدرين أنا كنت واعدة نفسي إني ما أتدخل بينكم مع إني ملاحظة إن علاقتكم مهيب طبيعية.. بس ذا الأيام صارت مهيب طبيعية لأخر حد.. وما اقدر أسكت أكثر من كذا.. ذا الأيام إذا صار وقت رجعته حسيت عرق التوتر ضرب في راسش.. وأنتو قاعدين معنا.. هو يرسل مسجات وأنتي تنتفضين مثل مسخنة.. لو شفت ردة فعلش عادية.. بالعكس كان انبسطت كل الشباب المتزوجين يسوون كذا.. وأنتو بعد عادكم صغار في السن وهذا وقتكم.. حينها قاطعتها سميرة بانهيار.. فمزنة قريبة جدا من روحها: يمه جنني من كثر مايلاعبني.. كني كورة بين أيديه.. طريقته غريبة وغامضة.. حينها ابتسمت مزنة: صدق إنش بريئة اللي تميم قادر يلاعبش كذا.. يعني يغلط عليش وعقبه هو اللي يلاعبش.. حينها همست سميرة بحرج كبير: يغلط علي؟؟ أنتي تدرين يمه..؟؟ مزنة بثقة: أكيد أدري.. يعني أنا بأشوفكم كذا وبأسكت إلا لأني عرفت إنه غلطان وقلت خله يستاهل.. خلها تادبه.. أنا أدري يأمش من يوم شفت الضربة اللي في وجهش اللي كنتي تحاولين تدسينها.. بس موت امهاب الله يرحمه أشغلني من كل شيء.. ويوم قدرت أفكر عقبها سألت تميم وهو قال لي كل شيء.. وقتها قررت أني ما أتدخل.. وقلت له وقتها ترا سميرة لو بغت تخليك أنا بأوقف في صفها مهوب في صفك.. حينها همست سميرة بشفافية: صدقيني يمه هذا كله خلاص أنا نسيته.. بس اللي مجنني لعبه فيني.. لا هو باللي يصرح باللي يبيه ولا هو اللي يخليني في حالي.. حينها ابتسمت مزنة بخث لطيف: يأمش اللعب هذا لعبتنا حن يا الحريم... وش عرف الرياجيل فيه ؟؟.. يلاعبش لعب الهواة؟؟ وريه لعب المحترفين!!! #أنفاس _قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والستون " مزون.. مزون!!" مزون بمودة: تعال فديتك.. أنا أرتب شوي داخل.. كساب أطل برأسه عبر غرفة التبديل حيث ترتب مزون ملابسها داخل الخزائن وهتف بابتسامة: مساء الخير... عوافي.. الله يقويش.. مزون بمودة رقيقة: الله يعافيك.. مافيه شيء بس أرتب شوية.. كساب حينها هتف بحزم: زين خلي الترتيب أبي أسولف معش شوي.. مزون وضعت قطعة الملابس التي كانت في يدها وخرجت معه ليجلسا كلاهما حينها هتف كساب بثقة: أمس قلت لش أبيش في سالفة.. بس سالفتي أنا أشغلتني شوي.. حينها هتفت مزون بحزن: وسالفتك وش صار فيها؟؟ كساب بثقته الطاغية المعتادة: بتنحل إن شاء الله.. كم يوم بس وترجع كاسرة.. مزون بدفء: إن شاء الله.. والله فاقدتها في البيت.. حينها ابتسم كساب بدفء مشابه: ماتدرين يمكن حن اللي نفقدش!! مزون باستغراب استنكاري: تفقدوني؟؟ كساب ضحك: وش فيش ارتعتي؟؟ عادي.. نفقدش مثل ماكل البنات يفقدون أهلهم وجودهم في البيت.. حينها صمتت مزون بخجل طبيعي وهي تعلم ما الذي خلف هذه المقدمة ليتناول كساب زمام الأمور وهو يهف بمودة حازمة: المرة اللي فاتت يوم عرضت عليش ولد آل ليث ورفضتيه.. ما أدري بالضبط وش أسبابش؟؟ هل فعلا لأنش تبين تدرسين.. أو عشان الخلاف اللي كان بيننا.. الحين كلها صارت محلولة.. الدراسة باقي فصل واحد غير ذا الفصل اللي قرب يخلص أساسا.. وأنا وأنتي ولله الحمد سمن على عسل... وأنا والله أبي لش الزين.. غانم لمح لي مرة ثانية.. والرجّال شاريش.. السالفة مافيها ضغط عليش.. هذي مهيب خطبة رسمية.. مجرد أخذ رأي.. فكري براحتش.. أسبوع أسبوعين.. وصلي استخارة.. وغانم أنا أعرفه زين.. رجّال والنعم!! مزون صمتت قليلا ثم همست باختناق خجول: تدري كساب حتى لو فكرت واقتنعت.. فيه حاجز بيني وبين غانم ما أدري.. ما أدري وش أقول لك .. أخاف يكون صعب علي أتجاوزه مهما حاولت... صمتت لثوان ثم أكملت باختناق أشد: كساب أنا أحاول ما أقلل من قدر نفسي.. بس رحم الله امرئ عرف قدر نفسه.. وأنا الحمدلله ذا الأيام مسترجعة ثقتي بنفسي.. وأخاف زواجي من غانم يرجع يفقدني إياها.. كساب باستغراب لهذا الحديث غير المفهوم: الحين هذا كله ليش!! مزون بخجل عميق: كساب لا تزعل مني لو تجرأت شوي.. بس أظني مابيني وبينك حواجز في الكلام.. كساب.. غانم أنا شفته على الطبيعة.. أحلى مني بواجد.. إلا مافيه مجال للمقارنة بيننا حتى.. كساب حينها هتف بغضب: بصراحة كلام ماسمعت أسخف منه.. مع إنه أنتي مافيش قصور.. بس خلينا نجاريش في خبالش.. أنا شخصيا ماكان عندي مانع أتزوج وحدة شينة حتى .. ليه هو الجمال كل شيء في الدنيا.. والرجّال الصدق مايهتم بذا السوالف.. ابتسمت مزون بشفافية مرحة: هذا كلام نظري لأنك يوم تزوجت.. تزوجت أحلى وحدة.. وبعدين تعال أنت عادي لو تزوجت وحدة شينة.. لأنك شين .. لكن غانم أزين منك بواجد ولازم يتزوج وحدة حلوة.. حينها انفجر كساب ضاحكا: كذا يامزون.. من الحين شايفته أزين.. حينها تراجعت مزون بخجل وهي ترى نفسها تجاوزت الحد: مهوب أنا اللي شايفته.. أنا أتكلم بصراحة.. كساب وقف وهو يهتف بمودة: فكري يأخيش زين.. وأعرف عقلش كبير لا تفكرين تفكير المراهقات هذا.. مزون وقفت معه وهمست بشجن: تدري كساب مع شغلة غانم صدقني بتصير هذي مشكلة بيننا.. كل يوم بيكون في بلد.. والمضيفات أنت عارف زين هم وش يسوون وأشلون أشكالهم!! وأنا هنا الهواجس تاكلني.. كساب ربت على خدها بحنان: لا تصيرين سخيفة..فكري زين يأخيش!! صمتت مزون.. وهي تفكر فعلا.. قد يكون فعلا ماقالته هو مبدئيا السبب الرئيسي.. لكنها في داخلها وبعد تصالحها مع كساب باتت ذكريات الطيران تثير شجنا عميقا ووجعا تسببه ذكريات مرارة تلك الأيام!! وخصوصا أن لغانم ذاته ذكرى خاصة لرحلتها الأولى.. ذكرى تحاول تناسيها لشدة حرقتها التي تغلغت فيها.. وإحساس آخر غريب.. اسمه لو كان غانم هذا يريدني فعلا كما يقول لكساب... لماذا لم يتقدم لي إلا بعد أن تركت الطيران؟؟ لو وجدت لابن عمه العذر فلا أجده له !! فهل غانم أيضا كان ينظر لي وأنا معه في الكلية بنظرة الاحتقار والامتهان التي كان ينظرها لي مهاب رحمة الله عليه؟؟ ************************************ " يبه تبي تنام أروح؟؟" الجد يشير بيده اليسار لا.. وهو يتمدد على جنبه اليمين على سريره.. وكاسرة تجلس جواره على الأرض.. رغم أنها تستطيع جذب المقعد والجلوس عليه.. ولكنها تحب أن تجلس هكذا حتى تكون قريبة منه تماما.. هتفت كاسرة حينها بابتسامة: زين تسولف علي وإلا أسولف عليك؟؟ أجابها الجد بنبرة مقصودة: كاسرة كم صار لش عندنا من يوم طلعتي من بيتش؟؟ كاسرة تنهدت لأنها اشتمت رائحة العتب القادم رغم أنها رجته ألا يفعلها.. ومع ذلك استغربت أنه تركها كل هذا!! هتفت بمودة باسمة.. فله يحق كل شيء.. لكن رجاءها ألا يضغط عليها فقط فقلبها يؤلمها حين تضطره للإلحاح: يبه صار لي حوالي 8 أيام.. الجد أكمل بنبرة مقصودة: ورجالش رجع البارحة صح؟؟ تنهدت: رجع يبه.. وطالبتك بس.. أنا دارية أنت وش أنت تدرج له!! فديتك أنا يوم جيت هنا قلت لك إني خلاص طلعت وما أبي أرجع.. الجد حينها هتف بنبرة حازمة: بس أنا ماقلت لش إهِدّى!! (إهِدّى= موافق أو راضي) كاسرة وقفت على ركبتيها لتقبل جبينه وهي تهمس بشجن: طالبتك ماتقول شيء.. يعني حتى لو أنت منت براضي.. ماتقدر تخليني براحتي؟؟ يبه واللي خلاك أغلى خلقه.. لو أنه عاد وراي شيء من الصبر ماذخرته.. تنهد الجد فهو لا يستطيع سماعها تترجى هكذا: تلعبين علي يأبيش بحبة الرأس وتسكتيني كني بزر.. مالي حق أقول شوري حتى.. كاسرة بجزع انحنت على كفه تقبلها: أفا عليك يبه.. شورك على رقبتي.. ثم صمتت لثانية وهمست بعمق: بس يبه أنا مستوجعة واجد.. تكفى ماتوجعني أكثر.. أقواها من خلق الله بس منك ما أقدر أقواها.. الجد صمت وهو يربت على رأسها بحنو الذي أرخته على طرف سريره.. يبدو أن كساب سيبقى يلاحقها في كل دقيقة من اليوم دون أن تستطيع حتى أن ترتاح من مجرد ذكراه.. ألا يكفي أنها كل ماتذكرت اقتحامه لغرفتها البارحة تشعر بقشعريرة باردة تهز كل جسدها...؟! كلما تذكرت أنفاسه التي صافحت وجهها من قرب.. ازدادت قشعريرها.. وكلما تذكرت حدة كلماته وبعده عن محاولة إرضاءها تشعر أن غصة ضخمة تتجمع وتتجمع حتى تتخم روحها!! *********************************** " يأبيش ماكلتي شيء!!" جميلة بابتسامة شفافة: والله أني كلت لين شبعت.. ابتسم منصور: أكل عصافير ذا؟؟ جميلة بذات الابتسامة: والله في حالتي أكل البطات مهوب العصافير.. منصور بمودة: نروح نمشي شوي على الكورنيش..؟؟ جميلة برفض رقيق: لا عمي فديتك.. أبي أرجع أسبح زيودي.. خليت أمي واجد.. منصور بحنان: براحتش.. على العموم أنا لازم أمشي شوي.. بأمشي حوالين البيت.. لأني ما أقدر أقعد عقب عشاء ثقيل مثل ذا.. شوفتش عاد فتحت نفسي.. وخبصت واجد في الأكل ضحكت جميلة بعذوبة: يعني شوفتي تنفع فاتح شهية..؟؟ منصور بذات النبرة الحانية: أحسن فاتح شهية.. ثم صمت لثانية وأكمل بحزم واثق: جميلة يا أبيش ترا مهوب خافيني حالتش.. جميلة بارتباك: أي حالة عمي؟؟ منصور بحنو باسم: الحال اللي أنتي عارفته وأنا عارفة.. يعني مهوب أنا اللي بنتي تكون متضايقة وأنا ما أحس فيها.. جميلة صمتت بحزن شفاف لتذكرها حاله ولسعادة شفافة لقربها هكذا من منصور بينما منصور أكمل بحزم: أنا وعمش زايد بنتدخل .. بس نبي ننتظر شوي لين يطيب خاطر خليفة.. جميلة بحزن: يعني تبي ترخصني له.. وهو ماحتى فكر فيني؟! منصور بفخامة: أفا عليش.. الغالي مايرخص.. ولا تحاتين.. خليفة اللي بيجيش لين عندش.. بس أنتي وقتها عاد لا تعاندين.. أنا وزايد بنتصل له وبنخليه يأتي عندنا ونتفاهم معه.. وتاكدي إنه مهوب صاير إلا اللي يرضيش.. بس خليفة رجّال حرام تضيعينه من يدش!! جميلة صمتت وأمل شفاف بدأ يستوطن روحها المرهقة من التفكير... أحقا ستعود لخليفة؟ حقا؟؟ ********************************* الليلة قررت أن تتبع نصيحة مزنة.. كما يلاعبها ستلاعبه.. ستذيقه بعضا مما يذيقها حتى ترى ما الذي يهدف إليه.. رغم أنها تخوفت قليلا من التنفيذ.. فكما قالت لها مزنة تماما.. كانت هذه لعبة محترفين لا يهابون دك الحواجز لإسقاط الخصم في الفخ.. كانت تعلم أنها مازالت أبعد ماتكون عن الاحتراف.. بل ربما مجرد هاوية للتو تعلمت اللعبة ومازالت على أول سلم الهواة.. ومع ذلك تهورت.. و استعدت تماما.. وجلست في الانتظار!! تميم حين فتح الباب.. ودخل بعفوية.. كانت المفاجأة التي تنتظره.. هـــي تتمدد نصف تمدد على سريرها تصحح أوراقا في يدها.. وترتدي قميص نوم أسود غاية في الفخامة والرقي والإثارة.. بدا كحكاية سحر خيالية في بياضها المشع.. وهو يزيدها فتنة على فتنتها.. وشعرها الأشقر يتناثر بأناقة مدروسة على الضدين السواد والبياض.. تراجع خطوة للخلف.. فهو بالكاد يحتمل وجودها جواره في محض بيجامات.. فكيف الآن؟؟ وهي تبدو كقنبلة يخشى من تفجرها في حناياه.. أغلق عينيه لبرهة عاجزا عن استيعاب حكاية الحسن الموجعة الماثلة أمامه.. لم يسارع للقفز للاستنتاجات.. فهو لا يريد إفساد مخطط طويل تعب فيه في لحظة واحدة.. سيرى خطوتها التالية أولا.. فهو يعلم يقينا أنها مازالت لا تجرؤ على مضمون الرسالة الواضح من شكلها... هي لم ترفع نظرها مطلقا منذ فُتح الباب والقلم في يدها يرتعش.. وهي تسب نفسها مرارا وتكرارا على هذا التصرف الذي هي غير أهل له.. أشار بالسلام.. ولكنها لم تراه.. حينها علم أنها تعاني الخجل والتوتر.. وربما الندم على تصرفها الأهوج!! تجاوزها.. رغم صعوبة التجاوز وقسوته!! دخل للحمام ليستحم.. مرهق أساسا من هذا الشد.. يريد أن يحيا حياة طبيعية.. لكنه مازال يخشى عدم تقبلها لها.. فهو مازال يشعر بتوترها وخجلها وتباعدها.. وهو لا يريد محض جسد.. يريد الروح قبل الجسد.. فروحه المنهكة تتوق للامتزاج الروحي بروحها.. فهو مسافر في عوالم صامتة أنهكته فيها الوحدة والغربة الروحية.. روحه القلقة تتوق للسكنى إلى روحها العذبة!! حين خرج مازالت على نفس الوضعية تدعي التصحيح.. وجسدها كله يرتعش.. وتتمنى لو قامت لترتدي لها روبا فوق قميصها.. ووجهها يشتعل احمرارا من الخجل.. ولكنها تعلم أن مظهرها سيبدو سخيفا لو فعلت هذا.. مادامت فعلت هذا فلتحتمل نتائجه.. وهي تفهم جيدا أي رسالة أرسلتها له.. رغم أنها أرسلتها لمجرد التلاعب به.. تميم صلى.. وقرأ ورده.. ثم تمدد على أريكته لينام.. دون أن يوجه لها إشارة واحدة..!! حينها سميرة شعرت فعلا بالصدمة.. ربما في داخلها تمنت أن يتجاهلها.. لكن التجاهل جرحها لأبعد حد.. أ تبالغ في التزين له.. ويكون رده عليها بهذا البرود..؟؟ إذن لماذا كان يلاعبها طيلة الأيام الماضية؟؟ أم أن التلاعب هو حق له وحده ولا يحق لها بذلك؟؟ حينها قررت أن تنتقل للعبة أخرى.. تناولت هاتفها وأرسلت له: " خالد الفيصل يقول: يامدور الهين ترا الكايد أغلى....اسأل مغني كايدات الطروقي هذي رسالتك لي؟؟" أرسلتها وجلست تنتظر بتوتر بالغ ليصلها رده خلال ثوان: " وخالد الفيصل يقول بعد: من خصايص عنود الصيد كثر الطواري.... عادة الظبي يجفل لي تحرك ظلاله وصلتش ذا الرسالة؟؟ " سميرة لم تفهم فعلا ماذا يقصد.. لذا أرسلت له ببراءة: " مافهمت.. وش تقصد؟؟" ثم جلست تنتظر الرد.. ليكون الرد الصادم لها انتزاع تميم لها من سريرها وهو يشدها من عضدها العاري ليوقفها.. حينها انتفضت برعب.. وهي تهرب لتستدير خلف السرير وتجعله حاجزا بينهما وعيناها تفيضان بالدمع وهي ترتعش.. حينها أشار لها بوجهه المحمر وأنفاسه المتصاعدة زفيرا وشهيقا: فهمتي الحين..؟!! أنتي الحين جفلتي من ظلالش بس.. وأنا ماقربت منش حتى.. يعني لا تسوين شيء منتي بقده.. لو لاعبتش.. مايضر.. ليش أنش مابعد استويتي.. لكن أنا لا تلعبين معي.. لأني واحد مستوي خالص.. واللعب معي خطير.. تميم أنهى إشارته ثم خرج من الغرفة كاملة.. بينما سميرة انكبت على سريرها وهي ترتعش وتبكي بحرقة... وتتمنى لو أنها لم تتصرف فعلا كما قال.. تصرف هي غير أهل له.. تصرف لم تنل منه سوي جرح مشاعره ومشاعرها..!! فنصيحة مزنة لم يكن فيها عيب سوى أنها كانت فعلا لعبة محترفين يعلمون تماما على ماذا هم مقدمون.. بينما هي غير مستعدة أبدا في هذه المرحلة!! ولا تعلم حتى على ماذا هي مقدمة!! ************************************ كانت مستغرقة في النوم حين رن المنبه لصلاة الفجر.. مدت يدها في الظلام الخافت لتطفئ المنبه..لتصطدم يدها بجسد شديد الصلابة بدا ملمسه مألوفا لها.. قفزت بجزع مرتعب وهي تجلس لتتحسس ماجوارها.. ليمد هو يده ويطفئ المنبه ويشعل الضوء المجاور له ويهمس بصوته المثقل بالرجولة والنعاس: صباح الخير.. كاسرة كانت تريد أن تقفز من السرير كاملا لولا أنه منعها وهو يشدها من يدها ثم يضع رأسه في حضنها بكل تملك وهو مازال يتمدد بينما هي جالسة متصلبة.. كاسرة همست بغضب متفجر وهي تحاول إبعاد جسدها عنه: والله العظيم أنت مجنون وخبل ومافي رأسك ذرة عقل.. حد يسوي سواتك.. يا أخي أنت ماتفهم.. ما أبي أعيش معك.. وما أبي أنام جنبك.. وما أبيك بكبرك.. أجابها بتحكم وهو يطوق خصرها بذراعيه ومازال يضع رأسه في حضنها: والله كلامش غير تصرفاتش.. أشلون ماتبيني.. وماتبين تنامين جنبي.. وأنتي طول الليل نايمة على صدري.. لا وشادة علي بعد.. كنش خايفة أخليش!! أجابته كاسرة باستنكار شديد ملتهب بالغضب: كذاب وكذاب وكذاب.. حينها أفلتها واعتدل جالسا وهتف ببرود: خلاص بكرة أصورش عشان تدرين أني ماني بكذاب.. كاسرة قفزت من السرير كاملا وهي ترتعش.. وتكاد تبكي لشدة قهرها همست بكل قهرها المخلوط بحزمها وغضبها ويأسها: أنا أبي أدري بس وش هدفك من ذا الحركة البايخة..؟؟ يعني حتى في غرفتي في بيت هلي حرام أحس بالأمان بعيد عنك؟؟ البارحة تأكدت أني قفلت كل شيء قبل أنام.. أصحى ألقاك جنبي.. حرام عليك يأخي.. أجابها بذات البرود وهو يستعد للذهاب للحمام ليتوضأ: قبل كنتي تقولين ماتحسين بالأمان إلا في حضني.. وعلى العموم.. خلصينا من خبالش وارجعي لبيتش.. كاسرة بغضب هادر: مستحيل.. لو كان فيه قبل أمل لو واحد فيه المية أني أرجع لك الحين أقول لك مستحيل.. وش ذا الأسلوب الهمجي في التعامل؟؟ تبي تقنعني إنه مافيه شيء يستعصي عليك.. وأنه حتى البيان المسكرة ماتردك من اللي تبيه مثل ماقلت لي يوم عرسنا.. أدري والله العظيم أدري..ياجيمس بوند.. بس حتى لو نطيت عندي كل ليلة مستحيل أرجع لك... مستحيــــــل...!! حينها اقترب منها ليشدها وهو يضع كفه اليمين على منتصف ظهرها ويقربها منه بينما هي تبعد جزءها العلوي عنه وتهمس بغضب: كساب هدني أنا تعبت منك ومن حركاتك البايخة.. أنا وحدة أبي أتطلق بأي حق تلمسني..!! أجابها حينها وهو يحتضنها بذراعيه الاثنتين بكل تملك ويهمس قريبا من أذنها: لين تطلقين أنتي مرتي وحقي وحلالي.. وعلى العموم الطلاق هذا حلم احلمي فيه!! حاولت التفلت منه دون جدوى.. قهرها يتزايد في روحها.. لم تستفد شيئا من خروجها من بيته..فماتعانيه في بيته هاهي تعانيه الآن.. و مازال هو كما هو متعجرف متسلط ولا يهمه إلا تنفيذ ما برأسه.. لم يحاول مطلقا حتى أن يعدها بإصلاح حاله.. رغم أنها لم تنتظر مثل هذا الوعد منه.. فهي تعلم أنه غير قابل للإصلاح.. همست باختناق قهرها وهو مازال يحتضنها: كساب هدني خنقتني.. والله العظيم خنقتني!! أنا أبي أدري بس وش بتستفيد من ذا كله..؟؟ حينها أفلتها ببساطة وهو يهمس ببساطة أشد: تعودت أنام على أنفاسش قريب مني.. أجابته بقهر: زين والأسبوع اللي فات كله أشلون كنت تنام؟؟.. حينها أجبها ببساطة مغلفة بالغموض وهو يغادر للحمام: ومن قال لش أني قدرت أنام!! حين خرج من الحمام دخلت هي.. لتخرج كما تتوقع وتجد الغرفة خالية من وجوده كما لو كان تبخر!! ولتنهار هي جالسة وهي تمنع نفسها أن تبكي لشدة إحساسها بالقهر وتسلطه على روحها!! " يا الله وش ذا الإنسان؟؟ مجنون.. والله العظيم مجنون!!" ********************************* بعد عشرة أيام . . . " ها يامش.. أشوفش صار لش كم يوم زينة ووجع الرأس خلاش!!" أجابت عالية بسكون: الحمدلله يمه.. رجعنا لحالة البلادة.. ام صالح باستفسار: وش بلادته يأمش؟؟ عالية بذات السكون الذابل: لا تهتمين يمه.. حكي راديو مايرجع.. بالفعل توقف معها الصداع منذ أيام مع تصميمها على علاجه.. فالقضية بمجملها نفسية.. ولكن هناك وجع شفاف استوطن روحها وغاص فيها حتى آخر الجذور.. تشعر بوحشة غريبة.. ضياع مؤلم.. لم تتخيل أن توقفها عن رؤيته سيكون له هذا التأثير النفسي العاصف عليها.. قلقة.. خائفة.. مرتاعة.. ولا تستطيع أن تشكي لأحد أوجاعها.. حتى نايف توأم روحها لم تستطع أن تخبره بشيء.. رغم أنه اشتم رائحة شيء غير طبيعي في صوتها.. وهاهو يتصل بها كل يوم ويلح عليها أن تخبره دون فائدة!! المشكلة أنه أخبرها أنها عائد بعد ثلاثة أسابيع.. حينها كيف ستخفي على روحه التي تخاطب روحها كل هذا الوجع الذي تكاد تنفجر به ؟؟ واشتياقها لهذا النائم بات ينغرز في خلاياها إلى أقصاها ودون رحمة؟؟!! ************************************** " ها يادكتور بشرني!!" الطبيب يلتفت لعبدالله ويهمس بسكون قلق تخلى فيه عن مهنيته: بصراحة ياعبدالله أنا قلق جدا على عبدالرحمن.. بعد ماسكنت مؤشراته طول الأسبوعين الماضيين صار له يومين مؤشراته غير طبيعية أبد.. تقول كأنه يصارع له شيء أو يتألم.. والمشكلة إن الألم بدأ يبين على ملامح وجهه.. وأبوه انتبه.. و صارت حالته غير طبيعية وهو تقريبا واقف جنب السرير طول الـ24 ساعة.. عبدالله تنهد بقلق فهو يعلم ذلك منذ البارحة حين اتصل به عمه أبو عبدالرحمن وطلب منه لأول مرة أن يبيت في مجلسه لأنه لا يستطيع مفارقة عبدالرحمن لفرحته العارمة بظهور معالم إحساس في تقطيب عبدالرحمن لوجهه.. وهو يحلم أن لحظة صحوه اقتربت.. عبدالله زفر: طيب دكتور ليش أنت قلق كذا؟؟ الطبيب بذات النبرة القلقة: لأني خايف إنه ماتكون هذي علامات صحوة.. لكن علامات النزع الأخير!! *********************************** " يبه فديتك.. جعلني فدا أرجيلك صار لي ثلاث ساعات هنا وأنت واقف على أرجيلك ارحم روحك شوي.. حط الكرسي جنبه واقعد" فاضل المشتت المدهوش الضائع المتوتر المثقل بالألم واليأس هتف بكل فيض هذه الأحاسيس: والله إنه البارحة واليوم حرك وجهه.. والله العظيم يأبيش.. أنا شفته بعيني.. أنا شفته بعيني!! شعاع تبكي وهي تحاول أن تشده لتجلسه: وأنا والله العظيم أدري أنك صادق الله يقوم لنا عبدالرحمن بالسلامة.. بس أنت تبيه لا قام يشوفك قوي مهوب مافيك حيل.. مازال يهتف بتناثر: تحرك يأبيش.. والله العظيم إنه تحرك.. أنا شفته بعيني.. بيقوم.. أدري إنه بيقوم.. خلاص عبدالرحمن بيقوم... شعاع يأست وعادت مدحورة باكية.. فهي مضى لها أكثر من ساعة تحايله وهو لايرد عليها بغير هذه العبارات المبعثرة المبتورة..التي تشعر بها كساكين في عمق قلبها عادت لتجلس جوار والدتها التي كانت تبكي بصمت وحرقة في زاوية الغرفة.. فكل هذا الأمل كثير على قلبها المجهد.. كثير!! ********************************* " هاسميرة وش أخبارش ؟؟" سميرة تبتسم ابتسامتها العذبة المعتادة مهما كانت تعاني: أنا أخباري تمام.. أخبار كرشة هانم.. نجلاء بابتسامة شاسعة: أنا تمام.. أبي أسوي تلفزيون متى مابين جنس المولود بإذن ربي.. عشان أبدأ أتسوق له.. ابتسمت سميرة: لو بنت أو وولد أشلون بتشترين؟؟ نجلاء بذات الابتسامة الدافئة: اللي يجي من الله حياه الله.. بس لو بنت الله يستر لا استخف وأشتري لها أنا وصالح كل سوق الدوحة بس لو ولد.. كفاية عليه ملابس أخوانه قبله.. سميرة تقلب وجهها بمرح: أخيه منش يا الزطية.. خلاص خالته بتشتري له كل شيء جديد مايبي منش أنتي ورجالش شيء.. ولو ماتبونه عطوني إياه!! نجلاء تضحك: لي هو جاي ببلاش أعطيش إياه.. الولد ذا لو ماجاء الله يستر ما أدري أشلون كانت بتكون حياتي.. إلا أنتي خلاص عقب كم يوم بتكملين سبع شهور.. لمتى ماحملتي؟؟ مافكرتي تروحين دكتورة أنتي وتميم.. ترا مافيها شيء!! سميرة كحت بحرج: نجول يالدبة مالش دعوة فيني أنا ورجّالي.. بكيفنا تو الناس.. نجلا فتحت عينيها بعتب رقيق: سمور.. لا تكونين تأكلين مانع يا الخبلة؟؟ سميرة وقفت وهي تهمس بتهرب: بأروح أشوف أمي وش تسوي بدل سوالفش البايخة.. سميرة هربت بالفعل من جراحها ومشاعرها التي باتت تشعر بها هشة جدا وتوشك على الانهيار.. فتميم بعد الايام التي قضاها في التلاعب بها.. بدأ في تجاهلها بطريقة موجعة منذ الليلة المشؤومة التي قررت هي فيها أن تتلاعب به.. لدرجة أنه الأيام الأربعة الاخيرة كان يبات في المجلس.. بالطبع مازال أهل البيت لم يلاحظوا.. لأنه ينزل بعد أن يصبحوا في غرفهم.. ويعود بعد صلاة الفجر.. ولو لاحظه أحد وسأله أين كنت؟؟ أسهل شيء أن يقول كنت أريد أن أتأكد من شيء أو ذهبت لأمشي.. يعني.. لن يعجزه العذر الذي مازال لم يحتاجه!! ولا تعلم حتى متى سيستمران على هذا الحال؟؟ تشعر بألم امتهان عميق وجرح أعمق لأنثوتها.. هل هناك رجل طبيعي يتجاهل زوجته كل هذا؟؟ أم أن العيب فيها؟؟ ربما لا تعجبه.. لا تحرك مشاعره؟؟!! أو ربما كان الذنب كله ذنبها.. وهي تصد تلميحاته تلميحا وراء تلميح.. فكيف يتشجع وهي تشعره بخوفها وتوترها وجزعها منه؟؟ لا تلومه إن تعب منها!! فهي لا تعلم لماذا مازالت عاجزة عن احتوائه رغم أنها تدعي إنها نست أو تناست جرحه العميق لها؟؟ أو ربما كانت كل المشكلة إنها تدعي ذلك.. وجرحه مازال غائرا في روحها الشفافة؟؟!! لا تعلم لِـمَ هذا الحاجز الممتد بينها وبين تميم لا يريد الإنهيار!! كانت تقول سابقا أنه لا مانع لديها من إنشاء حياة كاملة مع تميم.. فلماذا يبدو لها هذا الأمر صعبا هكذا حين أصبح الأمر قريبا؟؟ لماذا تراه عسيرا عليها أن تهبه روحها وجسدها؟؟ وربما كان كل هذا.. لأنها تدعي نسيان إهانة لم تنسها!! فكيف تهبه الروح التي شك ولو للحظة في نقائها؟؟ وكيف تهبه الجسد الذي شك ولو للحظة في طهارته؟؟ ************************************** " كاسرة لا تكونين ناوية تسهرين عندي الليلة بعد؟؟ خلاص بكرة دوام!!" كاسرة ابتسمت بتحكم بالغ وهي تجيب وضحى: لا طبعا ليش أسهر عندش.. أمس وقبل أمس سهرت عشان ويك إند.. بس بكرة على قولتش دوام.. وضحى تبتسم بمرح: الظاهر العرس خربش.. قبل كان مستحيل تسهرين للفجر إلا في الأعياد.. كاسرة تنهدت في داخلها.. يبدو أنها الليلة لا مهرب لها من مقابلته.. بعد أن تهربت اليومين الماضيين بحجة إنهم في إجازة نهاية الأسبوع.. ولكن قبل ذلك كانت تتفاجأ به كل ليلة كالشبح في غرفتها.. لم ترد أن تهرب من غرفتها حتى لا يلاحظ أحد شيئا غير طبيعي فهم لم يعهدوها تخاف من شيء.. كما أنها لم ترد أن يظنها كساب خائفة منه هو شخصيا وهي تظن إنه سيمل وسيتوقف.. ولكنه مازال لم يمل.. وهي لابد أن تفكر بحل جذري لهذه المشكلة.. فهي لا يمكن أن تسمح له بفرض نفسه عليها أكثر.. الأمر بات ضاغطا وجارحا لأبعد.. تظن حين تنام أنها ستصحو هذه المرة ولن تجده .. لتتفاجأ انها أحيانا تصحو وهي نائمة على صدره!! تكاد حينها ان تصفعه حتى تتعب .. ثم تشد شعرها حتى يتمزق!! وأحيانا أخرى تقرر أن تنتظره جالسة لتعرف من أين تدخل.. فتراه يدخل بكل بساطة عبر نافذة تأكدت من إغلاقها.. هل هذه حياة طبيعية؟؟ زوج يدخل لزوجته عبر النوافذ المغلقة؟؟ كما لو أنها تعيش حياتها في فيلم أكشن سخيف لا تستطيع ترقب مشهده التالي!! والأغرب والأكثر إيلاما معرفتها اليقينية أنها تتلهف لرؤيته حتى نخاع النخاع.. فهي لا تنكر أبدا على نفسها ولعها به.. فهي تعلم تماما كم هي مغرمة به.. ولكنها لا بد ان تنقطع عن رؤيته حتى تستطيع إغلاق جروح قلبها وروحها التي لن تغلق مادامت رؤيته زادا لهذه الجراح... اليومان الماضيان لم تعد لغرفتها حتى صلت الفجر.. ومع ذلك وجدت آثاره في الغرفة الليلة الأولى أثار عاصفة من الفوضى في الغرفة رغم أنها تعلم أنه مرتب ومنظم كالمسطرة.. والبارحة بكل وقاحة ترك ملابسه في الحمام بعد أن استحم واستخدم مناشفها.. تتخيل منظرها لو أن الخادمة أو والدتها دخلت الحمام قبلها..ووجدت ملابس رجل فيها.. كيف سيكون موقفها؟؟.. ويبدو أنه الليلة لا مفر من مقابلته وهي تعود لغرفتها في وقت مبكر.. فهي تريد أن تشبع نوما قبل أن يعكر صفوها بوجوده الثقيل.. فهو رغم لمساته التي تتجاوز الحد أحيانا.. إلا أنها تعترف أنه لم يحاول مطلقا إجبارها على شيء.. وهو يلتزم الحدود القاطعة معها.. رغم أنها تعلم صعوبة التزامه الحدود حتى لو أظهر تحكمه البالغ بنفسه.. ولكن حتى لو حاول.. فهو لن ينجح.. لأن مابينهما انتهى.. انتهى إلى غير رجعة!!! ********************************* " علي هذي والله العظيم مهيب حالة.. شوف نفسك قربت تنهار.. وأنا وأنت كل يومين رايحين كن حن حرامية عشان ماحد يدري من أهلنا نركب عليك مغذي ونضرب أبر فيتامينات" كان كساب ينظر لعلي المنهار بإرهاق في مقعد السيارة المجاور له وهو يقود السيارة عائدين من المستشفى كعادتهم كل يومين أو ثلاث ليركب الجلوكوز على علي بعد أن باتت شهيته مسدودة عن الطعام لأبعد حد.. عدا عن إرهاقه النفسي!! علي هتف بإرهاق: زين وش تبيني أسوي؟؟ هتف كساب بغضب: اصطلب يا رجّال.. حالتك مهيب حالة رياجيل.. إذا قلبك بيسوي فيك كذا اشلعه من مكانه أحسن وأبرك.. علي نظر لكساب من تحت أهدابه ويهتف بنبرة مقصودة: لا.. حالة الرياجيل إني ما اقدر أمسي الليل وأنا اطوف حول بيت هل مرتي لين صلاة الفجر.... كساب نظر بصدمة لعلي لم يتوقع أن أحدا قد يكتشفه.. رغم أن علي الهادئ الساكن والعميق كان دائما دقيق الملاحظة وهو يراقب بصمته وعمقه.. كساب صمت وهو يشد على المقود ويعتصره بين كفيه بغضب وعلي يكمل بذات النبرة المقصودة: أنت ياكساب آخر حد ممكن يعطي نصايح.. يا أخي يومك رايح في خرايطها ومالك صبر عن مرتك.. وش فيك مسوي روحك اللي مايهمه حد وأنت قلبك ذايب..؟؟ اشلع أنت قلبك من مكانه يا رجّال واصطلب... كساب بغضب متفجر: لا.. إلا أنا اللي باخذ نصايح من واحد ماصدق يشوف له زول مره ويتسكر عليهم في مكان إلا هو اللي رايح في خرايط خرايطها.. علي هز كتفيه ببساطة: على الأقل ماكابرت في مشاعري.. ولا كذبت ولا ادعيت.. كساب يحاول أن يكتم غضبه: وأنا ما أكذب ولا أدعي.. حينها حاول علي أن يعتدل جالسا وهو ينظر لكساب بشكل مباشر ويهتف بنبرة حازمة مباشرة: زين يا اللي ماتكذب ولا تدعي.. أنت وش تسوي في بيت أهل مرتك.. مزون كانت اللي لاحظت إنك ترجع وقت الآذان بلبس رياضة وتبدل وتروح للصلاة على طول.. وطلبت مني أشوف وش فيك.. كانت تظنك تركض لين صلاة الفجر وأنك متضايق من غيبة مرتك.. مادرت إنك منت بمتضايق بس.. لكن ميت من الشوق لدرجة إنك قاعد تراقب البيت لين يأذن الفجر.. أو قل لي.. فيه شيء غير المراقبة؟؟ معقولة ذا الساعات كلها قاعد تراقب بس؟؟ كساب بين صرير أسنانه: مهوب شغلك.. وياويلك حد يدري.. مشاكلي بأحلها بروحي.. علي عاد ليسترخي وهو يهتف بثقة: لو أني بأعلم كنت علمت مزون اللي بالها مشغول عليها.. لا تخاف... متى كنت ما أكتم سر ؟؟ .. بس لا تعاتبني وحالك مثل حالك.. كساب زفر بحرارة وهو يشعر بضيق متعاظم.. يكره أن يبدو في مظهر ضعف أو أن يمسك عليه أحدهم ممسك.. ويكره أكثر عدم توصله لهدفه مع كاسرة وكسر مقاومتها رغم مرور كل هذه الأيام.. فهو كان ينتظر أن تمل من ضغط زياراته وتقرر أن تعود!! يريدها أن تعود بأي طريقة.. بــــأي طـــريـــقــة!! لأنها ما أن تعود لبيته لن يسمح لها أن تفكر حتى بتركه مرة أخرى!! ********************************** " شوشو عندي لش مفاجأة تطلعش من المود المتوتر شوي!!" شعاع تلتفت لجوزا وتنتبه من شرودها الناتج عن قلقها وترقبها لتطورات حالة عبدالرحمن: ها نعم؟؟ جوزا بحماس رقيق: عندي لش مفاجأة!! شعاع بترقب: ويش؟؟ جوزاء ترقص حاجبيها: صورة المسيو علي.. أخيرا جبتها لش!! شعاع قفزت بجوارها وهي تهمس بحماس طفولي: أخيرا مابغيتي.. صار لي أكثر من عشرة أيام وريقي نشف معش والله لو أني طالبة مخططات مبنى البنتاغون كان قد جبتيها.. جوزا تضحك فهي سعيدة جدا بتطورات حالة عبدالرحمن وكوالدها وأمها وشعاع تظنها علائم الصحوة القريبة: يمه البنت مافي وجهها سحا.. بغت تأكلني.. يا أختي أنا طلبتها من أخته دايركت لأنها كانت قد لمحت لي إنه لو أنتي تبين صورة بتجيبها.. بس أنا استحيت وقلت مافيه داعي.. وعقبه تشجعت وطلبتها منه.. واتفقنا لا رحت أزور خالتها نتقابل هناك وتعطيني إياها.. وتوني زرتها البارحة.. شعاع بلهفة: زين وينها؟؟ وينها؟؟ جوزاء تبتسم: في شنطتي.. شعاع قفزت لتأخذ الحقيبة بلهفة وبعثرت محتوياتها بذات اللهفة.. ولكنها لم تجد شيئا همست بخيبة أمل عميقة: جوزا مافيها شيء!! حينها ضربت جوزا رأسها: يووووه البارحة كان معي شنطة غير هذي!! خلاص بتكون في بيتي.. شعاع تكاد تبكي: زين أنا وش استفدت الحين كون إنش شفقتيني على الفاضي.. يا الله روحي لبيتش جيبيها.. جوزاء تضحك: آسفة يا الشيخة.. الساعة الحين عشر ونص وحسون راقد.. ومستحيل أطلب من عبدالله يوديني ذا الحزة.. بكرة بأجيبها لش... وبعدين تطمني أنا شفته..صحيح ضعيفون شوي.. بس مزيون وماعليه باس.. أبصم لش بالعشرة والعشرين بيعجبش.. شعاع تكتف ذراعيها بغضب: ياسلام... وأنا وش علي من رأيش.. أنتي اللي بتاخذينه..؟؟ أم عبدالرحمن قاطعت جدلهم خارجة من غرفتها وهي تهمس لجوزا بإرهاق: جوزا ادعي أبو حسن ينام عندش هنا.. واختاروا أي غرفة تبونها...كفاية البارحة أمسى في المجلس.. جوزاء بخجل: لا يمه فديتش.. عبدالله ملزم يمسي في المجلس.. ومستحيل يدخل داخل البيت.. *********************************** هذه الليلة نامت فعلا مبكرا... قررت أن تريح بالها منه ومن التفكير فيه.. لتصحو بعد منتصف الليل على أنفاسه حارة ملتهبة تلفح كتفها وهو يحتضنها من ظهرها وذراعيه تحيطان خصرها بقوة.. همست بسكون وهي تريد أن تبكي من هذا الحصار: كساب أنت مسخن؟؟ نفسك حار بزيادة... قبل كتفها حيث تتساقط أنفاسه وأجاب بسكون كسكونها: مهتمة يعني؟؟ كاسرة أنتي ماتعبتي من العناد؟؟ أجابت بخفوت وهي تتحسس أنامله الساكنة على خصرها بحنان دون أن تشعر: وأنت ماتعبت من طريقتك في فرض رأيك بدون ماتقدم تنازلات..؟؟ أفلتها ليديرها ناحيته.. أنامله تتبع تفاصيل وجهها بدفء وشجن واشتياق هتف بشجن: كاسرة أنتي لحد الحين ماقلتي لي وش اللي مزعلش مني بالضبط صارحيني بالتفصيل.. خلينا نخلص من ذا السالفة.. كاسرة أمسكت كفه التي تعبر وجهها واحتضنتها بين رقة أناملها.. وهمست بألم: كساب أنت تحبني وإلا لا؟؟ شعر بالصدمة من سؤالها.. لم يتخيل أنها قد تسأل بهذه المباشرة والشفافية والوجع.. همس بسكون: ومافيه حياة زوجية تستمر بدون حب يعني؟؟ أجابته بألم أعمق لأنه تجاهل الإجابة عن سؤالها المصيري: فـيـه... تستمر بالاحترام والمصارحة بين الزوجين.. وكلها مفقودة عندك.. أنت ماتحترمني.. وفي حياتك أسرار واجدة واقفة بيننا.. حينها همس بألم لأول مرة تسمعه بنبرة صوته مخلوط بنبرة استنكار موجوعة: كاسرة أنا ما أحترمش..؟؟ ضربتش مرة؟؟ هنتش؟؟ سبيتش؟؟ جرحت في حد من هلش؟؟ أجابته بوجع: لا.. محشوم بس وين الاحترام وأنت عمرك ماحسستني إني شيء مهم في حياتك..؟؟ تطلع وتدخل على كيفك.. كنك عزابي.. وبدون حتى ما تأخذ بخاطري!! كلمة حلوة عمري ماسمعت منك.. حياتك مليانة غموض مستحيل تشاركني بشيء فيها!! أنا يا كساب عداني العيب خلاص.. قمت بواجبك على أكمل وجه.. مستحيل إنك كنت ترجع البيت ماتلاقيني قدامك قاعدة ومتعدلة وأنتظرك.. احترمت غيبتك وحضورك.. واحترمت هلك وكل من يهمك.. وقمت بواجب بيتك وعزايمك ومقابلة حريم الناس اللي لك شغل معهم وحريم ضيوفك الأجانب..بدون ما أشتكي.. عمري ماطلعت مكان حتى لو أنت مسافر إلا لما أخذ أذنك.. كل هذا سويته عشانك.. وأنا ما أتمنن.. لأن هذا واجبي ومهوب طيب مني.. لكن أنت وش قدمت لي في المقابل..؟؟ سويت على الأقل واجبك..؟؟ كساب أنا ما ابي زوج بنص دوام.. ونص مشاعر.. أنا أستحق منك أحسن وأكثر من كذا.. مايكون قدري عندك هو فتات وقتك ومشاعرك اللي فاض عن هلك وشغلك ومشاريعك وغموضك.. وكل شي هو أهم عندك مني.. وأنا في ذيل القائمة.. لم يجبها بشيء ولكنه شدها ليدفن وجهها في صدره.. تمنت حينها أن تبكي..أن تحرق صدره بدموعها.. أن تخترق ضلوعه بأنينها.. ولكنها يستحيل أن تفعلها.. فهي ستبدو كمن تستجدي مشاعره حتى يشفق عليها.. همس في عمق أذنها بخفوت ثقيل: ارجعي معي وإن شاء الله يصير اللي يرضيش.. همست بألم وجهها مختبئ في صدره: اللي يرضيني وأنت حتى حبك مستكثره علي؟؟ حينها سألها وهو مازال يهمس في أذنها: أنتي الحين تطلبين مني حب أنتي ماعمرش عبرتي لي عنه.. همست بشجن مثقل بأمل ما: المفروض المبادرة تكون منك.. صـــــمــــت.. صمته ذبحها من من الوريد للوريد.. مضى وقت ما.. وهما على ذات الوضع أنفاسه تسكن أذنها.. وأنفاسها تسكن صدره.. حينها همست باختناق أخفته خلف سكون صوتها: كساب هدني أبي أقوم الحمام.. ماعادت تحتمل.. تريد أن تنتحب كما لم تفعل من قبل.. تريد أن تبتعد عنه لتترك لدموعها المجال.. ولكنه لم يفلتها وهو يغمر حرير وجهها بقبلاته الناعمة اللاهبة.. حينها هتفت بغضب مقهور مكتوم: كساب هدني.. اللي تبيه مستحيل يصير.. أجابها ببساطة موجوعة حازمة: وأنا ما أبي شيء.. أما اللي في بالش.. بأخذه..بس لا جيتيني أنتي في بيتي.. في غرفتنا ومكاننا... إذا رجعتي الرجعة اللي مستحيل تطلعين عقبها.. زفرت بغضب مثقل بالحزن وهي تسند كفيها بكل قوتها في صدره لتبتعد عن مداه: هدني.. هدني.. أفلتها حينها.. ونهضت لتهمس له بخفوت وأنفاسها تتقطع: أرجوك كساب على الأقل احترم العشرة اللي بيننا.. أرجوك لا تجي غرفتي مرة ثانية.. لو سويتها وجيت.. اعذرني.. باحط كاميرات على الدرايش وتخيل منظرك لو هلي وهلك شافو التسجيل بس.. همس بثقل: مايهمني.. أنا أبيش ترجعين لبيتش وبس.. همست بحزم موجوع وهي توليه ظهرها متجهة للحمام: وأنا ماراح أرجع.. واللي بيننا انتهى خلاص.. فخل عندك شوي كرامة واحترم نفسك ومافيه داعي تفرض نفسك علي بذا الطريقة!!! ************************************* كان عبدالله يغفو للتو بعد صلاة الفجر.. حين تعالى رنين هاتفه.. قفز جزعا وهو ينظر للهاتف بارتياع كما لو كان سيحمل له خبرا مرعبا.. وحين رأى رقم هاتف الخادم الذي يلازم عبدالرحمن ووالده شعر بريقه يجف وحلقه يتشقق جفافا وهو يرد عليه باختناق: نعم أمجد!! فيه شيء؟؟ ليقفز عبدالله بصدمة وهو يرتدي ملابسه دون تفكير بعد أن أخبره أمجد أن أبا عبدالرحمن سقط مغشيا عليه وتم نقله للإنعاش.. #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والستون عبدالله وصل إلى المستشفى مع خيوط الشمس الأولى.. كان يركض في الممرات بدون تفكير حتى وصل إلى غرفة الإنعاش كما أخبره الخادم.. يحاول إبعاد كل الافكار المؤذية وتجميد حتى محاولات التفكير.. مابين زوجته وأخته وعمه وأهل عمه.. كيف سيحتمل وجيعة كل هؤلاء؟؟ أ لم يأن له أن يرتح من الهموم التي كسرت ظهره؟!! حين وصل بأنفاسه المقطوعة.. أخبروه أنه تم نقل إبي عبدالرحمن للعناية المركزة بعد أن تم إنعاشه.. ليعاود الركض للطابق السادس حيث العناية المركزة.. حين وصل كان أبو عبدالرحمن غائبا عن الوعي محاطا بأجهزة التنفس والتغذية.. جلس منهارا على مقعد قريب منه.. "يا الله ماذا حدث لك؟؟ " لا يريد أن يُفكر حتى.. ليجد عشرات الصور المفزعة تقفز أمامه رغما عنه!! يحتلها وجهان أثيران غاليان قريبان جدا من قلبه.. وجها جوزاء وعالية !! حاول أن يقف.. ليجد قدميه متخاذلتين.. سأل الممرضة التي دخلت للتو لتتأكد من سير الاجهزة بصوت مبحوح تماما: كيف حاله؟؟ أجابت بمهنية وهي مشغولة بأجهزتها: لا بأس.. تجاوز مرحلة الخطر أساسا.. سألها عبدالله بذات الصوت المبحوح: وما الذي حدث له؟؟ أجابته بذات المهنية: أزمة قلبية خفيفة.. وتجاوزها.. سألها بصوت مبحوح أكثر وأكثر: وما سبب الازمة؟؟ هزت كتفيها دلالة الجهل.. ليتلفت حوله باحثا عن أمجد ولم يجده.. حينها سحب قدميه برعب متجذر.. متجها لغرفة عبدالرحمن.. وهو شبه متأكد أنه لن يجده فيها.. كان يتقدم خطوة ويتأخر خطوتين.. قضى وقتا طويلا قبل أن يصل للغرفة حتى.. ووقف على بابها لوقت أطول وهو عاجز عن سحب أنفاسه الذاهبة.. ليس عاجزا مطلقا عن مواجهة الموقف كموقف.. لكنه عاجز عن مواجهة أحبائه بعده!! كان مازال يقف أمام باب الغرفة وأفكاره تأخذه وتأتي به.. لينتبه بعد ذلك لحركة غير طبيعية داخل الغرفة.. زاد رعبه.. أما زال في الداخل.. وما زالوا لم يخرجوه..؟؟ لا يعلم لماذا كانت أفكاره كله موجعة!! ربما لأنه ظن أنه لن يفعل بأبي عبدالرحمن ذلك سوى خبر فاجع لم يحتمله!! حينها خرج أمجد لأنه يريد الذهاب للاطمئنان على أبي عبدالرحمن.. حين رأى عبدالله ..تفاجأ عبدالله حينها به يحتضنه وهو يبكي.. عبدالله فُجع وهو يرى أمجد يبكي على صدره.. أيقن أن كل مخاوفه التي ترعبه هي حقيقة.. ولكنه استغرب أن أمجد كان يبكي ويبتسم ويهذي بسعادة.. حينها أمسك عبدالله بكتفيه وهو يهتف بحزم: بس أمجد.. بس.. شنو صار؟؟ حينها تماسك أمجد قليلا ليخبره بما حدث.. قال أنهما عادا من صلاة الفجر.. وأنه كان يريد النوم.. بينما أبو عبدالرحمن كان يقرأ في المصحف قريبا من من عبدالرحمن.. حينها سمعا همسا ضعيفا متقطعا مبحوحا تماما: يـ ـبـ ـه.. يـ ـبه.. . . . أبو عبدالرحمن وقف بجزع وهو يرتعش بصدمة.. ليتأكد من مصدر الصوت وهل هو يحلم..؟؟ مؤكد يحلم.. يحلم..يــــحـــــلـــــم!! يــــــــــحـــــلـــــــــم!! شعر بألم حقيقي في عضلات قلبه؟؟ كما لو أن عضلات قلبه تتمزق بحد مسنون يحفر شغاف قلبه وشرايينه بوحشية... اقترب أكثر من عبدالرحمن .. اقترب وهو يشعر أن قدميه لا تحملانه.. لا يعلم حتى كيف استطاع الوصول للسرير.. كما لو أن شيئا أقوى منه حمله.. لأن قدميه كانتا كصخرتين لا يستطيع تحريكها.. حينهارآه على حاله.. ساكن مغمض العينين.. ف زفر بألم عميق مثقل بالوجع والخيبة واليأس لأبعد حد (كنت أدري أني أتحلم)!! لكن أمجد اقترب معه وهو يؤكد له أنه سمع الصوت أيضا.. حينها شعر فعلا أنه قلبه يؤلمه وأنفاسه تضيق وقدميه لن تحملاه أبدا.. وكأنها تشدانه للأرض بثقلهما.. استند على حاجز السرير بثقل ليمنع نفسه من السقوط... وهمس بكل حنان العالم وأمله ويأسه ووجعه.. همس بكل مابقي في روحه من أمل.. همس بكل ماتجمع في كيانه من اليأس همس بوجع أيامله الذابلة وشيخوخته التي كسرت ظهره من بعده..: عبدالرحمن.. عبدالرحمن ..دعيتني يأبيك.. تكفى يأبيك ماعاد فيني حيل.. تكفى يأبيك.. عبدالرحمن.. عبدالرحمن... رد علي يأبيك.. كان ينادي بكل مافي روحه من الأمل وهو يخشى أن يتحطم حين لا يسمع ردا.. وفي ذات الوقت كان ينادي وبداخله إحساس أنه لن يجيبه أحد..لصعوبة كل هذا الأمل عليه..!! لذا كانت صدمته البالغة أنه سمع ذات الهمس المتقطع المبحوح ولكن هذه المرة من بين شفتي عبدالرحمن الجافة وهو يراها أخيرا تتحرك أمامه: يـ ـبـ ـه.. يـ ـبـ ـه.. أبو عبدالرحمن شهق شهقة حادة.. لم يستطع أن يحتمل أبدا.. سقط مغشيا عليه من فوره.. ليرتاع أمجد وهو ينادي الممرضين ليحملوه لغرفة الإسعاف فورا.. . . ثم أخبر أمجد عبدالله أنه عاد بعد ذلك لغرفة عبدالرحمن.. وأن عبدالرحمن فتح عينيه بصعوبة وأنه عرفه وناداه باسمه.. ثم عاد للنوم.. وطلب أمجد حينها من الممرضات أن يتصلن بالأطباء وأنهم كلهم في الداخل الآن مع عبدالرحمن... ثم هتف أمجد بين ابتساماته ودموعه وهو يختم حكايته: أنا بيروح بابا كبير أنتي خلي مع عبدالرحمن.. حمدلله ربي.. حمدلله ربي!! عبدالله دخل بخطوات مترددة... وجلة.. مثقلة بتضاد اليأس والامل.. لا يعلم لماذا مازال قلقا حتى مع بشارة أمجد!! دخل ليجد الاطباء يحيطون بسريره.. يحاولون إفاقته وهم يراجعون كل المؤشرات.. الطبيب المسئول حين رأى عبدالله هتف بحزم: زين إنك هنا.. تعال قرب.. نبي نفوقه الحين.. ونبي نشوف لو هو بيعرفك.. لأن البوي اللي عنده يقول إنه عرفه وناداه باسمه.. بس أنا أقول يمكن إنه يتهيأ له.. ونبي نتاكد بنفسنا.. الطبيب أعطاه إبرة ثم بعد دقيقة هزه برفق.. حـــيــنــهـــا... فتح عبدالرحمن عينيه بصعوبة وعاود إغلاقها ثم فتحها بشكل جزئي.. عبدالله كاد قلبه يتوقف من الترقب فعلا.. لم يتوقع أنه سيرى عبدالرحمن يفتح عينيه مرة ثانية..رغم أمله الشاسع في ذلك.. ولكن الأمل شيء مختلف عما كان يشعر به وهو يرى الشهور المتطاولة التي غرق عبدالرحمن فيها في غيبوبة عميقة.. عبدالله اقترب من عبدالرحمن وهو يربت على كتفه بحنان ويهتف بصوت هادئ عميق رغم اشتعاله بالترقب: عبدالرحمن عارف أنا من؟؟ عبدالرحمن عاود إغلاق عينيه وفتحها ثم هتف بصوت مبحوح تماما ومقطع: عـ ـبد الـ ـله .. ويــ ـن راح ابــ ــي؟؟ عبدالله حينها كاد يجن من السعادة وهو يقبل جبين عبدالرحمن ويرتعش: الله أكبر.. الله أكبر.. ابيك قريب.. قريب.. راح قريب وبياتي الحين.. حينها هتف عبدالرحمن بذات الصوت المبحوح المتقطع: ريــ ــقــ ـي نـ ــا شـ ــف.. عـ طنـ ـي مــ ـاي.. كان عبدالله سيتناول القنينة ليبلل شفتيه فقط لأنه يعلم خطر أن يسقيه بعد كل هذه الأشهر التي لم يستخدم فيها فمه لتناول شيء.. بعد أن كان يسكب الطعام السائل بأنبوب داخل حلقه مباشرة.. لكن الطبيب منعه وهو يهتف بحزم: خله حن بنعطيه.. انتظر شوي.. عبدالله حينها هتف للطبيب بحزم: أنا بأروح شوي وبأرجع.. كان يريد أن يكون من يبلغ جوزا ووالدتها بنفسه.. لم يردهم أن يسمعوا الخبر من سواه فيفجعوا به أراد أن يكون من يهيئهم له.. واتصل وهو خارج بصالح وفهد ليكون أحدهما مع عبدالرحمن والآخر مع أبي عبدالرحمن حتى يعود.. خرج وهو يشعر كما لو أنه يحلم.. أ يعقل عبدالرحمن يصحو بعد كل هذا!! أ يعقل؟؟ يا سبحان الله ما أكبر رحمته!! الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر... *********************************** كانت منهارة تماما وهي تسند رأسها لطرف كتف عبدالله وتنتحب بخفوت بينما عبدالله يكتف يديه في حضنه.. رغم أنه يتمزق.. وكل رغبته أن ياخذها في حضنه ليهدئ بكاءها العميق منذ علمت بصحوة عبدالرحمن.. ولكنه بالطبع لا يستطيع فعلها في وجود أم عبدالرحمن وشعاع اللتين تحيطان بسرير عبدالرحمن.. بعد أن عادتا من غرفة أبي عبدالرحمن الذي نُقل لغرفة عادية قريبة من غرفة عبدالرحمن بعد أن فاق من أثر الأزمة الخفيفة.. أم عبدالرحمن التفتت بيأس لعبدالله وهي تهمس بنزف روحها الثكلى: عبدالله يأمك أنت متأكد إنه قام..؟؟ عبدالله بابتسامة حانية مثقلة بالشجن: والله يمه إنه قام وعرفني.. انتظري عليه شوي يعني صبرتي يمه ذا الشهور كلها.. اصبري شوي بعد.. أم عبدالرحمن همست بأنين وجعها العميق: مل الصبر مني ومليته يأمك.. لم تمضِ دقائق حتى فوجئ الجميع بدخول أبو عبدالرحمن على كرسي مدولب تتبعه ممرضة بالمحلول المعلق في يده ويدفعه أمجد.. شعاع كانت أول من بادرت وهي تنكب على قدمي أبي عبدالرحمن وتدفن وجهها في حضنه وتنتحب نحيبا مكتوما.. أبو عبدالرحمن هتف بتثاقل مرهق وهو يربت على رأسها: أخيش قام يا شعيع.. قام.. دعاني اليوم.. قام.. جوزاء نهضت لتقبل رأس والدها وهي تهمس بين شهقاتها: سلامات يبه.. خطاك الشر فديتك...والحمدلله على سلامة عبدالرحمن.. الممرضة بقلق همست: أديك شفتهم ياعمنا الحج.. خليني أرجعك.. همس أبو عبدالرحمن بذات تثاقله الحازم: والله ماعاد أروح مكان.. تبوني.. هذا أنا هنا.. الممرضة بجزع: ماينفعش ياعم الحج.. عبدالله أشار لها بثقة: خلاص روحي أنا بأكلم الدكتور بنفسي.. الممرضة خرجت حينها.. وأمجد يتبعها.. حينها أبو عبدالرحمن هتف بلهفة: حكاكم؟؟ همست أم عبدالرحمن بألم عميق ممزق: لا.. صار لنا عنده ساعتين وهو ماحتى بطل عينه.. عبدالله هتف بمودة: يمه كلميه.. ادعيه.. من يوم جيتي وأنتي واقفة فوق رأسه وساكتة.. أم عبدالرحمن تشعر أن ريقها جاف تماما.. لم تجرؤ حتى تناديه.. فروحها تحلق في سعادة مبتورة منذ علمت أنه فتح عينيه.. تخشى أن تناديه.. فلا يرد عليها.. حينها لن تحتمل.. لن تحتمل أبدا.. تخشى ألا يكون هذا سوى حلم عذب وآن لها أن تصحو منه حتى تعود لأيام حرقتها الطويلة التي لا تنتهي.. شعاع ربتت على كتف إمها وهمست بصوت خافت مبحوح من البكاء: يمه تكفين كلميه.. ادعيه.. أم عبدالرحمن اقتربت وهي تشعر أن كل مافيها يذوي.. صوتها.. جسدها.. أعصابها.. رفعت طرف برقعها من الأسفل بشكل جانبي.. لتقبل جبينه بشفتيها المرتعشتين وتطيل في معانقة جبينه وهي تتنفس عبق رائحته من قرب.. رغم أنها تقبله كل يوم ولكن اليوم مختلف.. مختلف.. ثم اقتربت من أذنه وهي تهمس بخفوت مرتعش متألم.. تناديه كما لو كانت تناديه من أقصى مكان في روحها المثقلة: عبدالرحمن يأمك.. طالبتك ترد علي.. يأمك نشفت عروق قلبي وأنا أتنى كلمة يمه منك.. يأمك قوم.. وقل لي يمه.. عبدالرحمن.. عبدالرحمن.. حينها ارتعشت أجفانه.. شعاع هزت أمها وهي تعتصر عضدها وتهمس بصوت مبحوح تماما: يمه بيفتح عيونه.. بيفتح عيونه.. الجميع أحاطوا بسريره.. وأم عبدالرحمن بالكاد تصلب جسدها وتبدو ستتهاوى... ابنتاها لاحظتا ذلك.. فاحاطتا بها من الناحيتين وهما تمسكان بها.. والجميع يشتركون في لحظات الترقب القاتلة.. عبدالله حينها خرج.. ليشد الستارة عليهم ويغلق الباب.. فهذه لحظة خاصة بهم يجب ألا يكدر صفوهم فيها أحد... حينها شعاع وجوزاء كل واحدة منهما شدت نقابها عن وجهها وكأنها تريد أن يفتح عبدالرحمن عينيه على وجوهم كلهم.. بينما أبو عبدالرحمن يجلس على مقعده من الناحية الأخرى من السرير.. وقلبه يكاد يتوقف من الترقب بتزايد دقاته التي أرهقت قلبه الضعيف.. مع أنه هذه المرة استعد لصحوته.. استعد تماما... ولم يخيب أمل عبدالرحمن أملهم جميعا وهو يفتح عينيه بصعوبة.. وعيناه تبحثان بوجع عن وجهها الحاني بعد أن سمع صوتها تناديه.. تلفت حتى رأى عينيها مغرقتين بسيل الدموع تطلان عبر فتحتي برقعها.. همس بصوته المبحوح المتقطع وهو يقطب جبينه بألم: يـ ـمه.. أبـ ـي أشـ ـوف وجـ ـهـ ـش تـ ـكـ ـفـ ـين!! حينها انفجرت كل من شعاع وجوزاء في البكاء بصوت مسموع مثقل بالشهقات السعيدة الشفافة.. بينما أبو عبدالرحمن سالت دموعه بصمت وهو ينظر للمنظر أمامه عاجز عن التدخل فيه حتى.. أم عبدالرحمن رفعت برقعها فوق رأسها وهي تنكب عليه تقبل كل ماتقع عليه شفتيها دون تمييز وهي تشهق..وتشهق.. شهيقها مثقل بالأنين والوجع والسعادة وهي تهذي بكلمات غير معروفة.. عبدالرحمن حاول مد يده الحرة ليحتضن رأسها.. لكنه شعر بخدر في يده عدا أن جوزاء وشعاع كل واحدة انكبت تقبل ناحية من يده.. إحداهما عضده والأخرى كفه.. هتف بثقل متقطع وحزن عميق يرتسم على ملامحه: بـ ـس تـكـ ـفون.. أنـ ـا طيـ ـب.. ثم أردف بثقل أشد وهو يحاول بلع ريقه دون فائدة لشدة جفاف حنجرته: إبـ ـي ويـ نـه؟؟ حينها هتف والده بصوت مختنق تماما: هنا يأبيك..هنا جعلني فداك!! عبدالرحمن صوته بالكاد يظهر بعد أن استنفذ قدرته: وينـ ـك ما أشـ ـوفك؟؟ فاضل حاول أن يقف ولكنه لم يستطع.. فشد كف عبدالرحمن وقبلها وهو يغرقها بدموعه المنهمرة.. عبدالرحمن شدها بجزع رغم خدر أطرافه وهو يهتف بجزع بصوته الذاهب: لا يبـ ـه طت ـالبك تـ ـكفى مـ ـاتحب يـ ـدي أنا اللي أبـ ـي أحـ ـب رأسـ ـك ويـ ـدك.. أم عبدالرحمن انهارت تماما على مقعدها جواره.. بينما جوزا وشعاع كلتاهما انزوتا في الزاوية وكل منهما تحتضن الأخرى وتنتحب..!! كل هذا كثير.. كثير.. ما أكبر نعمتك يارب العالمين.. وهم يشعرون بالفعل بهذه النعمة تحيط بهم في هذه اللحظات.. وتحلق بهم في سماوات يستحيل أن تكون تنتمي للأرض لشدة ماعمرت قلوبهم السعادة المضنية التي كادت تمزق شراييتهم بتدفقها!! سعادة كأنها لم تخلق على الأرض قبل ذلك.. ولم تعرفها قلوب البشر من قبل!! ****************************************** " فهيدان.. أنت ماعندك اليوم أوف؟؟ وش مقحصك من صباح الله خير؟؟" فهد ينظر لعالية التي كانت وقفت حين رأته دخل.. لأنه كان يريد الصعود لينام من شدة إرهاقه.. ولم ينتبه لها.. فهد يتوقف عند أول الدرج ويهمس بإرهاق: تعبان حدي علوي!! مارقدت حتى ساعة.. مهوب رجالش أول.. وعقبه أنتي تكملين علي... حينها همست عالية باختناق حقيقي وجزع تخلل روحها حتى أقصاها: رجّالي.. وش فيه عبدالرحمن؟؟ وش فيه؟؟ أجابها فهد ببساطة باسمة وهو يصعد: ليه أنتي مادريتي إنه قرر يرجع لعالم الأحياء.. أنا منه وأنا داري إني بأرجع لش.. كان قلت الغيبوبة أحسن!! عالية انهارت جالسة.. بل وصف الانهيار لا يتناسب مطلقا مع حالة الانهدام الكلي الذي شعرت به... أ هكذا يصحو عبدالرحمن من الغيبوبة دون أن يكلف أحدا نفسه بإخبارها وكأنها مخلوق لا أهمية له في حياته؟؟ أ هكذا يعود للحياة وتعلم هي بالصدفة؟؟ أ تكون تعاني في كل دقيقة من غيابه ولا تكون أول من يعلم بعودته من الغياب؟؟ أي جريمة هذه التي ارتكبوها بحقها؟؟ أي قلوب هذه التي لم تحس بها وبلهفتها عليه وبوجيعتها في كل لحظة من أجله؟؟ كانت اليوم معه في نفس المكان.. فكيف لم تشعر أن الأرض أزهرت..والسماء أشرقت.. والعصافير حلقت بعد الغياب... دون أن تشعر التقطت هاتفها وهي تتصل بالسائق أن يحضر.. وصرخت بالخادمة أن تحضر عباءتها من غرفة الكوي وتستعد لمرافقتها.. ولكنها بعد ثوان انهارت جالسة وهي تعاود الاتصال بالسائق وتطلب منه إعادة السيارة لمكانها.. وتطلب من الخادمة أن تعود بالعباءة والشيلة والنقاب لمكانها.. ثم صعدت لغرفتها.. وأغلقت بابها.. وانخرطت في بكاء حاد... منذ زمن طويل لم تبكِ هكذا.. بكت من أعمق أعمق أعمق نقطة في روحها.. تكاد تموت لتراه.. لا تتخيل أن ستراه أخيرا بعيون مفتوحة وستسمع صوته.. ولكنها أيضا تعلم أن هذا يستحيل أن يحدث.. الظروف والعادات والتقاليد والخجل كلها تقف حواجز في طريق رؤيتها له.. أما الغريب أنها غرقت حتى مافوق أذنيها في غرامه وهو نائم..مغلق العينين.. تشعر بالحرية وهي تثرثر فوق رأسه.. لا تستطيع أن تتخيل كيف ستنظر لعينيه وهما تنظران لها بشكل مباشر.. كيف ستحادثه وهي تعلم أنه قد يرد عليها.. كيف ستعود لتشعر معه بذات الحرية والإنطلاق.. أي غرابة تعيشها؟؟ وأي غرابة هذه اللي تسيطر على أفكارها؟؟ " أنتي الحين يا الخبلة لش أمل تشوفينه مبطل عيونه وإلا مسكرها؟؟ ابكي على الأطلال بس!!" ************************************* " كلمت عمك تهنيه سلامة عبدالرحمن؟؟" علي يضع كتاب كان في يده ويعتدل جالسا وهو يهمس بإرهاق: كلمته.. وكان ودي أجيهم بنفسي.. بس اليوم تعبان حتى الدوام ماقدرت أروح.. زايد بقلق: مهوب عوايدك يأبيك تقعد من دوامك.. وش أنت حاس فيه!! علي بمودته الصافية: شوي إرهاق بس جعلني فداك.. علي لا يريد اخبار والده أنه بالأمس سقط مغشيا عليه في استقبال رسمي لوفد أجنبي.. ولكن لحسن حظه أنه كان يقف في زاوية.. وزميله رآه وهو يترنح فسحبه للداخل قبل أن يسقط.. وقبل أن ينتبه له أحد.. يتخيل منظره لو أنه سقط وهو يصافح الوفد... رغم حبه الشديد عمله في المقام الاول.. ومن ثم رغبته في عدم أخذ إجازة حتى يجد شيء يشغله.. لكنه قرر ختاما أن يأخذ إجازة طويلة حتى يرى على ماذا سيستقر حاله.. فهو لا يستطيع أن يكون في هذا المنظر غير اللائق بوظيفته ولا مهنيته.. وخصوصا أن إجهاده بدأ يؤثر على عمله!! زايد يجلس بجوار علي السرير وهو يهتف بقلق: اشرايك يا أبيك نسافر مكان يسوون لك فحوصات؟؟ وإلا خلنا مبدئيا ندخلك المستشفى هنا.. علي بمودة مخلوطة بالاحترام: مافيني شيء جعلني فداك يستلزم فحوصات.. بأريح كم يوم وأصير زين إن شاء الله.. زايد يرفع الكتاب الذي كان يقرأ فيه علي ويهتف بشجن موجوع: وش تبي بذا الكتاب اللي منه فايدة تقراه..؟؟ علي ابتسم: يبه قد شفتني أقراه قبل أكثر من مرة.. وعمرك ماقلت مامنه فايدة.. وإلا عشانك خايف إنه يذكرني بحالي...؟؟ هتف زايد بشجن عميق: الله يرحمه كان رجّال(ن) نادر.. بس ذاك زمن وذا زمن.. يأبيك.. احتضن علي ديوان "محمد الفيحاني" بين يديه وهتف بعمق: يبه مهوب من بعد وقته من وقتنا.. من قبل.. على كثر ما أنا تأثرت من قصته.. بس ماحسيت فيه إلا الحين.. تدري يبه يقولون إن الفيحاني يوم مات يمكن عمره قريب من عمري.. ما بيننا إلا سنة.. زايد بجزع مغلف بحزمه: أمحق طاري.. أنت رجال متعلم وراعي دين وش ذا الخرابيط.. ابتسم علي بشجن: يبه الله يهداك؟؟ هذي سالفة والكلام أخذ وعطا.. ثم أردف بشجن عميق مثقل بالتأثر: وإذا على التعليم والدين وحتى الفلوس والمكانة.. ربي عطا الفيحاني منها كلها من أوسع باب.. تعلم خير تعليم .. والفلوس كان ربي منعم على هله بخير واجد.. والدين كان متدين لدرجة إنه كان إمام مسجد لفترة.. وهو توه في أول العشرين.. ويقولون بعض الناس إنه حصل منصب قائم مقام من الدولة العثمانية وشارك في الحرب ضد الاستعمار الانجليزي.. وفي الأخير وش اللي قلب حياته وذبحه...؟؟ حبها يبه.. حبها !! ورغم أن علي لم يكن يريد إثارة شجن والده أو مواجعه أو وخوفه.. ولكنه كان محتاج للبوح والانثيال: تدري يبه من كثر ماصرت حاس بوجيعته.. رحت لـ(فويرط) الأيام اللي فاتت كم مرة.. أدور هناك كني خبل.. ما أدري وش أدور؟؟ ريحته.. باقي ذكرياته... خطواته على الأرض؟؟ وأقول على الأقل الفيحاني مات وهو يدعي (مي) عارفها.. وعارف مكانها.. لكن أنا بأموت والله العظيم حاس أني بأموت.. وحتى اسم أبل فيه ريقي ماعرفته!! زايد لشدة وجعه ماعاد حتى قادرا على الاعتراض.. يعلم أن صغيره موجوع.. فهل يمنعه من البوح ببعض كلمات يفرج فيها عن همه؟!! حتى لو كانت كلمات ابنه أشبه برماح مسنونة تنغرز في روحه التي أثقلتها وجيعة هذا الشاب.. علي أكمل وصوته بدأ بالارتعاش والشديد وهو ينظر لشيء غير مرئي وكأنه يحادث روحه وحالة (الفيحاني) تتلبس روحه بوجعها.. وكأنه بالحديث عن وجع غيره قد تخف عليه وجيعته: تقول لي يبه روح المستشفى.. والمستشفى وش سوى بالفيحاني؟؟ مات على سرير المستشفى عمره 28 سنة أو في أول الثلاثين ومن غير مرض.. ماحد درى وش علته؟؟ والدكتور نفسه قال لأخيه: أخيك مابقى شيء في جسمه سليم.. وهو مافيه مرض معروف.. ما كان فيه غير العشق.. يا الله يبه...مابرى حاله غير (مي) اللي كوت جوفه يوم صارت لغيره.. ثم زاد ارتعاش صوته ليختلط بالقهر وأبشع اهتزازات الألم والفجيعة: تدري يبه.. لا تخيلت إنه فيه رجّال غيري.. بيمد يده ويلمس طرف شعرها.. أحس أني أحترق أحترق لدرجة أني أشم ريحة كبدي تحترق صدق.. فاشلون وأنا عارف إنه لمس أكثر من شعرها.. أشلون؟؟ أشلون؟؟ الحقير لمس أكثر من شعرها.. وهي لي أنا.. لي أنا.. الحقير.. الـــحـــقــــير.. الخــــسيــس... الـــنــذل!! علي تزايد ارتعاشه بشكل هستيري... وهذيانه.. وهو يصرخ بغضب ويسب هذا الحقير الذي تجرأ على لمسها.. كتم في روحه طويلا.. وماعاد قادرا على الكتمان... ماعاد قادرا على الكتمان وهو يحترق من كل شيء.. يحترق بمعنى الكلمة.. من العشق واللوعة والغيرة.. زايد ارتاع وهو يقفز ويكتف علي ويشده على السرير.. لأنه أطول منه ولن يصل إلى كتفيه إلا بهذه الطريقة.. ضمه لصدره بقوة وهو يسمي عليه.. وعلي يحاول التفلت وهو يصرخ بقهر وغضب غامرين.. ولكن زايد بنيته كانت أقوى بكثير .. عدا أن عليا كان منهارا من الإرهاق.. لذا انهار فعلا على صدر والده وهو يرتعش بعنف حاد كالمحموم.. زايد هتف بحنان مخلوط بالأسى والحزن والقهر : أفا عليك يأبيك.. عمري ماشفتك كذا.. تسوي في روحك كذ عشان وحدة يمكنها ماتسوى مواطي أرجيلك في التراب.. علي تتناثر كلماته بين ارتعاشات صوته وجسده وكلاهما بلغ مداه في الارتعاش: يبه مـقـهـور.. مـقـهـور.. وقهر الرياجيل شين.. مقهور ويدي مربوطة... يبه ما أتخيلها لغيري.. بس هي اللي لغيري.. لغيري.. كل ماتخيلت بس وش اللي ممكن يصير بينها وبينه.. يصير ودي أموت.. أموت.. والله العظيم الموت أحسن من حياة الابتلاء اللي أنا عايشها.. تدري يبه يمكن لو ماعاد شفتها ولا دريت إنها متزوجة كان أهون علي.. يمكن كان قعد في قلبي أمل أني بأشوفها.. أو إنها بتكون لي حتى لو كان هذا كذب على روحي.. لكن الحين حتى الأمل حرام علي.. ومالي إلا حرقة جوفي.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. يا الله هونها من عندك.. ماعاد فيني صبر ولا حيل ولا روح.. زايد ماعاد حتى يستطيع أن يتكلم.. فهو مــخـتـنــق من حالة هذا الفتى.. مـــخــتــنـــق.. حينما رأى تدهور حالة علي كان مصرا أن يعرف أي شيء عمن يحبها ابنه.. فهو لن يترك الولد يضيع من بين يديه... ولكن علي صدمه أنها سيدة متزوجة.. شعر بالصدمة والقهر والحزن؟؟ ألم يكفي أنه هو عانى هذه المعاناة ومزنة تصبح أمامه لرجلين ليس لواحد فقط؟؟ يعلم تماما كم أن هذا الألم جارح ومؤذي وينحر الروح!! فلماذا يُكتب على ابنه هذا المصير؟؟ لماذا؟؟ "اللهم لا اعتراض على حكمك أنا تحملت كل ذلك كما تحملت سواه.. ولكن هو لا.. لا.. اللهم ارفع هذا البلاء عنه.. اللهم ارفع هذا البلاء عنه.. اللهم ارفع هذا البلاء عنه.. الولد يذوي أمامي وليس بيدي شيء.. سأفقده يارب.. سأفقده.. لو حدث لعلي شيء فلن أستطيع أن أحيا بعده.. رحماك يا ربي.. رحماك !!" **************************************** " يـ ـبه.. جـ ـدي جـ ـابر أشـ ـلونه؟؟" كانت هذه أول جملة نطقها بعد صحوه من نومة طويلة.. أبو عبدالرحمن تلجلج في الرد.. وهو يتعكز على عصاه ويحاول الوقوف حتى يرى وجه عبدالرحمن.. كان يخشى أن يجر سؤاله عن الجد جابر.. سؤال آخر يخشاه كالموت.. الجميع يتشاركون رعبا قاتلا حين يعلم عبدالرحمن بوفاة مهاب.. عبدالرحمن أعاد السؤال بصعوبة.. أبو عبدالرحمن أجاب بصوت مبحوح: زين يا أبيك وطيب ومافيه إلا العافية.. عبدالرحمن أسبل عينيه وهو يهمس باختناق صوته الذابل: الحمدلله.. كفـ ـاية وجـ ـيعة عـ ـمود البـ ـيت اللـ ـي راح على بيت خـ ـالي.. ولو أن فجـ ـيعته ماتنـ ـسيها الأيام.. أبو عبدالرحمن بهت تماما.. كيف علم؟؟ من أخبره؟؟ عبدالرحمن أكمل بصوت أكثر ذبولا: يبه طالـ ـبك.. أول مكـ ـان أبـ ـي أروح له لا طلـ ـعت من هنا.. قبـ ـر الغـ ـالي... أسلـ ـم عليه وأصـ ـب علـ ـيه ماء.. جعل قـ ـبره برايـ ـد عليـ ـه أبو فيـ ـصل.. ما أشين حـ ـرة فـ ـرقاه... ******************************************* هذه الليلة استغربت أنه لم يمر بها.. ليست عادته.. ربما لم يعد بعد !! توجهت لغرفته.. ولم تجده.. حينها اتصلت به.. رن طويلا قبل أن يرد.. أخبرها أنه يستحم في بركة السباحة.. مزون نظرت باستغراب للساعة.. كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.. توجهت لبركة السباحة المغلقة.. المتصلة بالصالة السفلية بممر طويل يربطها بها وفي ذات الوقت يفصلها عن باقي البيت.. كان يستحم فعلا.. وهو يعبر الحوض الطويل عودة وذهابا في لباس السباحة الكامل.. مزون جلست على طرف البركة ليتوقف عندها بينما همست هي بابتسامة: حد يتسبح ذا الحزة..؟! لا يعلم لماذا ابتسم ..وفي ذات الوقت شعر بشجن عميق.. ذات العبارة قالها لها قبل أيام.. وهو يراها كحورية خرجت لتوها من البحر بقطرات الماء التي كانت تترتاح على صفحة وجهها الشفاف وتأبى الإنزياح... ابتسم: عادي.. اشتهيت اسبح.. وماكان عندي وقت إلا الحين.. اليوم كان عندي ضغط شغل.. مزون همست بحنان: زين تعشيت؟؟ أجابها بمودة: تعشيت جعلني ما أبكيش.. ثم أردف باهتمام: علي تعشى؟؟ حينها همست مزون بحزن: بالزور كل له لقمتين وشرب شوي عصير عقب محايل.. بس ماعليه المهم إنه اكل شيء.. ثم أردفت برجاء: تكفى كساب خله يوافق يسافر يسوي فحوص..؟؟ كساب تنهد: والله العظيم حاولت فيه بس مارضى.. يقول مافيني شي.. لا تحاتين يا بنت الحلال.. شوي ويتعدل وضعه.. مزون صمتت بينما كساب هتف حينها بتقصد: ووضعش وش صار عليه؟؟ عشر أيام ماكفتش تفكرين.. مزون همست بحزن: سامحيني كساب.. والله مع حالة علي ماني بقادرة أفكر بشيء.. كساب تظنها عين اللي في علي؟؟ أخاف إنها عين.. والعين حق.. هتف كساب بحنان وهو يستند بذراعيه على طرف الحوض: ياقلبي يامزون علي طيب.. فكري بنفسش.. مايصير مالقيتي وقت للتفكير.. مزون بشفافية: والله العظيم حاولت أفكر.. ألاقي بالي يأخذني لعلي.. أحسها أنانية مني.. أفكر في نفسي وفي مستقبلي..وعلي كل يوم حالته في النازل.. كساب شد على كفها وهتف بحزم: يا بنت الحلال علي مافيه إلا العافية لو درا أصلا بأفكارش صدقيني بيزعل.. كساب أنهى عبارته ثم اندفع عبر الحوض ليكمل قطعه.. مضى له أكثر من ساعة وهو يعبر هذا الحوض ذهابا وعودة.. وبقدر ما السباحة مُنهكة وتستنزف طاقة الجسد إلا أنه يشعر أن طاقات كثيرة في داخله عاجز عن تبديدها حتى يرتاح.. الغضب.. القهر.. والاشتياق.. والغضب حتى من هذا الاشتياق!! *************************************** بعد أسبوع... . . . . " يقولون أنه قد يخرج من المستشفى قريبا.. كيف يخرج وأنا مازلت لم أراه؟؟ كيف؟؟ " كانت عالية تروح وتجيء في غرفتها بعصبية.. منذ علمت بإفاقته من الغيبوبة وهي تشعر أن حياتها انقلبت رأسا على عقب!! تكاد لا تنام.. وعقلها مشتت من كثرة التفكير!! تعرف أخباره بالتفصيل الممل من جوزاء.. تعرف أنه يتحسن بشكل كبير.. بعد أن قضى معظم اليومين الأولين نائما.. بدأ يصحو أكثر ويستعيد قدرته على الكلام أكثر وأكثر..حتى أنه خلال اليومين الأخيرين كان قد استعاد القدرة على الكلام كاملة تقريبا.. ويحرك أطرافه حتى لو كانت حركتها ثقيلة.. ولكن حركة يديه أصبحت أفضل بكثير.. فقط حركة قدميه مازالت تحتاج لمزيد من الوقت.. ووالده بدأ يصر على أخذه للبيت.. على أن يكثف له جلسات العلاج الطبيعي... يفكرون في كل شيء عداها.. وهي أين هي من كل هذا؟؟ تعيش متقوقعة في عالم صقيعها البارد بعيدا عنه وهو لا يخطر بباله حتى أن يسأل عنها؟؟ " وهو وش عرفه عنش وعن خبالش يا البقرة؟؟ الرجال ماحتى يعرفش..!! ما درا أنش خبلة طايحة غراميات مع واحد راقد مادرا عن هوى دارش!! زين أدري.. أنا خبلة وستين خبلة.. بس بأموت أبي أشوفه الدب.. الزفت !! بأموت ياربي.. خلاص مافيني صبر.. . . بأسويها!! والله لا أسويها.. بكرة بأروح أشوفه.. وعليّ وعلى أعدائي!! " ************************************ كانت تجلس في الصالة العلوية.. أفكارها تذهب بها وتعود.. أسبوع كامل مر.. لم يزرها.. لم تراه.. لم تتنتفس عطر أنفاسه أو تشعر بدفء بيديه... أ حقا تملل منها..؟؟ أم مست كلماتها الجارحة كرامته الغالية؟؟ التناقضات تأخذها للبعيد.. مشتاقة له حد السماء..حد الوجع.. حد الاستنزاف بلا قياس.. ولكنها لا تريد أن تراه.. فعلا لا تريد أن تراه!! تشعر بضغط نفسي هائل لا تعلم حتى متى تستطيع احتماله.. ووالدتها لا ترحمها وهي تلح عليها بشكل دائم أن تفكر في العودة له.. تقول أي سحر مارسه كساب على والدتها حتى يجعلها في صفه هكذا!! كأنها أمه لا أمها..!! إذا كان يستطيع أن يكون لطيفا هكذا مع والدتها.. ألم يستطع أن يكون لطيفا معها أيضا..؟؟ لا تتخيل رؤية كساب وهو لطيف أو دمث الأخلاق معها!! كانت هذه أفكارها حين دخلت عليها والدتها كأعصار وهي تلقي على المقعد حقيبة ظهر جيشية اللون يبدو ظاهرا من طرفها بعض الحبال.. ومعلق في جيوبها الكثيرة أشكال مختلفة من قطع حديد وأجهزة صغيرة جدا لم يسبق أن رأتها مطلقا في حياتها كلها.. مزنة صرخت فيها بحزم وبوادر الانفعال على وجهها: اتصلي الحين في الشرطة.. وأنا بأتصل في تميم بسرعة.. تخيلي.. لقيت الشنطة هذي فوق السطح.. شكله حد ناوي يسرقنا.. كاسرة قفزت وهي تتناول هاتف والدتها من يدها وتمنعها من إرسال الرسالة التي كانت تطبعها.. وتهتف بنبرة تهدئة: يمه اشرحي لي وش السالفة.. مزنة بغضب: طلعت أنا والخدامات أبي أنظف السطح.. شفت لي فأر يركض ودخل في زاوية مستحيل يخطر حتى في بال الجن إنه فيه شيء مدسوس فيها.. رحت أبي أشوف المكان يكفي أحط له سم..لقيت الشنطة هذي مدسوسة هناك.. كاسرة أرادت تحسس الحقيبة وهي تشعر بتوتر متزايد لأنها علمت لمن هذه الحقيبة.. لكن والدتها شدتها منها وهي تهتف بحزم: لا تلمسين شيء منها.. أنا شلتها من طرف العلاقة بس .. عشان ما أخرب البصمات.. وعشان الشرطة يشيلون البصمات اللي عليها.. كاسرة حينها شدت نفسا عميقا وهتفت بحزم: يمه مافيه داعي للشرطة الشنطة هذي لي... مزنة نظرت لها بصدمة وهي مازالت غير مستوعبة: نعم؟؟ كاسرة بذات الحزم الواثق رغم أنها تعلم أن كذبتها الحمقاء الغبية لن تمر على والدتها.. ولكنها تمنت أن تسمح لها والدتها ان تمر بمزاجها: إيه حقتي!! مرة تهورت وشريت ذا العدة.. وقلت بأجربها على السطح.. بس ماقدرت وخليتها هناك.. مزنة نظرت لها حينها نظرة مقصودة وكأنها ستحرقها بنظراتها.. بينما كاسرة أخفضت نظرها وهي تسب كساب في داخلها لأنه وضعها في هذا الموقف السخيف أمام والدتها.. والدتها ظلت تنظر لها ذات النظرات لدرجة أن كاسرة شعرت أن ريقها جاف.. شعرت كما لو كانت طفلة صغيرة أمسكتها والدتها بذنب عظيم.. مزنة تناولت هاتفها واتصلت برقم معين ثم هتفت بحزم بالغ صادر بنبرتها المقصودة تماما: كساب لو سمحت أبيك تجيني الحين بدون تاخير... ...................................... هتفت بذات النبرة: أممممم ماتقدر الليلة...!! زين بكرة أول ماتقدر لازم تجيني ضروري..ضروري!! أنهت الاتصال الذي رفع ضغط كاسرة وتوترها للقمة.. لأنها علمت أن والدتها علمت لمن الحقيبة.. ويبدو أنها لن تترك الموضوع يمضي!! ثم عاودت مزنة النظر لكاسرة بذات الطريقة الكاشفة اللاهبة المحرقة لأبعد حد.. وكأن نظراتها تخترق عمق روح كاسرة وتعريها... وزادتها عليها أن همست بنبرتها المقصودة تماما وهي ترص على الأحرف رصا: زين قومي شيلي شنطتش دسيها.. لا حد يشوفها.. ويمكن تجي فرصة أنا وإياش نجربها.. أنا باتمان وأنتي سوبرمان!! ************************************* رغم أنها قررت الليلة أن تنام مبكرا إلا أنها لم تستطع.. وتفكيرها يأخذها إليه.. الليلة لم تره حتى.. يبدو أنه قرر أن ينام دون أن يعود لغرفته حتى!! ماهذه الحياة الغريبة التي يعيشونها؟؟ تعلم أن احدهما لابد لن يحتمل وسيحدث الانفجار.. وهذا ما لا تريده.. فهي تريد أن تستمر حياتها مع تميم فعلا.. لكن إن كان مازال بأعماقها شيء من حزن شفاف لم تستطع تجاوزه.. فكيف الحل؟؟ تشعر أن هناك حلا مازالت لم تتوصل له.. ماهو؟؟ ماهو؟؟ ماهو؟؟ لتقفز الفكرة إلى بالها ببساطة... تميم قام بما عليه.. خطا خطوة كبيرة من ناحيته لكسر حاجز الجمود بينهما.. ونجح في جعلها تتجاوب معه بلغة الإشارة رغم أنها قضت ستة أشهر رافضة لهذا الأمر.. إذن الخطوة القادمة لابد أن تكون منها.. لعبة هواة لطيفة.. تماما كما هي.. فهي لن تلبس ثوبا ليس ثوبها.. فربما كانت مشكلتها مع تميم أنهما أرادا حل المشكلة من قمتها.. وهذا لن ينجح أبدا.. فلابد من تفكيك تعقيدات السفح قبل الوصول للقمة.. فكيف يتواصلان على هذا النحو الخاص والحميم قبل أن يبدأ في التواصل الإنساني البسيط؟؟ سميرة شعرت بحزن أكثر شفافية أنها وتميم نادرا ما تبادلا حوارا خاصا.. لا تعرف شيئا من طفولته على لسانه.. وهو كذلك.. لا تعلم همومه أو ما يؤرقه.. فتواصلها معه كان دائما في القشور ولم يصل للب.. وهذه هي مهمتها هي... إن كان هو نجح في جعلها تحاوره بالإشارة فهي يجب أن تستخدم هذه اللغة لتتحاور مع روحه.. لتتقرب من خفاياه.. وهو كذلك.. فهي لا مانع لديها من الثرثرة حتى لو بغير لسانها.. ولكن كيف تقوم بذلك وهو يتجاهلها هكذا؟؟ إذن الخطوة الأولى يجب أن تكون إحضاره إلى هنا... فورا.. وبدون تأخير.. ولكن على طريقتها... سميرة قفزت.. خلعت بيجامتها القطنية ... وارتدت بيجامة حريرية لم ترتدها أبدا من قبل.. بيجامة أنثوية فعلا برقيها الفخم ولونها الذهبي الراقي وقصتها الانيقة.. ثم أطلقت شعرها الذهبي من إساره ونثرته على كتفيها.. وضعت زينة خفيفة غير لافتة أبدا.. قليلا من الماسكرا.. وأحمر شفاه مطفي بلون خفيف.. نظرت لنفسها في المرآة وابتسمت: كذا شكل الهواة الحلوين.. خل لعب المحترفين لأمي مزنة.. من يقدر عليه منها؟؟.. على زينها وتلعب باحتراف زيدان..!! ما ألومهم رياجيلها الأثنين انجلطوا.. ودّعوا ما أستحملوا..!! خلني أنا في دوري الأشبال.. ثم جلست على منتصف سريرها وهي تضم ركبتيها لصدرها وتمسك بهاتفها وتطبع رسالة لتميم وهي تستعد لرسم علائم الخوف على وجهها : " تميم الحقني.. أنا سامعة صوت يخوف في الغرفة والبنات وأمي مزنة ناموا " #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والستون.. كما توقعت تماما.. وصلها خلال دقائق.. حتى لو كان نائما فهي تعلم أنه سيقوم من نومه.. لأنها تعلم أنه حين ينام يرتدي خاتما لا سلكيا يرتبط بهاتفه الخاص بأهله.. حين يرن الهاتف أو تصله رسالة يهتز في يده.. فتح الباب باستعجال.. وهو (بفنيلته وسرواله) دون أن يلبس ثوبه حتى.. من شدة استعجاله.. وهو ينظر حوله باحثا عنها.. ليراها تقبع على منتصف السرير وعلى وجهها علائم الخوف المتقن.. أما هي حين رأته قفزت من السرير لتقف جواره.. أشار لها بأنفاس مقطوعة: وش فيش؟؟ أشارت له بخوف وهي ترسم ملامح التأثر على وجهها وتمنت لو تستطيع نثر دمعتين أيضا.. ولكنها ليست من النوع الذي يستطيع جلب دموعه كيف يشاء ..لذا اكتفت بالإشارة: يمه تميم.. فيه صوت يخوف؟؟ أشار لها بحزم: زين أنتي اقعدي هنا.. بأطلع أشوف برا فيه شيء... سميرة شدته من ذراعه لتمنعه ثم أفلتته لتشير بذات الخوف: أقول لك الصوت هنا في الغرفة.. مهوب برا.. ثم اردفت بإشارة جزعة: يمه يمه.. الحين أسمعه.. اسمعه.. لا تخليني تكفى.. ثم التصقت به وهي تحتضن ذراعه وتخفي وجهها في عضده وهي معتمدة تماما أنه لن يستطيع تكذيبها مادام لا يستطيع أن يسمع الصوت الذي سمعته.. تميم شعر أن جسده كله تكهرب حين التصقت به هكذا.. لأول مرة تكون قريبة هكذا... " يا الله الصبر من عندك!!" بينما هي شعرت أنها ستنهار وهي لأول مرة تشم عطره من هذا القرب الحميم.. تمنت أن تتراجع.. لكن آوان التراجع فات.. ولا بد أن تكمل مخططها للنهاية.. تميم خلصها منه برقة حتى يشير لها بثقة رغم أنه تمنى لو تبقى هكذا حتى آخر يوم في عمره: زين هديني خليني أدور.. يمكن فار؟؟ سميرة أفلتته وهي تعود لمكانها وتجلس على طرف السرير... تميم بحث في أطراف الغرفة ولم يجد شيئا.. أشار لها بهدوء: مافيه شيء.. بكرة حطي سم فيران وصمغ.. لو فيه شيء بيطيح فيه.. والفار ماظنتي يخوف.. أكمل إشارته وهو ينظر لها بعد أن فتح الباب ليخرج.. سميرة قفزت بجزع: بتروح وتخليني؟!! تكفى نام عندي.. أنا خايفة !! تميم تنهد بعمق " يا الله صبرني ألف مرة!!" وهو يغلق الباب ثم يستدير عائدا.. حتى منى هو أيضا سيبقى ينام في مكان غير غرفته.. حتى متى هذا الهرب؟؟؟ لابد أن يتوقف في يوم !! توجه لأريكته وهو يشير لها بسكون: خلاص بأنام هنا.. تصبحين على خير.. أشارت له بجزع مدروس: لا تعال نام جنبي.. أو أنا بقعد على الكرسي جنبك.. تميم نظر لها بصدمة حقيقية.. بينما سميرة كانت تخشى أن تبدأ أسنانها بالاصطكاك لشدة توترها مما تفعله.. وقف تميم لثوان حائرا.. لا يليق أن يتركها جالسة على مقعد جواره.. بينما هو نائم على الأريكة.. ونومه معها في مكان واحد لا يستطيع احتماله... فماذا يفعل؟؟ لم يرد أن يبدو بمظهر الجبان الذي يخشى قربها.. أو ربما يخشى عليها هي من نفسه.. ولكن لا مفر من نومه معها.. ولكن هل يعقل أنها خائفة لهذه الدرجة التي توافق أن ينام جوارها وهي من كانت ترتعش من مجرد اقترابه منها..؟؟ حين رأته اقترب فعلا.. أشارت له بجزع حقيقي هذه المرة: تنام على الطرف..وماتقرب مني.. حينها أشار لها بغضب عاتب: دام بتتشرطين من أولها.. كل واحد ينام في مكانه أحسن.. عادت للتراجع بخجل وهي تستخدم سلاح الرقة هذه المرة: تكفى تميم لا تخليني أترجاك.. أقول لك خايفة.. تبي تخليني؟؟ تميم اندس في الفراش على الطرف تماما وهو يتنهد تنهيدة بحجم الكون " يا الله صبرني للمرة المليون!!" .. لا يعرف حتى ملمس هذا الفراش أساسا...ولا رائحته.. التي بدت عطرة جدا وناعمة كنعومة صاحبته تماما.. " إيه الأخت بروحها تنام مرتاحة هنا وأنا تكسرت جنوبي من الكنبة!!" تميم أولاها ظهره لم يكن يريد أن ينظر ناحيتها فالضغط النفسي الذي يشعر به كبير جدا.. ولكنه فوجيء بطرف أنامله ينقر كتفه.. استدار لها مستفهما.. بينما عادت هي إلى أقصى الطرف الآخر.. ثم أشارت له برجاء عذب: تميم تكفى مافيني نوم.. سولف معي شوي!! اعتدل جالسا وهو يشير باستغراب: وش أسولف لش يعني؟؟ حينها تربعت جالسة ولكنها تذكرت أنها لابد أن تكون رقيقة وأنثوية لأقصى حد.. والتربع لا يتناسب مع هذه الصورة!! لذا ضمت ساقيها لتجلس بشكل جانبي وهي تشير بحماس رقيق: أي شيء تبيه.. قل يوم دخلت صف أول وش سويت.. أو أنا بأقول لك.. وأنت قول لي عقب.. *************************************** " ماقلت لي عمتك يوم اتصلت فيك قبل المغرب وش كانت تبي؟؟" كساب يعدل المخدة وراء ظهره وهو يجلس على المقعد الطويل الخاص بالمرافق.. ويجيب علي بهدوء: ما أدري تقول تبيني ضروري.. علي بمودة باسمة: كان رحت لها.. يمكن كانت تبي تعطيك مرتك في يدك.. ضحك كساب: لا ماظنتي.. عمتي ماتسويها.. ومرتي مستحيل تنجر ولو حتى جروها بدبابة تي-ناينتي الروسية ، و دبابة أبرامز- إم- ون الأمريكية.. الثنتين سوا.. حينها هتف علي بجدية: لا صدق كان رحت.. أكيد عمتك ماراح تقول تبيك ضروري إلا لو فيه شيء ضروري.. كساب يهتف بحزم وود غريبين: أنت أبدى من خلق الله.. ما أقدر أخليك وحن تونا داخلين المستشفى.. بكرة لا جاء إبي.. رحت لها.. الدنيا مهيب طايرة.. علي بشجن وحزن عميقين: ماكنت أبي أدخل المستشفى.. بس عاد طيحة في المسجد وأنا في الصلاة قدام خلق الله.. هذي اللي مالها دوا والله... يا فشلتي وقصارانا كلهم متشاقليني للمستشفى.. (قصارانا=جيراننا.. متشاقليني=شايليني) وعشر سيارات تتبعنا... كساب ابتسم: أنت عاد مالقيت تطيح إلا في صلاة الظهر وأنا وإبي كل واحد منا في شغله... علي أسند رأسه للخلف وهو يغلق عينيه ويهتف بعمق: تعبت يا كسّاب تعبت.. الحين ذا العذاب بيظل مكتوب علي لين آخر يوم في عمري.. كساب أجابه ببساطة: مشكلتك علي ماخذ الموضوع بجدية.. يعني لا أنت أول ولا آخر واحد يحب له وحدة.. ويتزوج وحدة ثانية... صدقني إذا تزوجت.. ولهيت في بيتك وعيالك ما أقول لك إنك بتنسى لكن بتنشغل.. علي تنهد بذات العمق: ماظنتي.. وما أقول إلا الله يعين بنت فاضل على مابلاها!! ************************************* هزت طرف كتفه برفق.. حينما فتح عينيه بإرهاق.. كانت تقف فوق رأسه.. أشارت له بإرهاق شديد: تميم قوم الشغل.. أشار لها وهو يغلق عينيه: ماني برايح الحين.. ما ني بقادر أقوم.. مانمت حتى ساعة.. بأروح الساعة 10.. أنتي الحين سهرتيني بهذرتش لين صلينا الفجر.. وعقبه تقوميني الساعة 6.. مافيني حيل حتى أسوق.. ماعليه خلي أمي والسواق يودونش أنتي ووضحى.. سميرة حينها عادت وهي لا تكاد ترى من النعاس لتندس بجواره.. وهي ترسل لوضحى رسالة أنها هي وتميم لن يذهبا اليوم.. ****************************** " حبيبتي عفرا أنتي الحين ليه زعلانة؟؟" عفراء بغضب فعلي مغلف بطريقتها المهذبة الراقية في الحديث ومثقل بكثير من الحزن والعتب: يعني ولدي من أمس الظهر وهو في المستشفى وتوك تقول لي الحين.. أنا قلبي ناغزني عليه من يوم شفته قلت جياته عندي الأيام الأخيرة.. وكل ماكلمته يلعب علي ويقول أنا طيب.. وأنت بعد تلعب علي إذا سألتك وتقول طيب.. والولد تعبان.. تعبان.. وأنا ماعندي خبر مالي شغل أبي أروح له الحين.. الحين... مافيني صبر.. منصور بنبرة تهدئة: والله العظيم بأرجع وأوديش له الظهر.. لكن الحين مكلميني مجموعة من ربعي الضباط يبون يزورونه... بأروح معهم الحين.. ووعد علي أرجع وأوديش.. هدي حبيتي.. عفراء زفرت بغضب وحزن وهي تجلس وتأثرها العميق باد في وجهها... بينما منصور خرج.. لتجلس جميلة بجوارها وهي تربت على فخذها وتهمس بحنان: يمه ياقلبي هدي جعلني فداش..مهوب زين تعصبين كذا.. عفرا تهمس بغضب: وليه مهوب زين.. كملت شهر وزيادة من يوم ولدت.. يعني طيبة ومافيني شيء.. وحضرة العقيد مبلغ ربعه الضباط من أمس وقدهم متفقين اليوم يزورونه وأنا ماعندي حتى خبر... جميلة برقة: وعلي طيب وأنتي توش كلمتيه من دقايق بنفسش.. عفراء حينها انحدر صوتها لألم وحنان عميقين: ياقلب أمه وش اللي جاه... قلبي مهوب مرتاح لين أشوف ولدي بعيني... **************************************** " جوزا أبي وينه؟؟" كانت شعاع التي دخلت للتو عائدة من محاضرة وحيدة مبكرة تهمس بذلك لجوزاء بعد أن قبلت جبين عبدالرحمن وأعطته الجريدة التي وصاها عليه.. ثم قبلت جبين والدتها التي تجلس بقرب عبدالرحمن وتتبادل الحديث معه... جوزاء بهمس محايد في أذن شعاع: راح يزور رجالش هنا في نفس الطابق.. شعاع بصدمة رقيقة كرقتها: رجّالي؟؟ ليه وش فيه؟؟ جوزاء تبتسم: يقولون تعبان شوي.. الظاهر متخرع من العرس ومنش.. شعاع بقلق عفوي: لا جد جوزا.. فيه شيء كايد؟؟ جوزاء برقة باسمة مرحة: ياقلبي على اللي يحاتون... لا لا تخافين على المسيو علي.. إبي يقول تعبان شوي ومقروف من الأكل بس.. بس خبرش ولد نعمة ما يستحمل... شعاع حينها ابتسمت وهي تغمز جبنب جوزاء: إيه طسي رجّالي عين بعد يا المشفوحة.. إلا الجويزي مالت على عدوش..الحوسة اللي كنا فيها نستني.. لين جبتي الطاري.. صورتي وينها؟؟ جوزاء بعدم فهم: أي صورتش؟؟ شعاع بنبرة مقصودة: صورتي يأم حسن.. صورتي.. جوزاء تضحك بخفوت: يأختي نسيت والله العظيم.. بأدورها والله ما أدري وين قلعتها... ************************************ " هلا زايد وش فيك تاخرت؟؟ كان فيه رياجيل جايين معي ويبون يواجهونك وتوهم راحوا الحين يوم عجزوا وهم يتنونك"" زايد يجلس بعد أن نظر إلى وجه علي النائم بتمعن ثم يهتف بحزم وهو ينظر لمنصور وكساب الجالسين ويرد على منصور: رحت أشهد على ملكة رجّال وتوني مخلص الحين.. حينها كساب كان من تسائل باستغراب: غريبة يبه.. يعني ماقلت لي أمس إنك بتروح تشهد على ملكة حد؟؟ زايد بحزم غريب: توهم كلموني الصبح فرحت لهم.. حينها سأل منصور: ومن ذا اللي متملك من صباح الله خير؟؟ مافيه صبر لعقب صلاة العصر؟؟ أجابه زايد بذات الحزم الغريب: خليفة ابن احمد.. منصور بصدمة كاسحة: أي خليفة بن أحمد.. رجّال جميلة؟؟ زايد بذات حزمه الذي لا يتذبذب: تقصد طليقها.. إيه.. هو إياه!! منصور يمنع نفسه من الانفجار فلا الوقت وقته ولا المكان مكانه.. هتف بصرير حاد من بين أسنانه بينما كساب قرر أن يقف موقف المتفرج فليس له مزاج للدخول بين هذين الجبلين حين يتناطحان: بصراحة ماقصر.. زين إنه صبر لين كمل شهر من عقب ماطلق بنتك وأنت رايح تشهد على عرسه!! يعني الدوحة مافيها حد يشهد غيرك.. وإلا مافهمت مقصدهم من إنهم يطلبونك أنت بالذات.. وانت بعد رايح ما حتى تعذرت بولدك المريض.. زايد بثقة: عارف مقصدهم زين... ومهوب أنا اللي أطق وألا اتعذر عشاني عاجز أواجه.. داري إنهم يبوننا أول حد يوصله خبر الملكة.. منصور حينها انفجر بغضب مكتوم: وأنا اللي كنت أبيه يرد بنتي وأسعى في ذا.. والله إنه مهوب كفو.. و والله إنه مهوب كفو.. وو الله إنه مهوب كفو.. رد عليه زايد بثقة غامرة: إلا كفو وكفو وكفو.. وبنتك لو بغى يردها ردها من ورا خشمك ولا لك لسان.. لأنها عادها في العدة.. لو بغى ردها بدون رضاها ورضاك... منصور بذات الغضب المكتوم الذي بدأ في التزايد: يخسى ويهبى يعرفها مرة ثانية... والله ولو تذابحنا إنه ماعاد يعرفها لأنه مهوب كفو لها ولا مايستاهلها.... حينها هتف زايد بغضب: أنتو على ويش شايفين حالكم على الناس... جميلة على غلاها اللي أنت عارفه زين...لكنها سوت فيه سوات ماتسويها حتى مضيعة المذهب.. والحين مستكثر عليه حقه في رد شوي من كرامته.. منصور قفز وهو ينتفض من الغضب: ما أسمح لك تقول عليها كذا... ووالله لولا إنك أخي الكبير وإلا كان علوم.. يعني عشانه من ريح خليفة كل شيء عليه حلال.. دستنا كلنا عشان خليفة.. أولهم أنا ثم علي ثم جميلة... زايد بحزم بالغ: منصور اقصر الحكي اللي ماله سنع.. إذا خليفة ولد ولد أخ خليفة.. فجميلة بنته... قل لي وش تبيني أسوي يوم كلموني والشهود واهل البنت عندهم ويبوني أشهد.. أقول لا والله ردو بنتنا.. مهوب أنا اللي أحط نفسي في موقف سخيف مثل ذا ولا أرخص جميلة مع زعلي منها.... بغيت أبين لهم إنه لو أنتو بعتوا شوي.. حن خلاص بايعين واجد... ************************************** كان هو من نهض أخيرا قبل أذان الظهر بقليل.. نظر للساعة وهو مازال مستلقيا.. لا وقت حتى ليذهب لمحله.. سيذهب العصر.. ولكنه سينهض ليستحم ويذهب للمسجد للصلاة ثم يذهب لاحضار سميرة ووضحى من المدرسة... قطب جبينه قليلا (أوف نمت نوم مانمته من قبل.. نعنبو هذي وش ذا الهذرة اللي عندها..؟؟ تعبت إيدي من كثر ما أشرت ) ثم رقت ملامحه بحنان..( يا الله قلت لها أشياء ومن أول مرة ماعمري هقيت إني بأقولها لأحد حتى وضحى مع قربها مني.. ما أدري وأشلون قدرت تسحب الكلام مني.. لها قدرة عجيبة تدخل بين الواحد ونفسه) اتسعت ابتسامته أكثر وهو يعتدل جالسا لينهض.. حينها فوجئ بمن مازالت تنام جواره ولم تذهب لعملها.. كانت تنام بشكل أقرب للشكل العرضي.. رأسها ناحيته.. وقدماها تكادان تخرجان عن طرف السرير.. اتسعت ابتسامته أكثر بحنان أكبر.. وهو يميل دون أن يشعر ليقبل جبينها!!.. أرادها أن تكون خاطفة وسريعة.. ولكنه حالما قبل جبينها.. لا يعلم أي غيبوبة لذيذة شعر بها.. وجد نفسه ينزلق ليقبل صدغها.. كان يشعر أن شفتيه ترتعش وهي تلامس بشرتها الناعمة لأول مرة.. وربما كان تهور واتجه لاتجاه آخر.. لولا أنها قفزت بجزع.. وهي تبتعد عنه.. وتنظر له بجزع بعينيها المنتفختان من النوم وشعرها المنكوش لكثرة تقلبها.. رغم أن أكثر ما تحرص عليه أول ماتنهض من النوم أن تمسح على شعرها لتتأكد من هبوط خصلاته الطائرة قبل أن تقوم فعلا.. ولكن صحوها على شفتيه على صدغها جعلها تقفز دون تفكير وتشير بهذا الجزع الذي انتشر في روحها: شتسوي؟؟ ابتسم وهو يشير بشفافية: شفت رأسش عندي ماقاومت أني على الأقل أحبه.. شعرت بخجل عميق يتفجر في روحها ولم تستطع أن تشير بشيء وهي تقفز للحمام لتهدئ دقات قلبها المتسارعة.. حينها رأت شكلها في المرآة لتقفز الدموع إلى عينيها: وانا أقول وش فيه كان يتبسم.. أحسبه يبتسم لي.. أثره يضحك على شكلي.. وانا كني خبلة بكشتي الطايرة... لتنهمر دموعها بغزارة وشهقاتها المكتومة تتعالى.. ولم يكن السبب أن شكلها كان مضحكا.. لأن السبب كان أعمق من ذلك بكثير.. ولكنها قررت أن يكون هذا هو السبب.. وهي تشد المشط وتمشط شعرها بقسوة تفرغ فيها توترها.. حين خرجت بذات توترها وهي تلتف بروبها بعد أن استحمت.. وجدته يقف قريبا من الباب.. يستند على دواليب غرفة التبديل.. حينها تراجعت بوجل.. ولكنها عادت لتخرج بخطوات مترددة.. حينها أشار لها بشجن: آسف سميرة لو كنت ضايقتش.. ماقصدت والله.. آلمها ملامح الضيق على وجهه.. أ يأخذ حقا من أبسط حقوقه ثم يعتذر لها عنه؟؟ "أي مخلوقة معدومة المشاعر أنا؟!" حينها قررت أن تتهور وهي تقترب منه وتتطاول على قدميها لتقبل جبينه.. ولكن لطوله الذي يتجاوزها بكثير لم تستطع الوصول إلا لطرف خده.. تميم منذ رآها تقترب وهو يشعر أن قلبه سيتوقف... ماذا تريد منه؟؟ ليصدم بقبلتها الرقيقة والشفافة الصادمة فعلا.. ثم لتكون صدمته الأشد أنها دفعته داخل الحمام وأغلقت الباب عليه.. لأن وجهها تفجر احمرارا وماعادت قادرة على مواجهته.. وتريده هو أن يستحم أو يفعل مايريده.. حتى تلبس ملابسها وتهرب للأسفل.. قبل أن تواجهه مرة أخرى!! ******************************* هاهي تقف قريبا من غرفته قبل صلاة الظهر بقليل.. وهي تشعر كما لو كانت مجرم يعد لعملية سرقة.. بل إحساسها كمن يرتكب جريمة فعلا.. ويخشى من اكتشافهم له.. هذه المرة تهورت أكثر وهي تشرك معها أحد عاملات النظافة وتعطيها نقودا حتى تخبرها من في داخل غرفة عبدالرحمن.. انتظرت حتى أخبرتها أنه كان هناك ثلاث سيدات وخرجن قبل قليل.. وتبقى الشيخ والخادم ويبدو أنهما سيخرجان.. وبالفعل بقيت حتى رأت من بعيد أبا عبدالرحمن يخرج متوجها للمسجد وهو يتسند على خادمه... حينها قررت أن تدخل.. ولكنها شعرت للحظات بالجبن.. وهي تشعر أنه قد يغمى عليها من الرعب والخجل.. فقط ستنظر له دون أن تكلمه.. فهو لم يسبق له مطلقا أن رآها بالبالطو الأبيض سيحسبها أحد أفراد الطاقم الطبي.. حاولت أن تتراجع.. ولكنها تعلم أنها حلفت بالله أن تفعلها.. عدا أنها ستموت إن لم تراه بعد أن أصبحت قريبة هكذا.. سمت بسم الله وهي تحاول دفع أكبر قدر من الشجاعة في روحها المتخاذلة.. تنهدت بعمق وهي تشد لها نفسا عميقا.. وتدفع الباب.. وتدخل كانت تحمل ملفا في يدها وضعته على الطاولة أمامه دون أن ترفع عينيها ناحيته لشدة توترها.. هو حين رأى الطبيبة التي دخلت أنزل الجريدة التي كان يقرأ فيها.. مع استغرابه لدخولها الصامت دون تحية حتى. في ذات اللحظة التي أنزل فيها الجريدة.. تجرأت ورفعت عينيها.. لتتكهرب وهي تنزل نظرها وتفتح الملف وتدعي إنشغالها فيه.. رغم ارتعاشها.. " يمه.. يمه.. هو حلاه كذا طبيعي؟؟ وإلا أنا اللي من كثر ما أنا مشتاقة له...شايفته أحلى واحد في العالم.. الدب والله إنه وهو مبطل عيونه أحلى بواجد.. وبعدين وين النظارة اللي شفته فيها يوم جا يزور أمي؟؟ شكلي بأخليه يلبسها أحسن .. ما أقدر أشوف عيونه كذا بدون حاجز.." عادت لترفع عينيها لتجده ينظر لها باستغراب.. عاودت اخفاض بصرها والقلم الذي تسجل به ملاحظاتها الكاذبة يرتعش في يدها.. الارتعاش الذي لاحظه هو تماما !!! " فيه حد توه صاحي من غيبوبة ماله أسبوع والدم ينط من وجهه كذا!! نعنبو وش ذا البياض بحمار اللي عنده؟؟ شكلي بأبطح الرجّال بعيني وأرجعه الغيبوبة مرة ثانية.. خلني أطلع بدون خساير أحسن هذا أنا شفته وكحلت عيوني بشوفته الدب.." كانت على وشك فعلها والخروج لولا أنه صدمه الصوت الذي سمعته: دكتورة!! " يا الله ماتخيلت إني ممكن أسمع صوته بعد يا الله بأموت.. بأموت!!" كان يهتف ببنبرة مقصودة تماما وباللغة الإنجليزية وهو يردف بعد أن استوقفها: دكتورة.. هل من الممكن أن تشدي سلك الجلوكوز لأنه التف خلف حامل الجلوكوز وألمني في يدي...لو سمحتي.. عالية كانت تريد أن تهرب.. لكنها علمت أنها حينها ستفضح روحها.. لم تكن تريد مطلقا الاقتراب منه.. لكنها كانت مجبرة.. " الله يأخذ عدوك يا الدب.. أنت الحين تتلزق في كل دكتورة تجيك..؟؟ خلني أحرك له الواير وأخلص" عالية اقتربت وهي تحاول أن تكون حركتها عفوية وواثقة.. بالفعل كان هناك حامل للجلوكوز.. لكن لم يكن هناك أي شيء معلق بيده.. وقبل أن يبدر منها أي تصرف.. شعرت أن هناك قنبلة تفجرت بين أناملها وهي تتفاجأ بيده تشد على يدها بقوة.. حاولت شد يدها بكل قوتها ولكنه لم يفلتها وهو يهمس لها بعمق دافئ: يا الظالمة ثلاث أسابيع ماسمعت صوتش.. هنت عليش كذا؟؟ عالية تفجرت صدمة أشد في داخلها وشعرت أنه سيغمى عليها فعلا (أيعرفني؟؟) همست باختناق: فكني.. فكني.. لا تفضحني.. أجابها بثقة: وين الفضيحة؟؟ رجّال ماسك يد مرته.. اللي عنده ريال خله يقطعه.. عالية حاولت شد يدها دون فائدة هتفت من بين أسنانها بغيظ: نعنبو دارك هذي يد وإلا كلبشات... يقولون توك قايم من غيبوبة من وين لك كل ذا الحيل يا الدب.. حينها انفجر ضاحكا بعفوية.. يا الله لم يتخيل أنه قد يضحك مرة أخرى وهو من كان غارقا في كآبة شفافة منذ نهض من غيبوته وهو يتخيل هذه الحياة قد أصبحت خالية من توأم روحه هتف وهو يضحك: دب في عينش يا قليلة الحيا.. فيه وحدة تقول لرجّالها كذا.. عالية ماعادت كيف تشعر.. الغيظ أو الخجل؟؟... هتفت برجاء عميق: عبدالرحمن تكفى .. هدني.. تكفى.. هتف لها بعمق شفاف: ياحلوه اسمي من بين شفايفش.. إذا فيه واحد بيموت من العطش وعطوه كأس ماي.. ظنش حتى لو مافيه حيل.. حد يقدر يأخذ الكأس منه؟؟ هذا الحين حالي وحالش.. يدش الحين كأس الماي للعطشان اللي هو أنا.. عالية تنظر للباب وتهمس بتوتر مرتعب: ولك بال تغزل بعد أنت ووجهك..؟؟ هدني لا يجي أبيك لا تفضحني.. عبدالرحمن انفجر ضاحكا مرة: احترميني لا أقوم أوريش الشغل.. حتى لو ما أقدر أقوم.. أما على إبي.. توه رايح.. يبي له على الأقل ربع ساعة... وش صار؟؟ قبل كنتي تحسبين لطلعته ورجعته بالثانية... خربت ساعتش يعني؟؟ عالية مصدومة فعلا.. مصـــــــــدومة!! أ كان يشعر بها فعلا؟؟... ثم تحولت الصدمة لتفجر صداع وخجل لا حدود لهما.. "يعني الدب يتذكر كل شيء كنت أهذر فيه؟؟" كانت مشغولة بالصدمة والتفكير وهي تنسى يدها التي بين يديه.. لتعلم أنه كان يتذكر جيدا وهي تشعر بأنفاس دافئة على يدها تبعها قبلات أكثر دفئا.. حينها صرخت بصوت مكتوم والعبرات تنط في حلقها: والله العظيم إنك استخفيت.. فكني.. فكني.. لم يرد عليها وهو يغمر أناملها المرتعشة بقبلاته بينما هي تحاول شدها بعنف.. وقلبها يكاد يتوقف من الرعب.. أفلتها بمزاجه لأنه لم يرد أن يثقلها عليها أكثر من ذلك..ثم أجابها بابتسامة مغلفة بخبث رقيق: أنا نفذت طلبتش بس.. وسامحيني كان ودي إن البوسة في مكان ثاني...على طلبش بعد.. بس ماعليه ملحوقة.. مهما كان المستشفى مكان مايليق.. أجابته باختناق عبراتها التي تحاول منعها من الانسكاب: والله العظيم إنك خبل هدني يا الله.. أجابها حينها بحزم باسم: أنتي بتعرفين تقصرين لسانش وإلا قصيته لش.. أجابته برجاء طفولي: بأقصه والله العظيم بأقصه.. بس هدني.. أنا أساسا الخبلة اللي جيت عند واحد خبل مثلك.. حينها عاود رفع يدها إلى شفتيه وهو يهتف بابتسامة: لا شكلش مافهمتي اللسان أشلون يتقصر... وبعدين يا البخيلة جاية لين عندي.. على الأقل بردي قلبي وخلني أشوف وجهش.. ارفعي نقابش... حينها انفجرت في البكاء: بس خلاص تكفى.. حرام عليك.. هدني.. عبدالرحمن شعر بالجزع من بكاءها.. لم يتخيل أنها قد تفعلها وتبكي وهو من يعلم جرأتها.. ولكنه يخشى حتى الموت أن يفلتها دون أن يأخذ منها وعدا أنه سيسمع صوتها على الأقل.. فهو منذ صحى من الغيبوبة وهو يكاد يُجن ليسمع صوتها فقط.. توقع أن من لها جرأتها لابد ستحاول الاتصال به ولو على سبيل تهنئته بالسلامة.. وحين رأى الأيام تمر وهي لم تحضر.. كان يريد أن يأخذ هاتف جوزا ليأخذ رقمها.. ولكنه لم تتهيأ له الفرصة بعد... ولم يتخيل أنها كانت تخفي له مفاجأة رائعة.. وهي أن يراها هي شخصيا.. لذا لم يتوقع أن من لها هذه الجرأة جبانة أيضا إلى هذا الحد.. أجابها بتهدئة حنونة: زين اسكتي يا البزر وأهدش.. اسكتي.. عالية حاولت أن تتماسك: زين هذا أنا سكتت.. فكني.. وترا والله ما أنسى لك إنك بكيتيني.. لأني نادرا ما أبكي.. ابتسم حينها وهو يشد على يدها أكثر: وتهددين بعد أنتي ووجهش؟؟ عالية بتراجع جزع: لا ماني بكفو أهدد... تكفى هدني.. عبدالرحمن حينها هتف بحزم باسم: زين اسمعيني عدل.. بأهدش.. بس توعديني تكلميني على الأقل.. ما أعتقد إنه صعب عليش تجيبين رقمي... عالية بغيظ: لا تشرّط علي.. ما أبي أكلمك.. عبدالرحمن حينها هز كتفيه ببساطة: خلاص خلش عندي لين يجي إبي.. ويعرف من اللي كانت تنط عندي كل يوم وأنا في الغيبوبة... عالية عاودها الاختناق بالعبرات: أنا أبي أدري أنت كنت منخمد في غيبوبة وإلا كنت تمثل علينا؟؟ عبدالرحمن ضحك: مالش شغل أنتي.. اوعديني تكلميني بأفكش.. وترا إبي صار على وصول.. عالية بجزع وهي تنظر للباب: بأكلمك.. بأكلمك لا بارك الله في عدوينك.. ماشفت واحد أذوة مثلك.. الله يعين الطلاب اللي كنت تدرسهم على غثاك.. شد كفها بقوة وهتف بابتسامة: وطولة اللسان؟؟ عالية عادت للبكاء: لا حول ولا قوة إلا بالله.. يامن شرا له من حلاله علة.. لا تحدني أطلب الطلاق.. عشان أخلص منك حينها أفلتها وهو يضحك: لا ليش الخساير.. أموت ولا أطلق.. روحي.. بس يا ويلش ماتكمليني.. لم ترد عليه حتى وهي تهرب وتنسى الملف الذي كان معها على طاولته.. وتنجح في الهروب قبل دخول أبي عبدالرحمن بدقيقتين فقط!! لتبحث عن أقرب حمام وتغلق على نفسها فيه وتنفجر في بكاء مسموع: يمه.. يمه.. والله مهوب هين ذا الدب... يا ويلي.. يا ويلي.. يعني أشلون؟؟ أشلون؟ كان سامع كل هذرتي؟؟ يا فضيحتي.. يافضيحتي.. **************************************** هاهو جالس في انتظار مزنة.. ينظر حوله.. بعد عدة أيام ستكمل شهر منذ خرجت كاسرة من بيته.. ويبدو أن هذا الشهر لم يكفيها لتفكر.. يتساءل ماذا تريد عمته منه؟؟ ليتفاجأ بدخولها عليه وهي تحمل في يدها حقيبة يعرفها جيدا.. ألقت الحقيبة على المقعد المجاور لكساب بينما كساب كان يقف ليقبل رأسها ثم يعود لمقعدها.. بعد السلامات الملغومة من الطرفين هتفت مزنة بنبرة مقصودة: تعرف الشنطة هذي لمن يا كساب..؟؟ أجابها كساب ببساطة حازمة.. بساطة من لا يهمه أحد وفي ذات الوقت مغلفة باحترام مدروس: أكيد أعرف.. مثل منتي تسالين وأنتي عارفة... هذي شنطتي.. مزنة بذات النبرة المقصودة: وشنطتك وش جابها فوق سطح بيتنا..؟؟ كساب اقترب قليلا للأمام وهو يركز نظره عليها ويهتف بثقة: يمه .. أنتي ذكية وأنا ذكي بعد.. جيبي الكلام من آخره.. حينها هتفت مزنة بغضب حازم: ماهقيتها منك يا كساب.. إنك تعدى على حرمة البيت.. أفا عليك.. كساب أجابها بذات البساطة الحازمة: البيت وحرمته على رأسي.. وأنا ماجيت إلا لمرتي.. مزنة بغضب متزايد مغلف بحزمها : زين ولو أنك دخلت على بنتي وإلا مرت ولدي بتقول بعد إنك ماتعديت على حرمة البيت.. كساب بذات النبرة الحازمة ودون أن يهتز: يمه أنتي دارية زين إني ماني بداخل إلا على مرتي.. لأنش بروحش اللي علمتيني وين مكان غرفتها.. مزنة تقطب جبينها وهي تتذكر أنه سألها بطريقة عفوية يوم وصوله من السفر عن مكان نوم كاسرة وأي غرفة من غرف البيت اختارتها.. من باب اهتمامه براحتها فأجابته مزنة بذات العفوية.. لم تعلم أن سؤاله كان أبعد مايكون عن العفوية.. ولكن مزنة أجابته بغضب متحكم بالغ الحزم.. فما فعله يبقى بعيدا عن كل العادات المقبولة: اسمعني زين.. ذا الخرابيط كلها ماتدخل رأسي.. اللي سويته يأمك مهيب سوات رياجيل.. تعدى على حرمة بيت جيرانك وتعلبش على درايشهم.. عشان تدخل على بنتهم.. حتى لو كانت مرتك.. لكنها الحين بنتي وفي بيتي.. ودامك تعديت على حرمة البيت وهي غطت عليك وسمحت لك بكذا..ودست سواتك.. فالحين أنا ماعاد عندي إلا كلمة وحدة.. شل مرتك ولا توريني وجهك أنت وإياها.. قاطع كلام مزنة دخول كاسرة كإعصار غاضب..فهي منذ علمت بوجوده وهي تقف قريبا من الباب تحسبا لتصرف والدتها الذي تعلم أنه سيكون هكذا.. حين دخلت سكن الجو في المكان.. وهي وكساب يتبادلان نظرات غريبة حادة مثقلة بألوان متفجرة من التحدي والبرود والشوق... كانت كاسرة أول من تكلم وهي تقول بثقة غامرة: يمه آسفة.. والله لو انطبقت السماء على الأرض إني ما أروح معه كني نعجة.. يعني مهوب هو يغلط وأنا أتحمل نتيجة غلطاته.. حينها أجاب كساب بتلاعب واثق وهي يجلس جلسته الواثقة كأنه ملك في أملاكه الخاصة: غلطتي بروحي؟؟ يعني يمه يدخل في بالش إني بأتعربش على الدرايش على قولتش إلا لو هي فتحت لي الدريشة عشان أدخل.. مزنة بدأت تشعر بالصداع من تزايد غضبها من وقاحة الاثنين: يوم كل واحد منكم ماله صبر ثاني.. ليه مسوين لنا فيلم.. انلموا في بيتكم من غير فضايح.. وش كنتو تنتظرون لين تحمل وهي في بيتي...؟؟ كاسرة رغما عنها تفجر وجهها احمرارا دمويا لأبعد حد و رغم حرج الموقف ولكن كساب شعر بالانتصار وبكثير من البهجة وهو يراها هكذا كعصفور مبلل بالحرج.. وفي داخله ويا لا غرابة الإحساس.. كانت أجمل من كل شيء رآه في العالم بهذا الإحمرار الذي أشعل مشاعره!! بينما هي تهتف بغضب استنكاري: والله العظيم يمه ماصار بيني وبينه شيء.. كساب قاطعها ببرود متلاعب: وتصدقين ذا الخرابيط يمه.. حدث العاقل بما يعقل... صار لي أكثر من أسبوعين.. وانا عندها من عقب نص الليل لآذان الفجر.. وش نسوي يعني؟؟ نلعب غميضة؟؟ مزنة بغضب عارم: بس.. بس أنت وإياها.. أنتو مافي وجيكم سحا اثنينكم.. ماحتى حشمتوا إني واقفة بينكم يا اللي ماتستحون.. هذا أنا أقولها ولا عادني بعايدتها... قم شل مرتك الحين وإلا والله ماعاد أضرب دونكم ولا وراكم.. جعلكم تطلقون والله ماعاد أتدخل.. فعايلكم مهيب فعايل عيال أجواد.. كساب هتف ببرود مدروس وهو ينظر لوجه كاسرة الذي يشتعل: أبركها من ساعة.. أشلها ذا الحين ومن جدي وبمعنى الكلمة.. بس بنتش اللي ماتبي.. ثم أردف بخبث شاسع: عاجبتها علبشتي على الدرايش.. تبي تلعب لعب مراهقين.. كاسرة انفجرت تماما بغضب عارم: والله لو أهج من الدوحة بكبرها إني ما أرجع له.. أنا تسوي فيني كذا يا كساب.. ؟؟ أنا؟؟ طلقني كساب.. طلقني.. النفس طابت منك.. ما أبيك ما أبيك ما أبيك... كاسرة أنهت عبارتها الغاضبة وخرجت من فورها لتخلي الساحة لكساب ومزنة.. كساب كان مازال يتمترس خلف بروده الواثق.. رغم أن بداخله شيء يذوي وهو يرى أنه يفقد أسلحته لاستعادته واحدا تلو الآخر.. لتكملها عليه تماما مزنة وتسلب كل أسلحته وهي تهتف بحزم بالغ حزم لم يخلق إلا لها: شوف يا كساب.. والله اللي خلق سبع سماوات إن غلاك مثل غلا ولدي.. والله اللي عطاك الغلا من عنده.. بس ولد بطني لو هو سوا الغلط والله ما أسكت عليه.. اسمح لي يأمك.. بس بيتي يتعذرك.. أنت منت بأمين على البيت ولا احترمت حرمته... وأنا وحدة عندي بنات.. وسمعة بناتي فوق كل شيء... اصبر علينا شهر شهرين لين يخلص بيت تميم.. واحترم جيرتنا لين نشد لبيتنا والوجه من الوجه أبيض.. أما أنت ومرتك بصرك أنت وإياها.. ترجع ماترجع مالي شغل.. لو أنك صبرت شوي ودخلت البيت من بيبانه أنا بنفسي كان كلت كبدها بالحنة لين ترجع لك.. بس أنت دخلت البيوت من درايشها.. ولا عاد لك وجه عندي.. *********************************** " أبو زايد وش فيك جعلني فداك؟؟ من يوم جيت تاخذني عند علي ورجعنا.. وعقبه رحت لشغلك ورجعت وأنت مكتم ومتضايق.. فيه شيء مضايقك ياقلبي؟؟" كانت عفراء تهمس بهذه العبارة بخفوت رقيق لمنصور وهما يجلسان على الجلسة في زاوية الغرفة الشاسعة.. بينما جميلة على السرير تلاعب زايد الصغير وهي تقبل يديه وقدميه.. ومشغولة ومأخوذة تماما به... منصور نظر لجميلة بشجن عميق ثم هتف لعفراء بمودة حازمة: بعدين حبيبتي بعدين.. جميلة شعرت أن هناك شيء غير طبيعي فهتفت بابتسامة عذبة وهي ترفع صوتها ليسمعوها: حاسة شكلي غلط.. أطلع تأخذون راحتكم؟؟ منصور هتف بحنان وهو يتمزق بين رغبته في إخبارها وبين رغبته في عدم جرح مشاعرها: لا غير أبيش تجين تقعدين جنبي.. جميلة لفت زايد جيدا ثم حملته ووضعته بين ذراعي والدته.. ثم جلست بجوار منصور الذي احتضن كتفيها بحنان شديد وقبل رأسها وهتف بحنان: تدرين ترا بيتنا من غيرش ماله حلا.. ابتسمت جميلة: ليه أنا وين بأروح.. هذا أنا قاعدة على قلوبكم.. منصور حينها أجاب بفخامة حميمية: قصدي إنه مانبيش تروحين.. عفراء شعرت بقلق عظيم تصاعد في روحها.. ما الذي حدث؟؟ هل أعاد خليفة جميلة لذمته وهذه مقدمات من منصور؟؟ عفراء حينها كانت من هتفت بحزم قلق: منصور أنت من يوم جيت وأنت منت بخالي.. طالبتك صار شيء.. تكفى ماتدس علينا.. حينها وجد منصور نفسه مضطرا لإخبارهما.. أن يسمعا الخبر منه أفضل من أن يسمعاه من سواه.. عدا أنه لا يريد أن يبقى في قلب جميلة أمل مع أنه من أعطاها هذا الأمل.. هتف حينها بنبرة قاطعة: خليفة تزوج اليوم !! ********************************* " وين كساب يومك قاعد بروحك؟؟" زايد يبتسم بمودة وهو يجيب فاضل: كساب راح قريب عنده مشوار وبيأتي ذا الحين... إلا أنت قل لي متى بتطلعون من المستشفى؟؟ فاضل بذات المودة التي ارتسمت مع ابتسامة غاية في الشفافية: ذا اليومين إن شاء الله بنطلع للبيت.. ماهقيت يا أبو كساب إن عادني بأطلع أنا وإياه من المستشفى إلا للمقبرة.. الحمدلله ما أكبر نعمته !! ثم أردف باهتمام وهو ينظر لعلي النائم: إلا علي أكثر الأوقات اللي أجيكم ألقاه نايم.. وش أخباره؟؟ تنهد زايد تنهيدة ملتهبة احرقت جوفه وهو يهتف في داخله ( لا كثرت همومك يا عبدي فانسدح.. خله يرقد ويريح نفسه) وأجاب على فاضل باهتمام مشابه: تعبان شوي يأبو عبدالرحمن وماعاد فيه حيل.. حينها صمت زايد قليلا ثم أردف بحزم: دامك تكلمت عن تعب علي.. وهذا أنا وإياك بروحنا.. فأنا أبيك في سالفة مهمة.. ********************************** " سمور يا الدعلة قومي فارقيني أبي أنام.. بكرة عندي دوام.. إذا أنتي ورجالش تبون تسحبون على الدوام بكيفكم بس أنا بأروح لدوامي" سميرة بمرح مصطنع: أخيه من النفس الخايسة.. كذا تطردين ضيفانش.. وضحى تضحك: طال عمرش هذي مهيب اسمها ضيفة... هذي اسمها لزقة.. اليوم ناشبة في حلقي حتى النزلة تحت ماخليتيني أنزل مع إنه رجّال كاسرة سمعت إنه جاء الليلة وماخليتيني أعرف وش صار.. سميرة تبتسم: وش صار يعني؟؟ هذي كاسرة توها طالة علينا... يعني لو صار شيء ماكان شفتي وجهها.. وضحى حينها أجابت بعمق: عشانش ماتعرفينها.. لو هي بتموت ما اندست ولا دست وجهها... عشان كذا توقعي إنه ممكن يكون صار أي شيء.. وهي لو هي تحترق ماقالت الحقوني تراني احترق.. تنهدت سميرة في داخلها "ليتني مثلها بس!! من الظهر لين الحين وأنا طاقة لا أشوف تميم وقال الخبلة تبي تلعب...؟؟ ابلعي العافية بس!! بس والله إني قطعت شوط كبير.. حرام أخرب على نفسي كل شيء.. السالفة وش تبي.. شوي جرأة وأمشي على نفس المخطط لين أحس إنه خلاص مافيه بيني وبينه حواجز.. يا الله سمورة خالش هريدي يقول " لا تحسب المجد تمرا أنت آكله..لن تدرك المجد حتى تلعق الصبرا" . والله العظيم خالي هريدي ماقال كذا.. ولا درا عن هوى داره . إلا قاله.. وقاله قومي فزي لغرفتش قبل يجي رجّالش.. والله لا يجي وما يلاقيش لا تكون الفلعة اللي مالها دوا " **************************************** منذ أن عاد كساب وناظره معقود ويبدو كما لو كان يفكر بعمق.. بينما زايد كان يريد أن يخبره بما حدث بينه وبين فاضل.. هتف زايد بحزم: كساب!! كساب التفت وهو يهتف بحزم مشابه: لبيه يبه!! زايد بذات الحزم: أبيك في سالفة مهمة.. فالتفت له كساب بجسده كاملا وهو يهتف بحزم بالغ: إلا أنا اللي أبيك في سالفة مهمة أكثر.. زايد عقد ناظريه متسائلا بثقة: خير إن شاء الله؟؟ كساب شد له نفسا عميقا جدا ثم هتف بنبرة قاطعة صارمة: اسمعني يبه زين.. أبيك تجاوبني على سؤال بكل صراحة وطالبك ما تدس علي شيء.. لأنه على جوابك يعتمد أشياء كثيرة.. صمت كساب لثانية واحدة ثم أكمل بذات النبرة الصارمة القاطعة: أمي الله يرحمها.. على حياتها.. درت إنه في قلبك شيء لمرة غيرها؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والستون " وين كساب يومك قاعد بروحك؟؟" زايد يبتسم بمودة وهو يجيب فاضل: كساب راح قريب عنده مشوار وبيأتي ذا الحين... إلا أنت قل لي متى بتطلعون من المستشفى؟؟ فاضل بذات المودة التي ارتسمت مع ابتسامة غاية في الشفافية: ذا اليومين إن شاء الله بنطلع للبيت.. ماهقيت يا أبو كساب إن عادني بأطلع أنا وإياه من المستشفى إلا للمقبرة.. الحمدلله ما أكبر نعمته !! ثم أردف باهتمام وهو ينظر لعلي النائم: إلا علي أكثر الأوقات اللي أجيكم ألقاه نايم.. وش أخباره؟؟ تنهد زايد تنهيدة ملتهبة احرقت جوفه وهو يهتف في داخله ( لا كثرت همومك يا عبدي فانسدح.. خله يرقد ويريح نفسه) وأجاب على فاضل باهتمام مشابه: تعبان شوي يأبو عبدالرحمن وماعاد فيه حيل.. حينها صمت زايد قليلا ثم أردف بحزم: دامك تكلمت عن تعب علي.. وهذا أنا وإياك بروحنا.. فأنا أبيك في سالفة مهمة.. فاضل بأريحية أخوية: آمر.. زايد بحزم ودود: مايأمر عليك عدو.. يا أبو عبدالرحمن شوفة عينك.. علي تعبان.. والمستشفى ماعرفوا بالضبط وش اللي فيه.. و اليوم طلبت تقاريره وأول ماتخلص بأرسلها برا.. فاضل بتأثر: جعل أبو زايد مايشوف شر.. وجعل سلامته من رب العالمين سلامة طويلة.. زايد بذات حزمه الودود: آمين.. ومثل منت عارف.. عرس العيال عقب حوالي شهرين.. فكانه ودك.. خلنا نأجله.. لين نرجع من السفر ونحدد موعد ثاني.. لأنه خاف يجي الموعد والولد عاده برا يعالج.. فاضل هتف بعمق من يفكر بشيء: ومتى سفركم على خير..؟؟ زايد بثقة: أسبوعين.. ثلاثة.. حينها هتف فاضل بنبرة قاطعة حازمة تماما: بنتي آخر امتحان عندها عقب 3 أسابيع.. مرته بتروح معه.. زايد باستنكار: مايصير يأبو عبدالرحمن الله يهداك.. البنية تبي تدرس.. وعقبه تبي تجهز على راحتها.. لا تحرمها فرحتها... فاضل بذات النبرة القاطعة غير القابلة للتراجع: فيه شيء أبدى من شيء.. الحين رجّالها المبدى على كل ذا الخرابيط.. وبعدين شعاع ماعندها إلا ثلاث مواد ذا الفصل.. مهيب شي(ن) عسر.. تخلص اليوم وتعرس بكرة.. وإذا على العرس... بنسوي عرس للنسوان وخلها تستانس هي وخواتها.. وأنتو كنكم بغيتوا تسوون عرس للرياجيل.. وإلا بصركم.. حال علي مايسمح بعرس.. ومعذورين.. وبصركم في ولدكم.. لكن بنتي والله مايطلع رجّالها من الديرة إلا وهي معه.. هذا السنع.. وبناتي متربين على السنع.. زايد يحاول إقناعه بالتراجع: اسمعني يا ابو عبدالرحمن...بنتك مثل بنتي.. و علي الحين تعبان.. أنت داري الله وش يكتب؟؟.. تورط البنية يعني؟؟ خل الرجّال لين يتشالى وعقبه يعرس.. فاضل برفض قاطع: مالك لوا.. إذا حن سوينا كذا فحن مافينا خير... شعاع يوم تملكت علي.. علي كان طيب ومافيه إلا العافية.. فيوم كتب ربي عليه ذا المرض نقول مانبغيه إلا سليم.. إذا هي ماقفت جنب رجّالها الحين.. فما لها خانة.. واللي ماتوقف جنب رجّالها في عسره.. ماله عازة فيها في يسره !! . . . بعد ذلك بساعتين منذ أن عاد كساب وناظره معقود ويبدو كما لو كان يفكر بعمق.. بينما زايد كان يريد أن يخبره بما حدث بينه وبين فاضل.. هتف زايد بحزم: كساب!! كساب التفت وهو يهتف بحزم مشابه: لبيه يبه!! زايد بذات الحزم: أبيك في سالفة مهمة.. فالتفت له كساب بجسده كاملا وهو يهتف بحزم بالغ: إلا أنا اللي أبيك في سالفة مهمة أكثر.. زايد عقد ناظريه متسائلا بثقة: خير إن شاء الله؟؟ كساب شد له نفسا عميقا جدا ثم هتف بنبرة قاطعة صارمة: اسمعني يبه زين.. أبيك تجاوبني على سؤال بكل صراحة وطالبك ما تدس علي شيء.. لأنه على جوابك يعتمد أشياء كثيرة.. صمت كساب لثانية واحدة ثم أكمل بذات النبرة الصارمة القاطعة: أمي الله يرحمها.. على حياتها.. درت إنه في قلبك شيء لمرة غيرها؟؟ زايد تفجر في روحه توجس واستغراب وقلق.. لماذا هذا السؤال في هذا الوقت بالذات؟؟ أجاب بحزم: وش جاب على بالك ذا الحكي إللي ماله سنع؟؟ كساب بإصرار بالغ: يبه طالبك تجاوبني.. زايد بإصرار أكبر: لا الوقت وقته ولا المكان مكانه.. عدا إنها سالفة غبرت وماعاد لها فايدة.. أمك الله يرحمها لين آخر يوم وهي فوق رأسي.. انتهينا من ذا الهذرة.. كساب وقف حينها وجلس قريبا من والده ليشد على كفه ويهتف برجاء مخلوط بالإصرار والحزم: يبه أقول لك طالبك.. لين متى وأنت دايما تردها في خاطري..؟؟ شايفني بزر .. وإلا ماني بكفو تأمني.. وإلا يمكن لأني مالي خاطر عندك أساسا..؟؟ عرف كيف يمسكه من يده التي تؤلمه.. شعر أن قلبه يؤلمه فعلا وهو يرجوه هكذا.. ومايخاف منه زايد أكثر من أي شيء.. هو الجواب نفسه.. ربما لو كان كساب سأله هذا السؤال قبل شهر واحد فقط.. لربما أجابه بثقة بالغة أن وسمية لم تعلم شيئا أبدا.. ولكن بعدما أخبره علي بهذيانه باسم مزنة.. ماعاد يعرف.. اليقين تذبذب عنده لينشر ألما عميقا في روحه.. وهو يصبّر نفسه أنها لم تعلم بشيء.. فهي عاشت معه لـ13 عاما.. يستحيل أن تعرف وتسكت.. زايد شد نفسا عميقا وهتف بعمق كبير: وسمية الله يرحمها غلاها ماكان له حد.. والوكاد إنها كانت تعرف ذا الشيء وكانت تعرف قدرها عندي.. وسمية لو آشرت على رقبتي عطيتها إياها وبدون ما أفكر حتى.. أما اللي مخفي داخل القلب فهو مهوب بيدي.. هذا حكم رب العالمين.. وربي شاهد إني عمري ماقصدت أضايق وسمية بشيء.. ولا عمري بينت لها حتى إني فكرت في حد قبلها حتى.. وإذا فيه شيء يخفاني.. فأنا والله مالي علم له.. وأظني إنك بروحك تذكر وش اللي جاني يوم ماتت أمك.. كنت باموت من الحزن عليها.. وسمية ماكانت مجرد زوجة.. لكن وسمية كانت شريكة روحي الله يرحمها ويغفر لها.. زايد صمت وهو يشعر بالرضا عن إجابته.. فهو قال الصراحة عما يعلمه... وترك ما لا يعلمه معلقا بطريقة لا تثير الشك ولكنها على الأقل ستريح كساب الذي لا مازال لا يعلم لماذا سأل هذا السؤال حتى... حينها هتف كساب بطريقة غريبة أقرب للأمر: زين.. دامك تقول كذا.. تـــــــزوج عــــمــتــــي!! زايد قفز بصدمة كاسحة.. لأول مرة منذ سنوات طويلة يعجز عن مواجهة صدمة بهذه الطريقة لدرجة أنه يقفز واقفا لأنه عاجز عن الجلوس وهو يصرخ باستنكار غاضب متفجر لأبعد حد: نعم؟؟ أتزوج عمتك؟؟ أكيد إنك استخفيت... أنت تامرني أنا ياولد أتزوج عمتك؟؟ كساب لم يتحرك من مكانه حتى وهو يهتف بحزم: محشوم.. أنا ما أمرت عليك..أنا أطلب منك... ليه حد بيزوجك غصبا عنك.. مثل مازوجتني غصبا عني!! زايد غاضب بالفعل: تخسى وتهبى.. مازوجتك غصبا عنك.. أنت وافقت برضاك وبشروطك اللي فرضتها علي.. من اللي يقدر يغصبك أصلا على شيء ماتبيه.. لو أقدر أغصبك كان غصبتك على أشياء واجدة.. كساب بذات الثقة الباردة الحازمة كما لو أنه ينفذ مخططا بكل دقة: ودامني على قولتك ما انغصب.. فأنت أكيد بعد ما تنغصب.. عشان كذا تزوج عمتي.. وبرضاك طبعا.. زايد بذات الغضب المتفجر الذي أيقظ عليا من نومه دون أن ينتبها المتحاورين: آسف.. دامك تبي تزوج عمتك.. دور لها رجّال غيري.. حينها أجاب كساب بتلاعب شاسع وهو ينظر لأنامله المتشابكة: تراني بأسويها.. ولو أنت عادي عندك تصير لرجّال ثالث وأنت تشوف وتحترق خلاص أنت اللي قلتها.. زايد شعر أن هذا الخبيث يخطط لمخطط كبير .. نجح تماما في إشعال فتيل غيرته حتى الترمد.. لكن على من يلعب هذا الطفل؟؟ على زايد؟؟ زايد حينها عاود الجلوس وهو يهتف ببروده الاحترافي البالغ: مبروك مقدما.. ولا تنسون تعزموني على العرس عشان نقدم العانية.. (العانية= هدية مالية للعريس) كلاهما جلسا متقابلين وكلاهما مازال لا يعرف ماذا يدور في ذهن الآخر.. كساب قرر أن والده لابد أن يتزوج مزنة مهما حصل حتى يستطيع هو إعادة كاسرة.. لأنه رأى أن كل وسائله تحطمت.. ومُناصرته الكبرى التي كان يعتمد على مناصرتها (مزنة) انسحبت من مساندته وانسحبت بطريقة آلمته لأبعد حد مع قرب مزنة من روحه .. وكل الطرق بينه وبين كاسرة تتقطع..ماعاد حتى يستطيع رؤيتها بأي طريقة.. عقبته الوحيدة في طريق هذا الزواج والتي لن يسمح بها أبدا حتى لو عاش حياته كلها يتعذب بعيدا عن تلك الكاسرة الباردة المغرورة.. أن تكون والدته علمت بحب والده لمزنة.. حينها لن يقبل أبدا أن يبني سعادته على جراح أمه.. لكن بما أن والدته لم تعلم.. وهو يعلم أن والده لن يكذب عليه.. فزايد لابد أن يتزوج مزنة.. حينها سيصبح هناك حبلا متينا يعيد ربط كاسرة به.. ويعلم تماما حينها كيف سيعيدها.. فمخططه مرسوم بدقة حتى اللحظة الأخيرة.. فهو لابد أن يعيدها ولكن دون أن يتنازل هو.. يعلم أن الحياة لا تخلو من التنازلات.. ولكن مع كاسرة حين تقدم التنازل معنى ذلك أنك ستتنازل حتى اللحظة الأخيرة.. يعلم أن في مخططه كم كبير من الأنانية.. ولكن هل أنانيته ستضر أحدا ؟؟ على العكس.. هاهو يقدم لوالده الحلم الذي عجز والده عن تحقيقه بنفسه!! وربما كان كساب في نفسه يهدف إلى ذلك منذ وافق على الزواج من كاسرة وعلم بمشاعر والده القديمة نحو والدتها.. أراد في أعماقه المثقلة بحب والده حتى النخاع أن يريح والده.. ورأى في مزنة امرأة تستحق ذلك.. ولكن كان وجود مهاب رحمة الله عليه سببا كبير لقمع هذا التفكير.. لأنه يعلم استحالة موافقة مهاب.. ولكن بعد مضي كل هذه الأشهر على وفاته.. أ لم يأن الأوان ليحقق لوالده حلمه ..ويصل هو عن طريق ذلك إلى هدفه؟؟ ساد الصمت لدقيقة.. ليهتف بعدها كساب بنبرة متلاعبة لأبعد حد وهو ينظر لزايد بشكل مباشر: تدري يبه إن عمتي فيها من الزين اللي ماحد يقدر يأصله.. أجابه زايد ببرود: أدري من قدام تولد.. أظني إني مربيها على يدي.. كساب بتلاعب أشد: بس لك ثلاثين سنة ماشفتها.. ماتبي تشوف أشلون السنين أنضجت زينها.. زايد يشعر بالصداع فعلا.. فالخبيث يتلاعب به بطريقة مؤلمة حقا.. " ربما تجهل يا بني أن أكثر ما أخشاه هو رؤية كيف نضج حسنها لا أريده ناضجا.. فهو عاش في ذاكرتي بفتاه وصباه وجموحه!! وفي ذات الوقت قد أموت لآراها مرة واحدة.. فمن أصبح لصوتها هذا الحسن دون أن يتغير.. ألا يعقل أن حسنها نضج دون أن يتغير ؟! " زايد أجابه بذات البرود المدروس: عليه بالعافية رقم 3.. كساب بذات ابتسامته المتلاعبة الواثقة: إيه والله وأنا أشهد إن أمه دعت له.. كان هناك من يستمع لحوارهما ويبتسم.. في البداية حين صحى من نومه على صرخة والده (أتزوج عمتك) شعر أن قلبه يُعتصر بطريقة مجهولة.. مؤلمة وحادة.. ولكنه في النهاية عاشق يعرف شعور والده.. أ لم يأن الأوان أن يجد والده الراحة التي سُلبت منه عمره كله؟؟ ثم بدأ يشعر بالتسلية من حوار والده وكساب فهو لطالما شعر بروح تحفز مثيرة في حوارهما.. وكأن كلا منهما يوقض في الآخر كل حسه وذكائه.. زايد يهتف بحزم قاطع: كساب أنا وإياك ماحن بقاعدين نلعب طول الليل.. أمس عليّ.. بدال خبال البزارين.. تراني ماني بأصغر بزارينك.. اعرف أشلون تحشمني.. حينها هتف كساب بجدية صارمة: محشوم يأبو كساب.. وأنا ما أنا ألعب.. أتكلم من جدي.. أبيك تزوج عمتي.. ليه شايف السالفة لعبة..؟؟ يعني هذا موضوع ينلعب فيه.. خصوصا مع قدرك وقدر عمتي..؟؟ زايد يكاد يُجن من هذا الولد وهو يصرخ فيه بغضب: كساب أنت استخفيت..؟؟ وش أتزوج عمتك؟؟ وش ذا الخرابيط؟؟ عيب عليك.. كساب بثقة: وين العيب؟؟ أنت لو بغيت تعرس ماحد يلومك.. عادك بكامل صحتك وشبابك وتقدر تجيب عشر بزران لو بغيت.. وانت عارف إني وش كثر كنت ألح عليك من قبل إنك تعرس.. لا تقول يبه إن عمتي مهيب شاغلة بالك لين الحين.. وين العيب يوم أقول لك تزوجها؟؟ لا أنتو أول حد ولا آخر حد.. زايد بغضب: بس بس.. أنت ماحتى ينرد عليك.. قسم بالله إنك استخفيت.. هذا كله من تاثير غياب مرتك عليك..؟؟ كساب حينها هتف بحزم غاضب: مرتي مالها شغل.. مرتي بترجع وهذا شيء بيني وبينها.. ومالك أنت وعمتي شغل.. أنا أبيك أنت تعرس.. من حقك.. وحق عمتي.. صار لك 17 سنة بدون مرة.. وش ذا الحياة؟؟ زايد يقف ويهتف بغضب حقيقي: ماعليك مردود... خلاص أنت أمس عند أخيك.. وأنا بأروح للبيت.. لو قعدت عندك مهوب بعيد أذبحك.. أنت تبي تفشلني على آخر عمري...احشمني ياقليل الحيا واحشم عمتك.. يا أخي لو أنت ترضاها لها.. ترا عيالها مايرضونها لها.. كساب التقط طرف الخيط بإصرار: ماعليك من عيالها.. خل كل شيء علي.. بس أنت وافق... كان زايد على وشك قول عبارة رفض جديدة لولا أنه قاطعهما صوت هادئ كانا يحسبان صاحبه نائما: يبه مافيها شيء.. وش فيها لو أعرست؟؟ لا أنت آخر واحد ولا أول واحد.. زايد التفت لعلي بغضب بينما كساب يشعر بانتصار لأنه كسب مؤيدا.. رغم أنه يعلم أنه لن يكون صعبا عليه إقناع شقيقيه..لكنه احتاج مساندة في هذا الوقت بالذات... علي أكمل بهدوءه العميق وهو يحاول أن يعتدل جالسا: يبه والله العظيم مافيها شيء.. أنت وش أنت مهتم منه.. كلام الناس؟؟ من متى وكلام الناس يهمك لا قدك على حق.. أنت لا سويت شيء عيب في أخلاق ولا دين.. زايد بغضب: الظاهر إن الدنيا انقلبت وأنا الصبي وأنتو الكبار اللي بتحللون وتحرمون.. الحين ماعاد فيه شيء إلا أنا وعرسي في ذا الوقت.. أنت الحين فكر في عرسك اللي عقب 3 أسابيع وعقبه فكر في عرسي.. حينها نظر الاثنان لزايد بصدمة وبينما كساب هتف بتساءل مصدوم: من اللي عرسه عقب 3 أسابيع؟؟ زايد بحزم غاضب: ذا اللي مريض وماد لسانه مع لسانك.. عمه ملزم إنه يعرس ويأخذ مرته معه لا راح يعالج... وخلاص اتفقنا إنه العرس عقب 3 أسابيع بالضبط.. مرتك تخلص آخر امتحان وتعرسون وتسافر معنا أنا وإياك.. خلاص اتفقنا على كل شيء... علي اتسعت عيناه بصدمة شاسعة: وأنا مالي رأي.. تقررون كل شيء السفر والعرس والموعد وأنا مالي حتى رأي.. حينها ابتسم زايد بانتصار: هذا أنتو تبون تزوجوني وأنا إبيكم.. جات على كذا يعني.. يعني ما أقدر أحدد موعد عرس ولدي اللي كان محدد أصلا.. حينها شد علي نفسا عميقا وهتف بحزم قاطع صارم: زين أنا عقب 3 أسابيع.. أنت تعرس قدامي... ومرتك بعد تروح معنا.. وإلا والله ثم والله ثم والله إني لا أعرس ولا أسافر.. حينها كاد كساب يجن من السعادة وهو يمنع نفسه أن يقفز ليقبل رأس علي ويديه... فربما لو صنع أفضل مخطط في العالم فما حدث يفوق نجاحه كل مخططاته... فهو رأى شدة إصرار والده على الرفض.. وكان سيبدأ بصنع حيل جديدة.. لا يعلم مدى نجاحها ولكن علي أتاه كالمعجزة الحقيقية بهذا المقترح الذي لا أروع.. زواج والده من مزنة وقبل 3 أسابيع حتى.. كان يعلم أن هذه الفكرة غاية الصعوبة على والده حتى لو كانت مزنة مازالت تشغل تفكيره.. فحلم يشغل الذكريات غير حقيقة واقعة.. ولكن علي صنع المعجزة وهو يختصر على كسّاب نصف الطريق.. فأي معجزة مذهلة هذه ؟؟؟ بينما علي كان مقصده مختلفا تماما.. لم يكن يريد إجبار والده أو الانتقام منه..أبدا.. أبدا.. أبدا.. لكنه شعر أن الفرصة لإسعاد والده جأته على طبق من ذهب ولابد أن يستغلها.. يعلم يقينا أن مكانة والده أولا.. وكون مزنة أماً لشباب.. سببان قويان ليرفض والده الزواج قطعيا.. عدا أن حالته هو ومرضه ستكون سببا آخر للرفض... وعلي أصبح يعلم يقينا مقدار ألم من يعشق ولا ينال.. فإذا كان هو لن ينال حلمه طوال عمره.. فعلى الأقل آن لوالده أن ينال حلمه!! كان يعلم أنه لابد أن يقف موقفا صارما لكي يدفع بوالده نحو حلمه الذي يخاف منه.. لأول مرة يقرر أن يستخدم مكانته عند والده من أجل والده.. يعلم يقينا أن غلاه عند والده مختلف.. آن له أن يستخدم هذا الغلا من أجل من أغلاه!! ولم يعلم كم كان والده يخاف هذا الحلم؟؟ كما لو أنك طوال عمرك تحلم أن تعيش فوق الغيوم.. حلم مستحيل لكنه مثير وجميل.. ثم يُقال لك أنك ستعيش فعلا فوق الغيوم.. كيف يكون حالك وأنت تعلم أنه لا أحد يستطيع أن يعيش هناك؟؟ ************************************ " خليفة أنت لين متى بتقعد ماد البوز جذيه؟؟" خليفة صرخ بغضب حقيقي: جاسم أنت بالذات مالك لسان تحجا.. والله العظيم لولا خوفي من ربي وإلا لأحلف إن لساني ماعاد يخاطب لسانك لين أموت.. أنا ياجاسم تسوي فيني جذيه.. والله لو أني عدوك ماتوصل جذيه.. جاسم يضحك: بدون خبال خليفوه.. لا تكون مصدق جذبتك اللي جذبتها على روحك.. إني أنا غصبتك تاخذ اخت مرتي..؟؟ خليفة بغضب: لا والله.. ولك لسان بعد.. لا ماغصبتني..وأنت تقول جدام عمك.. خليفة يبي يخطب عندكم بس خايف تردونه عشان توه مطلق.. خليت الشايب يحلف لو البنت موافقة يملجنا ثاني يوم.. وعقبه تقول ما غصبتني.. جاسم بجدية: خليفة لا تسوي روحك ضحية عشان الدور يناسبك.. أنا قلتها مزح وأنت عارف إني أنا وعمي على طول سوالفنا مزح.. ولو أنت ماتبي البنت كان قلت إن جاسم يمزح.. بس أنت أصلا تبي لك دزة.. ماصدقت.. خليفة بصدمة: الحين أنا اللي أبي دزة.. أنت تألف على كيفك... أنا آخر شيء أبيه أني أعرس وفي هالوقت.. جاسم بذات الجدية: شوف خليفة سالفة إنك مغصوب إلعب فيها على غيري.. أنت مجروح.. وتبي تستعيد كرامتك.. وشفتها فرصة.. أدري بتقول لأ.. بس قول لا لين بكرة.. وعلى العموم أنت الحين في فترة خطوبة..وشفت البنت قبل الملجة.. وبتشوفها وايد وتقعد معاها ...ولو ماعجبتك ..لا تقول لي بعد مغصوب.. الله حلل الطلاق لشنو؟؟ خليفة بغضب: ياسلام عليك.. كل شيء عندك تافه وبسيط لهذي الدرجة.. أنا أطلق وللمرة الثانية.. وعقب لا تقول إن طلاقي ماراح يأثر بعلاقتك بأم أحمد لأنها أختها..؟؟ جاسم بحزم: مالك شغل فيني أنا وام أحمد.. أنا أساسا قايل لها.. أي شيء يصير بين خليفة وأختج مالنا علاقة فيه.. *************************************** هذه الليلة هاهي تستعد لجولة ثانية من لعبتها.. رغم أنها الليلة أكثر جبنا من البارحة.. فالبارحة لم يكن هناك ماحصل بينها وبين تميم لذا كانت متشجعة.. لكن اليوم تشعر بكثير من التعقيد بعد ماحدث بينهما صباحا.. لذا هاهي تنظر له وهو يقرأ ورده بعد أن تصرف منذ دخوله بكل عفوية ولكن دون أن يقترب منها وهو يسلم ويسألها عن أحوالها بعفوية.. ثم ينشغل في الاستحمام والصلاة والقراءة.. بينما هي تجلس على المقعد وتعبث في أوراقها لأنها انتهت من صلاتها ووردها قبل أن يحضر.. حين انتهى جلس على أريكته وهو يشير لها بعفوية مدروسة: جيبي فراشي لو سمحت.. أجابته سميرة حينها بصدمة: تبي تنام هنا على الكنبة؟؟ من جدك؟؟ أجابها حينها ببساطة متلاعبة: أخاف أنام جنبش.. ولا سويت شيء عفوي تحاسبيني عليه؟؟ سميرة ابتسمت بشفافية: لا تصير سخيف.. ولو حاسبتك اليوم ماحاسبتك بكرة.. يعني لا تمسك لي عالوحدة.. وسع الخاطر علي.. تميم أصبح يفهم تماما هدفها مما تفعله ويحاول تقبله.. فهي تحاول أن تتقدم بالعلاقة بينهما في إطار المصارحات الشفافة وكل منهما يتعرف على أفكار الآخر منه شخصيا.. حينها أجابها تميم بابتسامة غاية في الشفافية والتلاعب في ذات الوقت: زين.. ماني بماسك على الوحدة.. وباوسع الخاطر.. اللي بيشق ثيابه من كثر ماتوسع.. بس جاوبيني على سؤال واحد بدون ماتلفين وتدورين.. أمس صدق سمعتي صوت في الغرفة؟؟ وإلا هذي تأليفة من عندش عشان تجيبني هنا؟؟ على الأقل خليني أغتر إنش سويتي ذا اللفة كلها عشاني.. عقب مانشفتي ريقي.. سميرة وضعت أوراقها على الطاولة وأشارت بتلاعب شفاف: اغتر على كيفك يا ابن الحلال.. وخلني بأعلمك الليلة بسالفة تخليك تغتر أكثر.. يوم كنت أوقف قدامك كني خبلة وحن بزران وأنت ماتعطيني وجه.. بس شرط تقول لي عقب ما أخلص سالفة ترضي غروري فيها.. مهوب بس أنت حلال عليك تغتر وأنا لأ.. ********************************* " ها عفرا.. وش أخبارها؟؟" عفراء تجلس جوار منصور بإرهاق.. بينما كان هو جالسا عند زايد الصغير حتى تعود أمه التي قضت أكثر من ساعتين وهي عند جميلة في الأعلى.. منذ فجعها منصور بالخبر وركضت للأعلى دون أن تنطق بكلمة.. عفراء أجابته بنبرة مرهقة مثقلة بالحزن: بتبكي يومين وتنسى.. وش نسوي.. نجبر ولد الناس عليها؟ منصور بقلق: وذا الساعتين كلها تبكي؟؟ عفراء بحزن: وبتبكي أكثر منهم.. واجد متأثرة ماهقت إنها رخيصة عنده ذا الدرجة.. يعرس عقب ماطلقها بشهر واحد...؟؟ منصور بحزم: واللي ركب ذا الرأس إن قد تأخذ اللي أخير منه وينسيها خليفة وطوايفه.. عفراء بجزع: منصور لا طالبتك.. خلاص.. ما أبي بنتي تعرس.. بنتي أساسا صغيرة وتوها على العرس.. خلها تقعد عندي لين تخلص دراستها.. خلصنا يأبو زايد خلصنا !! ********************************** " جوزا حبيبتي وش تدورين تالي ذا الليل؟؟" جوزاء التفتت لعبدالله الذي كان يقرأ كتابا وهو متمدد على السرير وينظر لها بنظرة مقصودة أقرب للغضب... جوزاء بابتسامة عذبة مدروسة: أغراض لي حبيبي ما أدري وين حطيتهم؟؟ عبدالله بنبرة مقصودة فيها رائحة الغضب المكتوم: غريبة بالعادة تطلعين الأبرة المختفية من مكانها من كثر ما أنتي مرتبة.. وين راحت أغراضش؟؟ وخاصة إنه شيء أكبر من الأبرة وين بيضيع يعني؟؟ جوزاء حينها توترت قليلا.. فهي لاحظت منذ أيام أن عبدالله على غير عادته.. ولكنها لانشغالها بعبدالرحمن وصحوته لم تجد وقتا لتشغل بالها بالموضوع كما أنها ظنتها مشاكل في العمل.. حينها اقتربت جوزا وجلست جواره وهي تهمس برقة: لا تصير سخيف لأنك عارف إنها لشعاع مهيب لي.. أخت علي عطتني أياها أعطيها شعاع.. عبدالله حينها هتف بحزم غاضب: عقلي مهوب صغير وأدري إنها لشعاع من يوم شفت حسون يلعب فيها قبل كم يوم.. وسكتت لحد ما تسألين عنها مع إني مولع.. لأني ما أرضى يكون عند مرتي صورة رجّال غريب.. ورجاء جوزا..ذا السالفة ما تكرر.. أنتي منتي بمرسول غرام... واضح؟؟ جوزا ابتسمت برقة أنثوية بالغة وهي تميل لتقبل كتفه: واضح .. وأنا آسفة.. بس تكفى ما تزعل علي.. عبدالله لم يجبها وهو مازال معقود الجبين.. رفعت جسدها أكثر لتقبل مكان انعقاد ناظريه وهي تهمس بخفوت له من قرب: قلت آسفة لا يصير دمك ثقيل.. مايهون علي زعلك.. والله العظيم السالفة ما تستاهل.. بنية وتبي تشوف صورة رجالها.. عادي حبيبي.. عبدالله بذات الغضب: تشوفها بعيد عنش.. مالش شغل.. عيب.. السواة هذي عيب.. جوزا بعتب رقيق: والله العظيم عبدالله زودتها.. السالفة ما تستاهل.. حينها ابتسم عبدالله رغما عنه.. لا يقاوم انعقاد ناظريها بهذه الرقة: أغار عليش يا قلبي من كل شيء.. مايحق لي؟؟.. جوزاء برجاء عميق: يحق لك ونص.. بس عطني صورة رجّال شعاع تكفى.. عبدالله هز كتفيه ببساطة حاسمة: شققتها.. خلي الآنسة شعاع تعقل وتركد وبتشوفه ليلة عرسهم.. قولي لها عبدالله يقول لش: علي مافيه شيء شين.. بيعجبها.. على ويش الطفاقة؟؟ *********************************** " كساب ليه مانمت عند علي وخليت إبي يرجع؟؟" كساب بهدوء: إبي مارضى.. قال لي أنت أمسيت البارحة واليوم دوري.. ثم ابتسم بتلاعب: وبعدين بينه وبين حبيب القلب سوالف طويلة.. لأنهم قدموا عرسه بيكون عقب 3 أسابيع.. مزون قفزت بصدمة: نعم؟؟ نعم؟ وعلي في ذا الحالة؟؟ وأنا متى بألحق أجهز للعرس إن شاء الله؟؟ كساب ببساطة: لا تسوينها مأساة.. الفلوس تسوي كل شيء في أسرع وقت.. عرسي جهزتوا له في شهر.. منتي بقادرة تجهزين لعرس في 3 أسابيع؟؟ وخصوصا إنه خلاص صار عندش خبرة.. أبو عبدالرحمن لزّم إن مرته لازم تروح معه للعلاج.. مزون باستعجال: خلاص خلني أكلم جميلة تستعد تروح معي.. وأجهز لستة بالأماكن اللي بأروح لها بكرة.. إن شاء الله بأقدر.. كساب شدها وأعادها لتجلس وهتف بصرامة: اقعدي .. عندي سالفة ثانية.. صمت لثانية ثم أردف بذات النبرة الصارمة: أشلون علاقتش بمرت تميم..؟؟ مزون باستغراب لسؤال كساب: سميرة؟؟ علاقتي فيها ممتازة.. خصوصا عقب ماصاروا جيراننا.. كساب حينها هتف بذات الصرامة: أنا كنت أسمع من كاسرة إن سميرة لها تأثير كبير عندهم في البيت.. مزون هزت كتفيها: أظن كذا.. وأكيد كاسرة أدرى.. ليش تسأل يعني؟؟ كسابة بحزم: خلينا الحين من ذا السالفة وتعالي نروح لسالفة ثانية.. تذكرين قبل ماتدخلين الكلية وش كثر كنا نلح على ابي يتزوج وكان معيي.. مزون باستغراب لتداخل الموضوعات غير المنطقي: وش علاقة ذا بذا؟؟ كساب بذات الحزم: أنتي عندش مانع إبي يتزوج؟؟ مزون شعرت بصدمة كاسحة فعلا.. قد تكون هي لم تتوقف أبدا عن الإلحاح على والدها أن يتزوج.. ولكن أن ترى الفكرة ماثلة أمامها.. بدت لها صدمة موجعة.. وهي تقف بين حدي الأنانية والإيثار.. إن قالت لا مانع لديها من زواجه.. فهي تعلم أنها تؤثره على نفسها.. وإن قالت أن لديها مانع فمعنى ذلك أنها تؤثر نفسها عليه وأن ذلك أنانية منها لأنها تريد امتلاكه لنفسها.. وخصوصا أنها تعلم أنها ستتزوج يوما بعد أن تزوج أخويها.. فهل يبقى والدها في هذا القصر الضخم وحيدا؟؟ هتفت بصعوبة: أكذب عليك لو قلت إنه خاطري مافيه شيء.. بس لا.. ماعندي مانع إنه يتزوج.. إبي كفى ووفى.. أمي صار لها أكثر من 17 سنة من يوم ماتت.. غيره مايسويها.. حينها أجابها كسّاب بطريقة الآمر الصارم: خلاص أعتمد على ذكائش تقنعين سميرة بزواج أبي من أم امهاب.. وهذا كل المطلوب منش.. مزون بصدمة كاسحة: خالتي مزنة؟؟ كساب ببساطة: ليه وش فيه خالتش مزنة مهيب مقام أبيش؟؟ صحيح أنا ماشفتها إلا ببرقعها بس مبين عليها زينة وأصغر من سنها واجد.. مزون بثقة: من حيث الزين.. مهيب بس زينة.. عمتك ينقال لها اللي زينها يوجع من قلب.. وفعلا تبين أصغر من سنها بأكثر من عشر سنين.. وهي فعلا كشخة ومهتمة بنفسها واجد.. بس هذا ماينفي إن عمتك عمرها 45.. كساب بذات البساطة: وإذا عمرها 45 وش المشكلة؟؟ مزون بجدية: إبي ممكن يتزوج وحدة في أواخر العشرينات أوائل الثلاثينات وبدون مشكلة.. وش المشكلة لو كان الفرق بينه وبين مرته 15 سنة؟؟ كساب بتساؤل: طيب وعمر عمتي وش مشكلته؟؟ مزون بذات الجدية: مشكلته إنها خلاص احتمال كبير جدا ماعاد تقدر تجيب عيال.. وإبي دامه بيتزوج حقه يتزوج مرة بتجيب له عيال... كساب وقف هو يهتف بحزم: يعني أنتي تشوفين إن إبي تناسبه بنت صغيرة في سني.. أنا خلاص صرت في الثلاثين.. أنا ما أنا بمعش.. أشوف عمتي مناسبة له واجد.. وأنا أطلب منش تقنعين سميرة بالفكرة كخدمة لي.. أو أنا ما أستاهل منش ذا الخدمة؟؟ وأبيش تسوين ذا الشيء بكرة بدون تأخير لان علي شارط إن إبي يتزوج قبل زواجه... *********************************** صباح اليوم التالي . . . فرحة عارمة تغمر بيت أبي عبدالرحمن اليوم لعودة عبدالرحمن.. أعدوا له غرفة في الأسفل وحمله العمّال حتى وضعوه على السرير.. وهاهي أسرته بكامل أفرادها تحيط به وسعادتهم الغامرة مستعصية على الوصف.. أم عبدالرحمن بمودة غامرة وبريق الدموع في عينيها: أنا يأمك سويت لك كل اللي تحبه على الغدا.. بس كنك مشتهي شيء ثاني قمت أسويه ذا الحين..؟؟ عبدالرحمن بمودة عميقة: ما أبي شيء جعلني فداش.. ثم أردف بابتسامة حنونة: أبي بس حسون الخايس يأتي يقعد جنبي مشتحن له وهو صاير ثقيل مايعطي وجه هو ووجهه.. جوزاء تبتسم: ليه وش فيه وجه ولدي؟؟ عبدالرحمن بمودة: خليه يأتي عندي ما أكثر هذرتش.. حسون تعال.. حسن الصغير قفز ليجلس على فخذي عبدالرحمن الممتدين تحت الفراش.. بينما شعاع همست بجزع: حبيبي حسون لا توجع خالك.. عبدالرحمن يهز كفه وهو يقول بابتسامة: من جدش ذا العصفور يوجعني.. اقعد يا ولد.. ماعليك منهم.. بينما أبو عبدالرحمن أشار بيده وهو يهتف بحزم: دامك كلكم متجمعين.. خلني أعلمكم بشيء.. عبدالرحمن عنده خبر.. ترا عرس شعاع بيكون الجمعة اللي عقب 3 أسابيع.. الوجوم والسكون حل على المكان.. بينما شعاع همست كأنها تكلم نفسها وفيضان من الدموع يستعد ليقفز من عينيها: بس آخر امتحان عندي بيكون الخميس اللي عقب ثلاث أسابيع.. فاضل بحزم صارم: وتعرسين ثاني يوم.. وين المشكلة؟؟ حينها أم عبدالرحمن همست بتردد: البنية قد هي مسوية حجوزاتها.. ماعاد تقدر تقدمها.. وثلاث أسابيع ماتكفيها تكمل تجهيزها.. أبو عبدالرحمن بذات الصرامة الحازمة: الحجوزات تسوي غيرها.. والسوق مهوب طاير.. اللي مهيب لاحقة تشتريه قدام عرسها تشتريه عقب.. شعاع بدأت تدعك أناملها بعنف وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء.. فهي مشغولة تماما هذه الأيام في الاستذكار وتسليم مشاريعها الأخيرة وتشعر أنها تكاد تنفجر من ضغط الجامعة.. فكيف بالزواج أيضا وهي من كانت تؤجل فكرة التسوق بالكامل حتى تنتهي من الجامعة..؟؟ فقط أنهت حجز التزيين وتصميم الفستان.. وقررت أن تريح بالها من كل شيء حتى تنتهي من الامتحانات التي تشكل لها شبحا مرعبا لأنها في فصل التخرج.. أبو عبدالرحمن لاحظ ارتعاشها وأنها على وشك أن تبكي.. ناداها بحنان عميق: شعيع يا أبيش تعالي اقعدي جنبي.. شعاع قامت لتجلس جواره ولتنفجر في كل ما منعت نفسها من إسالتها من دموع.. وهي تدفن وجهها في صدره.. جوزاء كانت تنظر للموقف أمامها مصدومة.. بينما عبدالرحمن كان قد قرر مساندة والده حين يحتاج المساندة.. لانه يعلم بمبررات والده ويحترمها.. أبو عبدالرحمن احتضن شعاع بحنو وهتف بحنان مخلوط بالحزم: اسمعيني يأبيش.. رجالش تعبان.. وبيسافر يعالج برا عقب 3 أسابيع.. وأنا حلفت إن قد تروحين معه.. مع إن إبيه كان يبي يأجل العرس عشانش.. بس يأبيش المرة الأصيلة إذا ما وقفت مع رجالها وهو معتازها... متى توقف معه؟؟ شعاع اتسعت عيناها الدامعتان بصدمة وهي تنظر لجوزا التي أخبرتها أن مرضه بسيط.. " أ هو مريض فعلا لهذه الدرجة التي يضطر معها للسفر للخارج؟؟" ********************************* " ها يا العرسان.. وش علومكم اليوم؟؟" كساب ينظر لعلي وزايد ويبتسم.. علي ابتسم بمودة بينما زايد هتف بحزم بالغ صارم: أص ولا كلمة.. أما أنت ماعاد تعرف تحشم ولا تحترم حد.. كساب يبتسم: أفا العريس زعلان.. زايد هتف بذات النبرة الحازمة الصارمة: زين دامك تقول العريس اسمعني عدل.. أنا مالي شغل في شيء.. مهوب انت تقول كل شيء عليك.. كل شيء أنت اللي تسويه.. حتى الخطبة ماراح أخطب.. أنا ماعندي استعداد إني انرفض عقب ذا العمر... كساب بذات الابتسامة: وليه ظنك إنك بتنرفض؟؟ زايد بحزم أقرب للغضب: رفضتني مرتين قدام أتزوج أمك.. بتوافق علي الحين عقب ماصاروا عيالها شباب.. أنا بس أجاريكم في لعبتكم.. لين تسمحون منها.. كساب بابتسامة واثقة: خلاص أبشر.. أنا بأسوي كل شيء.. وبجيب موافقتها المبدئية.. بس عقب لازم أنت اللي تخطب.. هذا السنع يا العريس اللي تعرف السنع.. زايد جلس وهو يشعر بصداع أليم لم يفارقه منذ البارحة.. لا يحتمل هذا الضغط.. وهو يعلم يقينا أنها سترفضه وللمرة الثالثة.. فلماذا يقلبون مواجعه بهذه الطريقة المتوحشة..؟؟ مشغول بعشرات الأشياء وآخر ماكان ينقصه تلاعب أبناءوه به وفي أكثر الموضوعات حساسية في تاريخ حياته؟؟ "لا تخدع نفسك يا زايد!! فمن ذا الذي يستطيع التلاعب بك؟؟ تعلم أنه لا يستطيع أحد التلاعب بك إلا بمزاجك أنت؟؟ لماذا لا تقول يا زايد أنه رغم استحالة الأمل ولكنك لم تستطع مقاومة دغدغة الفكرة لذكرياتك التي غاصت في أقصى جذور قلبك!!" **************************************** " خالتي تعبت أدق على جميلة وجوالها مسكر وش فيها؟؟ " عفراء تهمس بإرهاق مخلوط بالحزن وهي تعدل وضع ابنها على يدها وترد على هاتفها باليد الأخرى: تعبانة شوي يأمش.. لا شفتش علمتش.. جميلة بخيبة أمل: كنت أبيها تروح معي العصر عشان حجوزات عرس علي.. ثم أردفت بحماس رقيق: إلا دريتي خالتي إن عرس علي تقدم وقته؟؟ عفراء بحنان: دريت ياقلب أمه.. هو اتصل بنفسه فديته اليوم الصبح وقال لي.. وخلاص تعالي العصر وأنا اللي بروح معش.. مزون بتردد: بس خالتي يمكن ماتبين تخلين زيودي.. أو مشغولة..؟؟ عفراء بهدوء مغلف بالشجن والإنشغال من كل ناحية: زايد باخليه عند أخته.. لأني عارفة إنها ماتبي تطلع مكان.. حينها هتفت مزون بقلق: ليه وش فيها خالتي؟؟ عفراء بحنان وحزن: بأقول لش يأمش إذا شفتش... مزون أنهت الاتصال وهي تتنهد.. يبدو أن هذا الصباح هو يوم المكالمات الملغومة.. فهي للتو أنهت اتصالها مع سميرة.. رغم أنها تعلم أن ماكانت تريد محادثتها فيه موضوع لا يليق مطلقا على الهاتف وخصوصا أن سميرة في عملها.. ولكنها أرسلت لها رسالة أنها تريدها في موضوع مهم وخاص جدا وأن تتصل بها حين تستطيع فكساب أكد عليها أن تنهي الموضوع اليوم.. وهي لابد أن تذهب لتغير حجوزات علي وتحجز حجوزات جديدة وتستعجل فيما بقي من حجوزات.. عدا أنها شعرت بالحرج أن تذهب لزيارتهم لأنها تعلم حينها أن مزنة وبناتها سيكن متواجدات ولن تستطيع مطلقا فتح الموضوع مع سميرة.. كانت ستموت من الحرج حين رأت سميرة تتصل بها.. ولكن ربما من حسنات دراسة الطيران أنها هيأتها للتصرف بتحكم أكبر كلما ازداد الموقف تأزما وصعوبة.. ولكنها لم تحتج لتوظيف قدراتها لأن سميرة فاجأتها بتحمسها للموضوع.. فسميرة ترى في عمتها الكثير من الأنوثة التي ستذهب هدرا دون أن تحضى برفقة رجل يكون شريكا لها فيما بقي لها في حياتها.. فهي ترى أن مزنة تستحق رجلا لم تحصل عليه بعد.. وأي رجل أفضل من زايد؟؟ ********************************** كانت عالية تنتهي من صلاة العصر وتريد أن تتمدد قليلا قبل أن تنزل لوالدتها لقهوة العصر.. حين وصلتها الرسالة التي جعلت عيناها تغيمان من الرعشة والتوتر: " يعني ماكلمتيني ياصادقة الوعد؟؟ زين الملف اللي خليتيه أمس عندي وعليه اسمش ومليان بخطش وتقاريرش بيوصله لش عبدالله وإلا تدرين بأعطيه إبي بعطيه ابيش أحسن !! " . . . في ذات الوقت كانت كاسرة نائمة لأنها لم تكن تصلي لعذرها الشهري الشرعي.. سمعت رنين هاتفها ولكنها كانت عاجزة عن الرد.. سمعت الرنين للمرة الثانية فنهضت من نومها.. وكانت على وشك الرد لولا أنه سكت لتصلها هي أيضا رسالة.. ولكن رسالتها جعلت دخانا يطلع من أذنيها لشدة غضبها: " جبانة كالعادة.. وأنا اللي كنت مخدوع فيش كل ذا الشهور وأحسب أنش شجاعة!! لا يكون بأكلش في التلفون يعني؟!! ردي علي ياجبانة.. أبيش في موضوع مهم ولا تخافين.. موضوع مايخصنا" #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والستون كانت عالية تنتهي من صلاة العصر وتريد أن تتمدد قليلا قبل أن تنزل لوالدتها لقهوة العصر.. حين وصلتها الرسالة التي جعلت عيناها تغيمان من الرعشة والتوتر: " يعني ماكلمتيني ياصادقة الوعد؟؟ زين الملف اللي خليتيه أمس عندي وعليه اسمش ومليان بخطش وتقاريرش بيوصله لش عبدالله وإلا تدرين بأعطيه إبي بعطيه ابيش أحسن !! " عالية شعرت بالصداع يعاود التفجر في منتصف رأسها.. (ياربي وأنا من أمس أدور له ما أدري وين قلعته الله يقلع دار العدوين.. مالقيت أخليه إلا عند الدب) عالية تناولت هاتفها وأناملها ترتعش رغما عنها: " يا النصاب أنا ما وعدتك.. أنا قلت بأكلمك بس عشان تخليني أروح.. وتكفى الملف عطه لجوزا..فيه شغل مهم واجد.. أدري إنه مايهون عليك تفضحني وتعطيه إبي أو عبدالله!!" انتظرت أقل من دقيقة ليصلها رده: " عادي مثل ماهنت عليش وأنتي تكذبين علي وتسكتيني كني بزر تلعبين عليه أنتي بعد بتهونين علي.. كلميني الحين مثل ماوعدتيني أو الملف بيوصلش الليلة مع أبيش..." عالية غطت وجهها حين وصلها رده: صدق يامن شرا له من حلاله علة.. وش ذا اللزقة؟؟ أرسلت له بغيظها: " أنت ليش تتأمر علي؟؟ تبي تكلمني كلمني.. هذا أنت جبت رقمي.. يعني السالفة مهيب صعبة عليك.. ليش ملزم أنا اللي أكلمك؟؟" وصلها رده : " لأنه أكثر شيء أكرهه في العالم الكذب.. ولازم تعرفين عني ذا الصفة.. أنا ما أرضى حد يكذب علي.. كلميني الحين ولا تزعليني.. لأن زعلي شين!!" عالية بتوتر (ويهدد بعد الأخ!!.. بس ماظنتي يسويها مستحيل لو وجهه مغسول بمرقة ومافيه مروءة إنه مايفضح مرته كذا.. وش عرفني يمكن الغيبوبة أثرت على عقله..؟؟ بس صدق لو هو بيسويها إنه طاح من عيني.. لا والله.. الدب مايهون علي!!" عالية اتصلت به بتوتر.. جاءها ترحيبه دافئا عميقا وحنونا ومثقلا بنبرة رجولية خاصة به: اشتقت لش من البارحة لين اليوم ما تتخيلين وش كثر.. عالية بتوتر: تكفى عبدالرحمن ملفي عطه جوزا.. عبدالرحمن بابتسامة دافئة: وهذا الحين كل اللي هامش وماكلمتيني إلا عشانه.. لا تخافين.. ملفش أصلا عطيته جوزا من قبل ما أكلمش.. يوم راحت من عندنا قبل شوي.. وحطيته في ظرف وماقلت لها أساسا وش هو.. بس قلت عطيه لعالية بدون ماحد يدري.. ومن أمس من يوم طلعتي.. قلت لأبي يعطيني إياه.. ماطلبته من أمجد لأني أعرفه ملقوف ويقرأ عربي وانجليزي زين.. بس إبي عطاني إياه بدون مايطل فيه حتى.. وعلى طول طلبت من الممرضات ظرف أحطه فيه.. وقبل مايوصلني الظرف.. كنت حاطه ورا مخدتي اللي ورا ظهري.. إذا عندش شك واحد في المية إني ما أحرص عليش حتى أكثر من نفسش فأنتي خبلة يعني تصدقين إني ممكن أسويها يا الخبلة وأعطيه لأبيش أو أخيش عقب ماسويت ذا كله عشان ماحد يلمح اسمش حتى عليه..؟؟ عالية بصدمة متأثرة من لطف كل ماقاله: زين ليه تهددني فيه أساسا؟؟ عبدالرحمن بابتسامة: داري إني مالي خاطر عندش.. وأنش ماراح تكلميني إلا بالتهديد.. يعني أكون بأموت عشان أسمع صوتش.. وأنتي شاحة به علي.. عالية صمتت وحنجرتها تجف تماما.. ووجهها يشتعل احمرارا.. بينما عبدالرحمن أكملها عليها وهو يهتف بدفء عميق هز أعماقها هزا: ها عالية أوعديني تكلميني.. أو على الأقل ردي على مكالماتي لا كلمت.. يعني صبريني شوي لين موعد عرسنا.. أشلون باستحمل يعني ياقلبي؟؟ عالية زاد وجهها احمرارا (وقلبي بعد.. الرجّال استخف!!) ريقها جاف تماما بالكاد ظهر صوتها مع كلماتها المبحوحة: تبيني أكلمك.. لا تقول لي ذا الكلام.. ولا تكلمني بذا النبرة..!! عبدالرحمن ضحك: الحين حلال عليش وحرام علي.. يعني كنتي مذوبة قلبي وانا في الغيبوبة بكلامش واحترق إني ما أقدر ارد.. والحين مستكثرة علي أعبر شوي.. حينها همست عالية بيأس خجول: عبدالرحمن إنت صدق متذكر وش كنت أقول وإلا تبي تجلطني؟؟ عبدالرحمن بابتسامة: أول الأيام ما أتذكر شيء.. بس أتذكر همسش الدافئ قريب مني ويهز أوتار قلبي.. لكن عقب لو تبين أقول لش سوالفش بالتفصيل قلتها.. عالية تكاد تجن: عبدالرحمن أنا قلت لك أسرار واجد ما أبي حد يدري فيها.. عبدالرحمن بأريحية حميمة: ومستحيل حد يعرف سر أنتي قلتيه لي.. اعتبري نفسش أساسا ماقلتي شيء.. بس فيه سوالف مستحيل أنساها وبحاسبش عليها وحدة وحدة.. ثم أردف وهو يبتسم بغيظ: خصوصا سالفة ولد عمش أبو عيون عسلية.. هذي لها حساب خاص.. عالية شعرت كما لو كان صدمها قطار في منتصف وجهها.. وهي تغلق الهاتف في وجهه وتلقي الهاتف بعيدا عنها.. ثم تدفن وجهها في المخدة لأنها شعرت أنه اشتعل واحترق بكل معنى الكلمة.. لذا لم تشعر بدخول جوزاء عليها التي حسبتها نائمة وهي تضع ظرفا بنيا ضخما قريبا منها ثم تغلق الباب خلفها.. ************************************* كانت كاسرة نائمة لأنها لم تكن تصلي لعذرها الشهري الشرعي.. سمعت رنين هاتفها ولكنها كانت عاجزة عن الرد.. سمعت الرنين للمرة الثانية فنهضت من نومها.. وكانت على وشك الرد لولا أنه سكت لتصلها هي أيضا رسالة.. ولكن رسالتها جعلت دخانا يطلع من أذنيها لشدة غضبها: " جبانة كالعادة.. وأنا اللي كنت مخدوع فيش كل ذا الشهور وأحسب أنش شجاعة!! لا يكون بأكلش في التلفون يعني؟!! ردي علي ياجبانة.. أبيش في موضوع مهم ولا تخافين.. موضوع مايخصنا" كانت على وشك الاتصال به.. حينما عاود هاتفها الرنين باسمه.. فهي مازالت لم تبرد نارها فيه لما فعله بها بالأمس وهو يحرجها هكذا أمام والدتها.. وبالفعل كانت تريد أن تكلمه لتسمه قليلا كما هي مسمومة منه لدرجة شعورها بمرارة السم تتصاعد مع أنفاسها.. ولكنها لم تكلمه حتى لا يعتقد أنه نجح في استفزازها.. ولكن هاهو يأتي لها بنفسه.. ردت على الهاتف وبدون مقدمات ببرود احترافي: هلا والله.. تصدق اشتقت لك وكنت باقول لك تعال تعلبش على الدرايش عشان أشوفك؟؟ كساب ببرود أكثر احترافية: اطلبي وشوفي أنا بأنفذ وإلا لأ.. ما أحب أخلي في خاطرش شيء.. كاسرة بذات البرود: تصدق أسمع بالناس اللي مافي وجيههم سحا.. بس مثل وقاحتك ما تخيلت إني ممكن أشوف في حياتي كلها.. ماكفاك اللي سوته أمي فيك؟؟ كساب بتهكم: ترا ماكنت في التهزئية بروحي لو أنتي ناسية.. أنتي خذتي نصيبش معي ثم أردف بثقة: وعلى العموم عمتي عبارة أمي وما حد يزعل من أمه.. وخصوصا إنها تشوف السالفة من زاويتها.. أنا ما أشوف نفسي سويت شيء غلط.. هذا حقي.. كاسرة مازالت تحتفظ ببرودها الواثق: صدق وقح.. أي حق هذا اللي تشوفه لنفسك وأنت هاجم على بيوت الناس؟؟ كساب بثقة أشد: والله لا صار عند الواحد مرة مخها معووج ماتنفع معها الطرق المستقيمة.. وش يسوي؟؟ لازم يستخدم طرق معووجة مثلها.. كاسرة بثقة: هذا والله اللي ركبني حمارته وعيرني بعيارته .. وعلى العموم دامني عوجا ومخي معووج.. وش حادك علي..؟؟ طلقني واخلص مني.. كساب بحزم: قلت لش طلاق ماني بمطلق .. وبتطخين ..واللي في رأسش بيطيح وبترجعين من ورا خشمش.. كاسرة بدأت تنتفض من الغضب الذي لم يظهر في صوتها المتحكم: أنت ماتفهم.. الحياة معك بالغصيبة؟؟ قلت لك ما أبيك.. نفسي طابت منك.. كساب بجبروت: بس أنا نفسي ماطابت منش.. وأنا اللي أقرر مهوب أنتي.. ثم أردف بتلاعب مثير:وعلى العموم أنا قلت لش ..أنا أبيش في موضوع مايخصنا.. بس أنتي لا سمعتي صوتي أدري تفقدين الإحساس ومايصير في رأسش شيء غيري.. كاسرة رأسها يؤلمها من ثقته الوقحة (أي مخلوق متبجح هذا؟؟ . وما الغريب فيما يقول؟؟ الغريب إنه محق.. ما أن أسمع صوته لا يعود في رأسي سواه!!" كساب أكمل ببساطة واثقة: خلينا الحين من طاري الطلاق.. لأنه حن في طاري زواج.. إبي يبي يتزوج أمش.. كاسرة تصورت أن الموضوع قد يكون أي شيء.. لكن هذا الأمر لم يخطر أبدا ببالها.. أبدا.. أمها تتزوج؟!!! همست بصدمة وصوتها مبحوح تماما: نعم؟؟ من؟؟ أمي وعمي زايد؟؟ كساب بثقة: ليه إبي مهوب قد المقام..؟؟ أدري إنش تحبينه أكثر مما تحبيني.. يعني ماتبينه يكون أقرب لش أكثر ويصير أب وعم..؟؟ كاسرة حينها همست بثقة: لو حبيته أكثر فهو يستاهل.. عطاني سبب أحبه عشانه.. حنان ورجولة وتفهم .. لكن أنت على ويش أحبك أساسا.. وعلى العموم على قولتك الموضوع مايخصنا.. بس أنا متأكدة إنك تمزح.. وهذا موضوع ما ينمزح فيه لو سمحت كساب.. لين هنا ووقف خبالك.. كساب بثقة غامرة لا تخلو من نبرته الساخرة الحادة التي يتميز بها: ليه هذي كلها أنانية منش.. تبين أمش لش بروحش..؟؟ أو يمكن كاسرة اللي مايهمها حد.. خايفة من كلام الناس لا يقولون شوفوا أمها أعرست..؟؟ ترا هذا زايد آل كساب اللي متقدم لأمش مهوب أي حد.. كاسرة بثقة غامرة: وزايد آل كساب على رأسي.. بس كلامك مهوب منطقي.. لو إبيك يبي أمي.. أمي صار لها أرملة أكثر من 15 سنة.. وأمك الله يرحمها لها أكثر من 17 سنة من يوم ماتت.. ليش ماخطبها وهم عادهم شباب.. يعني الحين في ذا العمر يبيها؟؟ اسمح لي كلام مايدخل الرأس.. كساب بثقة: وليه أنتي شايفة إبي وأمش شيبان.. بالعكس الأثنين شباب والله معطيهم الصحة.. وشيلي من رأسش إنه كلام مايدخل المخ... يعني عمش زايد حبيبش مايستاهل منش تأزرينه وهو اللي بداش حتى على ولده..؟؟ يعني هذا بيكون ردش عليه عقب مابداش عليّ وخلاش تمشين شورش؟؟ أمش رفضت إبي مرتين.. بتسمحين لها تفشله مرة ثالثة.. والحين إبي مهوب مثل ماكان قبل 30 سنة.. لا مكانته العالية ولا سنه يسمحون إنه ينرفض.. والرفض بيكون إهانة له... إذا انتي عادي عندش إنه ينهان.. اعتبري نفسش ماسمعتي مني شيء.. ولو جاكم إبي يخطب ردوه.. واستخسري في أمش فرصة إنها تعيش اللي باقي من عمرها جنب رجّال تدرين زين وش كثر بيحترمها ويقدرها ويعوضها عن شبابها اللي ضاع.. . . . بعد دقائق.. كساب بعد أن أنهى اتصاله مع كاسرة.. قام بإجراء اتصال جديد.. كما لو كان ذهنه يعمل على عدة مستويات.. أو كما لو كان اخطبوطا أذرعه تعمل على عدة اتجاهات.. اتصل بسليم مرافق الجد جابر ليسأله عن مكان الجد.. فأخبره سليم أنهما في مجلس زايد ولكنهما لم يجدا أحدا وسيغادران بعد أن ينتهي الجد من شرب قهوته التي حلف عليه المقهوين أن يشربها قبل المغادرة.. فطلب منه كساب أن ينتظرا لأنه سيحضر حالا لهما.. وصل للمجلس خلال أقل من دقيقة لينحني كساب على رأس الجد ويتأخر سليم ليخلي الجو لهما وهو ينضم للمقهوين قريبا من دلال القهوة.. بعد أن انتهيا من السلامات المعتادة همس كساب باحترام مخلوط بالمودة: بشرني منك يبه.. الجد بنبرة مقصودة: أنا طيب وش العلوم اللي عند شيبة مثلي.. يقول يا الله حسن الخاتمة.. أنت اللي وش علومك.. عاجبك حالك أنت ومرتك؟؟ أنا حالف عليك تسمي الولد الثاني امهاب عقب ماتسمي الولد الأول زايد.. والظاهر إنه لا به زايد ولا امهاب.. كساب ابتسم: والله يبه الظاهر إن بنتك غرها الغلا.. وش أسوي بها ؟؟ الجد تنهد وهو يرسم شبح ابتسامة: هيييييييييه ...الظاهر ياأبيك إنك نسيت وصاتي لك وأنت صغير .. قلت لك بنتي مهرة تعسف بس ما تكسر.. وأنا أشوف من وجيعتها منك إنك تبي تكسرها.. كساب مازال مبتسما لا يعلم لماذا يشعر مع الجد بأريحية مطلقة كما لو أنك تتحدث إلى بئر عميقة صداها أكثر عمقا..: يبه هي خلتني أعسف وإلا أكسر.. شلت شلايلها وهجت عندكم.. وعلى العموم يبه.. خل كاسرة شوي.. خلها لين يطيب خاطرها وبترجع.. الحين أبيك في سالفة أهم.. الجد بعتب: أفا يأبيك وش السالفة اللي أهم منك ومن مرتك.. ابتسم كساب: اللي أهم منا إبي وأمها.. الجد قطب جبينه بتساؤل قلق: زايد ومزنة.. عسى ماشر؟؟ حينها هتف كساب بمودة حازمة: مابه شر.. إلا خير.. نبي نزوجهم.. الجد حينها ضحك ضحة خافتة من القلب: الله يونسك بالعافية ياولدي.. لي شهور ماضحكت.. كساب يضحك معه ولكنه يعود ليهتف بجدية: ليه يبه لذا الدرجة متباعد الموضوع..؟؟ تراني أتكلم من جدي.. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث جدهن جد.. وهزلهن جد.. النكاح والطلاق والرجعة..) يعني مستحيل أمزح في موضوع مثل هذا.. حينها قطب الجد جبينه: يأبيك.. من جدك ذا الحكي؟؟.. بروحك تقول مايجوز المزح في ذا السوالف.. كساب هتف بأكبر قدر من الجدية: والله العظيم يبه إنه من جدي.. إبي يبي يخطب عندك بنتك.. بس خايف تردونه.. وأنت داري قدر إبي مايسمح تردونه ثالث مرة.. حينها هتف الجد جابر بحزم: أجل قل له لا يخطب.. يا أبيك اللي مضى ماعاد يرجع.. أنا لو أنه بيدي كان قلت لك جيب المملك أملكه ذا الساعة.. بس مزنة ماقدرت عليها وهي أم 15 سنة.. أقدر عليها ذا الحين.. مزنة أم عيال ذا الحين.. ولا عاد لها في العرس حاجة.. جعل عمر تميم طويل.. كساب لم يتوقع مطلقا أنه قد يواجه هذه المعارضة من الجد الذي يحب زايد أكثر من ابن حتى.. لم يعلم أن معارضة الجد لم تكن معارضة في ذاتها.. فربما كان هذا الأمر من أكثر الأمور التي تمناها في حياته.. لكنه أراد أن يجنب زايد مرارة رفض ثالث يعلم أنه قادم لا شك.. فهو يعلم فعلا إنه إن كان لم يقدر على مزنة وهي صغيرة.. فكيف يقدر عليها الآن؟؟ كيف يقدر عليها الآن؟؟ تصاعد ضيق غريب في روح كساب.. إذا لم يسانده الجد.. فمشروع الزواج فاشل لا محالة.. حينها قرر تغيير الاستراتيجية واللعب على اتجاه آخر.. هتف كساب ببساطة حازمة: يبه ليه ظنك إبي يبي عمتي؟؟ الجد بنبرة قاطعة: وش يدريني يابيك.. يمكن عادها في خاطره من ذاك الزمان.. كساب بحزم وهو يقترب من الجد أكثر ليهمس في أذنه بنبرة اهتمام: يبه عمتي مزنة لين الحين وهي حسرة في قلب إبي.. انتفض الجد: الحسرة في قلوب عدوين أبو كساب.. حينها ابتسم كساب: بس أنت تبي تخليها في قلبه لين يموت.. يبه ليه تباعد السالفة كذا.. بعيد الشر عنكم كلكم.. وجعل عمر تميم طويل في الطاعة.. حد ضامن عمره.. عمتي مزنة ماعندها إلا ذا الولد الله يخليه لها.. وبدون قصور في تميم.. لكن مهما كان بتحتاج لها حد يتكلم يسنع أمورهم ويخلص أشغالهم.. ولا خذت إبي بيصير عندها فوق الولد.. ثلاثة عيال.. الجد بدأ يشعر بالصداع من هذا التفكير.. هتف بذات تفكيره المحموم: هذا أنت ولدها.. كساب شعر بالانتصار لأنه علم أنه أثار بلبلة في ذهن الشيخ فهتف بثقة: يبه أنت عارف يباس رأس كاسرة.. لو مارضت ترجع لي.. أي ولد أنا... مهما كان مهوب طالبين مني اللي يبونه.. أنت داري إنه أول كنت أخلص لعمتي أشغالها وأكفي تميم.. لكن من عقب زعل كاسرة ماعاد طلبت مني شيء.. يبه طال عمرك..خل عمتي مزنة تضمن لها رجّال وعيال.. ولبناتها أب تدري إنه مهما صار لهم من عقبك إنه بيكون وراهم سند قوي.. يبه عمتي مزنة ماحد يقدر يغصبها.. بس على الأقل لا تقوي رأسها.. أنت عارف المصلحة وين ولازم تسويها... ************************************* " يأمش ماتبين شيء؟؟" جميلة بإرهاق وذبول وهي تحتضن زايد بين ذراعيها: لا يمه فديتش.. والله ما أبي شيء.. أساسا بارقد زايد وأرقد معه.. عفراء بقلق: يأمش.. بسش رقاد.. جميلة هزت كتفيها بيأس: ومن قال لش رقدت.. يمكن الحين أقدر أرقد عشان زايد قريب مني.. عفراء تحمل حقيبها وتهمس بحنان: إن شاء الله ما احنا بمبطين.. وعقب بأرجع أنا ومزون هنا.. مزون تحاتيش واجد وتبي تشوفش.. جميلة بذات النبرة الذابلة: خير يمه.. أنتظركم.. عفراء خرجت.. وجميلة كما لو كانت تنتظر خروجها.. لتعاود الإنفجار في البكاء.. إحساس مرارة وخذلان عميق يلتهم روحها.. لم تتخيل أبدا أن يكون هذا ختام حكايتها مع خليفة.. أن يبيعها بهذا الرخص!! " هو باعني وحن عادنا في المطار.. وش فرقت الحين؟؟ مهوب أنا اللي كنت أبي أعطيه فرصة للاختيار ..هذا هو اختار.. زايد الصغير انفجر في البكاء.. جميلة كفكفت دموعها بجزع: آسفة حبيبي آسفة.. روعتك... وش أسوي بأختك الخبلة اللي تبكي على المقفي.. وهو مادرا عن هوا دارها.. خلاص لا تزعل علي.. وعد علي ما أبكي.. بس لا تبكي أنت فديتك.. ******************************** " السلام عليكم يمه.. وين البنات؟؟ " مزنة تضع الحاسوب الذي كانت تعمل عليه جانبا وهي تهتف بجبين مقطب فهي مازالت عاتبة على كاسرة: راحوا لشعاع يهنونها سلامة أخيها.. ويشوفون لو هي تبي شيء يسوونه نيابة عنها لأنهم قدموا عرسها.. ويمكن ماتلحق تجهز شيء.. كاسرة همست بإرهاق: إيه والله نسيت.. وضحى قالت لي أصلا.. مزنة بذات الجبين المقطب: اللي ماخذ عقلش يتهنا به.. ما ألومش ماعاد لقيتي حد يتعلبش على الدرايش عشانش..؟؟ حينها ابتسمت كاسرة وهي تجلس جوار والدتها وتحتضن عضدها: بس يمه مهيب حلوة فكرة إن حد يتعلبش الدرايش عشانش؟؟ تحسين كأنش أميرة في قصة خيالية.. مزنة بذات تقطيبها ونبرتها المقصودة: لا والله.. تدرين إني متضايقة واجد.. عشان كساب مهوب عشانش.. أجعته واجد في الحكي.. وماخليت شيء ماقلته له.. حتى شوفته حرمت نفسي منها وأنتي عارفة زين غلاه عندي.. وكله من سبايبش يا الأميرة.. حرقتي قلب الصبي لين تعلبش على الدرايش وسوى المنقود.. حينها اتسعت ابتسامة كاسرة وهي تهتف بنبرة مقصودة: دامش مشتاقة له.. ومهوب هاين عليش زعله.. خلاص أرضيه.. وتزوجي إبيه.. مزنة انتزعت عضدها من ذراع كاسرة وهي تستدير بجسدها كاملا نحو كاسرة وتهتف بغضب: المزحة السخيفة ذي لو سمعتها من وضحى أو سميرة.. يمكن أبلعها.. بس منش عاد... كاسرة بثقة: وفعلا ليش أمزح في موضوع ما ينمزح فيه.. مزنة بذات الغضب: كاسرة تلايطي.. وعيب عليش ذا الكلام.. كاسرة تنهدت ثم هتفت بجدية صارمة: يمه أنا أتكلم من جدي والله العظيم.. عمي زايد يخطبش.. وش رأيش؟؟ مزنة وقفت وهي تهتف بحزم: رأيي إنش استخفيتي.. وعمش زايد استخف كنه موافق على ذا الخبال.. ****************************************** " شعاع يا الخبلة قومي.. فيه وحدة عرسها عقب 3 أسابيع وتبكي كنه ميت لها ميت" شعاع تمسح وجهها المحمر من البكاء والذي ازداد مع شفافية الدموع شفافية فوق شفافيته وتهتف باختناق: زين وش تبوني أسوي.. حاسة إني مخنوقة من كل صوب.. كنت مأجلة التفكير في كل شيء لين أتخرج.. كبوا كل شيء فوق رأسي.. سميرة بحماس: قومي يا الخبلة.. خلينا نسوي مخطط لش للأشياء اللي تبينها.. وإحنا بنسوي كل شيء.. هذا إحنا صيع ماورانا شيء لا رجعنا من الدوام وأنتي أبد لا تشغلين بالش شيء.. حطي همش في المذاكرة.. شعاع بذات النبرة المختنقة : والله العظيم مالي نفس في شيء.. ليش أشتري وأتزين وأتعدل.. لمن؟؟ ورجالي أساسا تعبان وبدل ما نروح شهر عسل.. رايحين رحلة علاج.. وضحى بتشجيع: تتعدلين عشانش وعشان نفسش وعشان تحسين إنش عروس صدق.. وحتى لو رجالش المسكين مريض ماراح تفتحين نفسه شوي وتحسسينه إنه مهما كان عريس.. يا الله قومي قومي.. خلينا نسوي الجدول.. أنتي بس عطينا الميزانية.. والله لنخربها ونسوي لها اختلال.. ************************************** " يبه أنا أبي أسوي عرس للرياجيل بعد!!" زايد يلتفت لعلي ويهتف باستغراب: نعم؟؟ تبي تسوي عرس؟؟ يأبيك أنت داري إنه أفرح ماعلي شوفتك بالبشت وأسوي لك عرس أعزم عليه خلق الله ومن خلق.. بس أنت فيك حيل تقعد قدام الرياجيل...؟؟ ابتسم علي بإرهاق: على قولت عمي اللي قالها لك (فيه شيء أبدى من شيء) وهذا أنا الحين أحسن.. هذا أنا قاعد معك على الكراسي ماني بعلى السرير.. ومن يوم دخلت المستشفى وأنا أحسن لأنهم على طول مركبين على المغذي ويعطوني إبر فيتامينات وفاتح شهية.. يعني على وقت العرس بأكون أحسن بعد.. ويبه ربعي كلهم منتظرين عرسي.. وحتى الوزير كان يسألني يقول لي متى عرسك؟؟ مايصير الحين أعرس سكيتي.. مهيب حلوة في حق منظري قدام شغلي.. ولا حتى معارفك الواجدين.. ابتسم زايد: جعلك إن شاء الله في زود.. وقدرك كبير في عيون ربعك.. أبشر بالعرس اللي ماصار في الدوحة مثله.. والحين بأتصل في مدير مكتبي يستعجل طباعة الكروت... وماراح يكون فيه مشكلة عنده لأن أسماء المعازيم مسيفة عنده من أيام عرس كساب.. معازيمي ومعازيمك ومعازيم عمك وكساب وجماعتنا اللي هم هم جماعة أبو عبدالرحمن.. كلها مخزنة عنده.. *********************************** " الحين تميم من البارحة لين اليوم وأنت منشف ريقي قصدي تعبت إيدي عشان أطلع بسالفة تونسني منك" تميم ابتسم وهو يشير لها: ليه أنتي خليتي لي مجال أتنفس.. أول مرة أشوف حد ممكن يهذر بالإشارة كذا.. هذا وأنتي باقي إشارات ماتعرفينها .. بكرة لا عرفتي كل الإشارات أشلون بألحق عليش.. سميرة تكبر في وجهه بطريقة كوميدية وتشير: الله أكبر.. تبي تطسني عين.. وإلا هذا كله عشان أساسا ماعندك سالفة أرز وجهي فيها.. حينها اقترب تميم منها أكثر ليمسح على خدها بسبابته.. لتتراجع هي بخجل ويكف يده وهو يشير بتقصد: إذا أنتي طليتي في وجهي واحنا بزران ببراءتهم.. وتبين تحاسبيني عليها.. مهوب كافيش تغترين ذا الشهور كلها اللي حرقتي قلبي فيها وأنا ساكت.. أشوف عيونش وأتنهد.. واشوف شفايفش وأتنهد.. واشوف زولش وأتنهد...... سميرة قاطعته وهي تشير بخجل عميق وإحمرار وجهها الشفاف بدا كإحمرار الدم: بس تميم خلاص.. تميم مستمر في الإشارة بذات التقصد وعيناه تطوفان بها: لا مهوب خلاص.. تقولين لي وسع الخاطر.. زين باوسع الخاطر والله يصبرني.. بس بعد أنتي لا تصيرين صكة.. وأقل لمسة مني تجفلش.. تحسسيني كني وحش........ وأنهى إشارته بأن مد يده ليحتضن كفها.. حاولت أن تمنع دقات قلبات من التصاعد.. لا تعلم ما الذي يحدث لها ما أن تشعر بدفء أنامله.. أما حين شعرت بدفء أنفاسه على أناملها.. لم تستطع إلا أن تشدها وهي تشير له بدقات قلبها المتصاعدة: طيب أنا أوعدك ما أصير صكة.. بس خلنا نسولف أول.. أبي أسألك عن شيء؟؟ تميم تنهد: إسأليني.. سميرة بإشارة مقصودة: وش رأيك في فكرة إن أمك تتزوج؟؟ ضحك تميم: أدري دمش خفيف وراعية نكت.. بس مهوب لذا الدرجة عاد.. تبين تزوجين أمي.. ومن تزوجينها؟؟ شايب في السبعين تخدمه أمي؟؟ سميرة بذات الإشارة المقصودة: خلنا نتكلم جد شوي.. وهي مجرد فكرة.. لا مهوب شايب.. وواحد توه في الخمسين وبصحته ومايبي أمك تخدمه.. تميم حينها أشار بضيق: ترا فيه أحيانا سوالف حتى الأخذ والعطا فيها يضيق الخاطر.. سميرة حاصرته أكثر: هذا كله تتهرب من الإجابة؟؟ تميم أشار لها بشكل مباشر: وليش أتهرب؟؟ طبعا لا.. مستحيل أوافق أمي تتزوج.. حينها تغير وجه سميرة وقطبت جبينها وهي تسأل تميم: وليه؟؟ شنهي أسبابك؟؟ تميم بجدية: مافيه رجال فيه خير يرضى أمه تتزوج.. سميرة بغضب: لا لا تقول مافيه رجال فيه خير.. قل مافيه رجال أناني ومظهره قدام الناس أهم عنده من أي شيء يرضى أمه تتزوج.. تميم أشار بغضب مشابه: أنتي تبين لش سبب تهادين عشانه؟؟... الحين أمي وش حاجتها تعرس.. الخير وواجد وعيال وعندها.. المرة تعرس لأنها تبي حد يضمها ويصرف عليها أو لأنها تبي عيال.. سميرة نظرت له بنظرة مباشرة: الحين أنا أشتغل وماني بمحتاجة إنك تصرف علي.. ويمكن الله ما يكتب إنه احنا نجيب عيال... نتطلق يعني بما إن هذا هو سبب الزواج الوحيد؟؟ تميم يتنهد وهو يحاول مجاراتها: لا طبعا.. لأنه الإنسان محتاج شريك روح قبل أي شيء.. حينها كما لو كانت سميرة أمسكت بصيد ثمين: وأمك يعني ماتستحق شريك حياة بعد مادفنت عمرها في تربيتكم.. مايحق لها تعيش اللي باقي من حياتها مع رجّال يكون فعلا سكن لروحها.. تعرف حالتك بتكون نعمة من رب العالمين... الناس بيتكلمون.. خلهم يتكلمون لأن كلامهم ماراح يوصلك ولا يوجعك.. تميم بغضب: ويعني عشاني ما أسمع.. أخلي أمي تتزوج.. وعادي خل الناس تأكل وجهي من وراي.. أنتي يعني عشان ماتبين تعطيني حقي.. سويتي هالمشكلة كلها عشان مجرد نظرية عمرها ماراح يصير.. خلاص قولي ما أبيك... بدل ما تحرقين أعصابي بذا اللفة الطويلة... حينها وقفت سميرة وهي تهتف بتأثر فعلي عميق وتمنع نفسها من البكاء ليس لأجل موضوع زواج عمتها ولكن لأجلها: تذكر في أول يوم لزواجنا لما ضربتني لأنك تشك فيني.. تميم شعر أن قلبه يعتصر بقوة.. لماذا تذكرت هذه الحادثة التي يريد نسيانها؟؟ ولكنها أكملت بذات التأثر العميق وصوتها يختنق بالعبرات وهي تستعد لمغادرته جالسا: كنت تسأل نفسك.. ليش وحدة مثلي توافق عليك..؟؟ الحين أقول لك..وافقت لأني كنت أظن نفسي محظوظة فيك وأنا أحسبك رجّال مختلف.. كنت أحسب إن في داخلك عمق إنساني مافيه رجال ثاني يقدر يوصل له.. لكن أنت طلعت مثلك مثل الباقيين.. رجولتكم الرخيصة أهم عندكم من أي شيء ثاني.. منظرك طلع عندك أهم من أمك.. ومستعد تدوسها وتدوس مشاعرها عشان رجولة الخرابيط اللي لازم تحافظ عليها.. الرجّال صدق ما يظلم.. ولا يقهر.. ولا يشوف هله آداة لتغذية غروره.. ما أقول غير خسارة ظني فيك.. خسارة..!! ************************************** كانت عالية نائمة حين رن هاتفها.. فقد اعتادت ألا تضعه على الصامت خوفا أن تحتاج والدتها شيئا وهي نائمة.. تناولت الهاتف بنعاس لتنظر للرقم المضيء في الظلام.. ردت بنعاس: تدري إنك ماتستحي... أجابها عبدالرحمن بابتسامة دافئة: وأنتي تدرين إن صوتش وأنتي نعسانة كذا يذبح.. أجابته بذات النعاس: وأنت شكلك تخرف والغيبوبة أثرت على مخك.. لاني يقولون لي إن صوتي مايفرق إن صوت أخواني.. إلا عاد لو صوت هزاع يذبحك هذا شيء ثاني.. عبدالرحمن ضحك: يا الخبلة فيه وحدة تقول لرجالها إن صوتها كنه صوت أخوانها..؟؟ عالية اعتدلت جالسة وهي تبتسم: والله أنا وحدة صريحة .. وخصوصا إنه فيه ناس مخوفيني إنهم يكرهون الكذب وبيقصون رقبتي لو كذبت.. عبدالرحمن حينها هتف بدفء مقصود: أمانة عليش تقارنين صوتش اللي يذوب شرايين قلبي شريان شريان.. بصوت هزاع اللي كنه مكينة سيارة مخروقة.. عالية ضغطت جانبي رأسها بين إبهامها ووسطاها وهي تهتف بخجل طبيعي: عبدالرحمن لو تبي تكلمني وأرد عليك قلت لك بلاه ذا الكلام وذا النبرة.. أو تدري بلاها تكلمني مرة وحدة.. تخيل منظري قدام هلي لو اكتشفوا إني أكلمك.. عبدالرحمن بابتسامة: الحين تبين أصدق إنش ماخفتي وأنتي تنطين عندي في المستشفى... بتخافين يكتشفون أنش تكلميني.. خلهم يكتشفون.. ماسويت شيء غلط.. أكلم مرتي وحلالي.. عالية أنا دكتور جامعة وداخل على 32 سنة وآخرتها تبيني أخاف أنه أحد يدري إني أكلم مرتي.. لو ذا السالفة مرعبتش خذت أذن من عمي خالد... وبلا ماتكونين مرعوبة لما تكلميني.. لأني مستحيل من الحين لين نتزوج أقعد ليلة وحدة ماسمعت صوتش.. عالية بجزع: لا عبدالرحمن تكفى.. ماتقول لأبي شيء.. مهما كان هذي عوايدنا.. عبدالرحمن بتلاعب: طيب ولو طلبت أشوفش... عمي خالد راعي دين.. ماظنتي يردني من شيء ربي حلله.. يعني شوفة شرعية مرة وحدة.. مع إنها المفروض قبل الملكة.. بس ماعليه.. على قولت المثل (العوض ولا الحريمة) عالية تفجر وجهها احمرارا: تسويها عبدالرحمن من جدك؟؟ لا لا أكيد تمزح؟؟ عبدالرحمن بذات التلاعب الواثق: أفكر.. بصراحة فكرة مغرية يمكن ماتخليني أرقد الليلة من التفكير.... **************************************** صباح اليوم التالي . . . . " هلا وش فيش صاحية بدري؟؟ مزون التي كانت ترتشف كوبها همست بمودة: بأمر خالتي ثم أبي أمر علي شوي.. وعقب أبي أخلص أشغالي.. لأنه العصر عندي محاضرة.. وماراح أخلص إلا عقب المغرب ثم ابتسمت: ورانا عرس.. عرس.. لازم نلحق.. كساب ابتسم وجلس: شكلها عروس.. مهيب عرس واحد بس.. مزون تبتسم: لا ..ما نسينا إبيك.. بس هذا حالة سبيشل.. مابعد خلصت أنت جس النبض؟؟ كساب يتنهد: اليوم إن شاء الله أخلص.. وأنا يوم اتكلم عن عروس.. أقصد عرسش أنتي بعد.. ولا تتهربين مني.. ولا تظنينه خافي علي إنش تهربين.. ماتبين ولد الناس قوليها بصريح العبارة.. لا تعلقينه كذا.. شهر كامل تفكرين؟!! مزون صمتت بخجل بينما كساب أكمل بجدية حازمة: البارحة كان غانم عندنا يزور علي.. والله العظيم وجهي منكسر منه... اسمعيني.. لا تقولين علي وإبي.. هذا هم طيبين واثنينهم بيعرسون.. لكن لو سمعت خبالش بأفكر وافكر.. لين متى؟؟ عرس علي عقب 3 أسابيع وإبي بيسافر معه.. وما يندرى كم يقغدون.. خلاص الرجّال بيدري إن هذا رفض.. وليته حتى رفض بسنع.. سفهناه بدون رد.. اسمعيني تفكير... أدري إنش فكرتي بدل المرة ألف.. الحين تقولين لي ردش أبلغه فيه.. موافقة ..خلي ولد الناس يتملك قبل سفر إبي.. ما تبينه.. خلاص ابلغه ويشوف نصيبه.. الحين تقولين لي ردش.. الـــــحـــيـــن !! ************************************* " سميرة وش فيش شكلش تعبانة؟؟" سميرة بحياد مرهق: مافيني شيء؟؟ ثم أردفت بتساؤل: أنتي وش سويتي مع عمتي؟؟ كاسرة ابتسمت: رأسها يابس.. وأنتي مع تميم؟؟ تنهدت سميرة بألم: رأسه أيبس مرتين.. ماهقيته كذا.. حينها هتفت كاسرة بجدية: شكل ذا السالفة كلها مالها طريق.. مع إني والله العظيم تمنيت بشكل.. إنه صدق عمي يتزوج أمي.. سميرة حينها ابتسمت: أفا كاسرة تستسلم بذا السرعة.. تونا يا بنت الحلال مانزلنا بثقلنا في السالفة.. كاسرة بذات الجدية: ما استسلمت.. وتو الناس على ذا الكلام.. بس تدرين من اللي خايفة إنها تنسف السالفة كاملة ؟؟... وضحى.. لأني عارفة اللي بيصير.. إذا درت.. بتسوي مناحة وتبكي.. وأمي بتخليني.. وأمي لا شافت دموعها عصبت وحلفت مايصير شيء أساسا.. سميرة بقلق: ماظنتي وضحى عقلها صغير كذا؟!! كاسرة بثقة: مهوب صُغر عقل.. لكن وضحى أصغر وحدة فينا.. الحشاشة.. وهي اللي حاسة إنها محتاجة لأمي أكثر شيء.. ولا تنسين إن وضحى حساسة واجد.. فاجئهن دخول وضحى عليهن وهي تهمس بابتسامة: سامعة اسمي.. وش تخططون علي.. ابتسمت سميرة: نبيش في سالفة!! ضحكت وضحى: جايبين لي عريس... أخيرا بأودع العنوسة ؟!! كاسرة بحزم باسم: ماعليه أنتي المرة الجاية.. الحين جايبين عريس لأمش!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والستون " سميرة وش فيش شكلش تعبانة؟؟" سميرة بحياد مرهق: مافيني شيء؟؟ ثم أردفت بتساؤل: أنتي وش سويتي مع عمتي؟؟ كاسرة ابتسمت: رأسها يابس.. وأنتي مع تميم؟؟ تنهدت سميرة بألم: رأسه أيبس مرتين.. ماهقيته كذا.. حينها هتفت كاسرة بجدية: شكل ذا السالفة كلها مالها طريق.. مع إني والله العظيم تمنيت بشكل.. إنه صدق عمي يتزوج أمي.. سميرة حينها ابتسمت: أفا كاسرة تستسلم بذا السرعة.. تونا يا بنت الحلال مانزلنا بثقلنا في السالفة.. كاسرة بذات الجدية: ما استسلمت.. وتو الناس على ذا الكلام.. بس تدرين من اللي خايفة إنها تنسف السالفة كاملة ؟؟... وضحى.. لأني عارفة اللي بيصير.. إذا درت.. بتسوي مناحة وتبكي.. وأمي بتخليني.. وأمي لا شافت دموعها عصبت وحلفت مايصير شيء أساسا.. سميرة بقلق: ماظنتي وضحى عقلها صغير كذا؟!! كاسرة بثقة: مهوب صُغر عقل.. لكن وضحى أصغر وحدة فينا.. الحشاشة.. وهي اللي حاسة إنها محتاجة لأمي أكثر شيء.. ولا تنسين إن وضحى حساسة واجد.. فاجئهن دخول وضحى عليهن وهي تهمس بابتسامة: سامعة اسمي.. وش تخططون علي.. ابتسمت سميرة: نبيش في سالفة!! ضحكت وضحى: جايبين لي عريس... أخيرا بأودع العنوسة ؟!! كاسرة بحزم باسم: ماعليه أنتي المرة الجاية.. الحين جايبين عريس لأمش!! وضحى اتسعت عينيها بصدمة كاسحة وهي تهمس كأنها تكلم نفسها: نعم؟؟ عريس لأمي؟؟ لأمي أنا؟؟ لأمي؟؟ من؟؟ من ؟؟ كاسرة همست بترقب وهي تخشى انفجارها القادم : عمي زايد.. ولكن وضحى صدمتها تماما أنها أجابت بثقة صادمة غامضة لا يُعرف ماخلفها وملامح وجهها تتغير لإبتسامة غريبة تكاد الاثنتان أن تقسما أن جسد وضحى كان يرتعش معها: أبركها من ساعة.. ومن اللي يرد أبو كساب.. كاسرة وسميرة تبادلتا نظرات مصدومة.. مابها؟؟ أ يعقل أن توافق هكذا بدون اعتراض؟؟ سميرة همست بما في بالها: معقولة بتوافقين كذا بدون اعتراض..؟؟ وضحى بذات الثقة الغريبة: وليش اعترض.. مافيه سبب يخليني أعترض.. وإلا يمكن توقعتوا إن وضحى الحساسة الضعيفة بتسوي مناحة وفيلم هندي.. يعني إذا أنتو شايفين مصلحة أمي.. ليش يعني أنتو تهمكم مصلحة أمي وأنا لا..؟؟ حينها ابتسمت كاسرة: خلاص سميرة.. باقي تميم.. بنخليه عليش.. وضحى وقفت وهي تضع حقيبتها على كتفها وتهمس بحزم: وحتى تميم اعتبروه موافق.. خلو تميم علي.. وقومي سميرة.. تميم ينتظرنا برا.. عشان نروح الدوام.. كاسرة وسميرة عاودتا تبادل النظر بصدمة.. بينما سميرة شعرت بحزن شفاف يغمر روحها.. أ تقدر عليه وضحى بينما هي التي من المفترض أن تكون شريكة حياته لم تستطع حتى أن تزحزحه عن رأيه؟؟ الفتاتان غادرتا.. وكاسرة كانت مستمرة في ارتشاف كوبها بهدوء.. لأنها اليوم لديها اجتماع متأخر قليلا وقبل ذلك لا شيء لديها.. حينها دخلت عليها والدتها وهي تهمس بإرهاق: العيال راحوا ؟؟ كاسرة ابتسمت: راحوا.. وش ذا النوم كله؟؟ مزنة أجابت بإرهاق: ومن اللي قال لش نايمة.. توني جاية من إبي.. صدعني مثلكم... البارحة أنتي وسميرة.. واليوم إبي.. طقيت منه قبل يحلف علي بعد.. أبي أعرف وش طراني على بال زايد عقب ذا السنين؟؟ كاسرة ابتسمت: وما الحب إلا الحبيب للأولي.. حينها نظرت مزنة لكاسرة بشكل مباشر: تدرين كاسرة ظنيتش أذكى من كذا بواجد.. أشلون تطوف عليش خطبة زايد وفي ذا الوقت بالذات..؟؟ يعني الرجّال مشغول في عرس ولده.. وولده أساسا مريض... ومع ذا كله يخطب..!!! إلا تعالي قولي لي من اللي وصل لش الخبر..؟؟ كساب صح؟؟ مثل ماهو اللي أقنع إبي؟؟ حينها شعرت كاسرة بالتماس مفاجئ.. لكن لا يمكن.. لا يمكن.. أ يعقل أن يفعل كساب كل هذا من أجلها..؟؟ لدرجة أن يزوج والدها من والدته؟؟... لا لا يستحيل.. أ يعقل أن يدور هذه الدورة المرهقة كلها من أجلها؟!! كاسرة أجابت والدتها بثقة لا تعلم أي إحساس غريب يغمرها خلفه: لا يمه.. مهوب لذا الدرجة.. يعني عشان يبي يرجعني.. يزوج إبيه من أمي.. مزنة ابتسمت وهي تنظر لكاسرة: يأمش الرجال اللي يحب يصير كنه الأسد الجريح مايقر ولا يرتاح لين يسوي اللي في رأسه.. يعني اللي تعلبش على الدرايش وسوى أشين شيء ممكن رجال فيه خير يسويه.. صعب عليه يسوي شيء مثل ذا.. حينها شعرت بألم حاد حاد حاد يجتاح روحها (الرجل الذي يحب؟؟ وحقا هل كساب رجل يجب؟؟ إذن لماذا لم تستطع هي أن تشعر بهذا الحب؟؟) أجابت كاسرة بثقة رغم أن روحها ترتعش ولا تعلم كيف تفسر.. وهي تنظر لوالدتها بشكل مباشر: حتى لو كان هذا هدفه.. فتعبه كله على الفاضي.. لأني مستحيل أرجع.. وزواجش من إبيه ماراح يغير في رأيي شيء.... وبعدين يمه أنا أعرف عمي زايد زين... عمي زايد مستحيل حد يجبره على شيء ما يبيه... يمه حرام عليش.. رديتيه مرتين.. والله صعبة تردينه ذا المرة..صعبة.. يمه صدقيني عمي رجال نادر بمعنى الكلمة.. تعامل ورجولة وإحساس.. ما أدري ليه تبين تحرمين نفسش فرصة سعادة أنتي تستحقينها.. صدقيني عمي يستاهل كثر ما أنتي تستاهلين.. إذا صرنا إحنا كلنا موافقين.. ليه انتي تعيين؟؟ مهتمة يعني برأي الناس؟؟ خليهم يحكون لين توجعهم ألسنتهم... ماحد بقادر يمد لسانه قدامش لأنش بتصيرين حرم زايد آل كساب.. مزنة همست بحزم بالغ: ومافيه داعي توجعهم ألسنتهم لأنه مابه شيء يحكون به.. وذا السالفة السخيفة ما أبي أسمعها مرة ثانية.. انتهينا.. وقبل ما تروحين مري جدش وسمحي خاطره.. أدري إنه زعلان علي واجد.. حينها أجابت كاسرة بعتب عميق: أنا مازعلته عشان أسمح خاطره.. اللي هان عليها زعله خلها هي تسمح خاطره.. كله ولا جابر يا مزنة... كله ولا جابر.. مزنة بإرهاق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. عيب عليكم.. تبون تتحكمون في حياتي عقب ذا السنين.. روحي لجدش مهوب عشاني.. عشانه... **************************************** " صباح الخير غانم..." غانم بمودة: هلا والله بأبو زايد.. أشلون علي؟؟ كساب هتف بذات المودة: علي طيب وبخير...إلا أنت وش رأيك تمرني في مكتبي تتقهوى عندي.. أبيك في سالفة؟ غانم شد نفسا عميقا وهتف بحزم: كساب تراني فهمتها بنفسي.. ما تبوني؟؟ مافيه داعي تحس بالحرج كذا.. حن خوان والعرس قسمة ونصيب.. كساب ضحك بفخامة: أفا الأخ شكله ما يبينا.. وانا اللي كنت أبي أقول لك تعال أنت الوالد عشان تقابلون الوالد الليلة في مجلسه عقب المغرب.. خلاص براحتك.. غانم كح وهو يهتف باستعجال: إلا أنت تعال.. شكلك ما صدقت.. نشفتوا ريقي وعقبه تقول خلاص براحتك.. ثم أردف بجدية: أكيد كساب أختكم موافقة عليّ؟؟ كساب بابتسامة: لولا الفحص الطبي وإن إبي مابعد درا وإلا كان قلنا جيب المملك معك مرة واحدة.. أفا عليك يا أبو راشد نسبك يشترى.. وحتى لو ما الله كتب نصيب هذا ما ينقص من غلاك شيء!! ************************************** " ها خالتي.. وش أخبار جميلة ؟؟" عفراء بتأثر: هذا احنا دقايق ونوصل وتشوفينها بروحش.. مزون حبيبتي.. حاولي تطلعينها شوي.. مايصير صاكة على روحها كذا.. مزون بمودة: أبشري.. ثم همست بتردد: خالتي تذكرين إني قلت لش إن كساب رجع يكلمني في موضوع ولد آل ليث؟؟ ابتسمت عفراء بحنان: قلتي لي.. ما قررتي ترسينه على بر المسكين..؟؟ مزون بخجل عميق: خلاص وافقت.. وحتى إبي سألني وقلت له موافقة.. عفراء احتضنت كتفيها بحنان غامر: مبروك يأمش مبروك.. عين العقل.. همست مزون بتردد: بس متخوفة خالتي ما أدري أشلون.. مع إني صليت استخارة وش كثر.. ونفسي منشرحة له.. بس فيه شيء في داخلي مخوفني.. ما أدري أشلون أوصف لش.. عفراء بحنان: هذي وساوس شيطان تعوذي منها.. حينها ابتسمت مزون : وفيه بعد مشروع زواج ثاني.. عفراء بابتسامة: من بعد؟؟ ماعاد باقي إلا زايد.. مزون بابتسامة: وهو زايد.. عفراء ضحكت: وأخيرا قرر أبو كساب يفك قيد العزوبية.. ومن هي سعيدة الحظ؟؟ مزون بابتسامة: خالتي مزنة أم امهاب.. لا تعلم عفراء حينها لما شعرت بنغزة حادة في قلبها.. جارته القديمة؟؟ لماذا هي بالذات؟؟ لا تحاول أن تربط.. أو تخترع حكايات من عندها.. لكن شيء في داخلها يعتصر روحها اعتصارا.. وهي تتذكر حزن وسمية وغيرتها من شبح حبيبة مجهولة لم يستطع زايد أن ينساه.. وهو ينادي اسمها كل ليلة.. الاسم الذي رفضت وسمية إخبارها به... همست عفراء حينها بارتعاش مختنق: غريبة أبيش يعرس في ذا الوقت.. ومزنة بالتحديد؟؟ مزون ضحكت: مهوب إبي.. هذي مخططات كساب واقتراحه.. تقولين لو ماصار ذا العرس بيموت.. حينها شعرت عفراء بانفراج في روحها.. وكأنها تتنفس الهواء على الرمق الأخير.. إذن هي اختيار كساب وليست اختيار زايد !! ابتسمت حينها باتساع: والله منت بهين ياولد أختي.. هذا كله عشان ترجع ست الحسن؟!! مزون باستغراب: وكاسرة وش دخلها؟؟ عفراء ضحكت: صدق إنش بريئة.. ما سمعتي بالمثل اللي يقول (الذيب مايهرول عبث) هذا أخيش كساب.. أنا بروحي عجزت أكلم كاسرة واقنع فيها وهي مافي أذنها ماي.. بس الحين لو مارجعت وهذا كله تخطيط من كساب.. قولي خالتي ماقالت.. ولدي ذا.. وأنا عارفته زين !! ************************************ " وين راح إبي ذا كله.. صلينا العشا وهو ماجاء " صالح يلتفت لفهد ويهتف بابتسامة: إبيك بيتعشى عند زايد آل كساب.. رايحين يخطبون لولد عمك.. راحوا عقب المغرب فحلف عليهم زايد يقعدون للعشاء.. حينها قطب فهد جبينه: ووافقوا عليهم؟؟ صالح بذات الابتسامة: إبي يقول الظاهر الناس عندهم خبر.. وقدهم موافقين لأنهم اتفقوا على الملكة عقب ما يخلصون الفحص الطبي.. يعني يومين ثلاثة.. حينها ضحك فهد: والله مهوب هين غنوم أبو سنون.. تدري إني خطبت عندهم من زمان.. بس ما وافقوا علي.. صالح باستغراب: وش ذا الخطبة اللي مادريت بها؟؟ فهد ببساطة: ماكانت خطبة.. كلمت العقيد يجس نبضهم.. وما وافقوا.. ثم أردف ضاحكا: الظاهر لازم تكون عيوني عسلية عشان يوافقون.. لو دريت لبست عدسات.. ضحك صالح: خلك من الخريط.. يا أخي من اللي بايعة روحها تاخذك.. لكن غنوم حبوب وجنتل.. فهد بذات الابتسامة: إييييييه... كن نسيب ولا تكون ابن عمك.. ولا حتى أخ.. طبعا نسيبك حبوب وجنتل وأنا الكخة.. صالح بمرح: كختين وكوبة بعد.. فهد بابتسامة خبيثة: ليه يعني أنا بأخذ رأي في شخصيتي من واحد يقوم ويقعد وهو يهذري ببنته اللي مابعد جات... ويمكن ماتجي.. يا الله ياكريم طالبك بولد على صويلح.. ومايشوف البنت إلا عقب ست عيال.. صالح بابتسامة: اللي يجي من الله حياه الله.. وإذا ماخليتك أنت وعيالك تحفون ورا بناتي وحن نشوتكم قل صالح ماقال.. بناخذ عيال عبدالله بس.. فهد يبتسم: إيه تبي عيال عبدالله المزايين لبناتك القرود اللي يشبهونك.. الحمدلله إنك فكيت عيالي من شرهم.. حينها قطب صالح جبينه بجدية: زين خلنا من الهياط.. أنت تراك نشفت ريق أمي وإبي.. شكل هزيع بيعرس وأنت مابعد عرست.. يأخي ماتبي تعرس وتجيب عيال.. تراني في عمرك قد عندي خالد و وأم خالد حامل بعزوز.. ومرتي أصلا ماحملت إلا عقب عرسنا ب3 سنين.. فهد ببساطة واثقة: أنت عرست وأنت بزر.. وش دخلي فيك..؟؟ صالح بجدية: بزر؟؟ لا والله كنت قدني متخرج وأشتغل لي سنتين.. لكن بعض الناس الظاهر يبي يعلق التاج قبل عرسه.. كنت تقول أبي النجمة الثالثة وخذتها.. تراها مسخت.. فهد بذات البساطة الواثقة: موضوع عرسي شيء يخصني بروحي.. وإذا بغيت أعرس قلت لكم.. ليه سويتوها أزمة الشرق الأوسط..؟؟ ************************************* " يأختي والله وضحى غريبة وعمري ماحسيتها غريبة مثل ذا الأيام؟؟" كاسرة ابتسمت: يعني عشان قدرت على رجالش وأنتي ماقدرتي عليه.. سميرة باستغراب: والله العظيم شيء مهوب طبيعي.. تخيلي دخلت عليه نص ساعة بس.. قبل مايروح دوامه العصر.. وعقب طلع وهو معصب تقولين راكبته شياطين الدنيا.. وهي طلعت نفسها طاير مع إنها مسوية روحها هادية.. وتقول تميم خلاص موافق.. أشلون تجي ذي؟؟ وش اللي خلاه يوافق وهو ماكان في أذنه ماي...؟؟ كاسرة بقلق: أنتي متأكدة إن هذا اللي صار؟؟ يعني ماقالت لي شيء؟؟ قالت لي تميم موافق.. فقلت لها بس أمي مهيب موافقة وخلاص دامها مهيب موافقة.. موافقتنا كلها مالها قيمة.. فهي أصرت تكلم أمي نفسها وقالت أنا بأقنعها.. والحين هي مع أمي داخل.. أما لو أقنعت أمي.. فوضحى صدق ساحرة.. كانت الاثنتان تتحاوران في الصالة العلوية لتلتفتا على صوت باب غرفة مزنة يُفتح.. ووضحى تخرج بسكون ودون أن توجه لهما أي كلمة وهي تتجه لغرفتها ويبدو على خدها المحمر.. أثر صفعة حادة..!!! حين رأتها الاثنتان قفزتا بجزع.. لتتفاجآ كلاهما بمزنة تخرج وتقف أمام باب غرفتها كجبل شامخ صامتة لثوان ثم تهمس لكاسرة بحزم قاس مرعب: اللي بلغش بالخطبة.. بلغيه موافقتي... ثم عادت وأغلقت باب غرفتها عليها!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .بين الأمس واليوم/ الجزء السبعون حينها انقلبت ابتسامة عفراء لإنكسار مرعب وهي تشهق: نعم؟؟ خطبها قبل وسمية مرتين؟؟ منصور استدار بكامل جسده لها وهو يهتف بقلق: عفرا اشفيش؟؟ بسم الله عليش.. عفراء أشارت له وهي لاتكاد تبصر ما أمامها من شدة الفاجعة واسما (مزنة – مزون) يضيء في داخلها كقنبلة مدوية بربط موجع لأبعد حد بين الاسمين: مافيه شيء.. مافيه شيء... " يا الله أتكون مزنة هي من جلبت كل هذا الحزن لوسمية..؟؟ ويا الله ما أظلمك زايد كيف جرؤت أن تسمي ابنتها على اسم حبيبتك..؟؟ كيف جرؤت أن تظلم قلب وسمية الطاهر هكذا؟؟ كيف طاوعك قلبك أن تقهر وسمية هكذا؟؟ ويا الله ما أصبرك ياوسمية!! كيف صبرتِ كل هذا؟؟ كيف صبرتِ؟؟ كيف سمحتِ له أن يذلكِ حبه لدرجة أن توافقي على أن يسمي ابنتك باسمها؟؟ يا ربي..يا الله ماكل هذا الوجع!! ماكل هذا الوجع!! أشعر أن قلبي سيقع من مكانه لشدة الوجع وسمية لم تكن أختي فقط.. وسمية كانت أختي وأمي ورفيقة روحي!! . . . ولكن إن كانت وسمية أختا وأما.. فهل أكون ناكرة للجميل وأنكر أن زايدا كان لي أخا وأبا وسندا؟؟ وسمية ذاتها كانت تقسم أنه ماضايقها بشيء هو يقصده عدا هذا الاسم الذي كان يهذي به ونائم لا يقصد إيذائها به.. وكان يستطيع أن يسمي ابنته باسمها دون تحريف لأنه يظن أن لا أحد يعلم.. هو لم يقصد مطلقا جرحها.. لم يقصد جرحها يارب!! فهل أتقصد الآن جرحه؟؟ ماذا سأستفيد من ذلك؟؟ هل سيعيد ذلك وسمية من قبرها؟؟ وسمية أحلم بها في نومي على الدوام أنها سعيدة وعلى خير حال؟؟ فهل سترضى وسمية عليّ لو جرحت أولادها وأبوهم وقلبت حياتهم رأسا على عقب؟؟ مزنة ذاتها التي أشعر الآن بالحقد عليها ماذنبها؟؟ هل هي من طلبت من زايد أن يهذي باسمها في نومه؟؟ يا الله ألهمني الصواب لأقوم به!! ألهمني الصواب.. وسمية رحلت.. فماذا سيستفيد الأحياء من تقليب دفاتر موجعة؟؟ أنتقم لها وأنا كاني أنتقم من زوجها الذي أكرمها وأنتقم من فلذات أكبادها؟؟ يا الله ألهمني الصواب.. ألهمني الصواب!!" منصور يهز كتفها بقلق: عفرا اشفيش.. كلميني.. اشفيش.. عفراء وعت من غيبوبتها.. لتستدير وتدفن وجهها كاملا في عرض صدر منصور وهي تحتضن خصره وتبكي ببكاء خافت أشبه بالأنين. منصور كاد يجن وهو يحتضنها بكل قوته ويهمس في أذنها بقلق مرير: حبيبتي وش فيش؟؟ تكفين لا تحرقين قلبي كذا؟؟ عفراء همست بصوت مختنق: مافيني شيء.. بس تذكرت وسمية الله يرحمها.. حينها شدد منصور احتضانه لعفراء وهو يطبع قبلات حانية على شعرها ويهمس بحنان: السموحة يام زايد.. وش نقزني أجيب طاري أم كساب.. جعل مثواها الجنة؟؟ عفراء دفنت وجهها في صدره أكثر وهي مستمرة في نحيبها الشفاف.. دون أن ينتبها كلاهما أن هناك من أطلت عليهما ثم عادت ركضا للأعلى ووجهها يشتعل احمرارا.. " يافشلتي فشلتاه.. وش نزلني؟؟ وش نزلني أنا ولقافتي..؟؟ يمه.. يمه.. الحين ممكن يصير في يوم من الأيام أنا أسوي كذا؟؟ لا لا مستحيل.. يمه.. يمه " *************************************** " هلا يمه.. تقول سميرة إنش تبيني؟؟" كانت هذه إشارة تميم لوالدته بعد أن أغلق الباب.. أشارت مزنة بشجن: يعني ماتمرني إلا لأن مرتك قالت لك.. تميم بجزع: لا والله يمه.. ثم صمت بألم.. مزنة أشارت للمكان الخالي جوارها.. تميم جاء وجلس جوارها ليضع رأسها على فخذها ومزنة تمسح على شعره بحنو ثم تميل لتقبل جبينه.. قبل هو فخذها حيث كان يسند رأسه ثم نهض وقبل كفها.. قبل أن تشد مزنة كفها لتشير له بحنان: يا أمك مهوب خافيني إنك متضايق.. ووالله العالم لولا إن وضحى حدتني إني ماكان أوافق.. أنت يامك تكفيني عن كل رياجيل العالم.. ابتسم تميم بشجن: داري فديتش.. طالبش أنتي ماتضايقين روحش.. مهما كان يمه.. هذا زايد آل كساب.. نسبه شرف.. وفعايله ماحد يسويها ولا أحد يقدر يوقف مواقفه.. مزنة ربتت على خده ثم أشارت بحنان: خير يمه.. أنا بس بغيت أشوفك أنت.. ما أبغي شيء يحز بخاطرك طالبتك.. تميم غادرها وأغلق الباب خلفه.. لتتمدد مزنة على سريرها.. لأول مرة تفعل شيئا هي غير مقتنعة به.. فعلا لا رغبة لها بالزواج وقيوده بعد أن مضى أكثر من 15 عاما على رحيل زوجها الثاني.. قد يكون زايد آل كساب خيارا مغريا لأي أحد حتى لشابة أصغر منها بكثير.. ولكن هي لا تريد أن تتزوج لا من زايد ولا من غيره.. لا تتخيل نفسها زوجة مرة آخرى.. ربما لأن الزواج ارتبط في ذهنها بحياة باردة خالية من اشتعال المشاعر.. فزوجها الأول تزوجته صغيرة جدا.. وتوفي قبل أن تتعرف عليه حتى.. بعد زواجهما بخسمة أشهر.. وزوجها الثاني كان رجلا ودودا جدا لا يخالفها في كلمة ويرضى بأدنى شيء قد تقدمه له.. جمع بينهما المودة والأولاد والاحترام.. ولا شيء آخر.. لم يصل أحدا منهما إلى عمق روحها المحضورة.. تأقلمت على حياتها كأم وابنة.. أما الزوجة والأنثى فهي كانت مغيبة من أفكارها.. حتى في اهتمامها البالغ بنفسها.. كانت تفعله لنفسها..وإرضاء لنفسها.. فإذا كان الله قد منحها كل هذا الجمال.. ألا تشكر الله بحفاظها على هذه النعمة؟!! حينما كانوا يقولون لها: خاطرنا نشوف لو هذا اهتمامش بنفسش وأنتي ماعندش رجّال.. لو عندش رجّال.. وش بتسوين؟؟ كانت ترد باسمة: بيكون نفس الشيء.. يعني الوحدة إذا ماكان عندها رجّال لازم تدفن نفسها.. الحياة ماتوقف عشان رجّال غير موجود.. وهاهو الرجل أصبح موجودا..!! تجربتها الآن في الحياة أعمق بكثير.. ولا تجهل كيف تتعامل مع رجل وبأفضل طريقة.. ولكنها لا رغبة لها بذلك.. لا رغبة لها بذلك..!! كما لو كانت طباخة ماهرة جدا ولكنها قررت اعتزال الطبخ.. ثم يأتون لها لكي يجبروها للعودة للطبخ رغم أنها ماعادت راغبة في الطبخ.. ولكنها مجبرة أن تفعل ذلك.. وتعلم أنها ستنجح لأن براعة الطبخ مغروسة في روحها.. رغم سذاجة هذا المثال ولكنه حقيقة.. فمزنة بأنوثتها الطاغية وتفكيرها الذكي هي طباخة ماهرة.. وحتى لو لم ترغب بإعادة استخدام هذه الأنوثة والذكاء كزوجة.. فهذا شيء مغروس في روحها ولابد أن يتدفق تلقائيا حين تضطر لاستخدامها.. فكيف ستوظفه فعلا الآن كزوجة لزايد؟! ************************************ " ها تميم أمك وش تبي فيك؟؟" كانت هذه إشارة سميرة لتميم الذي دخل والإرهاق باد ملامحه ليلقي غترته على المقعد ويشير لها قبل أن يجلس: أبد.. تبي تتأكد إن خاطري مافيه شيء.. سميرة حينها أشارت له بتساؤل مقصود: وأنت خاطرك فيه شيء؟؟؟ تميم بشجن عميق: تكفين سميرة لا تسأليني عن أي شيء؟؟ سميرة ابتسمت: ولا حتى وش قالت لك وضحى وأقنعك.. بأموت من الفضول أبي أدري.. حينها ابتسم بإرهاق: هذي عاد مستحيل أقول لش.. خلش بفضولش.. سميرة حينها جلست جواره لتسند رأسها لكتفه وتحتضن خصره.. استغربت بألم شاسع أن تميما أبعدها عنه.. نظرت له باستغراب مصدوم.. بينما أشار لها بشجن: سميرة ألف مرة صرت قايل لش لا تسوين شيء ماتقدرين تكلمينه.. أنتي بطريقتش هذي تعذبيني.. أنا تعبت وأنا كل ماحاولت أقرب منش.. تجفلين مني.. لا تعطيني نص الإحساس ولا نص اللمسة.. لأنه أنتي كذا ما ترضيني وأنتي محسستني إنه لي حدود لازم ألتزمها.. دامش حاطة حدود بيننا.. خلي الحدود كلها.. لأني مستحيل أرضى أوقف على نص الحدود.. خلينا ربع ونسولف مع بعض من بعيد لبعيد.. وإذا قررتي تشيلين الحدود كلها أنا أنتظرش.. بس ترا صبري صار أقل مما توقعين... ***************************************** " غانم يأمك وش فيك مستعجل؟؟ كمل قلاصك!!" غانم يضع كوبه أرضا ويهتف باستعجال: اليوم عندي آخر فحص طبي.. بأخلصه وأطلع المطار عندي رحلة.. تنهدت أم غانم ثم هتفت بأمومة: صحيح نسب آل كساب يشرف.. ومن يقدر يطوله ؟؟.. بس أنا بغيت لك وحدة أزين.. ابتسم غانم وهو يقف ويقبل رأس والدته: يمه ترا الزين مهوب كل شيء في الدنيا.. الحين أنا بأعاشر أخلاقها وإلا بأعاشر زينها..؟؟ لو كانت أخلاقها مهيب زينة.. بأشوف زينها أشين شيء في عيني.. ومزون يمه أنا أعرف أخلاقها زين.. وسالفة الزين كلها ماتهمني.. فريحي بالش.. أنا شايفها من الحين أزين وحدة بأخلاقها.. ابتسمت أم غانم: الله يزينك في عينها مثل ماهي زينة كذا في عينك.. والله يوفقك يامك وينولك كل اللي في بالك *********************************** بعد عدة أيام ..يوم الخميس.. . . . " يقولون بعد شوي ملكة أبو عيون عسلية!!" عالية تعدل المخدة تحت رأسها وهي تتمدد بعد صلاة العصر وترد على تهكم عبدالرحمن بتهكم مشابه: يا الحقود.. يا اللي ماتنسى.. يا اللي قلبك أسود.. ترا أبو عيون عسلية له اسم يهبل.. وولد عمي.. وما ارضى إنك تسميه كذا.. اسمه غانم لو سمحت... عبدالرحمن بابتسامة مغلفة بالغيظ: ياسلام.. واسمه يهبل بعد.. وعيونه عسلية ياحظ بنت زايد فيه.. على حد علمي.. ترا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير الاسماء ماحمُِد وعُبد.. حينها همست عالية بانتصار: ويقولون لك يادكتور الجامعة المحترم إن هذا حديث لا أساس له من الصحة وما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم... فروح لقط وجهك !! عبدالرحمن ضحك: خطيرة يا بنت... ملعوبة.. حكرتيني في الزاوية.. عالية تضحك: دوم مهوب يوم يارب.. وانت دايم اللي حاكرني وحايسني.. حينها هتف عبدالرحمن بنبرة مقصودة: زين دامش استانستي فأكيد ماتقدرين تنكرين صحة الحديث اللي يقول: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن) يعني اسمي بالتحديد.. ماقال غانم.. عالية تبتسم: ماخليتيني أستانس بنصري شوي يا الدب.. وانسى غانم.. الولد بتنفقع عيونه منك يا المفشوح.. مايسوى عليه ذا العيون العسلية طلعتها من كبده.. عبدالرحمن ضحك: لو عيني حارة كان قصيت لسانش شوي يا القردة.. عالية بغضب: لا تقول قردة.. عبدالرحمن مازال يضحك: وأنتي لا تقولين دب.. عالية بغيظ: بس أنت دب.. عبدالرحمن ببساطة باسمة: وأنتي قردة !! عالية أغلقت الهاتف في وجهه.. ليس لأنها غضبت منه.. ولكن لأنها تريد أن تنام قليلا.. وهو يستحيل أن ينهي الاتصال من نفسه.. كانت تبتسم وهي تغلق عينيها.. لا تعلم كيف ملأ حياتها بطريقة سحرية هكذا وفي غضون أيام.. لو تأخر عن الاتصال بها أكثر من ساعتين.. ستتصل هي به.. لأنها لا تستطيع الصبر أكثر عن سماع صوته.. يبدو أن هذا العبد للرحمن سيكون إدمانا لذيذا بكل حالاته... يتكلمان في كل شيء من أعمق الأشياء لأسخفها.. من أعسر المشاكل والقضايا لأتفهها.. المهم أن يتكلما.. بدأ كل منهما يعرف عن الآخر أدق تفاصيل حياته وأسراره وبطريقة شفافة لا تكلف فيها وهما يتبادلان روح مرح عميقة بينهما.. مطلقا لا يبدوان زوجان تقليديان بل هما لصديقان أقرب بكثير.. كانت على وشك أن تغفو حين أيقظها رنة رسالة: " ولا تزعلين يا قلبي.. مايهون علي زعلش!! بأرسل لش رضاوة.. . . بعد شوي بتلاقين عند باب بيتكم كرتونين موز يا الــــقــــــردة !! " ************************************ " أنتي الحين ليش متوترة كذا!! ترا مافيه شيء يوتر" كانت جميلة تحاول تهدئة توتر مزون وهي تردف بمرح: صحيح تجربتي الوحيدة وأنا في المستشفى على سريري ويا الله أشوف لحية الشيخ وهو يسألني.. بس ترا السالفة ماتفرق واجد.. بيجيش الشيخ ويسألش.. وهزي رأسش مثل البقرة وخلاص... مزون تدعك طرف عباءتها التي لبستها حين أخبرها والدها أن تستعد لأن الشيخ سيأتيها بعد قليل ليسألها تهتف بتوتر: تدرين إنش متفرغة.. جميلة ضحكت: عاد أنتي وحدة المفروض مافيه شيء يوترش.. كل شيء مار على رأسش.. الطيران ومشاكله.. وكساب ومشاكله... كساب بروحه يكفي... يعني توترش الحين يشبه مثلا توتر الفترة اللي اختفى فيها كساب في أمريكا..؟؟ مزون بابتسامة: لا.. وش جاب لجاب.. الله لا يعيدها تيك الأيام.. بغيت أستخف.. خمس شهور ماندري عنه.. مع إنه قال لأبي عقب ماخلص الماجستير إنه بيطلع رحلة تخييم للجبال يمكن تطول شهور.. ويمكن مايقدر يتصل.. بس حتى إبي مع إنه كان يبين إنه كل شيء طبيعي بس بغى يستخف..لأنه هقى شهر شهرين مهوب خمسة.. حتى السفارة هناك اتصل بها.. وقالوا له جواز سفره موجود وماراح مكان ودوروا له في المستشفيات والسجون مالقوه.. جميلة مازالت تحاول إلهاء مزون عن التفكير بالملكة بحكايات اخرى: زين عقب ما انصلح الحال بينش وبينه ما سألتيه وين كان..؟؟ ابتسمت مزون: سألته.. قال لي رحلة تخييم فوق الجبال ومافيه إرسال ولا تلفونات.. ما أن أنهت مزون جملتها حتى سمعت صوت كساب يأتيها عبر باب مجلس النساء الموارب: مزون تعالي هنا... الشيخ هنا.. مزون بدأت ترتعش بعنف.. بينما جميلة شدت على كتفيها وهي تهمس لها بحنان: يا الله قومي.. مزون همست باختناق حقيقي: أبي خالتي.. أبي خالتي.. ليه ماجات..؟؟ جميلة برقة: والله العظيم امي تعبانة واجد.. وصار لها كم يوم تعبانة.. أنتي بروحش شفتيها.. مزون وقفت لتبلس نقابها.. وهي تشعر أن قدميها تكادان تذوبان من التوتر والارتباك.. بينما جميلة تدفعها حتى أوصلتها للباب.. حين دخلت تلقاها كساب بحنان وهو يرى ارتعاشها ليسندها.. سألها الشيخ بنبرته الهادئة: موافقة يا بنتي على غانم بن راشد آل ليث زوجا لكِ؟؟ مزون هزت رأسها إيجابا وهي تستند بثقلها على كساب الذي كان قلبه يذوب حنانا لها وهو يرى حالتها.. الشيخ سألها مرة أخرى: هل لكي شروط يا بنيتي؟؟ فهزت رأسها رفضا.. فقال لها الشيخ: زين يا بنتي وقعي هنا.. مزون تناولت القلم بأنامل مرتعشة ووقعت.. حينها هتف الشيخ بحزم: خلاص أنا بأرجع للمجلس.. قالها وهو يفتح باب مجلس الحريم المفتوح على الخارج ويخرج فعلا حاملا دفتره.. لتدفن مزون وجهها في صدر كساب وهي تبكي بخفوت.. كساب احتضنها بحنو وهو يهمس بابتسامة: هذي دموع الفرح يعني؟؟ مزون بخجل بالغ: كساب حرام عليك.. اللي فيني مكفيني.. كساب قبل رأسها هتف بحنان عميق: ألف مبروك.. غانم نعم الرجال.. وإن شاء الله إنش ما تندمين.. ويا الله خلني أكلم علي يبي يكلمش.. أمني أدق عليه أول ماتوقعين عشان يبارك لش دايركت.. ************************************** تحتضن صغيرها بين يديها ودموعها تنهمر بغزارة.. أ يعقل أن يكون الآن عقد قران ابنتها وهي غير حاضرة فيه..؟؟ أ يعقل أن اليوم الذي حلمت به طويلا يحضر دون أن تكون أحد المشاركين فيه؟؟ ولكنها بالفعل مرهقة ومجروحة لأبعد أبعد حد.. ولا ترغب مطلقا بدخول بيت زايد.. وتقليب أوجاعها المستعرة.. تعلم أن لا ذنب لأحد فيما حدث لكنها لا تستطيع منع نفسها من الإحساس بكل هذا الألم الغريب العميق.. حاولت جاهدة وبكل قوتها أن تتشجع للذهاب.. ولكن قدميها أبتا التحرك.. لذا طلبت من جميلة أن تذهب هي لوحدها مع عمها منصور.. وبعد خروجهما تمنت لو تتصل بمنصور وتقول له عد وخذني حتى لو حملتني إلى السيارة حملا.. ولكنها خافت من ردة فعلها هي.. خشيت أن تتصرف تصرفا يفسد على صغيرتها فرحتها.. قد تكون اعتادت على الكتمان وعلى كتم أوجاعها من أجل الآخرين ولكنها تريد لها وقتا حتى تتأقلم مع الفكرة الموجعة لها تماما !! لا تعلم متى تتأقلم؟؟ ولكن حتى ذلك الحين يجب أن تبتعد عما قد يثيرها أو يثير ألمها.. لأن هذا الألم مختلف.. مختلف.. واحتماله صعب!! ********************************* " يمه.. يمه.. خل الخدامات يدخلون الأغراض اللي برا!!" هزاع جلس بجوار عالية التي كانت تصب القهوة لوالدتها.. بينما أم صالح تهمس بتساؤل: ليه وش أنت جايب يأمك؟؟ هزاع يضحك: أنا أجيب شيء؟؟ حاشا وكلا.. هزلت.. أنا أكل بس.. أم صالح باستغراب: مهوب أنت تقول خل الخدامات يدخلون الأغراض اللي برا.. هزاع مازال يضحك: تخيلي يمه ما أدري من اللي استخف وجايب لنا خمس كراتين موز.. والغريب إن إبي وأخواني كلهم في ملكة غانم.. من اللي جابهم زين؟؟ إلا لو كانت من بيت فاضل بن عبدالرحمن... توني شفت سواق البيت طالع من حوشنا وأنا داخل؟؟ عالية شعرت بالصداع والممزوج بغيظ عميق (استخف.. والله العظيم استخف!!) أم صالح باستغراب: 5 كراتين مرة واحدة.. يأمك يمكن قصدك كرتون تفاح وبرتقال وموز.. كذا يعني.. هزاع بابتسامة شاسعة: أقول لش يمه خمس كراتين موز.. ليه ما أعرف الموز أنا؟؟.. تصدقين يمه.. الظاهر يحسبون عندنا مزرعة قرود.. عالية حينها لكزت هزاع بقوة في جنبه لشدة شعورها بالغيظ من عبدالرحمن الذي أكمله عليها هزاع وهو يذكر القرود.. هزاع هتف بغضب وهو يضرب مؤخرة رأسها: وش فيش يا الخبلة علي ؟؟ليه تضربيني؟؟.. عالية بغضب: ما أقصد يا الخبل.. من غير قصد.. كم مرة قايلة لك لا تمد يدك علي.. ماتعرف تحترم الكبير أنت.. هزاع يبتسم : وأنا كم مرة قايل لش اعطفي على الصغير... الله يعين عبدالرحمن عليش.. الأنوثة ملغية من قاموسش.. حينها لكزته بكوعها بقوة أكبر في جنبه.. حينها أمسك بذراعها وعصرها خلفها وهتف بغيظ باسم: الحين تخسين تقولين إنش ماتقصدين.. إلا تقصدين وتقصدين.. عالية تصرخ بألم: يمه تكفين.. فكيني من ولدش الخريش.. بيكسر يدي.. أم صالح بابتسامة حانية: وحد قال لش تحارشين الخريش.. رجّال أطول منش واعرض ما تستحين تمدين يدش عليه..؟؟ خلش دواش.. جعله الزين فيش!! وقومي كلمي السواق.. خله يعطي كل بيت من بيوت جيراننا كرتون.. قدام تخرب عندنا.. ************************************* دخلت على استحياء وهي تسحب قدميها الثقيليتين سحبا لداخل غرفة والدتها.. مزنة فتحت عينيها حين سمعت صوت الباب يُفتح ثم عادت وأغلقتها حين رأت من دخل.. وضحى اقتربت من السرير حيث تتمدد مزنة.. جلست جوارها على الأرض.. وهي تستند على طرف السرير بكوعيها وتهمس لوالدتها من قرب بوجع عميق: يمه تكفين.. ماكفاش الأيام اللي فاتت وأنتي تعذبيني وهاجرتني حتى من الكلام.. الحين بكرة بتروحين.. تبين تروحين وأنا وأنتي كذا!! حينها فتحت مزنة عينيها وهمست بألم مغلف بالحزن: مهوب أنتي اللي تبيني أروح.. وش فرقت عندش الحين؟؟ وضحى تناولت كف والدتها وأغرقتها بدموعها ونشيجها المفاجئ وهي تهمس بين شهقاتها: يمه تكفين لا تحاسبيني على شيء راح وخلاص ماعاد له قيمة.. مزنة بألم: لو ماله قيمة ماكان قدرتي تستخدمينه ضدي وضد تميم.. ماهقيت ذا منش يأمش.. أنتي بالذات من بد خلق الله.. وضحى وقفت على ركبتيها وهي تميل على والدتها لتقبل جبينها وتهمس بين شهقاتها المتزايدة: يمه تكفين.. تكفين.. لا تروحين وأنتي زعلانة علي.. طالبتش.. مزنة اعتدلت جالسة وهي تسند ظهرها للسرير وتخلي مكانا جوارها وهي تشير لوضحى أن تندس جوارها.. وضحى ماكادت تصدق وهي تقفز بجوار والدتها وتحتضن خصرها وتسند رأسها لكتفها وهي تنخرط في بكاء مثقل بالوجع.. مزنة ربتت على وضحى وهي تحتضنها بحنو: بس يأمش.. بس.. ما أقدر أزعل عليش.. بس أنا مستوجعة منش واجد.. أول شيء دسيتي علي سالفة ما تندس.. وعقبه ماتعلميني إلا عشان تستخدمين السالفة ضدي.. وحتى لو قلتي إنه ماعاد لذا السالفة قيمة.. هذا أنتي عرفتي أشلون تستخدمينها؟؟ وضحى رفعت رأسها قليلا وهي تبتسم بسعادة لأن والدتها غير غاضبة منها.. وهكذا هو قلب الأم لا يعرف إلا التسامح مهما أساء الأولاد.. همست وضحى بإبتسامة مبللة بدموعها وهي تدخل كفها في شلال شعر والدتها الكستنائي المتناثر بفخامة استثنائية على قميصها القطني: يمه.. قلت حرام ذا الزين كله يروح ماشافه حد.. وما حد يستاهله كثر أبو كساب.. مزنة همست حينها بحزم: إذا على قولتش الله رزقني زين.. فهو رزقني إياه لنفسي مهوب عشان رجّال.. لكن زايد غدا أهم عندش من أمش !! ثم أردفت بشجن: خاطري أدري لو ذا الخطبة صارت على وقت امهاب الله يرحمه.. كان تجرأتي تسوين فيه اللي سويتيه فيني وفي تميم!! حينها همست وضحى بألم عميق ألم اشتياق وشجن وبعاد: مستحيل.. كان امهاب بيذبحني.. بس يمه ماعاد به شي عقب امهاب على حاله.. كل شيء تغير.. كل شيء تغير!! ************************************* " يبه لا تقول إنك بتمسي عندي الليلة عشان كساب أمسى البارحة لأنك أنت اللي ممسي عندي البارحة روح جعلني فداك للبيت.. وراك بكرة يوم مشهود!! " زايد ابتسم: لا... أكون بأروح أحارب يأبيك.. الليلة أبي أقعد أسولف معك.. علي ابتسم مودة غامرة: زين يبه أنا بكرة أبي أطلع وأحضر ملكتك.. وأمسي في البيت وأرجع المستشفى الصبح.. زايد ابتسم: أبشر.. بس وش معنى تبي تمسي في البيت؟؟ ما تبي ترجع في الليل يعني؟؟ علي بابتسامة: اول شيء شوفة عينك أنا أحسن بواجد.. وزهقت من قعدة المستشفى.. أبي أطلع أغير جو.. ثم أردف بمصارحة شفافة مثقلة بالعذوبة: وثاني شيء أبي أكون قريب منك تيك الليلة.. ولا تسألني ليه؟؟ لأني ما ادري وش السبب.. يمكن لأنها بتكون ليلة تاريخية صدق.. أبي أكون قريب منك.. ما تتخيل يبه وش كثر أنا مستانس عشانك.. لأني حاس فيك زين.. زايد حينها هتف بشجن يخفي خلفه قلقا كبيرا: يبه إحساسك غير إحساسي.. إحساسك بريء وتوه طازج.. لكن أنا يا أبيك مليان تعقيدات بعمر 30 سنة.. يا أبيك ماهقيت ولا حتى واحد في الميه إنه أنا ممكن أخذ مزنة في يوم من الأيام.. يا أبيك مزنة مثل حلم مستحيل ماتوقعت إنه ممكن يتحقق يوم.. لأن الأحلام المستحيلة ما تتحقق.. فأشلون تحقق الحين لحد الحين ما أدري!! علي ابتسم حينها بخبث: يبه دامك تعلمني بكل شيء.. ممكن أطمع إنك بتعلمني بإحساسك بكرة لا شفتها قدام عيونك..؟؟ زايد رد عليه حينها بابتسامة مقصودة: لا عاد يا أبيك كذا مسختها.. مهوب كل شيء ينقال.. ************************************* " يبه لا تحاتي شيء فديتك.. تراني كل يوم عندك صبح وليل.. مافيه شيء بيتغير عليك" جابر يبتسم بمودة: داري يأبيش داري.. لا تحاتيني.. هذا بناتي الكحيلات عندي ومافيني إلا العافية.. مزنة بحزم: جعل ربي يخليك لهم ويخليهم لك.. بس أنا المسئولة عنك.. كاسرة حينها هتفت باستغراب: بس يمه عمي بيسافر عقب أسبوعين مع ولده ويبيش تسافرين معه.. مزنة بذات الحزم: يسافر بروحه.. يعني رجّال لف الدنيا كلها بروحه.. يبي له خوي.. أبدى ماعلي إبي.. ومستحيل أطلع من الدوحة وهو وراي.. ثم أردفت لكاسرة بخفوت حازم: إبي شيبة عود ما يندرى متى ربي يأخذ أمانته.. ولو صار له شيء وأنا رايحة مع زايد وولده... بينفعوني حزتها؟؟ كاسرة بغضب: تدرين يمه إني ما أداني ذا الطاري.. لا تفاولين على جدي.. مزنة بحزمها الواثق: ما أفاول على إبي.. بس أنا أتكلم في حق.. حينها سألت كاسرة بحزم: زين ولو طلب عمي تسافرين معه بتقولين لا..؟؟ حينها فاجأتها مزنة أن قالت بحزم صارم: هذا أساسا بيكون شرطي في العقد.. ***************************************** بعد صلاة العصر.. كساب وتميم يدخلان مع الشيخ الذي دخل لمزنة.. ليتفاجأ كساب بشرطها الذي أصرت أن يُكتب في العقد.. أنها لن تخرج مطلقا من الدوحة مادام والدها حيا.. ولم يكن شرطها تضييقا على زايد أو تعسييرا عليه.. فهي وافقت عليه قبل أن تعلم أنه يريدها أن تسافر معه ومع ولدها.. ولم تكن تريد اشتراط شيء معين.. لكن حين علمت بذلك.. قررت أن تشترط هذا الشرط حتى تضمن أنها لن تترك والدها الذي تخشى أن يحدث له شيء في غيابها.. كساب أصبح قاب قوسين أو أدنى من مخططه.. فهل يسمح لهذا الشرط أن يفسد عليه مخططاته؟؟.. من جهة أخرى يعلم أن والده يستحيل أن يحرج نفسه بعد أن علم الجميع أن زواجه الليلة لذا سيقبل شرطها.. ومن ناحية ثالثة يخشى أن يظن والده أنها تريد فرض شروطها من البداية عليه فيرفض الشرط.. كساب هتف بمودة مغلفة بالحزم والاحترام: يمه ماحد بغاصبش على شيء ماتبينه وإبي مستحيل يجبرش تسافرين مكان وأنتي ما تبين.. بس مافيه داعي تحطين ذا الشرط وتفشلين إبي في الرياجيل اللي تارسين مجلسه ذا الحين.. مزنة بحزم: وأنا وش يدريني ما يحلف علي أسافر معه.. وقتها ما أقدر أعصاه.. حينها هتف كساب بحزم: مع إنش آجعتيني يوم قلتي ماعاد لك وجه عندي فأنا أقول لش الحين ذا الحين إن لش وجهي.. إنه مايغصبش تروحين مكان.. وأظنش يمه صرتي تعرفين إني لا قلت ما أخلف.. وهذا أنا عطيتش وجهي.. طالبش ماتفشليني وتفشلين إبي.. مزنة حينها هتفت بثقة: عشانك يأمك ماني بحاطة ذا الشرط.. بس تبلغه لأبيك.. وحتى لو ماحطيته في العقد هذا أنت صرت إنه هذا شرطي.. كساب تنفس بارتياح بعد شد الإعصاب: أبشري.. أبشري.. . . . " يبه.. ترا عمتي شارطة إنها ماتسافر برا الدوحة دام إبيها حي!!" زايد التفت بحدة لكساب الذي كان يهمس له بخفوت حين عاد مع الشيخ: نعم ؟؟.. وعلي اللي شارط إنه حن نسافر معه..؟؟ كساب بحزم: يبه لا تفشل روحك في الرياجيل.. هذا هي ما كتبت الشرط في العقد.. وعلي خله علي.. يبي حد يسافر معه.. بأسافر معه أنا وكاسرة.. وكاسرة بنت خال مرت علي.. مافيه مشكلة يعني.. زايد بخفوت غاضب: هي كاسرة رجعت لك أساسا عشان تسافر معك..؟؟ كساب بثقة غامرة: بترجع الليلة أنا وهي متفقين مع بعض.. بس مانبي حد يدري لين ترجع.. زايد وقع على مضض.. يكره أسلوب لوي الذراع الذي برع فيه كساب مؤخرا.. وربما لم يكن كساب لينجح لولا أن زايد هو من كان يتغاضى بمزاجه ورغبته.. التضادات البشرية تتصارع في نفسه على أعلى مستوياتها وأحدها وأقساها!! ومايهم هو الختام..!! فخـــــــــتــــامــــا... أ يعقل أن مزنة أصبحت أخيرا زوجته.. وهو يرى توقيعها بجوار توقيعه... ؟؟ ليس هذا مجرد عقد زواج.. فهذا وثيقة تاريخية تضع حدا فاصلا بين تاريخ وتاريخ.. فمزنة أصبحت زوجته هو... أخير!! أخــــــــيـــــــــرا !!! **************************************** " يوه كساب أرهقتني بذا السالفة يوم أصريت إن إبي يرجع لجناحه لفوق صار له شهور من يوم جاتنا خالتي وهو مستقر تحت.. متت وأنا أنقل أغراضه في وقت قصير كذا وتأخرت على الكوافيرة اللي تنتظرني تحت.." كانت مزون تهمس بذلك وهي منهمكة بتوزيع مباخر البخور في أرجاء الجناح الواسع.. بينما كساب يهتف بحزم: مايصير تجي تلاقي غرفتها تحت.. وإبي لازم يرجع لغرفته.. وبعدين أنتي اللي تحبين الشقا.. من أمس وكل شيء هنا جاهز.. مزون بإرهاق: لا والله.. حتى كاسرة أرسلت قبل شوي شنطة لأمها.. بس بصراحة استحيت افتحها عشان أرتب الأغراض.. فخليتها على حالها.. حينها هتف كساب بغموض: وليش كاسرة ماجات ترتب أغراض أمها بنفسها..؟؟ مزون بانشغال: ما أدري أكيد هم بعد مشغولين.. حينها هتف لها كساب بنبرة مقصودة: بس أكيد بتجي مع أمها لاجات الليلة.. مستحيل تخليها بروحها.. مزون منهمكة: ما أدري أظن كذا.. حينها هتف لها كساب بأمر صارم مرعب جعل مزون تترك كل شيء في يدها وتلتفت له: لا مهوب تظنين.. لازم تجي مع أمها..لازم.. وتوصلونهم أنتي وإياها لين غرفتهم.. وعقب تخلينها تنزل بروحها.. وأنتي عاد دوري لش شيء يشغلش عند إبيش دقيقتين بس عقب ماتطلع كاسرة.. مزون باستغراب: وليش ذا التعليمات كلها..؟؟ كساب بحزم: والتعليمات تتنفذ بدقة وبحذافيرها.. أنا اعتمد عليش في ذا الشيء.. مزون لازم تجيبينها معش.. وعقب تخلينها تنزل بروحها.. مفهوم..؟؟ مزون بدهشة أشد: زين وليه ذا كله..؟؟ كساب بغموض: بتدرين بعدين.. كان مخططه بسيطا جدا ولكن تنفيذه هو الصعب.. حين تعود لبيته.. لن يسمح لها أن تخرج.. أبدا !! أبدا !! ولكن كيف يحضرها؟؟ مهما بذل من الحيل وحتى لو حضرت لبيته لأي سبب كان.. يعلم أنها لن تتجاوز مجلس الحريم في الأسفل.. وهي لابد أن تصل لغرفته هو لينجح مخططه !!! فهو رغم جهله لدواخل كاسرة.. ولكنه يعرف تماما ردات فعلها.. ويستطيع توقعها بدقة.. ***************************************** " ماهقيت ام امهاب تسوي ذات السوات على آخر عمرها!!" جوزا تميل على أذن والدتها وتهمس بخفوت: يمه يعني هي سوت جريمة؟؟ خالتي مزنة ماشاء الله عليها عادها شباب!! أم عبدالرحمن بعتب: والله لولا غلاها وإلا والله ماكان أجي.. يعني حتى لو هي شباب.. عيالها قدهم شباب والمفروض قدها جدة.. وش حاجتها في العرس؟؟ جوزاء بابتسامة: يعني هذا عشانها أعرست عقب أخيش.. خالي ناصر صار له 15 سنة من يوم مات الله يرحمه.. خلاص كفت ووفت.. أم عبدالرحمن بذات العتب العميق: والله لو عرست عقبه بسنة أهون علي من عرسها ذا الحين.. كنت أحسب مزنة أعقل من كذا!! في زاوية أخرى من مجلس الحريم الواسع الذي لا يتواجد به سوى مزنة وبناتها وسميرة.. وفاطمة صديقة كاسرة وأم عبدالرحمن وابنتها جوزاء.. ومزون وجميلة فقط!! فاطمة تهمس في أذن كاسرة بحرج: حاسة شكلي غلط.. وأنتو حتى قرايبكم ما عزمتوهم.. بس عازمين أقرب القراب.. كاسرة تبتسم بمودة صافية: وأنتي أقرب القراب.. أمي تعدش وحدة من بناتها.. فاطمة تبتسم: والله يهنيها أم امهاب.. والله إن قلبي كان حاسس إن ذا الزين كله مايروح هدر.. كاسرة تضحك بخفوت: أنتي على طول قلبش حاسس خرطي... حينها همست فاطمة بخبث: وإن قلت إن قلبي حاسس إن رجعتش للشيخ كساب صارت قريب.. كاسرة بذات الابتسامة: بأقول إحساسش استخف مهوب خرطي بس.. حينها همست فاطمة بجدية: بصراحة صار لش صار شهر ونص وأنتي مصدعة رأسي بمبرراتش اللي ما تدخل الرأس.. قال أحبه وما يحبني.. عنه ما حبني بالطقاق.. رجال حاشمني ومقدرني ومهوب مقصر علي بشيء خلاص مالي طريق عليه.. كاسرة مازالت مبتسمة: يا شينش لا قلبتي على ذا الموجة!! حينها ابتسمت فاطمة: لأنش صدق فاقعة كبدي ومرارتي.. الحين لو فرضنا العكس صار.. وكساب ميت عليش وأنتي ماحبيتيه.. كان خليتيه بعد ولا حتى تفكرتي له بعين.. وش ذا الأنانية عندش؟؟ حينها همست كاسرة بضيق: فطوم الله يخليش.. خلاص.. خلينا في أمي وبس.. زاوية ثالثة... جميلة تهمس في أذن مزون بخفوت: مرت أبيش وش فيها قاعدة ببرقعها كذا.. لا تكون ناوية تدخل على عمي زايد كذا..؟؟ مزون همست بخفوت وهي تنظر لمزنة التي تجلس ببرقعها وعباءتها: حتى في عرس كاسرة وتميم كانت ببرقعها.. جميلة بذات الخفوت: ماعليه هذي أعراس عيالها مهيب عرسها.. وبعدين أنا أعرفها في بيتها ما تلبس برقع.. كم مرة جيت لوضحى قبل كانت بدون برقع.. وبعدين ماشاء الله تهبل.. وشو له البرقع بعد ؟؟ مزون ابتسمت: يمكن خايفة على إبي ينجلط لا يشوف وجهها كذا على طول تبي تسوي له تهيئة أول.. يشوف عيونها اللي تذبح أول.. وعقب يشوف الوجه كامل.. جميلة ضحكت بخفوت: الله يغربل أبليسش.. فيه وحدة تقول على إبيها كذا؟؟ مزون تضحك بخفوت مشابه: أتكلم من جدي.. إبي مسكين..سنين طويلة وهو محروم من الحريم وعقبه يدخلون القنبلة هذي عليها.. أخاف عليه يطب ساكت.. خلها ببرقعها أحسن.. وبالفعل كانت مزنة تجلس ببرقعها وعباءتها احتراما لوضعها وأنه لا يتناسب مع من هي في مكانتها وسنها أن تلبس أو تتصابي كصبية صغيرة.. وفي ذات الوقت ومع عدم رغبتها في التزين.. ولكنها تأنقت كما يجب وبرقي دون إفراط أو تفريط.. حتى لا يقول أحدا أن مزنة مجبرة.. وهي ترتدي عباءة أنيقة جدا للمناسبات.. وبرقع بفتحات واسعة يكشف بشكل واضح ومثير عن عينيها المكحلتين بأهدابها الطويلة المصقولة والمكثفة بسواد الماسكرا.. ولكن بعيدا عن المظهر كانت تشعر في داخلها بإحساس تبلد.. وكأنها ليست هي.. رغم أنها أصبحت قبل ساعات وفعليا زوجة لزايد.. ولكنها مازالت لم تستطع استيعاب الفكرة.. يصعب على من اعتادت على التحكم بحياتها أن تصبح قيادا لشخص آخر.. أبسط الأشياء أنها حتى ذهابها لشراء أغراض البيت أو لزيارة جارة مريضة لابد أن تأخذ أذنا له قبل ذلك.. وبعيدا عن تسلطه على حياتها الخارجية فتسلطه الأقسى سيكون على روحها وجسدها.. لها خمسة عشر عاما حرة من قرب رجل.. تنام لوحدها كيف تشاء متى شاءت.. حتى أبناؤها ماعاد أحد منهم ينام معها منذ سنوات طويلة.. أصغرهم وضحى لها أكثر من عشر سنوات وهي تنام في غرفتها.. فكيف ستعاود تقبل قرب رجل..؟؟ يا الله.. دوامة قاسية من الأفكار تصيبها بالصداع.. وخصوصا أن كل شيء حدث بسرعة ومازالت لم تتهيأ للفكرة حتى!! وهي غارقة في أفكارها اقتربت منها كلا من مزون وكاسرة.. وكاسرة تهتف برقة: يمه عمي زايد ينتظرش برا.. شعرت مزنة أن صداعها يتزايد.. تمنت لو استطاعت أن ترفض الخروج وأن تبقي حياتها كما كانت.. فهي فور أن تخرج من هذا الباب لن يعود شيئا كما كان أبدا.. ولكنها تعلم أنها لا تستطيع فعل ذلك.. وليست مزنة من تخاف أو تجبن!! مزنة وقفت فعلا.. وبناتها كلهن يحطن بها مع ابنتها الجديدة مزون التي همست لكاسرة بخجل: تروحين معي أنا وإبي عشان توصلين أمش وترجعين..؟؟ كان بود كاسرة أن ترفض.. لا تريد أن تذهب هناك.. ولكنها كانت قررت وحتى قبل أن تطلب منها مزون أن تذهب مع والدتها لأنها تعلم أن أمها وإن أنكرت ذلك.. فهي تعاني من ضغط هائل وأرادت أن تكون جوارها حتى اللحظة الأخيرة.. هزت رأسها إيجابا وهي تهمس بحزم: دقيقة بس أجيب عباتي.. بينما وضحى وسميرة الاثنتان كانت أعينهما مغرقة بالدموع.. لا تتخيلان أنهما ستنامان الليلة دون أن تقول لهما مزنة بابتسامتها الحانية (تصبحان على خير) في الخارج.. في داخل الباحة وأمام مدخل البيت كانت سيارة زايد تقف بفخامة كفخامتها الفارهة وفخامة صاحبها.. وهو يجلس في داخلها.. يشعر أن فولاذ السيارة يكاد يطبق على أحشائه!! والغريب أنه لو خرج خارجها فهو سيشعر كما كان يشعر قبل قليل أن أقطاب الكون كله تتقارب لتطبق على أحشائه.. كان في غنى عن ذلك كله.. في غنى عن ذوبان مشاعره هكذا.. في غنى عن ثورة توتر لم يعتدها رجل مثله.. بعد ثوان سيراها.. زوجته هو.. وحلاله هو.. هو الذي لم يستطع احتمال رؤية أطراف أناملها.. ولم يستطع احتمال أثير صوتها.. فكيف سيحتملها كلها بكل مافيها وهي بين يديه..؟؟ "يا الله يارب أقسم لم يكن لي في كل هذا حاجة!! إذا كنت رجلا مجنونا وحلمت بحلم مجنون وهو أني أريد أن أتنفس كل هواء العالم في لحظة واحدة؟؟ أ يطاوعونني؟؟ ويتركوني أتنفسه كله في لحظة واحدة؟؟ ألا يعلمون أن هذا الهواء كله سيمزق رئتي التي لن تقوى على احتماله؟؟ هكذا هي مزنة.. هي كل هواء العالم الذي لن تحتمله رئتين يتيمين.. كرئتيّ !! يا الله الصبر من عندك.. يا الله العزم من عندك.." كان لاهيا في أفكاره حين سمع الطرقات على زجاج السيارة ومزون تشير له بغيظ أن ينزل.. اجتاحه طوفان ضاغط من المشاعر.. كيف لم يشعر بخروجهم..؟؟ نزل بخطوات واثقة حازمة هي خطواته المعتادة.. خطوات لم تظهر فوضى مشاعره لأنها خطوات بات يتحركها بالسليقة.. الفتيات خرجن فقط بعباياتهن وأغطية الرأس فقط دون تغطية وجوهن..لأن مدخل البيت غير مكشوف لباب الباحة المفتوح.. زايد عرف طبعا مزون وكاسرة ولكن معهن صبية ثالثة لم يعرفها.. أما رابعتهن.. بؤرة الضوء.. فهو حاول جاهدا ألا ينظر لها حتى.. ولم يستطع أن ينظر لها حتى.. لأنه حدث ماصدمه.. فبعد أن قبّلتا كل من مزون وكاسرة رأسه وباركتا له وتأخرتا.. الفتاة الثالثة فاجئته أنها قبلت رأسه.. ثم تعلقت بعنقه.. وبكت وهي تدفن وجهها في عنقه.. زايد احتضنها بحنو حتى لا يحرجها وهو يهتف بيقين حنون: وضحى صح؟؟ هزت رأسها وهي تبكي بتأثر.. ثم حدث ماصدمه فعلا أنها انحنت لتقبل كفه.. زايد شد يده بسرعة وهو يربت على رأسها ويهتف بذات الحنو الأبوي: قدرش كبير يأبيك.. ولكن ما فاجئه وصعق كل من مزون وكاسرة أنها أصرت أن تقبل كفه وهي تهمس بتأثر عميق بين شهقاتها: طالبتك ماتردني.. لأن حبة رأسك ويدك.. شيء حلمت فيه ليالي طويلة.. بينما مزنة كانت تقف شامخة لا يظهر تأثرها المتزايد في روحها.. خصوصا وهي ترى حال وضحى وتعلم سببه.. وضحى بعد أن قبلت زايد.. التفتت لوالدتها واحتضنتها مطولا.. حينها كان مجبرا أن ينظر أن ناحيتها.. ولكنه لم يستطع أن يلمح شيئا فوضحى تغطي عليها.. ومزنة تنحني بكامل جسدها عليها وهي تحتضنها بكل حنو وتهمس في أذنها: الله الله في نفسش.. وفي جدش.. ومهما صار ترا ظني فيش ظن خير مايغيره شيء.. وضحى هزت رأسها بألم.. بينما كاسرة تهمس بتاثر: يا الله يمه.. عمي طوّل وهو واقف.. زايد فتح الباب المجاور له.. لتتقدم مزنة بثقة رغم تصاعد توترها وتجلس في مكانها.. ليغلق الباب دون أن ينظر لها حتى.. بينما ركبت الفتاتان في الخلف.. زايد توجه لمكان السائق.. مازال لم يوجه لمزنة كلمة واحدة حتى.. ووجود الفتاتين يلجمه حتى لو حاول.. ركب.. وعيناه تتجهان فقط إلى يديها المشبوكة في حضنها.. "يا الله.. يا الله.. يا الله.. الصبر !!" هاهو يرى كفيها كاملتين.. كفا مزنة.. كفاها !! أغلق عينيه لبرهة عاجزا عن الاستيعاب.. أهذه فعلا يديها قريبة هكذا..؟؟ أكل مافيها ينضخ بهذا الحسن الغريب الذي يبدو أنه لم يُخلق إلا لها؟!! بدا له أنه لم يرى في حياته كلها يدين أجمل ولا أعذب ولا أنقى من هاتين الشمسين المتشابكتين في حضنها.. " يارجال اصطلب.. ماشفت إلا كفوفها وحالك مايسر العدو ولا الصديق.. يا الله الصبر من عندك.. أنا أبي معجزة صبر الليلة !! " حرك زايد السيارة.. أخيرا ليدخل إلى باحة بيته الشاسعة جدا في غضون ثوان ويتقدم حتى وقف أمام المدخل مباشرة.. لينزل ويتجه ليفتح لها الباب.. رغم أن مزنة شعرت بالحرج من فتحه الباب لها.. وكانت تريد فتحه بنفسها إلا أنها سبقها وفتحه.. والفتاتان تنزلان قبلها... كان بود كاسرة أن تقول له أن يمسك كف والدتها على الأقل وهي تنزل.. لا تعلم لمّ يبدو مظهره جافلا هكذا.. ولكنها رأت أنه في مقام عمها ووالدتها لا يصح التدخل أبدا!! وأخيرا هتف زايد بنبرة مثقلة بالفخامة والترحيب والثقة: حياش الله يأم امهاب في بيتش.. مزنة همست بأدب رفيع: جعل البيت عامر بهله.. " يا الله حتى صوتها من قريب كذا له نكهة غير.. غير!! " تقدموا جميعا وزايد يفتح الباب ويشير بالترحيب دون أن ينظر لها حتى.. لا يعلم كيف مازال قادرا على السيطرة على نفسه هكذا.. كيف أن عينيه التي أظناهما اللهفة التي امتدت لقرون مازالتا صابرين عن مجرد اختلاس نظرة؟؟ الفتاتان صعدتا خلفهما وهما يصعدان حتى وصلا لجناح زايد.. حينها شعرت مزنة أنها تختنق فعلا " أهذا فعلا حقيقة ويحدث؟؟" كاسرة حين وصلا لباب جناحهما شعرت بحرجها يتصاعد وهي تقبل رأس زايد ووالدتها على عجالة وتهمس بثقة تخفي خلفها حرجها: ألف مبروك.. واسمحوا لي.. ثم نظرت لمزون حتى ترافقها.. مزون كادت تبكي لشدة الحرج وهي تريد أن تهرب فعلا.. لكنها تخشى أن يقتلها كساب لو خالفت أوامره التي أعادها عليها اليوم عدة مرات.. وآخرها قبل دقائق حين اتصل بها وأخبرها أن والدها قادم لأخذ مزنة.. همست بنبرة ودودة وصوتها يرتعش من الحرج: يبه ترا العشا رتبته في الجلسة.. وإذا بغيتوا أي شيء.. ترا تلفوني جنبي.. وإذا.......... كاسرة حين رأت أن مزون لديها ماتخبر والدها به.. شعرت أن وقوفها محرج.. لذا قررت أن تنزل للأسفل.. وترسل لتميم رسالة حتى يحضر لأخذها لأن الباب بين البيتين مغلق بعد أن تركت مفتاحه في غرفتها القديمة.. كانت كاسرة قد أصبحت قريبة جدا من الدرج حين وقفت لثوان.. رغما عنها شعرت أن قلبها يعتصر إلى حد الإجهاد.. غرفته قريبة جدا.. تكاد تشعر برائحة عطره تعبق في الجو فعلا.. كما لو كان عبر المكان منذ ثوان فقط.. يا الله كم اشتاقت له.. ولعطره.. ولصوته.. وحتى للؤمه وخبثه !! تنهدت بوجع عميق وهي تتحرك متجهة للأسفل.. لتتفاجأ برائحة العطر -التي كانت تظنها طيفا- تحيط بها تماما.. إحاطة السوار بالمعصم حتى دخلت أقصى حويصلاتها الهوائية!! ويد قوية جدا تطبق على فمها.. والأخرى تحيط بخصرها وتكتف ذراعيها لجنبيها وتحملها لتسحبها بخفة إلى مكان تعرفه جيدا..!!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والسبعون كانت كاسرة قد أصبحت قريبة جدا من الدرج حين وقفت لثوان.. رغما عنها شعرت أن قلبها يعتصر إلى حد الإجهاد.. غرفته قريبة جدا.. تكاد تشعر برائحة عطره تعبق في الجو فعلا.. كما لو كان عبر المكان منذ ثوان فقط.. يا الله كم اشتاقت له.. ولعطره.. ولصوته.. وحتى للؤمه وخبثه !! تنهدت بوجع عميق وهي تتحرك متجهة للأسفل.. لتتفاجأ برائحة العطر -التي كانت تظنها طيفا- تحيط بها تماما.. إحاطة السوار بالمعصم حتى دخلت أقصى حويصلاتها الهوائية!! ويد قوية جدا تطبق على فمها.. والأخرى تحيط بخصرها وتكتف ذراعيها لجنبيها وتحملها لتسحبها بخفة إلى مكان تعرفه جيدا..!!! لم تستطع أن تستوعب شيئا حتى سمعت صوت إقفال الباب.. وهو يشدها لآخر غرفة الجلوس في جناحه.. حينها أفلتها.. لتراه واقفا أماما.. بكامل أناقته كابن للعريس أو ربما والده.. بكامل بروده وثقته.. وصفاقته !! اتسعت عيناها بشدة الصدمة الكاسحة غير المتوقعة وجسدها يرتعش.. ولشدة صدمتها وغضبها وقهرها..لم تعلم ماذا تقول أو تفعل.. كل ماخطر ببالها هو سيل شتائم لا ينقطع.. كان بعض شذراته المتناثرة: والله العظيم أنت مجنون.. مجنون.. مكانك مستشفى الأمراض العقلية أنت حرام يخلونك تمشي بين البشر.. أنت أساسا خطر يخلونك فالت كذا.. أنت فاقد الأهلية.. خبل.. ورأسك مافيه ذرة عقل.. أجابها ببرود وهو يلوح بالمفتاح وبهاتفها في يده: خلصتي شتيمة؟؟ كاسرة تكاد تجن من الغضب: عطني المفتاح خلني أطلع.. أكيد أختك الحين تدور لي.. كساب بثقة : عادي لو نزلت ومالقتش بتظنش رحتي للبيت.. كاسرة بغضب متزايد: أخواني بيدورون لي الحين..؟؟ كساب بذات الثقة: صدقيني ماحد بيدور لش.. كل واحد بيدخل غرفته ويسكر على نفسه.. ولو دوروا عادي.. خلهم يدرون إنش قررتي ترجعين لي.. كاسرة تكاد تموت من شدة القهر: أنا قررت أرجع لك؟؟ كساب بابتسامة واثقة: أجل ويش.. بتقولين لهم إني خطفتش.. عيب عليش.. عيب عليش.. مرة وش كبرش وتقولين رجالش خطفش.. الحين أنتي بتقعدين عندي هنا مثل الشاطرة وبدون ازعاج.. وأدري إن غرورش مارح يسمح لش تصيحين أو تستنجدين.. أو تصغرين نفسش وتقولين إني مسكر عليش في غرفتي.. وبكرة عقب مايدرون كل الناس إنش أمسيتي عندي.. أدري إنه مستحيل تفكرين تطلعين من هنا مرة ثانية.. عشان ماحد يقول لش.. ليه رجعتي وأنتي ناوية تخلينه؟؟ كاسرة تشد لها نفسا عميقا وهي تحاول دراسة الموقف: زين .. وأنت الحين وش بتستفيد من ذا كله؟؟ كساب بنبرة أقرب للسخرية: وش بأستفيد؟؟ بأستفيد إنش بترجعين لي طبعا.. كاسرة تحاول أن تتكلم بمنطقية: بذا الطريقة؟؟ بذا الإسلوب؟؟ مافيه حد يرجع مرته كذا غصبا عنها.. كساب هز كتفيه بثقة: أنتي ماخليتي لي طريقة ثانية.. راكبة رأسش ومصممة على الطلاق.. وأنا واحد مستحيل أطلق.. نعيش حياتنا كذا يعني؟؟ كل واحد في بيت؟؟ حينها سألته كاسرة بألم مختلط بنوع غريب شفاف من الأمل: والحين أنت سويت ذا اللفة كلها عشان ترجعني..؟؟ كساب بثقة بالغة: تقدرين تقولين كذا..!! لا تعلم كيف تصف إحساسها وأمل عذب جدا ينتعش في روحها إلى درجة الطعنات العذبة.. همست بنبرة مموهة تخفي خلفها امتدادات شاسعة من أمل مجروح.. ألا تقول عنه والدتها أنه رجل عاشق ؟؟ : زين وليش تبي ترجعني؟؟ بــعــثــرها !! بعثرها بقسوة.. بوحشية.. مزق براعم أملها تمزيقا وهو يهتف بتكبر: لأن اللي أبيه أسويه.. وماحد يمشي شوره علي.. كانت روحها تدمي.. تدمي.. تنزف طوفانا من الألم.. همست بحزم بالغ بمقدار وجعها: كساب لو غصبتني أرجع بذا الطريقة.. صدقني قلبي عمره ماراح يصفا لك.. حينها أجابها بحزم أكثر صرامة: وأنا يعني وش بأستفيد وقلبش صافي لي وأنتي بعيدة عني وحتى الشوفة ما أقدر أشوفش؟؟ يا فرحتي بقلبش الصافي.. خلني أعيش مع إحساسه اللي بيوصلني عبر اللاسلكي وكل واحد منا في بيت.. ثم أردف بحزم أشد وأشد: قلبش صافي.. مهوب صافي.. المهم إنش هنا... وجنبي.. كان يتحاور معها في جدلها العقيم كما يراه.. بينما كل مايريده هو أن يسكت ضجيج كلماتها بدفن وجهها في منتصف صدره.. حينها يعلم أن لهيب صدره سيذيب كلماتها.. أو ربما دفء أنفاسها وهمساتها سيدفئ جليد ضلوعه.. ففي بُعدها.. اجتمع في صدره الضدين... الجليد والنار!! لتهذي كما تشاء.. فـهــو لايعلم متى ستعلم أن هناك كلمات لا تقال.. لا تقال.. ولكن تُحس.. تُحس.. كان ينظر لها بتمعن وهي ثائرة.. وتهذي وتهذي.. ماعاد لديها سوى الهذيان!! كانت نظراته تشرب ملامحها بعطش أرض بور نزلت عليها قطرات يتيمة من المطر.. لا يرمش حتى لا تفوته انحناءة واحدة من انحناءات جبينها المقطب بغضب.. شفتيها المتدفقتين بحممها.. يديها المتحركتين بثورة!! مازالت تفاصيل غضبها كما هي منذ طفولتها.. وهي تفتنه بها.. وهو يذهب مع والده مرارا وتكرارا لمجلس جدها.. لم يكن يفهم حينها أي سحر يجتاحه.. وهو يشعر بحيوية غضبها الطفولي حين يثيرها بالسخرية منها.. الآن يعلم كيف تغلغل هذا السحر في روحه حتى أقصاها.. حتى مع توقفه عن رؤيتها بعد وفاة والدته وسمية.. فهو كان بدأ يعي قبل ذلك.. أنها بدأت تكبر وماعاد يصح جلوسها مع جدها في المجلس.. حينها لا يستطيع تفسير فتوره وعدم رغبته في الذهاب مع والده.. لماذا يذهب إن كان لن يراها ويسخر منها حتى تغضب..؟؟ كطفل.. كان يظن أنه يحب اللعب مع البنات.. وأي سخرية سيحضى بها لو علم الآخرون !! لذا أنكر الأمر حتى على نفسه..!! وإذا كانت كاسرة قد نسيته تماما فعلا وهي تكبر.. وماعادت تذكره حتى.. فهو أدعى أنها تناساها مع إنشغاله بالكثير من الأشياء.. لكن كيف يتناسى والعلامة في خده مازالت ماكنة واضحة؟؟ وكأنها في اللحظة التي قررت أن تدخل حياته بطبع قبلة طفولية على خده.. قررت أن تترك على جسده علامة وكأنها تخبره أنه أصبح من أملاكها.. وهو فعل بالمثل " إن كنت سأصبح ملككِ فأنت أيضا ستصبحين ملكي!!" قد يكون مر بالكثير الذي قلب حياته رأسا على عقب.. وآخر ماكان ينقصه أن يفكر بطفلة عبرت أيام طفولته.. وقد يكون غرق في كثير من الأفكار التي غطت مشاعر الطفولة وأفكارها بغطاء من الغبار الذي لم يكن يحتاج سوى لبعض النفض.. وإن لم تكن تغطت تماما حتى..!! فهو لا ينكر على نفسه إحساس غير مفهوم يشبه سكون النسيم حين يمر قريبا من بيتهم!! لا ينكر أن عينيه رغما عنه تابعت سيارة تخرج من باحة بيتهم وهو يتساؤل ( من بداخل السيارة؟؟) لا ينكر أن شعوره حين ضرب من تبع سيارتهم تجاوز الإحساس بالحمية إلى الإحساس بالتملك!! لا ينكر متابعته لأخبارها من بعيد جدا.. وأنها مازالت لم تتزوج.. وأنها ترفض كل من يتقدم لها.. فهل كانت تنتظره وهو غارق في عالم عقده وسوداويته وغموضه؟؟ وربما لو لم يعرض عليه والده الزواج منها لربما ظل في غيبوبته التي لا يعلم متى كان سيصحو منها.. حين أخبره عمه أن والده يريد تزويجه من بنت ناصر.. أجاب بسخرية: بل ابنة حبيبة القلب.. لكن خلف السخرية.. كانت هناك تساؤل محموم.. أعلم أنهما اثنتان.. أيهما؟؟ أيهما؟؟ وتظل مشكلته الأزلية التي تعاظمت بعد موقفه مع مزون.. افتقاره للشفافية في المشاعر.. كان سيموت ليعلم ماهو اسمها؟؟ أ هو ذات الاسم الذي رسخ في ذاكرته؟؟ أم اسم آخر؟؟ سأل عمه.. ولكن عمه طلب منه أن يسأل والده لأنه لا يعلم.. العلاقة المعقدة بينه وبين والده لم تسمح له أن يسأل.. ولا يعلم كيف استطاع الصبر حتى يسأل خالته؟؟ حين أخبرته خالته.. ظن أنه سمع لحنا عذبا سكن أذنه.. ولولا تكبره المقيت وإلا لكان قفز ليقبل خالته... أجابها حينها بجواب يشبه ماقاله لجدها.. سيغير اسمها لو تزوجها.. رغم أنه يظن أنه لم يسمع في حياته اسما أعذب.. أنكر معرفتها.. لأنه هكذا.. مـــخــلـــوق مــعــقـــد !!.. فلو أنكر معرفتها.. قد يستطيع إنكار تسلطها المجهول على روحه..!! وهو يكره أن يكون في موقف ضعف.. يكره أن يكون في موقف ضعف!! وما مر به في حياته جعله يتعلم أنك حين تصبح في موقف الضعف ولو للحظة فإن من أمامك سيباغتك ويفرض سيطرته!! هـي كانت مثقلة بالجرح.. تهذي عن كل شيء إلا عن حقيقة جرحها.. تسبه.. تتهمه بالتسلط والجنون والتكبر والغرور.. بينما كل ما كانت تريد أن تقوله: لماذا أنت عاجز عن أن تحبني كما أحبك؟؟ لشدة غضبها وجرحها وألمها وهي تنهمر بكل هذا الغضب لم تنتبه كيف اقترب منها حتى أسكتها تماما.. حتى قبلته تشبهه.. مـتـكـبـرة..مثقلة بالعنفوان واليأس والدفء اللاهب.. "أ تهذي بينما هو يقتله الشوق لها؟!! أ تهذي بينما روحه تذوب شوقا لعطر أنفاسها؟!" كاسرة دفعته بقوة وهي تصرخ بغضب مرير: والله العظيم أنت أحقر مخلوق على وجه الأرض.. لو قربت مني مرة ثانية.. والله العظيم بأصيح وبأفضحك وأفضح روحي.. مايهمني!! هتف لها ببرود يختلف عن اشتعال مشاعره الثائرة حتى الترمد: لو بغيت أقرب.. قربت ولا تقدرين تفتحين ثمش.. بس أنا خلاص.. خذت اللي برد خاطري الحين.. وترا صار لي أكثر من شهر ونص محروم.. عادي نزيد عليهم يوم يومين شهر شهرين لين يطيح اللي في رأسش.. كاسرة بمرارة حقيقية: أنت وش جنسك؟؟ من ويش مخلوق؟؟ ما تحس!! ما عندك مشاعر !!؟؟ لو أجاب بحقيقة مايشعر لقال لها (المشاعر كلها لكِ والإحساس كله لكِ وحدكِ) ولكنه اعتاد أن يجيب بغير ما يشعر به.. أجابها ببروده المحترف الذي دفع فيه سيطرته هو على الموقف: خلينا المشاعر لش.. وخصوصا إنش مغرقتني مشاعر لين اختنقت!! ماذا يضر أن يستمر في تمثيليته؟؟ فهو يعيش في عالم من الإزدواجية منذ تزوجها.. بل حياته كلها قائمة على الإزدواجية.. فكما يعيش حياتين.. يستطيع أن يعيش الشعورين.. الاحتراق واللهفة والألم والعشق اللامتناهي داخلا!! والبرود والتكبر والقسوة خارجا!! وكما لو أن أهله ومعارفه علموا بحياته المخفية فهذا سينعكس على حياته الأساسية.. فهي لو علمت بحقيقة مشاعره تجاهها سيجعلها هذا في موقع القوة التي ستجعلها تفرض شروطها على مشاعره الخارجية الظاهرة.. فهي تماما كأمها.. أمها لأنها علمت أن زايد مولع بها.. أحرقت قلبه ودون أدنى رحمة أو تراجع أو شفقة.. وكاسرة أيضا لو علمت أنه مولع بها.. ستحرق قلبه دون رحمة!! لابد أن تسلم هي أولا.. حتى يكون من يفرض سيطرته على قلبها.. حينها هو مستعد لدك كل الحواجز والأسوار!! فمثل كاسرة يجب أن تشعر أنها مهددة حتى تستطيع الاستيلاء على روحها!! كساب هتف ببرود وهو يتجه للداخل ويحمل في يده مفتاح الجناح الأساسي وهاتفها: أنا بروح أنام.. وأنتي مافيه داعي تقعدين قاعدة بعباتش كذا.. الدولايب مليانة ملابسش.. ثم أردف بخبث مقصود: أستغرب إن وحدة زعلانة من رجالها وتبي الطلاق ومافي أذنها ماي... ومع ذلك ماخذت شيء من ملابسها حتى عقب ذا الأسابيع كلها!!! ************************************* مر دقيقتين ربما منذ غادرتهما مزون والصمت مطبق في المكان.. مزنة رغما عنها وبحياء الأنثى السوية الفطري لم تستطع أن ترفع عينيها لزايد.. بينما هو كان في عالم آخر.. يخشى حتى الموت أن يراها.. لا يعلم ما الذي يخشاه في رؤيتها..؟؟ "ما الذي يخشاه؟؟ إن كان لم يحتمل رؤية أناملها.. فكيف حينما يرى حلم حياته ماثلا أمامه؟؟ هذا الذي هو يخشاه!!" وفي ذات الوقت تمزقه رغبة بذات القوة أن يشبع جوع عينيه من رؤيتها!! كل ما أستطاع أن يلمحه فيها أنها فعلا أطول منه.. ابتسم وهو يتذكر معايرتها له بقصره وهما صغيران.. يا الله ما أعذب تلك الأيام في ذاكرته.. حتى معايرتها له يراها غاية في العذوبة!! مازالت تتنازعه الرغبتان القاسيتان بين الرؤية وعدمها... وعلى كلا الحالين لا يصح أن يقف أمامها كمراهق عاجز عن التصرف.. هتف بحزم واثق وأريحية متقنة بلباقته المدروسة: أم امهاب اقعدي.. تريحي.. ترا المكان مكانش وأنتي اللي تعزميننا فيه.. حينها رفعت مزنة عينيها له.. ولــيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل !! شعر بصاعقة شطرته نصفين دون مبالغة.. عيناها غابتان من حسن مثير لا يمكن إنكارهما أو تجاهل إثارتهما.. أجمل حتى من أقصى خيالاته!! ولــكــنـهـمـا.. مختلفتان.. مـخـتـلـفـتــان!! مختلفتان عن عينيها اللتين سكنتا خياله وحفرتا فيه كعلامتين غائرتين من النور والنار.. أصغر قليلا.. أكبر قليلا.. لا يعلم أين الاختلاف..!! بالتأكيد أكثر جمالا بكثير وبدون أدنى مقارنة... ولكنهما مختلفتان.. مختلفتان!! حينها لم يستطيع أن يفسر الحزن الشفاف الذي اجتاح روحه كالطوفان الهادر!! عيناها اللتان كانتا تشعلان كل تفكيره اختفتا.. اختفتا!! يعلم أن ثلاثين عاما تمر على إنسان لابد أن تغير في ملامحه.. ولكن ليس إلى هذه الدرجة!! ليس إلى هذه الدرجة!! وربما لأن صوتها لم يتغير ولكن نضج بأنوثة موجعة.. توقع أن ملامحها ستكون نالت نصيبها من النضج دون أن تتغير.. حاول إبعاد هذه الأفكار عن رأسه.. وهو يقول لنفسه.." مازلت لم أرى وجهها كله.. ربما حين تكتمل الصورة كلها ..سيبدو هذا الاختلاف -الذي أظنه- محض تخيلات!! " مزنة جلست بناء على دعوته وهي تهمس بتهذيب رقيق: الله يكبر قدرك.. والمكان عامر بهله!! لم يستطع أن يجلس حتى وهو يهتف بتثاقل: تريحي شوي وعقب توضي عشان نصلي!! وقفت وهي تهمس بذات النبرة الراقية: أنا على وضي.. نصلي الحين.. دقيقة أجيب سجادتي.. قالتها وهي تتجه لحقيبتها التي رأتها في الزاوية.. فتحتها واستخرجت سجادتها وجلالها من أعلاها.. ثم لمحها زايد بطرف عينه وهي تخلع عباءتها وتعلقها.. بين محاولاته الممزقة للنظر ولعدم النظر .. لم يستطع أن يلمح سوى شلال كستنائي موجع انحدر حتى خصرها حين نزعت شيلتها عن رأسها ونزعت مشبكها لتعيد لف شعرها مرة أخرى.. وهي لأنها كانت تراه يوليها جنبه وغير منتبه لها.. خلعت عباءتها بحرية وشيلتها وأعادت لف شعرها ثم ارتدت جلالها.. وتوجهت نحوه.. وكخجل فطري لم تستطع أن تنظر له بوجه مكشوف بهذه السرعة.. فكانت تمسك طرف جلالها وتغطي به أنفها وفمها وتهمس باحترام: يا الله نصلي يا أبو كساب.. زايد خلع غترته وأبقى طاقيته فقط على رأسه.. حينها لا تعلم لِـمَ ابتسمت.. ربما لأن شعره مازال مازال كثيفا وفاحما كما تذكره هي في أيام صباهما.. وقفت خلفه.. وصليا الركعتين.. وحين سلما أعادت وضع جلالها على طرف وجهها وهي تمسكه بكفها.. استدار لها وهما زالا جالسين على الأرض ليضع كفه على رأسها.. رغما عنه ارتعشت يده بعنف.. فهذه هي المرة الأولى التي يجرؤ على مد يده لها.. وملامسة جزء من جسدها.. كلمسة فعلا بمعناها المقصود!! أحقا هذه يده تلمس مزنة أخيرا.. أخيرا.. يا الله ما أشد هذا الوجع الذي جعل قلبه يرتعش وأطرافه ترتعش وروحه المعذبة ترتعش وكل شريان ووريد في جسده يرتعش...!! هو زايد.. يرتعش من قرب امرأة!! شعرت بارتعاش يده وهو يدعو.. حين انتهى من الدعاء.. رفعت رأسها وهي مازالت تغطي طرف وجهها بكفها وجلالها وهمست باحترام: فيك شيء يأبو كساب؟؟ لم يجبها.. بل مد يده بثقة لبقة.. ليزيل كفها عن وجهها.. لم تمنعه.. ولم تحاول تغطية وجهها عنه.. تعلم أنها ستبدو سخيفة لو فعلت ذلك.. بل سمحت له أن ينظر لوجهها كيف شاء.. وللمرة الثانية.. لـيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل..!! "يا الله.. ماهذا الذي يحدث لي؟!" لم يبق من ملامح مزنة التي سكنت عمق روحه سوى شبح باهت سكن تفاصيل هذه المرأة أمامه.. بالتأكيد مازال هناك شبه كبير جدا.. والمرأة أمامه أجمل بكثير من المرأة التي سكنت خياله.. ولكنه يبدو كمجرد شبه بين قريبتين مهما كان قويا!! فأين مزنة بتفاصيلها الحادة النحيلة المرسومة بدقة خانقة من هذه بوجهها المرتوي حسنا وإثارة لا حدود لهما بتفاصيلها الناعمة الثرية؟؟ ولكن جمال هذه التي أمامه لا يهمه.. لا يهمه أبدا.. فتلك كانت مزنته هو..!! لكن هذه لا يعرفها.. لا يعرفها !! حزن أكثر غرابة وعمقا وسوداوية بدأ يجتاح روحه.. أ يعقل أن حلمه الأسطوري ينتهي هكذا.. هكذا !! بهذه البساطة.. فقط لأن ملامحها تغيرت قليلا..؟؟!! لأن مزنة ذات الخمسة عشر ربيعا بملامحها وعنفوانها وجنونها هي من سكنت خياله فقط؟!! " تعوذ من إبليس يأبو كساب.. الظاهر من كثر ماحلمت في مزنة يوم صارت في يدك استكثرت على روحك الحلم!! يعني خلاص من كثر ما تعودت على الحرمان ماعاد تبي شيء غيره ولا تقدر تتصور حياتك من غير ما تنكد على روحك أول منكد على روحك بمزنة في خيالك.. ويوم صارت مزنة عندك.. تقول لا ما أبيها عشانها صارت أحلى.. خلك من الخبال .. ولا تفشل روحك في المرة !! ويمكن ربي رحمك إنها تغيرت.. يمكن لو ما تغيرت ما تستحمل شوفتها قدامك!!" مزنة بدأت تستغرب فعلا من هذا الرجل.. صمته أكثر من كلامه.. هل كساب أجبره عليها.. كما وضحى أجبرتها عليه؟؟ زايد أنهى تفكيره أن وقف ثم مد يده لها.. مزنة من باب اللباقة منحته كفها ليشدها ويوقفها.. لكنه بعد أن أوقفها لم يفلت يدها.. ولم يستطع حتى لو حاول.. فنعومة أناملها شعر بها تذوب بين أنامله..وهو يحكم قبضته عليها.. شعوره هذا زاده ألما غريبا عميقا.. أهو يمسك بيده هكذا لأنها مزنة..؟؟ أو لأنها محض امرأة هي حلاله وأثارته بنعومة يدها ؟!! "يا الله لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا!! وكيف أستطيع أن أشعر هكذا في حضرة مزنة؟؟ في حضرة مزنة!!" همست مزنة بحرج: أبو كساب لو سمحت.. فك يدي خلني أحط جلالي.. زايد حينها أفلتها وجلس على الأريكة.. فمازالا في قاعة الجلوس ولم يتجاوازها للداخل.. مزنة خلعت جلالها وطوته داخل سجادتها.. كانت ترتدي دراعة مغربية فخمة بلون بحري شفاف رائق.. مازال لجسدها تفاصيله الثرية ولكنها مطلقا لم تفكر أن ترتدي فستانا ضيقا.. رأت أن حيادية الجلابية وفخامتها أنسب لها بكثير.. من باب الذوق توجهت لتجلس مع زايد.. كانت على وشك أن تجلس على مقعد منفرد ولكنه أشار لها أن تجلس جواره.. تقدمت وجلست جواره ولكنها تركت مسافة فاصلة بينهما.. ليصدمها بجرأته الواثقة البالغة أنه اختصر المسافة ليجلس ملاصقا لها.. بل ويمد يده بكل ثقة لينزع مشبك شعرها ويحرر خصلاته من أسرها.. همس بثقة تخفي خلفها ألما شاسعا لا يعرف سببه إلا هو: لون شعرش هو هو.. ما تغير.. صمتت.. لم تستطع أن ترد عليه حتى وهو يمرر أنامله بحرية بين خصلات شعرها.. لا تنكر شعورها بالاختناق من قربه هكذا.. ومن جرأته..!! تعلم أنهما غير صغيران.. وكلاهما سبق له الزواج.. ولكنها تراه مندفعا أكثر من اللازم.. لم تعلم أنه كان يبحث بوجع محموم عن أي تفصيل صغير يقوده لمزنة تلك.. فربما كانت مزنة تختبئ بين طيات شعرها وتريد من يحررها.. حينها انتبه لنفسه.. وأن أنفاسها تصاعدت بارتباك لأنه أثقلها عليها.. فتأخر قليلا وهو يسألها باهتمام: بنتش وضحى عاطفية كذا على طول؟؟ حينها همست مزنة بشجن حنون وهي ترفع عينيها له: طالبتك يا أبو كساب.. وضحى بالذات لو تقدر عطها شوي زيادة من اهتمامك.. يمكن كاسرة صارت تحبك مع العشرة.. بس وضحى معزتها كبيرة لك من زمان.. حينها ابتسم ابتسامته الفخمة الواثقة: تعزني وهي ماتعرفني؟!! ابتسمت مزنة حينها ابتسامة غاية في الشفافية: عاطفية على قولتك.. "يا الله .. أي أنثى هذه!! كل مافيها يأسر حتى النخاع.. وخصوصا هذه النظرة والابتسامة.. تذيبان الحشا حتى العمق.." ولـــكــــن المصيبة...!! المصيبة... المصيبة أنه عاجز عن الإحساس بها كما تستحق مزنة التي في خياله!! كل شيء يشعر به قد يفتنه فيها.. يمنع نفسه أن يتجاوب معه بالإحساس المستحق لكونها مزنة.. لأنه يبحث في كل ذلك عن مزنة أخرى.. مزنة ماعادت موجودة أبدا!! فمزنة التي سكنت خياله وذكرياته.. تقف بينه وبين مزنة هذه.. وبالتأكيد مزنته من تنتصر.. نصرا كاسحا!! فكيف تقارن من سكن قلبك وخيالك وامتلك كل مافيك من مشاعر وأنفاس وصدى لسنوات لا حساب لها.. بشخص لا تعرفه؟!! كـيـف؟؟ كـــيــــــف؟؟؟؟ ********************************* كانت تدخل بعباءتها بينما كان هو جالس ينهي بعض الأعمال على حاسوبه.. همست برقة: مساء الخير حبيبي.. عبدالله رفع عينيه وحين رآها ابتسم بطريقة تلقائية وهو يهتف بمودة صافية: يعني ما تأخرتي حبيبتي؟؟ ابتسمت جوزاء وهي تضع حقيبتها وتجلس: عرس شيبان بعد؟؟ تبيهم يقعدون لين الساعة وحدة.. الساعة 9 ونص.. جاء وخذها واحنا تعشينا وجينا.. وصلتني أمي وراحت.. ثم أردفت حولها وهي ترى الهدوء: حسون تعبك قبل ينام؟؟ عبدالله بحنان: لا أبد.. خمس دقايق إلا هو يشخر؟؟ جوزاء بعذوبة: والله ماكنت أبي أخليه يجننك.. بس أنت اللي لزمت ما أوديه معي.. عبدالله بحزم: قلت لش قبل دامني موجود لا تودينه حفلات نسوان.. ولا أعراسهم.. ثم أردف بابتسامة: خالاتي مهوب تحت سهرانين مع أمي وعالية؟؟ ماتبين تقعدين معهم؟؟ جوزاء انقلب وجهها بمرح: عبدالله عاد سهرة مع خالاتك وأخليك بروحك.. هذي اسمها وكسة..مهيب سهرة.. حينها هتف عبدالله بحزم: وأنتي بتقعدين تهربين من القعدة معهم.. خلي وحدة منهم تقول لش شيء وشوفي ردي عليها.. خالاتي لهم الحشيمة.. لكن مهوب معنى حشيمتهم أخليهم يضيقون على مرتي حياتها.. جوزاء اقتربت منه لتلتصق به وهو تحتضن عضده وتقبل كتفه وهي تهمس بصفاء: كافيني إحساسك.. وأنا ما أبيك تزعل خالاتي عشاني.. أنا أعرف أوقفهم عند حدهم.. بس حشمة لك ما أبي أحتك فيهم عشان ما أضطر أعلي صوتي.. ابتسم عبدالله وهو يحتضن خصرها: وأنتي عاد لا طولتي صوتش الله يستر منش بس.. جوزاء ضحكت: لا.. وتخيل قبل فترة.. قبل ملكة شعاع ..كانت أمك مسوية عشاء وجمعة نسوان.. وخالتك نورة تلمح لأمي إن شعاع خلاص بتتخرج وخالك نايف بيتخرج وإنه خل نجمع الشامي والمغربي.. أنا عاد غمزت أمي.. إنه سكري السالفة بدون نقاش.. عبدالله ضحك: والله إن خالي نايف أجودي ورجال فيه خير.. جوزاء بابتسامة: فيه خير لروحه ولخواته.. أنا وأنا مرت ولد أختهم وعارفين لساني طويل ومع كذا ناشبين في حلقي.. أشلون مرت أخيهم الوحيد.. لا وشعاع على قولت المثل القطوة تاكل عشاها.. أشلون بتتعامل مع خالاتك المفتريات؟؟ عبدالله ضحك: خلش من خالاتي وقومي حطي عباتش واقعدي معي براحتش.. جوزاء وقفت لتخلع عباءتها لتعلقها هي وشيلتها.. حينها ابتسم عبدالله بشجن عميق جدا.. حينها همست جوزاء بابتسامة: لا تكون تضحك على كرشي اللي غصبتها تدخل في الفستان.. عبدالله بشجن عميق: لا حرام عليش تو الناس على الكرش.. بس تذكرت موقف مثل هذا.. في زواجنا الاولي.. رحتي تحضرين عرس عقب زواجنا بحوالي شهر ونص.. وكان فستانش لونه أخضر.. أذكره مثل الحلم.. حينها همست جوزاء بشجن أعمق مغلف بحزن رقيق: أتذكر.. ذبحت روحي من كثر ما تزينت تيك الليلة.. وماكان عشان العرس.. كان عشان أعجبك أنت.. ورجعت وأنت مثلك الحين قاعد على كمبيوترك.. ولا حتى عبرتني.. قعدت قريب منك.. وقعدت.. وقعدت.. أقول الحين بينطق.. الحين بينطق كلمة وحدة ما عبرتني فيها ولا حتى نظرة.. تقول كمبيوترك كان فيه سر الذرة وبيطلع بين إيديك من كثر ما كنت تطقطق عليه.. قعدت ساعتين كاملة مقابلتك..وأخرتها حسيت نفسي ما أسوى شيء... قمت للحمام.. وبكيت تحت الماي.. وبكيت.. وبكيت.. وبكيت لحد ما انتفخت عيوني ووجهي.. وكنت أحاتي تطلع وتشوف وجهي.. لما طلعت لقيتك نمت على كنبتك.. وجهك للكنبة وظهرك لي.. رجعت للحمام وبكيت وبكيت وبكيت.. لحد خلاص ما حسيت إني بانهار من كثر ما بكيت.. تركها تتكلم وتفرغ ما بداخلها.. فهو يعلم أنه مهما يكن مازال في روحها وجع كبير من تلك الفترة مهما تكلما عنها ثم شدها ليجلسها ويحتضنها بقوة وحنو.. حينها بكت أيضا وهي تدفن وجهها في كتفه.. فالذكرى حتى لو كانت مضت.. ذكرى موجعة.. موجعة!! احتضنها بقوة وهو يهتف بعمق موجوع: زين خليني أقول لش اللي صار بس من ناحيتي.. يوم سمعت صوت تحريكش للباب.. خذت الكمبيوتر اللي كان مطفي أساسا.. كأني أبي أحتمي فيه منش.. تدرين إني أساسا كنت قاعد أنتظرش.. وأبي أعذب نفسي بشوفتش.. وكنت باتصل وأقول ليش تاخرتي يوم سمعت صوت الباب يتحرك.. كنت أطقطق على كمبيوتر مطفي.. وخايف تلفين وتشوفينه.. وفي نفس الوقت آخر همي إنش تشوفينه.. لأني كنت مشغول فيش أنتي وبس.. أسرق عيني من تحت لتحت وأحيانا أخذ راحتي وأنتي سرحانة وتفركين يديش.. حسيت يومها إن اللون الأخضر أحلى لون في العالم.. وياليت الدنيا كلها خضراء حتى البيوت والسيارات.. كنت أطقطق على الكمبيوتر بكل قوتي عشان أدس ارتعاش يدي.. كنت بأموت..بأموت.. بأموت بكل معنى الكلمة.. بأموت أبي ألمس طرف كمش الأخضر.. ألمس طرف شفايفش.. أشم ريحة عطرش من قريب.. تعبت نفسيتي وأنتي قاعدة مقابلتني.. أقول الحين بترحمني وتقوم.. الحين بترحمني وتقوم.. بس كنت حاسس إنش مستمتعة بتعذيبي.. والله العظيم حتى وصف التعذيب شوي في اللي حسيته ذاك اليوم.. وكنت أقهر روحي وأقول لنفسي: أنت منت بكفو لها.. خاف ربك تنجس مثل ذا الطهارة.. وكل ماحسيت نفسي بتغلبني.. قعدت أطقطق أكثر على الكمبيوتر.. حسيت الازرار بتنكسر من يدي.. وأخرتها صدق واحد منهم انشلع برا الكيبورد.. ومسكته قبل تشوفينه.. ويوم رحمتيني أخيرا وقمتي.. تدرين وش سويت قمت وجلست مكانش.. قلت ياحظها الكنبة اللي لامستش.. ياحظه الهوا اللي لامس خدش.. وعقبه اندسيت في كنبتي ما أبي أشوفش لا طلعتي.. كنت حاس إني بانهار صدق!! تكفين ياقلبي ما تخلين شيء من ذكريات تيك الفترة تضايقش.. لأنه لو أنتي استوجعتي من أي موقف تأكدي إني استوجعت معش وأكثر.. حينها انفجرت جوزاء في بكاء مختلط بالشهقات.. بكاء عذب مطهر الروح.. وهو يشدها لحضنه بقوة.. وكتف (فانيلته) البيضاء فسد تماما من أثر زينتها المختلط بدموعها... همست بابتسامة باكية وهي ترا هذه الآثار: والحين بعد صار وجهي مهرج ويفشل وأنا اللي كنت أبي أقعد أسهر معك بكشختي!! مسح وجهها بكفيه وقبلاته وهو يهمس بحنان ووله حقيقين: أنتي في عيني أحلى ماخلق ربي على كل حال.. ********************************* " يا الله وش ذا الهم!! البيت كنه قبر من غيرها!! يا الله يمه.. ما أثقل الليلة من غيرش" هاهو يصعد الدرج بعد أن قضى ساعات تعذيب في مجلس زايد.. واضطر أن يجبر نفسه أن يبقى لساعة إضافية بعد مغادرة زايد لأخذ أمه.. لم يحضر حتى مع زايد كما كان يفترض وهو يشير له أن المكان مكانه.. بينما كل ما أراده أن يهرب من مشهد مغادرة أمه مع رجل غريب سيأخذها منهم.. ما كان سيحتمل هذه المشهد.. ويعلم أن والدته ستتفهم ذلك ولن تتضايق من عدم حضوره.. فأمه كانت تفهمه من دون كلمات.. ولا إشارات.. قلبها يشعر به دون أي لغة تواصل.. " يا الله يمه.. وشلون بأتحمل العيشة عقبش؟؟ كل شيء بارد ولا له طعم!!" لم يخطر بباله أن يمر بأحد من شقيقتيه.. فوضحى غاضب منها هذه الليلة أكثر وأكثر.. ويخشى أن يُفجر كل غضبه فيها.. وكاسرة يخجل من اقتحام خصوصيتها حين تغلق بابها.. فمهما كان هي شقيقته الكبرى.. لذا توجه لغرفته مباشرة.. حين دخل.. كان هناك شيئا مختلفا.. واختلاف جذري!! كانت الغرفة تغرق في أضواء خافتة.. وسميرة تكمل المشهد المختلف بأناقة مختلفة!! مازالت تحتفظ بتسريحتها وزينتها ولكنها خلعت فستان السهرة الطويل لترتدي فستانا قصيرا بلون وردي ناصع مزين بدانتيل فضي.. لا يعلم لماذا النظر لها زاده ألما فوق ألمه.. هل تحاول تعزيته بهذه الطريقة الفاشلة؟؟ هل تحاول أن تنسيه مراراته الليلة بشيء يعلم أنها لا تقصده!! وحتى لو قصدته فهي لا تفعله باقتناع.. يشعر بالتعب من كل شيء.. وهو يشعر أنه يغرق في عالمه الصامت أكثر وأكثر دون أن يجد يدا تُمد له.. فمن كانت أكثر من تفهمه..وضحى.. صدمته بقسوة.. ويعلم أنه سيحتاج للكثير حتى يستطيع مسامحتها.. من كانت بتفهمها أقرب له من أنفاسه.. أمه.. هاهي ترحل وتتركه.. من بقي له؟؟ هذه التي تسخر منه ومن رجولته وتتلاعب به كأنه بلا مشاعر؟؟ هذه التي تريد أن تذله بحسنها وهو يراها مكتوب عليها ممنوع اللمس.. تعبث به.. تعبث به.. هذا هو ماتفعله الآن!! يبدو أن هذا كل ما تفعله منذ تزوجا.. وفي كل مرة تخطر ببالها لعبة جديدة تريد أن تجربها فيه.. تجربها فيه دون رحمة.. دون تفكير.. متعب.. متعب.. متعب.. ماذا تريد منه؟؟ أن يطلق رصاصة الرحمة على نفسه أمامها حتى تفقد لعبتها التي كانت تلعب بها؟؟ حتى ترحمه من هذا العبث العقيم الذي بات يثير اشمئزازه منها!! أصبح الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) .. والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف.. كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف.. تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع.. دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة.. ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها.. الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها.. لن يحتمل!! لن يـــحتمل !! ***************************************** " عبدالرحمن أنت أشفيك الليلة؟؟ تتغلى علي يعني؟؟ اليوم ولا مرة كلمتني.. وأنا أحاول أتغلى وأقول بأنتظر لين تكلمني.. بس طلع أسلوب التغلي خرطي.. وما قدرت أصبر يا الدب.. مهوب كفاية إني مابعد بردت خاطري فيك من سالفة كراتين الموز البارحة وشكلي لو ماكلمتك الليلة.. ماكان لك نية تكلمني حتى!!" أجابها بيأس عميق: يمكن أهرب من شيء بس أنتي ماسمحتي لي!! انقبض قلبها فورا بعنف.. لأول مرة تسمع نبرته هكذا.. وليست أي نبرة.. نبرة مشبعة بالوجع والياس.. ردت بقلق عميق: عبدالرحمن فيه شيء يوجعك؟؟.. طالبتك ما تدس علي!! رد عليها بألم شفاف.. فالعلاقة بينهما فعلا أصبحت غاية في الشفافية: أنا اللي طالبش ما تروعين كذا عشاني.. وأنا مافيني شيء.. بس أنا أبي أقول لش شيء وخايف ما تفهميني.. حينها كادت تجن.. وصوتها يختنق برقة موجعة: أنت وش أنت داس علي؟؟ اليوم كان عندك موعد وما كلمتني تقول لي وش صار؟؟ وأنا ما تروعت من شيء.. لأنك قلت لي موعد تدليك عادي.. وش قالوا لك ؟؟ وش قالوا لك؟؟ قالوا لك ما تقدر تمشي؟؟ عادي.. عادي.. لا أنت أول ولا آخر واحد يعيش حياته يستخدم كرسي متحرك.. وأنا ما عندي مانع.. والله العظيم بأحطك فوق راسي وأني ما أشتكي في يوم.. بس تكفى لا يكون طاري على بالك خبال المثالية.. وتقول ما ابي أظلمش معي وذا الخرابيط.. ترا ذا فيلم عربي أيام الأبيض والأسود.. ماعاد يمشي الحين!! شعر أن ألم قلبه يتزايد بعنف أشد " يا الله ما أعذبها !! أتكون تفكر هكذا وأنا أريد جرحها بأقسى طريقة ؟!!" هتف لها بذات النبرة اليائسة: تكفين لا تقولين كذا.. تصعبين علي السالفة.. والله العظيم الكلام نشب ببلعومي.. حينها اختنق صوتها تماما وبدا أثر البكاء واضحا فيه: خلاص والله ما أقول شيء.. بأسكر حلقي.. بس طالبتك ما تدس علي شيء.. قل لي وش فيك؟؟ عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات: عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش.. خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها.. عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله.. شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة.. ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب.. وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها.. تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو.. كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله.. لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة: عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !! #أنفاس_قطر# ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والسبعون عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات: عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش.. خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها.. عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله.. شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة.. ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب.. وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها.. تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو.. كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله.. لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة: عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !! حينها ذابت الشهقات في صدرها كالسم المتعفن المر وهي تهمس بتبلد: نعم؟؟ وش قلت؟؟ عبدالرحمن بصعوبة: أبي أتزوج وضحى بنت خالي.. عالية بذات التبلد: تتزوجها؟؟ ليش أنت عزابي يعني؟؟ أنا ويش؟؟ كيس شعير؟؟ عبدالرحمن بذات الصعوبة: أنتي قلبي وحبيبتي ومرتي.. بس لازم أتزوج وضحى بعد.. لا أنا أول ولا آخر واحد يصير عنده مرتين.. عالية بذات التبلد وكأنها فقدت الإحساس تماما: مرتين؟؟.. ياعيني..لا والله يا شهريار زمانك؟؟.. وأنا اللي كنت بأموت عشانك أحسب فيك شيء.. أثر الأخ يبي يتزوج مرة ثانية.. وهو حتى مابعد تزوج مرة أولى.. براحتك عبدالرحمن.. تزوج.. على قلبك بالعافية.. عبدالرحمن بصدمة حقيقية وهو يشعر بضيق فعلي وألم أكثر قوة أن الموضوع لم يهمها: يعني ما عندش مانع أبد؟؟ عالية بذات التبلد الغريب الذي أحاطت به مشاعرها: وليش يصير عندي مانع.. طلقني.. وتزوج أربع يا ولد فاضل.. عبدالرحمن بصدمة أشد: أطلقش ؟؟ مستحيل.. مستحيل.. حينها انفجرت تماما.. انفجرت.. انفجرت.. بل الانفجار لا يعبر مطلقا عن حالة الثورة الغاضبة التي مزقتها تماما: نعم؟؟ مستحيل يا قلب أمك...؟؟ تقول مستحيل؟؟ المستحيل أنك تفكر إني أنا بأوافق تجيب ضرة على رأسي وأنا على ذمتك.. يا الخاين.. يا النذل.. يا الحقير.. أنت كل قاموس الشتايم ما يكفيك.. أشلون هان عليك تطعنني كذا.. يا أخي كان طلقتني وعقبه ذلفت في أي داهية تعرس.. لكن أنا قاعدة أتغزل فيك ليلة من جدي.. وأنت تكذب علي.. وتخطط مخططات أكبر.. عليك بالعافية بنت خالك.. غطها على قلبك.. بس طلقني.. طلقني.. يا الخاين.. خاين.. خاين.. خاين.. ونذل وحقير.. كانت تريد أن تبكي دما بدل الدموع.. ولكنها يستحيل أن تشمته فيها.. شعرت أن كل مرارات العالم وقسوته وحشيته لا تساوي ما يحدث لها الآن وعلى يد من؟؟ على يد عبدالرحمن!! عبدالرحمن!! عبدالرحمن الذي كان لها بلسم الروح.. ونسمة الحياة!! عبدالرحمن هتف بتهدئة حانية: هدي حبيبتي هدي.. والله العظيم مقدر زعلش.. بس اسمعي مبرراتي أول.. عالية بغضب عارم: أي مبررات؟؟ أي مبررات؟؟ بنت خالك كانت قدامك ذا السنين كلها.. ليش تخطبني وأنت تبيها؟؟ ليش تعلقني فيك وأنت قلبك لغيري.. ليش؟؟ ليش؟؟ عبدالرحمن بذات نبرة التهدئة المثقلة بالوجع: تكفين عالية افهميني.. وضحى أخت امهاب.. مستحيل أخليها عقب ما تزوجت أمها وخلتها.. أشلون أزور قبر امهاب وأنا مخلي أخته.. لو أنا اللي صار لي شيء مستحيل كان يخلي امهاب هلي.. عالية بذات الغضب المتفجر: وانت توك تكتشف إن امهاب مات.. وما تبي تخلي أخته..؟؟ إلا قول يا النذل الخسيس إنك كنت تبي تتأكد إني ما أقدر أستغنى عنك وإني ممكن أرضى بأي شيء عشان أكون جنبك.. والحين يوم تاكدت.. قويت قلبك وقلت أصير شهريار زماني.. لا لا لا.. اصح يا بابا..أنا عالية بنت خالد.. وإذا تظن إن قلبي بيذلني لك.. فأنت ما عرفتني.. أدوس قلبي بروحي وأفعصه تحت رجلي.. قدام حد يدوسه.. عبدالرحمن يقدر غضبها ومازال يحاول تهدئتها: والله العظيم وربي اللي خلقني إن فكرة الزواج من وضحى ما صارت برأسي إلا عقب ما تزوجت أمها.. قبل كذا أنا كنت حاسس إني عايش أحلى غيبوبة معش.. صرت ما أفكر في شيء غيرش.. وأنا مشغول فيش ومعش عن كل شيء في الكون.. حاس حياتي كلها متعلقة على طرف شفايفش.. والله العظيم ولا خطر في بالي إني أجرحش كذا لين تزوجت أم امهاب.. حسيت كن حط عطاني كف على وجهي.. خالتي مزنة مرة قوية.. وما كنت خايف على وضحى وهي معها.. بس الحين وضحى مثل الأمانة في رقبتي.. وضحى هذي أخت امهاب.. امهاب اللي قطعة من روحي راحت وخلتني.. أخلي الحين قطعة من روحه بدون سند حقيقي!! وضحى شخصيتها لينة واجد.. ومحتاجة لها سند.. وامهاب كان دايما يحاتيها.. ما أقدر أخليها.. افهميني عالية الله يرحم والديش.. أنتي صرتي أكثر وحدة فاهمة أشلون كانت علاقتي بامهاب الله يرحمه!! والله العظيم السالفة عليّ أصعب منها عليش.. لأني فعلا ما أبي وضحى.. وأشلون أتزوج وحدة وأنا عارف إنه مالها في قلبي مكان.. بس غصبا عني غصبا عني.. افهميني.. عالية بغضب متفجر مدمر: وتبيني أصدق ذا الكلام يا الكذاب... وضحى عادها صغيرة وبيجيها نصيبها.. وماشاء الله هذا تميم عندها.. رجّال كداد وماعليه قاصر.. لا تدور عذر لعينك الزايغة.. يعني أنت الحين يا المكسح شايف نفسك أحسن من تميم.. ؟؟ وش زودك عليه...؟؟ الله يأخذ قلبي اللي ذلني لواحد مثلك!! رغم قسوة تجريحها.. ولكنه لا يهمه شيء غيرها لذا هتف بيأس عاشق حقيقي: تكفين عالية لا تصيرين كذا.. والله العظيم أنا أتعذب.. و وضحى مسكينة عمرها ماتقدم لها حد غيري.. وأنا تقدمت لها عشان أناسب امهاب بس.. عشان ما تزعلين بعد.. يعني لو فيه نصيب لها كان قد جاها .. عالية تكاد تنفجر غضبا ويأسا وحزنا: باقي عندك شيء ما جرحتني فيه يا النذل؟؟ وبعد خاطبها قبلي.. وتبي ترجع تخطبها بعد..؟؟ روح اخطبها.. روح لحبيبة القلب.. عليك بالعافية.. عبدالرحمن بذات اليأس الهائل: عالية.. أنا ماراح أتزوجها الحين.. بس أنا مقرر أسويها عقب ما نتزوج.. وما أدري حتى لو وضحى هي بتوافق علي.. بس أنا مقرر ذا المرة إني مستحيل أخليها.. وماحبيت أني أخدعش.. لأني لو خدعتش كني أخدع نفسي.. بغيتش تكونين على بينة حبيبتي.. عالية انفجرت باكية ماعادت تحتمل.. انهرت دموعها وشهقاتها ويأسها: لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي.. حبتك قرادة يا الخاين.. طلقني.. طلقني.. ما أبيك.. ما أبيك.. ما أبيك يا الخاين.. ثم أغلقت هاتفها في وجهه.. رن هاتفها عشرات المرات ربما.. بينما هي منكبة على سريرها تنتحب وترتعش كالمذبوحة.. مذبوحة فعلا.. مـــذبـــــوحـــة !! بينما هو منذ سمع صوت بكاءها وهو كالمجنون يأسا وحزنا وقهرا.. ولم يكل عن الاتصال بها حتى أذن الفجر.. وأرسل عشرات الرسائل يرجوها أن تطمئنه عنها.. ولكن دون أي رد.. يعلم أن مافعله جارح ومؤلم لأبعد حد.. لكنه كان يعتمد على قوة عالية التي يعلمها.. لم يعلم أن المرأة التي تحب فعلا يستحيل أن ترضى بأنصاف الحلول.. وحين تُجرح قد تصبح نمرة مفترسة!! كان مجروحا بجرح أعظم زاده إحساسه بالعجز.. يعلم أنها الآن.. تبكي.. منهارة.. مثقلة بالجرح..!! هي التي أصبحت نبض روحه.. ودفء أنفاسه عاجز عن مواساتها.. او حتى الاعتذار لها.. والأشد قسوة أنه عاجز حتى عن الاطمئنان عليها.. لتغضب منه كيف شاءت ولكن ليتها تطمئنه عنها.. فقط تطمئنه!! آلمته يده لكثرة ماحمل هاتفه وأتصل وأرسل.. دون رد.. دون رد!! ***************************************** أصبح تميم الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) .. والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف.. كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف.. تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع.. دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة.. ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها.. الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها.. لن يحتمل!! لن يـــحتمل !! هــــي.. تعلم أن تميما صبر عليها كثيرا.. كل ليلة تتزين له.. وهي تقرر أنها لابد أن ترضيه الليلة.. فكيف يستطيعان أن يتمازجا روحيا فعلا.. وهي مازالت تضع بينهما هذا الحاجز ؟؟ ولكنها في كل ليلة كانت تجبن.. لتثير خيبة تميم وهو يرجوها ألا تكرر هذا التصرف.. ولكنها تكرره لأنها ترجو أنها اليوم ستتشجع.. ألم عميق يتجمع في روحها.. لأنها تعلم مقدار الألم الذي تسببه له.. ليلة بعد ليلة!! لذا الليلة قررت أنها لن تتراجع.. حتى لو لم تتقبل الأمر نفسيا ستجبر نفسها من أجله.. ومن أجل حقه عليها.. ربما حين تكسر هذا الحاجز حتى لو عنوة.. ستجد أن الحواجز بينهما تكسرت فعلا.. وتميم يستحق منها أن تفعل ذلك من أجله.. فرجل آخر لن يحتمل كل هذا الجفاء من زوجته!! لذا كان استعدادها لهذه الليلة مختلفا فعلا.. بأناقتها واستعدادها.. وخصوصا أنها تعلم أنه محتاج فعلا لصدر يطرح عليه همومه التي بلغت ذروتها الليلة.. حين رأته دخل.. وقفت لاستقباله بابتسامة حانية.. بينما هو حين دخل.. لم يشر لها بالسلام حتى.. بل دخل بشكل مباشر.. وأخذ له غيارا .. واستعد للخروج.. حينها أوقفته سميرة وهي تشير له باختناق حقيقي موجوع: تبي تهرب مني مرة ثانية للمجلس..؟؟ تأخر بصرامة وهو يقطب جبينه بحزم موجوع بالغ: لا ذا المرة ماني بهربان من حسنش اللي ماقدرت أقاومه.. ذا المرة أنا بأخذ لي غرفة ثانية لي وبأنقل أغراضي كلها لها.. وخل هلي يدرون.. لأني خلاص انقرفت منش ومن تغليش.. على ويش ذا التغلي..؟؟ شفتي روحش غالية قلتي أذله بغلاي؟؟ أو قلتي أنا خسارة في ذا اللي ما يسمع ولا يتكلم؟؟ يا بنت الناس لو أنتي عفتي شوي.. تراني عايف واجد..!! طلعتي روحي!! بغيتي تقعدين حياش الله مثلش مثل وضحى.. وش تفرق؟؟ كلنا أخوان !! مابغيتي.. وتبين تروحين لهلش.. حقوقش بتوصلش كاملة وزيادة دبل.. وخلصنا من ذا الموال اللي ماله معنى!! ****************************************** مازالا على ذات الجلسة بعد أن صليا قيامهما.. لتهمس له مزنة بتهذيب عذب: " ماعليه أبو كساب ممكن تسمح لي بسؤال لو سمحت.. ولو مابغيت تجاوب براحتك" زايد ينظر لها بتعجب لا يخلو من مرارة غريبة فعلا.. !! رقيقة.. رفيعة التهذيب.. واثقة دون تبجح.... و..... مختلفة.. مختلفة تماما.. لا يتخيل أن مزنة السابقة قد تستأذن بكل هذا التهذيب الرفيع لمجرد أن تسأل.. مزنة كانت لتسأل بكل تبجح.. وآخر ما يهمها رغبة الآخر بالرد من عدمه..!! هتف لها بثقة رجولية لا تخلو أيضا من لباقته الرفيعة.. فليست مزنة فقط من تغيرت يا زايد !! ..: أم امهاب.. هذا أنا إحنا في بداية حياتنا سوا..إذا بغيتي تسألين عن شيء.. إسالي ولا تهتمين.. وبدون استئذان.. مافيه داعي تحطين حاجز بيننا.. إن كان شعر بالمرارة غير المفسرة لتغيرها الإيجابي.. فهي ابتسمت باستغراب وإعجاب لتغيره الإيجابي.. فزايد الشاب ربما لو قالت له سأسألك سؤالا.. لربما قال لها (وتستأذنين أنتي وجهش ياقوية الوجه؟!!) وإن كانت على كل حال تعلم أن من هو في مكانته ردوده دائما محسوبة ولبقة.. همست باحترام: مرة ثانية خلني أقول اسمح لي بالسؤال لأنه يمكن أنت ماتبي تجاوبه.. أبو كساب.. وش السبب اللي خلاك ترجع تخطبني عقب ذا السنين كلها..؟؟ عشان كساب؟؟ ابتسم زايد بفخامة: وأنتي وش اللي خلاش توافقين علي عقب ذا السنين وعقب مارديتيني مرتين..؟؟ عشان كاسرة؟؟ ابتسمت بعذوبة: مع إنه مايصح تجاوب السؤال بسؤال بس قدرك ما يسمح لي ألف وأدور معك.. أبو كساب أنت أكيد مانسيت أنت وش كنت مسوي فيني وحن صغار.. اتسعت ابتسامتها أكثر: أنت تدري إني كنت قبل أطلع رأسي من الباب.. أطل مع فتحة الباب أشوف أنت قاعد في دكتكم وإلا لا.. لو لقيتك قاعد ماطلعت.. والمشكلة إنك قاعد 24 ساعة.. ما أدري وش تسوي ذا كله؟؟ وإذا في الأخير اضطريت وطلعت.. نطيت في حلقي.. وش مطلعش؟؟ وارجعي وأنا بأجيب لش اللي تبين؟؟ وأنت تذكرني بعد.. الحمدلله والشكر على نعمة العقل.. كنت مرجوجة ولساني طويل.. ولو قلت لي كلمة.. قلت لك عشر.. وبصراحة عقب ماضربتني استوجعت منك واجد.. كانت أول وآخر مرة انضرب في حياتي.. كان مستحيل أوافق وأنا حاسة إنك بس تبي تاخذني عشان تضربني وتكسر شوكتي.. ولو افقت عليك وقتها.. صدقني ماراح نتوالم.. وما أسرع ما بنتطلق!! حينها بشعور أو بدون شعور.. مد كفه اليمنى ليمسح على خدها اليسار.. وهمس كأنه يكلم نفسه: أجعتش واجد وقتها..؟؟ همست بحرج وهي تتأخر قليلا: ياه يا أبو كساب.. راحت.. وراح وجعها.. " ولكنها في داخلي لم تذهب لم تذهب.. ولم يذهب وجعها ليتك تعلمين أني حين خرجت من بيتكم ضللت ألكم الجدار حتى أدمت يدي وكأنمي أريد أن أعاقب اليد التي جرؤت على إيلامك مع أنني آلمت روحي قبل أن آلمك.. أو الأصح قبل أن أؤلمها هي.. مزنة.. تلك البعيدة الغائبة يا الله يا مزنة.. لماذا أشعر بكل هذه التعقيدات؟؟ أين ذهبتِ أنتِ؟؟ " زايد ماعاد يعلم أي مشاعر غريبة تجتاحه بغرابته.. ينظر لمن أمامه ويبحث في ثناياها عن أنثى أخرى اختفت ولن تعود أبدا.. زايد اقترب منها أكثر.. أرادت في داخلها أن تتأخر.. ولكنها منعت نفسها من التحرك.. فهي متدينة.. حافظة للقرآن ويستحيل أن تمنع زوجها حقا إن أراده.. ومن ناحية أخرى تعلم أن الإحساس البالغ بالتوتر والجفول حتى ولو كانت تشعر به فعلا.. لا يتناسب مع وضعها ولا وضع زايد.. لكنها لا تستطيع منع نفسها من الشعور بالاختناق فعلا .. وأناملها ترتعش حين رأته يميل على خدها اليمين حيث كانت كفه تسكن قبل ثوان.. لتسكن شفتيه مكان كفه على خدها في قبلة دافئة مختلفة.. ويـطـيـل.. لدرجة زادت في اختناقها أكثر..وأكثر.. كان يتنفس عطرها من قرب.. يتنفس بعمق.. مازال يبحث عن مزنة الأخرى.. ربما كانت تختبئ تحت جلدها.. يريد أن يشعر بها بأي طريقة.. ربما لو تنفس واستنشق بصورة أعمق سيجدها.. يستحيل أن تكون اختفت هكذا.. حتى رائحتها اختفت!! كل ماكان يشمه.. رائحة أنثوية دافئة عطرة مثيرة.. وناضجة لأبعد حد.. ولكنها ليست رائحة مزنة.. ليست رائحة مزنة التي كان يشعر بها تعبق في الأجواء دون أن يقترب منها حتى.. وهاهو يتنفس عبق هذه الأخرى من أقرب مكان..ملتصق بها.. ويجد رائحة مختلفة.. مختلفة تماما.. حينها همست مزنة بحرج بالغ: أبو كساب لو سمحت خلاص.. أحرجتني الله يخليك.. أخرجته من دوامته الغريبة التي كان فيها.. وربما لو لم تخرجه لا يعلم حتى متى سيستمر ملتصقا بها.. تأخر قليلا وهتف بثقة راقية: آسف ماكان قصدي أحرجش.. بس من يشوف ذا الزين قدامه ويمسك روحه؟؟ وجد أن هذا التبرير قد يكون مرضيا لامرأة مثلها.. حتى وإن كان لا يقصده تماما.. فهو على جانب كبير من الصحة.. مزنة صمتت.. في داخلها غير مرتاحة لهذا الاندفاع ولكن هل بيدها حيلة.. همست بذات التساؤل الذي لم يجب عليه.. علها تعيده لعالم الحوار: تراك ماجاوبتني على سؤالي.. ما تبي تجاوب.. قل لي.. عشان ما أكرره.. ابتسم وهو يقف ويهتف بثقة: تعالي باسولف لش اللي تبينه بس وانا منسدح.. لأني طول اليوم صالب روحي ما تمددت ولا حتى شوي.. مزنة توترت أكثر وهي تقف وتتبعه.. حتى دخل إلى غرفة نومه.. خلع ملابسه ودخل ليغتسل.. وحين خرج كانت تجلس على مقعد التسريحة دون أن تستبدل جلابيتها.. أغلق الإضاءة التي على السرير.. وترك لها بقية أضواء الغرفة.. توجه لسريره..وتمدد على يمينه ثم أغلق عينيه.. صــمــت لدقيقة.. ومزنة مستغربة منه.. ردات فعله غير متوقعة.. حــــيــنــــهـــا همس بنبرة مختلفة.. مختلفة.. تذيب القلب تماما كما لو كان ينادي من عمق عمق روحه: مـــزنــــــة..!! إن كان غاويا للنكد.. واستكثر على نفسه قربها.. وهو ربما يبحث عن أسباب تقف بينهما حائلا.. فهو الآن على الأقل يستطيع أن يغذي جوع روحه المتطاول بمناداة اسمها الذي سكن روحه... وسماع همسها الذي لم يتغير.. مزنة وقفت وهي تقترب وتهمس برقة: لبيه.. همس لها بذات النبرة المختلفة.. النبرة التي كانت لتكون لمزنة وليس لسواها وهو مازال مغلق العينين: مزنة اقعدي جنبي .. مزنة جلست على طرف السرير وأقدامها على الأرض.. لم تجرؤ حتى أن ترفع قدميها أو تمدد جواره.. همس لها بعمق: عطيني يدش.. وعقبه إسأليني اللي تبينه.. وقولي لي يازايد.. خلني أسمع اسمي لا غردتيه بصوتش.. مزنة رغما عنها اختنقت خجلا.. لم تتخيل هكذا غزلا رقيقا عذبا.. !! لكنها كانت مجبرة على تنفيذ طلبه!!.. لا تريد أن تعصيه وفي ذات الوقت لا تريد أن تبدو بمظهر توتر وارتباك تشعر أنه لا يناسب ثقتها بنفسها.. مزنة حينها كانت مجبرة أن ترفع ساقيها على السرير حتى تستطيع الاقتراب منه.. فطوت ساقيها تحتها وهي مازالت جالسة.. ثم مدت يدها له وهو مازال مغلق العينين ووضعتها في كفه المفتوحة الممدودة لها.. صدمها بعنف أنه تناول كفها ليقبلها بعمق مذهل ودفء متجذر.. لدرجة أنها شعرت أن كفها ستشتعل لحرارة أنفاسه وتوترها المتزايد.. ثم تناول كفها ووضعها تحت خده وهمس بعمق غريب.. غريب ومختلف عن أي عمق كوني: إسأليني يا مزنة.. ولا تسأليني ليه خطبتني يازايد.. إسأليني ليه ما نسيتني يازايد؟؟ مزنة همست بعمق خافت: وانت صدق مانسيتني يا زايد؟؟ كان هذا ما ينتظره لينثال.. وينثال.. وينثال.. كفها تلامس خده.. وهي تهمس له من قرب بصوتها الذي سكن روحه منذ دهور.. وعيناه مغلقتان.. فهو لا يرى شبح المرأة الغريبة التي تقف بينه وبين مزنة.. همس بعمق متجذر.. متــجــذر.. عمق كعمق تاريخ أزلي ضرب بجذوره إلى العمق: نسيتش؟؟ مزنة.. حد ينسى يتنفس الهوا؟؟ حد ينسى دقات قلبه أو يقدر يوقفها؟؟ حد يقدر ينسى الدم اللي يجري في عروقه..؟؟ هذا أنتي يا مزنة.. هواي اللي أتنفسه.. ودقات قلبي.. ودمي اللي يمشي بعروقي.. مزنة مصدومة فعلا ( هذا كذاب وإلا متعود يبالغ؟؟) شعر بارتعاش كفها تحت خده وهي تهمس بارتباك لم يظهر في نبرتها الهادئة برقي: مهوب كنك تبالغ شوي؟!! تناول كفها من تحت خده مرة أخرى ليغمرها بقبلاته بينما كفها تتزايد ارتعاشاتها.. ثم وضع كفها هذه المرة قريبا من قلبه وهتف بذات نبرته العميقة: أبالغ؟؟ المشكلة مهما حاولت أوصف الحكي بيكون قاصر.. شوفي أشلون يدش ترتعش من قربي.. وأنا طول عمري قلبي يرتعش مثل مذبوح عشانه ماطال قربش.. مزنة تشعر بالصداع والتوتر يتزايدان لديها (هذا مهوب طبيعي!!) لم تتخيل أنها قد تسمع هذا الكلام من رجل.. وبعد مرور هذه السنوات كلها!! أكمل انثياله المدفون في صدره منذ قرون وقرون: هان عليش يا مزنة تكونين لرجّال غيري.. هان عليش تعطين حقي لغيري.. هان عليش تذبحيني بدل المرة مرتين.. مستحيل واحد منهم كان يحبش أو حبش واحد على مليون من حبي لش.. مزنة ماعادت تستطيع منع صوتها أن يخرج بكامل توتره وارتباكه وكلامه غير المعقول يمزق عقلها المطارق: زايد الله يهداك.. لا تبالغ.. وقتها كنا بزارين.. وكلن راح في طريقه.. زايد على ذات النبرة العميقة المتجذرة: أنتي كنتي بزر وما اهتميتي.. يمكن.. بس أنا قلبي احترق.. احترق.. كل ليلة عرستي فيها.. مسكت لي لي جمرة في كفي.. أقول يمكن حر الجمرة يلهيني عن حر قلبي.. وعن التفكير إنش تنامين الليلة في حضن رجّال غيري.. أول عرس حرقت كفي اليمين.. وثاني عرس حرقت كفي اليسار.. الله يسامحني على الجهل وطيش الشباب ياكثر ماندمت إني سويتها عشان ربي.. وإلا لو علي لو قدرت أحرق قلبي صدق حرقته.. بس وش أسوي.. بغيت استخف.. بغيت استخف.. وعمر ماحد درا بسبب حرق كفوفي غير خليفة الله يرحمه.. مزنة كانت تظنه يتكلم عن حرق معنوي.. حتى أفلت كفها ليريها كفه اليمين.. ورغم ضعف الإنارة ولكن أثر حرق قديم باهت جدا بدا واضحا في المنطقة بين السبابة والإبهام.. هو مابقي من الحرق.. لأن الكفوف تلتئم بسرعة.. مزنة انتفضت بجزع حقيقي.. وهي تنكمش وتبتعد عنه.. ودقات قلبها تتصاعد بعنف مرعب.. حتى كاد قلبها يخرج من بين ضلوعها.. عاود الهمس بعمق: مزنة وين رحتي؟؟ مزنة همست باختناق: جنبك.. جنبك.. صــــمــــت.. فما قاله يكفيه عن دهور.. شعر أنه مستنزف من البوح..كما لو كان بركانا هائلا تمور حممه داخله لقرون ثم أطلقها دفعة واحدة!! وفي ذات الوقت كان يشعر أنه خفيف.. خفيف.. بعد أن تخلص من ثقل الاعتراف بمشاعره الثقيلة.. كما لو كان يحمل أثقال جبال فوق كتفيه حتى كاد ينهار من التعب ثم ألقاها أخيرا عن جسده ليستطيع أن يرتاح!! بينما مزنة تشعر كما لو كان أحدهم ألقاها من فوق هذه الجبال العالية.. وتشعر بجسدها مفتت من أثر الاصطدام.. " هذا أكيد يبالغ...يبالغ.. مستحيل يكون يتكلم من جده!! بس.. بس.. رجّال مثله وفي مركزه.. مستحيل يتكلم ذا الكلام حتى لو مبالغة.. ياربي رأسي يوجعني.. وعظامي حاستها مكسرة.. عمري ما توقعت إني ممكن أسمع كلام مثل هذا.. حتى ولا في أحلام المراهقة الخبلة" بعد مرور أكثر من ربع ساعة وكلاهما معتصم بمكانه.. سمعت صوت انتظام تنفسه دلالة على نومه.. فهو فعلا لم ينم منذ 3 أيام.. والجهد الذي بذله في مجرد البوح كان جهدا قاتلا فعلا.. كتمان 30 عاما نزفه في دقائق معدودة !! وهــي.. نهضت.. لتشد حقيبتها.. استخرجت فوطتها وروبها وقررت أن تستحم.. عل برودة الماء في هذا الوقت المتأخر تخفف بعضا من حرارة جسدها.. ربما طوال الأيام الماضية أحاطت مشاعرها بنوع من التبلد حتى لا تفكر.. لكن ماحدث لم يخطر لها ببال.. بتفكير أو بدونه.. خرجت ملتفة بروبها وهي تمشي بحذر رغم أن الجناح واسع جدا ويستحيل أن يصحو زايد على صوت خطواتها.. بعادتها التي لا تتغير كانت تحب تعطير شعرها وهو مازال رطبا.. لكنها الليلة قررت أن تغير استراتيجيتها حتى ترى كيف ستمر بها هذه الليلة العاصفة.. ارتدت بيجامة حريرية باللون الفستقي بأطراف من التور المطرز.. وأرتدت فوقها روبها المصمم على طريقة الكومينو الياباني.. بأكمام واسعة بأطراف من التور المطرز أيضا.. وبحزام حريري مطرز عريض جدا يُربط من الخلف.. شعرت أن هذا اللباس محايد وأنيق وفي ذات الوقت يعبر عن ذوقها الرفيع وفخامته حتى لا تبدو أمامه كما لو كانت غير مهتمة بمظهرها أمامه.. ثم ارتدت جلالها وقررت أن تراجع حفظها.. فهي تعلم أنها لن تنام في هكذا مكان غريب.. وتلاوة القرآن ستخفف كثيرا من توترها حتى وقت صلاة الفجر التي بقي عليها أكثر من ساعتين ونصف.. جلست في زاوية قريبا من زايد وأشعلت لها إضاءة قريبة منها حتى لا تزعجه وفي ذات الوقت إن صحا لا يظنها تركته وذهبت لمكان آخر.. ولكن قطع مخططاتها أنها بعد حوالي نصف ساعة سمعت همسا أشبه بالأنين.. كان صادرا من ناحية زايد.. وضعت مصحفها وخلعت جلالها وتوجهت له.. أرهفت السمع.. كان يناديها.. ويئن.. اقتربت أكثر بجزع.. همست وهي تقترب منه باحترام وقلق: ابو كساب فيك شيء؟؟ تبي شيء؟؟ كان مستمر في مناداتها وعلى ذات الوتيرة من الأنين الصادر من عمق روحه كما لو كان يتألم فعلا: مزنة.. مزنة.. رأت أنه من غير اللائق أن يناديها "مزنة".. وتقول له (أبو كساب) كما لو أنها تريد وضع حاجز بينهما.. لذا همست من قرب أشد وهي تنحني عليه: زايد أنا هنا.. تبي شيء؟؟ ولكنه لم يفتح عينيه وهو مازال يئن باسمها أنينا يمزق القلب.. اقتربت أكثر حتى جلست على الأرض على ركبتيها.. وهي تهمس له ووجهها قريب جدا منه وتهز كتفه برفق: زايد وش فيك؟؟ مستوجع؟؟ تبي شيء؟؟ حينها فتح عينيه.. الإضاءة ضعيفة جدا.. بالكاد يلمح وجهها.. وشعرها المتناثر على كتفيها.. همس بوجع خافت كما لو كان يكلم نفسه: مزنة.. أنتي جيتي؟؟ مزنة تشعر باستغراب (يا الله عدي ذا الليلة على خير.. الرجال شكله مهوب صاحي) ومع ذلك همست باحترام: أنا هنا يا زايد.. جيت.. همس بوجع أعمق بكثير: أبطيتي.. أبطيتي واجد.. لا تعلم لِـمَ شعرت رغما عنها بالألم يجاوب ألمه... فلا يمكن أن تكون معدومة المشاعر مع هكذا نبرة تذيب القلب: زايد هذا أنا جيت.. حتى لو ابطيت.. حينها سألها بذات النبرة العميقة التي يبدو فيها كما لو كان يكلم نفسه: مزنة تحبيني مثل أحبش؟؟ مزنة حينها تراجعت قليلا بجزع حقيقي وهي تهمس بارتباك جزع: نعم؟؟ همس لها بذات الوجع الداخلي العميق بنبرة تبدو مختلطة بالنعاس: قولي إنش تحبيني.. بأموت يامزنة.. بأموت ما ابتلت عروق قلبي.. مزنة لم تستطع أن تقول شيئا حتى( والله العظيم ذا الرجال مهوب طبيعي!!) ريقها جاف تماما وأناملها ترتعش بعنف.. مد يده ليمسح ظلال خدها غير الواضحة وهو يهمس بذات الوجع المتضخم: مزنة.. تحبيني؟؟ مزنة وجدت نفسها مجبرة على إسكاته بما يريد.. فيبدو أنه يهذي ولا يعلم حتى ماذا يقول.. وجدت نفسها مجبرة ومنذ ليلتها الأولى معه أن تقول له كلمة لم تقلها لأحد زوجيها السابقين.. فهذا الذي يحدث لها لم يحدث مطلقا من قبل!! همست له باختناق وباستعجال وهي تشعر بالكلمة كالأمواس على لسانها: أحبك يازايد.. همس حينها كمن تلقى طعنة قاتلة يعاني شدة ألمها وانهمار نزيفها: مرة ثانية يامزنة.. قوليها مرة ثانية.. شعرت بها أصعب من المرة الأولى بكثير لذا خرجت بطيئة مبعثرة: أحبك يازايد.. أحبك.. تبي شيء ثاني؟؟ لم يرد عليها ولكنه شدها من عضدها إلى جواره وهو يزيح ليوسع لها مكانا.. مزنة شعرت بقلبها يقفز في منتصف حنجرتها وهو يحتضنها بكل قوته.. ويهذي في عمق أذنها بكثير من الغزل العميق الموجع.. مصطلحات لم تسمعها في حياتها كلها.. والغريب أنه كان يهذي فعلا بنبرة عميقة دافئة شفافة مثقلة بوجع لا مثيل له.. وهي تشعر باختناق عميق وتأثر متعاظم.. لا تعلم هل هو من أجله أو من أجل نفسها..!! . . حينما صحا من نومه على صوت منبه هاتفه المؤقت على قبل صلاة الفجر بقليل.. مد يده ليشعل الإنارة أولا.. ثم ضغط على جانبي رأسه بقوة و هو يرى ظهرها ناحيته.. كان يحاول أن يتذكر بشكل واضح ماحدث.. ليجد نفسه عاجزا عن تذكر الأمور بتفاصيلها.. فهل تستطيع أن تتذكر الأحلام بحذافيرها؟؟ كان في حلم طويل.. عذب.. مليء بالهذيان.. كان يفتح عينيه ويغلقهما دون انتباه أن من كانت جواره كانت كتفاها ترتعشان بخفة.. وهي تحاول التوقف عن البكاء منذ رأته أشعل الأضاءة.. فهي لم تنم مطلقا وهي غارقة في بكاء خافت مثقل بألم شفاف لا تعرف له معنى!! لا تعلم لِـمَ كانت تبكي حتى؟؟ هـي تبكي؟؟ مزنة تبكي؟!! مزنة.. من دموعها كانت عندها أغلى من أن تنحدر لأي سبب كان.. ولم ينزلها إلا أسوأ النكبات وفي خفية عن الأعين.. كما تفعل الآن في خفية وهي تمسح وجهها.. وتأخذ لها نفسا عميقا.. لتستدير حتى تجيب على نداء زايد لها بصوت خافت: مزنة.. مزنة.. همست باحترام وهي تعتدل جالسة وتحاول ألا تنظر له بشكل مباشر: لبيه.. هذا أنا قايمة.. حينها انتفض بجزع وهو ينظر لها بذات الجزع كمن يصحو من نوم عميق.. ألـــم !! ألـــم !! ألــم !!.. ألم عميق.. عميق غاص في روحه حتى أقصاها.. ألم يجتاحه بعنف مرّ !! أهذه هي المرأة التي قضت الليل في حضنه؟؟ أ هذه هي المرأة التي هذى لها بكلمات حب أسطوري لم يهذي بها لسواها؟؟ أ هذه هي المرأة التي منحها في لحظات مشاعر وأحاسيس عجز عن منحها لأحد طيلة ثلاثين عاما؟؟ أ خان ذكرى مزنة من أجل شبح مزنة؟؟ والأسوأ من كل ذلك.. شعور ندم مر قارص المرارة تخلل كل شرايينه وأوردته وخلاياه.. أ عجز عن حب وسمية كما تستحق من أجل امرأة ماعادت موجودة؟؟ لو أنه علم فقط قبل أن تذهب وسمية كان ليمنحها حبا كانت تستحقه ووقفت مزنة بينهما فيه.. بينما مزنة كانت أساسا اختفت.. اختفت.. كما لو كنت نذرت حياتك ومشاعرك وكيانك لشيء لا جود له.. لا وجـــــود لـــــه أبدا!! *************************************** لم ينم مطلقا.. ولكنه بقي معتصما بغرفة التدريبات منذ صلى قيامه وأنهى ورده يتدرب حتى قبل أذان الفجر.. كان يريد شيئا يلهيه عن التفكير بمن يعلم أنها تجلس خارجا.. وكل ما يريده لو أنه يجلس أمامها حتى لو لم يتكلما.. يشبع عينيه من رؤيتها بعد أن أضناه الشوق لها حتى عمق العظام.. لم يتخيل أن كاسرة قد تقدر على الاستيلاء على مشاعره هكذا وفي غضون أشهر قليلة!! وهنا الفرق بينه وبين والده تماما... هنا الفرق الذي صنع الاختلاف!! قد يكون كساب غزت روحه كاسرة الطفلة.. وبقيت شيئا ثمينا نادرا في روحه.. هو الأساس العميق الذي صنع من إحساسه بها شيئا مختلفا عميقا.. ولكن كساب عشق كاسرة الأنثى لا كاسرة الطفلة.. كاسرة الأنثى التي أيقظت كل الحواس والجنون فيه.. جمالها وشخصيتها وعنفوانها وروحها.. كل ذلك.. أيقظ فيه رجولته وكبريائه وعنفوانه واندفاع روحه.. معها شعر أن روحه الميتة تصحو من جديد.. ولم يبحث في ثناياها عن ملامح طفولتها.. بل كانت ملامح طفولتها مرحلة انتقالية ليبهره نضج كل مافيها لدرجة الوجع.. هذا النضج الذي أذاب قلبه كانصهار الحديد.. وهكذا كان قلبه.. الحديد الذي انصهر!! كانت هذه أفكاره التي أرهقته روحه وهو يرهق نفسه في التدريب وافكاره كلها معها!!! ختاما.. ماعاد فيه صبر.. سيمر ليرى ما فعلت قبل أن ينزل.. على أن يتوضأ في المسجد وينتظر هناك حتى يأذن الآذان.. حين خرج لها.. وجدها مازالت تجلس بعباءتها وشيلتها.. وعلى وجهها معالم إرهاق مرير.. وكانت بالفعل مرهقة ومجروحة إلى أقصى مساحات الوجع.. فما فعله كساب فيها وهو يجرها إلى غرفته كالذبيحة دون احترام لإنسانيتها أو كونها زوجته أو احترام لأي شيء.. نسف كل ما بينهما نسفا.. وهي تشعر بامتهانه لمشاعرها لأبعد حد.. حتى حقها في الغضب والاعتراض والحزن يريد سلبه منها!! كساب حين رأها انقبض قلبه.. يبدو أنها لم تستسلم بعد.. لم يكلمها حتى.. قرر أن يؤجل المواجهة حتى يعود من الصلاة.. ولكنها على عكسه كانت تنتظر المواجهة.. كانت هادئة تماما حتى رأته فتح الباب... حينها قفزت وهي تحاول الخروج ليمسك بها كساب الذي كان يفتح الباب بحذر وهي تصرخ باستنجاد: عمي زايد.. عمي زايد الحقني.. كساب أغلق الباب بغضب بيد وهو يسد فمها باليد الأخرى.. ويهمس من بين أسنانه بغضب: بس يالخبلة تبين تفضحينا.. شدها هذه المرة حتى أوصلها لغرفة النوم.. آخر غرفة في الجناح.. كانت تقاوم بشدة فعلا.. ولكن مقاومتها العاتية لم تؤدي سوى لإجهادها هي ولم تؤثر إطلاقا فيه.. كساب لم يتوقع أن يأسها منه وأن رغبتها في تركه.. قد يدفعها أن تفضح نفسها هكذا.. بينما كاسرة فكرت في اتجاه آخر.. ستبقى بعباءتها وشيلتها حتى موعد الفجر حينها ستنتجد بعمها زايد الذي تعلم أنه لابد سيعبر نازلا لصلاة الفجر.. لا يهمها إن علمت والدتها وعمها زايد.. فهم حين يرونها بعباءتها سيعلمون أنه لم يحدث شيئا بينهما وانها قضت الليل مجبرة هنا.. لا يهمها حينها لو علم الباقون أنها باتت في بيت زايد قريبا من أمها.. المهم ألا يعلم أحد سواهما أنها باتت في غرفة كساب.. لا يمكن أن تسمح لكساب أن يفرض عليها نفسه ورغباته بهذه الطريقة وهو يسلبها إنسانيتها وحقها في اختيار حياتها حتى!! صرخت كاسرة بصوت عال فعلا وبغضب متفجر: ماراح أسمح لك تفرض نفسك علي.. أنا.. أنا.. أنا ما أبيك.. ما أبيك.. غصيبة هي.. كانت تريد أن تقول له " أنا أكرهك" ولكن حتى لسانها لم يطاوعها..وهي مستمرة في الصراخ.. كساب بغضب عارم: اسكتي قبل أسكتش غصب.. أنتي عارفة البيت كله عوازل صوت.. من اللي بيسمعش.. وكل واحد في غرفته.. وش بعدها.. كاسرة ما زالت تصرخ: كيفي بأصيح.. بأصيح لين أنفجر.. عندك مانع.. طلعني من هنا.. طلعني.. ما أبيك.. حينها وللمرة الثالثة يفعلها بها.. حين رأته اقترب علمت ما الذي سيفعله.. صرخت بيأس: لا لا.. حرام عليك حرام عليك.. مهوب كل شيء في الدنيا على كيفك.. ولكنها كانت بعد ثوان كانت تسقط فاقدة الوعي بين يديه.. حينها احتضنها بيأس وهو يجلس على السرير وهي في حضنه.. شد شيلتها عن رأسها.. ثم احتضنها بكل قوته وهو يدفن وجهه في عنقها ويهمس في أذنها بوجع عميق: أنتي ما تبين تنهدين شوي؟؟.. تعبتيني وتعبتي نفسش.. والله أني أحبش يا الخبلة.. أحبش.. عمياء أنتي ما تشوفين.. وإلا ماعندش قلب يحس.. خلاص حسي.. حسي.. لأني مستحيل أقولها.. الله عطاش رجال معقد.. الله خلقني كذا.. لازم تكسريني عشان تنبسطين يعني؟؟.. ياربي ياكاسرة.. أنا وأنا جنبش أحس إني من زود حبي لش أخاف أحرقش.. وأنتي ولا حاسة بشيء.. وش ذا البرود اللي أنتي فيه.. ؟؟ ثم قبّل أذنها قبلة وحيدة طويلة مثقلة بالأنين وكأنه يتمنى لو أوصل أنينه بعضا من ثقل مشاعره ووطأتها.. عبر إذنها لشرايين قلبها.. ثم حملها بخفة ليضعها على السرير.. مسح زينتها بسرعة بمناديلها التي مازالت على التسريحة.. ثم خلع عباءتها.. و خلع ملابسها..ثم غطاها.. ثم خبأ ملابسها وعباءتها في دولابه المغلق.. وكان هدفه من ذلك أنها لو صحت وهو في المسجد.. فهي لن تستطيع التصرف.. لأنها إن لبست ملابس أخرى وحاولت أن تستنجد.. سيعلمون أنها خلعت ملابسها.. وقضت الليل بعد أن مسحت زينتها.. وهذه أمور تحدث برضا الشخص لا رغما عنه.. !! لذا فهي لن تجرؤ على فعل ذلك ولن تستنجد !! حين عاد من الصلاة.. كان مستعدا لجولة جديدة من العراك.. ولكن ما أصابه بالجنون.. أنه وجدها مازالت على ذات الوضعية التي تركها فيها. حينها ركض لها بكل جنونه وقلقه ورعبه.. أ يعقل أنه أثقل عليها العيار وهو يضغط على العرق وأنها سقطت في غيبوبة؟؟ سيجن لو حدث لها شيء.. سيجن!! حينها انحنى عليها وهو يهزها بعنف ويصرخ بجزع: كاسرة.. كاسرة.. لتفتح عيناها بجزع وهي تعتدل جالسة: نعم.. نعم.. حينها انتبهت أين هي.. وأنها بملابسها الداخلية فقط.. صرخت بغضب وهي تشد الغطاء عليها: أنت وش سويت فيني يا الحيوان؟؟ وقف مبتعدا عنها وهو لا يعلم أ يحتضنها لسعادته أنها بخير..؟؟ أو يصفعها لأنها أخافته عليه لدرجة الموت..؟؟ أو يمزق شعرها لأنها تشتمه بهكذا شتيمة..؟؟ هتف ببرود قارص: وش سويت فيش يعني؟؟ شلت ملابسش بس.. وأنا ماني بحيوان.. رجالش يامدام ياذربة.. ولو بغيت شيء خذته منش وأنتي واعية.. تمنت حينها أن تدفن وجهها بين ركبتيها وتنتحب.. وتنتحب وتنتحب.. " يا الله هل لهذا الوجع نهاية ؟!! " هتف بحزم وهو يخلع ملابسه ويستدير لينام جوارها: قومي توضي وصلي.. وتبين تصيحين الحين.. صيحي على كيفش.. وإلا ليش تتعبين حبالش الصوتية؟؟... ترا مفتاح الجناح في الباب.. وتلفونش بتلقينه على الطاولة اللي برا.. ثم أردف بابتسامة خبيثة: يعني لا تقولين إني جبرتش تقعدين؟؟ وترا أبي يسلم عليش.. واجهته في المسجد.. وعلمته إنش شرفتي بيتش.. ************************************* قبل ذلك.. " علي أنا تعبتك واجد وأنا أسهرك كذا.. ماعاد باقي على صلاة الفجر شيء!!" علي ابتسم بإرهاق: هذي ليلة تاريخية لازم نخلدها بالسهر.. مزون بحنان: عقبال مانخلد ليلتك التاريخية أنت عقب أسبوعين.. ثم أردفت بخبث: وأنا اللي بأسهر معك بعد.. وبأقعد فوق رووسكم.. ابتسم علي بحنان: حياش الله.. ضحكت مزون: يا النصاب.. ما تبي إلا شعاع بس.. علي بشجن: يعني أنا أعرفها عشان أبيها.. خل نعرفها أول.. مزون باستغراب: تدري إني مستغربة منك.. نهائي ما سألتني عن شكلها أو طبايعها.. حتى كساب اللي حاط روحه أبو الهول سأل خالتي عن مرته قبل عرسهم.. علي ببساطة: كلها أسبوعين وأشوفها بروحي.. ليش أستعجل شيء صاير صاير.. تقدرين تقولين أحب أسوي صورتي عن مرتي بنفسي.. ما أبي صورة مسبقة.. مزون بمودة: زين وش صار على بشتك.. اشتريته أو بعد..؟؟ علي ابتسم بمودة: أبو الهول على قولتش.. تخيلي قبل أمس راح الحسا وشرا لي بشت ورجع على طول وعقبه جاب لي (الخبان) من سوق واقف لين المستشفى وخذ قياسي عشان يخبنه.. (الخبان والخبانة= خاصة بالبشوت والعبي) مع إني كنت أقول له.. الدولاب عندي مليان بشوت.. مزون بمودة: جعلك ماتذوق حزنه ولا يذوق حزنك.. ما أدري كساب أشلون قادر يركز في كل شيء كذا!! ثم أردفت: تدري أدق له أبيه ينزل يسهر معنا مايرد.. ابتسم علي بمرح: وماراح يرد.. لأن الأخ العزيز الليلة عريس مثل أبيه.. المدام رجعت الليلة.. وإلا مادريتي.. هو قال لي إنهم متفقين ترجع الليلة.. حينها شعرت مزون كما لو كانت ضُربت على رأسها.. في رأسها تخيل مرعب لما حدث تحاول انكاره.. وما يجرحها لأبعد حد مشاركتها في هذه المؤامرة وهو يستغلها فعلا لتنفيذ مخططه وهي تنفذ دون تفكير.. وهو يستغل محبتها اللا محدودة له لخداع زوجته وجلبها لمكانه رغما عنها.. ****************************************** حين عاد من صلاة الفجر.. وجدها مازالت تصلي.. استغرب من طول هذه الصلاة.. حين انتهت.. كان يتناول مصحفه ليقرأ ورده.. هتف بابتسامة فخمة: ماشاء الله هذي كلها صلاة؟!! ابتسمت مزنة وهي تطوي سجادتها: السنة إنك تقرأ السور الطوال في ركعتين الفجر.. وأنا أراجع حفظي فيها.. ابتسم وهو يجلس: ماشاء الله إبي جابر قال لي إنش حفظتي القرآن كامل.. الله يكتب لنا نفس الخير.. شعرت بخجل ما أنه يتتبع أخبارها لهذه الدرجة.. وشعرت بخجل ذكرى أعظم جعل أطرافها ترتعش كما لو مر عبرها ماسا كهربائيا.. وهي تراه أمامها وتنزل عيناها بخجل وهي تتذكر دفء واختلاف همساته ولمساته قبل ساعات ... شيء كانت تظنه مجرد حلم.. فلا يوجد رجل بهكذا رقي وحنان وعمق ودفء مشاعر واختلاف!!! حاولت الخروج من أسر أفكارها التي بعثت ألما شفافا في روحها ووجهها يحمر لمجرد التذكر.. استأذنته برقة: زين .. ممكن أقرأ وردي؟ أجابها زايد باستغراب: تستأذنين عشان تقرين وردش؟؟ فأجابته بذا الرقة: هذي نافلة مهيب فرض.. وحقك علي دامك موجود أستأذنك لو ترخص لي.. لا يعلم لِـمَ شعر بألم متزايد بغرابة عميقة.. أتستأذنه في عبادة؟؟ يعلم أن زوجة كهذه يشكر أي رجل نفسه عليها؟؟ أي نعمة ستكون هذه المرأة التي تعرف حقوق زوجها وتحترمها لهذه الدرجة!! ولكنه شعر بحزن عميق لأنه أيقن أن مزنة قد أختفت تماما.. اختفت.. فمزنة كان يستحيل أن تفعل هذا!! يستحيل!! يعلم أن التدين ومرور السنوات وتزايد الخبرة كلها أمور تغير الآنسان.. ولكن مزنة بقت في خياله تمثال أسطوري كما هي بشخصيتها وشكلها.. أسطورة زاد في قوتها وسموها خيالات سنوات متطاولة جسدتها وعمقتها.. ويصعب عليه أن يتقبل اختفاء أسطورته..هكذا..!! يشعر أن حزنا عميقا يستقر في روحه.. وحاجز غريب غير مفهوم يرتفع بينه وبين هذه المرأة التي أصبحت زوجته!! بينما هي.. قد لا تكون متشجعة على تأدية دور الزوجة المطيعة.. ولكن شدة تدينها تجبرها على ذلك.. وخصوصا أن زايد بشكل عفوي يستجلب احترام من أمامه بطريقة سحرية لينفذ له كل مايريد... حين انتهيا كلاهما من قراءة وردهما.. همست مزنة بهدوء: ماعليه زايد أنا كل يوم أبي أروح لأبي بدري..؟؟ وضع مصحفه جواره وهتف بثقة: براحتش.. خذي المفتاح من كاسرة وخلي الباب مفتوح لا عاد تسكرينه.. عشان بناتش لو بغوا يجونش بعد.. مزنة بهدوء: كاسرة ماجابت المفتاح معها.. اطلبه من كساب.. ابتسم زايد: اطلبيه من كاسرة.. لأنها رجعت لمكانها ورجالها.. توني شفت كساب في الصلاة وقال لي.. ماقالت لش..؟؟ مزنة قطبت حاجبيها بغضب.. أتسخر منها هذه الفتاة أو تعبث بها؟؟ أ ترجع لزوجها وتكون آخر من تعلم؟؟ أي عبث هذا؟؟ أ تأتي معها لكي تعود له ؟؟ أي امتهان لنفسها ترتكبه في حق نفسها؟؟ إن كانت تريد العودة له.. فلماذا لا تعود كما تعود بنات الأصول؟؟ لماذا هذه الطريقة المحرجة المهينة؟؟ ************************************ " وين رايحة؟؟" كانت هذه إشارة تميم الغاضبة لوضحى وهو يراها بعباءتها وتستعد للخروج هي والخادمة.. أشارت بعفوية: فيه أوراق مهمة لشغلي أبي أصورها.. وعقبه باشتري فواله وأروح لأمي.. تميم أشار لها بحزم بوجهه المرهق: لا.. ما تطلعين من البيت بروحش.. انتظري لين أوديش أو روحي مع كاسرة أو سميرة.. وضحى باستغراب: تميم أنت تروح دوامك صبح وعصر.. متى بتوديني؟ وكاسرة مالقيتها في غرفتها.. وماترد على تلفونها.. يمكن راحت لأمي.. وسميرة اتصلت فيها ماردت علي.. يمكن تبي تنام شوي.. اليوم سبت.. بأروح محل قريب وبأرجع بسرعة.. يعني مهيب أول مرة أروح مع الخدامة.. خصوصا عقب ما اشتغلت.. تميم بحزم: هذاك أول.. الحين منتي بكفو ثقة.. وما تنتخلين تروحين بروحش وضحى بصدمة: أنا يا تميم أنا؟؟ أنا ماني بكفو ثقة ؟؟.. ليه ما تعرف من أنا؟؟ تميم بألم شاسع: كنت أظن نفسي أعرفش.. لكن الحين ماعاد أعرف حد.. حتى نفسي ما أعرفها.. وضحى بغضب هادر: تميم عيب عليك.. أنا وضحى على آخر عمري بتشك فيني!! تميم بحزم صارم: انتهينا.. طلعة بروحش مافيه.. تبين تروحين لأمش روحي.. غيرها ما تطلعين شبر من البيت.. لا اليوم ولا غير اليوم.. كل شيء هقيته من أي حد.. إلا أنتي يا وضحى.. إلا أنتي... ثم غادر... لتنهار وضحى جالسة وهي تخلع نقابها وتلقي حقيبتها جوارها وتدفن وجهها بين كفيها وذكرياتها تعود بها لأكثر من ستة أعوام... للذكرى المريرة التي أحدثت قلبا مرا في شخصيتها!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون قبل ست سنوات . . كان يوم الامتحانات الأخير للصف الثاني الثانوي.. فرحة طفولية شفافة.. وقلوب مخضرة.. وابتسامات محلقة.. وضحى وصديقاتها كن قد اتفقن جميعا أن يذهبن لبيت صديقة لهن بعد انتهاء الاختبار احتفالا بانتهاء الاحتبارات.. بناء على دعوة هذه الصديقة لهن.. كاسرة كانت رافضة تماما لذهاب وضحى.. لأنهن سيذهبن جميعا على سيارة هذه الصديقة.. بينما مزنة وافقت لأنها اتصلت بأم الفتاة التي كانت تعرفها جيدا وأكدت لها أنها هي بنفسها من ستأخذ الفتيات ثم تعيدهن كل واحدة لبيتها بعد صلاة العصر.. وأكدت ذلك لمزنة عدة مرات... وهكذا كان الاتفاق...!! سيذهبن أربعتهن وضحى وسميرة وصاحبة الدعوة وصديقة رابعة إلى بيت صاحبة الدعوة القريب جدا من المدرسة مع والدتها... ليحتفلن احتفالا صغيرا دعتهن إليه صديقتهن.. حين خرجن الساعة التاسعة والنصف صباحا.. وجدن السيارة تنتظرهن ولكن دون والدة البنت.. سميرة حين رأت ذلك.. قررت أن تعود للمدرسة وتتصل بأهلها ليأخذوها.. لأن أمها وافقت على أساس أن أم الفتاة من ستأخذهن.. وكانت وضحى ستعود معها.. لولا أن صاحبة الدعوة كادت تبكي وأظهرت تأثرها المتزايد.. لأنها أعدت كل شيء للاحتفال وأنهن سيفسدن فرحتها.. وأن والدتها لم تحضر لانشغالها بأمر طارئ... والبيت قريب جدا.. خطوتان فقط!! ضغطت على براءة مشاعرهما ولين شخصياتهما وصفاء قلبيهما!! ركبت وضحى معها هي والصديقة الثالثة وهما غير مرتاحتان.. ولكن لأنهما لم تريدا أن تحزنا صديقتهما.. وخصوصا أن بين البيت والمدرسة شارع واحد فقط.. لتتفاجأ بالسيارة تتجه للشارع العام.. حينها همست لهما هذه الصديقة برجاء حاد أنها تريد شيئا من المجمع التجاري القريب... وسيعدن فورا.. وضحى والصديقة الأخرى رفضتا بشدة وأرادتا العودة.. ولكنها كانت تترجاهما بحرارة وأنهن سيعدن جميعا بسرعة.. فضعفتا أمام رجاءاتها.. وكان الاتفاق أن تأخذ ما تريد ويعدن فورا... فالوضع كله أصبح قلقا.. غير مريح.. فيه شيء مقلق فعلا أشعرته به شفافية روحيهما.. لكنهما لم يصدقا في صديقتهما أي ظن سوء!! ونزلتا معها حتى لا تنزل وحدها... لتتفاجأ الفتاتان بحقيقة ماحدث.. الحقيقة التي فجعتهما وصعقتهما وجعلتهما ترتعشان من الرعب وهما تريدان الهرب لولا أن كل شيء حدث بسرعة هائلة... فالصديقة البريئة الفاضلة صاحبة الدعوة اقنعت والدتها أنهن سيخرجن اليوم متأخرات .. وأن إحدى المدرسات ستوصلهن ثم ستذهب لبيتها لأن غدا ليس هناك من يوصل هذه المدرسة.. وهكذا فالأم لا مكان لها معهن.. والمشكلة كم يصدقن الأمهات براءة بناتهن!! بينما الحكاية كلها أن هذه الفتاة كانت تكلم شابا عبر الهاتف.. وكان يلح عليها كثيرا حتى يراها.. وهي لأنها لم يسبق أن فعلت ذلك مطلقا.. خافت من توابع ذلك.. وأن تذهب لمقابلته وحيدة.. لذا أرادت أن تحضر صديقاتها كحماية لها.. ولكنها لم تعلم أنه أيضا أحضر أصدقائه معه ولكن لكي يفرجهم على صيدته الجديدة.. كانوا يقفون بعيدا.. ولكن حينما رأوا أن الفتيات أكثر من واحدة تقدمن بجرأة.. وكان ذلك في زاوية غير مطروقة من المجمع.. والوقت صباحا.. ولم يكن هناك الكثير من الناس..!! الفتيات الثلاث كلهن أردن الهرب حينها.. ولكن الشباب كانوا خمسة.. وأحاطوا بهن يحاولون اقناعهن أن يذهبن معهم لشرب قهوة فقط في أحد مقاهي المجمع... ثم حاول أحدهم بجرأة شد نقاب إحدى الفتيات.. بينما بكاء وضحى بدأ بالتصاعد وهي تنكمش مبتعدة لتلتصق بالحائط وتريد أن تهرب من المكان كله ولكن أقدامها ماعادت تحملها لشدة الرعب... الفتاة حين رأته شد نقابها.. تناولت حذائها ذو الكعب العالي وضربته به على وجهه.. تعالى الصوت والشباب يسبون بصوت عال وهو يرون وجه زميلهم الغارق في الدم.. ويصدف حينها لسوء الحظ تواجد الشرطة قريبا جدا.. والولد وجهه ينزف.. والهرج والمرج يتصاعد.. والفتيات يقلن للشرطة أن الشباب من تعرضوا لهن.. والشباب يقلون أن الفتيات من واعدوهم أساسا في هذا المكان.. وهن يبيتن النية للاعتداء بالضرب.. بينما وضحى ماعادت حتى تستطيع التصرف أو الكلام أو التحرك وهي تنتحب بهستيرية.. وتشعر كما لو كانت تشاهد فيلما مرعبا لا تستطيع تغييره رغم أنها أحد الممثلين فيه!! شعرت أنها ستموت من الرعب والخوف والقهر.. تتخيل الذي سيحدث لها؟؟ كل شيء يمر في خيالها ككابوس مرعب.. همسات الناس ونظراتهم المحرقة وامتهانهم لها.. مستقبلها الذي سيضيع.. حياتها التي ستتدمر كلها من أجل خطأ بسيط تافه فعلته بحسن نية!! كانت تسب نفسها بقسوة لماذا لم تعد مع سميرة؟؟ وتتخيل أهلها حين يعرفون بالأمر.. ماذا سيفعلون بها؟؟ تتخيل ما الذي قد يفعله بها مهاب الذي لا يخرج الآن مطلقا من البيت بسبب تأثره من إصاباته في حادث السيارة الذي ألزمه المستشفى عدة أشهر.. وبسبب حبسه لنفسه في البيت لأنه لا يستطيع العودة الكلية وبسبب عجزه عن المشي كما يجب.. أصبح عنيفا جدا ومتحفزا ويدقق في كل شيء لدرجة خانقة مرعبة.. كانت ترتعش وتنتحب وهي في سيارة الشرطة وتهمس بكلمة واحدة : " بيذبحني!! بيذبحني!! والله العظيم بيذبحني بيذبحني !! " في مركز الشرطة هي بالذات لم تفلح الشرطة في أخذ كلمة واحدة منها لأنها لم تسكت من البكاء.. بينما الفتاتان الآخريان كانتا متماسكتين.. ورفضتا مطلقا اخبار الشرطة بأسماءهن.. ولم يجدو معهن أي اثبات للشخصية.. ولم يفد أخذ بصماتهن.. لأنهن كن أقل من 18 عاما ومازلن لم يستخرجن بطاقات شخصية لذا لا سجل بصمات لهن على الحاسوب!! والشباب يعلمون أن الفتيات قُصر.. بينما الشباب ليسوا كذلك.. فخافوا أن تلبسهم قضية .. لذا أصروا أن الفتيات هن من يهاتفنهم وأنهم يظنونهن طالبات جامعة.. والآن هن من اعتدوا على زميلهم بالضرب.. وضحى كانت مغيبة في عالم آخر وهي فقط تنتحب كمذبوحة في الممر.. وترتعش برعب وتحاول كتم شهقاتها المرعوبة ورفضت حتى أن تتحرك من مكانها لداخل المكاتب.. حينها رأته.. رأته.. رأته..!! نجدة من السماء أرسلها لها الله في هذا الوقت بالذات!! رأته كما لو كان مشعل نور أضاء سواد كل ما أمامها!! كان قد جاء لينهي قضية عراك بين عماله في أحد مواقع البناء.. حين رأته لا تعلم أي نشاط دب في جسدها الهامد من البكاء.. وهي تقفز ناحيته قبل أن تمسك بها الشرطية.. وتتعلق بساقه وهي منهارة على الأرض وتصرخ بين شهقاتها: عمي زايد.. عمي زايد.. طالبتك.. طالبتك تأخذني معك.. لا تخليهم يفضخوني.. والله العظيم ماسويت شيء.. ماسويت شيء.. ولا عمري شفت ذا الشباب.. هلي بيذبحوني لو دروا.. بيذبحوني.. تكفى ياعمي.. تكفى.. طالبتك.. طالبتك.. أحب رجلك خذني من هنا.. زايد كاد يجن من صراخها ومن تدافع دم الحمية في عروقه.. وهو يشدها عن الأرض ويخفيها خلفه.. ويهتف لها بحزم بالغ ووجهه محمر من شدة تدافع الدم: وصلتي يأبيش.. وصلتي.. والله لو أنش ذابحة لش حد.. ما اطلع من ذا المكان إلا بش.. زايد دخل على الضابط وهي مازالت مختبئة خلفه.. وفهم منه المسألة.. ثم تفاهم مع الشباب.. واستطاع اقناعهم بالتنازل بضغط منه وبمعرفته لأباء اثنين منهم.. وهم أيضا كانوا يريدون التنازل أساسا لكنهم كانوا يخشون من ردة فعل البنات.. وخصوصا أن إصابة زميلهم بسيطة.. وجرحه سطحي.. ولكن كانت المشكلة أنه لابد من معرفة اسماء البنات لإغلاق المحضر.. ولكن البنات بقين مصرات على عدم ذكر أسمائهن.. حينها هتف زايد بحزم للضابط: خلاص يأبو فلان.. البنات في وجهي وباين أنهم بزران.. خلهم يروحون.. وبلاها المحضر من أساسه.. وهذا عيالي تنازلوا عن الموضوع.. ابتسم الضابط: أبشر يأبو كساب.. عشان خاطرك وجيتك لين مكاننا ماحن برادينك.. ودام الأطراف كلهم متنازلين.. خلاص سهالات.. حينها خرج زايد بالفتيات معه .. وتمنت وضحى حينها أن تركع على قدميه وتقبلها.. لم تخيل أنها قد تخرج من هذا المكان إلا مع مهاب وهي تتخيل ما الذي سيحدث بعد ذلك على يد مهاب.. تتخيل فيلما مرعبا بحق ستعيش فيه حياتها كلها.. حين يشتهر أمر دخولها لمركز الشرطة والحكايات المبهرة بالكثير من البهارات التي ستنتشر بعد ذلك!! حين ركبن الفتيات في سيارة زايد انخرطن ثلاثتهن بالبكاء.. هتف بحزم غاضب ودون أن ينظر لهن في الخلف: أنا ماني بناشدكم أنتو بنات من.. وحتى لو دريت ماني بقايل لأحد.. لأنكم مثلكم مثل بناتي.. ويأبيكم البنت ألزم ماعليها سمعتها وسمعة أهلها.. تخيلوا شكل ابانكم لو أنهم اللي واقفين ذا الموقف .. وش يسوى عليهم ذا الفضيحة؟؟ البنت الحشيم ما تخلي لأحد عليها طريق.. الفتاة صاحبة الدعوة طلبت من زايد أن يعيدهن للمجمع حتى يعدن مع سائق البيت الذي ينتظرهن هناك.. أنزلهن فعلا.. لكنه تبعهن حتى رأهن يدخلن أحد البيوت.. ورغم معرفته من صاحب البيت.. لكنه قرر أن ينسى الحكاية.. كحكايات كثيرة غيرها.. وكن بالفعل يعدن للبيت في حدود الساعة الواحدة والنصف ظهرا.. وضحى والفتاة الأخرى لم تجلسا حتى.. وهما تطلبان من أم الفتاة أن توصلهما.. حاولت فيهما أن تجلسا .. ولكن كل واحدة منهن لم تكن تريد رؤية الأخرى حتى.. والموضوع يُدفن في صدر كل واحدة منهن بقرار مشترك لا اتفاق فيه.. ولأن كل واحدة منهن عرفت خطر هذه الحكاية وهي تحمد الله على انتهاءها بسلام.. وتقرر أن تدفنها بسلام أيضا.. وهذا ماحدث فالسر بقي مدفونا حتى عدة أيام.. رغم أنه كان أحد أهم حدثين في حياة وضحى.. أحد الحدثين الذين أحدثا تغييرا هائلا في حياتها.. هذا الحادث.. ووفاة مهاب!! فهذا الحادث جعلها تستسلم لكاسرة تماما ولقوة شخصيتها.. وجعلها تتقوقع داخل ذاتها إلى حد ما.. فهي رأت أن كاسرة كانت محقة.. فهي لا تستطيع التصرف وحدها.. وستبقى دائما محتاجة للتوجيه والحماية.. إحساسها بالذنب خنق روحها.. وجعل نفسها مكسورة للجميع.. فهي تحت سيطرة كاسرة وحماية مهاب وأخوة تميم وأمومة مزنة.. وهي تستمد وجودها منهم!! وقد تكون الحادثة كحادثة انزوت في ذاكرتها وهي تحاول نسيان الرعب الذي عاشت فيه.. ولكن أثرها بقي مسيطرا عليها لأبعد حد.. وهو يشكل لها شخصية هلامية ظاهرة تختلف عن شخصيتها الحقيقية... لتحدث الردة المعاكسة حين توفي مهاب.. انتفضت روحها من شدة الصدمة.. فسندها القوي ذهب.. وكاسرة تزوجت.. وأمها لن تعيش لها أبد الدهر!! فحتى متى ستعيش في الظل تتجرع مرارة تجربة لا ذنب لها فيها..؟!! ثم حين سمعت وضحى أن زايدا تقدم لوالدتها.. تفجرت في روحها رغبة عاصفة عمرها أكثر من ست سنوات.. قضتها وهي تعيش امتنانا عميقا لهذا الرجل الذي أنقذها وهو لا يعلم حتى من هي!! أنقذ حياتها كلها ومستقبلها وسمعتها وسمعة أهلها من الضياع والامتهان.. هذا الرجل الذي حلمت ليال طويلة أنها قد تستطيع يوما تقبيل رأسه وكفه!! لا تنكر أنها فعلا تمنت حين خطب كساب كاسرة لو أنه خطبها هي.. أمنية مستحيلة تعلم أنها لن تتحقق.. ولكنها تمنتها من أجل زايد فقط.. فهو سيصبح حينها محرما لها.. ثم تمنت لو استطاعت كاسرة فعلا أن تجعل عليا يخطبها.. لذات الأمنية.. ولكنها في النهاية أصبحت تاخذ الأمور ببساطة .. فليست كل الأماني تتحقق.. وللإنسان قدر مكتوب له لا يتجاوزه.. ويبدو أن زايد الرجل المثال النادر سيبقى القرب منه حلما لن تستطيع نيله!! حتى علمت بخطبته لأمها حينها انتفضت روحها وأمنياتها.. فالحلم أصبح قريبا جدا.. كان يستحيل أن تجبر أحد ولدي زايد على الزواج منها.. لكنها تستطيع إجبار أمها على الزواج من زايد!! وإن كانت الحكاية وحدها كافية لدفع كل دماء الحمية والغضب في روح تميم.. وهي تستفزه لرد الجميل لهذا الرجل الذي حافظ على سمعته.. وجعل رأسه مرفوعا بين الناس وهو لا يعرفهم حتى.. فهي لم تكن كافية مع والدتها التي فور أن أخبرتها بالحكاية صفعتها على وجهها بكل قوتها... ثم شدت لها نفسا عميقا جدا وهتفت بحزم مرعب: هذا كف وجيعتي إنش دسيتي علي ذا السالفة ذا السنين كلها.. أدري مالش ذنب إلا أنش خبلة وكلمة تجيبش وكلمة توديش.. بس مستوجعة منش واجد.. مستوجعة.. أنتي عارفة وش سويتي فينا.. بغت سمعتنا كلها تروح.. عشان خطأ تافه سببه خبالتش.. وعقبه تدسين السالفة علي كنه ماصار شيء؟!! وضحى همست بحزم غريب ودون أن تلمس خدها المحمر حتى: ماعليه اضربيني.. أنا أستاهل الضرب أصلا.. بس وافقي على عمي زايد.. طالبتش.. مزنة بحزم أشد: آسفة..منتي بمشية شورش علي.. أبو كساب راعي الأولة.. وفعايله كلها فعايل الطيب.. وما أقدر أرد له جميله علينا لو مهما سويت .. ستر بنتي وحافظ على سمعتنا.. بس خلاص سالفة وانتهت وسكريها.. ولا عاد أسمعها على لسانش.. حينها وقفت وضحى بذات الحزم الغريب: بس السالفة ذي أنا قلتها لتميم خلاص.. وإذا أنتي شايفة إن زايد اللي ستر على بنتش ما يستاهل إنه يكون لش رجّال ولنا أب.. فأنا الحين وربي اللي خلقني.. واللي ما أحلف به باطل لأروح وأخذ تلفون كاسرة وأتصل بزايد نفسه.. وأعلمه بنفسي بالسالفة كلها.. واقول أنا مستعدة أتزوجه دامش ما تبينه.. وحتى لو هو ما يبيني على الأقل وصلت له إحساسي بجميله علي!! حينها أتبعت مزنة صفعتها الأولى بصفعة ثانية جعلت خد وضحى يشتعل احمرارا فعلا ومزنة ترتعش من الغضب: يعني يوم ستر عليش الرجّال وهو ماحتى عرفش.. تبين تفضحين روحش وتفضحيننا؟؟ وبعد تروحين وتعلمين تميم وتحرقين قلبه يا اللي ما تستحين!! وضحى تقاوم اختناقها بعبراتها وهي تحاول أن تهمس بحزم موجوع: أنتي اللي محسستني إني شيء تافه.. ومالي قيمة عندش.. وحتى ذا الشيء الكبير في حياتي ماله قيمة عندش.. أقول لش الرجّال ستر علي وعليكم وأنتي ولا هامش!! يعني لو ذا الشيء صار مع كاسرة وهي اللي طلبت منش كان مستحيل تردينها.. بس أنا مالي قيمة.. مالي قيمة!! حينها ماعادت مزنة قادرة على السيطرة على نفسها وهي تصفعها للمرة الثالثة على ذات الخد.. ثم في ذات اللحظة.. تشدها لتحتضنها بقوة بالغة.. ولكن جسد وضحى كان متصلبا تماما.. رغم أنها تمنت أن ترتمي في حضن أمها وتنتحب.. فلأول مرة تفعل أمها ذلك وتضربها.. ولكنها خشيت أن تنفجر في بكاءها الذي بات على أطراف رموشها وحنجرتها.. مزنة مازالت تحتضنها وهي تهمس في أذنها بحنان غريب مختلط بالحزم والغضب: يأمش قهرتيني.. قهرتيني.. قهرتيني بأول السالفة وتاليها.. ******************************* " وين المدام يا أستاذ كساب؟؟" كساب يلتفت لمزون بحدة وهو يرتشف قهوته ويهتف لها بنبرة مقصودة: إذا عرفتي أشلون تسألين أخيش الكبير عرفت أشلون أجاوبش.. حينها همست مزون بذات النبرة المقصودة الغاضبة التي تعلم أنها أغضبته: وش فيها يا أستاذ كساب؟؟ مهوب أنا طلعت السكرتيرة اللي تنفذ بدون تفكير.. حتى لو كان اختطاف..!! ضحك كساب ضحكة قصيرة ساخرة: اختطاف !! مرة وحدة!! لا نكون في شيكاغو على غفلة!! وعلى العموم المدام نايمة فوق.. والباب مفتوح عليها.. يعني ماراح تلاقينها مربوطة في الدولاب.. وإسأليها كم طلبت منها فدية للاختطاف ياقلب أخيش؟؟ نجح في إشعارها بالذنب.. واحتقار تفكيرها وفعل ذلك ببراعة فائقة.. !! محق؟؟.. هل هناك رجل يختطف زوجته؟؟.. ربما أراد فقط فرصة للتحدث معها.. وأقنعها حينها بالعودة له؟؟ مزون صمتت .. حينها هتف كساب بثقة المسيطر: وين علي؟؟ قام وإلا بعد؟؟ مزون بسكون: إبي رجعه للمستشفى.. ابتسم كساب: ماشاء الله العريس قايم من بدري.. ابتسمت مزون: والعروس نزلت قبله وراحت لابيها.. وتقول لك لو سمحت بطل الباب عشان ترجع معه.. ابتسم كساب: حاضرين نبطل الباب.. *************************************** " الحين لين متى وأنتي تبكين كذا؟؟" وضحى مازالت تحتضن خصر والدتها وتنتحب: ماهقيت تميم يقول لي كذا؟؟ تميم؟؟ سالفة صارت قبل 6 سنين ومالي ذنب فيها.. وكل شيء عدا على خير.. يرجع يحاسبني عليها.. لا ويبي يحبسني في البيت.. يقول ماني بكفو ثقة؟؟ أنا؟؟ أنا يقول علي كذا؟؟ مزنة تحتضنها وهي تهمس بحنان مختلط بالحزم: لا تلومينه يأمش.. اللي سويتيه مهوب بسيط.. ولا تقولين مالها قيمة.. لأنه أنتي خليتي لها كل القيمة.. يعني عطيه وقت لين يستوعب الفكرة.. أنتي بالذات عارفة قرب تميم منش.. موجوع منش واجد.. وضحى حاولت أن تعتدل وهي تمسح وجهها وتهمس بنبرة مختنقة: أنا شغلتش بنفسي.. أشلونش يمه ؟؟ عساش مبسوطة؟؟ كنت أبي أطلع وأجيب لش فوالة وأجيش.. بس ماخلاني.. ثم عادت لتنخرط في البكاء الذي تحاول الخروج من أجوائه.. مزنة شدتها وهي تربت على كتفها وتهمس بحزم: بس يامش خلاص.. خلاص أنا باكلم تميم.. وضحى برفض: لا يمه.. خلي خاطره يطيب من نفسه ما أبيش تجبرينه على شيء.. أنا وتميم نعرف نتفاهم.. ثم أردفت بتساؤل وهي تحاول التماسك: يمه كاسرة جاتش؟؟ مالقيتها في البيت.. حينها وقفت مزنة وهتفت بحزم غاضب: لا مابعد شفتها.. الشيخة رجعت لرجالها من البارحة.. وضحى بصدمة حقيقية: نعم؟؟ أشلون ترجع بدون حتى ماتعطي حد منا خبر؟؟ مزنة بذات الغضب الحازم: هذا موضوع باتفاهم معها فيه .. بس خلني أشوفها.. أنا أفرح ماعلي.. ترجع لرجالها.. كل أم تبي مصلحة بنتها.. بس السنع سنع.. ثم أردفت بتساؤل: ووينها سميرة بعد؟؟.. ماشفتها!! وضحى تمسح وجهها وتهمس بسكون: ما أدري حتى أنا ماشفتها من البارحة.. حينها نهضت مزنة لتتوجه إلى غرفة ابنها.. طرقت الباب ولم يجبها أحد.. حينها فتحت الباب بخفة ودخلت.. كانت الأضواء كلها مقفلة.. والغرفة غارقة في ظلام خفيف رغم أن الوقت قبل صلاة الظهر بقليل.. كان هناك جسد مغطى على السرير.. مزنة اقتربت أكثر وهي تهمس بحنان: سميرة يأمش.. أنتي عادش راقدة ؟؟ عسى منتي بتعبانة؟؟ حينها لاحظت مزنة أن الغطاء بدأ بالارتعاش.. مزنة اقتربت أكثر وجلست جوارها وهي ترفع الغطاء وتهمس بحزم: سميرة وش فيش؟؟ سميرة كانت منكبة على وجهها وفور أن رفعت مزنة عنها الغطاء استدارت وهي مازالت متمددة لتحتضن خصر مزنة وتنتحب بطريقة هستيرية وهي تدفن وجهها في حضن مزنة.. مزنة كادت تجن وهي تراها على هذا الحال وهي تسألها برعب: حد من هلش فيه شي؟؟ سميرة بدأت تهذي بطريقة مقطعة وبصوت مبحوح مرهق.. لأنها لم تنم مطلقا منذ البارحة بل قضت طوال الليل حتى اليوم في البكاء: تميم .. قرفان .. مني.. ما يبيني... ويقول.. روحي... لبيت.. هلش..!! ما يبيني.. ما يبيني.. يقول ما يبيني.. ويكرهني.. مزنة همست لها بحزم خافت: أششششششش.. خليني أسكر الباب.. مزنة نهضت بالفعل وأغلقت الباب وأشعلت الإضاءة.. ثم عادت لها وهي تهمس بحزم حنون: يا الله هاش اشربي ذا الماي وقولي بسم الله واهدي.. وعقب قولي لي السالفة كاملة!!.. سميرة اعتدلت جالسة لترتعب مزنة من انتفاخ وجه سميرة من البكاء واحمراره المتفجر.. مزنة احتضنتها بحنان وهي تجلس جوارها.. حينها عادت سميرة للبكاء.. مزنة انتظرت حتى أفرغت طاقة بكاءها كاملة.. ثم سألتها مرة أخرى... لتخبرها سميرة بالحكاية كلها بدون أن تخفي عليها أي شيئا فهي فعلا تعبت وتريد حلا نهائيا لمشكلتها.. مزنة شدت لها نفسا عميقا ثم سألت بحزم: سميرة يأمش بأسألش وجاوبيني.. أنتي ماتبين قرب تميم نفسه عشان الجرح اللي بينكم أول..؟؟ أو أصلا ما أنتي متقبلة قرب رجّال وخايفة منه..؟؟ لأنه يا سميرة يامش إن كنتي حاسة إن فيش خلل.. ترا مافيها شيء نراجع دكتورة نفسية.. هذا علم!! وأنا باوديش وماحد راح يدري بشيء.. سميرة بجزع: دكتورة؟؟ لا لا يمه.. مزنة تحاول تهدئتها: لا تخافين والله ماحد يدري بشيء.. مزنة تؤمن فعلا باهمية العلم ولا ترى مشكلة في اللجوء للطب النفسي كعلم.. فهي من كانت أقنعت أم عبدالرحمن أن تسمح لجوزاء بالذهاب لطبيب نفسي رغم أنها كانت رافضة بشدة وتقول "بنتي مافيها شيء!!" سميرة انفجرت في البكاء وهي تهمس بين شهقاتها: والله أني أبيه.. وما ني بخايفة منه ولا من فكرة قربه مني.. بس يوم أشوفه جاء جنبي ما أدري وش يصير لي.. حيا.. زعل .. تغلي عليه.. ما أدري!! مزنة بمنطقية هادئة: اسمعيني سميرة.. يوم كنتي مطنشته مرة واحدة.. كان راضي لأنه يعرف إنش ماسامحتيه على غلطته.. بس أنتي عقب صرتي تقربينه.. والرجال يأمش مهوب حجر.. وصعب عليه يمنع نفسه خصوصا يوم تكونين أنتي معطيته الضوء الأخضر وعقب عند حد معين تبين توقفينه.. السالفة مهيب لعبة.. وواجد توجع الرجال.. الحين بأسألش سؤال محدد ومافيه داعي تلفين وتدورين.. أنتي تبين تميم وتبين ترضينه وإلا لأ..؟؟ سميرة بين سيول دموعها: والله أني أبيه.. بس هو الحين اللي هج مني ويقول مايبيني.. ولا حتى يبي يقعد معي في غرفة وحدة.. حينها هتفت مزنة بحزم: خلاص قومي جهزي شنطتش وروحي لبيت هلش.. سميرة بجزع: نعم..؟؟ بس أنا ما أبي أروح لبيت هلي.. ما أبي.. مزنة بدهاء: يا الخبلة.. هو قالش روحي وما أبيش.. تبين ترخصين روحش..؟؟ سميرة تبكي: بس أنا الغلطانة.. وما ابي أروح.. مزنة بذات الدهاء: ياصبر أيوب عليش.. الرجال مثل ماهو مايبي مرته تتغلى عليه.. تراه مايبيها ترخص روحها له.. يعني ترا التصرف الطبيعي اللي هو متوقعه منش إنش بتزعلين صدق وبتروحين لهلش.. يعني هو يبي يكبر السالفة.. خليها تكبر!! لكن هو مافكر في توابع ذا الشيء... البيت بيخلا عليه بروحه.. لأني لو رحتي.. بأخذ بنتي وضحى عندي.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها وتميم طول اليوم طالع.. بنقعد عند إبي لين الليل وعقبه بنروح.. الشيء الثاني يا الخبلة.. الولد يموت عليش.. أنتي ما تشوفين؟؟.. بس مجروح منش ويبي به وقت بس.. أنتو بصراحة يا بنات ذا الأيام أما عندكم عمى ألوان وإلا عقولكم متركبة بالمقلوب.. أنتي الولد ميت عليش وأنتي منتي بعارفة أشلون تعاملين معه.. والثانية رجالها بيموت عليها من أقصاه.. بيّن حتى في عيونه ونظراته لها وهي ولا حاسة.. ثم أردفت مزنة بألم: أدري إنه اللي أسويه في تميم قاسي وهو بروحه موجوع.. ولا هذا بوقته.. بس شأسوي فيكم اللي اخترتوا ذا الوقت بالذات عشان تتزاعلون.. عطيه وقت يفكر بصفاء ذهن.. صدقيني يومين وبيرجعش.. بس ذاك الوقت يا ويلش يا سمور ويا سواد ليلش تصدينه تيك الليلة.. سميرة وكأنها بدأت تقتنع: بس أنا ما أبي هلي يدرون إني زعلانة على تميم.. مزنة تبتسم بأمومة: أصلا أنا ما أبيش تقولين إنش زعلانة.. ولا حد يدري!! قولي إنش منتي بطايقة البيت عقبي.. مهوب أنتي كنتي مادة لسانش إنش بتهجين من البيت عقب ما أروح؟؟؟ بس تكفين يأمش ريحيه.. خلاص.. كفاية اللي شافه.. ******************************* "علوي.. يأمش وش ذا الرقاد كله؟؟ والتلفون مسكر بعد!!" عالية تنهض من سريرها بجزع وهي تخفي معالم وجهها المتورم من البكاء.. وتهمس بذات الجزع الشفاف: يمه أنتي طالعة لين هنا بروحش؟؟ كان أرسلتي لي وحدة من الخدامات وأنا نزلت.. أم صالح تجلس بإرهاق وهي تهمس بقلق: أرسلت الخدامة قالت لي إنش مطفية الليتات ومنسدحة وخافت تقومش تغسلين شراعها.. فأنا تروعت لا تكونين تعبانة.. تعالي خلني أعس رأسش.. وجهش مهوب زين!! عالية تجلس جوار والدتها لتقبل كتفها وتهمس بصوت مبحوح: تعبانة شوي يمه.. شكلها سخونة.. " يا الله يا أمي.. لو تعلمين أي حمى أصابتني من البارحة لليوم..!! من المؤكد أني هذيت حتى كدت أصاب بالجنون.. يا الله يأمي.. لو تعلمين كم أشعر بنار محرقة تستعر في صدري وعجزت عن إطفاءها.. نعم حمى!! وحمى حقيقية!! المسي جبيني ستجدينه مشتعلاً بالحرارة التي اجتاحت كل جسدي.. يا الله.. يــا.......... حتى اسمه ماعدت قادرة على نطقه.. اسمه الذي كان أعذب الاسماء على لساني.. ماعدت قادرة على نطقه حتى بل لو استطعت لقطعت لساني الذي همس له بكلمات لا يستحقها.. لو استطعت لأحرقت قلبه كما أحرق قلبي بدون رحمة.. النذل.. النذل..!! الخائن.. الخائن.. الخائن !!! " لم تنتبه عالية أنها أصبحت تهذي بصوت مسموع وهي تصرخ بغضب مكتوم وهي تلكم فخذها بقبضتها : الخاين.. الخاين.. الخاين.. أم صالح بجزع: من الخاين ذا؟؟ ثم ابتسمت أم صالح بحنان أمومي وهي تنظر أمامها: فديت قلبه..وش خاين ذي.. يبي يسوي لش مفاجأة عشان كذا ماعلمش بجيته!! عالية انتفضت بجزع أنها كانت تهذي بصوت مسموع وهي لا تعلم عن ماذا كانت والدتها تتحدث.. لتنظر هي أمامها أيضا.. لتجده واقفا أمامها تماما.. وهو يهتف بابتسامته الغالية: خاين مرة وحدة يالدبة عشان ماعلمتش بجيتي..!! الشرهة على اللي يبي يسوي لش سربرايز.. أنتي ووجهش.. حينها قفزت عالية لتتعلق بعنقه وهي تنتحب بشكل جنائزي مفاجئ.. لدرجة أنها انهارت بين يديه وهو يحاول رفعها دون جدوى.. حتى شدها بقوة وأجلسها على السرير وجلس جوارها.. دون أن تترك جيبه وهي متعلقة بحضنه وتدفن كامل وجهها في صدره حتى أغرقت صدره بدموعها بينما هو كان ينظر لأخته متسائلا: وش فيها؟؟ أم صالح همست بقلق وتأثر بالغين: الله يهداك نايف فجعتها وهي مشتحنة لك.. البنية بغت تستختف.. كان خليتني أعلمها بجيتك أول.. نايف يعلم أن هذا ليس كله تأثرا من لقاءه.. حتى مع قوة علاقتهما ومتانتها.. ولكنها تراه بشكل يومي وهما يتحادثان عبر كاميرا الحاسوب.. لذا هي لم تفتقد رؤيته للدرجة التي تجعلها تبكي بانهيار هكذا!! همس لأم صالح بنبرة حازمة مقصودة: صافية فديتش.. خلاص تروحين وتخلينا بروحنا شوي؟؟ أم صالح همست بقلق: بس!! بس أبي اشوف وش فيها.. نايف بذات النبرة الحازمة المقصودة: مافيها إلا العافية.. شوي وأنزل أنا وياها نتقهوى معش.. أم صالح خرجت وهي تتعكز على عصاها.. بينما نايف بقي محتضنا لعالية حتى أنهت ثورة البكاء.. حينها شدها بحزم حان ليرفع وجهها إليه: علوي وش فيش؟؟ أخفضت وجهها وهي تهمس بصوت مبحوح: مافيني شيء بس اشتقت لك.. وشفتك فجأة قدامي.. ماقدرت أمسك نفسي.. نايف بنبرة شك: علي يا علوي ذا الكلام؟؟ من متى ذا الحساسية؟؟ عالية عاودت وضع راسها على صدره بسكون وهي تهمس بصوتها المبحوح: يا قدرة الله... تخيل أنا صرت حساسة.. وغبية.. وكلمة توديني وتجيبني.. نايف احتضنها بحنو: وغير كذا.. وش عندش مخبى؟؟ خلينا من الأونطة لأني ما أكلها.. حطي عليها شوي بهارات وملح يمكن تنبلع بس مالغة كذا مستحيل.. عالية همست بسكون صادق: مضغوطة بس يانايف من أشياء كثيرة وتعبانة ومسخنة.. وشوفتك هزتني واجد.. لأني فعلا كنت محتاجة وجودك جنبي.. وبس.. نايف ابتسم: زين صدقناش.. خلني أستانس أنش بكيتي عشاني واحطها في التاريخ.. ولو أنه الظاهر أنش تبين تمثلين على عبدالرحمن دموع التماسيح.. المسكين تخيلي لقيته قاعد في مجلسكم بروحه ماعنده حد غير المقهوين.. والمقهوين يقولون إنه جاي من صبح.. ويبي أبو صالح بس مالقاه.. ومصمم ينتظره.. قلت له بأسلم على هلي وأجيك.. ثم ضحك نايف: يوم قلت له بأسلم على هلي.. حسيت وده يقوم ينط من الكرسي ووجهه فيه حكي.. عالية حينها قفزت وهي تهمس بقلق عميق لنايف: خلاص نايف انزل لأمي شوي وأنا جايتك الحين.. بأغسل وجهي.. فور أن خرج نايف فتحت هاتفها.. عشرات الرسائل... أولها قلق مليء بالقلق واللوعة.. والرجاءات العميقة أن تطمئنه عليها وأخرها غاضب محمل برائحة تهديد أنه سيتصرف تصرفا لن يرضيها لو لم ترد عليه.. عالية بدأ ذهنها العملي المتفوق يعمل على عدة جهات... لماذا أتى؟؟ يريد أن يطلقها ؟؟أو يخبر والدها بما حدث..؟؟ او حتى يقهرها حين يجبرها على مواجهته بحجة الرؤية الشرعية؟؟ لن ترضى بأي خيار من هذه الخيارات.. لن ترضى.. على الأقل حتى تنفذ مخططها..!! وستعرف كيف ستنتقم من هذا الخائن على مافعله بها وهو يمتهن مشاعرها.. ويستغلها بكل حقارة وجبن يغلفها بمثاليته السمجة التي لا معنى لها!! سيدفع ثمن الحرقة التي لم تذق مثلها في حياتها كلها وهو يحطم قلبها بكل قسوة.. وكل ذنبها هو حبها له!! هذا هو كل ذنبها!! عالية تناولت هاتفها لترسل له: " عبدالرحمن لو سمحت لا تدخل حد في مشاكلنا.. خلني لين أروق شوي وعقبه نتفاهم!!" وصلها رده خلال ثوان: "كلميني!!" عالية أرسلت له: " عبدالرحمن أرجوك.. كفاية اللي سويته فيني البارحة ترا الذبح في الميت حرام.. خلني لين أروق.. حرام يعني؟؟.. وإلا لازم تقهرني عشان ترتاح؟؟" عبدالرحمن كان مازال جالسا في مجلسهم في انتظار إبي صالح وبرأسه مخطط ما فهو لم يستطع أن ينم مطلقا وقلقه عليها يمزقه.. لم يرد أن يسال جوزا عنها لأنه خاف أن تخبر عبدالله وخوفه هو على عالية وليس على نفسه.. فختاما فهو رجل ولن يُحاسب على شيء.. والحساب كله سيكون لها!! حينها وصلته رسالته.. عاجز عن وصف إحساسه حين وصلته.. الأمر أصبح معقدا جدا بينهما.. ظنها ستتقبل مثاليته المندثرة غير المعقولة..!! ظنها ستفهم لماذا سيفعل ذلك!! وظنها ستتقبل صراحته معها!! كان يعلم أنها ستغضب لابد.. ولكن ليس إلى درجة تجريحه بقسوة!! وفي ختام الأمر كانت هي كل ما أشغل باله!! حين قرأ رسالتها.. لا يعلم فعلا كيف يصف إحساسه.. أراد أن يسمع صوتها.. مثقل بالوجع واليأس والعشق والألم اللامتناهي.. وإحساس العجز دائما يزيده إحاسيسه قسوة وحدة.. وحين وصلتها رسالتها الثانية.. التفت لأمجد وهتف بإرهاق: يا الله يا أمجد.. اتصل في السواق وخله يشغل السيارة وينزل.. عشان تشلوني للسيارة.. بنمر المسجد أول.. ماعاد باقي على صلاة الظهر شيء!! ************************************** كان يجلس عند علي النائم وذهنه مشغول تماما منذ عاد من صلاة الظهر كما هو مشغول منذ الصباح!! الآن في وضح النهار.. وأشعة الشمس.. يتذكر بوضوح جلي ليلة البارحة الأسطورية..الحلم غير المعقول!! يتذكر كل ماحدث.. كل لمسة.. كل همسة!! وهذا التذكر أرهقه واستنزفه لأبعد حد.. البارحة لشدة وطأة مشاعره عليه.. شعر كما لو كان في غيبوبة.. غيبوبة لذيذة.. قاسية.. جارحة.. عذبة.. ليس نادما مطلقا على بوحه بمشاعره.. فهو كان يحتاج فعلا لهذا البوح حتى يرتاح!! ولكنه يخشى نتائج هذا البوح على مزنة.. مزنة الحالية!! بوحه لها بمشاعر لم تعد لها.. بل هي لمحبوبة في خياله هي كل مابقي منها!! وربما لو تكرر هذا الموقف مرة أخرى.. لن يتردد في البوح بمشاعره بذات الطريقة.. لا يعلم أي تعارض وتناقض هذا!! ولكن يبدو أن التناقض سيصبح أحد ملامح علاقته بزوجته الجديدة!! تماما كما يشعر الآن بعدم الرغبة في رؤيتها لأنه حين يراها رؤيتها ستجدد جروح اختفاء مزنة وملامحها.. وفي ذات الوقت يشعر برغبة عارمة أن يراها.. وإن كان يعلم تماما لماذا لا يريد أن يراها.. فهو لا يعلم لماذا يريد أن يراها!! هل يريد تعذيب نفسه على الجهتين.. خائن لمزنة وقبل ذلك لوسمية!! " يا الله ماكل هذا التعقيد!! " والأغرب أنه يريد الاتصال بها.. حتى يخبرها أنه لن يعود إلا في الليل.. من باب الذوق واللباقة!! ولكنه عاجز عن سماع صوتها.. عاجز عن سماع همسها ينسكب في أذنه مباشرة.. مع أنه أخذ رقمها اليوم صباحا قبل أن يخرج على أنه سيتصل بها!! تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل بها.. فهو يعلم أن عدم اتصاله بها سيظهره بظهر غير لبق إطلاقا.. وخصوصا أنه اتصل بمزون عدة مرات.. فكيف لو كانت جوارها وهو لم يتصل بها أبدا ؟!! اتصل بها.. حينها كانت تعود للتو بعد أن أوصلت سميرة لبيت أهلها.. وطلبت من وضحى أن تجهز لها عدة غيارات لأنها ستنام عندها الليلة حتى تعود سميرة المرهقة نفسيا من غياب مزنة!! على أن تعود مزنة لبيت أولادها العصر قبل خروج تميم.. حتى تكون مع وضحى.. التي عاد لها تميم الآن!! كانت مزنة تريد استبدال ملابسها لتبحث عن كاسرة التي لم تريها وجهها اليوم.. حينها اتصل بها زايد.. ردت بهدوء عذب: هلا أبو كساب.. صمت لثوان.. يبدو أن معجزة صوتها سيبقى عاجزا عن تجاوزها.. ثم هتف بثقة: هلابش.. أشلون الوالد وبناتش يوم جيتهم اليوم؟؟ مزنة بذات الهدوء الواثق العذب: طيبين طاب حالك.. وترا وضحى تبي تجي عندي يومين بعد أذنك..؟؟ زايد بأريحية: لا تشاورين في حلالش.. حياها الله.. ثم أردف بثقة باسمة راقية: زين تراني بتأخر لين الليل... بعد أذنش طبعا!! ابتسمت مزنة: مرخوص.. طال عمرك.. وسلم لي على علي.. " حلوة ذي (بعد أذنش) يبه.. ممكن نستفيد منها عقب!!" زايد يلتفت على علي ويبتسم: الظاهر كساب صادق إنك سكني.. أو أنك أساسا ما ترقد وقاط أذنك.. علي اعتدل جالسا وهمس بابتسامته الصافية: مستعد أروح في غيبوبة كل ماكلمتوا المدامات أنت وولدك.. بس علمني وش صار البارحة؟؟ ابتسم زايد بفخامة: إذا سألتك أنا عقب أسبوعين وش صار البارحة؟؟ يحق لك تسألني .. اللقافة شينة يا أبيك!! ************************************* دخل إلى جناحه بحذر وهو يحمل كيسا فخما في يده.. بحث عنها في أرجاء الجناح فلم يجدها.. لكنه سمع صوت ماء الاستحمام في حمام غرفة النوم.. قرر أن يجلس في انتظارها حتى تخرج.. لولا أنه قاطع قراره طرقات على باب الجناج الرئيسي.. فتح الباب ليجد عمته أمامه.. قبل رأسها وهو يهتف بمودة حقيقية: ألف مبروك يمه.. مزنة أجابته وهي تنظر لما خلف ظهره: الله يبارك فيك.. وأنت بعد مبروك.. وينها العروس اللي ما ترد على اتصالاتي؟؟ كساب هتف بثقة: تسبح.. والتلفون من البارحة وهو هنا في الصالة.. مزنة بنبرة مقصودة: وياحرام مالقت وقت حتى تبلغني بقرارها بالرجعة!! أو أنت وإياها ماعاد تعرفون السنع.. اللي براسكم تسونه ماكن لكم كبير تردون له الشور حتى.. كساب بحزم بالغ: يمه عندش كلام يوجع.. قوليه كله لي.. كاسرة مالها ذنب.. أنا ضغطت عليها عشان ترجع لي.. وكفاية اللي أنا سويته فيها.. يعني لا تزيدينها عليها.. مزنة بغضب حازم: وأنت يعني سحبتها غصبا عنها..؟؟ لو أنها ما تبي ترجع ماكانت رجعت.. بنتي وأعرفها.. يا ولدي أنا وش أبي أساسا؟؟ ما أبي إلا مصلحتكم وإنها ترجع لبيتها.. بس أنت وإياها مضيعين السنع كله.. كساب عاود تقبيل رأسها وهو يهتف بلين مدروس: دامها مايهمش إلا مصلحتنا فخلش من المظاهر اللي مالها داعي.. المهم إنها رجعت وفي بيتها.. بس طالبش يمه ما توجعينها في الحكي.. مزنة بحزم وهي تغادر: ماعليه يأمك.. اسمح لي.. ما تقدر تردني إني أعلم بنتي السنع إذا هي ما تعرفه.. إذا طلعت من الحمام خلها تجيني.. كساب عاد للداخل.. كانت تخرج للتو من الحمام.. شعرها المبلول يتناثر على كتفي روبها.. وخداها محمران تماما.. كخدي طفل لفحتهما الشمس.. جسدها يرتعش بخفة غير ملحوظة.. أشاحت بوجهها حين رأته.. بينما كان كل ما يتمناه أن يشدها إلى حضنه ليمسح النظرة اليائسة التي شعر بها تنحره على أطراف أهدابها.. جلست على طرف السرير وهي تتجاهل وجوده.. جلس جوارها وهو يمدها بالكيس الذي كان معه.. لم تتناوله منه.. فاستخرج العلبة المربعة الفخمة التي كانت فيه!! وضعها في حضنها وهو يهتف بهدوء حازم مختلط بالأريحية: هذي رضاوتش.. أجابته بسكون بارد ودون أن تنظر ناحيته: ما أتذكر إني رضيت عشان تجيب لي رضاوة.. رأى أنها يبدو أنها لن تفتحها مطلقا.. لذا فتح الغلاف بنفسه وهو يستخرج العلبة التي بدأ على سطحها اسم ماركتها الاستثنائية .. ثم استخرج السوار الماسي الثمين جدا.. الذي أختلطت فيه الماسات الشفافة بالألماسات السوداء.. كانت تعلم يقينا أنه يتجاوز على الأقل سعر هدية جميلة التي أثارت غيظها وغيرتها.. بضعف السعر.. إن لم يكن الضعفين.. ألبسها السوار بنفسه في معصمها.. لم تمنعه.. ولكنه حين انتهى.. خلعته وأعادته في العلبة وهي تهمس بحزم بصوتها المرهق: آسفة ما أقدر أقبله.. رجعه.. بيعه.. تبرع فيه.. لأنك أكيد محتاج لثواب التبرع.. كساب هتف بغضب: نعم؟؟ أرجعه؟؟ لمعلوماتش يامدام الأسوارة هذي انطلبت لش مخصوص من برا الدوحة.. أما التبرع.. ترا مهوب أنتي اللي تدخلين بيني وبين ربي.. لأنه هو اللي يدري باللي أتبرع به.. وما أتبرع عشانش ولا عشان غيرش.. لكن لأنه حق ربي علي.. اللي أنعم علي بفضله..ولئن شكرتم لأزيدنكم.. همست بذات الإرهاق العميق: زين جيب لك حيوان أليف.. سكّر عليه معي في الغرفة .. ولبسه إياه في رقبته.. وش الفرق بيني وبينه؟؟ أنهت عبارتها الموجعة ثم وقفت.. فغضب وهو يهتف بذات الغضب: أنتي متى بتعرفين السنع وأشلون تحترمين رجالش؟؟ ثم عاود شدها لتجلس .. لتلسعه حينها حرارة يدها فهو حين ألبسها الأسوارة بالكاد لمس يدها لذا لم ينتبه لحرارتها.. مد يده ليلمس جبينها.. أبعدت وجهها عن مدى يده.. لكنها شدها ليلمس جبينها.. انتفض بعنف وهو يهتف بقلق حقيقي: قومي ألبسي عباتش أوديش المستشفى.. أنتي مولعة.. همست حينها بتهكم موجوع وهي تتمدد على جنبها على السرير فجسدها مهدود تماما: مولعة؟؟ أشلون عرفت؟؟ تصدق أنا أصلا لوح ثلج.. لا عنده إحساس ولا مشاعر ولا كرامة ولا شيء.. أبد اسحبه من مكان لمكان.. بس لو ذاب.. لا تشره عليه.. ماحد يشره على لوح ثلج..!! كساب بغضب يحركه فيها لوعته عليها: يالخبلة يأم الفلسفة الفاضية.. قومي نروح المستشفى.. كاسرة بسكونها المعذب: مافيني شيء.. وعلى العموم ليش تطلب مني.. شيلني مثل البهيمة اللي مالها شور.. ودني المستشفى.. ودني المسلخ.. ماتفرق!! حينها ألقى غترته جواره ثم تمدد جوارها ليحتضنها من ظهرها.. شعر بحرارة جسدها تنتشر في كل نواحي جسده.. لم تمنعه من احتضانها.. تعلم أنها لا تستطيع مقاومته وهي بكامل قوتها فكيف وهي خالية تماما من أي طاقة.. لذا همست بسكون مثقل بالألم: كساب خلني.. ما أبيك تلمسني ولا تجي جنبي.. حرام عليك تفرض علي كل شيء عشان ربي عطاك قوة ما أقدر أجاريها.. حاول ان يفلتها.. بل حاول جاهدا.. ولكنه لم يستطع.. لذا همس في عمق أذنها بحنان عميق: امشي معي المستشفى وأهدش.. كاسرة حرام عليش نفسش ..أنتي تعبانة واجد!! همست حينها بحزم ويأس وهي تحاول أن تزيح ذراعيه عن خصرها: قلت لك هدني.. وما أبي أروح معك مكان.. حينها نهض.. ليتوجه لجناح والده ويطرق على مزنة الباب حين خرجت هتف لها بحزم: كاسرة تعبانة واجد.. وما تبيني أوديها للمستشفى.. وديها أنتي لو بتوافق.. مزنة تفجر وجهها بالقلق: تعبانة وش فيها؟؟ كساب بذات النبرة الحازمة التي تخفي خلفها قلقا شاسعا: روحي شوفيها.. لو وافقت أوديكم هذا أنا قاعد تحت.. لو ما تبيني كلمي السواق.. مزنة أوقفته وهي تمسك بعضده: يأمك وش صاير بينك وبينها؟؟ يعني حتى يوم رجعت لك ما تبون ترتاحون وتريحون.. حينها هتف بعمق حازم مثقل باليأس والألم: الظاهر يمه أنا وياها عندنا هواية تعذيب الذات!! مزنة توجهت بسرعة لغرفة ابنتها.. دخلت بخطوات سريعة لتجدها متمددة على سريرها وهي ترتعش من الحمى.. فشدة القهر والكبت الذي لم تستطع التنفيس عنه تحول لحمى فعلية اخترمت كل نواحي جسدها.. مزنة انحنت عليها وهي تزيح شعرها المبلول عن جبينها لتلمس جبينها المشتعل لم تسألها عن شيء.. ولن تعاتبها على شيء.. يكفيها النظرة اليائسة الدامعة التي أطلت من عينيها حين أبصرت أمها لتنحر روحها الأمومية بالقلق والحزن.. مزنة فتحت الدولايب بسرعة وهي تستخرج ملابس لها.. وتساعدها على ارتداءها بينما كاسرة تهمس لها بما يشبه الهذيان: ما أبي كساب يودينا.. ما أبي كساب يودينا.. كله منه.. كله منه.. قهرني يمه!! قهرني يمه!! مزنة بحزم وهي منهمكة في إلباسها: بنروح مع سواق البيت.. الله يصلح بينش وبين رجالش.. وش ذا الحالة!! ************************************* " تغدى معي.. وإلا ما تبي تقعد معي على السفرة؟؟" كانت هذه إشارة وضحى لتميم الذي دخل للتو.. أشار لها وهو ينظر حوله: باتغدى معش من غير تلميحات سخيفة.. وين الباقين؟؟ وضحى بنبرة مقصودة: أي باقين؟؟ ليش ما تقول وين سميرة؟؟ فيه غيرها معنا في البيت؟؟ وعلى العموم سميرة راحت بيت أهلها.. حينها أشار تميم بجزع: نعم؟؟ راحت بيت أهلها..؟؟ ثم تراجع بسكون: خلاص خلهم يحطون الغدا.. دقيقة أبدل وأنزل.. صعد الدرج.. ولكنه لم يذهب لغرفته الجديدة.. بل صعد إلى غرفته/ غرفتها.. ليفتح الأدراج والدولايب كالمجنون.. بالفعل كانت أخذت الكثير من ملابسها.. ولكن مالم يعلمه.. أن هذه الملابس بقيت في غرفة مزنة.. بينما هي لم تأخذ معها سوى حقيبة صغيرة فيها غيارات قليلة.. تميم انهار جالسا على طرف السرير.. لمح مخدتها كانت متسخة تماما بالكحل المختلط بدموعها التي أشبعت فيها ثنايا المخدة البارحة.. مسح على المخدة بيأس: يعني سويتيها يا سميرة؟؟.. سويتيها!! هنت عليش أول وتالي!! " وش تبيها تسوي زين؟؟ وأنت تقول لها أنا قرفان منش وروحي بيت هلش.. أي وحدة عندها كرامة مستحيل تقعد!!" " بس أنا كنت تعبان.. تعبان.. وهي ما تبي ترحمني.. ماتبي ترحمني..!! والله العظيم كانت شوفتها قدامي تكفيني بس هي اللي ما كفاها الحدود اللي كانت حاطتها كانت تبي توترني وتختبر صبري بتصرفاتها!!" " خلاص.. هذي الأطلال عندك.. اقعد وابكي عليها.. وش كنت تبيها تسوي؟؟ تسمع كلامك وتقعد قدامك وبس؟؟" يا الله ما أكبر هموم هذا الفتى!! مرهق حتى نخاع النخاع.. مرهق من كل شيء.. من كل شيء!! ومجروح من الجميع..!! فهل سيبقى طوال عمره مكتوب عليه هذا الهم؟؟ ********************************** " أما إنش غريبة... هذا كله شوق لعمتش تهجين من البيت؟؟" سميرة حاولت تغليف ألمها بابتسامة: وأنتي وش عرفش.. خلش في كرشش؟؟ وبعدين اسمها خذت تايم آوت وبس.. يومين وبأرجع.. أنتي وش حارق بصلتش؟؟ نجلاء تبتسم: عدال وش يحرق بصلتي؟؟ بس مستغربة.. صحيح أنا أحب أم صالح وأموت عليها.. بس عادي لو عرست على عمي أبو صالح.. وأنا في البيت.. بأكبر مخدتي وأرقد!! سميرة اغتصبت ابتسامة.. فبالها ليس للمزاح إطلاقا: هذي آخرتها.. زوجي عمتش.. نجلاء تقف لتخرج من غرفة سميرة وهي تهتف بتأفف باسم: صدق إنش قافلة وتجيبين النكد.. بأروح أدور غنوم أحسن لي من وجهش.. صار لي يومين ما شفته رجّال مزينة... فور خروج نجلاء قفزت سميرة لتغلق الباب ثم عادت لتندس في فراشها وتنهمر ببكاء موجوع مثقل بالأنات المكتومة.. فهي أيضا كثير كل هذا عليها!! أما آن لها أن ترتاح من هذا الهم الذي لا ينجلي سواد ليله!! وألمها الاكبر هو من أجل تميم ليس من أجل نفسها.. فهو الآن وحيد في البيت.. مثقل بالهجر والياس والوحدة!! نفسها تتمزق عليه ومن أجله!! تتمزق تماما!! ******************************** " عمتي وكاسرة رجعوا؟؟" مزون تنظر لملامح كساب المعقودة بقلق وتهمس بهدوء: رجعوا من بدري.. مرتك في غرفتها.. وعمتك راحت لأبيها.. سألها بذات القلق: زين وش قالوا لها في المستشفى؟؟ حينها تساءلت مزون بدهشة: ليه أنت ما سألت عنها ولا اتصلت بها؟؟ كساب هتف بغضب: كم مرة قايل لش لا تجاوبين عن سؤالي بسؤال.. مزون شدت لها نفسا عميقا: حمى.. وحرارتها عالية.. وعطوها إجازة ثلاث أيام.. ثم أردفت بنبرة مقصودة: وتوني طليت عليها لقيتها نايمة.. عمتي وصتني عليها لين ترجع.. بس بما أنك جيت خلاص الوصاة انتقلت لك.. كساب شد له نفسا عميقا جدا.. وهو يصعد درجات السلم.. كان لديه اجتماع عمل مهم ألغاه حتى يستطيع العودة للاطمئنان عليها!! كانت غرفة النوم تغرق في أضواء خافتة.. فالوقت كان بين العصر والمغرب.. والإضاءة مقفلة.. وبدا له الجو مقبضا للقلب.. وهو يدخل باحثا عنها.. بالفعل كانت نائمة.. جلس قريبا منها وهو يتمدد نصف تمدد.. وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه.. كانت دافئة بالفعل.. أدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها وهو يهمس قريبا من أذنها بحنان: كاسرة قومي.. مهوب زين النوم ذا الحزة.. كانت خادرة تماما وجسدها مستنزف من الحمى وهي تتعلق بجيبه لا إراديا.. شعر أن قلبه يذوب مع دفء أنفاسها التي كانت تلفح عنقه.. همست بصوت مبحوح تماما: وين أمي؟؟ أجابها بحنو وهو يشدها لصدره بحنان بالغ: راحت لجدش وبتجي الحين.. تبين أجيب لش شيء..؟؟ أسندت كفها في منتصف صدره لتبعده عنها وهي تهمس بإرهاق: أبيك تخليني في حالي وبس.. وما أبيك تجي جنبي حتى.. دامك سويت كل اللي في رأسك.. وفرضت وجودك علي.. فلا تفرض نفسك على جسمي بعد.. لأن هذا شيء خاص فيني.. أفلتها مجبرا وهو ينزلها برفق.. لتنهار مرة أخرى على مخدتها.. شعر أن قلبه يتمزق بكل معنى الكلمة وهو يرى مهرته ذاوية هكذا.. وهو عاجز حتى دفنها في صدره عله يستطيع سحب كل هذه الحرارة لجسده هو.. هو سيحتمل الحرارة والحمى والمرض.. ولكن جسدها اللين لن يحتمل.. لن يحتمل!! لا يعلم هل مسترخية أو نائمة.. ولكنه لم يستطع تركها لوحدها وهي على هذه الحالة.. لذا قرب مقعده منها وبقي يراقبها.. وكل لحظة تمر تزيد في عذابه أكثر وهو يراها هكذا ولا يستطيع أن يعبر لا بالجسد ولا باللسان.. حتى حضرت مزنة.. حينها وقف وهو يوصيها عليها.. ثم خرج وهو يشعر كما لو كان هو مريضا أيضا فعلا!! ***************************** " يمه.. أدري أنش الليلة خلصتي الأربعين وعندش مخططات.. بس أنا أبي متى بنروح نسلم على خالتي مزنة عشان نودي لها هديتها" ارتعشت يد عفراء التي كانت تحدد شفتيها بمحدد الشفاة لتخرج خارج حدود شفتيها.. " يعني أنا أحاول أنسى وأنتي تذكريني بذا الوجيعة؟!!" همست عفراء بجمود ألمها وهي تمسح الخط الذي خرج خارجا: ماعليه يأمش لاحقين خير.. ابتسمت جميلة وهي تقبل زايد بين يديها: زين ترا زيود خلاص بينام عندي في غرفتي الليلة.. عفراء تكمل زينتها وهي تهمس برفض: لا يامش.. ماعليه.. ما أقدر.. خليه عندش كثر ما تبين.. بس في الليل يرقد عندي.. جميلة تبتسم: يمه بس الليلة.. سوي لعمي منصور سربرايز عدل.. عاد سربرايز وزيود مأساة مو سربرايز.. **************************************** " يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد بتدسين علي يعني؟؟" عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!! نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب.. عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس.. إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضرت ماعاد شفتي قدامش.. عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة.. نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا.. تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!! حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة: تقولها من جدك؟؟ وإلا كلمة ومقيولة؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والسبعون " يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد بتدسين علي يعني؟؟" عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!! نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب.. عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس.. إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضر ماعاد شفتي قدامش.. عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة.. نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا.. تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!! حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة: تقولها من جدك؟؟ وإلا كلمة ومقيولة؟؟ حينها نظر لها نايف نظرة مباشرة أقرب للغضب: وأنا متى كنت أقول كلام ما أقصده؟؟ عالية بذات نبرتها المقصودة: أقصد فيه أشياء ما تقدر تفيدني فيها!! ابتسم نايف: مثل؟؟ عالية تبتسم بإصطناع: مثل إني متضايقة واجد لأن صديقتي بتتزوج واحد برا قطر وحتى عرسي ما تقدر تحضره.. ما تتخيل أشلون ذا الموضوع متعب نفسيتي.. نايف باستغراب: ومن صديقتش ذي اللي ما أعرفها؟؟ واللي بتموتين عشانها كذا؟؟ عالية أنتي منتي بصاحية؟؟ وإلا أنا اللي توني بأعرفش؟؟ عالية بضيق وهي تنهمر بعصبية: نايف تبي تخدمني.. وأنا صدق أهمك.. أبيك تأخذها!! نايف ينفجر ضاحكا: استخفيتي بصراحة.. أنا توني واصل من فرنسا اليوم ترا.. حتى شهادتي مابعد خلصت خليت ربعي يصدقونها.. والعرس آخر شيء أفكر فيه في حياتي.. وأنتي جايتني بذا النكتة البايخة!! عالية تشد لها نفسا عميقا: اسمعني عدل.. بيت ملك وعندك.. ووظيفة أساسا عندك وأنت رايح تدرس على حساب النيابة العامة.. ليش ماتبي تعرس؟؟ حينها نظر لها نايف نظرة قارصة.. نظرته التي تكرهها لأنها تعلم أنها يكتشف أنها تخطط لشيء ما: عالية من الآخر.. لأن الكلام هذا مايدخل مخي ولا بنص ريال.. حينها انفجرت عالية تبكي بصوت مسموع وهي تحاول كتمان شهقاتها بدفن وجهها بين كفيها.. نايف قفز من مكانه ليجلس جوارها وهو يحاول تهدئتها ويحمد الله أن المكان مغلق ولكنه لا يكتم الصوت لذا همس لها برجاء: علوي تكفين لا تفضحينا.. وش فيش كل شوي هالة الدميعات.. ما كنتي كذا يا بنت الحلال!! عالية بين شهقاتها: الخاين النذل الخسيس يبي يأخذ بنت خاله على رأسي.. نايف نظر لها باستغراب: وأنتي وش عرفش لو هو يبي يأخذ بنت خاله؟؟ ذا الكلام ماسمعته عند خالد ولا عياله.. عالية شعرت أنه حصرها في الزاوية ومع ذلك هتفت بين شهقاتها: أخته قالت لي.. ثم شرحت عالية المبررات التي قالها لها عبدالرحمن على أنها مبررات أخته.. ليهتف نايف بحزم أقرب للغضب: بالطقاق.. خله يولي.. بيطلقش ورجله فوق رقبته.. يعني ما يستاهل الأمر إنش تبكين كذا.. أنتي لا بعد عرفتيه ولا عاشرتيه عشان تحزنين عليه كذا!! عالية بين شهقاتها: بس أنا ما أبي اتطلق.. تبي الناس يأكلون وجهي.. تكفى نايف تزوج بنت خاله.. والله العظيم البنية أنا أعرفها زين وحن ربع.. وهي أساسا ماتبي عبدالرحمن.. بس أخاف يجبرونها.. يعني لا هي مبسوطة ولا عبدالرحمن مبسوط ولا أنا مبسوطة.. نايف بحزم: طيب أنا وش ذنبي في السالفة كلها؟؟ أتورط في عرس غير محسوب عشان خاطرش أنتي ورجالش؟!! عالية حينها همست برجاء عميق وهي تقبل كتف نايف: طالبتك نايف.. والله لأحط جميلك على رأسي طول عمري.. وقسم بالله بأنها مهيب ورطة.. لو أنت أساسا تبي تعرس كنت رشحتها لك. بنت أجواد وأخلاقها عالية ووحدة عقلها موزون وكلمتها ثقيلة.. والله العظيم بتعجبك وعلى ضمانتي... نايف ممزق بين ضعفه الشديد ناحية عالية وبين عدم رغبته في الزواج فعلا وخصوصا أن هذه هي المرة الأولى التي يرى عالية ترجوه هكذا.. يشعر أنها ستموت من شدة الرجاء والبكاء.. لم يسبق له أن رأى عالية هكذا أبدا.. بينما عالية مستمرة في الانهمار والشهقات وهي تضغط عليه بهما بشدة: أدري أنك ما تبي تعرس الحين.. بس أنت مصيرك بتعرس.. بس وش عقبه؟؟ عقب ما تدمر حياتي أنا.. والبنت راحت.. ولا حد منا مبسوط.. هتف نايف بتردد وهو يسب نفسه على ضعفه أمامها: زين عندها استعداد تتحمل خواتي؟؟ عالية قفزت لتقبل رأسه: لو ما تحملتهم ماحد راح يتحملهم غيرها.. هتف بابتسامة: زين عطيني وقت أفكر.. أبكي وجهش ما أغلاش.. اللي بأورط روحي ذا الورطة عشانش.. عالية حينها همست بحزم بصوتها المبحوح من البكاء فعلا: لا.. تبي تتم جميلك.. تروح تخطبها بكرة وتملك على طول.. والعرس براحتك متى ما بغيت.. ****************************************** " جميلة وين أمش؟؟" جميلة كانت تجلس في الصالة السفلية وبيدها زايد الصغير الذي أعاده لها منصور بعد أن خنقه بكثرة القبلات.. و كانت تنظر لمنصور وفي عينيها شقاوة محببة وهمست بخبث لطيف: أمي في المطبخ!! منصور بدهشة: في المطبخ.. وش تسوي في المطبخ؟؟ جميلة بذات الخبث اللطيف: عصبت على الخدامات والحين تنفض المطبخ.. تنظفه من جديد.. وتقول ماراح تنام هي وإياهم لين يخلصونه!! لم تكن عفراء طلبت من جميلة أن تقول هكذا لكن هذه كانت اجتهادات جميلة لتصبح المفاجأة مفاجأة فعلا.. بينما منصور همس لنفسه" الظاهر يا منصور من كثر ماتعد الأيام ضيعت الحساب!!" ثم هتف لجميلة بحنان: خلاص دامها في المطبخ ومطولة.. أنا بأروح يأبيش للمجلس.. تبين شيء؟؟ جميلة بجزع : لا وش تروح للمجلس.. أنت مهوب كنت تقول تبي تعلمني رماية ورني السلاح زين.. منصور يبتسم: بس أنتي قلتي ما تبين.. جميلة بإصرار: بلى أبي.. بس روح جيب السلاح وتعال تكفى عمي.. منصور بذات الابتسامة: زين خلاص أنتي تعالي وأوريش إياهم كلهم لأنه السلاح اللي عندي واجد.. جميلة بذات الاصرار زين أنت اطلع وطلعهم وأنا بس بألف زايد عدل واجيك.. منصور باستغراب: زين هذا زايد ملفوف كنه سندويشة وش تلفينه أكثر من كذا.. جميلة بتأفف عذب: لا حول ولا قوة إلا بالله ياعمي.. وش فيك صاير عنيد كذا!! منصور ابتسم: لأني أساسا عنيد... يعني طبعي وإلا باشتريه؟؟ حينها وقفت جميلة معه وهمست بابتسامة: الله يعين أمي عليك وعلى يباس رأسك.. يا الله امش نطلع.. حين وصلا لمنتصف الصالة العلوية همست جميلة بتذكر تمثيلي: يوه عمي بأروح لغرفتي بسرعة وأجيك.. نسيت الماي مفتوح هناك.. منصور توجه لغرفته وهو يبتسم: وش فيها ذا البنية الليلة مهيب طبيعية؟؟ حين فتح باب غرفته علم أن الليلة كلها غير طبيعية.. فالغرفة كانت تعبق في أجواء دافئة عطرة بإضاءتها الخافتة المختلفة وبالعشاء المضاء بضوء الشموع في زاوية غرفة الجلوس.. ابتسم وعيناه تبحث عنها.. فكل الرتوش هذه لا تهمه.. ولكن اهتمامه كله بآسرته!! نادى بجزالة: عفرا صدق لا تكونين في المطبخ!! عفراء خرجت من غرفة التبديل حيث كانت تضع التعديلات الأخيرة على شكلها.. وهي تهمس برقة: أي مطبخ؟؟ أشبع عينيه نظرا لها.. مشتاق لها حتى وهي جواره.. لا يعلم ماذا كان سيفعل لو كانت مثلا والدتها حية وأرادت أن تقضي النفاس عندها..!! فهو بالكاد احتمل بعدها وهي إلى جواره!! كانت آسرة فعلا بفستان كريمي من الشيفون على الطريقة الرومانية قصير من ناحية وطويل من ناحية أخرى.. اقترب كما لو كانت حلما يريد التأكد منه..!! شد كفها ليجلسها ثم يجلس جوارها وهو مازال ممسكا بكفها التي غمرها بقبلاته قبل أن يهتف باسما: كانت روحي بتخلص ما خلصت ذا الأربعين.. وقبل الأربعين ست شهور زعل.. المفروض يعطوني جايزة على صبري.. عفرا مالت لتضع رأسها على كتفه وهي تحتضن خصره وتنتهد من أعماقها تنهيدة حارة مثقلة بالشجن.. منصور احتضنها بحنو وهو يهمس باهتمام حان: عفرا وش اللي مضايقش؟؟ ولا تقولين مافيه شيء.. صار لش كم يوم متضايقة وأنا حاسس فيش؟؟ عفراء احتضنت خصره أكثر وهي تهمس بألم: غصبا عني منصور.. من يوم قلت لي إن زايد خطب مزنة قبل وسمية وأنا مستوجعة.. أختي عاشت معه وهو باله مع غيرها.. موجوعة واجد يا منصور !! ابتسم منصور وهو يمسح على شعرها ويهتف بعمق: تدرين وش أكبر مشكلة عند الإنسان ؟؟ الأنانية... أنتي الحين تبين تحاسبين زايد على مشاعر أخفاها في قلبه.. وماله ذنب إنه ماقدر يلغيها أو ينساها.. لكن تنسين زايد وش سوى لوسمية... أمنتش بالله ياعفرا.. قد شفتي رجّال كان يحشم مرته ويحترمها ويعزها ويقدرها مثل ما كان زايد مع وسمية.. أنتي الحين تبين تحاسبينه إنه حقق حلم تمناه في صباه.. وتنسين وش صار له أيام مرض وسمية.. مابقى مكان في العالم ما وداها له.. أهمل شغله وعياله ونفسه.. وماكان هامه في الدنيا شيء غيرها.. ويوم ماتت الله يرحمها كان بيموت وراها من الحزن.. وعقب ذا كله تبين تحاسبينه على مشاعره عقب ما ماتت وسمية بأكثر من 17 سنة.. وش ذا الأنانية ياعفرا؟؟.. الأنانية تلبق لي.. بس ما تلبق لش.. حينها انفجرت عفراء في البكاء وهي تدفن وجهها في صدره.. متأثرة بشدة من كلام منصور.. ومخنوقة بالحزن من الجانبين.. يالا غرابة البشر الذين يشعرون بأحزانهم ويرفضون الإحساس بأحزان الآخرين!! منصور هتف بابتسامة: لا تكفين.. مابعد شفت وجهش.. تحوسين الدنيا بالبكا.. عفراء حاولت أن تتماسك وهي تهمس باختناق: سبحان الله أشلون تكون فيه أشياء بديهية في الحياة.. بس ما نقدر نشوفها لأنه أنانيتنا ما تبينا نشوفها.. وصدقني مع إن كلامك خفف واجد من ضيقتي بس ما أقدر أقول أنه الموضوع بسيط علي أو هين.. حينها ابتسم منصور: يعني لو مثلا أخت وحدة من نسواني اللي قبل.. زعلت عشان أنا خطبتش قبلهم ورجعت وتزوجتش عقبهم.. يكون لها حق؟؟ عفراء انتفضت بجزع حقيقي وهي تبتعد عن حضن منصور قليلا كي تتمكن من رؤية وجهه وهي تهمس بذات الجزع: أنت خطبتني قبل ما تتزوج؟؟ منصور مد سبابته ليمسح دمعة اختلطت بالكحل كانت تتعلق بأهدابها وهو يهمس بحنان: الأصح قرعت على خليفة.. بس زايد ما رضى.. صمتت عفرا.. لا تستطيع أن تقول أنها حزينة لأنها لم تكن لمنصور منذ البداية.. رغم أنها تشعر الآن كما لو كانت له وحده منذ الأزل.. وأنها لم تكن أبدا لرجل قبله..!! ورغم تجربتها القصيرة والمشوشة مع خليفة.. ولكنها لو عاد بها الزمن لفعلتها مرة أخرى لأنه نتج عن هذه التجربة (جميلة) وهي كان يستحيل أن تضحي بوجود جميلة في حياتها مقابل أي شيء!! ولكنها همست بشفافية بالغة: ما أدري منصور.. عمري ما حسيت إنك تبيني.. أحيانا كنت أشك أنك عارف إني موجودة معكم في البيت.. ابتسم منصور بشجن مرح: سبحان الله.. تنهين الإنسان عن شيء فيجن جنونه فيه.. أنا بصراحة كنت لاهي عنش.. لين حذرني زايد منش.. قال لي لا عاد تدخل داخل البيت كلش..عشان عندنا بنت كبرت وتستحي ما يصح إنك تشوفها.. فأنا تعجبت من البنت ذي؟؟.. عفيرا البزر صارت تستحي..!! واكتشفت إن البنت كبرت واحلوت وأنا مادريت.. فصار مالي شغلة إلا أني إبي أشوفش وبأي طريقة وبس.. الظاهر أنا وأخي عندنا ذا الشيء في الجينات الوراثية!! عفراء مصدومة بالفعل.. صدمة غاية في الشفافية والتأثير: منصور عمري ما انتبهت لذا الشيء.. بالعكس أنت كنت جدي بزيادة وشايف نفسك.. أنا كنت أخاف منك أكثر ما أخاف من زايد.. منصور أرجوك.. مهوب تنصب علي في سالفة مثل ذي.. قلبي بدا يوجعني!! منصور قبل رأسها وهو يبتسم: قلبش يوجعش الحين.. عقب ما آجعتي قلبي سنين!! تدرين عاد مشكلة التكبر الله يكفينا شره.. وبعدين بصراحة أنا كنت أستحي.. وش تبين أسوي وأنتي ما تشوفيني إلا وتنزلين رأسش كني باكلش.. كنت بأموت وأشوفش بس ترفعين عيونش فيني.. ولحد الحين وأنتي نظرة العيون ذي تشحين فيها عليّ.. عفراء تشعر بتأثر متعاظم: منصور حرام عليك تسوي فيني كذا.. بروحي متاثرة من أشياء واجد ومشتاقة لك.. وحاسة بالذنب عشانك.. وتجي تقول لي كذا!! منصور يبتسم وهو يتنفس بعمق عطر شعرها الذي يغمره بقبلاته: أما عاد الذنب.. طالبش تحسين فيه.. ست شهور يا الظالمة ناسيتني.. ما تقولين رجّالي مسكين مستوحش في البيت بروحه.. لا أنيس ولا حد يراده الصوت.. حينها ابتسمت عفراء بشفافية: لا عاد يا أبو زايد لا تعيرني بعيارتك وتركبني حمارتك.. أنت اللي ما سألت عني.. ما تقول مرتي وحامل وتعبانة ولا حتى تدق علي مرة ولا بالغلط.. منصور يحتضنها بكل قوته كأنه يريد إخفائها بين ضلوعه ويهمس بعمق شفاف: خوش وقت نتعاتب فيه..!! عفراء تهمس بعذوبة مثقلة بالمشاعر ووجهها مختبئ في صدره: زين خلنا من العتاب.. صدق منصور كان في قلبك مشاعر لي قبل تتزوج وإلا تنصب علي؟؟..تكفى تجاوبني بصراحة.. لأني لمعلوماتك.. وعشان تعرف أشلون الإنسان أناني.. أموت من الغيرة كل ما طرا علي أنك كنت متزوج قبلي ثلاث.. شده أكثر إلى حضنه وهو يهمس بعمق متجذر: يكفيش لو قلت إني عمري ما حسيت إني متزوج ولا حتى عايش مثل باقي مخاليق ربي ..إلا عقبش أنتي!! ************************************** " يمه.. شأخبارها الحين؟؟" كان كساب يهمس بخفوت بهذه العبارة لمزنة التي كانت تقرأ وردها قريبا من كاسرة بعد أن صلت قيامها.. مزنة وضعت المصحف جانبا وهي تهمس بخفوت: احسن بواجد.. ما معها حرارة الحين.. صلت قيامها بدري ونامت.. والحين نايمة.. كساب بابتسامة مغلفة بالاحترام: تعبناش معنا وأنتي توش مالش يوم من يوم جيتي بيتنا.. والعريس من بدري في غرفته.. حينها همست مزنة باهتمام: زين من اللي قعد عند علي يوم كلكم جيتوا؟؟ كساب بسكون: علي حلف ما حد يقعد عنده.. وعلى العموم أصلا ربعه ميتين يبون يمسون عنده.. بس عشان دايما أنا وإبي موجودين يستحون.. والليلة يمكن يمسي عنده اثنين منهم.. مزنة حينها وقفت وغادرت المكان.. بينما كساب انحنى على كاسرة قليلا وهو يتحسس جبينها.. وجد حرارتها طبيعية..فخلع ملابسه ليمارس تمارين الضغط ثم استحم وصلى قيامه وقرأ ورده ثم عاد ليتمدد جوارها.. وكان أول ما فعله أنه عاود تحسس جبينها..هذه المرة وجدها دافئة قليلا همس لها من قرب: كاسرة قومي كلي علاجش.. أنتي دافية.. كاسرة اعتدلت جالسة لتتناول الأقراص من جوارها دون أن تلتفت له.. ولكنه سبقها أن مد يده عبر خصرها ليتناول الأقراص والماء ويعطيها إياها.. تناولتها دون أن تقول شيئا ودون حتى أن تنظر له.. ثم عادت لتتمدد.. اقترب منها بخفة.. حينها همست بحزم: كساب لو سمحت لا تجي جنبي.. قلت لك ذا الكلام أكثر من مرة.. وإلا أنت لو ما فرضت نفسك ما ترتاح.. همس بخفوت دافئ عميق: ماني بفارض نفسي.. وبأقول لش لو سمحتي وتكرمتي نامي في حضني بس.. والله العظيم ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضتي بس.. يعني هذا أنا تنازلت عن شيء. تنازلي أنتي عن شيء.. كاسرة بألم عميق مغلف بنبرتها الحازمة: تعبت تنازلات يا كساب.. وما أبي أتنازل.. على الأقل خلني أحس أني رفضت لأني عارفة إنك بتجبرني على اللي تبيه.. كساب حينها ابتعد عنها لآخر طرف السرير وهو يوليها ظهره يهتف ببرود قارص: لا أجبرش ولا شي.. براحتش يا بنت ناصر.. ************************************** قبل ذلك بقليل.. دخلت إلى جناحها بخطوات مترددة.. انشغالها طوال اليوم بمشاكل ابنائها لم يترك لها مجالا للتفكير بشيء.. ولكن الآن في هجعة الليل.. وفي هذا المكان.. وهي تعلم أنه بالداخل.. كل ذلك بعث توترا عميقا في روحها.. لن تحتمل كلمات كالتي قالها لها البارحة.. لن تحتمل!! غريب كيف بقي قلبها عذريا طوال عمرها..!! ولم تشعر بتلك الرعشة الفاتنة العذبة التي تهز ثنايا القلب بألم شفاف إلا الآن.. ليست مراهقة ولا محدودة التفكير لتتأثر من مجرد كلمات!! ولكن المشكلة أنها لم تكن مجرد كلمات.. لم تكن مجرد كلمات..!! وهي ليست حجرا ولا معدومة المشاعر حتى تعجز عن الإحساس به!! فهذا الرجل الذي احتواها في أحضانه البارحة كان يشتعل.. ينزف.. ينهمر.. فكيف يكون مجرد ماقاله كلمات؟؟!! كان يشتعل نارا شعرت بها تتسرب إلى حناياها.. كان ينزف حبا موجعا حاول ترجمته إلى كلمات.. فإذا بالكلمات تتحول إلى أنين موجوع أشبه بأسهم حارقة ثقبت روحها... كان ينهمر بكلماته كمطر خرافي أسطوري يستحيل أن يكون قد وجد قبله أو سيوجد بعده.. فلا يمكن أن يقول رجل ما هذه الكلمات التي قالها هذا الرجل الاستثنائي لها.. وهو يُشعرها أنها أسطورة فعلا.. أنها أنثى لا تكرر.. وهو يقفز بإحساسها الأنثوي بنفسها إلى الذروة!! وهو يخبرها بكلمات حب لا تكون إلا لأسطورة فقط ولا تستحقها سوى أسطورة لم تخلق من قبل!! كلما تذكرت فقط.. تذكرت فقط.. همساته.. دفء أنفاسه.. ارتعش جسدها بالقشعريرة التي تمر عبر عمودها الفقري لاسعة حادة.. وشعرت أنها تريد الجلوس لأن قدميها لا تحملانها.. كما هي تجلس الآن في غرفة الجلوس في جناحهما.. وتعلم أنه بالداخل ولكنها عاجزة عن مواجهته.. لا تعلم كيف فعل بها هذا؟؟ وكيف جعلها تجبن عن المواجهة وهي من لم تجبن عن مواجهة يوما؟؟ هـــو معتصم بناحيته من الجبهة.. يعلم أنها عادت للجناح.. منذ وقت ليس بالقصير.. تحديدا منذ عاد كساب لغرفته.. ومع ذلك مازال لم يراها وهو يتمزق تماما بين رغبتيه الغريبتين أن يراها وألا يراها.. كان باله يحدثه أن ينام قبل أن تأتي فهو في غنى عن مواجهة لا يعلم كيف سيكون تصرفه فيها.. ولكن ما يريده.. غير ما تريده رغباته المتعارضة.. لذا خرج لغرفة الجلوس.. ليجدها جالسة هناك.. غارقة في أفكارها.. ولم تنتبه حتى جلس جوارها.. انتفضت بخفة وهي ترحب بعذوبة واحترام: هلا أبو كساب.. السموحة كنت جايه الحين.. مد يده لينزع برقعها عن وجهها.. لا يعلم ما الذي دفعه لذلك وهو يهمس لها بدفء: برقع في غرفتش عاد!! شعرت بالخجل وهي تنزل جلالها على كتفيها وتهمس بذات الخجل المغلف بتهذيبها الرفيع: كنت في غرفة كاسرة.. واستحي كساب يشوف وجهي.. أجابها بذات الدفء: تستحين من كساب ماعليه.. بس تستحين مني بعد؟؟ ابتسمت حينها بعذوبة: ترا كساب ولدي صار له شهور.. وأنت توني أعرفك البارحة.. أجابها بدفء أشد مثقل بالعمق: ما سمعتي بالليلة اللي عن ألف سنة.. هذي هي!! مزنة رغما عنها اشتعل وجهها احمرارا وهي تقف لتهمس بثقة تخفي خلفها ارتباكها: السموحة.. كان المفروض إني قبلك في الغرفة وأنتظرك.. بس مرض كاسرة لخبطني شوي.. عطني 10 دقايق أبدل واجيك.. مزنة غادرت بينما زايد تنهد بعمق.. لا يعلم لماذا يتصرف معها على هذا النحو؟؟ أو يحادثها بهذه النبرة التي لم يسبق أن كلم بها أحدا مطلقا ولا حتى وسمية؟؟ وليس غبيا ليلاحظ تأثرها البالغ.. يشعر كما لو كان يرتكب جريمة في حقها وهو يمنحها إحساسا كاذبا لا يستطيع منع نفسه من الانهمار به!! فما الذي يحركه؟؟ أ هي أنوثتها الطاغية التي حركت الرجل المحروم في أعماقه؟؟ يكره جدا هذا التفكير.. بل يحتقره!! أ يكون هذا تفكيره بمزنة؟؟ بــمــزنـــة؟؟!! ولكنه لا يجد لنفسه مبررا آخر لهذا الاندفاع الذي لا يستطيع السيطرة عليه.. والغريب أن التناقضات تتصارع في نفسه بصورة أشد وأكثر إيلاما.. يشعر أن هناك حاجز ضخم بينهما.. ولكنه في ذات الوقت يريدها أن تصبح أقرب من أنفاسه.. يحاول أن يمنع نفسه أن يقول لها الكثير من الكلام الذي بات يعرف يقينا أنه ليس لها.. ومع ذلك يكاد يحترق لهفة للحظة التي سيسكب هذه الكلمات في عمق أذنها..!! هذه المرة كان من غرق في التفكير لفترة لا يعلم كم طالت.. حتى انتفض بخفة وهو يتذكر أنها لابد من تنتظره الآن.. دخل بخطواته الهادئة الواثقة.. كانت الإضاءة خافتة كما تركها هو... كانت تجلس على مقعد التسريحة ووقفت حين دخل.. فــــــــــــــــــاتــــــــــــــــنــــــة..!! فـــــاتـــنــــة إلى أقصى درجات الهلوسة!! وهي تقف كحورية.. كتمثال نادر.. كأيقونة للجمال.. وشعرها الكستنائي يتناثر باستثنائية على فخامة سواد روبها الحريري الحالك!! رؤيتها.. كان من المفترض أن تبعث في روحه سعادة خالصة.. فمن يرى كل هذا الحسن له وبين يديه ولا يسعد به؟!! ولكن الغريب أنه شعر بحزن عميق غريب غمر فؤاده حتى أقصاه.. بل أقصى أقصاه!!.. تجاوزها ليجلس على سريره ودون أن يقول لها كلمة واحدة.. مزنة استغربت منه فعلا.. " يكون زعلان عشاني تأخرت عليه؟؟" لتتصارع الرغبتان في روح مزنة أيضا.. رغبة يدفعها لها معرفتها لحقه وأنها يجب أن ترضيه لأنها من قصرت في حقه.. ورغبة اخرى هي الأقوى.. هي رغبة روحها التي لا تعرف المهادنة.. فهو يعرف أن ابنتها مريضة.. وإن كان سيغضب لأنها تأخرت عندها.. فليغضب كما يشاء!! ولكنه قطع عليها خط الصراع وهو يتمدد نصف تمدد ويهمس بدفئه الذي أصبح علامة مخصصة لها: ها مزنة مطولة وأنتي تفكرين تحنين علي وإلا لأ؟؟ تعالي.. تمددي جنبي!! قطعتي قلبي.. مزنة انتفضت بخفة وهي تتقدم نحوه وتهمس بخفوت اختلط بخجلها الفطري: هذا أنا جايه.. حين جلست جواره وهي تسند ظهرها لظهر السرير.. تناول كفها ليحتضنها بين كفيه كليهما بينما همست هي بشفافية: زايد أبي أقول لك شيء وأتمنى ما يضايقك.. ابتسم زايد: أتضايق من شيء تقولينه؟؟ أفا عليش.. قولي وتدللي!! مزنة بذات الشفافية: بصراحة ردات فعلك غريبة شوي.. أو يمكن أنا أشوفها غريبة لأني ما بعد أعرف طبايعك.. يعني أحيانا تسكت وأنا متوقعة منك تقول شيء.. واحيانا أتوقع منك تسكت تفاجئني بكلام ما توقعته.. حينها هتف بعمق شديد: إذا على الصمت.. فأحيانا الصمت في حرم الجمال جمال.. أما على الكلام.. فيا الله يامزنة.. ما تتخيلين وش كثر في قلبي كلام..!! حينها همست مزنة برجاء عميق: تكفى زايد.. لا تقول لي شيء.. أنا عادني ما قدرت أستوعب كلامك أمس.. وحاسة كأني في دوامة عدم توازن.. تكفى ما تقول لي شيء.. ترا ضربتين في الرأس توجع.. ولكنه لم يرحمها ولم يرحم رجاءها الذي كانت تعنيه حقا!! وهو يفلت كفها ليحتضن كتفيها وهو يزيح شعرها خلف أذنها ليغمرها بقبلاته وهو يهمس بعمق متجذر في داخل أذنها: ما أقدر.. حاس أني باموت لو ما تكلمت.. كتمت ثلاثين سنة.. ثلاثين سنة!! حاس بأنفجر من كثر الكلام اللي دسيته لش !! ************************************** " وضحى شتفكرين فيه؟؟" وضحى انتفضت بخفة وهي تنظر لمزون وتبتسم: مافيه شيء.. سرحت كذا!! فهي الليلة ستنام مع مزون التي أصرت أن تنام وضحى معها في غرفتها.. بينما وضحى تحاول الخروج من أسر أفكارها التي تطوقها رغما عنها.. ماذا تقول لها؟؟ أ تقول لها انها متضايقة إلى درجة الاختناق من تصرفات تميم!! اليوم آلمها ألم أكثر من سنوات عمرها كلها!! لأنه تميم.. تميم.. نبض روحها!! بدءها صباحا بمنعها من الخروج.. وختمها مساء.. وهو يتعارك مع أمه لأنه كان رافضا أن تبات وضحى خارج البيت.. يريدها أن تبقى سجينة تحت عينيه.. وربما كان يريد أيضا إغلاق الغرفة عليها.. مايدريها..!! بقدر ماشعرت بالألم أنها أفشت سرها ليتخذه تميم سيفا مسلطا على رقبتها.. بقدر ما شعرت أن الأمر يستحق وزايد يمر بها وبمزون الليلة وهو يجلس بينهما ويحتضن كل واحدة منهما بذراع.. وهو يحدثهما بحديثه الآسر الأبوي الحاني لحدود السماء.. شعرت أن هذا يكفيها عن كل ألم.. يا الله كم هذا الشعور رحب وثري ودافئ!! ولكن هل سيطيل تميم عليها تصرفاته.. لأنها لا يمكن أن تتحمل هذا من تميم بالذات..؟؟ فالأمر جارح لها ومؤذي لأبعد حد!! ********************************** يدور في غرفته كالمجنون.. مليء بالهواجس والألم.. البيت خال عليه تماما.. كان يريد أن ينام مع جده.. حتى يخفف شعوره بالوحدة.. ولكنه لم يستطع .. فإن كان لا يستطيع سماع شخير جده الذي يصم الآذان فهو بالتأكيد اختنق من رائحة (الفيكس) الذي يبدو أن (سليم) قد استحم به!! ولا يستطيع أن يطلب من سليم أن ينام في مكان آخر.. لآن جده لو قام في الليل ونادى فهو لن يسمعه.. لذا عاد لغرفته مدحورا مقهورا.. وهو يدور في أرجائها كعقرب ثوان لا يكف عن الحركة!! لشدة إحساسه بالوحدة يتمنى لو أرسل لوضحى حتى تعود وهو سينتظرها عند الباب الواصل بين البيتين.. ولكنه رأه تصرفا غير لائق.. عدا أن وضحى قد تكون نائمة أصلا!! غرفته باتت تمثل له كابوسا يكتم على أنفاسه.. قرر أن ينام في غرفة أمه.. فرائحة أمه قد تهدئ قلق روحه كما فعل البارحة وهو يقضي الليل فيها .. لكنه انصدم أن غرفة أمه مغلقة.. شعر بالألم.. لماذا أغلقتها؟؟ لم تبق له إلا رائحتها فيها وحتى هذه الرائحة استكثروها عليه!! "يا الله... رحماك ياربي.. ماعاد للهم في قلبي مكان!!" ******************************* اليوم التالي . . . " من جدك نايف اللي سويته؟؟ من جدك؟؟ واصل أمس ورايح تخطب اليوم وبدون حتى ما تشورنا ما تقول خواتي أخذ رايهم.. أخليهم يختارون لي.. رايح تتبع شور عالية مثل الخروف.. أكيد هذا شورها.. بنت خال رجّالها ومرت عبود أم لسانين!!" نايف يشد له نفسا عميقا وهو يضغط رأسه حتى لا ينفجر.. فهذا هو العتاب السادس اليوم وبذات المعنى.. بل يستطيع الآن أن يحدد تماما ماذا ستقول بعد ذلك.. وهو تقصد تماما أن يفاجئهن بخبر الخطبة لأنه لو أخبرهن قبلها لصنعنها قضية الشرق الأوسط.. ولأفسدوا الخطبة بأكملها.. والآن تقصد أن تكون نورة آخر من يخبرها لأنه يعلم أنها ستكون أشدهم وأقساهم عتابا.. نايف بنبرة حنونة: نورة يا قلبي أنتي.. الحين مابعد صار شيء.. هذي مجرد خطبة.. نورة بغضب عارم: إيه وصافية عندها خبر من البارحة.. ورجالها اللي رايح يخطب لك.. وليه ما قلت لي أنا ورجّالي؟؟ وإلا ما حنا بكفو ياحضرة وكيل النيابة.. نايف يميل على رأسها ليقبله وهو يهتف بذات النبرة الحانية: صافية ورجّالها هم الكبار.. ما يصير نتعدى عليهم.. هذي الأصول وأنتي أم الأصول اللي تعلمينها يأم سعود.. نورة بذات الغضب: بس البنت مهيب عاجبتني.. ماحتى خذت شوري فيها.. نايف يشد له نفسا للمرة الألف هذه المرة: ليه مهيب عاجبتش؟؟ تردين شيء في دينها؟؟ في أخلاقها؟؟ نورة حينها همست بجزع: لا والله حاشاها.. ما أبهتها.. بنت أجواد وحشيم وأنا أشهد إنها ذربة ومتربية.. أنا عندي بنات ولا أبهت بنات الناس.. نايف استغرب أن نورة بالذات التي لا يعجبها العجب.. تشهد لها ومع ذلك لا تريدها: زين دامش تمدحينها ذا المدح كله.. ليه مهيب عاجبتش.. نورة تصرح تماما بما في ذهنها: أمها وأختها الكبيرة ما ينداس لهم على طرف.. اللي بيقول لهم كلمة بيردونها عليه عشر.. وشيدرينا إنها بكرة لا خذتك ما تكون مثلهم.. هي ذا الحين صغيرة.. بس يمكن بكرة تنفش ريشها.. واقلب القدر على ثمها تطلع البنت لامها.. حينها ضحك نايف: ليه أنتو ناوين تدعسون في بطن مرتي وما تبونها حتى ترد!! نورة بغضب: غدت مرتك من ذا الحين..؟؟ أنت أخينا الوحيد.. وما نبي حد يفرق بيننا وبينك.. ونبي لك الزين.. ووضحى الله يستر علينا وعليها ماحتى هي بذابحها الزين!! نايف ينظر لها بنظرة مباشرة وهو يهتف بنبرة مقصودة: شينة يعني؟!! نورة تنظر له بغضب لأنه يسألها بهذا البرود: لا ..مهيب شينة.. بس مهوب ذابحها الزين.. نايف وقف وهو يقبل رأس نورة ويستعد للمغادرة ويهتف بابتسامة مرحة: اللي فيها من الزين بيكفيني.. ما أبي مرتي يذبحها الزين.. لا ذبحها وش باستفيد عقب وهي ميتة!! ************************************ " ما أدري يمه.. بأصلي استخارة وبأفكر!! " كانت هذه عبارة وضحى التي نطقت بها في خجل شديد وهي تنزل رأسها بعد أن أخبرتها أمها بالخطبة التي أخبرها بها زايد بعد أن اتصل به خالد وطلب أن يقابله ومعه تميم والجد جابر في مجلس تميم حتى يخطب منهم وضحى لنايف.. مزنة جلست جوارها وهي تربت على فخذها بحنو.. بينما كانت تهمس بنبرة حازمة: أنا بعد يامش باصلي استخارة.. لكن خلني أقول لش مبدئيا إني ماني بمرتاحة.. نايف بنفسه يمدحونه.. بس خواته الله يصلحهم معروف أشلون ناشبين في حلقه.. والوحدة منهم لسانها شبرين خصوصا نورة وسلطانة.. الواحد يعيف مقعدهم.. جوزا كانت تبكي من اللي كانوا يسوونه فيها وهي مرت ولد أختهم..أشلون مرت أخيهم الوحيد والصغير..؟؟ وأنا يأمش ما عينتش في الشارع.. لو شكيت واحد في المية إن ذا العرس مافيه خيرة لش ما وافقت.. كاسرة التي تمدد على سرير أمها بإرهاق همست بإرهاق حازم: يمه كان قلتي لعمي زايد يقول لهم من أولها مافيه نصيب.. خواته ذولا سحالي مهوب آدميات.. وضحى وش حادها على حياة الشقا ذي؟؟ عادها صغيرة.. ونصيبها بيجيها.. حينها همست وضحى بحزم رقيق: كاسرة لو سمحتي.. هذا أنتي قلتي.. نصيبها.. يعني هذا موضوع يخصني.. ومن حقي أفكر فيه وأنا اللي أعطي قراري.. ابتسمت كاسرة فموضوع وضحى جاء في وقت مناسب حتى ينشغل به الجميع عن موضوع عودتها حتى لا يناقشوها فيه ويزيدوا حرقتها حرقة.. وهي تهمس بنبرة مقصودة: والله صايرة قوية يا بنت.. إذا القوة ذي بتطلعينها على خوات نايف لا خذتيه ما ينخاف عليش.. الخوف تمدين لسانش عندي.. وعقبه يدبغونش خواته.. وضحى جلست جوار كاسرة وهي تميل لتقبل رأسها وتبتسم بمرح: عندي أخت لسانها ما يحتاج.. إذا بتخليهم يدبغوني.. وش فايدة لسانها.. كاسرة تحتضن عضد وضحى بحنو وتهمس بذات الحنو: أفا عليش.. يا أنا مستعدة ومجهزة لساني.. ولا يهمش.. مزنة ابتسمت: زين يا بنت أنتي وإياها ما حلت لكم السوالف إلا على فراش أبو كساب.. قوموا يا الله للصالة.. كاسرة ووضحى كلتاهما تمددتا أكثر.. بينما كاسرة تغمز بعينها لوضحى: صدق ريحة فراش معاريس.. أنا تعبانة وما أشم ومع كذا دخت من حلات العطر.. مزنة شدت كل واحدة منهما من اذنها وهي تهمس بابتسامة: صدق أنكم بنات مافي وجيهكم سحا.. ************************************** " نعم؟؟ ماسمعت.. عيدي اللي قلتيه لأمي" جوزا تهمس بابتسامة: كنت أقول لأمي إن نايف خال عبدالله.. خطب اليوم وضحى بنت خالي.. توه واصل أمس راح يخطب اليوم.. ماعنده وقت!! حينها انفجر عبدالرحمن ضاحكا.. لأول مرة يرونه يضحك هكذا منذ صحى من غيبوبته.. أم عبدالرحمن ابتسمت بسعادة لضحكه: الله يونسك دوم.. وش يضحكك.. عبدالرحمن بين ضحكاته: سالفة طرت علي بس!! " والله منتي بهينة يا مدام..!! ينخاف منش!! تدبرين لوضحى عريس عشان تزيحينها من دربش!! صدق إنش خطيرة!! ودام دبرتي لوضحى رجّال.. متى بتحنين علي أنا؟؟ ميت ياعالية.. ميت من شوقي!! لا تصيرين قاسية كذا!! يا الله !! يوم مر ما سمعت صوتها.. حاسة يوم ناقص من عمري.. ما ينحسب!!" ****************************** بعد ثلاثة أيام . . " يمه أنا موافقة خلاص" مزنة تلتفت لها وتهمس بحزم: يأمش لا تستعجلين.. هذا عرس.. عشرة عمر مهوب يوم ولا يومين.. وضحى بسكون: يمه أنا صليت استخارة كم مرة وقلبي مرتاح له.. لا تنكر أن جزءا كبير موافقتها كان يرجع لمعاملة تميم الجديدة لها.. مع أنها الآن تبات في بيت زايد.. ولكن معظم اليوم تقضيه في بيتهم.. ولا يسمح لها مطلقا بالخروج إلى أي مكان.. صباحا يذهب بها للمدرسة وينتظر حتى يراها دخلت.. وظهرا يحضر قبل خروجها بأكثر من ساعة.. هل يشك أنها تذهب لمكان آخر؟؟ الأمر بات يجرحها بشدة.. فلترحه من همها مادامت أصبحت هما هكذا؟!! بل حتى انشغاله بها.. أشغله عن مشاكله الخاصة.. فسميرة مازالت في بيت أهلها!! ويبدو أنه لم يجد وقتا ليفكر بإعادتها.. كيف يفكر وهو مشغول بسجينته؟؟ لم تعلم أن التفكير كان يلتهمه كل ليلة كالتهام النار للهشيم.. ولكنه لا يريد إجبارها على العودة.. وهو يشعر أنها لو عادت له فستعود مجبرة.. لذا مازال لم يستمع لإلحاح مزنة عليه أن يذهب لإعادة سميرة التي تنتظر عودتها له على أحر من الجمر!! ومن ناحية أخرى.. يشعر أنه يريد أن يبقي في قلبه بعض الأمل.. لأنه يخشى أن يذهب لإحضارها فترفض أو يرفض أهلها الذين يكره أن يجلس أمامهم كمذنب لمناقشة مشاكله الخاصة.. مزنة قررت أن تمهله عدة أيام قبل أن تتدخل بشكل قاطع لأنها علمت أنه محتاج لبعض الوقت للتفكير فعلا بصفاء ذهن مازال لم يتوفر له مع تأثره من موضوع وضحى ثم انشغاله بخطبتها.. **************************************** كانت مسترخية على سريرها مثقلة بهذا الهم الذي ماعادت تعرف كيف تزيله عن روحها.. مرارة الخذلان!! وقسوة الخيانة!! أسوأ شعورين قد يشعر بهما بشر.. يحطمان الروح ويعمرونها بالسواد!! وصلتها رسالته.. حانية.. دافئة .. صادقة كما هو!! كاذبة .. منافقة .. خائنة كما أصبحت تراه !! " عالية حبيبتي.. مشتاق لش يا قلبي.. ما أبي أضغط عليش أو أفرض نفسي.. بس والله العظيم ماعاد فيني صبر.. أنا غلطان.. والغلط راكبني من ساسي لرأسي.. وآسف.. والف مرة آسف.. ما يكفيش ذا كله تسامحيني وتحنين عليّ والله العظيم حاس أني بأموت من شوقي لصوتش!!" عالية.. نظرت للهاتف بنظرة محروقة.. حارقة.. جارحة.. مجروحة!! كتبت له: " عبدالرحمن أرجوك عطني وقت.. أنا لا رقت بنفسي اتصلت فيك" ألقى هاتفه جواره بأسى.. كان صوتها هو ما يأخذه من ضيق هذه الجدران الأربعة إلى رحابة العالم.. كان معها ينسى أنه عاجز عن المشي.. كأنها هي قدميه!! ولكنه الآن عاجز حتى عن محاولة التناسي.. وعجزه يتجسد أمامه ويتجسد ويتجسد.. مشتاق لجلسة المجالس.. مشتاق للجامعة وللتدريس.. مشتاق حتى لقيادة سيارته حتى يذهب لكل الأماكن التي كان يذهب مع مهاب لها.. ولكنه يجد نفسه مجبرا على حبس نفسه في البيت.. حتى عن الجلوس في مجلس والده.. وهو يتمزق من حبسته في البيت كفتاة.. بل حتى الفتيات يخرجن أكثر منه.... ولكنه يكره جلوسه في المجلس وشكله يصبح مهينا والعمال يحملونه داخلا وخارجا وذاهبا للحمام.. وهم يمزقون جسده بالألم بحملهم غير المحترف له.. أما أكثر ما يمزقه في هذه الجلسة هو اضطرار (الشيبان) للانحناء للسلام عليه.. البعض منهم ماعاد قادرا على الانحناء حتى.. ومع ذلك ينحنون عليه بمودة.. بينما كان هو من يلقاهم سابقا على باب المجلس بسلامه وتحياته وترحيبه.. لذا صار يحبس نفسه باختياره في البيت وهو يكثف جلسات العلاج الطبيعي والتدليك التي يبدو مفعولها بطيئا جدا.. بل بمعنى أصح لا مفعول لها.. لأنه مازال لم يلحظ أي تحسن على حركة قدميه الميتتين تماما..!! وفي كل هذا... كانت هي مرشدته.. ونوره ونبراسه وقدميه ومحاورته.. باختصار... كانت له كـــــل شـــــيء!!! *********************************** بعد ثلاثة أيام أخرى!! . . " الحين حن مطولين على ذا الحال؟؟" كاسرة تمشط شعرها وتلتفت لكساب الذي يجلس على طرف السرير وينظر لها بنظرة غامضة.. كاسرة ببرود: أي حال؟؟ كساب بحزم: تعاملش معي كني ماني بموجود معش في الغرفة!! صار لش أسبوع من رجعتي.. أول الأيام كنتي مريضة ماقلت شيء.. بس الحين مافيش إلا العافية.. كاسرة همست بتهكم: ومن قال أنك منت بموجود.. أصلا أنت الموجود وبس.. لأني أساسا مالي وجود.. فأشلون غير الموجود يعامل الموجود على إنه غير موجود؟؟ كساب بغضب: ألف مرة قلت لش بلاها الفلسفة الفاضية وكلميني كلام محدد.. حينها نظرت له كاسرة بنظرة مباشرة وهتفت بنبرة شديدة المباشرة والحزم: الكلام المحدد إني قلت لك إنك لو رجعتني بطريقة البهايم ذي.. عمر قلبي ماراح يصفا لك.. أنت قلت عادي عندك.. ماتبي قلبي يصفا لك.. المهم أني جنبك مثلي مثل الكرسي.. وهذا أنا جنبك.. فلا تطالبني بشيء أنت رضيت فيه من البداية... كساب يشد له نفسا عميقا ويهتف بحزم: أنتي اللي كنتي معندة وما تبين ترجعين ماخليتي لي طريقة غير ذا الطريقة.. كاسرة همست بوجع: بلى كان فيه طرق غير ذي.. بس أنت ما تعرف إلا الطرق الملتوية.. لكن الحين خلاص.. لا عاد يفيد طرق مستقيمة ولا ملتوية... كساب بذات الحزم: يعني أشلون؟؟ بنعيش حياتنا كلها كذا؟؟ كاسرة همست بثقة: أنت الحين ليش مسوي روحك زعلان؟؟ كل اللي تبيه سويته وما اهتميت من حد.. وش تبي زود؟؟ حقك كزوج ؟؟.. ما أقدر أمنعك منه.. ومالي حق أمنعك.. وحقك على رأسي عشان ربي مهوب عشانك.. حينها انفجر كساب بغضب: أنا أبي أدري أنتي وش شايفتني؟؟ حيوان مايهمه إلا غرايزه؟؟ أنا سبق لي ولو مرة وحدة إني غصبتش علي أو جبرتش.. عشان تكلميني بذا الأسلوب؟؟ حينها همست بسخرية مريرة : أبد حاشاك.. أنت تجبرني؟؟ تصدق.. حتى قبل ما تسكر ثمي وتسحبني لغرفتك.. استئذنتني.. قلت لي تسمحين لي.. أقهرش وأسحبش مثل البهيمة المربطة؟؟ حينها انتفض بحدة ليقطع المسافة بينه وبينها في ثانية ويشدها قريبا منه وهو يدخل كفيه في خصلات شعرها من الخلف ويقربها منه حتى أصبحت أنفاسه المتطايرة تلفح وجهها بقوة.. وكلاهما يتبادلان النظرات الحادة من قرب وهو يهتف لها بحزم بالغ: لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية.. والله ما يحصل لش طيب!! أجابته بحزم مشابه: وش بتسوي زود؟؟ تضربني؟؟ عاد الكلام ما تقدر تحرمني منه.. لأني بأتكلم مثل ما أبي.. وهدني لو سمحت لأني أسمع زين.. حينها همس بخفوت بنبرة دافئة ومتلاعبة: توش تقولين لو بغيت حقي بتعطيني إياه.. والحين تقولين هدني.. وين أم الكلام اللي الظاهر كلامها كله ما تعني منه شيء؟؟ كاسرة صمتت وأنفاسها تعلو وتهبط بغيظ وتوتر وهي عاجزة عن توقع خطوته القادمة.. ليفاجئها بإفلاتها ببساطة وهو يتأخر ويتناول غترته عن السرير ويهمس ببرود حازم ساخر: بأروح أمسي عند علي.. لا تنسين تكلميني قبل تنامين.. عشان تقولين: تصبح على خير يا حبيبي!! ********************************* هاهو يريح رأسه على فخذها وهو مغلق العينين.. وهي تمرر أناملها عبر خصلاته بحنو.. لا تعلم كيف تصف علاقتهما التي باتت تتجه لاتجاه غريب تماما.. الليلة هي الليلة التاسعة لزواجهما... أنهك أعصابها واستنزف مشاعرها وكيانها بفيضان كلماته غير المعقولة طوال الليالي الثلاث الأولى.. كلماته التي أحدثت ثورة عارمة في كيانها الذي بات يرتعش كرعشات الحمى كلما تذكرت فقط همساته.. وبعد ذلك.. صمت.. صمت تماما.. الليالي الخمس الماضية بات حديثهما يتجه إلى التعمق في الحوار في نواحي أخرى من الحياة والتفكير.. ولكن بقدر ما أرعبتها كلمة " أحبكِ" وهو يقولها بطريقته التي تذيب القلب في الأيام الأولى.. وبقدر خوفها من تكراره لها وهي كل مرة تتحول لسلاح أكثر قوة في يده.. بقدر ما تشعر بلهفة قاتلة لسماعها الآن من بين شفتيه!! لها وقع أشبه بالسحر تماما.. بل هي سحر خالص في التأثير غير المعقول على قلبها وكيانها وأعصابها وكل خلاياها التي شعرت بها تتساقط إعياءً على حد كلماته المسنون!! تناول كفها من فوق رأسه ليخرجها من دوامة أفكارها.. وهو يضمها قريبا من قلبه وهو يهمس بسكون: مزنة شتفكرين فيه؟؟ ليه سكتي؟؟ تدرين إنش لا حكيتي ما أبيش تستكتين.. ابتسمت برقة: حسبتك رقدت ومابغيت أزعجك.. هتف لها بثقة وهو مازال محتفظا بكفها قريبا من دقات قلبه: تبين شي معين نشترطه بكرة على نايف في الملكة؟؟ ابتسمت مزنة: لو أقدر كان شرطت إن خواته ما يطبون البيت عند بنتي.. بس شأسوي؟؟ الولد أجودي.. أعرفه من عاده صغير.. كان دايما كاسر خاطري وخواته يتهادون عليه كنه لعبة.. ما أقول إلا الله يسخره لبنتي ويسخرها له.. ثم أردفت مزنة بحزم عذب: بس عندي طلب واحد بعد أذنك.. أبي عبدالرحمن يشهد على عقد الزواج.. عبدالرحمن كان غالي واجد على امهاب.. ولو امهاب موجود ما كان طلب من حد غيره يشهد.. ابتسم زايد بفخامة: أصلا عبدالرحمن بنفسه اتصل لي وقال لي إنه يبي يشهد على العقد.. فأنا حلفت إنه مايشهد على العقد غيره هو وإبيه.. أعرف بغلا فاضل عند تميم.. فعبدالرحمن وإبيه هم شهود العقد إن شاء الله!! ********************************** اليوم التالي.. انتهاء عقد قران نايف ووضحى على خير... يجلس في الزواية.. يشعر بتحليق حقيقي.. ويشعر أنه اليوم خفيف.. خفيف.. يكاد يحلق فعلا!! ينظر أمامه لوالده ولنايف.. ولخالد آل ليث وأولاده.. وزايد وكساب وتميم والجد جابر و وأنسباء نايف الآخرين.. ومعارف لزايد من الوزن الثقيل.. حتى الشيخ الذي مازال جالسا لأن زايد حلف عليه أن يبقى للعشاء.. المجلس مزدحم تماما... لم يشعر اليوم بالحرج ولا الأذى النفسي من جلوسه معهم لأنه اليوم سعيد.. سعيد.. ولن يسمح أن يكدر سعادته بأي شيء.. ينظر لهم وهو يشعر أنه ليس معهم.. فهو في مكان آخر.. حيث قلبه.. مـــعـــهــا!! سترضى عليه.. يعلم أنها ستفعل.. ألم تكفها الأيام العشرة الماضية عقابا له..؟؟ يعلم أن قلبها الحاني لن يظلمه أكثر من هذا.. فهي تعلم كم بات يتمزق من جوعه لسماع صوتها وانسكاب أنفاسها وضحكاتها في أذنه.. كان غارقا في هذه الأفكار حتى وصلته رسالة.. حين رأى اسمها يتصدر الرسالة.. شعر بقلبه يقفز إلى منتصف بلعومه " ياقلبي ياعالية.. داري إن قلبش كبير وأكبر حتى من ذنبي الكبير!!" فتح الرسالة.. ليقفز قلبه من حنجرته ممزقا خلاياه لينهار أشلاءً متطايرة في فضاء المكان: " طــــلــــقـــنــــي !! لأني مستحيل أضيع شبابي وحياتي في خدمة واحد مكسح مثلك!!" #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والسبعون.. تجلس في زاوية الغرفة على الرخام البارد.. تحشر نفسها في الزواية وبرودة الحوائط والرخام تتسرب لجسدها وقدميها الحافيتين.. تحتضن رجليها الملصقتين بصدرها وتدفن وجهها بين ركبتيها.. وبقربها هاتفها المحطم إلى أشلاء متناثرة.. تماما كما فعلت بقلبها قبل قلبه.. و تـــنـــتـــحـــب!! تنتحب كما لم ينتحب مخلوق قبلها.. تنتحب بهستيرية.. وبصوت عالٍ !! ولكن صوتها لم يتجاوز أسوار غرفتها لأنها كانت تجلس في الزاوية البعيدة ووجهها مدفون تماما بين ركبتيها.. محطمة تماما.. محطمة!! بل وصف التحطم لا يتناسب مع حالتها المنهارة تماما.. هاهي انتقمت منه.. فــلــمَ ليست سعيدة؟؟ هاهي انتقمت من عبثه بها وبمشاعرها بينما قلبه مع سواها!! اقنعت نايف أنها لا تريد الطلاق وأنها حريصة على زواجها حتى تقنعه بالزواج من وضحى.. بينما هي كانت تخطط للطلاق منذ البداية.. فكيف ترضى أن تتزوج برجل منحته كل مشاعرها حتى آخر نقطة ليصفعها برغبته بسواها دون رحمة؟؟ كيف ترضى بفتات مشاعره بينما هي منحته لب اللب؟؟ لا تعلم لماذا يتوقع منها الناس أن تكون بلا مشاعر لمجرد أنها قوية.. هل القوة كانت المبرر لينحر عبدالرحمن قلبها المتيم به وبهذه القسوة؟؟ تعلم أنه يستحق تماما ما فعلته به... بل حتى ما فعلته به لا يوازي جريمته في حقها.. فهو كان البادئ.. والبادئ دائما أظلم.. كما أنه نحرها بدم بارد وطعنها بكل وحشية في الوقت الذي كان صدرها مفتوحا تماما لطعنته غير المتوقعة.. لكن هي هيئته تماما لطعنتها.. الخطبة أولا.. ثم ملكة حبيبته.. ثم طلبها الطلاق.. تعلم أن من هان عليه أن يبيعها بهذا الرخص.. لن يهمه طلاقها.. ولكن ما يجرحها حتى نخاع النخاع أنها جرحته بطريقة بشعة وهي تعايره بعجزه.. قد تكون فعلتها مسبقا.. ولكنها فعلتها في لحظة غضب وهي حينما تغضب تضيع الإحساس بما تقول.. ولكنها الآن قالتها مع سبق الإصرار والترصد.. لم تكن تريد أن تفعلها أو تكتبها أو تقولها.. شعرت أن الكلمة كانت سكينا نحرها بوحشية.. ومع ذلك فعلتها لأنها أرادت أن تؤذيه كما أذاها.. ولكنها وهي تؤذيه آذت نفسها بشكل أعمق وأعمق وأحد وأكثر وجعا..!! قد تكون فعلا تريد الطلاق.. فهي يستحيل أن توافق على العيش مع رجل مشاعره مع غيرها منذ البداية.. بل وكان يتلاعب بها بكل تقصد.. ولكنها.. لم ولن تستطيع أن تكرهه.. فحبه تغلغل حتى آخر خلية في روحها.. إذا كانت أحبته وهو مجرد جسد هامد لا حياة فيه.. فكيف لا تحبه وهو من كان يهمس لها بدفء كلماته ليشعلها من الوريد للوريد..؟؟ قد يكون عبدالرحمن لم يحبها كما أحبته.. ولكنها تعلم عنه شيء هي متأكدة منه تماما.. أن هذا الرجل الذي تجاوز الثلاثين.. أستاذ الجامعة.. الذي درس في الخارج وله خبرة لا يستهان بها في الحياة.. يحمل في داخله روحا أشبه بروح طفل بريء!! وإلا أي رجل يصارح زوجته أنه يفكر أن يتزوج عليها لأنه لا يريد أن يخدعها!! وهي تعلم الآن ما فعلته بهذه الروح البريئة!! مـزقـتــهـــا.. مزقتها تماما!! ************************************ " (مكسح) ؟؟ أ هكذا تراه؟؟ لماذا جرحك هذا الأمر لهذه الدرجة؟؟ ألست كذلك فعلا؟؟ (مكسح) ؟؟ " كان يجلس بينهم وهو لا يشعر بأحد إطلاقا.. وشتان بين إحساسه بعدم تواجدهم قبل دقائق وإحساسه الآن.. يعتصر هاتفه بين يديه.. وهو يقرأ رسالتها للمرة الألف.. " تبين تطلقين يا عالية عشان ما تبين المكسح..؟؟ دامش وريتني وجهش الثاني اللي كنتي تحذريني منه فخلي المكسح يوريش وجهه الثاني بعد.. وإذا أنتي تعرفين تخططين خطط طويلة وتؤمنين إن الانتقام وجبة توكل باردة.. فالمكسح يفكر وينفذ فورا وما أمسي بحرتي في قلبي!! وأي حرة يا عالية؟؟ أي حرة؟؟ حرقتي القلب اللي ما انكتب على جدرانه اسم غير اسمش!! والكلمة نفسها ما تهمني.. بأقول مرة مجروحة.. لكن أنتي خططتي ونفذتي وكنتي قاصدة كل شيء!! " عبدالرحمن رفع صوته بنبرة جهورية حازمة بالغة الاحترام : عمي خالد.. الجميع التفت لناحية عبدالرحمن.. فالنبرة العالية التي نادى فيها عبدالرحمن عمه.. أشعرتهم بشيء غير طبيعي.. أبو صالح هتف بأريحية: نعم يأبيك.. عبدالرحمن بذات النبرة: طلبتك قدام ذا الوجيه الغانمة.. قل تم !! أبو صالح انتفض بشدة لحميته التي تخللت عروقه وهو يهتف بصوت عال: تم.. يأبيك تم.. ولكن عبدالرحمن أعاد عليه التأكيد بطريقة أكثر استفزازا للحمية: وعطني وجهك ما تردني.. أبو صالح ماعاد حتى قادرا على الجلوس لاشتداد الحمية في عروقه.. وقف بحزم وهو يهتف بحزم أشد: ولك وجهي.. ليفجر عبدالرحمن قنبلته مدوية في أرجاء المجلس الواسع: أبي أدخل على مرتي الليلة.. وذا الوجيه الغانمة يشهدون إنك عطيتني!! أبو صالح هتف بذات الحزم: وأنا عطيتك.. وتم!! أبناء خالد الثلاثة عبدالله وصالح وفهد ومعهم نايف تغيرت وجوههم.. وفهد كان يريد أن يقفز لشدة غضبه لولا أن صالح المجاور له أمسك به وأجلسه وهو يهتف بحزم خافت: أص ولا كلمة.. أبيك عطى الرجّال.. وش أنت قايم له؟؟ فهد وجهه محمر من الغضب: وهذا سنع.. وين حن عايشين وأبيك يحسب روحه عاده عايش في البر.. بيهز الرواق على هل الشق ويقول ياعرب عندكم عرس الليلة وش يدخل الليلة؟؟ وش خرابيطه؟؟ هذا كلام عقّال؟؟ زايد لاحظ الوجوم الذي حدث في المكان والجميع في مجلسه بعد أن حلف عليهم بالعشاء عنده بعد أن تمت الملكة في بيت تميم.. لذا لابد أن يتدخل الآن.. هتف بحزم قيادي: عبدالرحمن يأبيك.. أبو صالح ما قصر وعطاك.. بس يابيك أنا طالبك تأجل سالفة الدخلة ذي أسبوع وإلا أسبوعين لين يتجهزون العرب.. عبدالرحمن بذات الحزم: طلْبتك على رأسي.. بس عمي خلاص عطاني.. وأنا شوفة عينك ماعاد حتى أقدر أطلع للمجالس.. وذبحتني الضيقة من مقابل الطوف.. وأنا ذا الحين أحوج ما أكون لمرتي.. كان أنها بتقدر توقف جنبي الحين.. وإلا ما أقدر أمسك بنت الناس وأنا ما أدري متى الله يكتب لي أمشي!! وش تقول يا عمي؟؟ تعطوني مرتي؟؟ وإلا تشوفوني ماني بكفو لها؟؟ أبو صالح بحزم بالغ: إلا كفو وكفو.. ومهوب بناتنا اللي يقصرون في حق رياجيلهم لا اختبرهم الله من عنده.. والمرة مرتك.. ومالنا حق نردك منها... والعرس كله خرابيط مالها معنى.. مر البيت عقب ما نطلع من هنا وخذ مرتك لبيتك.. وترا عشاكم كلكم عندي بكرة.. ***************************************** " يأبيك اللي سويته مهوب سنع!! وش عرسه وأنت بذا الحال..؟؟ وخالد ماعنده إلا ذا البنت.. وأنا ماعندي ولد غيرك.. وش يضرك لو انتظرت لين تتحسن وعقبه نحدد عرسك ونسوي لكم عرس على قدركم عندنا؟؟" عبدالرحمن تنهد بعمق.. وهو يجلس مع والده في المقعد الخلفي بينما السائق وأمجد في المقعدين الأمامية.. يعلم أن في تصرفه كم كبير من الأنانية.. بينما هو فعلا أبعد الناس عن هذه الصفة.. ولكنه مجروح.. وتصرف بتسرع.. أو ربما بغير تسرع فهو فعلا ماعاد فيه صبر على بقاءه على هذا الحال.. يريد أن تكون عالية لجواره.. ولكن لأنه غير أناني فهو لم يرد فعلا أن يربطها لجواره وهو مازال لم يتحسن.. ولكنها الآن أعطته المبرر القوي ليكون أنانيا وغاضبا ومجروحا.. لا تريد المكسح..؟؟؟ فلتنم في حضنه الليلة!! فهي كان يجب ان تعلم أن هذا المكسح زوجها وأن له عليها من الحقوق مالا تتخيله.. قبل أن ترميه بطلب الطلاق وبمعايرتها له.. ماهي الجريمة التي ارتكبها لدرجة أن تفعل به كل هذا؟؟ أنه كان وفيا لصديقه وصريحا معها؟؟ لماذا لم تقل له بطريقة واضحة أنا حريصة عليك وأستطيع أن أدبر لوضحى عريسا ما دامت قادرة على ذلك.. كانت تستطيع أن تغضب كيف شاءت وهو من سيراضيها كما يفعل الناس الطبيعين.. ولكن أن تلف هذه اللفة الطويلة حتى تنتقم منه!! طريقة مطلقا لا تتناسب مع شفافيته ولا حتى مع وضعه الصعب!! عبدالرحمن هتف بحزم لوالده: يبه جعلني فداك.. خلاص اللي صار صار.. وأنا فعلا تعبت من الوحدة.. إذا هم صدق يبون يعطوني مرتي وإلا خلها تروح في حالها.. بس إني قاعد معلق ومعلقها معي هذا اللي مهوب سنع!! ***************************** " أص ولا كلمة.. أنت وش جابك معنا؟؟ أنت منت بجاي مع صالح؟؟ ليه ماذلفت معه؟؟" أبو صالح يهتف بذلك بغضب لفهد الذي كان يرتعش غضبا منذ سمع عبدالرحمن وركب مع والده في سيارة عبدالله حتى يفرغ بعضا من غضبه.. فهد بغضب: يبه حتى الكلام ما نحكي.. محتر.. بأموت.. عبدالله بحزم غاضب: إيه احتر وموت.. وإلا بتقعد تراد أبيك بعد؟؟ فهد وجد له وجهة لتفريغ غضبه: إيه وش عليك.. نسبيك.. أفرح ماعليك تونسه لكن أختك مالها قدر عندك.. عبدالله حينها هتف بغضب حقيقي: أص يا فهيدان.. أظنك عارف زين إني أقرب واحد فيكم لعالية.. وعبدالرحمن ما طلب إلا حقه اللي المفروض حن عرضناه عليه.. الرجال طلع من المستشفى تعبان ومحتاج اللي يقوم به.. أمه عجوز..وخواته أم حسن حامل وتعبانة.. والثانية أبيها طلع أخير منا وحلف تروح مع رجالها التعبان.. وحن اللي كان من المفروض نقدم الغانمة.. ونقول له مانبي عرس ولا خرابيط وخذ مرتك لبيتك.. لكن الظاهر إنك ماعاد تعرف السنع ولا السلوم ولا المراجل كون طول لسانك على أبيك وأخيك الكبير.. فهد ابتلع غيظه.. بينما أبو صالح هتف بحزم: صح لسانك يا أبو حسن.. الظاهر إني ما عرفت أربي عقبك أنت وصالح.. بس ترا الواحد ما يكبر على التربية.. وكان التربية ما نفعت.. فتراك ما كبرت على العقال.. أعلّم به جنوبك شوي.. فهد ماعاد يحتمل وهو يهتف بغضب: الحين لا قلت كلمة حق أستاهل العقال يعلم في جنوبي.. حينها هتف أبو صالح بحزم بالغ: عبدالله وقف السيارة!! عبدالله أوقف سيارته دون تفكير وهو يصف جانب الطريق بينما أبو صالح هتف بحزمه الشديد: انزل يا الرخمة.. والله ما تخاوينا.. البيت مهوب بعيد.. امش شوي ما يضرك.. فهد نزل فعلا وهو يغلق الباب بصوت مسموع.. بينما أبو صالح فتح شباكه وهتف بغضب: زين يا فهيدان.. وتصفق الباب بعد.. أما سنعتك فأنا ما أني بخالد آل ليث!! ********************************* الطرقات تتعالى على باب عالية.. كان عبدالله هو الطارق وهو يهتف بحزم: عالية انزلي أبي يبيش الحين ضروري... عالية انتفضت بجزع وهي تقف من مكانها الذي لازمته لأكثر من ساعتين لدرجة أن عظامها تصلبت من قسوة الرخام وبرودته.. وهي تهمس بصوت مبحوح: زين عبدالله نازلة الحين.. لتنتفض بجزع أكبر.. "والدها يطلبها ؟؟؟.." نظرت لساعتها.. الساعة التاسعة والنصف مساء.. والدها بعادته.. حينما يصلي العشاء فهو لا يحب أن يخوض في حديث عدا التسبيح إلا إن كان مضطرا للحديث فعلا.. فما هو الحديث الضروري الذي يريدها فيه بعد عودته من ملكة نايف التي كان عبدالرحمن موجودا فيها..؟؟ سدت فمها بيدها حتى لا تخترق الشهقة روحها.. أ يعقل أنه فعلها بهذه السرعة؟؟ طلقها؟؟ لا يوجد تبرير آخر... عبدالرحمن طلقها !! كانت تريد أن تنفجر بالبكاء فعلا.. فرغبتك بشيء تظنه في بالك.. مختلف تماما حينما يحصل.. أ يعقل أن ما بينها وبين عبدالرحمن قد انتهى؟؟!! هذا الرباط الروحي المتين انقطع؟؟ ما عادت تربطها بعبدالرحمن أي علاقة؟؟ أ يعقل كل هذا الألم الذي شعرت به يثقل روحها لدرجة العجز عن التنفس؟؟ جمدت كل مشاعرها وأحاسيسها وهي تستبدل ملابسها وتغسل وجهها بماء بارد.. وتلف رأسها بجلال وتقربه من أطراف وجهها حتى لا ينتبه أحد لذبول وجهها.. فهي مهما كان عالية بنت خالد.. وستبقى قوية !! و أ ليس هذا ما أرادته فعلا؟؟ أ لم تكن تريد الطلاق؟؟ هاهي حصلت عليه!! عالية نزلت لوالدها.. كان يجلس في الصالة.. قريبا منه كان يجلس عبدالله ووالدتها.. انقبض قلبها تماما والعبرات تسد حلقها حين رأت الدموع التي تملأ عيني والدتها.. كان مازال في قلبها بعض أمل غبي لا معنى له.. ولكن حين رأت دموع والدتها علمت أن الامر فعلا حصل... عبدالرحمن طلقها !!! طلقها!! أما حين ناداها والدها بحنو لتجلس جواره وهو يهمس بحنان عميق: تعالي يأبيش جنبي أبيش في سالفة.. حينها علمت أن مخاوفها حقيقة واقعة وأنها حتى وإن أرادت الطلاق كفكرة لرد كرامتها.. ما عادت تريده الآن حين علمت أنه حقيقة.. لذا دفنت وجهها في كتف والدها وهي تنتحب بعنف هستيري.. أبو صالح احتضنها بحنو حقيقي وقلبه يذوب لها.. يؤلمه قلبها أن يحرمها من فرحتها بحفل زواج كبقية الفتيات.. وهي ليست أي فتاة.. بل عالية!! عالية!! وحيدته ونبض قلبه!! ولكن ماذا يفعل وهو يوضع في موقف يختبر طيب عاداتهم المتوارثة وحميته ورجولته؟؟ ويعلم أن ابنته قوية وصلبة وكل هذه رتوش لا تهمها.. وإن كانت ابنته عند ظنه فهي لن تخيب رأيه فيها!! همس لها بذات الحنان الذائب وهو يظن أنه أصبح لديها خبرا بما أنها تبكي هكذا ولأن عبدالله وصالح كلاهما أبلغا زوجتيهما فور معرفتهما بالخبر حتى تشتريا الأغراض الضرورية لعالية: اسمعيني يا أبيش أدري إن الموضوع مهوب بسيط عليش.. بس وشأسوي يا أبيش.. عبدالرحمن حدني على أقصاي وخلاني أعطيه وجهي.. عالية تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها أكثر في كتف والدها.. بينما أبو صالح يكمل بذات الحنو: يا أبيش المجلس مليان رياجيل وماقدرت أرده.. وهو يا أبيش ترا ما طلب إلا حقه.. والمفروض إنه حن اللي قلنا له ذا الكلام قدام يطلبه... وأنا ماني بغاصبش على شيء.. بس ما ظنتي إنش بتفشليني وتصغريني قدام الرياجيل.. عالية بدأ ذهنها يتشوش.. ماكل هذا؟؟ وماذا يقصد والدها؟؟ لتنصدم صدمة حياتها ووالدها يكمل: عشان كذا يا أبيش قومي تجهزي تروحين مع رجالش.. نجلا وجوزا بيساعدونش الحين تجهزين اغراضش الضرورية بسرعة.. وأغراضش الباقية بيرتبونها لش ويجونش بها بعدين.. وبالفعل كانت نجلا حينها تدخل.. عائدة من المجمع القريب .. بعد أن أنزلت جوزا في بيت أهلها.. بعد أن أخبرهما زوجيهما قبل أكثر من ساعتين حتى يشتريا لعالية شيئا مناسبا على عجالة.. فمرت نجلا بجوزا وذهبت بها.. واشتريا لها بشكل سريع قمصان نوم وبيجامات وملابس داخلية وبعض الأطقم الجديدة وهما تركضان في المجمع.. والاثنتان فعلا لم تكونا راضيتين بهذا.. فمن التي تتزوج بهذه الطريقة؟؟ حتى جوزا مطلقا لم تكن راضية بما فعله عبدالرحمن وهي تحاول وضع نفسها مكان عالية لتجد الأمر صعبا عليها.. ولكنها اتصلت فورا بشعاع لتجهز هي أيضا غرفة عبدالرحمن.. لتنزل لها الآن لكي ترتب الأغراض التي اشترتها لعالية في الغرفة.. وبما أن زواج شعاع بعد أقل من أسبوع فهي تقريبا كانت أغراضها جاهزة.. لذا قررت شعاع أن تضع مفرشها الفخم الذي كانت جوزاء قد اشترته لها لليلة زواجها لهما.. فهي مازال الوقت أمامها وجوزا ستشتري لها غيرها.. ولكن عالية المسكينة صدموها بهذا التصرف غير المعقول.. بل إن شعاع بأريحية وشفافية كبيرة علقت في الدولاب كثيرا من قمصانها وملابسها الجديدة .. ونثرت على التسريحة عطورها وكريماتها المعطرة وبخورها.. وكثير من أدوات زينتها.. وكذلك فعلت في الحمام وأرجاء الغرفة.. وهي تبخر كل شيء وتعطره بعناية.. وحين دخلت جوزا بالأكياس الكثيرة ومعها خادمتين يحملونها.. فوجئت أن كل شيء تقريبا جاهز.. كغرفة عروس فعلا بأجواءها وترتيبها ورائحتها.. جوزا همست بتأثر وهي تختنق من تأثرها: شعاع يا قلبي وش خليتي من أغراضش..؟؟ ابتسمت شعاع بشفافية: الأغراض هذي أنتي اشتريتها في أسبوع.. ما تقدرين تشترين لي غيرها يعني؟؟ جوزا احتضنتها بتأثر: واللي خلق عيونش الحلوة لأشتري لش أحلى وأكثر منها.. وفي يومين بس.. جعل ربي يفرح قلبش مثل ما فرحتي قلب ذا المسكينة.. وجعل عين ولد آل كساب ما تشوف غيرش.. قولي آمين.. ******************************************* كانت نجلا ترتب حقيبة عالية على عجالة.. وهي عاجزة عن منع طوفان دموعها من الانهمار.. وهي تهمس بكلمات مختنقة أشبه بكلمات متقاطعة: ترا والله عمي خالد انحرج من المجلس.. صالح قال لي إن عبدالرحمن ما خلا له مجال... وهو يطلبه قدام الرياجيل.. تكفين لا تتضايقين.. بكرة بنجي عندش ونسوي لش أحلى حفلة.. وبأرقص لش بكرشي.. وبجيب لش هدية ماصار مثلها ولا أستوى.. تكفين لا تتضايقين... المهم توفيقش.. كانت نجلاء تنهمر بكلماتها المبتورة المتغرغرة بالدموع وهي تتحرك بتوتر في أرجاء الغرفة.. بينما عالية جالسة على طرف السرير غارقة في التبلد.. ختاما كانت هي من شدت نجلا لتجلسها وهي تهمس بذات التبلد: نجلا بس.. اقعدي.. الشنطة خلصتيها من زمان.. وأنتي نفس الأغراض تدخلينها وتطلعينها.. ومن قال لش أنا متضايقة.. أنا متقبلة الموضوع ببساطة.. وفعايل أبو صالح فعايل رياجيل صدق وما تنلحق.. ومهوب أنا اللي أسود وجهه.. عشان خرابيط مالها داعي.. حينها كانت نجلا من انفجرت في البكاء وهي تدفن وجهها في حضن عالية.. عالية ربتت على كتف نجلاء المنكبة في حضنها وهي تهمس بذات التبلد: تدرين عبدالرحمن كنه حاسس فيني.. كنت أفكر أشلون أنا بألبس فستان أبيض.. حسيته شيء غبي ما يلبق لي.. وأشلون بأمشي فيه؟؟.. مثل البطة!! وأشلون أرسم نفسي عروس وأقعد باحترام وذرابة وأنا ما أعرف.. فخلاص تريحت وريحت رأسي من التفكير بكل ذا السخافات.. نجلاء تزايد انهمارها بالبكاء بطريقة هستيرية وهي تشهق: بس عالية تكفين اسكتي.. لا تقولين شيء.. مافيها شيء لا بكيتي.. ابكي وفضفضي.. عالية وقفت وهي تهمس بحزم: وليش أبكي.. أنا أبي أعرف وين المأساة في الموضوع؟؟ عبدالرحمن رجّالي صار له شهور طويلة.. المفروض أساسا أني رايحة بيته من زمان.. ويا الله نجلا كلمي صالح خله يوديني لبيت رجّالي.. نجلا تنظر لعالية بدهشة حقيقية: نعم؟؟ تبين صالح يوديش..؟؟ عبدالرحمن بنفسه بيجيش لين مكانش.. عالية بحزم شديد: عبدالرحمن وضعه مايسمح له يجيبني.. يجيني مع السواق؟؟ أنا أبي أروح بنفسي وأنتظره هناك.. " تحسب أنك بحركتك بتكسرني يا عبدالرحمن..؟؟ بتجي تأخذني وتلاقيني منهارة أبكي..؟؟ لا يا ولد فاضل.. ما عرفتني !! أنا اللي بأروح هناك.. وبنفسي.. وأتعدل وأنتظرك مثل عروس.. ورني أنت أشلون بتمثل دور العريس !! " ***************************** " عبدالرحمن لا تروح تجيب عالية خلاص" عبدالرحمن يعتصر هاتفه ويهمس بصوت مبحوح: وليش ما أجيبها؟؟ أهلها غيروا رأيهم..؟؟ شعاع بابتسامة عذبة: لا بس عالية صارت هنا خلاص.. وتقول بس عطها ساعتين قبل تجي.. عبدالرحمن ألقى الهاتف من يده كأنها شعلة من نار أحرقت يده.. ليسقط الهاتف عن المقعد المتحرك الذي كان يجلس عليه في المجلس.. لأنه اتصل بالسائق حتى يذهب لإحضار عالية.. ماذا تقصد من هذه الحركة؟؟ أن تثبت له سيطرتها على الأمور؟؟ أو عدم اهتمامها بحركته؟؟ بالفعل يشعر أنه يجهل المرأة التي كان يظن أنه بات يعرفها أكثر من نفسه!! وهو يرى الطريق أمامهما بات مليئا بالتعقيدات والعناد والخطوات غير المحسوبة!! لا يعلم كيف قضى الساعتين حتى.. يتمزق بين أفكاره المتعارضة المؤلمة والجارحة.. والده غادره منذ فترة مجبرا.. بناء على حلف عبدالرحمن عليه لأنه يعلم أن والده يفضل النوم مبكرا.. والعمال ذهبوا للنوم أيضا.. فهو على كرسيه المتحرك ويستطيع تحريكه بنفسه حتى يصل لداخل البيت.. بعد أن وضع والده الممرات المسطحة على كل المداخل.. سيتصل بشعاع لتساعده فقط ليصعد لداخل البيت.. لا مشكلة حتى الآن في دخول البيت الذي دخله فعلا.. ولكن الـمـشـكـلـة.... أنه يقف الآن على أعتاب باب غرفته ولا يريد الدخول.. لا يريد الدخول فعلا !!! عاجز عن توقع شكل المواجهة أو وطأتها وهو فعلا غير مستعد لها ولا بأي شكل!! مازال يقف أمام باب غرفته.. يسب نفسه على تسرعه.. هاهو في خضم مواجهة هو غير مستعد لها إطلاقا.. هو غير نادم على التصرف الذي قام به.. ولكنه تمنى لو أنه قال لعمه أريد أن أدخل على زوجتي بعد أسبوع أو أسبوعين.. يكون تهيأ للأمر نفسيا.. وبهذه الطريقة يكون وصل لكل اهدافه.. أدبها على ما فعلته به.. وفي ذات الوقت استطاع أن يحضرها لتكون جواره.. لا يستطيع حتى أن يتخيل تقبلها له.. أو تقبله لها... نحن حينما نسمع عن شخص أو نتكلم معه دون مشاهدة نرسم في خيالنا صورة ما.. قد لا تكون حقيقية إطلاقا.. عبدالرحمن لأنه رجل منفتح التفكير كان يرفض أن يتزوج من محض شبح لا يعرفه.. بدأ بالكلام معها.. وكان يخطط لأن يطلب منها صورة لها على أن يراها ويعيدها لها.. لكي تكتمل الصورة في ذهنه.. حقيقة وفعلا الجمال لا يهمه إطلاقا ولا يشغل باله.. ولكن يهمه أن يعرف شكل المرأة التي ستصبح أقرب له من روحه.. لا ينكر أنه رسم لها صورة ما.. صورة تغلغت في تفكيره من خلال شبه أشقائها.. قد يكونون أولاد خالد آل ليث الذكور يتمتعون بوسامة استثنائية إلا هزاع.. ولكنه لم يستطع أن يتخيل أبدا أن عالية قد تكون جميلة بأي حال من الأحوال.. ولكنها ليست دميمة أيضا..!! بل الغريب أنه شعر أنها قد تكون أقرب شبها لهزاع ولكن بالطريقة الأنثوية.. فالشباب كانوا يتدرجون في هرم على رأسه عبدالله ثم فهد ثم صالح... ثم يأتي هزاع متأخرا جدا في آخر الهرم.. فهزاع يتمتع ببنية جسدية ضخمة هي الأضخم بين أشقائه.. وتتصف ملامحه بالحدة والخشونة لأبعد حد.. ولأن عالية كانت حتى في حديثها معه تربط بينها وبين هزاع فهذا الربط بدأ يحدث في ذهنه تلقائيا.. وخصوصا أن عالية لم تكن تتمتع بأي أنوثة في الحديث.. الذي كان هو مفتاحه الوحيد لمعرفتها.. بالتأكيد يعلم أنها ليست ضخمة.. لأنه رأها بالعباءة الواسعة.. فطولها طبيعي كطول أي أنثى.. قريبة من طول شعاع مثلا!! إذن فالصورة التي تكونت في ذهنه.. أن عالية عادية الملامح ولكنها (مملوحة) كما يُقال في اللهجة الدارجة.. أي وجه ترتاح العين لمرآه.. وفي ذات الوقت.. الأنوثة عندها هي في مستوياتها الدنيا.. ومع كل ذلك.. كان متأكدا أنها ستكون المخلوقة الأجمل في عينيه.. فمتى كان الجمال هو مقياس كل شيء في الحياة؟؟ ولكن مع هذا التعقيد الحاصل بينهما.. وهي تجرحه بدون رحمة.. يخشى أنها مهما كان شكلها فهو لن يبصر إلا مساوئها.. وهكذا هي النفس.. ما حسنته فهو حسن.. وما قبحته فهو قبيح!! هـــــي في الداخل.. تسب نفسها على تسرعها أكثر منه.. بل تسب نفسها أكثر على ثقتها التي شعرت أنها تبخرت في الهواء.. فهي منذ وصلت لبيتهم.. رغم دفء ترحيب أم عبدالرحمن وشعاع وجوزا.. وهن يكدن يحملنها عن الأرض.. وهي تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. أما حين وصلت للغرفة ثم تركنها فيها.. شعرت أنها سيغمى عليها... كانت تظن أنها ستأتي إلى غرفة رجل جامدة.. تبدو كأرض حرب محايدة.. ولكن الغرفة كانت تبدو فعلا كغرفة عروسين في أبهى صورة.. فكيف استطاعوا فعل ذلك في أقل من 3 ساعات ؟؟ المفرش الأبيض البالغ الفخامة.. والشموع العطرية المنثورة في المكان.. والرائحة العطرة الدافئة.. وأكوام العطور والزينة على التسريحة.. أما حين فتحت الدولاب أغلقته بسرعة كما لو كان سيخرج منه عفريت وهي ترى أمواجا من الفساتين الجديدة.. والقمصان الفاخرة.. قررت أن تهرب للحمام وهي تنتزع فوطتها وروبها من حقيبتها.. تريد أن تستحم حتى تغسل جسدها من الحرارة والتوتر.. حين دخلت للحمام.. أصيبت بخجل أعمق.. حتى الحمام كان غارقا في فخامة استثنائية بطقمه الفاخر الجديد.. وهو يفوح برائحة الزيوت العطرية.. وغارق في أكوام الكريمات ومعطرات الجسد.. كادت تجن.. كيف فعلوا كل هذا في وقت قصير.. بل دون وجود وقت حتى؟؟ بل لماذا فعلوه وهم يسلبونها حقها في القوة والثقة ليجعلوها تشعر بالخجل والتزعزع كأي فتاة غبية؟؟ لم يخطر ببالها أن كل هذه الأغراض هي أغراض شعاع التي كانت جاهزة أصلا.. وكل ما احتاجته.. هو خادمتين معها لتنتهي من العمل كله في أقل من ساعة.. مع أنه لم يكن لها عقل لتفكر وهي تستحم.. ولكنهالم تستطع منع نفسها من الشعور بألم عميق.. وهي تلاحظ في الحمام بقرب المرحاض والمغطس وجود الألواح الحديدية التي توضع لذوي الاحتياجات الخاصة لتساعدهم على الحركة داخل الحمام.. حاولت تنحية الألم الذي غمر روحها لأقصاها وهي وتقرر أنها لابد أن تمشي في مخططها كما رسمت.. مع أنها ماعاد بها قدرة لا للتفكير ولا للتنفيذ.. صلت قيامها قبل أن تقوم بأي شيء وهي تدعو الله أن يقوي عزيمتها ويبعث في روحها القلقة السكينة.. ثم حاولت أن تهدأ وهي تقوم لتبدأ بتنفيذ مخططها.. بعد أن انتهت من تعطير جسدها وشعرها وتبخيرهما.. أخرجت فستانها الذي قررت أن تلبسه.. فستان زهري.. ضيق على الصدر ويتسع من الصدر بكسرات متعددة.. فهي بطبعها ولأنها نشأت في بيت كله شباب ثم عاشت سنواتها الأخيرة مع شاب كانت لا ترتدي إلا الملابس الواسعة.. وربما حتى هذا الفستان كانت تراه مخجلا.. ولكنه كان الفستان الوحيد الجديد الجاهز لديها لأنها كانت أعدته لزواج شعاع.. تركت شعرها المتوسط الطول يجف دون تمشيط وهي تمرر بعض الجل خلاله ليكون مموجا بطبيعية.. ثم رفعت أطرافه من الأمام بفراشات زهرية.. ووضعت زينة خفيفة.. اعتمدت على ألوان الزهر في مجملها.. لا تعلم حتى لو كان شكلها مرتبا وهي تنهي زينتها برشات كثيفة من العطر.. ولكن هذا ما استطاعت فعله وهي تنظر لساعتها وترى أن الساعتين اللتين طلبتهما من عبدالرحمن عن طريق شعاع قد انتهتا من أكثر من ربع ساعة.. كانت تجلس في الجلسة الصغيرة في الزاوية حين رأت الباب يُفتح.. شعرت أن قلبها يقفز إلى منتصف حنجرتها من الرعب والتوتر.. حاولت أن ترفع عينيها لتنظر له بتحدي و برود حتى تريه أنه لم ولن يكسرها.. ولكنها لم تستطع رفع عينيها عن يديها المتشابكتين وصوت دقات قلبها يكاد يطغى على صوت العجلات التي سمعتها تتقدم لداخل الغرفة.. هــــو... بقي أمام الباب لوقت طويل.. لا يعلم مدته.. ربع ساعة.. نصف ساعة.. يعصف به توجس عميق.. في داخله كره أن تراه بهذه الضعف.. وهو يدخل على كرسيه المتحرك.. وكأنها تتأكد بذلك مما وصفته به أنه " مكسح " !!! أذى نفسي متزايد هو في غنى عنه..!! ولكنه في النهاية وجد نفسه مجبرا على الدخول.. فحتى متى سيبقى أمام الباب؟؟ أ ليس من أراد جلبها لعنده؟؟ وهاهي عنده كما أراد تماما.. حين دخل لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها.. وإهانتها المرة تقفز فورا لذاكرته... غمغم بسلام بارد وهو يتجاوزها للحمام.. لترد هي بسلام أكثر برودا.. وعبرتها تقفز لمنتصف حلقها وهي تتذكر حين سمعت صوته.. ماقاله لها في مكالمتهما الأخيرة.. وهو يطعن قلبها الطعنة التي حاولت أن تنحيها من تفكيرها فإذا بها تقفز لتحتل كل المساحات وهي تراه أمامها.. قضى في الحمام نصف ساعة قبل أن يخرج من غرفة التبديل وشعره يبدو مبلولا.. خلال الفترة التي قضاها في الحمام كانت رغما عنها تتساءل بألم شاسع: كيف يتصرف في الداخل..؟؟ كانت تنظر له بطرف عينها وهي تراه يعبر من أمامها.. متوجها للسرير ودون أن يوجه لها كلمة واحدة.. نقل نفسه للسرير.. بدا له أنه عانى طويلا حتى استطاع فعل ذلك.. ولكنها لم تجرؤ على عرض المساعدة.. وهي تشعر رغما عنها أن كل حركة فاشلة يقوم بها تجعل قلبها ينتفض وهي تخشى أن يقع على الأرض خلال محاولاته.. وهي مازالت تسترق النظرات له وهي تراه يتوجه للقبلة ويصلي قيامه.. ثم يتناول مصحفه ليتلو ورده.. ثم يضع مصحفه جانبا.. لينظر أمامه.. دون أن يتوجه لها بكلمة.. شعرت بغضبها يتصاعد منها.. لماذا أحضرها هنا إن كان يريد أن يتعامل معها كأحد مقاعد الغرفة..؟؟ فهو لم يكن يحتاج لمقعد إضافي.. مرت دقائق صمت قبل أن يكسر هو الصمت وهو يهتف ببرود مقصود: تراني تعشيت في ملكة خالش العزيز.. لو تبين تتعشين.. تعشي أنتي.. قالها وهو يشير بيده للعشاء المرتب على طاولة التقديم في الزواية.. حينها رفعت عينيها وهي تنظر له بشكل مباشر وترد ببرود أشد: شكرا مالي نفس.. نفسي مسدودة طال عمرك.. حينها تجرأ لينظر لها.. فنبرة التحدي منحته عذرا ليقوي أعصابه.. حـــــيـــــــــنــــها... تبعثرت مشاعره تماما.. فالمرأة أمامه شكلها مختلف تماما عما رسمه في ذاكرته.. لا تشبه أي واحد من أخوتها ولها شكلها الخاص بها.. قد تكون فعلا عادية الجمال.. ولكن ملامحها كانت عذبة وأنثوية ورقيقة لحد بعيد.. كانت فعلا في عينيه هو أنثى فاتنة وهي أمامه كزهرة عطرة متفتحة في أجمل فصول الربيع!! لم يتخيل أن من لها هذا اللسان الحاد السليط قد يكون لها مثل هذه الملامح الرقيقة..!! رغما عنها حين رأته يتفحصها بهذه الطريقة المتمعنة أنزلت عينيها " وش فيه الدب يتمقل كذا كنه عمره ماشاف مره؟؟ يمكن يتمسخر هو ووجهه ذا الحين!!!" لم تستطع أن تسكت وهي تراه يطيل النظر فيها هكذا .. فروحها المتمردة رأت في تفحصه لها بهذا الاستهزاء امتهانا لها.. لذا رفعت عينيها وهي تنظر له وتهمس بنبرة تهكمية: تطلع الأخطاء السبعة؟؟.. وإلا تحسر على حالك لأنك كنت تتمنى ناس ثانين يكونون مكاني..؟؟ حينها رد ببرود: ناس ثانين مثل من؟؟ أجابته حينها بمباشرة غاضبة وكل الأقنعة تسقط: بنت خالك مثلا يابو عين زايغة.. حينها أجاب ببساطة حازمة: لو أنا أبغي بنت خالي على قولتش.. ترا أبسط شيء إنه أتصرف تصرفات القرون الوسطى.. و أقرع على خالش من يوم دريت إنه خطب.. ولو كنت مثل ما تظنين.. فخطبة خالش بتحل كل مشاكلي.. لأني لو خطبت عادي لهم حق يردوني.. لكن لو قرعت ما لحد حق يفتح ثمه.. كذا تقول العوايد يا اللي تعرفين العوايد.. ولو حتى بغيتها الحين.. ممكن أروح أشتكي عند كبار القبيلة وأخلي خالش يطلقها.. صحيح هذا مهوب حق في الشرع ولا الدين.. بس حق في العادات والتقاليد.. والرجال العاشق ماعليه شرهة.. أشرايش عالية؟؟ أسويها؟؟ عالية صمتت بغيظ وغضب وألم أوسع من كل ألم.. وما يؤلمها حتى آخر شرايينها.. أنه محق تماما..!! لو كان يريد وضحى ويحبها كما كانت تظن.. كان يستطيع أن يحجرها على خالها.. فالمحب يستحيل أن يتخلى عن حبيبه.. تماما كما فعل هو معها الآن.. بينما هي فعلت العكس.. العكس تماما!!! بدا لها الأمر بسيطا واضحا إلى درجة الوجع.. ولكن الأمور لا تكون بهذه البساطة والوضوح لامرأة مجروحة!! شعرت بتزايد حزنها ووجعها في قلبها.. حتى شعرت أنها تريد أن تتقيأ دون أن تستطيع!! تبادلا النظرات الصامتة لثوان.. ثم تمدد عبدالرحمن وهو يهتف بسكون: تصبحين على خير.. ابتلعت غصتها الصامتة.. شعرت لضخامة الغصة أنها ستتقيأ فعلا وهي تبتلعها رغما عنها.. " يا الله كم هو مرهق!! " بينما هو كان مرهق فعلا.. متعب من هذه المواجهة القصيرة.. لم يتخيل أن ليلته الأولى مع عالية لن تكون سوى مأساة واستنزاف لمشاعره وأعصابه بهذه الطريقة.. ألا يستطيع أن يناديها ويقول لها تعالي جواري فقط.. أريد أن أسمع أنفاسك من قرب.. أنفاسك التي رافقت روحي وأخرجتني إلى ضوضاء الحياة!! لماذا كل هذه التعقيدات بينهما؟؟ وهو يحاول بفشل ذريع أن يتجاوزها ليجد حاجزين ممتدين أمامها.. معايرتها الجارحة له.. ثم إحضاره لها بطريقة مطلقا لا تناسب قدرها الكبير عنده !! رغم أنه بذاته إنسان غير معقد أبدا.. واعتاد على أخذ الأمور ببساطة وشفافية.. فلماذا يحضر التعقيد بينهما؟؟ وهو يتمدد... تذكر أن الغرفة ليس بها مكان مناسب للنوم عدا هذا السرير.. لأن هذه غرفة مؤقتة له.. والجلسة الصغيرة في الزاوية عبارة عن أربع مقاعد دون أريكة حتى!! حاول أن يعتدل بذات الصعوبة التي عاناها في تمدده وكانت مازالت تجلس على المقعد ليهمس بذات السكون: عالية تعالي نامي جنبي.. مافيه مكان تنامين فيه.. ثم أردف بتهكم موجوع: ولا تخافين.. السرير كبير.. وأنا واحد مكسح.. ما أقدر أجي جنبش.. شهقت بعنف.. ولكنها كتمت شهقتها بداخلها مع أخواتها الأخريات.. وهي تسمع معايرتها له بلسانه.. تبدى لها مقدار بشاعة الكلمة وقسوتها ووحشيتها.. بدت الكلمة فعلا بشعة لأقسى صور البشاعة التي لا يمكن تخيلها حتى!! " أ حقا جرؤت أن أجرحه بهذه الطريقة غير الإنسانية؟؟ أ حقا فعلتها؟؟" قفزت للحمام دون أن ترد عليه.. شعرت أنها ستنفجر في البكاء أمامه ودون مقدمات.. لذا أغلقت باب غرفة التبديل.. ثم باب الحمام.. لتنتحب.. يا الله .. أي ليلة زواج هذه التي قضت أكثر من ثلاثة أرباعها في النشيج والنحيب!! حين استكانت بعد أن فرغت ثورة بكائها.. خرجت لغرفة التبديل لترتدي بيجامة حريرية واسعة بلون مشمشي.. لا تعلم لماذا اختارتها؟؟ كانت أقرب شيء ليدها.. ربما..!! بريئة ودافئة.. ربما!! حين خرجت.. كان يتمدد على جنبه .. عيناه مفتوحتان لكن مسبلتان جزئيا.. "يفكر.. مهموم.. !! وأي شخص بحاله لا يكون هموما.. اجتمعت عليه المصائب.. العجز والقهر والحبس... وأنا !! " اعتصمت بمكانها في مقعدها حتى أذن الفجر الذي لم يكن بعيدا أساسا.. حينها رأته يزيح غطائه ويحاول النهوض.. رغما عنها قفزت لتقف.. محاولة الاعتدال وهو يسحب قدميه.. بدت مؤلمة.. فكيف بمحاولة النزول عن السرير للكرسي المتحرك؟؟ ولكنها لم تتحرك من مكانها.. فليس لها حق الاقتراب ولا عرض المساعدة!! لها حق شبكة روايتي الثقافية الغصات فقط!! هــو.. شعر بأذى نفسي كبير أنها تراقب عجزه وقلة حيلته من هذا القرب.. وقوفها ساكنة متفحصه هكذا يؤلمه.. بل يذبحه.. ولو عرضت المساعدة فهي ستذبحه تماما.. لأنها حينها ستريه أي (مكسح) هو!! عاني طويلا فعلا لينقل نفسه للمقعد لأن قدميه كانتا متيبستين تماما.. حين دخل للحمام.. شعرت برغبة مضنية للبكاء.. هل هناك من آخر لهذه الدموع التي لا تشبهها..؟؟ لم تتخيل أن رؤيته بهذا العجز وقلة الحيلة سيؤذيها بهذه الطريقة.. والمؤذي أكثر من كل شيء معرفتها أنه يكابر على وجعه حتى لا يبدو كما قالت له في كلمتها البشعة... بقيت معتصمة بمكانها وآلامها الغريبة تتسع وتتسع.. خرج بعد عشر دقائق مرتديا ثوبه.. ولكنه يحتاج إلى من يسدله له على قدميه.. حينها وقفت وهي تهمس له بحزم رقيق: لا تصير سخيف وتعيي.. خلني أوطي لك ثوبك.. هتف لها بحزم أشد: إبي ينتظرني في الصالة وبيوطيه لي.. حينها همست بنبرة أقرب للرجاء: وتشوفها زينة في حقي قدام إبيك.. إنك طالع من عندي وشكلك كذا..؟؟ فأجابها بنبرة أقرب للألم: وهذا كل اللي هامش.. خلاص تعالي وطيه.. ألم شفاف فعلا يغمر قلبيهما النقيين.. ألم ماعاد له معنى.. وكل منهما يرى كم الآخر مجروح منه...!! انحنت لتسدل ثوبه على قدميه.. تمنى حينها وهو يراها قريبة هكذا.. لو استطاع أن يضع كفه على رأسها ويقول لها كلمة واحدة تسمعها منه بشكل مباشر: (أنا أسف).. وتمنت هي لو دفنت رأسها في حجره وبكت فيض دموعها وغصاتها المكتومة وهي تهمس بكلمة واحدة: (أنا آسفة).. غريب هو الإنسان كيف يهوى تعذيب نفسه!! ويبحث عن مبررات لهذا العذاب وأسباب!! مع أن أسباب التسامح والسعادة أقرب وأقرب!!! غريب هو الإنسان كيف يكون سهلا عليه أن يغضب ويجرح..!! ثم يكون صعبا عليه أن يحتوي ويسامح..!! غريب هو الإنسان كيف يرضى بالعطش والماء بين يديه!! غريب هو الإنسان يرضى أن يكون جارحا ويرفض أن يكون مجروحا!! غريب هو الإنسان كيف يريد مع كونه جارحا أن يتلبس دور الضحية!! ويرفض دور الجلاد مع رفضه للجرح... فكيف تكون ضحية لم تُجرح!! وكيف تكون جارحا وأنت لست بجلاد !!! تساؤلات دارت في النفسين المعذبتين على ذات المستوى من القهر والوجيعة وهي تراه يغادرها للصلاة.. ثم وهي تصلي وتقرأ وردها ولا تكف عن البكاء.. ثم وهي تكتم شهقاتها وهي تراه عائدا من الصلاة.... اقتربت هذه المرة دون أن تتكلم لتساعده على خلع ملابسه.. فما عادت تحتمل أن تتركه يتعذب هكذا لوحده وهي مازالت لم ترى عذابه سوى لليلة واحدة.. وتمنى هو أن يرفض.. ولكنه لا يستطيع أن يكون لئيما ولا يعرف.. وهو يعرف أنه إن رفض سيجرحها.. وهو عاجز عن جرحها متقصدا.. فهو إن كان جرحها عن غير قصد.. فلا يستطيع أن يكون مثلها ويفعلها عن قصد... بدا كل شيء بينهما حينها كثيفا وجارحا وحساسا ومغمورا في شعور جارف لا يمكن صده ولا تحديده.. أنفاسه الدافئة المتوترة قريبة منها وتلفح وجهها!! وأناملها الباردة الأكثر توترا على عضده وكتفيه..!! بدت العملية أكثر من مجرد خلع ثوب إلى معضلة إنسانية موجعة.. بين الفعل ورد الفعل!! بين إحساس كل منهما بالذنب وبالجرح في ذات الوقت!! بين إحساس كل منهما بالقرب والبعد!! بين اختلاج الإنفاس وارتعاش اللمسات !! حين انتهت وهي تشد ثوبه مبتعدة.. كان كل منهما يشد أنفاسه التي شعر بها احتبست من هذا القرب اللاسع.. همست بخجل وهي عاجزة عن النظر له: أقومك على السرير..؟؟ فرد عليها بثقل عميق: لا.. أقدر بروحي.. فكلاهما بدا غير قادر على احتمال جولة أخرى من هذا القرب المموه اللاسع الجارح..!!! وبالفعل حاول نقل نفسه بصعوبة بالغة لسريره حتى نجح.. تمدد على جنبه.. وأسبل عينيه وهي مازالت واقفة.. همس بإرهاق شديد وهو مغلق العينين: تكفين عالية تعالي نامي.. أنا ميت من التعب.. ومستحيل أقدر أنام وأنا عارف أنش قاعدة صالبة نفسش كذا.. تنهدت بعمق.. " إذا كنت عذبا وشفافا هكذا؟؟ فكيف استطعت أن تجرحني بهكذا قسوة؟؟" وقفت لثوان ثم اقتربت من الناحية الأخرى.. تمنت أن تهرب من المكان كله.. لكنها لم تستطع أن ترفض وهي ترى كم هو متعب!! لم تتخيل أن رؤيته قريبا هكذا ستفجر في داخلها مشاعر على مستوى آخر.. أنها تود أن تكون جواره.. تخفف عنه.. تنسيه هم هذا الثقل الذي لم تستطع هي احتماله.. فكيف بمن يعانيه؟؟ اقتربت وهي تختنق بخجلها لتجلس على طرف السرير الآخر..لم تستطع أن تتمدد حتى.. علم أنها أصبحت جواره هي تسلل إلى أقصى خياشيمه رائحة عطرها العذب المعذب.. فتح عينيه.. لتنتفض هي بجزع.. همس بسكون: ليش قاعدة كذا.. انسدحي.. ترا أنا ما أعض.. تمددت وهي تشعر كما لو كان الفراش يتحول لفراش من مسامير.. شدت الغطاء على كامل وجهه.. وهي تترك فقط عينيها اللتين كانتا نتظران نحوه وهي تمسك الغطاء على وجهها... حينها همس بيأس حقيقي.. بصدقه الشفاف: تكفين عالية لا تزيدينها علي.. والله إني ندمان إلى جبتش بذا الطريقة اللي ما تناسب قدرش عندي.. فلا تزيدينها علي وأنا أشوفش خايفة وحزينة كذا!! حـــيـــنـــهــــا... انفجرت تماما في البكاء.. ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل!! أيكون نادما لأنها أحضرها هنا.. وهي أ ليست نادمة ألف مرة على تجريحها البشع له الذي دفعه لهذا التصرف؟؟ هو حين رآها تبكي هكذا.. شعر بقلبه يتحطم لشظايا.. ظنها تبكي لأنه شعرت بالقهر منه ومن تصرفه معها.. شد نفسه بصعوبة ليقترب منها.. ثم ربت على كتفها بحنو ذائب وهو يهمس بذات الحنو الذائب الموجوع: عالية يا قلبي.. والله أني آسف.. الله يلعن الشيطان ويباس الرأس.. تكفين لا تبكين.. والله قلبي ما يستحمل.. وش اللي يرضيش؟؟ تبين ترجعين بيت هلش وننتظر لين أقدر أمشي وعقب نحدد عرس؟؟ أنا حاضر.. أدري إنه كلام مهوب منطقي عقب ماجيتي عندي وأمسيتي في بيتي!! بس أنا ما علي من حد.. وما يهمني كلام الناس.. يهمني اللي يرضيش أنتي.. تبين الطلاق صدق؟؟.. أنا حاضر حتى لو كان الموت أهون علي.. المهم أنتي.. تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها بين كفيها.. بينما شعر هو أن شظايا قلبه المحطم تتزايد تطايرا كلما رأى تزايد بكاءها.. تمنى لو يشدها ليحتضنها وهو يرى نفسه عاجزا عن تهدئتها.. ولكنه لم يرد أن يزد رعبها منه رعبا.. هـــي.. مطلقا لم تكن مرعوبة.. ولا خائفة... بل محض نادمة!! عاجزة عن تجاوز تجريحها له الذي يتغلغل ألمه في روحها.. تشعر أن شفافية روحه تكاد تضيء جوانحه بينما تشعر هي أنها روحها ملوثة بسواد لا يليق بطهر روحه!! همس عبدالرحمن بذات الحنو الموجوع وهو يمد يده المرتعشة ليمسح على شعرها: عالية بس تكفين.. طالبش.. خلاص.. زين كلميني بس.. سبيني لو تبين.. بس طالبش ما تبكين كذا!! حرام عليش.. بروحي نفسيتي زفت.. حينها أزالت كفيها عن وجهها.. لتقترب هي منه وهي تحارب خجلها وحزنها ويأسها وتوترها.. وتصدمه بدفن وجهها في منتصف صدره... وحينها.. ماعاد للكلمات معنى أو قيمة.. !! تضاءلت كل قيمة لها ومعنى أمام معجزة إحساس سماوي غير مسبوق... فيكفيه ارتعاشها بين يديه.. ودموعها تغرق صدره.. وأنفاسها تبعث قشعريرة قارصة في كل خلاياه.. ويكفيها صلابة ذراعيه تحيطها بكل حنان العالم.. وهي تتوسد عضده وتستمع إلى دقات قلبه المتصاعدة من هذا القرب!! يكفيه أنها غفرت له جرحه لها وهي تطهر روحه بلهيب دموعها وأنفاسها الساكنة بين حناياه.. ويكفيها أن صدره كان الميناء الذي استقبل بشاعة معايرتها له دون أن يجعل هذه الكلمة المرعبة سدا بينها وبين ميناء حضنه.. يكفيهما هذا الإحساس بالذوبان والتماهي والامتزاج وكل منهما يشعر أن خطيئته في حق الآخر هي الأكبر.. ويشكر الله على نعمة التسامح التي منحها لقلبيهما ولسكينة روحيهما.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع في [ 4 ] .. من الجزء الخامس والسبعين الى الجزء التسعين .. شبكة روايتي الثقافية / .. روآية : بيـــن الأمس واليـــــــــــوم .. للكــآتبة / # أنفاس_قطر # [ 4 ] .. من الجزء السادس والسبعين الى الجزء المئة .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والسبعون الليلة السابقة.. ملكة وضحى ونايف.. . . . " يا الله وش إحساسش ياعروس؟؟ " وضحى بتوتر خجول: ما أدري..مرحلة عدم توازن!! ثم أردفت بحزن عميق: وحزينة واجد.. تخيلي تميم مابارك لي..!! كاسرة هزت كتفيها بحزم: أنا ما أدري أنتي وش مزعلة تميم فيه.. بس عطيه كم يوم.. تميم قلبه كنه قلب طفل.. مسرع ما ينسى..!! وهما تتحاوران رن هاتف كاسرة.. ابتسمت وهي تشير للهاتف: السكنية سمور تتصل.. وضحى بعتب: أنا زعلانة عليها.. ومتقصدة ما أرد على تلفوناتها.. أكلمها أقولها تعالي أنا محتاجتش.. تطنشني.. كاسرة حينها تنهدت: ردي عليها.. لا تزودينها عليها.. ظنش إنها لو روحتها طبيعية لأهلها.. كان قعدت كذا كله وفوتت ملكتش بعد.. وضحى صرت مابين حاجبيها وهي تهمس بتردد: أنا عارفة إنه فيه شيء مهوب طبيعي.. بس كل ما سالتها تقول لا وأنا ما أتخيل سميرة تدس علي.. حينها ربتت كاسرة على خد وضحى وهمست بعمق: بكرة لا تزوجتي دريتي إنه اللي يصير بين الأزواج بيكون سر المفروض ماحد يدري به!! كلمي سميرة.. وخذي بخاطرها.. ************************************ " يأمك ليش ما باركت لأختك؟؟ عيب عليك اللي تسويه فيها!! وضحى ما تستاهل منك كذا!! زين وصار اللي صار.. كانت بزر.. ونيتها صافية وغلطت دون قصد.. بس أنت عارفها زين وعارف أخلاقها.. عيب عليك تشك فيها.. ترا كنك تشك في روحك!!" تميم يشير بألم: يمه موجوع منهما واجد.. أنتي عارفها غلاها عندي.. كن حد حرقني بالنار يوم دريت.. والله العظيم كان ودي أخذها في صدري وأبارك لها.. بس على قد غلاها وجيعتي منها!! عطيني كم يوم يمه.. كم يوم.. أدري عظامي ما تشلني عليها!! حينها همست مزنة بحزم: زين خلنا الحين من وضحى.. ومرتك؟؟ انتفض تميم: وش فيها سميرة؟؟ مزنة بحزم: خلاص مالك عذر.. أول تعذر أنك مشغول مع وضحى وبفحوصها.. هذي وضحى تملكت.. وخلصت.. بكرة تروح وتجيب مرتك.. حينها أشار تميم بيأس: بس يمه أنا خايف هلها يعقدون السالفة.. وأنتي عارفتني نفسي عزيزة واجد.. وأكره ما علي أقعد قدام حد يحاسبني.. حينها ابتسمت مزنة وهي تقف وتهمس بنبرة مقصودة: زين أنت روح بكرة.. واتصل بس لمرتك وقل لها تنزل لك.. وراضها مثل ما الناس السنعين يراضون نسوانهم.. ومهوب أنا اللي أعلمك السنع.. ****************************** " ها سمور.. شأخبار العروس؟؟" سميرة تضع هاتفها جوارها وتهمس بابتسامة: مسوية روحها مستحية الأخت.. لا وزعلانة ليش إني ماجيت.. حينها نظرت لها نجلاء نظرة مباشرة وهمست بنبرة مقصودة: وليش مارحتي.. صار لش أكثر من أسبوع هنا ترا.. سميرة تتشاغل بشيء في يدها وهي تهمس بنبرة تمثيلية: بأروح ذا اليومين.. تميم كان لاهي شوي.. وعنده مشاغل.. نجلا تنظر لها نظرة مقصودة: زين.. سلمي لي على تميم لا رحتي.. سميرة تزايد تشاغلها بما في يدها حتى لا تنفجر في البكاء.. تعلم أن أسرتها باتت تشعر بشيء مريب.. الكل بدأ يلمح لها بالسؤال إن كان هناك مشكلة بينها وبين تميم.. والدها ووالدتها ونجلاء وغانم.. وهي تصر أنه لا شيء.. وتعلم أن التلميحات ستتحول قريبا لتصريحات.. ستموت أن جابوها بشكل مباشر.. تعلم ما الذي سيحدث.. " أ ليس هذا من اخترتيه رغم تحفظنا الشديد على اختيارك؟؟ أليس هذا من أصريتي بكل قوتك عليه؟؟ فما الذي حدث الآن ؟؟" باتت تفكر بشكل جدي أن تعود لبيتها حتى لو لم يرجعها تميم.. أ لم يقترح عليها أن تبقى كأخت لو أرادت.. وهكذا ستفعل إن لم يكن يريدها زوجة؟؟ ولكن مهما كان كرامتها تمنعها أن تتصرف هذا التصرف.. كيف سيحترمها لو تصرفت هكذا؟؟ يا الله.. تتمزق من كل هذا.. تتمزق.. ولا تستطيع طلب المعونة من أحد.. حتى خالتها مزنة.. ماذا تقول لها؟؟ اطلبي من تميم أن يرجعني.. ************************************** " عاد أنا جيت في الوقت الضايع.. لا حضرت ملكتك.. ولا حضرت روحة عالية لبيت سبع البرمبة!! " نايف بضيق شديد: لا تذكرني.. لا تذكرت طرا علي أخنق عبدالرحمن وأبيك فوقه.. هزاع يضحك: عبدالرحمن بكيفك.. بس عاد أبو صالح دون حلقه حلوق.. نايف بذات الضيق: تلايط بس.. وأنت من يوم جيت بس تنكت أنت ووجهك.. هزاع مازال يضحك: الشرهة علي اللي جيت أبارك لك وقلت أمسي عندك وأسهر عندك ياعريس.. نايف بتحسر: الله ينكد على عبدالرحمن مثل ما نكد علي.. قال عريس قال.. هزاع بمرح: لا تخاف عليه.. عنده بير نكد الليلة.. عنده حبيبة قلبك بتقوم بالواجب وزيادة.. نايف بذات نبرة التحسر: حتى الشوفة مالحقت أشوفها.. قهروها.. قهروها.. وقهروني معها !! حينها همس هزاع بجدية: أنا أبي أدري ليه حارق نفسك كذا.. صار لك ساعتين تأكل في روحك.. والأخت تلاقيها طابخة الطبخة مع رجالها.. نايف تفجر بغضب: ما اسمح لك تقول عنها كذا.. هزاع حينها تفجر غضبه المكتوم عارما: بلا ما تسمح لي بلا بطيخ.. الشيخة عالية.. طايحة مكالمات مع حبيب القلب وأنت بتموت من الحزن عليها نايف بصدمة حقيقية: كذاب.. عالية ما تسويها.. كذاب وحتى لو سوتها أنت أشلون تدري وساكت يا الرخمة..؟؟ هزاع حينها هز كتفيه وهو يتماسك: توني دريت اليوم الصبح وأنا رايح الكلية.. إبي قال لها تروح تسوي له جمر.. فهي خلت تلفونها وقامت.. خذته أبي أشوف مسجاتها.. وخصوصا إنها ذا الأيام صارت مستحيل تخليه يطيح من يدها.. واستغربت إنها خلته ذا المرة.. يوم فتحته انفجعت بالمسجات.. اعتذارات بالكوم.. والمسكين قلبه ذايب من جده.. ما قدرت افهم السالفة لأن إبي صاح علي : ماعاد إلا تلفونات النسوان تقلب فيها يا الرخمة.. حطيت التلفون وأنا مولع وأبي أروح أوريها شغلها.. بس إبي موجود وأنا كنت أبي السالفة بيني وبينها بس.. وموعد الكلية تاخرت عليه وانا عندي امتحان اليوم.. قلت خلاص لا رجعت وريتها شغلها.. ثم أردف بابتسامة: بس سبحان الله.. جيت لقيتها في بيت رجّالها.. خلاص خلهم ينلمون بدل الفضايح!! نايف بصدمة حقيقية: عالية تكلمه وتدس علي بعد..عشان كذا كانت بتموت عشان أخذ بنت خاله.. ثم أردف بغضب كأنه يكلم نفسه: زين ياعالية.. زين.. دواش عندي.. عطيني كم يوم بس.. *********************************** " مبروك ملكة وضحى.. جعل تشوفين عيالها " مزنة تهمس برقة وهي تتناول غترة زايد منه: قلتها لي قبل.. ابتسم ابتسامته الفخمة المعهودة وهو يجلس على الأريكة ويشير للمكان الخالي جواره: بس وجه لوجه غير.. مزنة همست بذات الرقة وهي تجلس حيث أشار : الله يبارك فيك.. ثم أردفت بنبرة حزن مخفية: ولو أنه صعب علي أتخيل إن وضحى بتتزوج.. هذي آخر العنقود ولحد الحين في عيني أشوفها صغيرة.. زايد بذات الابتسامة وهو يستدير ناحيتها: خلي كساب وكاسرة يتشطرون ويجيبون لنا أحفاد يلهوننا عن عيالنا اللي عرسوا.. مزنة حينها ابتسمت بشفافية: الله يرزقهم برزقه.. وحينها مد زايد يده ليمسك بذقنها بين سبابته وإبهامه وهو يهمس بنبرة خافتة دافئة: استغرب وحدة لها ابتسامتش وما تكون مبتسمة على طول.. رغما عنها حضر لها شعور الارتعاش الذي يجتاح فؤادها ما أن يهمس لها زايد بهذا الدفء.. وكأنها تختبر هذا الإحساس لأول مرة.. "وكـــأنــــهـــــا؟؟؟ " هي فعلا تختبر هذا الأحساس للمرة الأولى. والد مهاب لم يعش معها إلا لفترة قصيرة.. أما زوجها الثاني فقد توفي وهي في نهاية العشرينات.. وهي في صباها كانت حادة الطباع نوعا ما.. حدة هدأتها مرور السنوات وزيادة التدين.. وربما كانت حدتها القديمة حاجزا فصل بينها وبينه.. عدا أنه رحمه الله كان لين الطباع لأبعد حد.. وترك لمزنة حرية التصرف كيف تشاء.. لم تشعر بهذا الإحساس بالاحتواء بالرجولي المثقل بالزخم إلا الآن.. مـــع زايــــــد!! ثم أفسد هذا الإحساس الرائع المذهل المحلق.. ما همس به زايد بنبرة أكثر دفئا وعمقا وحنانا كأنه يحادث نفسه: صحيح الحين ابتسامتش أحلى بدون مقارنة حتى.. بس أول كنت لا شفتش تبتسمين وحن صغار.. أحس عظامي تبرد لدرجة إني ما أقدر أتحرك من مكاني.. لا تعلم لـِمَ شعرت بضيق غريب... (أول) ليس الآن..!!! لا تعلم لماذا بدا لها هذا الماضي كأنه حاجز غير مفهوم.. فهذه ليست المرة الأولى التي يفصل فيها في الحديث بين ماكانت في الماضي وما هي الآن.. كما لو كان يتحدث عن امرأتين مختلفتين!! مزنة كانت على وشك النهوض.. لولا أنه منعها وهو يشدها من كفها التي احتفظ بها بين كفيه وهو يهمس بدفئه المتجذر الغريب: زعلتي؟؟ ابتسمت ابتسامتها التي لا يعلم أتعجبه لإثارتها وحسنها؟؟.. أم تثير شجنه بذكرياتها وماضيها؟؟ : وليش أزعل؟؟ زايد بعمق: ما أدري.. أخاف أني أحيانا يمكن أضايقش بكلامي اللي ماله معنى.. حينها همست بنبرة مقصودة: دامك تشوفه ماله معنى.. فليش أزعل من شيء ماله معنى.. إلا لو أنت شايفه شيء ثاني وله معنى..؟؟ حينها صمت.. صمته ضايقها أكثر.. كانت تريد القيام.. وللمرة الثانية يمنعها.. هذه المرة مد كفه ليدخلها في جانب شعرها المنسدل.. أنامله تغوص بين خصلاتها.. وباطن كفه على خدها.. ويشدها ناحيته ليلصق خده بخدها الآخر وهو يهمس في أذنها بنبرته التي تجمد الدماء في شرايينها حين يهمس اسمها بهذه الطريقة: مزنة لو شفتي مني أي شيء يضايقش استحمليني شوي.. أنا مثل واحد كان طول عمره يشرب مع فتحه تنقط الماي نقطة نقطة.. وعقبه عطوه أكبر وأعذب نهر في الكون.. أشلون بتكون ردة فعله؟؟ " هل يوجد أعذب وأرقى من هذا الرجل؟؟" كان هذا هو ما يدور في رأس مزنة وهي تمد ذراعيها لتطوق هي عنقه ولتهمس هي في أذنه بصوتها الذي يذيب أوصاله بنبرة دافئة عميقة: الله يقدرني وأسعدك بس.. ما أبي شيء أكثر.. ******************************* " حبيبي تكفى ما تكون تضايقت من اللي صار من عبدالرحمن الليلة.." عبدالله يتنهد ومازال رأسه مسندا لفخذها وأناملها تعبر خصلاته الكثيفة: ما أقدر أقول أني ما تضايقت.. بس في النهاية حسيت إن ضيقي ماله معنى.. عبدالرحمن طلب حقه.. ويمكن لو كنت مكانه كان سوبت نفسه.. رجال محكور ما يطلع إلا بصعوبة والكل لاهي عنه.. من حقه تكون مرته جنبه في ذا الظروف.. واللي ضايقني عقب إنه ليش إحنا ماعرضنا عليه ذا الشيء.. ليه حديناه يحرج نفسه ويحرجننا.. جوزاء مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بحنان: صدقني عبدالرحمن بيحطها في عيونه.. عبدالرحمن أحن مخلوق على الأرض.. بس أنت تكفى ما تتضايق.. عبدالله اعتدل جالسا ثم مد يده ليمسح على بطنها ويهمس بحنان: والله العظيم ماني بمتضايق بس أنتي اللي طالبش لا عاد تنحنين على بطنش بذا الطريقة.. حينها همست جوزا بشيء يشغل بالها منذ فترة وبالتحديد منذ صحوة عبدالرحمن من غيبوبته: عبدالله.. عبدالله بولع: ياعيون عبدالله اللي يروح وطي لا دعيتيه.. جوزاء حينها مالت لتحتضن ذراعه وهي تهمس بخجل رقيق: عبدالله عادك على كلامك أنني ممكن أروح أكمل دراستي..؟؟ عبدالله بمودة غامرة ورجولة عميقة: وما أرجع في كلامي.. بس خل لين تولدين بالسلامة.. ونروح.. ولا يهمش الوظيفة مضمونة من الحين لو بغيتي.. شددت احتضانها لذراعها وهي تقبل عضده وتهمس بتأثر: ما أبي وظيفة.. أبي أتفرغ لك ولعيالي.. بس أبي أكمل دراستي.. *********************************** " كاسرة بسم الله عليش.. كاسرة قومي.. قومي.. " كاسرة شهقت وهي تنهض بشكل حاد تمسح وجهها وهي تهمس بنفس مقطوع: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم.. كساب كان لم ينم بعد.. وهو يجلس جوارها مسندا ظهره للسرير يقرأ في كتاب.. وهي كانت قد نامت قبل أكثر من ساعة.. وحتى رؤية وجهها وهي نائمة حرمته منها وهي تنام وهي توليه ظهرها .. لذا تناول كتابا يتشاغل به حتى ينام بعد أن صلى قيامه وقرأ ورده.. ثم لفت انتباهه حشرجة غريبة كانت تصدر منها.. تزايدت الحشرجة وهي تهمس بكلام غير مفهوم.. يبدو أنها تحلم بكابوس ما لأنها بدت متضايقة جدا.. وملامح وجهها تتقطب حين أدارها بخفة ناحيته.. منذ زواجهما لم يسمعها مطلقا تتكلم وهي نائمة.. أو حتى حدث معها ما حدث الليلة.. لذا أيقظها وهو يدخل ذراعه تحت كتفيها ويرفعها برفق.. همست بصوتها المقطوع: أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. صار لي زمان ما حلمت ذا الأحلام.. همس لها بقلق: وش فيش؟؟ همست بذات الصوت المقطوع: أحلام مهيب زينة.. كنت أحلم فيها من يوم توفى إبي الله يرحمه.. بس صار لي شهور ما حلمت فيها.. منذ وفاة والدها وهي تحلم بكوابيس مرعبة من وقت لآخر.. ولكنها كانت ترفض أن تحكيها لأحد.. وهي صغيرة كانت لا تحكيها من خوفها منها.. لكنها حين كبرت كانت لا تحكيها اتباعا للسنة التي توصي بعدم رواية الكوابيس.. ولكنها من بعد زواجها وهي توقفت عن رؤية هذه الكوابيس.. لا تعلم لِـمَ عادت لها الليلة.. همس لها كساب بحزم حان: تعوذي من الشيطان واتفلي عن يسارش.. مافيه إلا الزين إن شاء الله.. نامي.. كاسرة تعوذت من الشيطان ونفثت عن يسارها ثم همست بإرهاق وهي تنهض: باقوم أتوضأ وأصلي ركعتين قبل أرجع أنام.. كان كساب يراقبها وهي تتحرك في أرجاء الغرفة بإرهاق.. حتى أنهت الصلاة وعادت لتتمدد جواره.. هذه المرة لم توليه ظهرها.. بل أولته وجهها وهي تغمض عينيها.. تمنى بكل جوع روحه الملهوفة القلقة عليها.. أن يضمها لصدره.. وألا يتركها تنام إلا على ذراعه وقريبا من قلبه.. وهو ينظر بشجن عميق لملامح وجهها المسترخية بإرهاق شفاف.. ولكنه كتم رغباته في روحه.. فليس على استعداد أن يعرض عرضا يعلم أنها سترفضه.. وهي أولته وجهها.. وكأنه ترسل له رسالة من غير شعور منها.. أنها تحتاج بالفعل أن تنام في حضنه الليلة.. رغم كل التعقيدات غير المعقولة بينهما.. ولكنها لا تستطيع أن تنكر أنها عاجزة حتى عن مجرد محاولة كرهه.. أو حتى الأقل إيقاف طوفان مشاعرها المتزايد ناحيته.. فلماذا لا تستطيع أن تمنحه الحجم الذي يستحقه؟ ولماذا يستولي على قلبها حتى آخر نقطة وخلية وشريان بينما هي منفية خارج أسواره ومشاعره؟؟ يا الله.. تشعر أنها ستموت لتدفن وجهها بين عنقه وكتفه وتتنفس عبق رائحته من قرب.. ولكن قلبها مليء بالتعقيدات والضبابية ناحيته.. عاجزة عن مسامحته.. فعلا عاجزة.. وكيف تسامحه وهو لم يفكر أن يعتذر حتى..؟؟ وكأن كل ما فعله بها حق من حقوقه غير القابلة للنقاش.. بقيا كلاهما ساهرين.. وكل منهما معتصم في مكانه.. ومتمرس خلف حصون كبرياءه البغيض.. حتى آذان الفجر.. *********************************** اليوم التالي . . . " عالية حبيبتي.. قومي باقي على آذان الظهر ساعة" كان يهز كتفها برفق شديد الحنو.. وهو يجلس مسندا ظهره للسرير.. انتفضت بجزع وهي تعتدل جالسة وتشد جيب بيجامتها على عنقها.. ثم تنظر ناحيته بخجل شديد.. كان مبتسما لها بكل حنان الأرض.. وجهه مشرق دافئ ومغمور بحنان غريب.. لا تعلم ما الذي حدث لها.. لم تتمالك نفسها أن تعاود الانفجار في البكاء.. رغم أنها بالكاد سكتت عن البكاء هذا الصباح بعد محايلة طويلة منه وهو يحاول إسكاتها عن بكاءها كطفلة باكية مصرة على الصراخ.. عبدالرحمن حينها همس بألم: عالية الله يهداش.. حرقتي قلبي.. أنتي مهوب قلتي لي إنش سامحتيني خلاص.. وتونا تراضينا.. ليش تبكين الحين؟؟ وإلا ندمتي على أنش سامحتيني.. عالية بين شهقاتها: والله العظيم مافي خاطري شيء عليك.. بس أنا ماني بقادرة أسامح روحي.. ما أتخيل أشلون قدرت أكتبها أو حتى أتصورها.. حينها ابتسم عبدالرحمن: زين ما كذبتي.. أنا مهوب مكسح صدق؟؟ حينها تزايد نحيبها: طالبتك عبدالرحمن ما تذبحني كذا وأنت تعيدها.. عبدالرحمن شد كفها ليحتضنه بحنو.. وهو يهمس بحنان عميق باسم: كنتي تقولين إنش ما يبكيش شيء.. شكلي تزوجت حنفية دموع.. حينها حاولت مسح وجهها والتماسك وهي تهمس بصوت مختنق: وربي اللي خلى خالد آل ليث أغلى خلقه.. أني عمري ماكنت صياحة كذا.. بس كله منك.. خليتني حساسة وغبية.. عبدالرحمن يقطب حاجبيه بعدم فهم تمثيلي: نعم عيدي ما سمعت.. من أغلى خلقه ذا؟؟ وأنا وين مكاني؟؟ حينها ابتسمت عالية ابتسامة مرحة من بين دموعها: أبو صالح.. وعقبه أمي.. وعقبه خالي نايف.. وعقبه عبدالله.. وعقب صالح.. وعقب........ عبدالرحمن يقاطعها باسما: وعقبه راعي البقالة... وعقبه البنغالي اللي يكنس شارعكم.. وعقبه واحد مات في جنوب أفريقيا.. مازالت عالية تمسح وجهها وتهمس بابتسامة: نسيت واحد في نيبال.. حينها شد عبدالرحمن كفها أكثر ليجذبها ناحيته: مانسيته.. بس فيه كم واحد قبله لازم نذكرهم.. عالية ارتبكت بشدة حين شدها.. وارتبكت أكثر حين أحاط كتفيها بذراعيه وهو يهمس بدفء مرح خافت: ترا معلق لش في رقبتي وعد.. عالية انتفضت بخجل شديد: وأنا متنازلة عنه.. عبدالرحمن شدها أكثر لحضنه وهو يهتف بذات النبرة الدافئة: بس أنا ما تنازلت عنه.. ******************************* " ليش تأخرتي كذا؟؟ صار لي عشر دقايق من يوم اتصلت لش وقلت لي نازلة.." كاسرة تغلق بابها وهي تهمس بنبرة أقرب للبرود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. آسفة أستاذ كساب غصبا عني.. وعلى العموم أنت اللي مارضيت إن السواق والخدامة يجوني.. كساب بنبرة حازمة أقرب للغضب: تدرين إني ما أرضى حد يوديش أو يجيبش غيري إلا لو كنت ما أقدر.. وش اللي تغير؟؟ كاسرة بذات النبرة الباردة: ماتغير شيء.. بس أنت اللي قاعد تنافخ عشان تأخرت.. صمتت لثانيتين ثم أكملت بثقة: وعلى العموم أنا كنت نازلة.. بس اتصل لي المدير.. وعطلني بإلحاحه.. حينها نظر لها كساب نظرة حادة مباشرة وهتف بحدة مباشرة أيضا: وحضرة المدير المبجل ليش كان يلح؟؟ كاسرة تنهدت ثم أجابته مباشرة: فيه ورشة عمل في البحرين كنت وافقت عليها يوم كنت عند هلي على أساس تميم بيروح معي.. لأنها يوم واحد بس... وبلغتهم رفضي من فترة بس المدير مهوب راضي.. ويحاول يقنعني أروح لأنهم ما كنسلوا السفرة أساسا.. حينها سألها كساب بنبرة مقصودة: ومتى الورشة؟؟ كاسرة بسكون: بكرة من الساعة 4 لـ8 الليل.. بس أنا خلاص بلغتهم رفضي.. حينها هتف بنبرة حازمة لا تخلو من التهكم: وليش ترفضين؟؟ هذا كله عشان ما تطلبين مني؟؟ كاسرة أجابته بنبرة أكثر حزما ولا تخلو من التهكم أيضا: وليش ما أطلب منك؟؟ أنت رجالي وملزوم فيني.. بس أنا عارفة أنك ما تقدر.. أدري إنك مشغول في تجهيزات عرس علي.. خلاص ما بقى شيء.. كلها كم يوم.. عدا إني أدري إنك بتسلم مشروعين الأيام الجاية.. وتوقع عقد مشروع جديد.. وأكيد ماعندك أي وقت فاضي عشان أشغلك بسالفتي... حينها قطب حاجبيه وهو يسأل: من وين عرفتي أخبار مشاريعي وأنا ما قلت لش؟؟ همست بسخرية: اخبارك أعرفها من عمي زايد.. ليه أنت تتنازل تقول لي شيء؟؟ أجابها بسخرية مشابهة: والله قبل كنت أقول لش.. بس ذا الأيام أنتي حتى ما تطلين في وجهي عشان أعطيش أخبارش.. ثم أردف بثقة: وعلى العموم مشاغلي أعرف أتصرف فيها زين.. تجهزي نسافر بكرة الظهر.. والحين بأتصل في سكرتيري يحجز لنا.. وبنرجع بعد بكرة الصبح.. ************************************* " أنا رحت أصلي وتغديت مع إبي ورجعت وأنتي قاعدة هنا ما طلعتي" عالية بخجل: والله أمك وشعاع ماقصروا.. كلهم طلوا علي وحايلوني.. بس أنا اللي مستحية.. وحتى الغدا أرسلوه لي هنا.. بس أنا مستحية.. أدري غريبة أنا مستحية كذا.. بس شأسوي.. غصبا عني.. حينها همس عبدالرحمن بتأثر: أنا عارف إني حرمتش حقتش من إنش تكونين عروس.. وأطلع أنا وأنتي ونسافر.. ... عالية تقاطعه بابتسامة: بس لا تصير سخيف.. خلها معلقة لي في رقبتك.. عادك بتوديني لين تزهق.. حينها ابتسم عبدالرحمن بخبث: ياكثر اللي تعلقينه في رقبتي وعقبه ما تبينه.. عالية اشتعل وجهها احمرارا: ياثقل طينتك.. تعال بس خلني أساعدك تبدل ملابسك.. ******************************* " يمه وش ذا بعد؟؟ توني متغدية" أم عبدالرحمن تضع صحن الكعك والعصير على طاولة شعاع وهي تهمس بنبرة أقرب للغضب: أي غدا؟؟ اللي ماكلتي منه إلا لقمتين.. والحين حن عقب صلاة العصر.. شعاع برقة : يمه جعلني فداش.. والله ماني بمشتهية.. اعفيني.. أم عبدالرحمن بتصميم: والله ثم والله لو ماكلتي ذا كله إني ما أحاكيش اليوم كله.. شعاع تقفز بجزع لتلقي الكتاب على الطاولة وهي تقبل رأس والدتها وتهمس بجزع عذب: لا طالبتش.. بأكل الصحن كله.. مع إني يمه والله زايدة كيلو ونص.. خايفة يأتي يوم الجمعة الفستان مايدخل فيني.. أم عبدالرحمن رفعت برقعها لتقبل خد شعاع وهي تهمس بحنان: وين ذا الكيلو ونص وانتي ذابحة روحش مذاكرة.. وحتى الرقاد ماترقدين.. حينها همست شعاع بيأس وهي تعاود الجلوس: يمه فصل تخرج.. عدا أني أحاول ألهي نفسي عشان ما أفكر بعرسي.. أم عبدالرحمن بحنان مصفى: يأمش لا تحاتين شيء.. رجالش يمدحونه واجد.. ويقولون رجال فيه خير ومصلي.. شعاع بعذوبة: يمه أدري ذا كله والله.. بس.. بس ماني بعارفة حتى أشلون أتعامل معه.. الرجّال مريض.. وانا مابعد أعرفه ولا أعرف طبايعه.. أخاف أضايقه.. أثقل عليه !! أم عبدالرحمن بذات الحنان المصفى: ياويه.. ياحظه اللي ضواش.. يكفيه شوفة وجهش قدامه.. حينها ابتسمت شعاع: ياليته يشوفني بعيونش بس.. أم عبدالرحمن همست بحنان: كل من له عيون بيشوفش كذا.. خلني أنزل أشوف خويتش اللي مثلش ماكلت شيء.. يافضحي منها.. والله أني متفشلة في البنية.. وعقب بأروح أشوف تجهيزات العشا والعمال اللي يرتبون الطاولات في الحوش.. وأنتي إياني وإياش تنزلين.. أولا عندش امتحانات.. وثاني شيء عرسش الجمعة وعيب النسوان يشوفونش.. ********************************** " أنا أبي أدري أنت وأبي ليش ملزمين ما أطلع من المستشفى إلا نفس يوم عرسي خلاص ما باقي إلا أربع أيام بأطلع.. طلعت روحي.." كساب يلتفت لعلي الغاضب بطريقته الباردة والحازمة: اقعد ياأخ لا ينقص فيك عرق.. السبب طال عمرك إنك لحد الحين ما تأكل مثل الأوادم.. وفي المستشفى حالك زين ونشيط ووزنك رجع مثل أول... لأنك عايش على المغذيات والفيتامينات اللي يعطونك إياها.. لكن لو طلعناك من الحين بيجي يوم عرسك وأنت حالتك حالة.. خلك متلصمق كذا لين ليلة عرسك.. لا تفشلنا في المعازيم اللي جايين من كل مكان.. حينها ابتسم علي رغما عنه: حلوة متلصمق ذي.. شايفني كرتون بيطير؟؟ (متلصمق=شي متماسك ظاهريا) كساب يبتسم: ليتك كرتون.. إلا قرطاسة.. ثم أردف بمودة: توصي شيء من البحرين؟؟ علي يبتسم: سلامتك.. أنت أساسا بتلحق تقعد عشان أوصيك؟؟.. أنت بس خذ الوقت اللي بتكن فيه مرتك في الورشة تايم أوت عشان تريح.. واجد متعب نفسك ذا الأيام.. كساب باستنكار: يا سلام عليك.. تبيني أخليها في الورشة بروحها.. أصلا رجلي على رجلها لين نرجع.. أنا حتى الفندق حجزت نفس الفندق اللي فيه الورشة.. علي ابتسم: يا سلام ياراجل ياحمش.. كساب رد عليه بابتسامة مشابهة: أفا عليك.. لا توصي حريص... ********************************** " يا الله سميرة يامش.. تأخرنا على عشا بنت عمش وصلوح جنني من كثر ما يشد عباتي يبي يطلع ومهوي تشد برقعي.. خلصيني.." سميرة تلبس عباءتها ووتأكد من وضع الملمع على شفتيها وتهمس باستعجال وهي تنظر للمرأة القريبة من المدخل: هذا أنا خلصت يمه.. حين فتحت أم غانم الباب المؤدي للباحة عادت لسميرة وهي تهمس باستغراب: سمور يامال العافية.. رجالش برا في سيارته وشكله ينتزر.. ليش ماقلتي لي إنش بتروحين معاه.. كان رحت من زمان.. سميرة ارتبكت لدرجة أن الحقيبة سقطت من يدها وهي تهمس بذات الارتباك: نعم؟؟ تميم؟؟ تناولت هاتفها بسرعة أ يعقل أنه أرسل شيئا وهي لم تراه لإنشغالها بزينتها؟؟ بالفعل وجدت ثلاث رسائل منه وأولها قبل 40 دقيقة.. " حبيبتي أنا أنتظرش برا.. جهزي شنطتش ولا تطولين علي!!" سميرة شعرت برعشة حادة قسمتها شطرين وهي تشير لوالدتها أن تغادر.. رسالة بسيطة عذبة ودون تعقيدات.. ثم رسالته الثانية: " طولتي علي يا قلبي.. لو تبين وقت زيادة.. أرسلي لي وأنا بأروح وأرجع بعدين " ثم رسالته الثالثة.. غاضبة.. عاتبة..: " أنا ماني برايح لين تردين علي.. ما تبين تروحين معي.. قولي لي.. مافيه داعي تنقعيني عند بابكم" سميرة تناولت حقيبتها على عجل وهي تخرج له.. لم تستطع حتى أن تنظر لشيء حتى ركبت جواره.. دفئه الغريب يغمر المكان.. وعطره الأكثر دفئا يتسلل إلى أنفها إلى أقصى درجات السيطرة!! هو كان يقف في الخارج.. منذ أربعين دقيقة.. كان قد بدأ يسب نفسه أنه وافق والدته.. شعر بحرج عميق من نفسه.. رغم أن ما خفف عليه أنه يعلم أن غانما ووالده ليسا هنا ولن يحضرا قريبا لأنهما في العشاء عند بيت أبي صالح.. لذلك لن يشعر بالحرج منهما لو سألاه لماذا تقف كل هذا.. ولكن الموقف كله محرج وهي تتجاهل رسائله.. كان بوده أن يغادر.. لكنه لم يستطع.. كان يشعر أن هذه هي فرصتهما الأخيرة.. ولن يدعها تفلت بهذه السهولة.. حين رأى عمته أم غانم تخرج شعر بحرج عميق جدا وهو ينزل ليسلم عليها.. كانت تشير له أن سميرة ستخرج له حالا.. ولكنه لم يستوعب إشارتها غير الدقيقة لشدة حرجه !! ولكنه ما أن عاد لسيارته حتى فهم ما المقصود إذ رأها تعبر الباب متجهة نحوه.. شعر حينها أن طبول الحرب أعلنت صراعها بين جنبات قلبه وروحه وشرايينه وأوردته.. أما حين ركبت جواره شعر أنه يريد أن يفتح جيبه قليلا لأنه شعر كما لو أن كل الأكسجين المتواجد في السيارة قد فرَّ خارجها هاربا من سطوة حضورها!! لم يشر لها بشيء ولم تشر له بشيء.. وهو يحرك سيارته مغادرا.. كانت تعبث في هاتفها بين يديها.. لتصله رسالة بعد ثوان: " أنا آسفة والله العظيم ماشفت رسايلك إلا الحين" لم يرد عليها وقتها بشيء لأنه كان مشغولا بالسواقة.. لكن ما أن توقفت السيارة في الإشارة.. حتى التفت لها مشيرا بشجن عميق: أنا اللي آسف.. وآسف على أشياء كثيرة ما أدري متى بتسامحيني عليها.. ما كفاش وش كثر عاقبتيني الشهور اللي طافت!! سميرة حينها شعرت أنها اختنقت تماما بعبراتها وأنها قد تنفجر في البكاء بين لحظة وأخرى.. كان بودها أن تقول " كنت أعاقب نفسي قبل أن أعاقبك" ولكنها شعرت لضخامة العبرات أنها عاجزة حتى ان اختراع إي إشارة!! كانت تدعك أناملها بعصبية.. لم تشر له بشيء.. وهي مشغولة بالتفكير.. ولكنها انتبهت بعد فترة أن الطريق طال أكثر من المعتاد.. لتصدم أنها تتجه في طريق مختلف تماما.. لم تجرؤ حتى أن تتساءل.. الهواجس والحزن واليأس والأمل.. مشاعر تصطرع في ذاتها على أقسى مستوى!! حتى توقفا بداخل منتجع "شرق" لم يتوجه للداخل بل توجه للفلل الصغيرة في الخارج بعد أن سلم سيارته لموظف صف السيارات.. شعرت سميرة بالتوتر والترقب.. أ يعقل أن يكون قد أعد لها مفاجأة ما..؟؟ شعرت حينها بشعور طفلة مبهورة الأنفاس تترقب هديتها بفارغ الأنفاس.. كانت سميرة تراقب تحركاته وهو يفتح الباب.. أي أن حجزه حجز مسبق وسبق له الحضور.. في خلال الدقائق القليلة بعد دخولهما للمنتجع دار في رأسها عشرات الأفكار.. ولكن ما رأته أمامه فاق الوصف.. فاق الوصف تماما.. فالمكان كله كان غارقا في الأزهار والشموع بطريقة بارعة غاية في الاتقان والبراعة.. وفي المنتصف كانت تقف المضيفة بجوار طاولة طعام معدة .. أشار لها تميم أن تغادر بينما سميرة كانت مبهوتة تماما.. شعرت كما لو كانت في حلم غير معقول.. فأي شاب تخطر له مثل هذه الأفكار؟؟!! حينها التفت لها تميم وهو يشير بإبتسامة: أتمنى إن مفاجأتي عجبتش..؟؟ ولو فيها قصور ماعليه سامحيني توني عليمي!! لم تستطع أن تشير بشيء حتى .. اقترب منها ليشير بدفء: زين خليني أشوف وجهش.. سميرة أزالت نقابها وشيلتها بإرتباك.. بدت بأناقتها وحسنها كما لو كانت مستعدة لمفاجأته وحمدت الله أنها كانت متوجهة للعشاء المقام لعالية يالله كم افتقد دفء ملامحها وبريق ابتسامتها.. شدها من كفها برفق ليجلسها ثم أشار: حتى إشارة وحدة م أشرتي لي.. حرام عليش سميرة.. عبريني شوي.. حينها أشارت له بإشارة واحدة: مصدومة.. ابتسم بدفء: ترا أنا ما نسيت هديتش.. حطيتها في الخزنة هنا.. سميرة أشارت بارتباك: لويش الهدية؟؟ همس بدفء حان: عشان تعرفين إن زعلش مهوب رخيص عندي.. وصدقيني كل هدايا الدنيا ماتعبر.. بس اعتبري هذي شيء صغير.. حينها بدئت عيناها تترقرق بالدموع.. مد يده ليلمس أسفل عينيها وهو يمسح الدمعة التي ستسقط ثم يشير بابتسامة: على ذا الكشخة كلها وتبكين؟؟ أشارت بابتسامة متاثرة: أي كشخة!! لو أدري أنك بتجيني الليلة كان كشخت شيء غير.. حينها ابتسم بخبث لطيف: هذا إحنا فيها.. ملابسش فوق في شنطة جهزتها أمي من الملابس اللي كنتوا داسينها عني وخليتو قلبي يحترق أحسبش شليتش قشش كله وخليتيني بروحي!! حينها تفجر وجهها احمرارا.. وهي تشير بخجل: هذي فكرة أمي مزنة.. ابتسم تميم: ويازين أمي لا فكرت.. ثم أردف بما يشغل باله وحياته وفكره أشار كما لو كان يشير بما بقي من أعصابه ومشاعره: زين خلينا ذا كله!! وخلينا من الاهم.. عاجبش حالنا كذا؟؟ من اللي ممكن يعيش حياته كذا وبذا الطريقة؟؟ أنا غلطت في حقش أول عرسنا.. وأنا آسف وحقش على رأسي.. بس عقب.. أنتي مقتنعة فيني وراضية فيني كزوج؟؟ وإلا لأ.. سميرة شعرت أن كل هذا كثير عليها.. لم تعرف كيف تعبر سوى بدموع سفحتها بين كفيها.. حينها اقترب منها ليزيل كفيها عن وجهها.. ويشدها برقة ليحتضنها بين ذراعيه وهو يشعر برعب بالغ أنها ستتقبل حضنه لدقيقة ثم ستفر منه كالعادة.. حتى عندما استكانت في حضنه وهي تدفن وجهها في كتفه ودموعها تنهمر بشفافية كان مازال إحساسه بالرعب مستمر.. فما كانت تفعله به هو مايشبه ما يحدث الآن.. تستكين في حضنه لثوان ثم تقفز كما لو كان لسعها أفعى.. ولكن الاطمئنان والسكينة بدأ يتسربان لروحه شيئا وشيئا.. وهو يراها تشدد احتضانها لخصره.. وهي تدفن وجهها أكثر في صدره حتى بدأ يشعر بتبلل ثوبه من أثر دموعها.. كان مازال عاجزا عن التصديق أو منح نفسه الأمل لطيلة ماعانى الحرمان.. كان يريد أن يشدها أكثر حتى يخبئها بين أضلاعه.. ولكنه لم يرد إثارة رعبها منه أو فقدان خيط تواصله معها الذي مازال يشعر به رقيقا هشا.. ولكن الدقائق كانت تمر وتمر وهي تهدي روحه إحساسا خرافيا بالطمأنينة.. لأنها مازالت تستكين بين جنبيه.. لم تهرب.. لم تتحجج..!! حينها تجرأ أن يشدها إلى حناياه أكثر وأكثر رغم أنه مازال خائفا أن يجد كل هذا الإحساس المعجز يتهاوى في لحظة حين تهرب منه.. ولكن إحساس الخوف بدأ يتسرب من بينهما.. ويحل مكانه إحساس مختلف.. دافئ وعميق وحان.. ومكلل بالأمان وكثير من السكينة!! ************************************ " يعني عشان عارفة إن عمتش هنا.. لبستي اللي على الحبل كله.. وش ذا الكشخة كلها؟؟ وخر عنها.. هذا كله عشان أم غانم توصل لحضرة الكابتن!!" كانت جميلة تهمس بذلك في أذن مزون التي ردت عليها بإبتسامة مشابهة: والله ماحد لبس اللي على الحبل وفوق الحبل وتحت الحبل غيرش.. يعني ذا الكشخة كلها عشان قربتي تخلصين العدة.. وتبين تدورين عريس.. جميلة بإبتسامة: أي عريس حسرة!!! البنات الآنسات مالقوا عرسان.. عشان المطلقة اللي مثلي تلقى.. خلاص أنا خلصت من موال الزواج كله.. جربت نصيبي واكتفيت.. حينها همست مزون في أذن جميلة بغضب: لا تتكلمين عن نفسش كذا.. وش مطلقته؟؟ وش خرابيطه؟؟ حينها همست جميلة بجدية خافتة: مزون خلاص سكري ذا السالفة.. أنا مطلقة وما أبي أتزوج خلاص.. وش الشيء الغريب في الكلام اللي قلته؟؟ ثم أردفت بتنهيدة: خلاص مزون أنا طالعة أغير من حبسة البيت.. وماراح أطول عشان ما أتأخر على أمي.. فخلينا ما نقلب القعدة نكد.. ثم أردفت بابتسامة وهي تحاول نسيان الشد الحاصل وتنظر ناحية عالية: يا حليلها عالية.. كنت أنتظر شوفتها في الفستان.. ماني بمتخيلة شكلها فيه.. وسبحان الله ماصار.. بس والله إنها طالعة الليلة كيوت وتجنن وشكلها مبسوطة وهذا أهم شيء.. حينها ابتسمت مزون: أنا عاد كنت جاية مخصوص أبي أشوف شعاع.. أبي أشوف لو غيرت شيء في شكلها قبل العرس.. بس يا الله الظاهر مافيه نصيب أشوفها قبل العرس.. مازال الحوار الباسم الخافت يدور بين الاثنتين وجميلة تهمس وهي تنظر ناحية كاسرة: والله مافيه حد يدوخ في القعدة كثر مرت أخيش.. يأختي كساب لحد الحين معقد؟؟ مافككت كاسرة عقده؟؟ مزون ضحكت بخفوت: نفس الكلام قلته لخالتي أول ماخطب كاسرة.. قلت لو هذي مافككت عقد ولد أختش.. مستحيل إنها تفكك.. بس الظاهر عقد كساب من النوع الأصلي مافيه شيء يفككها!! **************************************** " تأخرت حبيبي!! وأنا قاعدة بكشختي أبيك لين تجي" كانت هذه هي عبارة عالية لعبدالرحمن وهي تتلقاه داخلا وتدفعه بكرسيه المتحرك للداخل.. همس بإبتسامة مثقلة بالولع: والله العظيم أني أبي أجي من بدري.. ميت أبي أشوفش بس وش أسوي.. أخوانش اللي أخروني.. الظاهر يبون يعاقبوني عشان خذتش من عندش.. حلفوا إلا أقعد ألعب معهم (بيلوت) عقب العشاء.. أنا وصالح كنا فريق.. وعبدالله وهزاع فريق.. أنا اللي خسرت صالح.. لأن بالي مهوب معي.. وكل شوي غصبا عني أتفكر في الساعة.. مارحموني من تعليقاتهم.. حينها همست بنبرة مهتمة وهي تتناول غترته عن رأسه: زين فهد ونايف وينهم؟؟ عبدالرحمن حينها شاب ابتسامته شيء من الضيق: الاثنين كانوا مادين بوزهم شبرين تقولين ميت لهم ميت.. وعقب العشاء سروا على طول..تقولين مهوب طايقين شوفتي.. ابتسمت عالية بحنو وهي تقترب بخجل لتفتح أزرار جيبه: ماعليك منهم.. أساسا فهد لازم يكمل سهرته عند منصور آل كساب وإلا ما يعتدل مزاجه.. ونايف لازم يوقع حضور وانصراف عند خالتي نورة وإلا بتسود عيشته!! ابتسم عبدالرحمن بشفافية: حبيبتي عاد جيبي أعرف أفتحه بروحي.. عالية بذات النبرة الحانية: دامني موجودة كل شيء يخصك أنا أبي أسويه.. بتمنعني يعني؟؟ عبدالرحمن بمرح: ومن اللي يقدر يمنعش؟؟ هذا اللي بايع روحه لا تسوين فيه مخططات بعيدة المدى.. عالية بخجل عذب: لا يصير قلبك أسود عاد.. عبدالرحمن حينها شد كفها بين كفيه واحتضنها بحنو بالغ: قلبي يصير أسود على الناس كلهم إلا عليش.. مايقدر !! ************************************ صباح اليوم التالي . . . نقرات ناعمة حانية كانت تلامس خده.. فتح عينيه ببطء.. ليرى شعاع الشمس يبرق بين خصلات شعرها الذهبية.. وجهها الندي الخالى من المساحيق يبدو محمرا بشفافية لشدة الصفاء.. ابتسم بشفافية غامرة كما لو كانت رؤيتها هذا الصباح أشبه بالبلسم الحاني للروح بينما كانت تشير له بابتسامة مرحة: قوم يا الكسلان.. صرنا قريب الظهر.. قوم أنا ميتة من الجوع.. مد أنامله ليمسح خدها وهو مازال مستلقيا ثم أشار بإبتسامة: زين عطيني شوي من العسل أول.. أشارت حينها سميرة بخجل رقيق وهي تشير لشعرها: لا تقول لي عسل ذي.. ما أحبها لسببين.. الأول إن العسل اللي عندي تايواني مهوب أصلي.. الثاني إن هذي كلمة صالح لأختي نجلاء.. دور لي كلمة حقي بروحي!! أشار لها حينها بمرح مشابه: زين مربى وقشطة وجبن وبيض وزيتون وحمص وفول.. وكل شيء يفطرون عليه الناس.. ثم أنهى إشارته بإن شدها لجواره وهو يحتضنها بحنو بالغ.. لا تنكر أنها تتمنى وهي في حضنه لو استطاعت أن تتكلم.. أن تهمس في أذنه من قرب.. ولكنها لكي تستطيع أن تخبره بشيء لابد أن تنهض من حضنه وتبتعد لمسافة كافية حتى تشير.. أي أنها يستحيل أن تجمع الإحساسين.. فهي لابد أن تكتفي بأحدهما..!! بدا لها هذا الأمر موجعا إلى حد كبير.. أن تتخلى عن الاستكانة في حضنه بينما هي لا تريد... ولكنها مجبرة على فعل ذلك حتى تخاطبه!! ولكنها يجب أن تتأقلم مع ذلك.. فوجودها لجواره يكفيها عن كل كلمات العالم الباردة!! ****************************************** " طالعين الحين للمطار؟؟ اقعدوا تغدوا.. الغدا جاهز!!" كساب يضع الحقيبتين اليدوتين الصغيرتين من يده ويميل ليقبل رأس مزنة ثم رأس والده وهو يهتف باحترام: مافيه وقت يمه.. طيارتنا الساعة ثنتين.. يا الله نوصل ونحط أغراضنا وتروح كاسرة الورشة.. خلفه كانت كاسرة تنزل وتتوجه لزايد أولا لتقبل رأسه ثم رأس والدتها وهي تسلم وتسأل باحترام عميق: توصون على شيء؟؟ زايد هتف بفخامته المعتادة: سلامتش يأبيش.. لا تطولون علينا.. كساب يحمل الحقيبتين وهو يهتف بحزم: بكرة الصبح حن هنا إن شاء الله.. حين غادرا هتف زايد لمزنة بإبتسامة: ليش قاعدة بعيد؟؟ تعالي اقعدي جنبي.. ابتسمت مزنة برقة: مزون صارت على وصول.. رايحة تشوف آخر ترتيبات عرس علي.. مايصير تجي تلاقيني لاصقة فيك!! حينها اتسعت ابتسامة زايد وهو يتساءل: ليش قدام مزون أحسش تصيرين معي رسمية ومستحيل تقربين مني.. مزنة ابتسمت برقة: لأنه البنت بالذات تكون حساسة.. ولا تنسى إنك ذا السنين كلها كنت لها بروحها.. فلازم إنها بتحس بالضيق مني حتى لو ما بينت أو حتى لو كانت ماتبي تحس ذا الإحساس.. بس البنات بطبعهم حساسات واجد.. وأنا ما ابي أضايقها أو أزيدها عليها.. حينها همس زايد بعمق خافت: زين تعالي اقعدي جنبي ولا تلصقين فيني.. من قال إني باستحمل لاحسيتش قريب مني.. بس باقول لش سالفة.. مزنة رغما عنها تفجر خجل رقيق في روحها وهي تقوم لتجلس جواره مع ترك مسافة متباعدة فاصلة بينهما.. ابتسم زايد: مهوب كن المسافة كبيرة شوي..؟؟ همست مزنة برقة باسمة: لا.. زينة.. حينها همس زايد بخفوت بنبرة عميقة متجذرة دافئة: مزنة.. ماعمرش سألتي نفسش ليه سميت بنتي مزون..؟؟ مزنة أجابت بتلقائية: لا........ ثم بترت عبارتها برعب جازع.. اخترم روحها كسهم حقيقي بعثر مشاعرها بصدمة موجعة.. همست حينها باختناق فعلي.. بنبرة لأول مرة يسمعها منها: مرتك كانت تدري؟؟ زايد بجزع: لا طبعا ما كانت تدري.. ماني بمعدوم المشاعر لذا الدرجة.. ثم أردف بدفء: بس عشان تدرين أشلون اسم مزنة لزق في روحي وماقدرت أشيله.. حينها تزايد اختناق نبرتها رغما عنها: لا.. زايد.. حرام عليك.. لا تسوي فيني كذا.. والله العظيم حرام عليك!! لم تستطع حتى أن تكمل عبارتها وهي تقف متوجهة لجناحها كالملسوعة.. حاول زايد إيقافها ولكنها كانت قد ابتعدت عن مدى يده.. هي مشاعرها كانت مبعثرة تماما.. الخبر بعثر مشاعرها تماما.. لم تستطع أن تكون أنانية.. وهي تضع نفسها مكان وسمية.. تتخيل زوجها يسمي ابنتها باسم امرأة يحبها!! ولكنه طمأنها أنها لم تكن تعلم.. لذلك مابقي في روحها هو إحساس أكثر ضخامة وسموا ووجعا... موجع لابعد حد.. أيكون يحبها لدرجة أن يسمي ابنته باسمها.. بينما هي كانت عاجزة حتى عن مجرد الإحساس به وهي تقذفه بالشتائم الطفولية كلما رأته؟؟؟ كانت تقف في غرفتها وهي تستند بكلتا كفيها لظهر المقعد الذي تمسك به بقوة وترتعش.. ترتعش فعلا كمصابة بالحمى!! شعرت أنها عاجزة عن التنفس لذا انتزعت برقعها وجلالها بحركة واحدة وكأنها تريد لها مساحة للتنفس.. تشعر أن الدنيا تدور بها وتدور وتدور.. فالخبر كان صادما لها لأبعد حد.. صادما بشفافيته ورقته وعذوبته وتجذره وعمقه.. عاجزة حتى عن مجرد وصف صدمتها وهي تشعر أن إحساسها بالدوار يتزايد وكأنها تنفصل عن هذا العالم.. لذا حين شعرت بكفيه على خصرها من الخلف وهو يهمس لها بقلق "مزنة اشفيش؟؟ زعلتي؟؟" شعرت أن قواها تخور.. وهي تكاد تسقط بين ذراعيه.. أسندها وهو يشدها ليجلسها على الأريكة ثم يجلس جوارها ويهمس بقلق اعمق: مزنة أشفيش؟؟ لم تجبه بشيء بل احتضنت خصره وهي تقبل صدره مكان شفتيها حيث اختبأ راسها في طيات ضلوعه.. شدها إلى حضنه بيد ويده الآخرى تمسح على شعرها.. وهو لا يعلم هل كان محقا في إخبارها بخبر صدم مشاعرها هكذا..!! واثق تماما أنها لن تخبر أحدا.. ولكن هل من حقه أن يعلقها فيه بهذه الطريقة بينما مشاعره هي ملك للماضي وحده؟؟ ****************************************** " كساب وش ذا التصرف الهمجي؟؟ تسحبني من الورشة بدون ما أكملها حتى!!" كانت هذه هي عبارة كاسرة الغاضبة التي قالتها لكساب بعد أن شدت كفها منه..فور دخولهما لجناحهما وهو يسحبها في ممرات الفندق.. كساب ببرود ملتهب: أنا ما سحبتش منها.. أنا ماخليتش ترجعين عقب ماصلينا صلاة العشاء.. وش اللي بقى نص ساعة.. خلاص انتهينا من ذا الورشة.. كاسرة بغضب: زين وش السبب؟؟ وش بيضرك لو خليتني أكمل ذا النص ساعة؟؟ كساب بذات النبرة الباردة الملتهبة: ماني بمرتاح لذا الورشة المختلطة.. كاسرة تشد لها نفسا عميقا حتى لا تنفجر فيه: شوفت عينك.. النسوان كانوا في ناحية والرجال في ناحية وأنا ما فتحت ثمي بكلمة.. وحضرتك قاعد معي كنك بودي جارد.. كاسرة قالت ذلك وهي تشد نقابها لتخلعه حتى لا يظهر غيظها وغيرتها المتزايدة رغما عنها.. وهي تتذكر معاناتها واحتراقها من نظرات النساء له... حينها اقترب منها وهو يهمس بغضب: وليش حاطة كحل؟؟ كاسرة شدت نفسا أعمق (الصبر من عندك يارب!!) وهي تهمس ببرود متحكم: أنا حاطة كحل؟؟ أنا لا حاطة كحل ولا ماسكرا ولا حتى فاونديشن ولا أي شيء حتى.. دامك منت بمقتنع بجيتي للورشة ليش تجيبني أساسا.. عشان تحرق أعصابي وبس.. حينها همس بذات النبرة الغاضبة: أنا اللي حرقت أعصابش.. وإلا أنا الي حاس كل اللي في الورشة عيونهم عليش.. كاسرة حينها همست بغضب: لا.. شكلك استخفيت.. أنا.. أنا ؟!! أنا ولا حتى حد طالع ناحيتي.. وش يطالعون؟؟ سواد مهوب باين منه شيء؟؟ وليش أنا ما أقول إن اللي صار صدق إن عيون النسوان اللي في القاعة كانت بتطلع على البودي جارد اللي معي بدون احترام لي كني طوفة.. كساب أنت وش فيك الليلة؟؟ تبي لك سبب تهاد عشانه وخلاص..؟؟ حينها فوجئت به يشدها من معصمها.. وهو يثبت كفيها بقوة على صدره ويهمس بحزم غريب مثقل بالشجن: إيه أبي أهاد لأنش وحدة ما تفهمين.. وإذا ماطلعتيني من طوري ما ترتاحين!! ثم شدها أكثر وهو يفلت كفيها ليطوقها بذراعيه وهو يهمس في أذنها بدفء عميق مخلتلط بنبرته الحازمة: أنا أبي أدري أنتي اللي يجري في عروقش دم مثل باقي البشر.. وإلا ماي.. دامش الإحساس ملغي من قاموسش.. لين متى وأنتي تعامليني كذا ؟؟.. كني ماني بموجود.. ليست غبية لتفهم ما الذي يريده وأنامله تشد شعرها بحنو وقبلاته تعبر محيط وجهها بشغف.. وبقدر ماقد يثيره هذا فيها من سعادة كأنثى.. يثير أضعافا مضاعفة من الحزن كأنسانة.. لأن كساب عاجز عن رؤية ماهو خارج حدود الجسد.. كان بودها أن تدفعه عنها.. لماذا يغضبها ويلف ويدور إن كان هناك ما يريده منذ البداية لماذا لم يصارحها؟؟ لماذا لا يعرف أن يكون صريحا فأي حال من الأحوال؟؟ همست باختناق توتر مشاعرها وارتباكها من قربه الموجع: كساب أنا ما منعتك من حقوقك.. عشان تلف وتدور ذا كله.. همس في داخل أذنها تماما بنبرة موجعة لقلبها بطريقة تستعصي على الوصف: أدري ما منعتيني من حقي السخيف.. بس أنا أبي شيء ثاني عجزتي تفهمينه!! لماذا كل منهما عاجز عن إيصال جنون مشاعره التي تجاوزت الحد إلى الآخر؟؟ لماذا كل هذا التعقيد والضبابية بينهما لدرجة الاختناق؟؟ كيف يكون قلبها غارقا في الألم هكذا بينما هو يحاول إيصال عمق مشاعره لها؟؟ كيف.. كيف .. ولماذا.. ولماذا؟؟ عشرات من علامات الاستفهام والأسئلة تعبر المحيط والاجواء لأقصى درجات الأختناق وهي تصنع شبكة معقدة من المشاعر والأحاسيس والأوجاع!! *************************************** بعد ثلاثة أيام . . . " جوزا تكفين مانمت من البارحة.. وتوني راجعة من الجامعة مابعد حطيت عباتي حتى تقولين لي الصالون.. خليه العصر" جوزاء تنظر بشفقة حقيقية لشعاع التي تبدو منتهية تماما من التعب ومع ذلك شدتها بإصرار: الحين نروح للصالون.. عشان تخلصين شغلش كله.. العصر بتجيش الحناية.. يا الله اللون يبين ويغمق على بكرة!! شعاع تكاد تبكي: تعبانة جوزا حرام عليش!! جوزاء بإصرار: مافيه.. إذا صليتي العشاء ارقدي لين بكرة ولا صليتي الصبح ارقدي لين الظهر.. بتشبعين رقاد وزود.. . . . " يبه فديتك روح للبيت" زايد يبتسم بحنو: مثل ما شاركتني آخر ليلة في العزوبية.. لازم أشاركك.. حزن عميق يخترم روح هذا الشاب هذه الليلة.. غدا سيحكم على روحه بأسر جديد.. ألا يكفي إحساسه بالذنب لمشاعره لحبيبته المجهولة حتى يتزايد إحساسه حين يرى زوجته التي لا ذنب لها أمامه.. والمشكلة أنه عاجز حتى عن مجرد فكرة تقبل هذه الزوجة.. كيف يتقبلها وكل ذرة في كيانه هي لامرأة أخرى؟؟ حاول أن يهمس بابتسامة: بس ليلتك كانت غير يبه.. أنت كنت تنتظر حلمك سنين.. بس أنا الله يعين ما أدري أشلون بيكون إحساسي حتى.. خايف أجرح بنت الناس وأنا ما أقصد.. زايد ربت على فخذه وهو يهمس بحزم: ما ينخاف عليك يا أبيك.. بس الحين فيه سالفة مهمة أبي أقولها لك يا أبيك!! . . . #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والسبعون " يبه فديتك روح للبيت" زايد يبتسم بحنو: مثل ما شاركتني آخر ليلة في العزوبية.. لازم أشاركك.. حزن عميق يخترم روح هذا الشاب هذه الليلة.. غدا سيحكم على روحه بأسر جديد.. ألا يكفي إحساسه بالذنب لمشاعره لحبيبته المجهولة حتى يتزايد إحساسه حين يرى زوجته التي لا ذنب لها أمامه.. والمشكلة أنه عاجز حتى عن مجرد فكرة تقبل هذه الزوجة.. كيف يتقبلها وكل ذرة في كيانه هي لامرأة أخرى؟؟ حاول أن يهمس بابتسامة: بس ليلتك كانت غير يبه.. أنت كنت تنتظر حلمك سنين.. بس أنا الله يعين ما أدري أشلون بيكون إحساسي حتى.. خايف أجرح بنت الناس وأنا ما أقصد.. زايد ربت على فخذه وهو يهمس بحزم: ما ينخاف عليك يا أبيك.. بس الحين فيه سالفة مهمة أبي أقولها لك يا أبيك!! بدأ زايد يخبر عليا بما قاله له الطبيب الغاضب حين أعطاه زايد بطاقة حضور حفل زفاف علي قبل يومين.. بينما كان وجه علي يحتقن شيئا فشيئا.. وحينما انتهى زايد من الحديث.. انفجر علي بغضب وهو يقفز واقفا: أنا وجهي في وجه الدكتور كل يوم.. ليش كلام مثل هذا يقوله لك وما يقوله لي.. كلام مثل هذا خاص فيني بروحي!! زايد بعتب: علي يأبيك وش أنا وش أنت؟؟ الدكتور ارتاع يوم عزمته على عرسك وقال لي وضعك الصحي ما يسمح لك وإن هذا كان استعجال منا.. وكان يبي يتكلم معك بس أنا قلت له خلاص بأقول لك.. علي ألقى بنفسه جالسا على المقعد مرة أخرى.. لشدة الهم الملقى على كاهله.. هل يوجد امتهان للمشاعر والأدمية أكثر من هذا..؟؟ تفاصيله الحميمة والخاصة يتناقشون بها كعارض طبي..؟؟ امرأة لا يريد حتى مجرد النظر لوجهها.. ولكنها تبقى زوجته.. وعلاقته بها خاصة بهما وحدهما.. فكيف تقبل على رجولتك أن يأتيك طرف ثالث مهما كان قربه من روحك ويقول لك لا تقترب من زوجتك حتى تتحسن صحتك لأن وضعك الصحي المتردي داخليا لن يحتمل!! أي امتهان ومساس بالكرامة هذا!! وكل هذا بسببها.. بسببها هي!! هــي !! تلك الغائبة الآسرة !! ليس غبيا ليدرك رغم تماسكه الظاهري أن قلبه وكبده خصوصا يعانيان من ضعف شديد لذا كان إصرار والده على السفر!! يعتبر أن هذا كله ليس أكثر من ابتلاء من رب العالمين له.. ويؤمن أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه.. ولكن هناك طرف ثالث لا ذنب له فعلا.. زوجته لا ذنب لها لتعاني معه من جنونه ويأسه وعشقه.. ربما كان يحاول أن يجاري الجميع في قضية زواجه.. وهو يحاول أن يضع والده كمثال له.. فوالده كان رجلا عاشقا ولكنه استطاع الزواج أخرى وعاش سعيدا معها.. فألا يستطيع أن يكون مثل والده؟؟ ألا يستطيع؟؟ لا.. لا يستطيع.. هذا ماهو يشعر به.. فكل يوم يمر.. يشعر أن سيطرة تلك الغائبة المجهولة تزداد على روحه.. ماعاد حتى يستطيع إزاحتها من ذاكرته ولا لثانية واحدة.. أصبحت حياته كما لو كانت تعيش على اجترار ذكراها الوحيدة الأسطورية.. ملمسها.. ملامحها.. رائحتها.. صوتها.. شذى روحها.. كل ذلك حُفر في روحه بمنجل غائر حتى أقصى وأعمق مسافة.. تتعاظم في روحه أحاسيس العشق.. والغيرة والقهر.. واليأس والندم .. العشق لكل مافيها..لكل تفصيل صغير من تفاصيلها المحفورة في قلبه وعقله.. والغيرة لأنها لسواه.. الغيرة تنهش روحه بطريقة دموية تقتله شيئا فشيئا.. في أكثر الليالي يقفز من نومه جزعا لأنه يتخيل يد رجل مجهول تمتد إلى حسنها لينهل منه.. فيشعر حينها أن القهر يتزايد في روحه ويتزايد وهو عاجز عن التصرف بأي شيء!! واليأس لأنه يعلم أنها لم ولن تكون له يوما.. فهذا العشق لا أمل له يوما بالقرب الذي هو دواء العاشق.. والندم لأنه يعلم أنه تعدى على حرمات غيره والذنب ينهش روحه خوفا وجزعا من العقاب رغم كثرة استغفاره وإبداءه الندم.. وما يؤلمه أكثر من أي شيء.. أنه رغم كثرة استغفاره فهو لا يستطيع نزعها من كيانه.. بل كل دقيقة تمر يزيد انغراسها في روحه!! فهل يكون الله عز وجل غاضبا عليه فعلا ويريد معاقبته بها؟؟ ************************************* " جننوني وضحى وسميرة يبون يجون ويصحونها أقول لهم تجون حياكم الله.. بس تصحونها لا يقولون حن جايين نبي نسهر معها.. أقول لهم هذي منتهية تعب.. مهوب راضين يفهمون" كانت هذه جملة جوزاء المرحة لعالية وهي مشغولة بترتيب أغراض شعاع وتكمل باهتمام: تروحين معي بكرة الصبح الأوتيل نرتب جناح العرسان ونودي أغراض شعاع.. مزون بعد بتجي تجيب أغراض أخيها!! عالية بحماس رقيق: نروح ليش لأ.. حلوة أجواء حوسة العرس وإن الواحد يكون عنده عروس في البيت ويدبك لها ومشغول معها.. أنا أخواني كلهم شباب ماجربت ذا الحوسة.. حتى أنا حنيتوني غصبا عني.. مع إني ما أحب الحنا.. حينها لم تستطع جوزاء إخفاء تأثرها: كان المفروض إن حن اللي رتبنا لش وانشغلنا معش وحسسناش بأجواء العرس.. مهما كانت عالية تدعي أن هذه شكليات لا تهمها.. فهي مهما كان شابة كانت تنتظر هذه الليلة وترسم لها مخططات طويلة من التجهيز والاستعداد.. وخصوصا وهي ترى هذه الاستعدادات أمام عينيها بينما هي حُرمت منها ومع ذلك همست لجوزاء بمرح مصطنع: يا بنت الحلال الله رحمني.. يدري إني مالي بال على ذا كله.. جوزاء حينها كانت تعبث بهاتفها كما لو كانت ترسل رسالة ما وهي تهمس لعالية بمودة صافية: الله يعطيش على قد نيتش.. ويسخر عبدالرحمن لش.. قولي آمين.. ابتسمت عالية: والله يرزقش أنتي وعبدالله بولد وإلا بنوتة وأنتي بصحة وسلامة على قد ما تعبتي مع شعاع وهلكتي نفسش.. ********************************** " كاسرة أشفيش تونين؟؟" كاسرة تعتدل بصعوبة وهي تلتفت لكساب الذي تمدد جوارها للتو وتهمس بألم: ظهري ذابحني.. اليوم كنت أساعد مزون في ترتيب أغراض علي.. وشلت شنظة ثقيلة وحسيت إنه فيه شيء في ظهري انعقد.. كساب حينها هتف بغضب حقيقي: ليه من قلة الخدامات في البيت عشان تشيلين الشنطة بروحش..؟؟ كان دعيتوتهم وخليتهم يتساعدون على الأغراض.. والشنطة اللي شلتيها بروحش كان شالوها ثنتين منهم.. كاسرة بضيق نابع من ألمها: كساب واللي يخليك.. اللي فيني مكفيني.. بكرة عرس أخيك وبنت عمتي ومن الصبح بأكون مشغولة.. ما أدري حتى متى بألحق أروح المستشفى.. كساب شد له نفسا عميقا حتى لا ينفجر فيها وهو يهتف لها بأمر: وين ظهرش يوجعش.. خلني أحاول فيه.. كاسرة بجزع: لا كساب تكفى.. تبي تقرطبه.. تقوم وتكسره.. كساب بأمر أكثر حزما: والله ما أقرطبه.. بس وريني ( يقرطب= يطرقع فقرات الظهر أو الأصابع بصوت مسموع) كاسرة أشارت له أين الألم حتى تسكته وهي تهمس له برجاء مخلوط بحزمها: كساب يا ويلك توجعني.. كساب تحسس ظهرها بدقة حيث أشارت حتى وصل إلى مكان معين ثم همس بإبتسامة: هذي هي.. ضغط المنطقة المعقودة ضغطة بسيطة جدا فانحلت.. كاسرة شهقت وهي تعتدل وتهمس بدهشة: وش سويت؟؟ ظهري كأنه ما كان فيه أي شيء!! ابتسم وهو يجيبها ببساطة: فكيت العضلة اللي انعقدت يوم شلتي الشنطة.. كاسرة بدهشة أشد: ووين تعلمت ذا الشيء بعد؟؟ كاسرة كان بودها أنها لم تسأل.. لأنها تعلم أنه لا جواب لسؤالها.. لذا تفاجأت أنه أجابها ببساطة غريبة: تعلمتها من ربع السجن الله لا يذكرهم بالخير ولا يرد أيامهم.. كانت ظهورنا تتعقد من النومة على البلاط.. فالصبح إذا طلعنا للساحة.. فيه واحد تايلندي كان سكنيّ.. علمني أشلون أفكها.. وأنا أشوف وش يسوي للمساجين.. كاسرة مازالت غير مستوعبة لما قاله.. فهي لم تعلم أنه قد سُجن إلا في حادثة قتل العامل قبل زواجهما وحتى تلك الحادثة لم يدخل السجن حتى.. مع ذلك أجابته باستنكار: كذاب.. السجن عندنا مايخلونهم ينامون على البلاط.. ينامون على سراير .. اجابها بذات البساطة الغريبة: ومن قال لش انسجنت هنا.. انسجنت هناك في أمريكا.. مازالت عاجزة عن الاستيعاب: متى؟؟ متى؟؟ أجابها بذات النبرة الواثقة البسيطة: بعد تخرجي من الماجستير على طول.. كاسرة حينها كما لو كانت ضُربت على رأسها وهي تهمس بصدمة حقيقية: الخمس شهور اللي قلت إنك كنت فيها في رحلة تخييم فوق الجبال؟؟ أجابها بشبح ابتسامة: شاطرة!! لا يعلم لماذا أخبرها بشيء لا يعلمه أحد.. ربما أراد أن يوصل لها رسالة.. لا يعلم هل وصلتها ام لا.. ولكنها لم تكتفِ بما قاله.. لأول مرة تشعر به يشاركها هكذا سر لا يعرف به احد.. شعور غريب كان يجتاح كيانها وهي تسأله بإصرار: زين ليش انسجنت؟؟ وش سويت؟؟ أجابة حينها بحزم: ماسويت شيء أبد.. سألته بذات الإصرار: يعني انسجنت ظلم..؟؟ أجابها بذات الحزم: ولا انسجنت ظلم.. كاسرة تشعر بالتشوش: دامك ماسويت شي.. ولا انسجنت ظلم.. فليش دخلت السجن؟؟ أجابها حينها بحزم أشد: السبب مالش دخل فيه.. يكفيش إني قلت لش شيء ماحد يدري فيه ابد.. أجابته بغضب: لا.. لي دخل.. لا تقول لي نص السالفة وتسكت على نصها.. ما كان قلتها من أساسها.. حينها أجابها بتلاعب خبيث حتى يلهيها عن السؤال: يعني ذا اللفة كلها عشان ما تعطين الدكتور اللي عالج ظهرش أتعابه..؟؟ كاسرة قفزت وهي تهمس بغضب حقيقي: كساب لا تسخف الموضوع.. ليش يوم تقربني منك وتقول لي شيء... ترجع تبعدني في نفس اللحظة.. هذي مهيب حياة.. حرام عليك.. معيشني في فيلم غامض ما أعرف شيء عنه!! حينها وقف ليجابهها واقفا وهو يهتف بحزم غاضب: وليش ما تقولين إنش ما تشوفين أبعد من خشمش.. وتفكيرش محدود.. وتموتين في النكد؟؟ كاسرة تناولت روبها الموضوع على طرف السرير وهي تهمس بحزمها الغاضب: القعدة معك تقصر العمر.. بأروح أرقد في الصالة أحسن لي.. ولكنه شدها ليثبتها في مكانها.. غاضب بالفعل.. رغم خطورة ماقاله لها ومع ذلك لم تكتفِ.. لم تنظر لما قاله لها وأهميته.. بل نظرت إلى مالم يقوله.. "يا الله.. متى ستفهمه هذه المخلوقة الغبية؟؟ " لذا هتف بغضبه المتفجر: أنا أبي أعرف النكد يمشي في عروقش بدل الدم...؟؟ منتي برايحة مكان وبترقدين جنبي وفي حضني.. برضاش وإلا غصبا عنش.. ****************************************** " هلا حبيبي مهوب كنك تأخرت شوي!!" عبدالرحمن يحرك مقعده للداخل وهو يبتسم: بلى تأخرت بس كان عندي مشوار ضروري.. عالية بفضول: مشوار شنو؟؟ عبدالرحمن بمودة صافية: أخذي الكيس المعلق في مقبض الكرسي وتدرين.. عبدالرحمن منذ جاءت عالية لبيته وإحساسه بالذنب الرقيق يتزايد.. لا يستطيع أن يتناسى مطلقا أنه بأنانيته حرمها من حقها بالفرح كعروس.. وخصوصا وهو يرى الأيام الماضية كيف يقف البيت على قدم واحدة استعدادا لزواج شعاع.. أ لم تكن عالية تستحق استعدادا كهذا وهي وحيدة والديها المدللة؟؟!! وماكان ينقصه لاكتمال احساسه بالذنب هو رسالة جوزا الليلة وهي توصيه أن يحاول التخفيف عن عالية لأنها حتى لو أخفت تأثرها.. فهي متأثرة وبشدة!! يعلم أن الهدية مهما كانت ثمينة لن تكون تعويضا لها.. فالهدية أمر مستحق لها ولن تعوض النقص الذي حصل.. ولكن ماذا يفعل؟؟ ليس بيده شيء آخر!! عالية ابتسمت بشقاوة وهي تستخرج العلبة المغلفة: هذي لي؟؟ ابتسم عبدالرحمن بحنان: لا حق حبيب قلبش اللي في جنوب أفريقيا.. افتحيها وشوفي لو ذوقي بيعجبه.. عالية شدت مقعد عبدالرحمن حتى قربته من من مقعدها ثم جلست وهي تفض غلاف الهدية حين فتحتها.. همست بتأثر: تجنن ياقلبي.. بس واجد كلفت على نفسك.. شكلها أغلى حتى شبكتي بواجد.. ابتسم بذات الحنان: شبكتش مابعدني أعرفش.. بس الحين كل ماشفت شيء في المحل قلت والله مهوب قدرها عندي.. ولو علي كان جبت لش المحل كله.. بس هذا اللي قدرت عليه الميزانية.. عشان تلبسينه بكرة في عرس شعاع.. عالية وضعت الطقم الماسي الثمين جانبا ثم وقفت لتقبل رأسه بتأثر وهي تهمس بذات التاثر: الله يكبر قدرك ولا يحرمني منك.. قول آمين.. عبدالرحمن شدها ليجلسها على قدميه وهو يطوق خصرها ويهمس بولع حقيقي مغلف بندم شفاف: خليني أمشي والله يمن علي.. والله لأعوضش عن اللي سويته فيش وأنا أجيبش هنا بدون عرس .. عالية حينها طوقت عنقه ودفنت وجهه تحت أذنه وهي تهمس بدفء: عبدالرحمن الله يهداك اشفيك واجد متحسس من ذا الموضوع.. ماراح أكذب وأقول أني ما تمنيت عرس مثل باقي البنات.. بس والله العظيم وهذا أنا حلفت.. لو خيروني بينك وبين ألف عرس.. إنك كفتك اللي ترجح بدون مقارنة.. *************************************** " عبدالله حبيبي تعبانة.. أبي أنام!!" عبدالله بخفوت دافئ: بس كلميني عشر دقايق ياقلبي.. أشلون يجيني نوم وأنا حتى ماسمعت صوتش.. مهوب كفاية إنش من البارحة بايتة عند هلش ومخليتني.. حينها ابتسمت بشغف رغم إحساسها بالنعاس وهي تعدل المخدة تحت رأسها: يا النصاب أنت ما تنسى حركات النصب لو مهما صار.. عبدالله ابتسم: إيه.. على قولت أخواننا المصريين.. اللي إيدو في المية مش زي اللي أيدو في النار.. وش عليش نايمة عند هلش ومبسوطة وأنا قاعد بريحاتي أعد الوردات اللي في جبس السقف.. جوزاء ضحكت برقة: صدق نصاب.. عبدالله بولع: دام أبو حسن سمع ضحكتش.. تراه راح في خرايطها .. وماعاده بممسي الليلة.. جوزاء بولع أعمق: جعل أم حسن ماتذوق حزن أبو حسن وعمره طويل لها ولعياله.. عبدالله برجاء رجولي دافئ: زين وشرايش أمرش الصبح نطلع نتقهوى سوا؟؟ جوزاء برفض مرهق: لا ياقلبي والله ماعندي وقت.. عبدالله بتأفف: حرام عليش يالظالمة يومين ما شفتش.. جوزاء برقة: خلاص بكرة في الليل راجعة لا تسوي فيها ذايب وأنت من جنبها.. عبدالله يضحك: أنا من جنبها.. زين.. بكرة أول مايزفون المعرس ترا بأجي أخذش.. خلاص لا زفوا أختش مالش في العرس عازة.. ********************************************* " أم زايد الله يهداش.. حولتيني اقعدي" ضحكت عفراء برقة: حبيبي أنا كذا لاصار وراي شيء مهم ما أقدر أقعد.. وهذا مهوب أي شيء.. هذا عرس علي فديت قلبه.. منصور يتمدد بشكل جانبي وهو يستند على كفه ويقبل زايد الصغير اللذي مدده جواره على السرير وهو يهتف بفخامة حميمة: زين أنا وش ذنبي؟؟ اقعدي خليني أشبع من شوفة وجهش شوي.. أنا شكلي أتبرا من عيال أخي كلهم أحسن.. شايلة همهم من قلب.. عفراء تجلس خلفه وهي تهمس برقة: يمه منك.. هذا أنا جيت.. ما يوكل عشاك لا تخاف على روحك.. منصور حينها وضع عاد للوراء وهو يتمدد على ظهره ويضع رأسه على فخذها ويبتسم: يخسى اللي يأكل عشاي.. مابعد جابته أمه ( ما يوكل عشاه= كناية عن الرجل الذي لا يُداس له على طرف) والحين أنتي رايحة جاية وعرس علي بكرة ليش؟؟ عفراء تمسح على شعره وتهمس برقة: ما أدري.. مشتطة ياقلب خالته.. يا سبحان الله كنت دايم أقول من اللي تستاهل علي وكفو له.. وياسبحان الله الطيبون للطيبات.. مرته مهما أقول رقيقة وطيبة ما أوفي.. منصور يبتسم: فلت مني الهيس.. لو أنه ماخذ بنت فاضل وإلا كان خليته يأخذ جميلة.. عفراء باستنكار: لا حرام عليك.. أنا أصلا ما أرضاها لعلي.. حتى لو كنت أشوف إنه مافيه أحسن منه لبنتي!! بس جميلة آجعته واجد يوم رفضته.. نروح نغصبه عليها.. حينها أجاب منصور بغموض خيرة من الله: جميلة كلها كم يوم وتخلص عدتها وربي يرسل لها اللي أحسن منه.. عفراء بضيق: ياربي يامنصور أنت ليش مصمم على ذا الموضوع.. قلت لك ما أبي بنتي تعرس.. حينها هتف منصور بغضب: إلا بتعرس وتعرس.. وإلا تبينها تقعد على أطلال اللي باعها برخيص.. تدرين إن الشيخ عرسه كان قبل كم يوم.. اقعدي ابكي عليه.. وخلي جميلة تبكي معش.. عفراء بصدمة: عرسه قبل كم يوم؟؟ ثم أردفت بعصبية: خلاص الله يوفقه.. رجال وتملك وما عقب الملكة إلا العرس بس هذا ما يغير من أنه بنتي ما تبي العرس وتبي تكمل دراستها وبس.. منصور اعتدل جالسا وهو يهتف بحزم: وأنا أقول إنها بتعرس.. لأن الرجّال اللي ابيه لها وش يدريني يقعد ينتظر.. ماعاده بصغير في السن.... وأنا مستحيل أخليه يضيع من يد بنتي!! **************************************** " أي واحد أحلى؟؟ هذا وإلا هذا؟؟ " تميم يشير لسميرة بإبتسامة مرهقة: حرام عليش حبيبتي دوختني.. أنتي أساسا موب مسوية لعرس شعاع فستان ليه ما تلبسينه وخلاص.. سميرة بتأفف: يعني هذا كله عاجز تعبر لي عن رأيك.. ابتسم تميم: ماصار رأي.. صار قضية الشرق الأوسط.. ابتسمت سميرة وهي تعيد الفستانين لداخل الدولاب.. مازالت تعترف أنها حتى بعد تواصلها الحميم مع تميم مازالت تعاني أنها لابد أن تفرغ يديها الأثنتين حتى تستطيع أن تشير.. كأبسط موقف.. الذي حدث قبل قليل.. لا تستطيع أن تحمل الفساتين بيديها وتسأله أيهما أفضل.. بل لابد أن تعلقها أولا حتى تستطيع أن تتحاور معه.. ومغ ذلك هاهي تحاول جاهدة ألا تجعل ذلك عقبة بينهما.. لذلك وحتى تعاقب نفسها على مجرد التفكير بهكذا تفكير.. أخرجت كل فساتينها وهي تعرضها أمام تميم.. حتى تعتاد أنها لابد أن تفرغ يديها كلما تحاورت معه.. وأن تراه أمرا تلقائيا لا يدعو للضيق.. ولكن مع شخصية كثيرة الكلام كما هي ترى نفسها.. يبدو الأمر أصعب بكثير..!! وسيحتاج لكثير من الجهد منها!! ************************************ " يعني ما أشوفش استئذنتيني تروحين للعرس لا تكونين ناوية تروحين بدون استئذان!!" نجلاء تبتسم بإرهاق وهي تعدل المخدة وراء ظهرها: إلا أفكر ما أروح من أساسه.. تعبانة واجد حبيبي.. صالح بعتب: مايصير يا قلبي هذولا جماعتنا عدا إنه بيننا وبينهم نسب.. العروس أخت مرت عبدالله ورجّال عالية.. نجلاء بذات النبرة المرهقة: أدري حبيبي بس الليلة من كثر ما أنا تعبانة حاسة مالي خلق شيء.. يمكن بكرة نفسيتي أحسن.. تلاقيني متزكرته ومرتزة وأقول لك ودني.. صالح بقلق: يا بنت الحلال توش على التعب.. توش في السابع.. نجلاء بابتسامتها المرهقة: ثقيلة يا قلبي ذا الحمل.. مع إني أوله ما حسيت فيه.. ابتسم صالح: بنتي ما تجي بالساهل.. بنتي كايدة !! نجلاء تضحك: وأنت ليش ملزم إنها بنت ...؟؟ صالح يضحك: أنا أدري إنه من النذالة اللي فيش ماتبين تسألين الدكتورة عشان تحرقين أعصابي... بس أنا حاسس إنها بنت.. ميت أبي بنت... حتى خوات ما كان عندي إلا عالية.. لا ولابسة ثوب ولد على طول وهي صغيرة.. خاطري أشوف شعور مربطة وفساتين وألوان وردية!! جفاف وتقشف عندنا في ذا العايلة.. عساكر وجباوة !! لاعت كبدي! نجلاء بخبث: ولو جبت ولد.. صالح يهز كتفيه بمرح: عادي نعطيه عبدالله ونأخذ بنتهم اللي بيجيبونها.. نجلاء تضحك برقة: وأنت وشدراك إن عبدالله بيجي ليه بنت؟؟ صالح بإبتسامة: تحلمت إنه بيجيب بنت وكم مرة.. نجلاء تبتسم: زين فالح تحلم لعبدالله.. وماحلمت لروحك.. صالح يمد كفه ليمسح على بطنها بحنو ويهتف بإبتسامة: من كثر شفقتي على بنتي ما قدرت أحلم فيها!! *********************************** اليوم التالي . . . " وش فيش يأبيش قاعدة ذا الحزة؟؟" شعاع التي كانت تجلس في الصالة وهي تجلس على الأريكة وتضم ساقيها لصدرها.. انتفضت بخفة وهو تلتفت لوالدها.. لا تعلم كيف قفزت العبرات لتزدحم في حنجرتها وهي تراه أمامها وماء الوضوء مازال يتقاطر من لحيته.. همست باختناق خجول: راقدة البارحة بدري وشبعت رقاد.. وتوني قمت وقلت بأنتظر آذان الفجر.. أنت اللي أشفيك نازل قبل الآذان حتى؟؟ أبو عبدالرحمن حينها همس بحزم مخلوط بالحنان وهو يجلس جوارها: أنا ماجاني رقاد.. البيت يأبيش عقبش بيغدي عقبش كن مافيه حد بسلامة هله.. حينها استدارت شعاع لتدفن وجهها في كفه وعبراتها المكتومة تسيل مع شهقاتها الخافتة.. أبو عبدالرحمن احتضنها بحنو وهو يهمس بذات النبرة الحانية الحازمة: يا أبيش لا تهتمين من شيء.. رجالش رجّال فيه خير.. الله الله فيه.. تراه تعبان واجد!! شعاع لم تستطع أن تجبه بشيء وهي تشدد احتضانها لخصره.. وشهقاتها الرقيقة تتزايد وتتزايد.. بينما صمت وهو يتنهد ويشدد احتضانه لها وهو يمسح على خصلات شعرها بحنو بالغ... ******************************************** " لا زايد أنا اللي بأقول للبنت.. ماراح أقول لأم عبدالرحمن تقول لها شيء!!" زايد بحزمه المعتاد: بس أخاف الموضوع يكون محرج لش.. وأنا ما أبي أحرجش.. كفاية الحرج لا قلتي لأم عبدالرحمن أشلون لا قلتيه للبنت" مزنة بمنطقية: صحيح السالفة محرجة شوي.. بس شعاع مثل بنتي.. والأحسن إني أقول لها بدون وسيط... لأن السالفة ذي كل ما قلوا اللي يعرفون بها كان أحسن.. يعني كفاية أنت وعلي وأنا وشعاع.. الموضوع فيه حرج كبير لعلي وأنا ما أبي عمته تشيل في خاطرها من أولها.. ابتسم زايد: الله يكملش بعقلش.. أنا أدري إن علي بيزعل لو درا أني وصلت الكلام للبنت.. بس أنا ما أبي البنت تتضايق يوم تشوفه كاش منها وإلا مايقرب ناحيتها!! وهي خذته وهي عارفة أساسا إنه مريض!! مزنة بمودة: لا تحاتي يا أبو كساب.. أنا بأوصيها ما تبين له شيء.. زايد يتناول كفها ويفتح باطنها ليقبلها قبلة واحدة دافئة شديدة العمق وهو يهمس بامتنان عميق مغلف بنبرته الواثقة: ما أدري أشلون كنت باتصرف في الموضوع من غيرش.. مستحيل كان أقول لبنتي او عفرا مثل ذا الكلام.. وأنا واجد مهتم من موضوع علي وما أبي شيء يضايقه.. كفاية اللي فيه!! ************************************* " وأخيرا شفت الشارع.. آخر مرة شفته قبل أسبوعين.. ليلة عرس إبي" كساب يبتسم: اصطلب وصر رجّال.. وشوف الشارع على كيف كيفك.. ابتسم علي: يا ثقل طينتك يا ولد إبي.. تراني الليلة عريس.. يعني عاملني معاملة سبيشل.. ماعندك إلا كلامك اللي يسم.. الله يعين بنت ناصر عليك.. كساب يبتسم: أنا والله (مثل العومة ماكولة ومذمومة)... الله يعيني عليك أنت وبنت ناصر.. الحين أنا الصبح وصلتها هي ومزون للفندق.. والحين جاي أخذك أوديك لحلاق.. وعادك تبي تحاسبني على الحكي !! علي مازال يبتسم ابتسامته الشفافة التي تغلف كثيرا من الأسى: أنت كم جناح حجزت؟؟ كساب بثقة: أربعة.. واحد لك واحد للعروس وأهلها.. واحد للبنات يتعدلون فيه.. والرابع للعرسان.. عشان ماحد يفتح جناحكم لين الزفة.. علي تنهد: قلت لمزون إني ما أبي أنزل للكوشة اللي تحت..؟؟ كساب بعملية: قلت لها.. فهي تقول إنهم سووا لكم كوشة بسيطة في جناحكم عشان التصوير.. ثم أردف وهو يبتسم: مع أني أدعي ربي تسوي فيك مثل ما سوت مرتي فيني.. تقول مهيب طالعة لين أنت تجي وتطلعها!! عشان أتشمت فيك مثل ما تشمت فيني تيك الليلة.. حينها أجابه علي بإبتسامة مرهقة: مرتك ماشاء الله رأسها يابس.. مثلك.. لكن أنا واحد رايق.. ويقولون مرتي مثلي.. يعني كل واحد ربي يعطيه اللي مثله!! وبعدين أنت وضعك كان غير.. أنا لو عليّ.. والله ودي ما أكسر بخاطرها في شيء.. بس لا نفسيتي ولا وضعي يساعدون.. ********************************* " مرت خالش سابقا وش فيها تزن في أذن شعاع؟؟" جوزا بتلقائية: يمكن توصيها.. خالتي مزنة نعتبرها أمنا الثانية!! ابتسمت عالية (بعيارة): أكيد لازم توصيها.. ولد رجّالها!! ابتسمت جوزاء وهي تنظر لشكلها في المرآة.. فستانها الشيفون البحري المتسع قليلا من عند بطنها التي بدأت تبرز وهي تهمس بابتسامتها: يا السكنية حرام عليش.. رجّالها يستاهل من يوصي عليه.. صبي تعبان.. عالية المتأنقة بخصوصية راقية في فستان فضي ضيق جديد اشترته للتو كانت تضحك: زين ليه ما وصيتيني على الدحمي؟؟ جوزاء تنظر لها من الأسفل للأعلى وهي تهمس بخبث باسم: ما تحتاجين وصاة.. إلا إذا تبين أقول لش خفي شوي من اهتمامش فيه.. خنقتيه!! عالية تكبر في وجهها بطريقة تمثيلية مرحة: الله أكبر عليش.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. والله لو فيه وحدة بيوصونها تخف اهتمامها برجالها تكون أنتي!! اللي لو صار قاعد معش في الجلسة ما تقدرين تشيلين عينش من عليه.. تخافين تفوتش منه نظرة ولا كلمة.. جوزا تقرصها في فخذها وهي تهمس بمرح: يمه منش يا اللي ما تستحين.. حشا مهيب عيون... مشغلة أبراج مراقبة!! . . في زواية الجناح.. مزنة تنتهي من حديثها مع شعاع التي كانت قد أنهت مكياجها وفرد شعرها.. وتنتظر فقط أن تلبس فستانها حتى تعمل تسريحة شعرها.. وتحمد الله أنها تضع أطنانا من البودرة والإضاءة وإلا كان احمرار وجهها ظهر صارخا متفجرا.. بينما مزنة كانت تختم حديثها بنبرة أمومية حازمة: يأمش أدري إنه الكلام ذا ما يليق أقوله لش.. بس أنتي مثل بنتي.. وعلي مثل ولدي.. وأنا مابغيت أدخل حد في السالفة.. وعلي ترا مافيه عيب يأمش نهائي.. بس........... شعاع قاطعتها بخجل: بس يمه تكفين.. والله أني فهمت قصدش.. والموضوع بكبره ما يهمني ولا حتى فكرت فيه.. أنا أساسا أدري إن علي مريض وماني بمنتظرة منه شيء.. تكفين يمه لا تحرجيني أكثر.. ولا تحاتين.. علي في عيوني.. وأنا معه لين يتشافى من مرضه.. مزنة تقف لتقبل جبين شعاع وهي تهمس بحنان: الله يعطيش على قد نيتش ويجمع بينكم في خير... خلني أروح أشوف البنات خلصوا وإلا لا.. . . . " يمه ليش أحس أنش ما تهضمين خالتي مزنة؟؟" عفراء باستغراب وهي تلف زايد جيدا لتحمله: أشلون ما أهضمها.. هذا أنا قبل شوي أسولف معها عادي.. جميلة بنبرة مقصودة مع نظرتها السابرة: يمه لو دسيتي على خلق الله ما تقدرين تدسين علي.. يعني عشانها خذت رجال أختش؟؟ ترا خالتي وسمية قربت على 18 سنة من يوم توفت.. عفراء تقف وهي تهمس بحزم: ما سمعت أسخف من ذا الكلام.. هاش اخذي أخيش خلني أروح أشوف مزون خلصت وإلا لا.. عفراء غادرت غرفة النوم حيث كان زايد الصغير نائما متوجهة لصالة الجناح.. تعلم في داخلها أن جميلة محقة.. فهي مازالت غير قادرة على تقبل مزنة...لا تستطيع أن تنسى أنها كانت سببا لتعاسة أختها وحتى لو بغير قصد منها.. وما يؤلمها وآلمها.. أن مزنة مازالت حتى الآن باهرة الجمال.. وجمالها من النوع الذي يدير رؤوس أعتى الرجال.. فماذا بقي لأختها في ذاكرة زايد ومثل هذه بين يديه؟؟! . . . " يمه أنا وسميرة خلصنا ونبي نروح لشعاع.." ابتسمت مزنة وهي تجيب وضحى: يمه منكم.. توكم كنتو عندها قبل تجيكم الكوافيرة.. ومابغيتوا تجون لين حرقتكم بالتلفونات.. روحوا الله يسهل عليكم.. واقعدوا عندها بعد لين تنزل.. ريحوني من حنتكم.. سميرة تضحك: يمه هذي ريحة عرس.. الواحد يلاقي ريحة عرس كل يوم..؟؟ كاسرة كانت من أجابت هذه المرة بإبتسامة: على شفاحتكم على العرس تقولون مابعد عرستوا... وحدة عرست والثانية في الطريق.. وضحى وسميرة ارتدتا عبايتيهما وغادرتا... بينما كانت مزنة تلتفت لكاسرة وتهمس بحزم: يا الله يأمش تجهزي عشان ننزل.. لازم نكون في الاستقبال من بدري.. كاسرة باستعجال: خمس دقايق وأكون جاهزة!! ثم أردفت مزنة كمن تذكرت لها شيئا: كاسرة يأمش فيزتش خلصت وإلا؟؟ كاسرة بتلقائية: خلصت بس ماراح نروح مع علي.. وكساب يقول إن سفر علي أساسا تأجل يومين لأنه عمي زايد هو اللي بيروح مع علي!! ما رضى يخليه بروحه!! حينها تصاعد ضيق عميق عميق في روح مزنة.. أ يقرر أن يسافر دون أن يعطيها خبرا حتى..؟؟ بالتأكيد لا مشكلة لديها مطلقا أن يسافر مع ابنه.. ولكن المشكلة أنها تعلم خبرا مثل هذا من سواه.. وهي كانت قد رأته للتو هذا الصباح حين عاد من المستشفى وطلب منها إخبار شعاع بوضع علي الصحي!! أ لم يجد حينها الوقت أيضا ليخبرها أنه سيسافر مع ابنه؟!!!! أو بمعنى أصح لم يجد دقيقة واحدة ليخبرها؟؟ ماذا يقصد بذلك؟؟ أنها غير ذات أهمية في حياته لدرجة أن يتجاهل إخبارها بهذا الموضوع الشديد الأهمية؟؟؟ *********************************** " يبه تبي تكسر عليّ؟؟ قاعد جنبي ولابس بشت أسود تقول أنت العريس.. عرسك قبل أسبوعين ما لبست بشت جاي تلبس الحين!!" زايد يبتسم برزانة محترفة وهو ينظر لعلي بمودة غامرة: من جدك؟؟ أنا ملكة بس وفي مجلسي.. وأنت جاي لك أمة لا إله إلا الله.. تبيني أقعد قدامهم بدون بشت..؟؟ ثم أردف باهتمام: ترا يأبيك سفرنا عقب يومين إن شاء الله.. أنا غيرت في الجدول شوي.. عشان الدكتور اللي حن رايحين له تغيرت مواعيده.. علي حينها أجاب بنبرة أقرب لعدم اهتمام: مهوب مشكلة.. بكيفك.. ولماذا يهتم؟؟ أو حتى يشعر أو يحس؟؟ يشعر كما لو كان أشبه بأحد ممثلي الكومبارس الذين يمثلون أنهم أفراد من جيش ما في مسلسل تاريخي.. لا يمكن أن ينتبه لهم أحد ولا أهمية لهم سوى تكثير أفراد الجيش.. كل شيء يتم تقريره في حياته دون أن يعودوا له.. زواجه.. حياته.. وحتى علاقته بزوجته!! فما الذي سيهتم له بعد؟؟ لم يكن هكذا مطلقا من قبل.. بل كان رغم هدوءه وسماحة أخلاقه حين يقرر قرارا لا يتراجع عنه.. مثلما قرر أن يسافر ليعمل في مكاتب التمثيل الخارجي ولم يستطع أحد ردعه.. لــكــــــن... من بعدها هي... أحواله كلها تغيرت.. دخلت في حياته لمجرد دقائق حتى تقبلها رأسا على عقب!! في أحيان كثيرة بات يظن أن ما رآه مجرد شبح أو طيف أرسله الله له ليعاقبه على ذنب لا يعلم ماهو !! ولكنه في ذات اللحظة رغما عنه تستعيد ذاكرته المثقلة بالشجن واليأس.. ملمس ليونة جسدها ورقة عظامها وعبق رائحتها.. ليعلم أنه لا يمكن أن توجد حقيقة أقوى منها!! تبدو كما لو كانت الحقيقة الوحيدة في حياته التي باتت ضبابية من بعدها!! يزفر بحرارة تنهيدة بضخامة المجرة... حتى في هذه الليلة التي يجب أن يكون تفكيره محصور في امرأة واحدة هي زوجته.. لا يستطيع أن يفكر في شيء سواها.. حبيبته المجهولة!! هي.. الحلم.. الذي يبدو أنه سيموت وهو يلهث وراءه!! يستغفر ويكثر من الاستغفار.. لتدمي روحه أكثر..وأكثر!! لأنه كلما استغفر كلما تزايد تفكيره بها.. "يبدو أنها فعلا عقوبة من الله عز وجل لي!! فمتى ترحمني يارب؟؟ متى؟؟ تعبت يا الله!! تعبت!! " . . . زاوية أخرى من حفل الزواج الضخم.. " أبو زايد اقعد شوي الله يهداك استقبال واستقبلت.. وترحيب ورحبت.. والمعازيم كل واحد قاعد في مكانه وانتفخ من كثر ما تقهوى وكل حلى.. اقعد خلاص.." كساب يتنهد وهو هو يجلس جوار غانم: هي ليلة وحدة.. يعني أخي بيتزوج كل يوم.. غانم يبتسم وهو يهمس بمرح: والحين ليلة عرسي كنك بتسوي لي كذا كبرت المخدة ورقدت لين أجي في الزفة بس.. كساب يبتسم: أنا ليلة عرسي.. علي سوى لي أكثر من كذا.. وأنت ماشفت وجهك إلا مع المعازيم يوم جاو.. غانم يضحك: والله تيك الليلة ماكنت نسيبي.. لو أنك كنت نسيبي كان لقيتني في العرس من فجر.. كساب يضحك: يا الكذوب.. هذا علي نسيبك وماشفنا وجهك إلا مع المعازيم بعد.. غانم مازال يضحك: والله العظيم توني جاي من رحلة يا الله لحقت أبدل.. كساب بابتسامة: مهوب شغلنا كان اعتذرت عن الرحلة.. مهوب تاخذ أختنا وتبينا نرتب عرسك بعد.. احنا أساسا بنجي نخربه عشانك خذت شمعة بيتنا... ابتسم غانم ابتسامة مقصودة: هذا أنتو منتو بمقصرين علي بالنكد حتى موعد عرس.. منتو براضين تبلون ريقي بموعد.. كساب ينظر له نظرة مقصودة باسمة: شين الطفاقة ياناس.. اركد يا ولد الناس قدام نغير رأينا.. أختنا وكيفنا!! غانم يضحك: مايسوى علي أختك.. ذليت أبو طوايفنا!! . . . زاوية ثالثة من الحفل.. " ماشاء الله.. ماهقيت بأشوف علي كذا.. صار لي مدة مازرته .. بس حالته تحسنت واجد عن أول.. تقريبا راجع لحالته الطبيعية" منصور بفخامة: الحمدلله على كل حال.. فهد يبتسم: والله شوفته بالبشت شهوتني على العرس.. منصور يرد بابتسامة مشابهة: أنت كل عرس نحضره تقول شوفت المعرس بالبشت تشهويك على العرس ولا حصل ذا العرس.. فهد يضحك: وش أسوي.. بأنتظر عشرين سنة لين تكبر بنتك اللي أنت وعدتني فيها.. حينها همس منصور بنبرة حازمة مقصودة: وليش تنتظر 20 سنة وأنا عندي بنت عمرها 20 وجاهزة..؟؟ فهد بمرح: ماشاء الله على بنتك نازلة من بطن أمها عمرها 20... يالله حاضرين متى الملكة؟؟ أجابه منصور بجدية : عقب أسبوعين تعال اخطب مثل الناس.. وعقبها انشد متى الملكة.. فهد مستغرب نوعا ما.. حتى وإن كان حضرة العقيد من النوع الحاضر البديهة المرح بتوازن.. ولكنه مطلقا لا يبالغ في المزح كما يفعل هذه الليلة.. لذا خشي لاحترامه الشديد له أن يتمادى معه في المزح.. فصمت!! لكن (حضرة العقيد) لم يصمت وهو يردف بنبرة شديدة الحزم: فهد أنا ما أرخص بنتي يوم أعرضها عليك.. ولو أنه حد غيرك ماعرضتها عليه.. بس أنت عارف غلاك عندي.. أنا اعتبرك مثل ولدي.. عشان كذا أبيك لبنتي.. فهد بدأ يتشوش لأبعد حد.. ولا يعلم حتى عن ماذا يتكلم.. عن أي بنت يتحدث وهو ليس لديه سوى ولد عمره أشهر قليلة؟؟ ولكنه فهم مايقصده العقيد لتتبعثر مشاعره من الصدمة تماما ومنصور يكمل بذات النبرة الحازمة: أدري مايصير نتكلم في موضوعها الحين لين تخلص عدتها.. وعدتها بتخلص عقب أسبوع.. بس الكلام جر بعضه.. وإلا أنا ماكنت ناوي أتكلم معك الحين.. فهد بهت تماما من الصدمة.. بهت.. تبعثر تماما.. " أ يقصد بكل هذا الحديث ابنة زوجته المطلقة؟؟ أ هي من يقصدها بابنته؟؟ متى أصبحت ابنته وهو للتو تزوج من أمها من سنة واحدة؟؟ " " لذا الدرجة أرخصتني يا حضرت العقيد وأنت اللي أغلى علي من خلق الله.. تبي تزوجني مطلقة؟؟ ولا هيب من قبيلتنا حتى؟؟ لذا الدرجة هنت عليك عشان بنت مرتك؟؟ " فهد أغلق عينيه وفتحها وكأنه يحاول نفض الصدمة التي لا تنتفض.. " مطلقة؟؟ كانت لرجال قبلي؟؟ " فهد ارتعش بعنف ارتعاشة لم تتعد داخله إلى ملامحه المتحكمة الخارجية.. قد يكون لم يفكر بالزواج كفكرة قريبة الوقوع.. ولكنه كأي شاب كان في خياله مواصفات معينة.. ولم تكن امرأة كانت لرجل قبله من ضمن خياراته أبدا.. لماذا يتزوج من فتاة ليس هو الأول في حياتها وهو من لم يسبق له حتى مجرد الاحتكاك بامرأة؟؟ لم يهاتف فتيات.. ولم يرفع جتى طرف عينه إلى امرأة.. فكيف تكون نصيبه امرأة على جسدها آثار رجل آخر.. وعلى نحرها آثار أنامله.. وعلى شفتيها رائحة أنفاسه..؟؟ يشعر أنه سيتقيأ فعلا.. كما لو كان أحدهم يجبره على استعمال شيء مستعمل.. كما لو أن أحدهم يطلب منه مثلا أن يغسل أسنانه بفرشاة استعملت قبله عشرات المرات.. ومع ذلك ليس حقه الرفض.. بل لابد أن يقبلها.. رغم بشاعة المثال... ولكن هذا ماشعر به فهد هذه اللحظة!! شعور بالقرف يتزايد في روحه إلى درجة الاختناق!! يعلم أن مثل هذا التفكير لا يجوز.. ومثل هذه المقارنة لا تجوز.. ولكن هذا هو تفكيره.. وهو هكذا!! هكذا خلقه الله!! هو يرى نفسه كصقر حر لا يقبل بالفضلات.. وتأبى نفسه أن يلمس شيء لمسه سواه.. وحتى بعيدا عن كونها مطلقة.. وعن كونها ختاما من قبيلة مختلفة تماما.. هي.. كيف هي؟؟ فهو رجل على حدود الثلاثين بشخصية حادة جدا.. وأكثر ما يكرهه في العالم هي الأنثى المدللة .. لا يستطيع ابتلاعها حتى.. بينما هي من أطراف الحديث الذي كان يصله من منصور بدون قصد يعرف أنها مدللة جدا.. بل إنه في أحد المرات وهو مع منصور في سيارته اتصلت بعمها ففتح منصور الميكرفون دون قصد.. فوصله صوتها: " عمي حبيبي وينك؟؟ تأخرت علي.. صار لي ساعة لابسة وأنتظرك!!" منصور أغلق الميكرفون بغضب وهو ينزل من السيارة كاملة.. ولكن صوتها وصله بوضوح وأثار قرفه.. صوت بالغ النعومة إلى درجة تثير الغثيان.. وطريقتها في الحديث مدللة إلى درجة تثير الصداع.. فكيف يبتلي بمثل هذه في بيته؟؟ ومن ناحية ثالثة أو ربما رابعة.. يتخيل شكل من تضطر حضرة العقيد أن يتنازل عن كبرياءه وبرجه العالي ليخطب لها.. لابد لأنه يعلم أنها يستحيل أن تجد عريسا لبشاعتها.. لذا قرر أن يصتاده لها.. هذه التي فر زوجها منها وهما مازالا في المطار.. لابد أنه كان لزوجها المبرر القوي ليفعل ذلك في ابنة عمه!! "مطلقة وشينة ودلوعة !! والله العظيم ثلاث ضربات في الرأس مهيب توجع إلا تذبح !!" كانت هذه أفكار فهد التي غرق فيها الثوان التي تلت عرض منصور عليه قبل أن يقطع منصور عليه أفكاره بحزمه: فهد وشفيك سكتت؟؟ فهد نظر لمنصور بمودة غامرة واحترام جزيل.. رغم كل شيء هذا حضرة العقيد.. لو طلب منه أن يلقي نفسه في النار سيفعلها دون تردد.. فكيف والمطلوب أهون من ذلك.. زواج !!!... من أجله مستعد أن يتزوج الغولة حتى!! لذا هتف بحزم بالغ: وليش ننتظر أسبوعين... عقب أسبوع تخلص عدتها ونكون عندك نخطب ثاني يوم.. ************************************* " يمه الله يهداش.. بسش دموع.. شعاع بروحها متوترة.. تكفين لا تشوف دموعش تحوس الدنيا" أم عبدالرحمن بتأثر: هذا أنا قاعدة برا عشان ماتشوفني.. جوزاء بتأثر رقيق: بس هي كل شوي تسأل عنش.. وتقول أمي وينها.. تكفين يمه تعالي بس عقب ما تمسحين دموعش.. أم عبدالرحمن تنهدت بحرارة: زين يأمش خلني أروح الحمام أغسل وجهي وأجيش.. . . زاوية أخرى من حفل النساء.. " تدرين ماهقيت الأحمر بيطلع عليش يجنن كذا" مزون تبتسم: ولا أنا.. ماتعودت صراحة على الألوان الجريئة كذا.. جميلة برقة: ياحلوه الأحمر.. ولو أنه ما يناسبني.. بس عليش خيال ورب العالمين.. مزون بمرح: يعني أروح أتمصلح عند أم غانم..؟؟؟ جميلة بمرح مشابه: تمصلحي والئلب داعي لك والعتبة خضراء وكلها على قولت هريدي خال سميرة.. مزون بتردد: جد شايفته حلو علي؟؟ جميلة بابتسامة: ياملغش بس!! يجنن وربي يا البايخة!! . . . . في غرفة العروس الملحقة بالقاعة . . " يالبي قلبها طالعة تجنن.. تجنن !!" سميرة بتأفف باسم تجيب وضحى التي كانت تنظر لشعاع بتأثر بالغ والدموع تترقرق في عينيها: هذا كله معجبة ببنت عمتش.. لوعتي كبدي هذي المرة العشر طعش عقب الألف اللي تقولينها.. يأختي خلي للعريس شيء يقوله.. خلصتي الغزل كله عليه!! وإلا تدرين خلصي الكلام على العريس لأنه المسكين يقولون مريض.. يشوف شعيع الليلة.. بيطب ساكت.. وضحى باستنكار: يمه منش.. فاولي على المسكين.. سميرة تضحك: أنا الحين اللي أفاول عليه.. شعيع دارية المسكين تعبان وقلبه مايستحمل وشو له تكشخ كذا.. ما ألومه يطب ساكت!! على قولت خالي هريدي: دا يبئى موت وخراب ديار.. وضحى بغضب مرح: لو أن الله يفكنا منش أنتي وأمثال خالش كان حن بخير!! . . " شعاع ياقلبي.. ترا ابي كلمني.. يقول اطلعي فوق العريس واصل بعد شوي" حينها أمسكت شعاع يد جوزا بقوة وبدأ ذقنها يرتعش: أمي وينها؟؟ أمي وينها؟؟ " هذا أنا يأمش هنا.." جاءها صوتها الحاني ولمسة يدها الأحن .. شعاع حينها أمسكت ذراع والدتها بقوة وكل مافيها يرتعش.. أم عبدالرحمن ربتت عليها بحنو وهي تسمي عليها وتدعو لها وتقرأ عليها آيات من القرآن الكريم.. ثم التفتت وهي تهمس بحزم أمومي حتى تمنع نفسها من البكاء: جوزا هاتي عباة أختش.. وأنتي ياوضحى روحي ادعي أمش تطلع معنا فوق.. ********************************** دقائق مرت منذ غادرهما الجميع وأغلقوا باب الجناح خلفهم.. وكلاهما معتصم بمكانه دون أن ينظر للآخر مطلقا.. حين دخل للجناح تلقته خالته وأخته وعمته مزنة وأجلسوه بجوار العروس.. التي كانت وصلت قبله بدقائق ورتبوا شكلها وجلست.. ولم يبق معها سوى والدتها التي كانت توصيه بابنتها بصوت بالغ الاختناق.. لم يستطع حتى أن يتكلم.. شعر أنه يختنق فعلا.. لذا هز رأسه بهزة حاول جعلها واثقة.. كانوا يباركون له وهو يشعر أنه في عالم آخر.. آخر!! أبعد مايكون عنهم... وعن أجواءهم.. لم يرد على أحد.. خشي أن ينفجر.. أن يقول لهم لماذا تباركون لي؟؟ المفترض أن تعزوني لأن روحي تموت.. تموت..!! كان كلاهما يجلسان على المقعد الطويل.. يشعر بأطراف ثوبها الأبيض المتسع بعفوية تلامس بشته الأسود.. ومع ذلك يشعر أن بينهما مسافة ككل محيطات الأرض!! لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها.. كان كل ما اقتحمه منها هو رائحة عطرها وبخورها الفاخر تزكم أنفه من هذا القرب!! أما كل مالمحه منها فهو عضدها النحيل المطرز بنقوش الحناء.. شعر حينها بألم غير مفهوم يغوص في حناياه.. كل شيء يعود ليذكره بها رغما عنه!! فهي أيضا كان عضدها نحيل.. وعظامها غاية في الرقة.. حينها عاوده الشعور بالذنب يعتصر روحه.. يعتصره من الناحيتين.. هاهي حلاله جواره... وهو يفكر في حلال سواه.. "يا الله ما كل هذا الألم!! ماكل هذا الألم!! يارب ماعاد في القلب مكان!! ماعاد في القلب مكان.. ارحمني ارحمني!!" هي مازالت تعتصم بمكانها ترتعش بخجل شديد.. لم تستطع مطلقا أن ترفع عينيها له.. وهي تمسك بمسكتها وتفرغ توترها فيها.. وهي تشدد قبضتها حولها وحين جلس جوارها كادت تقفز من مكانها خجلا وهي تشعر بحفيف بشته يلامس عضدها العاري.. وتشعر أنها ستنتختنق فعلا.. وعاجزة عن سحب الأكسجين !! ففستانها كان برقبة عالية (هاي نك) على الطريقة الفيكتورية يزين منتصفه (بروش) دائري من الألماس.. وأسلاك الكورساج الحديدية تشعر بها تطبق على أضلاعها و أنفاسها أكثر وأكثر.. ورغم بساطة الفستان ونعومته ورقيه إلا أنها شعرت أن كل مافيه يطبق على أنفاسها ويخنقها.. ومازادها اختناقا.. تجاهل هذا الجالس جوارها لها.. لا تعلم لِـمَ قفز لذاكرتها برعب ليلة جوزاء الأولى مع عبدالله... أ يعقل أن يكتب عليها ذات المصير الذي قلب حياة أختها؟؟ كانت الدقائق تمر وتمر وتمر وهو يتجاهلها.. دون أن يتحرك من مكانه أو يوجه لها كلمة واحدة.. بينما هو لم يكن مطلقا يقصد تجاهلها ولكنه لم يشعر بمرور الوقت وهو غارق في أفكاره.. ويخشى أن يقول لها شيئا فيضايقها!! مشاعره الرقيقة ممزقة بين عمق مشاعره في تلك الآخرى.. وخوفه من إيذاء من تجلس جواره!! شعاع حين يأست أنه قد يبادر بشيء.. قررت أن تنهض فهي ماعادت قادرة على احتمال الفستان.. شعرت بضيق عميق أنه دفعها لتجاهل خجلها الطبيعي.. بينما هو حين رأى خيالها يعبر أمامه ... كان بوده أن يقول لها أي شيء حتى لو كانت مجاملة باردة لا تقدم ولا تؤخر.. فهي مهما يكن صبية ليلة زفافها.. ولا تستحق التجاهل.. لكنه حين رآها تتجه للحمام.. قرر أن يتركها حتى تنتهي من الحمام قبل أن يحاول محادثتها.. شعاع دخلت الحمام.. استندت للمغسلة بكفيها وهي تشد لها نفسا عميقا.. وتهمس لنفسها بتجلد عذب: ماني باكية.. ماني باكية.. لازم أقدر إنه تعبان ونفسيته تعبانة.. وأكيد الموضوع اللي قالته لي خالتي مزنة متعب نفسيته أكثر.. لازم أراعي ذا الشيء.. شعاع لا تعلم إن كان رأى زينتها حتى.. لكنها تتوقع أنه رآها حين دخل.. كان بودها أن تجلس معه بزينتها قليلا.. فلمن تزينت هذه الليلة؟؟ لكنها خشيت أن يسيء فهمها وخصوصا مع تجاهله لها.. لذا خلعت ثوبها رغم صعوبة الأمر.. ثم مسحت زينتها بعناية بالغة.. ثم فككت تسريحتها اللولبية لتتناثر اللفات بنعومة على كتفيها.. كانت تريد أن تستحم ولكنها رأت أنها بذلك ستستغرق وقتا طويلا.. ولا يليق أن تتركه كل ذلك.. ارتدت فستانا أبيضا ناعما خفيفا من الشيفون يصل طوله لمنتصف ساقها كانت طلبت من جوزا أن تعلقه لها في الحمام.. ولكنها حين رأت كشفه ساقيها تمنت لو أنها اختارت فستانا طويلا.. ولكن لم يكن هناك سواه هو وقميص نومها الذي لم تكن تريد أن ترتديه أبدا.. لذا لبست صندلها الشفاف الذي يكشف عن نقوش الحناء التي كانت تصل لأسفل ركبتيها .. ثم وضعت ماسكرا وأحمر شفاه مشمشي اللون واكتفت بهما.. وقررت الخروج.. وقفت لوقت طويل أمام باب الحمام الذي كانت فتحته أساسا.. ولكنها لم تستطع الخروج عبره لشدة إحساسها بالخجل.. حتى سمعت الهمس الرجولي العميق الهادئ والقريب: شعاع تعالي لا تستحين.. بدا لها الصوت مألوفا لحد ما.. لكنها لم تستطع التعرف عليه.. ولكنها تعترف في ذاتها أنها شعرت برعشة حادة دافئة وهي تسمع اسمها بنبرته الرجولية العميقة!! خرجت وهي تكاد تتعثر في خطواتها.. هو كان قد خلع بشته وغترته ويجلس بثوبه فقط في الجلسة القريبة من الحمام.. عاود الهمس لها بذات نبرته الهادئة العميقة: تعالي اقعدي.. قلت لش لا تستحين!! صرت جبينها قليلا "الصوت غير غريب.. كأني قد سمعته قبلا.. لكن لا أعلم أين!!" تقدمت باستيحاء وجلست مقابلا له على الأريكة... هو لم يكن يشعر بأي رغبة لا في محادثتها ولا في النظر إليها ولكن إحساسه بالذنب من ناحيتها كان يجبره على ذلك.. حينها رفع عينيه لها بينما كانت هي تخفض رأسها بشدة.. فلم يرى إلا خصل شعرها الملتوية بعذوبة تتناثر للأمام.. لا يعلم حينها لِـمَ شعر برعشة حادة صارخة تجتاح روحه حتى أقصاها حين نظر لها.. شيء غير مفهوم يحصل له.. !! شيء لا يعقل يحصل له!! لماذا ترتعش يداه هكذا؟؟ وريقه لماذا جف هكذا؟؟ وأنفاسه لماذا تتثاقل هكذا؟؟ ودقات قلبه لماذا تتزايد بعنف هكذا؟؟ إحساس شعر به مرة واحدة فقط.. واحدة فقط في حياته كلها!! المرة الثانية التي تبع فيها حبيبته المجهولة في ممر المستشفى!! فلماذا يعود له الآن؟؟ لماذا؟؟ حينها همس باختناق لا يعلم له سببا: ترا العشا جا من أول مادخلتي الحمام.. تعشين؟؟ همست باختناق خجلها الرقيق دون أن ترفع رأسها: شكرا.. ما أبي.. كلمتان.. كـــــلــمتــــان كــلـــمـــتــــــان فقط!! أحرف معدودة من بين شفتيها..!! بل لو همست بحرف لعرفها.. بينما هي سمعت كل هذه الجمل ولم تعرفه.. فكيف تعرفه وهي نحرته ومضت..؟؟ كيف تعرفه وهي ارتكبت جريمتها فيه ثم ارتحلت؟؟ كان يكفيه حرف واحد من صوتها الذي سكن روحه ليعرفها.. كان يكفيه همسة واحدة من همساتها التي رافقت أحلامه ويقظته طيلة الوقت الماضي ليعرفها.. كيف كانت جواره طوال الساعة الماضية ولم يعرفها..؟؟ كيف لم يتعرف على رائحتها حتى لو غطتها أطنان البخور والعطور؟؟ كيف كانت جواره ولم يروي ضمأ روحه لروحها منذ الدقيقة الأولى؟؟ كيف سمح أن يضيع دقيقة واحدة من بين يديه؟؟ لم يسأل لحظتها كيف ولماذا؟؟ فالحقيقة بدت واضحة كوضوح الشمس.. وهكذا كان يجب أن تكون منذ البداية..!! هي له منذ البداية ولم تكن أبدا لسواه.. وكان يستحيل أن تكون لسواه!! هكذا العدالة تقول.. وهكذا الحق يقول.. يستحيل أن يحبها كل هذا الحب.. ويعشقها كل هذا العشق.. وترتبط روحه بها إلى درجة التمازج ثم تذهب لغيره.. فهو لم يعشقها هكذا إلا لأن روحه نادت نصفه الثاني في حناياها!! كانت له.. له وحده.. منذ البداية.. لــــــه!! لـــــــــــه هو فقط!! هي أنهت همستها القصيرة وصمتت لتتفاجأ بعد ثانية واحدة بيديه الأثنتين تنتزعانها من مكانها ليوقفها.. شهقت برعب لأنها لم تعرف لماذا تصرف هكذا.. وهي ترفع عينيها له.. وبقدر الرعب الصارخ الذي ارتسم على ملامحها وهي تتعرف على الواقف أمامها.. على الضد كانت ترتسم على محياه أضعاف مضاعفة من مشاعر الشجن والوجع واليأس والألم والولع والعشق اللامحدود.. وعيناه تلتهمان بعطش قرون وقرون تفاصيلها تفصيلا تفصيلا.. تلتهم بشوق سرمدي لا نهائي كل انحناءات وجهها التي حُفرت في روحه وعلى مجاري دمه.. هي ..بدأت ترتعش بعنف.. حين رأته ينقل كفيه من عضديها إلى وجهها ويتحسسه بأصابع يديه الأثنتين.. كانت روحه تبكي وتنزف طوفانا تلو طوفان.. وهو يتحسس مخمل وجهها بأنامله المرتعشة.. يريد أن يتأكد أنها أمامه فعلا.. أمامه فعلا!! "يا الله.. ما أكبر رحمتك.. ما أكبر رحمتك!! أنا كنت على أبوب قبري خلاص" كان ارتعاشها يتزايد وعيناها الجزعتان تمتلئان بالدموع.. أ يكون هذا هو نصيبها؟؟ ومع هذا الرجل بالذات؟؟ بينما هو كان مشغوف بالنظر لها وكأنه لن يشبع مطلقا من النظر.. وهو ينقل يديه من وجهها ليدفنهما في طيات شعرها .. وهو يقترب منها برفق.. ليدفن رأسه بين خصلاتها ويتنفس.. يتنفس بعمق موجوع.. وكأنه يتنفس كل أكسجين الحياة بعد اختناق.. يتنفس بعد التصقت رئتاه من الجفاف واليأس.. يتنفس بعد أن جف الهواء في مسارب جسده وروحه!! " يالله.. أشعر أني سأموت الآن.. أحقا هاهي بين يدي؟؟" حينها شدها بحنو ليحتضنها بكل قوته.. وهو يدفنها بين أضلاعه.. بين حناياه.. بين خلايا جسده الذي جف شوقا لها.. وآن له يزهر ويرتوي برؤيتها وقربها!! " هي.. هي.. ملمسها.. وعظامها.. وعبق روحها.. هي.. هي!!" شعاع بدأت تشهق بخفة وهي تحاول إبعاد نفسها عنه دون جدوى.. لم تعد المشكلة لديها أنه شاب عابث أو يطارد الفتيات.. ولكن المشكلة أصبحت أنه اقتحم خجلها دون تمهيد.. وأنه كسر حياؤها الرقيق دون اهتمام!! أما حين أفلتها ليمسك بوجهها بين كفيه ليقبلها بكل شغف العالم وولعه.. شعرت أنها ستنهار فعلا من شدة الصدمة والخجل.. بينما هو كان يحلق في عالم آخر..آخر.. يشعر أنه يعود ليتنفس الحياة عبر أنفاسها الداخلة إلى صدره.. رائحة أنفاسها التي تربعت في روحه ولم تغادر أبدا.. وهي تستنزف الحياة منه رويدا رويدا.. هاهي تعيد له الحياة الذاهبة مرة أخرى!! شدت نفسها بقوة من بين ذراعيه لتسقط للخلف على الأريكة.. وهي تتراجع لأقصى الخلف وترفع قدميها للأعلى وهي تضمهما لصدرها وتنتحب.. حينها زالت الغيبوبة اللذيذة التي كان غارقا فيها إلى مافوق أذنيه.. انتبه إلى أنه صدمها بتصرفه غير المعقول بالنسبة لها.. فالصورة التي ظهرت لها أنه هجم عليها دون مقدمات.. شعر أنه عاد للتعبثر وهو يسمع نحيبها الذي عاد لتمزيق روحه من جديد.. " لا يمكن أن أسمح للدموع أن تجدا طريقا لعينيها!!" علي جلس جوارها وهو يضع كفيه على كتفيها المنحنيين على ركبتيها ويهمس بوجع عميق مغلف بسعادته الأعمق: شعاع حبيبتي.. لا تلوميني.. والله العظيم ماحسيت بنفسي.. أنا ماكنت في وعيي.. أنا ماصدقت أشوفش.. أنا من عقب سالفة الأصنصير وأنا لا ليلي ليل ولا نهاري.. أنا كل المرض اللي جاني من سبة فرقاش.. مادريت إنش أساسا مرتي وحلالي.. ياقلبي أنا كنت مثل واحد ميت عطش وعقبه لقى الماي قدامه... تكفين لا تبكين!! شعاع هزت كتفيها لتبعد كفيه عنها.. وهي ترفع رأسها وتبتعد أكثر لطرف الأريكة.. بينما علي اقترب أكثر منها وهو يتناول كفيها ويدفن وجهه بينهما وهو يغمرهما بقبلات ملهوفة وموجوعة ومشتاقة ويهمس بمقدار وجع قبلاته وشوقها: حبيبتي تكفين لا تبكين.. واللي يرحم والديش لا تحرقين قلبي.. سوي فيني اللي تبينه.. أنا ما أبي إلا شوفتش قدامي.. بس تكفين لا تبكين.. لا تبكين.. شعاع تراجعت أكثر وهي تشد كفيها منه وملامح الرعب تتزايد على وجهها.. لم تعد المشكلة لديها أنه عابث أو يطارد الفتيات!! ولم تعد المشكلة في اقتحامه الجريء لخجلها الرقيق.. بل المشكلة باتت أخطر... أخــطــر من ذلك بكثير..!!! والفكرة تقفز لبالها بكل وضوح ومنطقية... ورعب !!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والسبعون مازالت تنظر له برعب متزايد.. بينما هو ينهمر بالكلمات بيأس.. ماعاد حتى قادرا على الصمت.. ولماذا يصمت وكيف يصمت؟؟ تعب من الصمت.. تعب من الكتمان..!! تعب من الحرمان!! يعلم أنه تهور في تصرفها معها.. ولكن أ يمكن أن يُلام على ذلك؟؟ فالذي حدث له لا يمكن تخيله ولا تصوره... كما لو أنك سافرت لبلد بعيد.. وبقيت تعمل في هذا البلد لـ 40 عاما متواصلة بلا راحة.. وتواصل الليل بالنهار.. وحرمت نفسك من كل متع الحياة وأنت تعاني بصمت لا تشتكي حتى عما تعانيه.. لتجمع لك مالا يريحك حين تعود لبلدك.. ثم في رحلة العودة.. فقدت حقيبة المال وسط شارع مزدحم.. فكيف سيكون حالك وأنت تبحث وتبحث وتبحث وتمر الأشهر ولا تجد مالك..؟؟ ثم تعود لبلدك البعيد مقهورا منحورا يائسا.. أشبه بجسد ميت أنهكه العمل دون فائدة!! ثم تفتح باب غرفتك...... لتجد حقيبة المال تتربع على سريرك.. كيف ستكون ردة فعلك؟؟ كيف؟؟ فرحة هذا الرجل بماله.. لن تكون قطرة واحدة في محيطات فرحة علي برؤية شعاع أمامه.. أ تلومه حينها على تعبيره عن فرحته؟؟!! فهو كان مخنوقا على آخر رمق يزفر أنفاسه الأخيرة.. فأرسلوا له الهواء!! كان عطشانا تشققت روحه من العطش.. فأرسلوا له أعذب ماء في الكون!! كان محموما تجاوزت حرارته الأربعين.. ووضعوه في درجة حرارة تجاوزت الخمسين.. وحين تحمص من الحرارة.. سكبوا عليه ثلجا رقيقا باردا !! فكيف ستكون ردة فعله؟؟ كيف؟؟ يعلم أنه فاجاءها وصدمها.. ولكن هل كان بيده شيء آخر!! مازال حتى الآن لم يروي حتى واحدا من مليارات شوقه لها وهي مرعوبة منه هكذا.. فكيف لو سكب لها ما تبقى!! اقترب منها أكثر وهو يلتصق بركبتيها المطويتين ويهمس بكل وجعه ويأسه وولعه: سامحيني يا قلبي.. والله العظيم غصبا عني.. ماقصدت أخوفش كذا.. بس أنا كنت ميت بكل معنى الكلمة.. فاهمة أشلون ميت؟؟ ميت من تفكيري فيش وشوفي لش.. وأنا كنت أظنش حلم مستحيل مستحيل ألقاه يوم!! تكفين لا تخافين مني.. مازالت تنظر له بذات الرعب والجزع.. وهي في داخلها لا تصدق حرفا واحدا مما يقول.. فهناك فكرة مرعبة واحدة اجتاحت تفكيرها وتغلغلت فيه ولم تسمح لها بالتفكير بشيء آخر سواه!! مد يده بيأس ليمسح طرف خدها بظهر أنامله.. سيموت ليضمها إلى صدره.. ليتنفس رائحتها من قرب.. ليرتشف أنفاسها التي أضناه الشوق لها.. ولكنها قفزت عن الأريكة كاملة وهي تهمس بارتعاش: أنت الدكتور ماقال لك لا تقرب مني..؟؟ لا تقرب مني!! لا تقرب مني!! حينها قفز علي بغضبه المتفجر المصدوم المفجوع: من اللي قال لش ذا الكلام؟؟ من؟؟ شعاع بدأت تنتحب: مهوب مهم من اللي قال لي.. بس أنت لا تقرب مني.. لا تقرب مني.. والله العظيم لو حاولت تقرب مني مرة ثانية.. إني لأصيح مع الدريشة.. وأفضحك في الأوتيل كله!! علي تنهد بعمق وقهر عظيم يتصاعد في روحه.. كيف يسمحون لأنفسهم أن يتدخلوا في حياته ويفسدوها بهذه الطريقة؟؟ تنهد بعمق أكبر.. لا يريد منها شيئا.. يكفيه رؤيتها أمامه.. لكنه تمنى أن تسمح له ببعض القرب فقط.. بعضه.. لا يريد شيئا أكثر.. بعضا من القرب يروي روحه المجدبة.. بعضا من القرب ينسكب بنداه على صحراء خلاياه القاحلة.. ولكن كيف يقترب وهي جافلة هكذا!! تنهد وهو يهمس لها بحنان عميق: خلاص حبيبتي لا تخافين.. ماني بجاي جنبش.. أنا الحين بأتوضأ أصلي قيامي.. وأنتي هدي.. هدي.. حين غادرها عادت للانهيار على الأريكة وهي تنفجر في النحيب بصوت مسموع.. " قال يصلي.. تعرف ربك أنت؟؟ يا الله.. ليه ياربي كذا.. ليه؟؟ اللهم لا اعتراض.. سامحني يارب.. بس ماسويت في دنيتي اللي أستاهل عليه تعاقبني بواحد مثل هذا.. يارب سامحني.. اللهم لا اعتراض.. إنا لله وإنا إليه راجعون!! " لم يعلم زايد ومزنة أن تدخلهما الحاني.. قلب الأمور رأسا على عقب.. فربما لو لم تقل مزنة لشعاع ماقالته.. لربما كان لعلي بصيص أمل في مسامحتها له.. فهي كانت ستظنه شاب عابث ككثير من الشباب.. ولكنه حين تسمع تبريراته قد تصدقها بحسن نيتها.. أو ربما تغضب منه لأيام..وترضى مع تعرفها على شخصيته العذبة الشفافة.. ولكن ماسمعته من مزنة.. مع ماحدث الليلة.. مع أحداث مرضه.. مع ماحدث لها معه في مقابلتهما الأولى في المستشفى ... مع معرفتها بعمله في الخارج لسنوات... كل هذه المعطيات صنعت من علي شخصية بشعة.. بل غاية البشاعة في عينيها..!! فالصورة التي تكونت لديها.. أن علي شاب تجاوز عبثه كل حدود.. لدرجة الانغماس في الخطيئة التي من المؤكد أنها نقلت له مرضا خطيرا معديا.. ناتج عن علاقاته غير المشروعة.. وإلا كيف تفسر هجومه عليها إلا بكونه شاب لا يهمه غرائزه..؟؟ ولأن مزنة كانت تخاف عليه منه.. أو أن يجرها معه أو يصيبها بالعدوى.. حذرتها بطريق غير مباشر أن لا تسمح له بلمسها.. لا تشك في نوايا أهله.. أو أنهم زوجوها ابنهم وهو مريض بهكذا مرض.. فمن المؤكد أنهم لم يكتشفوا مرضه إلا في الأيام الأخيرة.. وسيكون إلغاء الزواج فضيحة مدوية.. لذا أخبرتها مزنة بشكل غير مباشر.. فعلي لم يبدو لها مريضا للدرجة التي وصفتها لها مزنة.. لكن لأنها خائفة عليها.. ألفت كل هذه الحكاية عن أن صحته لا تحتمل.. حتى تحميها منه.. ومازاد في بشاعة الصورة أمامها.. أنه أراد منذ اللحظة الأولى أن يجرها معه لإشباع رغباته دون اهتمام بما سيجلبه لها من مصائب.. بل ويؤلف لها حكاية لا تصدق عن عشقه لها ليقنعها بما يريد.. فأي رجل بشع هذا!! أي رجل بشع !! ************************************** " مزنة.. اشفيش الليلة؟؟ مزاجش كنه مهوب رايق..أول مرة أشوفش كذا" مزنة تترك المشط الذي كانت تمشط بها شعرها وتضعه على التسريحة لتلتفت لزايد الذي كان يجلس على طرف السرير وتهمس بنبرة مقصودة: لا أبد.. وليش مايروق مزاجي.. أنت سويت شيء يعكر المزاج يا أبو كساب؟؟ ليس جاهلا كي يجهل أن نبرتها تحمل الكثير من الغضب.. هتف بحزم بالغ: وأبو كساب وش سوى يعكر مزاجش؟؟ توني كنت عندش اليوم الصبح ومافيش شيء.. حينها أكملت بذات النبرة المقصودة الحادة: إيـــــه !! اليوم الصبح !! قلت لي كلام واجد اليوم الصبح.. تدري من كثرته.... نسيته!! حينها وقف زايد ليقترب منها (هذي وش فيها الليلة؟؟ أبد مهيب عوايدها!!) وهتف بغضب حازم: مزنة عندش شيء تقولينه.. قوليه لا تلفين وتدورين كذا!! بروحي تعبان من الصلبة في عرس علي.. حينها وقفت مزنة لتقابله وهي تهمس بحدة حازمة: ليه أنت قلت لي شيء.. عشان أقول لك شيء.. ثم حين أنهت عبارتها استدارت لتغادر.. لتوقفها قبضة زايد التي انتزعت عضدها بقوة وهو يشدها ليديرها ناحيته بطريقة حادة آلمتها في عضدها وهو يهتف بغضبه الحازم المتماسك: ما اسمح لش تعطيني ظهرش وأنا أكلمش.. حينها تفجر غضب مزنة المتجمع منذ بداية الليل وهي تشد عضدها بقوة من يده وتهتف بغضبها الحاد المتفجر: وأنا ما أسمح لك تمسكني بذا الطريقة.. وذا المرة بأعديها عشان خاطر علي بس وأنك تعبت في عرسه... لكن لو تكررت إنك تمد يدك علي بأي طريقة.. بيكون تصرفي شيء مايخطر على بالك أبد.. مهوب أنا اللي تنمد علي يد عقب ذا السنين كلها.. وإن كنت عديتها لك وأنا بزر.. ما أعديها لك الحين!! بعثرت الصدمة تفكير زايد وهو ينظر لها بذهول حقيقي: مزنة تهدديني..؟؟ مزنة ابتعدت لتجلس على طرف السرير وهي تهمس بحزم واثق: ما أهددك.. محشوم يا أبو كساب.. بس أحط النقط على الحروف.. ثم أردفت بذات الحزم الواثق وبنبرة مقصودة جدا: ومتى ما بغيتني أرتب شنطتك قل لي.. إلا لو أنت مرتبها من زمان ومخليها في المطار!! حينها علم زايد سبب غضبها.. ولكنه بالفعل مازال مذهولا.. مذهولا بمعنى الكلمة.. ذهوله منعه من التصرف كما يجب.. فهو من ناحية ... كان يشعر بدغدغة لذيذة ما.. وهو يرى حدتها القديمة وسلاطة لسانها تتدفق أمامه.. تماما كما كانت في صباها.. وكأن الأيام لم تنقضي!! كأنها لم تنقضي!! ولكن الغريب.. الغريب..!! من ناحية أخرى..أن تصرفها المتحدي مطلقا لم يرضيه ولم يعجبه.. يكره أن تتصرف معه زوجته بهذه الطريقة الحادة وهي تضع رأسها برأسه.. وخصوصا أن مزنة عودته الأيام الماضية على أقصى درجات اللطف والاحترام بل والتبجيل!! فأين كانت تخفي هذه الحدة كلها؟؟ **************************************** " عسى ماتعبتي الليلة؟؟ " كان هذا سؤال كساب لكاسرة التي تمددت جواره بعد أن أنهت قيامها ووردها.. أجابته بسكون: لا ماتعبت.. بالعكس.. العرس كان رايق ويجنن مثله مثل المعاريس.. مد ذراعه لها دون أن يتكلم.. فاقتربت هي أيضا دون تتكلم ووضعت رأسها على عضده.. ليحتضنها بخفة.. لا فائدة من المعارضة.. فهذا الرجل غير قابل للإصلاح... عدا أنها تعلم مهما كان فرضه لرأيه يضايقها.. فهي لن تستطيع النوم براحة إلا قريبا منه.. وإلا فأنها ستعاني الأرق والكوابيس التي تعانيها بعيدا عنه!! همست برجاء ووجهها يختبئ قريبا من عنقه: كساب قل لي تكفى.. ليش انسجنت؟؟ والله العظيم ما أقول لأحد.. تشك إني ممكن أطلع أسرارك..؟؟ بس تكفى ريحني.. كساب أجابها بحنان مرهق وهو يمسح على شعرها: أدري إنش ماراح تقولين لأحد.. بس صدقيني السالفة كلها ماتهمش.. لا تلحين يا بنت الحلال.. أنا ما أدري متى بتصيرين تأقلمين مع طبايعي.. أنتي تدرين إني لو عندت في شيء ما أحب حد يناقشني.. ليش دايما تبين تطلعيني من طوري؟؟ حينها همست كاسرة بعمق: وأنت متى بتفهم إني ما أقدر أتأقلم مع حياة الغموض اللي أنت معيشني فيها.. أشلون نعيش حياة طبيعية وأنت حاط بيننا ذا الحواجز كلها؟؟ كساب صمت بيأس وهو يشدها أكثر لصدره.. وهي متى ستفهم أن يريدها أقرب من أنفاسه دون أي حواجز.. ولكن هذا مايقدر عليه..!! فعلا هذا مايقدر عليه مع كل التعقيدات في شخصيته وحياته!! ******************************************** كانت مستغربة من طول صلاته فعلا.. فهي استحمت وصلت وقرأت وردها.. وهو مازال قائما يصلي..ويدعو ويبتهل. ومضى له أكثر من نصف ساعة الآن وهو يقرأ القرآن كيف يستوي أن شخصا عابثا مثله يصلي هكذا صلاة ويعرف الورد؟؟ " تمثيل يا الخبلة.. يمثل.. وإلا واحد مثل هذا يعرف صلاة وإلا قرآن!!" كانت تجلس على الأريكة وهي ترتدي لها قميصا حريريا بأكمام طويلة بأطراف من الدانتيل.. فهي يستحيل أن تلبس عند هذا المخلوق المنحط الهمجي قميص نوم أو حتى بيجامة!! هو كان يختم ورده وصلاته بعد أن أكثر من شكر الله الذي منّ عليه بالمغفرة وبنعمة وجود شعاع جواره.. ثم التفت لها.... ليبتسم وتبتسم روحه وهو يراها كزهرة ندية في غلالتها الزهرية وشعرها المبلول مازال يتناثر على كتفيها.. بدت له أشبه بلوحة خيالية لا يمكن أن توجد على أرض الواقع!! فكيف يكون على أرض الواقع هذا الحسن.. وهذه البراءة.. وهذه الفتنة؟؟ اقترب ليجلس قريبا منها.. لتتأخر هي بجزع.. حينها تأخر هو قليلا وهو يشعر أنه يقهر روحه لأقصى درجات القهر ليبعد نفسه عنها.. بينما يشعر أنها كالمغناطيس الذي رغما عنه لابد أن يلتصق به.. همس علي بيأس: شعاع ياقلبي أنتي.. يانور عيوني.. أدري إني غلطت يوم خوفتش مني.. بس غصبا عني.. لا تخلين ذا الشيء حاجز بيننا.. تكفين.. أنا ماهقيت إني بشوفش قدامي.. لا تخربين علينا شهر عسلنا عشان غلطة صغيرة والله ماقصدت أضايقش فيها.. شعاع بصدمة: غلطة صغيرة؟؟ وشهر عسل؟؟ أي عسل هذا اللي في ظنك إني ممكن أعيشه وياك؟؟ ثم أردفت برجاء طفولي عميق: تكفى علي.. أنا بسافر معك لعلاجك.. وماراح أقول لأحد شيء.. بس تكفى لا تجي جنبي.. وإذا رجعنا طلقني.. تكفى!! علي قفز وهو يرتعش بشدة.. وكلماته تتبعثر بصدمة كاسحة: نعم .. نعم؟؟ أطلقش؟؟ أنتي صاحية؟؟ أخليش عقب ما لقيتش؟؟ شد له نفسا عميقا وهو يحاول التماسك رغم أنه يشعر أنه سينهار.. وكل الطاقة التي في جسده كما لو كانت سُحبت فجأة ككقنديل سُحب ضوءه فجأة.. همس بنبرة تهدئة مرهقة: اسمعيني زين شعاع.. ماراح أجي جنبش إلا برضاش... بس تكفين طاري الطلاق ذا ما تجيبينه حتى لو كنتي ماتقصدينه.. سمعتيني.. لا تستعجلين.. يمكن تكونين أرملة أقرب.. شعاع انتفضت بجزع.. " يعني عارف إنه مريض لدرجة إنه ممكن يموت ومع كذا يركض وراء شهواته لين آخر لحظة!! أعوذ بالله من مثل ذا الإنسان!! أعوذ بالله!! " علي أنهى عبارته ثم توجه للسرير وأندس فيه وهو يتمتم بالأذكار.. مثقل بإرهاق غير طبيعي... إرهاق نزع منه إحساس الحياة المذهل الذي شعر به يتدفق إلى عروقه إلى درجة الأمتلاء المتفجر حين رآها أمامه.. فالطاقة الروحية المتدفقة التي شعر بها جابهها الآن رغما عنه يأسه وصدمته وضعف جسده فعلا.. فآخر غذاء دخل لعروقه هو الجلوكوز الذي عُلق عليه هذا الصباح!! "يا الله.. وش فيها عليّ؟؟ يعني تهورت وضميتها وحبيتها.. يكون سبب عشان تطلب مني الطلاق؟؟.. والله العظيم ما أبي منها شيء.. تكفيني شوفتها.. بس شوفتها برضاها وهي مبسوطة .. مهوب وهي مجبورة وتبكي!! يا ربي... تكون وافقت علي مغصوبة؟؟!! أو زعلت لأني مهما كان عرضت على وحدة الزواج وهي على ذمتي؟؟!! بس هي ماقالت لي وش سبب زعلها؟؟ ما على لسانها إلا.. لا تقرب مني!! ياقلبي ما أبي أقرب.. . إلا أبي أقرب وأبي أكون أقرب أنفاسش!! يا ربي بأستخف.. بأستخف " تنهد بعمق وهو يحاول إراحة جسده المنهك.. ورغم كل شيء.. كان يغلق عينيه وعلى شفتيه إبتسامة شفافة.. فهو لم يتخيل ولا حتى في أكثر أحلامه جموحا وبعدا عن التصديق أنه قد ينام وهي معه في ذات المكان.. إنه قد ينام وروحه قد سكنت بمعرفتها.. بل بضمها لصدره بعد كل أيام الشقاء والقهر واليأس.. لا بأس.. لتخف منه الليلة.. الايام طويلة.. ومادامت أنفاسه تردد.. تكفيه بالفعل رؤيتها أمامه رغم كل التضادات والتعارضات!! ****************************************** كان يهز كتفها برفق وهو يهمس قريبا من أذنها: " مزنة.. مزنة !! " انتفضت بعفوية وهي تهمس بحميمية عفوية ناعسة: لبيه حبيبي.. ابتسم هو أيضا بشكل عفوي عميق عميق عميق.. وهو يراها تعتدل بحرج أو ربما بعتب عليه وعلى نفسها قبله.. وهي تشد روبها من جوارها لتلبسه.. شد روبها من يدها وهو يقبل رأس كتفها ثم يهمس في أذنها بدفء: أول مرة تقولين لي حبيبي..!! مزنة شدت الروب من يده وهمست بحزم وهي ترتديه: وحدة قايمة من النوم نعسانة وماعليها شرهة.. ابتسم زايد وهو يحيط كتفيها بذراعه: زين خلي الشرهة علي.. وأنا آسف لأني ماقلت لش على السفر.. بس السالفة جات بسرعة توها ترتبت أمس عقب ماطلعت من عندش ومالحقت أقول لش.. مزنة شدت نفسا عميقا لتهمس بعدها بحزم مختلط بالرقة: أنا ما أبيك تعتذر زايد.. بس أنا جد تضايقت إني سمعت الخبر من بنتي!! يعني كساب لقى وقت يقول لها.. وأنت مالقيت..؟؟ أنا اللي آسفة.. بس أنا لا قفلت.. صرت شينة ومخي يقفل.. ابتسم زايد وهو يشدد احتضانه لكتفيها: وعسى التقفيلات ذي مهيب واجدة بس؟؟ ابتسمت مزنة وهي تحتضن خصره: الله كريم.. أنت وحظك!! " أما إنك غريب يازايد..!! مهوب هذا اللي تبيه.. مزنة المقفلة الحادة!! مثل مزنتك في شبابها!! ليه الحين ماعجبك تصرفها؟؟ . ما أدري.. ما أدري.. مـــــا أدري!!.. يمكن ما قدرت أتقبل ذا الشيء من مزنة الحين اللي عرفتها رايقة وهادية ورزينة!! وبشكل عام ماقدر أتقبل إن مرتي ترادني.. وتطول صوتها عندي.. صدق إنك غريب يازايد!! " زايد هتف بحزم حان: زين مزنة.. أبيش تتصلين بشعاع وتسألينها عن حال علي لو زين.. أو بأمر أوديه المستشفى.. لأني لو كلمته بيقول مافيني شيء... ابتسمت مزنة وهي تقف: شوي زايد بأتصل فيهم عقب ساعة.. يمكن مابعد قاموا الحين!! ************************************************ تنهدت بعمق وهي تنهي اتصالها مع مزنة.. أكثرت مزنة عليها من الوصايا التي أرهقت روحها البريئة الشفافة.. " علي مريض.. وما يأكل وهذا سبة مرضه.. حاولي فيه يأكل.. لأنه لو ماكل بيجي أبيه يوديه المستشفى يركبون عليه مغذي.." مع إنهاءها للاتصال كان علي يخرج من الحمام وهو يستند بإرهاق على باب الحمام.. كان يبتسم بإرهاق وابتسامته تتسع وهو يراها أمامه إشراقها أكثر من إشراق شمس هذا الصباح.. وبهجة رؤيتها تبعث في روحه سعادة أكثر من أقطار الأرض الأربعة!! كان على وشك سؤالها من كان يتصل بها .. لولا أنه ترنح ثم سقط مغشيا عليه دون مقدمات.. شعاع قفزت بجزع ناحيته وهي تجلس على الأرض وترفع رأسه إلى حضنها.. كانت تربت على خده برفق وهي تهمس برفق جازع: علي.. علي.. لا تعلم كيف بدأت الأفكار المتعارضة تتوارد إلى بالها بجنون وهي تنظر لملامح وجهه وتحاول إيقاظه بجزع روحها المتزايد: " ياربي أشلون واحد له ذا الوجه الحلو السمح اللي ماينشبع من شوفته ويكون كذا؟؟ صدق إنه تحت السواهي دواهي!! . يا ترا المرض اللي معه ممكن يكون ينتقل بالنفس؟؟!! لا... لا ما ظنتي.. لأنه أكثر الأمراض هذي ما تنتقل إلا بالإتصال!! . يا ربي هذا وش فيه ما يقوم؟؟" همست برقتها الجزعة: علي.. علي تكفى قوم.. فتح عينيه بضعف ليجد رأسه مسندا لحضنها وقريبا من صدرها.. كان بوده أن يدير رأسه ليدفن وجهه في ثنايا صدرها.. ولكنه منع نفسها حتى لا يخيفها منه .. كل ما أستطاع فعله أنه همس بيأس مثقل بالولع: ليتش تعرفين بس وش كثر أحبش... أنا مهوب بس أحبش.. أنا أتنفس هواش.. عشان كذا الفترة اللي راحت كلها ماكنت قادر أتنفس.. توني قدرت أتنفس من البارحة بس!! يا الله ياشعاع حرام عليش اللي سويتيه فيني قبل.. واللي تسوينه الحين.. رغم أنها تعلم أنه يكذب.. ولكنها لم تستطع منع قلبها البريء الغبي من الارتعاش..!! فهي لأول مرة تسمع مثل هذا الكلام.. وبهكذا نبرة تذيب القلب فعلا!! همست بتوتر خجول: ما تبي تتريق؟؟ ابتسم بإرهاق: ما أبي.. تكفيني شوفة وجهش قدامي ياقلبي!! حينها شعرت شعاع بالصداع وهي تهمس له بنبرة خجولة رقيقة: خلاص ما تبي تأكل.. ماني بماكلة.. مع إني بأموت من الجوع.. حينها همس بحنان وهو يعتدل جالسا: لا خلاص بأتريق بس تعالي سنديني مافيني حيل أقوم.. لا يعلم هل هو فعلا يحتاج لمن يسنده؟؟ أم هي حيلة العاشق غير المقصودة؟؟ شعاع همست بخجل عميق وهي تخشى أنها قد لا تستطيع أسناده: خلاص حط يدك على كتفي.. أحاط كتفيها بذراعيه.. وهو يقف معها متوجهان للجلسة.. الرحلة القصيرة كانت بالنسبة لها أشبه برحلة عذاب كريهة وهو ملتصق بها هكذا.. وماخفف عنها لا تعلم كيف.. رائحة عطره.. كانت رائحة تسبب الدوار الأشبه بالغيبوبة العذبة.. شمت رائحة عطور والدها وعبدالرحمن وكلها من العطور الفخمة الفاخرة.. ولكن لم يكن لهما ذات تأثير عطره... شفاف.. أثيري.. فخم.. حنون!! فما هو سر عطره؟؟؟ ماسره؟؟ هو كان يشعر أنه سيذوي فعلا وهو يشتم عبق رائحتها من هذا القرب... ويشعر بليونة عظامها تحت ذراعه.. تمنى هو ألا تنتهي هذه الرحلة أبدا.. ولكنها انتهت وهي توصله للمقعد وتبتعد عنه هاربة وهي تجر أنفاسها المحتبسة!! كانت تنظر له بيأس.. يبدو اليوم مريضا فعلا.. ستقوم بواجبها ناحيته كما يفترض من اي زوجة.. لكن كل ماتريده ألا يفكر أن يقترب منها أبدا!! همست برقتها التلقائية وهي تقرب طاولة الفطور : دام أنك ماكنت تاكل الأيام اللي فاتت.. كل بس شيء خفيف.. واشرب حليب طازج وبس.. ابتسم علي بولع شفاف: إذا شفتش تأكلين.. بأكل اللي بتعطيني إياه.. حتى لو عطيتيني المخدات كليتها بدون ما احس!! ******************************************** " وش عندش مصحبتنا من بدري يا المزعجة؟؟ إيه وش عندش سريتي البارحة من بدري مع أبو الشباب وجيتي تزعجينا الحين.. مهوب كفاية توني خلصت من أختش البارحة واقول بأسيطر على الشيبان ألاقيش ناطة!! " جوزاء تضع حقيبتها وهي تشد حسن لتجلسه وتهمس لعالية بخفوت: ياكثر بربرتش.. أمي شأخبارها؟؟ عالية حينها هزت كتفيها وهمست بسكون: ما أدري ماشفتها.. أنا قاعدة هنا من بدري عشان أقهويها.. بس هي مانزلت من غرفتها.. واستحيت أطلع لها.. بس مر علي أبيش يهاد ذبان وجهه.. جوزا بتاثر: إذا أبي يهاد وجهه.. أجل أمي وش مسوية؟؟ أنا بأطلع أشوفها.. حطي عينش على حسون.. عالية تشد حسن لحضنها وهي تهمس بنبرة مرعبة تمثيلية مضحكة: خليه عندي لأني أبي أكله.. جوعانة ماتريقت!! جوزاء صعدت لغرفة والديها وهي تسمع صوت ضحكات حسن المتعالية لأن عمته كانت تدغدغه... طرقت باب الغرفة بخفة.. وفتحت الباب فلم تجد أحدا.. حينها علمت أين ستجدها.. توجهت لغرفة شعاع.. لتجدها هناك فعلا.. تضع ملابس شعاع المتبقية في حقائب.. وتبدو عيناها الباديتان من خلف فتحات برقعها متورمتان من البكاء.. جوزا جلست جوار والدتها على الارض وهي تضم كتفيها وتقبل رأسها وتهمس بتاثر عميق: يمه الله يهداش ترا بنتش ماهاجرت.. ترا كلها خطوتين.. ثم حاولت أن تردف بمرح فاشل: الظاهر اشعيع أغلى مني بواجد.. ماسويتي كذا يوم رحت أنا.. أم عبدالرحمن لم تجبها حتى وهي مستمرة في وضع الملابس في الحقائب.. همست حينها جوزاء بذات النبرة المتأثرة: زين أنتي الحين وش تسوين؟؟ أم عبدالرحمن أجابت باختناق: أبيش كان يفكر يسوي الطابق الثاني كله لعبدالرحمن.. بس حادث عبدالرحمن أجل الفكرة.. خلاص خليني الحين ألهى في ذا السالفة لا أستخف!! بأنزل أغراضنا كلها في الغرف اللي تحت!! جوزا تشد أمها بلطف: زين فديتش خلاص أنا والخدامات بنرتب الأغراض ونخلي العمال ينزلونهم.. أم عبدالرحمن برفض حازم: لا أنا أبي أشتغل بروحي!! *************************************** " ياربي عليش ياجميلة.. يعني إلا تجيبني هنا وصباحية عرس أخي.. حاسة إني بأموت من التعب" جميلة تبتسم وهي تخلع نقابها وتضعه جواره: أي صبح حن الحين عند الظهر.. وبنشرب الحين كوفي وبتصحصحين.. مزون بتأفف: تدرين بعد إني ما أطيق اللاندمارك بكبره.. جميلة تبتسم: شأسوي متعودة أفصل عباياتي في المتحجبة هنا.. تعودت شأسوي.. خلينا الحين نتقهوى.. وعقب نأخذ عباتي ونمشي على طول.. مزون تبتسم بإرهاق: زين ماكان ينفع بكرة.. أنا عطلت خلاص بأوديش أي وقت.. جميلة تبتسم: لا ماينفع.. بكرة رفيقاتي مسوين لي بارتي صغير.. كانوا ينتظرون يخلصون امتحانات الجامعة وتوهم خلصوها.. وأبي ألبس عبايتي الجديدة.. مزون بذات النبرة المتأففة: زين كنت بأوديش الصبح.. والبارتي أكيد عقب العشاء.. ابتسمت جميلة: لا البارتي العصر.. لأنه أمي مارضت يكون في الليل.. وبعدين أنا بكرة من الصبح مشغولة.. أبي أسوي لنفسي حمام مغربي وأدلع نفسي صايرة خبيرة حمامات مغربية من القعدة البطالية.. وعقب بتجيني الكوافيرة تسوي شعري وتسوي لي بديكير منيكير يالله ألحق أخلص على العصر.. ضحكت مزون: أما أنا بصراحة ماشفت وحدة تهتم بنفسها كثرش.. وش الحمام المغربي اللي صايرة تسوينه لروحش كل أسبوعين.. لو منتي بملاحظة جلدش قرب يسيح من النعومة.. وانتي أساسا ذايبة على روحش من خلقتش!! قالتها مزون وهي تشد معصم جميلة البالغ النعومة تتحسه بمرح.. جميلة شدت معصمها وهي تهمس بمرح: الله أكبر عليش.. قولي ماشاء الله.. خليني أهتم بنفسي وش وراي.. أنا أساسا كنت أنتظرش تخلصين جامعة عشان أستلمش شوي.. إذا ماخليت كابتن غانم يستقيل ويقعد جنبش.. قولي جميلة ماقالت!! مزون بخجل: صدق قليلة أدب.. تحشمي يا بنت.. أنا أكبر منش بـ3 سنين ياقليلة الحيا!! كان الحوار مستمر بين الاثنتين وهما ترتشفان قهوتيهما في مقهى أوبرا القسم النسائي.. كانتا على وشك الانتهاء حين دخلت فتاتين.. أحدهما تدفع عربة طفل صغير عمره حوالي 9 أشهر.. انتفضت جميلة بشفافية وهي تتعرف على الطفل.. الذي عرفته من الصور الكثيرة التي رأتها.. وعرفته كذلك من عربته وملابسه!! فهذه العربة بل حتى الملابس التي يرتديها والتي تشكل طقما مع العربة هي من اشترتها له من محل لايوجد أبدا في قطر !! والغريب أنهما جلستا في أقرب طاولة لمزون وجميلة.. مزون همست لجميلة باستغراب: وش فيش كن القطوة كلت لسانش؟؟ جميلة باختناق متوتر: مزون خلاص خل نحاسب ونطلع.. أشارتا للنادلة أن تأتيهما بالفاتورة.. بينما كانت الفتاة الثانية تهمس بتأفف رقيق لأم الطفل: الله يهداج أم أحمدوه.. أخاف أطول على خليفة.. قلت لج خل نأخذ أغراضي ونطلع.. بس أنتي إلا تيين هني.. جميلة شعرت بالصداع وهي تسمع حوارهما بهذا الوضوح ومع سماعها لاسم خليفة زاد صداعها.. ابتسمت أم أحمد: يعني أنتي ساحبتني معاج تقولين تبين أغراض.. وحتى قهوة حرام تشربيني.. أنتي مامليتي من مجابل ويه خليفة طول هالأسبوع اللي فات.. حتى سفر ماسافرتوا.. خلاص فكي عنه خله يتوله عليج يا المسبهة.. ابتسمت العروس برقة: ياربي منج.. صج الرازق في السما والحاسد في الأرض.. ما ألوم جاسم يشرد من ويهج النكد.. جميلة قفزت وهي ترتدي نقابها وتهمس لمزون باختناق: خلاص أنتي ادفعي وتعالي لي في المتحجبة.. مزون كانت تنظر لها باستغراب وهي تهرب متعثرة في خطواتها.. وهي تركض باتجاه الدرج.. كانت تهمس في داخلها.. " لن أبكي.. لن أبكي.." (خلاص الله يهنيه!! دامه مبسوط.. أنا ما أبيه إلا مبسوط أنا ماقدرت أسعده ولا أملأ عينه.. الله يهنيه!! الله يهنيه!! ) كانت تكرر عبارة (الله يهنيه) دون أن تشعر بانحدار دموعها الشفافة التي أغرفت نقابها.. مشاعر حزن شفافة تغزو قلبها.. وكأنها تُجبر على أن تطوي صفحة من حياتها لم تكن تريد أن تطويها بعد!! *************************************** " أنت من جدك سقت سيارتك من الفندق لين هنا؟؟" علي ببساطة: إيه وش فيها؟؟ زايد بغضب: لا والله منت بصاحي.. لو أنك دعمت في الطريق لا قدر الله.. أنت فيك حيل تسوق؟؟ علي يبتسم: ما أشين فالك يبه.. زايد يتنهد: يأبيك ما أفاول.. بس أنا تروعت يوم طلعت ومالقيت سيارتك.. وتروعت أكثر يوم قالوا لي العمال إنك اتصلت وطلبت واحد منهم يجيب سيارتك للفندق.. علي بذات الابتسامة الودودة: زين مرتي تبي تروح تشوف أهلها.. أوديها على تاكسي؟؟ ابتسم زايد بأبوية: يا النصاب.. السواق اللي جاب لك السيارة كان جابك أنت وياها.. علي بذات ابتسامته المحلقة: يعني أول مشوار لي أنا ومرتي ويودينا سواق... شايفها حلوة في حقي؟؟ إحساس دافئ غريب يتعاظم في روح زايد بدأ منذ رأى علي يدخل عليه هذا المساء.. هتف بدفء حان: يأبيك وجهك متغير.. وضحكتك ماشاء الله مافارقت وجهك... الظاهر إن شوفة بنت فاضل جايبة نتيجة غير متوقعة..؟؟ ابتسم علي وهمس بنبرة مقصودة تماما: فوق ما تتصور يبه!! زايد مستغرب تماما.. الفتى كان سيموت من العشق وفور رؤيته لزوجته بدأ يتحسن.. أما مازاد في استغرابه فعلا أن عليا أشار للمقهوي: يا ولد قرب الفوالة.. وصب لي قهوة أنا وعمك زايد.. كان زايد ينظر له بذهول حقيقي وهو يراه يلتهم نصف حبة المعمول ويرتشف فنجانين من القهوة.. ثم يضع فنجانه وهو يهتف بمودة باسمة: لو علي أنا كان كلت الصحن كله.. وشربت الدلة كلها.. حاس لي سنين ماشربت قهوة.. بس ما أبي أثقل على بطني وأنا توني ماتعودت على الأكل.. زايد سأل بصدمة سعادته غير المعقولة: يأبيك أنا أفرح ماعلي أشوفك تأكل وتشرب.. وأنا اللي كنت بأموت عشان أشوفك تشرب ربع قلاص عصير.. بس يأبيك ماحد يتغير في يوم وليلة.. إلا لو صارت له معجزة.. علي بنبرة مقصودة جدا: ويمكن اللي صار معي معجزة!! زايد يتنهد بعمق سعادته المحلقة التي شعر توشك أن تفجر حناياه: الله يديم المعجزات عليك يأبيك.. وش معجزتك أنت؟؟ علي بأبتسامة مقصودة: تقدر تقول إن مرتي دخلت مزاجي وعقب عدلته لين آخر جد.. زايد بصدمة: يأبيك حدث العاقل بما يعقل.. هو مزاجك مثل الزر اللي يشغلونه ويطفونه.. ثم قطع زايد كلامه وهو يردف بسعادة حقيقية وابتسامة متسعة جدا: خله يكون زر.. مايهمني.. المهم إنك مبسوط.. مبسوط يأبيك؟؟ علي بسعادة حقيقة: مبسوط شوي على اللي أنا حاس فيه!! شعر زايد حينها أن شرايين قلبه تكاد تتهاوى من فرط ضغط السعادة وهو يهمس بتأثر رجولي: لازم أقوم أصلي ركعتين شكر الحين!! وفعلا نهض من مكانه قبل أن يردف باهتمام : شوفتك نستني وش كنت أبي أقول لك.. خلاص رحلتنا بكرة العصر إن شاء الله.. ابتسم علي: تقصد رحلتي أنا ومرتي..؟؟ زايد ضحك: ماتبي خوتي يا الهيس؟؟ علي بمرح: خوتك على الرأس والعين.. بس حد يأخذ أبيه في رحلة شهر عسل.. حينها تغير وجه زايد للقلق الجدي: علي الله يهداك وضعك الصحي أنت عارف إنه تعبان.. ولازم يكون معك حد... لو تعبت هناك..البنية المسكينة بتبلش فيك!! علي بإصرار: يبه أنا أعرف أتصرف زين.. أنا واحد شغلي كله كان برا.. ماني بعارف أتصرف يعني.. زايد يحاول اقناعه: يأبيك ماقلت إنك منت بعارف تتصرف.. بس أنا ما أقدر أخليك وأنت وضعك كذا.. علي بإصرار حازم: أرجوك يبه.. خلاص.. قلت بسافر بروحي.. وأوعدك أخلص فحوصي كلها لا تحاتي.. ****************************************** كانت شعاع غاية في التألق والتأنق وهي تبالغ في التزين حتى لا يلاحظ أهلها شحوب لونها.. أما توترها فهي تعلم أنهم سيرجعونها لخجل العرائس الطبيعي!! جوزاء تقرص جنبها بمودة وهي تهمس بحنان: العرس يخلي البنات حلوين كذا؟!! همست شعاع بذبول فسروا نبرته المنخفضة بأنه خجل: مثلش.. هذا أنتي من عقب رجعتش لعبدالله وأنتي محلوة بزيادة!! همست جوزاء في أذنها بخفوت: علي شأخباره معش؟؟ شعاع تتلاهى عن إجابة سؤالها بسؤال آخر: أمي وين راحت؟؟ جوزاء بحنان: أمي شكلها بتسوي لش العشاء بنفسها.. ياربي نفسيتها زفت من الصبح توها زانت يوم شافتش.. شعاع بتأثر: فديت قلبها.. زين علوي أم لسانين مامنها فايدة تخفف عن أمي.. جوزاء تبتسم: المسكينة تحاول.. بس أمش مقفلة من الضيقة.. شعاع قطبت جبينها بتساؤل: إلا عالية وين راحت؟؟ جوزاء بتلقائية: اتصل فيها عبدالرحمن وقال لها إن خالها بيجي يسلم لها وراحت له في مجلس النسوان.. ***************************************** وإن كانت شعاع تأنقت للتظاهر.. فهناك عروس أخرى تأنقت لإحساسها الحقيقي بالألق والسعادة.. نايف ينظر لها بنظرة مقصودة من تحت أهدابه: ماشاء الله نفسيتش جايه على العرس.. منورة من قلب وشدوقش تقولين إعلان معجون أسنان!! عالية تضحك: تنظلني يا الدب؟؟ يعني غاط من يوم عرسي.. ويوم طلعت جاي عشان تنظلني.. نايف بذات النبرة المقصودة تماما: والله ماشفتش فقدتيني.. ولا كلمتيني..؟؟ مشغولة الله يعينش.. عالية بعفوية: لا تزعل مني فديت عينك.. بس والله لهيت مع البنات في تجهيز عرس حماتي وتوها تزوجت البارحة... نايف بذات نبرته المقصودة المريبة: مبروك إن شاء الله.. وعقبال مايصير عندكم عرس ثاني.. ضحكت عالية: خلاص خلصوا.. إلا لو عمي فاضل يبي يجدد شبابه.. نايف يكمل بذات النبرة: فيه من هو أصغر من فاضل.. تدرين علوي الطبخة عجبتني مـــــوت!! عالية باستغراب: أي طبخة؟؟ نايف بتلاعب: يووووه أقصد حركة عبدالرحمن يوم أحرج خالد.. وحركة عطني وجهك وتم.. ذكرتني بسوالف أمي الله يرحمها... عالية شعرت بخجل رقيق فلم تعرف ماذا تقول وصمتت ولكن نايف لم يصمت فهو لديه ماخطط تماما ليقوله: تدرين علوي.. عبدالرحمن على حركته المنقرضة.. خلاني أشتهي أسوي حركة أكثر انقراض.. عالية باستغراب: أي حركة؟؟ نايف بنبرته المقصودة المتلاعبة الحازمة: تذكرين يوم كانت أمي تسولف لنا.. عن إن الرجال أول كان أحيانا إذا طلق مرته.. يقول (ترا فلانة طالق من وجهي في وجه فلان) عشان يجبر الرجّال الثاني إنه يأخذ مرته... وفضيحة عليه لو ماخذها وطليقها علقها في وجهها... عالية لم ترتح مطلقا لنبرة نايف وهي تهمس بغضب: وش لازمة ذا الحكي الفاضي..؟؟ نايف بحزم بالغ مرعب: مهوب فاضي.. لأني باطلق وضحى وبأطلب من عبدالرحمن يأخذها!! وبأحرجه وأحده على أقصاه عشان يأخذها!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والسبعون نايف بنبرته المقصودة المتلاعبة الحازمة: تذكرين يوم كانت أمي تسولف لنا.. عن إن الرجال أول كان أحيانا إذا طلق مرته.. يقول (ترا فلانة طالق من وجهي في وجه فلان) عشان يجبر الرجّال الثاني إنه يأخذ مرته... وفضيحة عليه لو ماخذها وطليقها علقها في وجهها... عالية لم ترتح مطلقا لنبرة نايف وهي تهمس بغضب: وش لازمة ذا الحكي الفاضي..؟؟ نايف بحزم بالغ مرعب: مهوب فاضي.. لأني باطلق وضحى وبأطلب من عبدالرحمن يأخذها!! وبأحرجه وأحده على أقصاه عشان يأخذها!! عالية قفزت بغضب شديد: تدري أسخف من ذا الكلام وأحقر ماسمعت.. نايف وقف أمامها بتحدي ونبرة حازمة: لا والله يا بنت أختي.. الحقارة إن البنت تطبخ الطبخة مع حبيب قلبها.. وعقبه تلعب على خالها وتخليه مثل البهيمة اللي تنفذ مخططاتها بدون تفكير.. هذي هي الحقارة!! عالية تفجر غضبها أكثر: أنت وش تبربر وش تقول؟؟ نايف ضحك بسخرية: وش أبربر؟؟ لا والله البربرة هذرتيها مع حبيب القلب من ورا هلش.. عالية تراجعت خطوة للخلف وهي تهمس بصدمة مختلطة بنبرتها الغاضبة: نعم؟؟ ولكن نايف شدها بقوة من عضدها وهو يهتف بقسوة حازمة: الله ينعم عليش ياحبيبة خالش.. يا اللي ماتدسين عليه شيء.. يا اللي أسراركم وحدة.. يعني كنتي تكلمين عبدالرحمن من ورا هلش.. صحيح إنه منقود.. لكن لا هو حرام ولا عيب عشان تدسين علي أنا سالفة مثل ذي.. وأنتي تلفين وتدورين عشان تزوجيني بنت خاله... يعني وش فيها لو قلت لي كل شيء بصراحة.. من متى وأنا وأنتي بيننا حواجز.. لكن دامش حطيتي الحواجز وخدعتيني وأرخصتيني وضحكتي علي.. جزاش مثل ماسويتي فيني.. وحدة خذتها بالخدعة وعشانش.. مالي حاجة فيها... خل عبدالرحمن يأخذها!! وانبسطي أنتي وإياها.. وصيروا ربع.. وانتوا في بيت واحد.. ضراير وش حليلكم.. حينها همست عالية باختناق حقيقي وعيناها تمتلئان بالدموع: نايف أنت جدك؟؟ نايف أفلتها وهو يدفعها بحدة ويهتف بحدة قاسية: ومابعد كنت من جدي مثل الليلة!! ************************************** " يبه.. علي وش فيه؟؟ أنتو غيرتوا له العلاج وأنا مادريت؟؟ أو عطيتوه فاتح شهية قوي؟؟" ابتسم زايد ابتسامته الفخمة باتساع: ليه تسأل يعني؟؟ كساب بصدمة: ليش أسأل؟؟.. أنا قربت أنسى شكل علي وهو يمد يده لثمه ويأكل.. انصدمت إنه قام معنا على العشاء.. صحيح كل أكل خفيف.. بس أنا ماهقيت إنه بيأكل حتى!! ابتسم زايد : يقول إن شوفت بنت فاضل فتحت نفسه.. لم يستطع كساب إلا أن يضحك لفرط سعادته: والله إن بنت فاضل تستاهل السمن يصب إيديها كانها اللي خلته يأكل.. منصور العائد من الحمام ليغسل يديه بعد العشاء جلس جوار زايد وهو يشده ناحيته ويهمس في أذنه بذات سؤال كساب.. بينما علي توجه ليجلس جوار كساب من الناحية الآخرى وهو يهمس في أذنه بمرح: مايسوى علي ذا العشاء اللي تعشيته بتطلعونه من بطني أنت وعمك وعيونكم طايرة فيني وأنا أكل.. تقولون مابعد شفتوا ناس يأكلون؟؟ كساب يبتسم: شنسوي كنا خايفين تأكل عشانا وتخلينا ماشبعنا.. ثم أردف بمودة: تبيني أوصلك للأوتيل؟؟ علي برفض باسم: مشكور طال عمرك.. بأروح بنفسي.. وتكفى ماترادني عجزت من المرادد مع أبيك.. وعلى طاري المرادد.. أنت وأبيك لين متى منشفين ريق غانم المسكين..؟؟ خلوا المسكين يحدد موعد عرسه.. أنا طيب مافيني شي.. ولا تخلوني عذر لكم.. ومزون خلصت الفصل.. على الأقل خلهم يتزوجون ذا الصيفية قبل ما ترجع الجامعة الفصل الجاي.. ************************************** " عالية وش فيها من يوم رجعت من عند خالها وهي مكتمة مرة وحدة!!" جوزاء تجيب شعاع باستغراب: ما أدري وش فيها؟؟ حينها سألتها شعاع برقة: منتي برايحة لبيتش زين؟؟ جوزاء بتردد: ما أدري.. ودي أرقد عند أمي.. بس لو أقول لعبدالله بيذبحني!! شعاع بيأس رقيق: لذا الدرجة أمي متضايقة؟؟ جوزا تبتسم: مهيب متضايقة بس تبي تتدلع على أبيش شويتين.. لا تهتمين خلي ذا السالفة علي وقومي تجهزي.. رجالش مهوب كلمش وقال إنه جايش الحين..؟؟ شعاع بضيق: بلى جاي.. جوزاء بمرح: وليش لاوية بوزش.. قومي البسي عباتش.. عيب تنقعينه في السيارة.. شعاع سلمت على أمها وعالية وخرجت ترتدي عباءتها عند مرآة المخرج ومعها جوزاء التي كانت تحمل حقيبتها حتى تنتهي من لبس نقابها.. رنة رسالة تصل لهاتف شعاع فتهمس جوزاء بخبث: عادي نقراها وإلا صار عندنا أسرار..؟؟ شعاع بعفوية : افتحيه تلاقينه مسج من كيوتل يقولون ادفعوا الفاتورة لا نحوسكم حوس!! جوزاء بابتسامة متلاعبة: الرقم سبيشل والكلام سبيشل.. والله من بهينة يا بنت فاضل.. وأنا اللي أقول اشعيع بريئة.. جبتي رأس الرجال من أول ليلة!! "طعون" مرة وحدة.. خفي اللعب عالمسكين.. شعاع انتزعت الهاتف والحقيبة من يد جوزا ووجهها يتفجر حرجا وتختنق بغصات خجلها وضيقها وهي تلمح الرسالة التي مازالت الشاشة مفتوحة عليها قبل أن تضع الهاتف في الحقيبة وتخرج: " أنت الوحيد اللي بقلبي تمكنت.. تمون !!.. لكن لا تكثر طعونك!! " ركبت جوار علي وهي تتمتم بسلام خجول متوتر ثم تلتصق بالباب وهي تتمنى لو استطاعت البقاء في حضن أهلها وأمانهم بعيدا عن الرعب المجهول الذي تعيشه مع هذا الرجل المجهول المتلاعب.. همس علي بدفء حقيقي: هلا والله إني صادق ومن جدي.. اشتقت لش ياقلبي.. والله العظيم كني قاعد على مقلى من شوقي!! كان بود شعاع أن تصرخ به.. (لا تقول لي ذا الكلام ولا تكذب علي..) وكان بودها أن تبكي.. وتنزف كل هذا الحزن المكتوم في روحها.. ولكنها صمتت بيأس وهي تبتلع غصاتها.. بينما علي لم يتوقف مطلقا عن الكلام.. حينا يتغزل بها غزلا شفافا عميقا موجعا.. وحينا يحكي لها عن بعض الأماكن الي يمرون بها عن ذكرياته فيها أو معلوماته الخاصة عنها.. كان يحادثها وكأنها شخص يعرفه منذ قرون.. بينما هي عاجزة عن مجرد التواصل معه.. بموضوعية تامة.. كان حديثه غاية في المتعة والدفء ونبرة صوته الهادئة العميقة والدافئة أشبه ما تكون بمهدئ فعّال للأعصاب.. ولكنها عاجزة عن الإحساس به أو بما يقوله.. وإحساس الرعب منه يسيطر عليها تماما.. حتى وصل في محور حديثه إلى قوله: حبيبتي ترا بكرة سفرنا على طيارة العصر.. حينها همست باختناق خجول: ومن اللي بيسافر معنا؟؟ كاسرة ورجّالها؟؟ ابتسم علي: ماحد مسافر معنا.. فيه حد يأخذ معه مرافقين في شهر العسل..؟؟ شعاع بصدمة تتخيل حالها وهي معه لوحدهما.. كيف يتركونها معه وهو أشبه مايكون بقنبلة موقوتة تخشى تفجرها فيها في أي وقت..؟؟ كيف تفعل بها خالتها مزنة ذلك؟؟ كيف تتركها معه لوحدهما؟؟ صمتت... ماذا لديها لتقوله..؟؟ ليس لديها إلا الله عز وجل تدعوه أن يحميها منه!! بينما كان علي يكمل بقية حديثه بهدوء واثق: بكرة قبل الظهر بنسوي شيك آوت من الأوتيل وعقب بنروح نتغدى عند هلي.. وعقب بأمر بش هلش تسلمين عليهم قبل نطلع المطار.. وقبل أنسى.. هاش خذي.. هذا مفتاح بيتنا.. عطيه أمش لو تبينهم يرتبون أغراضش قبل نرجع من السفر.. همست حينها شعاع باختناق أشد: أنا وأنت بنسكن بروحنا؟؟ ابتسم علي بمودة: عندي بيت وش كبره.. وين نسكن يعني؟؟ صحيح إبي لو عليه يبيني معه في البيت.. بس الحين معه كساب.. وأنا أبي نكون بروحنا وبراحتنا... شعاع بتبعثر: قصدي.. بس...... شعاع تريد أن تبكي فعلا.. بماذا يفكر هذا الرجل؟؟ أيفكر بجعلها سجينة له طوال عمرها وهو يرسم هكذا مخططات طويلة الأمد.. ماعادت تعرف ماذا تقول.. أصبحت مشوشة تماما.. وبدأت تنتابها حالة اكتئاب يبدو أنها ستتعمق!! ********************************** " حبيبتي حرقتي قلبي.. طالبش تقولين لي وش مضايقش؟؟ " عالية بذبول: مافيني شيء حبيبي صدقني.. عبدالرحمن بيأس: عالية ياقلبي نشفتي ريقي.. صار لي ساعتين ألح عليش وأنتي تقولين ولا شيء.. مستحيل مافيه شيء.. نايف وش قال لش؟؟ جوزا تقول إنش من عقب ماراح من عندش وأنتي متغيرة.. حينها قفزت عالية بجزع: نايف ماقال لي شي.. ماقال شي.. تكفى لا تسأله عن شيء.. طالبتك.. لا تسأله.. ثم بشكل مفاجئ جلست على الأرض.. ودفنت وجهها في السرير قريبا من ساقيه الممدتين على السرير.. وهي تشهق بخفة!! عبدالرحمن فُجع منها.. وهو يمد يده ليمسح على شعرها..ويهمس بقلق شديد: والله العظيم حرقتي قلبي.. تعالي هنا.. تعالي.. عالية رفعت رأسها لتدفن وجهها في حضنه وهو يحتضنها بخفة.. لم يسألها عن شيء.. لأنه يعلم أنها لن تخبره.. عالية كانت شبه محطمة.. ليس خوفا من أن عبدالرحمن قد يفعلها ويتزوجها.. ولكن من صدمتها في نايف.. توأم روحها.. ونبضها.. لم تتخيل أنها بسبب خطأ بسيط قد ارتبكته قد يعاقبها هكذا عقاب.. وبهكذا قسوة.. لم تتخيل أن قلب نايف الحاني قد يقسو عليها هكذا.. فنايف دائما كان ملاذها حين تُغلق كل الأبواب في وجهها.. للحظات ظنت أنه يمزح.. ولكنه كان غاضبا منها فعلا.. وهددها بطريقة فاجعة وصارمة.. " معقولة يا نايف أنا تسوي فيني كذا!!" عبدالرحمن ظل محتضنا لها بكل حنو حتى أفرغت طاقة بكائها.. حتى رفعت رأسها وهمست باختناق وهي تمسح وجهها.. وتهمس بذبول مختنق: آسفة حبيبي.. أشغلت بالك معي.. سامحني.. بأروح أتسبح عشان أهدأ شوي وبأجيك.. فور مغادرتها له.. تناول عبدالرحمن هاتفه.. فهو كان ينتظر مغادرتها بفارغ الصبر ليقوم بهذا الاتصال.. فور أن رد الطرف الثاني هتف عبدالرحمن بمودة: مساء الخير نايف.. نايف بمرح: قده صبح طال عمرك.. ابتسم عبدالرحمن: وش نسوي بك وانت مسهرنا لين الصبح؟؟ نايف بحرج: أنا؟؟ حينها همس عبدالرحمن لنايف بحزم: نايف أنت وش قلت لعالية؟؟.. من يوم طلعت من عندها وهي حالتها حالة.. حينها انفجر نايف في الضحك المجلجل وهو يتناثر بالكلمات بين ضحكاته: خلها تستاهل.. أنا كنت أبي أثقل العيار عليها.. بس قلبي ما يطاوعني عليها الحمارة.. مع إنها تستاهل.. وأنت معها تستاهل مع احترامي لك... لو خليتها تنكد عليك يومين زيادة بعد أحسن.. بس يا الله.. بأحتسب أجري عند رب العالمين.. عبدالرحمن ضحك مع تهديد نايف المرح له.. ومن يغضب من نايف؟ : وليه وش سويت أنا بعد.. خلني بعيد عنك أنت وبنت أختك ماني بحملكم.. نايف مازال يضحك: قلها تفتح تلفونها وتقرأ المسج اللي بيجيها بعد شوي.. وأنت على قولتك.. اطلع من بيننا.. لأنه حن اثنين خبلان.. عبدالرحمن سمع بالفعل صوت رنة الرسالة التي وصلت هاتفها الموضوع على التسريحة.. كان بوده أن يقرأ الرسالة ولكنه كتم رغبته لسببين: الأول أنه ليس من حقه التدخل بينها وبين خالها.. فقد يكون هناك سر ما بينهما.. الثاني أنه حتى لو فكر أن يفعلها.. فحتي يقوم على كرسيه المتحرك.. ويصل هناك ستكون قد خرجت من الحمام. لذا انتظر حتى خرجت تلف شعرها بفوطتها بعد أن ارتدت بيجامتها.. كان وجهها ذابلا فعلا وهي تستدير لتنام جوار عبدالرحمن.. ولكن عبدالرحمن أوقفها وهو يهمس بإبتسامة: افتحي تلفونش جاش رسالة.. عالية توجهت لهاتفها بذات الخطوات الذابلة تناولته لتفتحته.. تفاجأت أن الرسالة من نايف فتحتها بتوتر.. لتتغير ملامحها للنقيض تماما... من ملامح ذابلة ساكنة.. إلى ملامح متفجرة بالحياة والحدة والصراخ والغضب: الحيوان النذل.. خالي الزفت.. خال العازة.. يا من يجيبه عندي أعضه لين أقول بس.. أشلون أمسي الحين من الحرة!! زين يانويف.. زين.. دواك عندي.. والله ما أعديها لك!! عبدالرحمن انفجر في الضحك لأنه كان يراها تسبه وتشمته وهي تضحك بشكل هستيري: والله أنك أستاذ يانايف بس عاد مهوب على الدكتورة عالية... انا ماحد آكلني الأونطة قدامك.. والله لاردها لك دبل.. عبدالرحمن استغل أنها اقتربت منها حتى يتنزع الهاتف من يدها لأنه علم أن في الحكاية مقلب وأراد أن يعرفه.. عالية تركت الهاتف له وهي تستدير لتجلس جواره وهي تحتضن عضده بقوة سعادتها وهي تقرأ معه الرسالة للمرة الثانية: " والله كان ودي أخليش تحترقين يوم يومين.. بس ماتهونين علي يا الدبة.. نسيت اقولش يوم جيتش .. إني اليوم رحت لتميم في شغله عشان يسأل هله متى يبون موعد العرس بالتحديد لأني مستعجل شويتين.. وأبيه على أبعد حد عقب شهر ونص شهرين... . تعيشين وتأكلين غيرها " عبدالرحمن ضحك: بصراحة مافهمت شيء.. يعني أنتي زعلانة ذا الزعل كله عشان نايف ماقال لش متى يبي موعد عرسه؟؟ ما أشوفه سبب بصراحة!! عالية احتضنت عضده أكثر وهي تهمس بسعادة حقيقية لأن نايف لم يخذلها: لا.. النذل نويف ما ادري أشلون اكتشف إني كنت أكلمك.. وقال لي أنتي خدعتيني.. وإنه يبي يطلق مرته ويورطك تزوجها عشان يأدبني.. ضحك عبدالرحمن: وأمانة عليش صدقتي سالفة خبلة مثل هذي.. نايف رجّال فيه خير.. أنا اللي ماعشت معه مستحيل أصدق لو قال لي.. أشلون أنتي؟؟ عالية بمرح: ما أدري.. مخي اختبص.. وهو بين شكله جدي ويروع من قلب.. حينها همس عبدالرحمن بغرور تمثيلي: وذا كله وبغيتي تموتين.. عشانش غيرانة علي لأجيب على رأسش وحدة.. عالية تفلت ذراعه وهي تهمس بمرح: روح بس... شايف روحك على الفاضي.. عادي عندي.. أنا ووضحى ربع أصلا.. عبدالرحمن رقص حاجبيه: زين ولو جبت لش كتكوتة من بنات الجامعة اللي كاشخين تقولين رايحين عرس مهوب للجامعة.. حينها همست عالية بغيظ فعلي: والله لأقطعك وأحطك في أكياس نايلون.. وخل الكتكوتة تشبع فيك حزتها.. ************************************** " يا أختي أنتي وش جابش عندي لغرفتي.. فارقي لرجالش!! أبي أنام.. زهقتيني!!" سميرة تتمدد على سرير وضحى وهي تضحك: من زين خشتش بس.. لو علي ما أبي إلا شوفة تيمو.. بس شأسوي هو مشغول بكمبيوتر صاحبه يقول يبيه ضروري بكرة الصبح.. وطردني لأني كل شوي مدخلة يدي مع يده أهندس معه.. ما أقدر أقعد فاضية يدي تأكلني!! وضحى بتأفف باسم وهي تتمدد جوارها: أنتي كل شيء فيش يأكلش.. أول مرة أشوف وحدة تهذر على الجهتين مثلش.. بإيديها ولسانها.. سميرة بمرح: زين خلينا من ذا الهذرة وقولي لي وش قررتي في اللي قاله لش تميم؟؟ وضحى بخجل: ما أدري مابعد فكرت.. أنتي وش رأيش؟؟ سميرة بمرح مختلط بالجدية: تبين رأيي.. مابدهاش.. عقب شهر وعشرين يوم بالضبط.. وضحى ضحكت برقة: وش معنى ذا التحديد الدقيق؟؟ سميرة بإبتسامتها العذبة: لأنه هذا وقت رجعتنا للدوام.. فليش تضيعين على نفسش إجازة الزواج.. يعني استغلي إجازة الصيف تتسوقين وأنتي مرتاحة.. وعقب خذي إجازة الزواج الأسبوعين من عيون الشغل.. وضحى تضحك: يمه منش يالسكنية.. ولا حتى طرى على بالي ذا كله.. سميرة قفزت بحماس: يعني أقول لتميم يقول لنايف..؟؟ وضحى بجزع خجول: لا لا.. لازم تقولين لأمي أول وهي بتقول له.. **************************************** البارحة بعد أن تمدد على السرير.. وعاود فتح عينيه ليجدها مازالت تجلس على الأريكة حلف عليها أن تنام هي على السرير ونام على الأريكة.. ولكن هل يتكرر هذا الليلة أيضا؟؟ بالفعل لايريد منها شيء مما يخطر ببالها.. يريدها أن تطمئن له فقط.. ولكن مادامت لا تريد أن تتقبل قربه ولا بأي طريقة فكيف ستبدأ تعتاد عليه!! كانت تجلس على الأريكة بعد أن أنهت وردها.. جاء وجلس قريبا منها حين انتهى هو أيضا وهو يهمس لها بولعه الحقيقي: حبيبتي شعاع الليلة بعد تبين تنيمني على الكنبة؟؟ شعاع دعكت يديها بتوتر.. بينما علي يهمس لها بعمقه الواله: والله العظيم أدري إنش مصدومة من تصرفي البارحة.. بس خلني أسالش شيء.. لو أبيش الله يحفظه لش.. غاب عنكم سنين ماتدرون عنه شيء.. وعقب رجع فجأة وشفتيه قدامش.. هل بتوقفين قدامه وتقولين له ياحياك الله يارجّال.. ووين الغيبة..؟؟ وإلا بتلوين عليه بدون مقدمات أو كلام؟؟ شعاع لا تعرف طبعا ماذا يقصد بكل هذا لكنها أجابته بعفوية: طبعا بأتلوى عليه.. من اللي له قلب يحكي ذاك الوقت من الصدمة؟؟ ابتسم علي: زين هذي حالتي بالضبط.. شفتش قدامي وأنا كنت أظن إني مستحيل أشوفش حياتي كلها.. تبين أقعد أخذ وأعطي معش في الكلام وأنا عقلي طار مني.. شعاع لا تصدقه إطلاقا لذلك لم تفكر حتى أن تسأله.. كيف إذن تتزوج واحدة وقلبك مع واحدة أخرى؟؟.. او كيف تتجرأ أن تخطب واحدة في يوم ملكتنا؟؟ فبالها في أمور أعمق وأهم الآن.. أن تحمي نفسها منه!! همست شعاع برقتها التلقائية: زين أنت الحين ليش تضرب ذا المثال؟؟ وش بتستفيد منه يعني؟؟ علي بدلا من أن يجيبها همس بولع: أنتي مخلوقة حقيقية وإلا حلم؟؟ أنتي الحين تتكلمين وإلا تنثرين شهد وسكر من بين شفايفش؟؟ شعاع اختنقت بالفعل ووجهها يتفجر احمرارا من الخجل.. حتى إن كانت لا تصدقه.. فهي لا تستطيع احتمال مثل هذا الكلام.. لا تستطيع.. براءتها لا تستطيع.. شفافية قلبها لا تستطيع.. نقاء روحها لا يستطيع!! علي حينها ضغط جانبي رأسه وهو ينظر بكل ولعه اللامتناهي إلى احمرار وجهها المتفجر: شعاع ياقلبي خفي علي.. أنا واحد ذايب بدون شي.. ارحميني.. شعاع بيأس: أرجوك علي لا تقول لي ذا الكلام.. أنا ماسويت لك شيء؟؟ علي باستنكار واله: ماسويتي لي شيء..؟؟!! أنتي مابقى شي من التعذيب ماسويتيه فيني من أول دقيقة شفتش فيها لين الحين.. حتى شوفت خدودش وهي مولعة حمر كذا يعذبني.. حتى وأنتي ساكتة تعذبيني.. وحتى يوم تحنين علي وأسمع همستين من بين شفايفش تعذبيني.. شعاع صمتت واحمرار وجهها يتزايد.. " يا الله هذا وش يبي مني بعد؟؟" همست باختناق: الحين علي.. وش اللي تبي توصل له من ذا الكلام كله؟؟ همس علي بشفافية عميقة: ما أبي شيء.. أبي أعبر عن مشاعري بس لا أموت من الكبت.. أنا ما أدري وين أفكارش موديتش.. بس صدقيني ..شوفتش قدامي تكفيني عن كل شيء.. ثم أردف بمرح شفاف: بس بعد حبيبتي لا تصيرين صكة مرة وحدة.. يعني مافيها شيء لو نمتي جنبي.. خليتيني أمسك يدش على الأقل.. عشان تتعودين علي شوي شوي.. مايصير ذا الحاجز اللي حاطته بيننا.. حينها همست شعاع بجزع: ولو أنت تهورت..؟؟ ابتسم علي: زين وتهورت.. صارت مصيبة يعني؟؟ ماعليش من كلام الدكتور.. لا تخافين عليّ.. هو وش عرفه إني لقيت دواي خلاص .. شعاع تكاد تبكي.. "هذا أكيد مهوب صاحي.. معقولة لذا الدرجة ماعنده إنسانية؟؟ أو هو مايدري بحقيقة مرضه؟؟ " ******************************************* " تميم الليلة قال لي إن نايف يبي يحدد موعد العرس خلال شهر ونص شهرين بالكثير... وش رأيك؟؟" زايد يضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه جانبا ويلتفت لمزنة التي أنهت قيامها ووردها للتو.. وتمددت جواره.. ويهمس بمودة صافية: الرأي رأيش أنتي وبنتش.. مزنة بأريحية راقية: ورأيك بعد.. وخصوصا إنك بتسافر بكرة.. وأكيد الموعد بيتحدد وأنت مسافر.. زايد بثقة: الموعد اللي بيناسب وضحى ودوامها براحتها.. وأنا بعد أبي أحدد موعد عرس بنتي لأنه غانم حرقنا بالإلحاح.. وأما السفر.. مابه سفر.. قاعد عندكم.. مزنة بتساؤل باسم: أفرح ماعلي تقعد عندنا.. بس علي من بيروح معه؟؟ زايد بإبتسامة شامعة: ماحد.. على قولته .. من اللي يأخذ معه مرافقين في شهر العسل.. ثم أردف بسعادة ودودة: تدرين يامزنة.. صرت متشفق على شوفت شعاع... علي ماشفتيه البارحة أشلون منقلب حاله؟؟ أبي أشوف اللي قدرت تغير مزاج علي كذا.. ابتسمت مزنة بسعادة: الله يبشرك بخير.. لا والله ماشفته.. لأنه يوم جا البارحة.. كنت عند إبي أعشيه.. أما على شعاع.. فسبحان الله يازايد.. على إن عيال فاضل كلهم غالين علي.. بس شعاع من أول مرة شلتيها في يدي وهي مولودة تحسها تشرح القلب وترّبع فيه.. الله يجمع بينهم في خير وعلى خير!! ****************************************** " اليوم حاولي تطلعين من الدوام بدري شوي بأمر عليش 11 ونص" كاسرة باستغراب وهي تلتفت ناحيته بينما نظره مثبت على الطريق: ليه فيه شيء؟؟ كساب بثقة: لا مافيه شيء.. بس علي ومرته بيتغدون عندنا قبل يطلعون المطار.. وأبيش تكونين موجودة!! كاسرة بهدوء: إن شاء الله.. 11 ونص بأكون جاهزة.. كساب صمت لثوان ثم أردف بحزم: وترا عندي سفرة عقب كم يوم.. ويمكن أطول فيها شوي.. أنا كنت مأجلها على أساس أني يمكن أسافر مع علي.. بس الحين ما أقدر أأجلئها.. رغما عنها ارتعشت أناملها التي أمسكت بها بقوة وأخفتها بداخل أكمام العباءة وهي تهمس بحزم صوتها المعتاد: تطول كم يعني؟؟ أسبوع؟؟ أسبوعين؟؟ كساب بذات النبرة الحازمة ويداه مثبتتان على مقود السيارة: شهر ويمكن أكثر.. حينها لم تستطع أن تمنع عبرتها من القفز لتقف في منتصف حنجرتها وتتضخم (شهر يالظالم!! ويمكن أكثر!!) لم ترد عليه وهي تعتصم بالصمت.. بينما زفر هو بداخله بيأس.. لو كان الأمر بيده لم يكن ليغيب عنها وخصوصا أن الوضع غير مستقر أبدا بينهما.. ولكن ماذا يفعل؟؟ لديه مهمة مؤجلة من فترة وماعاد يستطيع التأجيل أكثر!! هتف بحزم: وش فيش سكتي؟؟ ماعلقتي يعني؟؟ ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تجيب بخفوت حتى لا يفضحها ارتعاش صوتها: خلاص صار عندي خبر.. وش تبيني أقول؟؟ تروح وترجع بالسلامة.. ************************************ لم يناما حتى صليا الفجر.. هي لتوترها ولكثرة ما سألها.. وهو لاستمتاعه بمراقبتها وسماع همساتها.. يا الله لم يتخيل أن مراقبة إنسان ستكون ممتعة ومبهجة للروح إلا معها.. وكل حركة تقوم بها.. تذيب قلبه الذائب منذ أمد.. دعكها لأناملها.. لفها لخصلات شعرها على أصابعها.. عضها لشفتيها.. أما حين تهمس ردا على أسئلته التي لا تنتهي لأنه لا يريدها أن تصمت.. فهمساتها كانت تنحره نحرا.. سألها عن كثير من الأشياء.. وأجابته بشفافية متوترة.. وهي لا تعلم ماذا يستفيد من معرفة كل هذا؟؟ ماذا يستفيد من معرفة اسم مدرستها الابتدائية؟؟ أو متى فكرت أن تقص شعرها لأول مرة؟؟ أو ماهو طعامها المفضل؟؟ هو كان يريد أن يعرف كل مافعلته في حياتها قبل أن تلتقيه.. أراد أن يغوص في ثنايا حياتها بكل دقائقها وتفاصيلها.. ولكنه بدأ يسأل عن حياتها الخارجية قبل أن يغوص للعمق.. ويعلم أنه مازال أمامه الكثير.. ولكنه مستمتع جدا برحلة المعرفة هذه.. وهو يقدم لها البديل الفوري مباشرة.. حتى يكون كل منهما على ذات المستوى من معرفة الآخر.. فإن سألها عن شيء وأجابته.. أجاب لها عن ذات الشيء عن نفسه.. أخبرها عن يومه الأول في المدرسة.. وعن أول شجار.. أحاديث عامة.. لم يغص فيها إلى العمق بعد حتى يكسب ثقتها التي أصبحت حلما له!! وكان مازال يشعر أنه يريد أن يقول الكثير ويسألها عن الكثير لولا أنه وجدها نامت فعلا حين عاد من صلاة الفجر.. وإن كان لم يستطع مراقبتها وهي نائمة حين عاد.. بسبب عتمة الفجر.. فهاهو يقترب منها الآن في ضوء النهار الساطع.. بعد أن نام مجبرا على أريكته.. بدت له أشبه ما تكون بحلم غافٍ... لا يعلم كيف يغفو الحلم.. ولكن من المؤكد أنه هكذا يغفو!! سماوي.. عذب.. مثقل بالروعة والحسن والبهاء!! كانت مستغرقة من النوم لا تعلم عن العينين الوالهتين اللتين كانتا تراقبانها بشغف.. ملامحها الغافية كانت تتسلط على روحه بقسوة حانية.. كيف تكون القسوة حانية؟؟ لا يعلم أيضا!! فعلى اعتابها.. اجتمعت التضادات في روحه.. الهجير والنسيم العليل.. الوجع والرضى.. الألم والاطمئنان.. انحنى قليلا ليمد يده ليمسح على أناملها الغافية جوارها برفق عاشق.. همست برقة ناعسة: أممممم يمه.. أبي أنام.. همس بحنان عميق: حبيبتي قومي.. نبي نسوي شيك آوت نطلع.. شعاع حينها انتفضت بجزع وهي تجلس بحدة وتتراجع للخلف حتى تبتعد عنه وهي تشد جيبها عى عنقها بحركة دفاعية.. رغم أنها تلبس قميصا بجيب مغلق تماما.. علي شعر بضيق عميق من حركتها وهو يعتدل واقفا ويهمس بضيقه الشفاف: شعاع تراني ماني بهمجي ولا متوحش عشان تخافين مني كذا!! لم تقل شيئا وهي تتمنى لو استطاعت أن تبكي فقط.. هل لكل هذا من آخر؟؟ هل له آخر؟؟ *************************************** " حبيبتي وين بتروحين ذا الحزة.. أشوفش ملبسة زايد وتلبسين " كان منصور العائد من عمله يجلس على الاريكة وهو يراقب عفراء التي كانت تتانق أمام المرآة.. عفراء أجابته برقة: أم امهاب عازمتني على الغدا.. بتجيهم مرت علي.. وأبي أسلم على علي ومرته قبل يسفرون.. منصور بعتب: وبدون ماتقولين لي حتى؟؟ عفراء اتسعت ابتسامتها برقة شديدة.. تتخيل لو أن هذا الموقف حدث في أول أيام زواجهما.. كان منصور ليثير عليها زوبعة.. قبل أن يسمع ردها مالت لتقبل رأسه وهي تهمس برقة: افتح تلفونك شوف كم اتصال جايك.. ويوم يأست إنك ترد علي.. أرسلت لك مسج.. منصور يستخرج الهاتف من جيبه: يوووووووه.. نسيته على الصامت.. كنا في اجتماع مهم شوي.. ابتسمت عفراء وهي تنظر للمرآة وتسأل بعفوية: خير إن شاء الله؟؟ وإلا أسرار عسكرية..؟؟ ابتسم منصور: عندنا تدريبات للفرق وتراني بألهى معهم شوي الأيام اللي بتجي.. فلا تحاتيني لو صرت أتأخر بدون ما أتصل لش.. عفراء حينها استدارات لتقترب منه وتهمس برجاء عميق: لا منصور طالبتك.. بلاها تتأخر بدون اتصال ذي.. على الأقل أرسل لي مسج.. إلا لو تبيني استخف.. منصور وقف وهو يميل ليقبل جبينها ويهمس بمودة عميقة: بأحاول.. بس بعد أقول لش لا تحاتين.. خلاص عطيني دقايق أسبح وأبدل وأنا بأوديش.. زايد عازمني على الغدا بعد.. وطالبش تقولين لجميلة تكون جاهزة قبل أخلص.. لا أنتف شعر رأسي.. ************************************ " حبيبتي ليش تبكين كذا؟؟" همست شعاع بشفافية بين شهقاتها الخافتة: مشتاقة لهلي.. ابتسم علي بحنان: لا تحاتين ياقلبي.. أسبوعين بالكثير وحن راجعين.. ثم أردف وهو يحاول إلهائها عن التفكير: تدرين إبي معجب فيش بشكل.. ما أدري وش سويتي بالشيبة وولده؟؟ شعاع لم ترد عليه وهي مازالت تحاول كتمان شهقاتها.. حينها سألها سؤال آخر: متى آخر مرة رحتي لندن؟؟ أجابته باختناق: مارحت لندن من قبل.. علي باستغراب: أبدا مارحتي؟؟ شعاع تحاول أن تتماسك: أبد.. ابتسم علي: أحسن عشان تشوفينها بعيوني.. لندن أنا حافظها مثل كف يدي.. زين متى آخر مرة رحتي فيها أوربا..؟؟ شعاع كان بودها أن تضربه بحقيبتها على رأسه (صدق إنك بايخ وسخيف) شدت لها نفسا عميقا: أنا مارحت برا الدوحة إلا للسعودية رحت للعمرة كم مرة وبس.. علي بصدمة: من جدش؟؟ حينها همست شعاع بنبرة مقصودة: والله مهوب كل الناس هايتين برا على غير سنع !! علي لم ينتبه لنبرتها وهو يهتف بأريحية: ولا يهمش.. معي بتشوفين العالم كله.. شعاع صمتت لثوان ثم أردفت بذات نبرة الاختناق التي عادت لها: علي .. أنا مابعد ركبت طيارة في عمري.. حينها هتف علي بصدمة حقيقة: نعم؟؟ من جدش عاد؟؟ حينها انفجرت في البكاء ومخاوفها تختلط قديمها وجديدها وهي تخبره بما منعها خجلها منه: أنا خايفة من الطيارة.. وأخاف من الأصنصيرات.. وأخاف من كل شيء مرتفع ومسكر.. أنا خايفة.. ما أبي أسافر.. ما أبي!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .بين الأمس واليوم/ الجزء الثمانون " حبيبتي شعاع هدي شوي.. أنا قلت لش بأكنسل السفر بس أنتي مارضيتي" شعاع بين رعشات جسدها وشفتيها: أشلون نكسل والناس كلهم عارفين إنه حن طالعين المطار وأنت مرتبط بمواعيد مع الدكتور.. أنا خلاص مافيني شيء.. مافيني شيء.. شعاع كانت تشعر في هذه اللحظات التي جلست فيها على مقعد الطائرة برعب حقيقي مختلط بمشاعرها الشديدة التعقيد.. كشخص لم يسبق له ركوب الطائرة مطلقا لم تفكر أنها ستخاف منها.. فالإنسان لا يخاف من شيء لم يجربه أو يفكر فيه.. لأنه حتى التفكير في الرحلة لم تجد له وقتا.. فموعد زواجها تحدد مع امتحاناتها وكانت مشغولة تماما.. وهي في رتم متسارع بين الدراسة والتجهيز.. حتى حين طلب والدها جواز سفرها لينجز لها الفيزة.. لم تسأله أين سنسافر.. أو ربما منعها الخجل!! ففي بالها أمور كثيرة !! ثم صدمتها ليلة زواجها والأحداث تتلاحق لتجد نفسها بعد ذلك في السيارة متجهة مع علي للمطار.. وخلفهم سيارة أخرى فيها والدها وكساب ومعهم أحد سائقين شركة كساب ليعيد سيارة علي.. فهل تفضح نفسها أمام الناس وتقول أنها لن تسافر.. ؟؟ وخوفها الحقيقي ليس من علي.. ولكن من والدها.. رغم أن والدها بعد حادث عبدالرحمن أصبح حنونا كثيرا.. ولكنها تعلم أنه ما أن يغضب.. فأنه سيجلجل ويثور دون رحمة!! تتخيل منظرها أمام علي وفي الشارع حين تقول إنها لن تسافر.. وما الذي سيفعله لها والدها؟؟ لذلك رأت أن الطائرة أهون الشرين.. وخصوصا أنها تعلم أن علي لديه موعد غدا صباحا.. فهل تربك كل ذلك من أجل خوف لا مبرر له.. ومن ناحية ثالثة لا تريد أن يتكلم عليها أحد.. وتتخيل شكل الإشاعات التي ستظهر عليها حين تعود من المطار... لن يقول الناس خائفة من الطائرة... بل كل لسان سيخترع له حكاية!! ومن ناحية رابعة.. لا تريد أن يشعر علي أنه صاحب فضل عليها حين يلغي كل شيء من أجلها.. لأنه حين يقدم لها جميلا.. فهو بالتأكيد سيريد مقابلا له.. وتشعر بالرعب الأشد من رعب الطائرة حين تفكر بالمقابل!! لذلك جمدت مشاعرها كلها حتى أنهت كل الإجراءات.. وصعدت للطائرة.. وجلست في مقعدها.. لتبدأ حينها في الارتعاش!! كانت تشبك يديها في حضنها وصوت اصطكاك أسنانها يبدو واضحا بخفة.. علي شد يدها بحنان ليمسك بكفها وهو يحتضنها بين كفيه ويدعكها بخفة حانية ويهمس لها بحنان مصفى: سمي بسم الله.. وتعوذي من الشيطان.. وادعي دعاء السفر.. كانت شعاع تحاول التكلم لتجد لسانها مرتبطا.. علي همس لها بخفوت في أذنها وهو مازال يشد على كفها: يا الله قولي وراي.. كان يدعو وهي تكرر ورائه كما لو كان أبا يعلم ابنته ويهدئها.. شعرت بنوع من الهدوء النسبي والراحة النفسية.. وهي تترك كفها بين يديه دون أن تنتزعها كما كان يظن أنها ستفعل.. فهي في هذه اللحظات أشد حاجة له من حاجته لها..!! حينها ولأول مرة وجد الفرصة ليتأمل رقة أناملها.. ويشعر بمتعة وروعة وسماوية وجودها بين يديه.. ورقتها ونعومتها تذوي كالزبد بين أنامله.. شعر بشعور أشبه بالصداع ناتج عن رغبته الشديدة إلى رفع كفها إلى شفتيه ليغمرها ببعض من قبلاته الوالهة.. ولكنه لم يستطع إلا أن يكتم رغبته.. فليس الوقت ولا المكان بالمناسبين!! كما أنه لا يريد استعجالها بشيء فترعب منه!! هذه المرة تركت يدها له.. فليرضى بالقليل الذي تقدمه برضاها إن كان يريد أن يحصل على الكثير!! فالسياسة علمته الصبر والدبلوماسية!! وماصارت تقدمه برضاها بات أكثر من المتوقع.. لأنه ما أن بدأت الطيارة تتحرك حتى صرخت شعاع بخفوت: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟ ابتسم وهو يشد على كفها مطمئنا: لا تخافين ياقلبي.. الحين تتحرك عشان تتوجه للمدرج.. دقيقتين بالكثير ونطير.. ماراح تحسين بشيء أبد!! أما حين بدأت بالتحرك بسرعة على أرض المدرج.. انتزعت كفها من بين يديه وهي تصرخ بذات الخفوت المكتوم: يمه.. يمه.. بأموت ياعلي.. يمه بأموت.. لتستدير ناحية علي لتحتضن عضده بذراعيها الاثنتين وتخفي وجهها فيه.. كاد يغمى عليه وهو يشعر بحرارة أنفاسها المتصاعدة تلفح عضده.. مد يده ليمسك بعضدها وهو يربت عليه ويقرأ عليها آيات القرآن الكريم بصوت رخيم جدا وبالغ الحنان لدرجة تُشعر بالنشوة النفسية العميقة!! شعاع بقيت على هذه الوضعية وصوت علي الحاني بالفعل يطمئن روحها حتى شعرت أن الطائرة هدأت تماما وكأنها لا تتحرك... وكل ماشعرت به هو بعض الألم في أذنيها الذي زال مع ابتلاعها ريقها الذي جف في حنجرتها.. أفلتت يده ليشعر حينها كما لو أن قلبه قفز من مكانه.. لأنه لم يكن يريدها أن تفلته.. بينما كانت تهمس باختناق: شا اللي صار؟؟ ابتسم بحنان: شفتي!! ماصار شيء.. الطيارة طارت.. وهذا أنتي مافيش إلا العافية !! همست باختناق أشد: ريقي ناشف أبي ماي.. إذا ممكن.. هتف بذات الحنان وهو يشير للمضيفة: أكيد ممكن.. **************************************** " عبدالله.. أبيك تساعدني في موضوع.. طالبك!!" ابتسم عبدالله وهو يضع فنجانه: غريبة!! مهيب عوايد!! فهد بتأفف: عبدالله لا تزيدها علي.. يعني بتذلني قبل ماتساعدني.. عبدالله ضحك: وش مذلته يا الكذوب؟!! مابعد فتحت حلقي!! فهد بحزم: اسمعني وش بأقول لأبي.. ولو أنا احتجت مساعدة أرجوك عبدالله ساعدني.. وعلى العموم إبي ماني بخايف منه.. إبي رجال راعي دين.. لكن النسوان أنت تعرف تفكيرهم!! عشان كذا أنت عقب اللي بتكلم أمي!! عبدالله حينها شعر بالقلق: فهد وش السالفة؟؟ فهد يقوم من مكانه ليجلس جوار والده وهو يهتف لعبدالله بثقة: الحين بتعرف.. حينها كان أبو صالح يرتشف قهوة العصر.. ويشاهد الأخبار قبل أن يجلس فهد جواره وهو يربت على فخذه ويهتف باحترام: يبه أبيك في سالفة!! أبو صالح بحزم: وأنا ما أسمع.. ولا لك عندي سمع ولا جابه!! فهد بصدمة: أفا يا أبو صالح.. ليه كذا؟؟ أبو صالح بذات الحزم والصرامة: مسرع نسيت من سواتك الشينة ليلة راحت عالية لبيت رجالها!! فهد قفز ليقبل رأس والده ثم أنفه ثم يده وهو يهتف باحترام حقيقي: أفا يبه.. أنت عادك شايل في خاطرك.. حزة شيطان وراحت.. وأنت عارفني دمي حامي والذبانة ما تمر من قدام خشمي.. ماهان علي تروح أختي لبيتها ونفسها مكسورة.. بس يوم شفتها ذا الأيام مبسوطة ومستانسة.. والله إني استانست لها.. حينها هتف أبو صالح بشبح ابتسامة: والله ما أدري وش عندك يا الهيس في صفصاف ذا الحكي!! شوف... كن السالفة أنك تبي تعرس.. أنا حاضر.. كنه شيء ثاني.. قم فارقني في السعة!! ابتسم فهد: أنت اللي قلتها!! أنت حاضر!! اتسعت ابتسامة أبي صالح: مابغيت يا أبيك.. شابت رموش عيني وأنا أحن عليك.. تبي تخطب عند حد تعرفه.. وإلا تبينا ندور لك؟؟ عبدالله كان يستمع للحوار الدائر ويبتسم متسائلا لماذا طلب فهد مساعدته.. فهو يبدو غير محتاج للمساعدة أبدا.. ولكنه حين رأى تغير وجه فهد بعد سؤال والده... تجهز عبدالله للمساندة لأنه علم أن المشكلة هي في اسم العروس شخصيا!! تنحنح فهد : لا.. فيه حد معين في بالي.. (قالها وهو ينظر لعبدالله بنظرة معناها استعد للمساعدة) هتف أبو صالح بتلقائية: بنت من؟؟ فهد شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: بنت مرت منصور آل كساب!! أبو صالح تغير وجهه قليلا ولكنه شد له نفسا عميقا أيضا ثم هتف بحزم حان مختلط بالصرامة البالغة: اسمعني يا أبيك.. أنا عارف غلا منصور عندك.. بس لاتخلي الغلا يحدك على شيء ماتبيه!! أنا ماني بقايل لك كلام الجهّال وأقول لك حضرية.. لأنها من عرب أجواد وفيهم خير وأنا كنت أعرف أبيها وجدها.. ولاني بقايل مطلقة مع إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟" بس البنت كانت مريضة وبغت تموت.. وأنا بنفسي متذكر وش اللي جا زايد وهو يراكض من مكان لمكان عشانها.. وش يدريك إن مرضها مايرجع.. وإلا يكون أثر عليها وتكون ماتجيب عيال؟؟ الرجال لا عرس يبي له صيب.. وذي سنة ربي في الحياة!! فهد بتصميم: وأنت بعد يبه وشيدريك إنها ماتجيب عيال.. هذا كله قسمة ربك!! أبو صالح بتصميم: وأنت وشيدريك بعد أنها تجيب.. والله يا أبيك ما أشوف شيء يحدك تأخذها.. كون غلا منصور.. وهي حتى مهيب بنته!! فهد بتصميم أشد وأشد: إذا جالي عيال.. مهوب خوالهم عيال منصور آل كساب؟؟ أبو صالح بانتصار: هذا أنت رجعت إنك تبغي عيال.. وهي يمكن ماتجيب لك!! حينها تدخل عبدالله بنبرته الهادئة الحازمة: يبه الله يهداك.. وش فيك تعضل على فهد.. دام البنت ماينرد في أخلاقها ولا دينها شيء.. مايصير ترده منها.. أبو صالح بثقة: أنا أبي له الزين.. وأنا وش أبي إلا توفيقه.. بس أبيه يأخذ وحدة تملأ عينه.. مهوب عشان (ياخال أبوي حك ظهري).. حينها هتف فهد بحزم بالغ: وأنا لو ماخذتها.. ما أبي العرس خلاص.. والبنت بتخلص عدتها عقب كم يوم.. وما أبي حد يسبقني عليها!! ********************************************** " يبه تبي فنجال بعد؟؟" الجد جابر يهز كفه المعروقة هامسا بحنان: لا يأبيش شكّرت.. ابتسمت كاسرة: أحسن.. كثر القهوة مهوب زين لك.. الجد حينها هتف بإصرار: أجل صبي لي فنجال.. كم مرة قلت لش أنا ماني ببزر تحاكيني كذا.. كاسرة وقفت لتقوم عن الأرض حيث كانت تجلس وهي (تقهوي) جدها لتجلس جواره على سريره بعد أن قبلت رأسه وهي تهمس بابتسامة: خلاص أنا البزر وأنا اللي ما أفهم.. السموحة يبه!! الجد ابتسم بحنان وهو يسألها: زين رجالش وينه؟؟ قد لي يومين ماشفته!! ابتسمت كاسرة: يبه كان لاهي في عرس أخيه وتو أخيه راح اليوم راح يوصله للمطار وأكيد عقب راح لشغله.. شغله قريب من المطار.. وبيجيك الليلة.. أبشر!! الجد جابر بعفوية: بأروح لمجلس زايد أتقهوى عندهم عقب المغرب.. بأشوفه هناك على خير.. أربكم يأبيش حالكم زين؟؟ كاسرة تنهدت: الحمدلله يبه.. ماشي الحال.. الجد جابر بقلق: تقولينها كنش منتي براضية؟؟ ابتسمت كاسرة: إلا راضية.. ومن اللي يشوف وجهك الزين ولا يرضى!! ابتسم الجد: يا الكذوب ماعليش من وجهي!! أنشدش من كساب؟؟ ضحكت كاسرة بمرح رقيق: وعاد وجه كساب أزين الله لا يخليني منه!! " آمـــــــيــــــــن" كاسرة قفزت واقفة وشهقت وهي تسمع الصوت ثم ترى الخيال الذي دخل مع الباب الخارجي ثم أغلقه وراءه بالمفتاح.. كاسرة همست بغضب تغطي به على حرجها المتفجر: أنت أشلون تدخل كذا بدون استئذان حتى؟!! كساب تقدم وهو يسلم وينحني على رأس الجد ثم يشدها من عضدها وهو يهمس بحدة بالغة وبصوت منخفض: إلا أنتي اللي أشلون قاعدة كذا وحتى شعرش مفكوك.. والباب اللي من صوب الحوش مفتوح.. لو سليم اللي داخل عليش الحين؟؟ بس ماعليه.. حسابش في البيت.. كاسرة بصوت غاضب منخفض: والله سليم عمره مادخل بدون مايدق الباب لين توجعه يده.. وأنا بالعادة أصلا أسكر الباب.. وليش ماتقول أنت أشلون داخل كذا.. لو وحدة من البنات هي اللي عند جدي وأنت داخل مدرعم كذا ؟!! كساب غاضب بالفعل: لا يا بنت ناصر.. أنا أعرف الأصول زين.. أنا رحت لمجلسنا حسبت بأعين أبي جابر مثل عادته.. بس مالقيته.. اتصلت في أمش أسأل عنه لأنه لي يومين ماشفته.. قالت لي في حجرته وماعنده إلا مرتك.. مادريت إن مرتي ماخذه راحتها بزيادة!! الجد جابر قاطع الشرارات المتفجرة بين نظراتهما وهو يهتف بتساؤل متأفف: أنتو وش تهذرون ماسمعتكم؟؟ كساب يجلس جواره وهو يهتف باحترام مختلط بغضبه من كاسرة: أبد يبه.. أنشد كاسرة عنك!! ابتسم الجد: انشدني من روحي.. وإلا نشدة كاسرة أزين؟؟ حينها ابتسم كساب بخبث: أكيد يبه.. وش جاب صوتك عند صوتها اللي أروح عنده وطي!! حينها ضحك الجد بصوت مسموع: الله يهني سعيد بسعيدة ويعوض علي.. هي شايفة وجهك أزين.. وأنت شايف صوتها أزين.. ها وش الي مقعدكم عندي؟؟ كاسرة وجهها احمر فعلا من الحرج والغضب.. وهي تسب نفسها لأنها لم تغلق الباب.. وتسب كساب لأنه تعمد إحراجها هكذا!! همست بحزم وهي تستعد للمغادرة : المكان مكانك.. أنا باروح داخل.. ولكن كساب أمسك كفها بقوة وهو يهتف بحزم مازال يتخلله الغضب: اقعدي قهويني.. مابعد تقهويت.. الجد الذي كان نظره ضعيفا لذا هو يرى مايحدث بضبابية فقط.. هتف بغضب: أفا ياكاسرة أنتي ماقهويتي رجالش..؟؟ كاسرة همست من بين أسنانها: حاضر يبه.. بأقعد أقهويه!! كاسرة جلست على الأرض لتصب لكساب القهوة.. كساب تناول منها الفنجان بذات حدته.. كان يرتشف قهوته ببطء .. وعيناه ترتشفان ببطء أيضا ملامح حسنها الغاضبة.. أمواج شعرها الغافية على كتفيها.. وغضبه يتزايد كلما تخيل أنه كان من الممكن أن تلمحها عين رجل سواه.. بعد أن أنهى فنجانه.. هزه دلالة على انتهاءه بينما كاسرة همست بغيظ: مقعدني قدامك عشان فنجال واحد بس..؟؟ أجابها بنبرة مقصودة تماما: شوفتش قدامي تسوى فناجيل!! وقفت وهي تهمس بحزم: خلاص أترخص.. أكمل وهو يقول للجد باحترام: بنترخص كلنا.. ثم أردف لكاسرة بحزم: يا الله معي للبيت.. كاسرة لا تريد أن تذهب معه.. لأنها تعلم ما الذي سيحدث.. سيصرخ عليها قليلا ويؤنبها لأنها تركت الباب مفتوحا.. وهي تشعر فعلا بالحرج ولا تحتاج للمزيد!! همست بصوت منخفض: كساب ما أبي أروح الحين.. كساب شدها من كفها وهو يهتف بحزم بالغ: غطي وجهش بجلالش وامشي.. خلصيني.. كاسرة شدت كفها وهي تهمس بغضب حقيقي من بين أسنانها: كساب أظنك تعرف إني مستحيل أروح معك بذا الطريقة.. حينها أفلتها وهو يهتف ببساطة تثير الغيظ: خلاص براحتش.. بس عشان ماتزعلين وتقولين ماقلت لي.. أنا بأروح أرتب أغراضي وبأطلع المطار عقب المغرب لأن طيارتي بعد العشا.. كاسرة تراجعت نصف خطوة وهي تهمس بصدمة حقيقية: أنت مهوب قلت لي عقب كم يوم؟!! هز كتفيه وهو يفتح الباب ويستعد للخروج : تقدمت الرحلة.. فيه مانع يعني؟؟ وخرج فعلا وهو يغلق الباب وراءه.. ثم يتنهد خلفه بعمق لاسع!! يتخيل أنه قد يمنعها عنادها من اللحاق به.. وأنه قد يسافر دون أن يودعها.. دون أن يضمها لصدره.. ويتزود من عبق أنفاسها!! شعر حينها أن قلبه يُعتصر بقسوة... ولكنه مضى.. مــا الـجــديــــد؟؟ قهر نفسه وأمنياته ورغباته شيء اعتاد عليه حتى غاص بوجعه في خلاياه!! لذا لم يستطع منع نفسه من الابتسام وهو يراها تدخل خلفه إلى غرفتهما بعد دخوله بدقيقتين.. كان قد وضع حقيبته على السرير وفتحها.. همست دون أن تنظر ناحيته وهي تشد الحقيبة ناحيتها: ملابسك ذا المرة ملابس شغل واجتماعات؟؟ وإلا كالعادة؟؟ هتف بذات ابتسامته التي لم يستطع منعها من الاتساع: كالعادة.. همست بحزم: خلاص افتح لي الدولاب السري.. خلني أرتب ملابسك.. غريبان هذا الزوجان.. غريبان بالفعل!! يخفي سرا كبيرا.. وتعلم هي ذلك.. ويعلم هو أنها تعلم!! أحيانا حين يسافر تكون هي من ترتب ملابسه كما يحب هو.. بطريقة منظمة جدا.. بنطلونات وقمصان وأحذية رسمية للعمل واجتماعات رجال الأعمال أحيان أخرى يكون هو من يرتب حقيبته.. دولاب مغلق مفتاحه معلق مع مفتاح سيارته.. الملابس معلقة في أكياس قماشية داكنة.. وكذلك الأحذية!! يكون هو من يستخرجها ويصفها في الحقيبة!! فما الغريب أن ترتبها هي اليوم.. مادامت لا تعرف ماهية هذه الملابس ولا شكلها!! كساب فتح لها الدولاب فعلا.. ووقف جانبا.. وكأنه بهذه الطريقة يريد أن يريها كم أصبحت قريبة منه.. كاسرة همست بسكون: كم لبسة تبي؟؟ أجابها بحزم: كلهم.. شعرت حينها أنها اختنقت تماما.. اختنقت بالفعل.. (كلهم؟!!).. كم يريد أن يطيل هذا القاسي المتحجر؟!! كانت تضع الملابس بآلية دقيقة..حتى انتهت.. كانت تريد أن تغلق الحقيبة.. لولا أنه أمسك بها من عضديها وأدارها ناحيته وهو يهمس بعمق: أنتي الحين ليش زعلانة مني؟؟؟.. من يوم دخلتي حتى عينش ماحطيتها في عيني!! همست بسكون ودون أن تنظر لوجهه: كساب ماني بزعلانة.. والله العظيم ماني بزعلانة!! حينها همس برفق وهو يمد سبابته ليرفع ذقنها قليلا: زين خلني أشوف عيونش عشان أدري إنش منتي بزعلانة.. حاولت رفع عينيها ولكنها لم تستطع.. لا تعلم ما الذي حل بها.. لكنها تخشى أن تنفجر باكية.. وهي تفضل أن تموت على أن يراها تبكي!! كساب تنهد.. لا يعلم ما بها.. ولكن يبدو أنها غاضبة فعلا لذا لا تريد أن تنظر له بشكل مباشر.. شدها برفق ليحتضنها بقوة.. كانت ذراعيه تحيطان بها بقوة حانية.. بينما مدت هي ذراعيها لتحيط بعنقه وهي تتطاول على أطراف أصابعها وتهمس في عمق أذنه بنبرة عميقة خاصة: لا تتأخر.. نثر قبلاته العميقة على أذنها قبل أن يهمس لها بعمق خالص: بأحاول.. بس أنتي خلي بالش من نفسش.. صمت لثانية ثم أردف: وأنتي تدرين ياكاسرة وش كثر أغار عليش.. أمنتش بالله.. الشيء اللي كان يزعلني وأنا موجود.. ماتسوينه وأنا غايب!! ********************************* " الحمدلله على السلامة!!" شعاع همست بتوتر وهي تنظر للجناح حولها: الله يسلمك!! ابتسم علي بمودة: شفتي الرحلة انتهت على خير بدون إصابات ولا رعب.. شعاع بضيق خجول: انتهت عقب ماجننتك.. وأنت بروحك تعبان!! علي بولع: أنا كلي حلالش.. المهم أنش تحاولين تتخلصين من خوفش شوي شوي.. ثم أردف بمرح: وياكثر اللي تخافين منه.. الطيارات والأصنصيرات...... وأنـــا !! شعاع تراجعت بخجل شديد وهي تخلع عباءتها وتعلقها وتهمس باختناق: أبي أتسبح عشان أصلي.. هتف علي بعفوية: خلاص تسبحي براحتش.. بأنزل أخلص كم شغلة في الريسبشن وبأجي.. شعاع تعلقت في ذراعه بجزع: لا لا تخليني.. خلاص بأروح معك.. وباتسبح عقب.. علي همس بقلق: حبيبتي أنتي ليش تخافين كذا.. مافيه شيء يخوف كذا!! شعاع جلست وهي تنهمر ببكاء رقيق: أنا آسفة.. بس غصبا عني.. أنا عمري ماقعدت بروحي.. وإبي حتى ماكان يرضى أعتب البيت بدون مايكون معي حد.. وأنا الحين في بلد غريبة.. وما أعرف إلا أنت.. أخاف حد يدق علي الباب.. يطلع لي شي يروعني وأنا بروحني!! علي شعر أن قلبه يذوب مع بكاءها.. كما لو كان يرى أمامه طفلة جزعة تخاف من كل شيء.. جلس جوارها وهو يحيط كتفيها بذراعه ويهمس لها بحنان: طالبش ماتطقين.. رغم شعور شعاع بالجزع وبالخجل ولكنها ويا الغرابة.. كانت تظن أنها من ستكون سندا لعلي في رحلة علاجه فإذا بها من تحتاج للسند والحماية اللذين يقدمهما لها علي بكل أريحية!! مشاعرها مختلطة بجزع عظيم.. ولكن حاجز حمايتها الذي تظنه.. أن مرض علي الذي تظنه لن ينتقل لها إلا بطريقة واحدة.. طبعا من المستحيل أن تسمح بها!! لذا لم تكتفي أنها لم تهرب من ذراعه الموضوعة على كتفيها بل استدارت لتدفن وجهها في منتصف صدره وهي تحيط خصره بذراعيها.. وهي تظن أنها بذلك تنال إحساس الحماية الذي تظنه.. وفي ذات الوقت تمنح علي دعما معنويا يحتاجه..و أنها لا تشعر بالجفول منه.. وأنها لا تخشاه كما يظن!! وهي تظن أنها بذلك أيضا تعبر لها عن امتنانه لما فعله لها طوال الرحلة وهو يحتملها بصبر عظيم.. وهي حينا تبكي وحينا تهذي بخوف.. تتخيل أنه حتى عبدالرحمن الحنون لن يحتملها هكذا!! شيء في روحها بدأ يذوب من أجله لا تعلم كيف.. لدرجة أنها بدأت تظن أنه ربما المرض انتقل له عن طريق خطأ ما.. فهل يعقل أن مثل هذا الملاك قد يرتكب هكذا أخطاء؟؟ ولكنها تعود وتقول أنها رأت جرأته البالغة بنفسها.. أفكارها مشوشة تماما.. ولكن ماتعلمه جيدا أنها تشعر نحوه بشعور امتنان عميق مغلف بتأثر عميق من أجله وهي ترى مدى إرهاقه وتعبه ومع ذلك هي في المقام الأول عنده!! لذا كان تعبيرها عن ضغط كل هذه المشاعر بهذه الطريقة..!! لم تعلم بما فعلته بهذا الذائب المتيم الذي شعر أن هناك قنبلة قد تفجرت في منتصف صدره.. لدرجة شعوره بألم أضلاع صدره المفتتة من الإنفجار وهو يراها ترتمي على صدره بإرادتها!! همس بثقل موجوع مغمور بألم فعلي ونبراته تتقطع.. وهو يشدد احتضانها قريبا من قلبه: لا تخافين من شيء حبيبتي.. وربي اللي خلقش وخلاش تمكنين من القلب لين أقصاه.. إنه مايجيش شيء ولا يضايقش شيء وأنتي معي.. شعاع حينها تفلتت منه بشكل مفاجئ وهي تهمس بجزع: علي وش فيك؟؟ هتف بذات النبرة الثقيلة: مافيني شيء!! شعاع بجزع أشد وصوتها يتغرغر بالبكاء: أشلون مافيك شيء.. أنت ولسانك ثقيل كذا..؟؟ همس بذات النبرة وهي يمسك بالناحية اليسرى من صدره: مافيني شيء حبيبتي بس قلبي يوجعني شوي.. خليني آخذ نفس وبأكون زين!! شعاع قفزت تبحث عن الثلاجة حتى وجدتها واستخرجت قنينة ماء.. ثم ركضت ناحيته وهي تميل عليه وتهمس بصوتها الباكي: علي تكفى اشرب شوي ماي.. علي ارتشف قليلا من الماء بينما كانت تميل عليه وهي تفتح أزرار قميصه العلوية وأناملها ترتعش بشدة وهي تتنشج بطريقة طفولية.. علي أنزل القنينة جانبا وهو يمسك بيدها ويلصق باطن كفها بصدره ويهمس بإرهاق: حبيبتي مافيني شيء.. أنا مرهق شوي بس.. ولا شفتش كذا تعبت أكثر!! همست بين موجات نشيجها الرقيق: كم رقم الدكتور خل نتصل فيه!! همس بذات الإرهاق: ماله داعي.. أنا أساسا بكرة الصبح عندي موعد.. تزايد نشيجها: وأنت بعد ماكلت شيء الليلة.. ولا حتى كلت شيء في الطيارة!! وكله مني!! علي شدها بضعف ليجلسها جوارها وهو يهمس بنبرة تهدئة: ياقلبي هدي شوي.. أشلون تبيني أكل وأنتي ماكلتي.. شعاع قفزت وهي تمسح وجهها بطريقة طفولية وتهمس باختناق: أنا أبي أتعشى الحين.. بأطلب الروم سرفس الحين.. شعاع كانت تشعر أنها لو تناولت لقمة واحدة فهي سترجعها فورا.. لشدة اختناقها بالجزع والارتباك والتوتر.. تتخيل لو ساءت حالة علي وهي معه لوحدها.. كيف ستتصرف وهي تشعر أن حاجتها له تتزايد أكثر من حاجته لها.. ومع ذلك ستأكل.. من أجله.. وحتى يأكل هو!! ************************************** طرقات خافتة ترتفع على بابها.. أم صالح تضع طرف جلالها على وجهها وهي تهمس بهدوء: تعالي.. فهي ظنت الطارق جوزا أو أحد الخادمات.. لذا تفاجأت أنه عبدالله.. التفتت تبحث عن برقعها.. لولا أن عبدالله هتف بإبتسامة حانية: والله ما تلبسينه... حرام عليش يمه مانشوف وجهش إلا بالسراقة.. ابتسمت أم صالح: عيب عليك يأمك.. تبيني أقعد قدامك فاتشة خشتي..؟!! عبدالله مال على رأسها مقبلا وهو يهتف بمودة صافية: بأموت ماشبعت من شوفة ذا الخشة!! أم صالح بجزع حنون: بسم الله عليك يامك.. يومي قبل يومك أنت وأخوانك.. " لا ما أنا ما أرضى.. قدام عبدالله بكيفش أنتي وإياه.. بس أنا لا!! " أم صالح ابتسمت وهي ترى فهد يدخل خلف عبدالله: وش عندكم الليلة؟؟ دخلتوا علي كلكم ماععلي برقع.. ابتسم فهد وهو يميل ليقبل رأسها ثم كتفها: أبي أدري وش معنى القرد هزيع كل مادخلت عليش عينته منسدح في حضنش وبرقعش فوق رأسش.. يعني حلال عليه شوفة وجهش الزين وحن حرام.. أم صالح بإبتسامة حانية: كلكم غلاكم واحد.. بس هزيع حشاشتي.. عندي لين الحين إنه ماكبر.. فهد ضحك وهو يجلس جوارها: يمه قده بيسوي انفجار في البيت من كثر ماكبر.. ماعاد فيه حتى سرير على طوله!! أم صالح بجزع حنون: اذكر ربك يامك.. العين حق.. فهد بابتسامة: ماشاء الله تبارك الله على الدبش العود.. لا تخافين على الجريو.. أم صالح بغضب: ولدي مهوب جريو.. إلا ذيب.. (الجريو= صغير الكلب) عبدالله حينها ابتسم: الله يستر على الذيابة لا يأكلها ولدش.. أم صالح بغضب: أنتو وش فيكم الليلة.. جايين حاطين على هزاع!! عبدالله مال ليقبل راسها مرة ثانية وهو يهمس بحنان: زين يمه خلينا من هزاع ومن الذيابة والجراوة... ما تبين تشوفين عيال ذا العتوي اللي قاعد جنبش؟؟ حينها أشرق وجه أم صالح بشكل جذري وهي تشهق وتلتفت لفهد بحماس أمومي: صدق يامك تبي تعرس؟؟ فهد هتف بحذر: إذا أنتي تبغين!! أم صالح بإبتسامة شاسعة: أكيد أبغي.. وابغي.. وابغي.. من اللي أنت تبي تناسبهم ونروح لهم من بكرة..؟؟ عبدالله حينها همس بحذر: يمه أنتي أكيد تدرين إن فهد هو اللي بيعيش مع المرة.. ولازم يكون مقتنع فيها ويبيها.. وخص إنه كان رافض العرس ذا السنين كلها.. أم صالح بتوجس: أكيد.. بس وش لازمة ذا الحكي.. قلبي نغزني منه!! المرة اللي يبي من هي؟؟ فهد بذات النبرة الحذرة: بنت خليفة بن أحمد.. أم صالح باستغراب للاسم: من بنت خليفة بن أحمد؟؟ فهد أكمل بذات حذره: بنت مرت منصور آل كساب.. أم صالح بجزع: جميلة بنت عفرا؟؟ وليه يامك خلصوا البنات؟؟ عبدالله يشد كف أمه بحنو: ليه يمه وش تردين في البنت؟؟ أم صالح بغضب: ما أرد فيها شيء.. بنت أجواد.. وأمها ماحد(ن) بمثلها.. تنحط على الجرح يبرأ.. بس الشيخ فهد وش طير سكونه في وحدة مطلقة ولا حتى هي من بنات جماعته عشان ندور له عذر.. ؟؟ فهد كان سيتكلم.. لولا أن عبدالله أشار له بالصمت.. لأنه يخشى أن يغضب فهد ويُغضب أمه.. عبدالله أكمل بمنطقية هادئة: يمه النفس وما تشتهي.. وفهد مشتهي إن خوال عياله يكونون آل كساب.. أم صالح بغضب: وأنا وش عليّ من آل كساب... أنا يهمني ولدي وبس.. وأنا ما أنا براضية.. وقوموا يا الله.. خلصنا.. فهد وقف وهو يهتف بغضب ذات ماقاله لأبيه: يمه لو ماخذتها.. ما أبي أعرس خلاص!! أم صالح بحزم غاضب: لا تعرس يأمك.. مكانك زين جنبي!! ************************************* هاهو يتمدد أخيرا بإرهاق شديد.. بعد أن صلى قيامه وقرأ ورده.. ولم يستطع حتى أن يطيل الليلة لأن جسده خال تماما من الطاقة التي استنزفتها الرحلة الطويلة.. همست شعاع بحنان وهي تقف بجوار السرير وتميل عليه: علي تبي أجيب لك شيء؟؟ علي بإرهاق: لا حبيبتي.. وش أبي؟؟ لحد الحين حاس إني ما أقدر أتنفس من كثر ماكليت.. ابتسمت شعاع برقة: لازم تأكل زين عشان مايصير فيك نفس اللي صار الليلة.. يمه.. صبيت قلبي.. علي ابتسم بإرهاق: بسم الله على قلبش.. ياحظي اللي لي شوي اهتمام فيه!! حينها احمر وجه شعاع خجلا وهي تهمس بارتباك: أنا قاعدة قريب منك إذا بغيت شيء؟؟ علي همس بعمق خافت وهو يستوقفها ويمسك بكفها: لا حبيبتي تعالي نامي جنبي.. أو أنا بأقوم عندش.. مستحيل أنام وأنتي قاعدة.. شعاع تزايد توترها وهي تتنهد بيأس.. تريد أن ترضيه فعلا ولكن ليس على حساب نفسها.. همست باختناق شفاف: زين بأنام جنبك.. بس توعدني ماتجي جنبي!! ابتسم علي: أمنتش بالله.. شايفة شكلي شكل واحد يقدر يقرب أو يبعد!! تعالي.. أبي أحسش قريبة مني وبس!! شعاع استدارت وهي تجلس على أقصى طرف السرير الثاني بخجل شديد مختلط بتوتر أشد.. همس لها علي بحنان مصفى: ياربي ياشعاع.. لو أدري بس ليش خايفة كذا.. ريحي ظهرش ونامي.. والله ما أجي جنبش.. بس خلينا نسولف لين ننام.. ما أبي إلا أسمع صوتش واحسش قريب.. ياعمري أنتي!! ******************************************* صباح اليوم الثاني . . . هذا الصباح يشعر فعلا بالانتعاش والنشاط بعد أن أخذ كفايته من النوم.. ويشعر بجوع شديد وبرغبة شديد لتناول الإفطار.. ولكنه لابد أن يجري فحوصاته وهو صائم.. لم يكن يريد أن يوقض شعاع من نومها.. فهو يستطيع إجراء الفحوص والعودة وهي مازالت نائمة.. لكنه يخشى أن تنهض من نومها وتشعر بالرعب حين ترى نفسها وحيدة!! التفت ناحيتها.. ليجد مكانها خاليا.. نهض عن فراشه وهو يبحث عنها في أرجاء الجناح.. ليجدها تخرج للتو من باب الحمام.. انتفضت بجزع وهي تراه واقفا أمامها بعد أن كانت تركته نائما ويهمس لها بحنان: صباح الخير حبيبتي.. ماتوقعت تقومين بدري كذا.. خصوصا إنه شكلش يوم صلينا الصبح ميتة تعب!! شدت روبها أكثر على جسدها وهي تشعر بتوتر خجول.. وتهمس باختناق: هلا.. خفت أعطلك عن موعدك.. قلت بأقوم أسبح وأتجهز!! علي اقترب خطوة منها وهو يهمس بضيق: على فكرة شعاع.. أنا أتضايق واجد من ذا الحركة.. لو سمحتي لا تكررينها إلا لو أنتي قاصدة فعلا إنش تضايقيني.. شعاع بخجل: اي حركة؟؟ علي بضيق لا يخلو من نبرة عتب عميقة: لما تشدين ملابسش عليش كذا!! كأنش تبين تتسترين عني.. أولا أنا رجالش لو أنتي ناسية.. ثانيا أنا لاني همجي ولا متوحش وقلتها لش قبل.. يعني لا تخافين إني لو شفت شيء ظاهر منش باهجم عليش.. يعني تبين تحسسيني بالندم يوم تهورت وعبرت عن فرحتي بشوفتش..؟؟ خلاص أنا ندمان.. مافيه داعي تعذبيني أكثر!! علي أنهى عباراته القارصة.. ثم تجاوزها ليدخل الحمام.. بينما شعاع شعرت بضيق عميق أيضا.. لأنها ضايقته.. لم تكن تريد أن تضايقه أبدا.. فهي رغما عنها باتت تشعر بحنان عميق ناحيته.. لم تعرف كيف من الممكن أن تعبر له عن أسفها.. وضيقها من أجله!! وبطريقة عفوية لم تقصدها أبدا.. وكأنها سترضيه بذلك.. بالغت في التأنق والزينة... وهي ترتدي فستانا أنيقا باللون السماوي بجيب واسع وبدون أكمام.. علي حين خرج من الحمام لم يتخرج لغرفة الجلوس أولا.. بل صلى ضحاه أولا ثم استبدل ملابسه استعدادا للخروج.. حين خرج كانت تنتظره في غرفة الجلوس.. ابتسم لرؤيتها.. كما لو أن رؤيتها أشبه بدواء قوي المفعول.. جلس بجوارها وهو يمد يدها ليمسح خدها بحنو بالغ: الله لا يحرمني من عيونش الحلوة.. بس غيري لبسش وامسحي الميك آب ياقلبي.. عشان اللبس ذا ما يصلح للمستشفى.. همست شعاع باختناق خجول: وأنا ماتعدلت للمستشفى.. تعدلت لك.. ومتى مابغيتنا نمشي.. غيرت لبسي ومسحت مكياجي في دقيقتين بس.. حينها همس بتثاقل متأثر: حبيبتي شعاع قلت لش أنا ما استحمل شيء من طرفش.. خفي علي ياقلبي.. شعاع باختناقها الخجول المتزايد: علي.. أبي أرضيك.. وأدري إنه فيه أشياء مستحيل اقدر أرضيك فيها.. فأنا أحاول اللي أقدر عليه.. علي بذات التثاقل: لا تحاولين شيء ياقلبي عشان ترضيني وهو مايرضيش.. قلتها لش قبل.. شوفتش قدامي تكفيني.. *************************************** " هلا ياعمي!! كساب كلمني البارحة وقال لي إنك تبيني.. وماعندي وقت فاضي إلا الحين.. قلت أمرك قبل أروح المطار عندي رحلة!!" ابتسم زايد وهو يشير لغانم أن يجلس في المقعد المقابل لمكتبه: لك عندنا حاجة ماعطيناك إياها.. نبي نشوف متى تبغيها؟؟ اتسعت ابتسامة غانم: والله حاجتنا نبيها متى ما حنيتوا علينا!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الواحد والثمانون " هلا ياعمي!! كساب كلمني البارحة وقال لي إنك تبيني.. وماعندي وقت فاضي إلا الحين.. قلت أمرك قبل أروح المطار عندي رحلة!!" ابتسم زايد وهو يشير لغانم أن يجلس في المقعد المقابل لمكتبه: لك عندنا حاجة ماعطيناك إياها.. نبي نشوف متى تبغيها؟؟ اتسعت ابتسامة غانم: والله حاجتنا نبيها متى ما حنيتوا علينا!! هتف زايد بأريحية عميقة: أنا داري إنه حن طولنا عليك بدون مانعطيك موعد بس أنت كنت عارف ظروف مرض علي.. الحين علي متحسن وسافر.. وإن شاء الله مهوب مطول.. وكساب عنده سفرة شغل حوالي شهر.. فخل الموعد عقب حوالي شهر وعشر أيام.. لأني واحد ضد المواعيد الطويلة اللي مالها سنع.. والموعد ذا أقرب شيء أقدر أحدده.. أول شي بعد مايرجعون أخوانها.. وثاني شي قبل ماترجع مزون لدوامها بحوالي شهر.. وثالث شي عرس بنت مرتي عقب شهر وثلاث أسابيع.. وما نبي العرسين وراء بعض بدون وقت.. فانت دور لك حجز في ذا الوقت.. ولو مالقيت كلمني وأبشر بسعدك.. اتسعت ابتسامة غانم لآخر حد: بألقى إن شاء الله.. ثم أردف بتردد: زين مزون موافقة على ذا الموعد؟؟ ابتسم زايد: ليه ظنك باحدد موعد قبل ماتوافق هي؟!! ابتسم غانم: أبي أتطمن بس إن كل شيء من خاطرها!! ********************************* " حبيبتي ليه متوترة كذا؟؟ من يوم طلعنا من عند الدكتور وأنتي متوترة!!" شعاع بضيق شفاف: ما أدري ما أرتحت لتعاملهم.. حسيتهم باردين وماعندهم اهتمام.. علي بإبتسامة: حرام عليش.. هذا كله مهوب مهتمين.. بس الإنجليز هذي عادتهم.. باردين بس بروفنشال!! شعاع لم ترتح مطلقا لتعامل الطاقم الطبي مع علي.. فهي كانت معه خطوة بخطوة خلال التحاليل والأشعة.. وحين كانوا يسحبون الدم ابتعدت عنه قليلا بخوف طفولي وصل لحد الرعب.. أولا لأنها لا تحتمل رؤية الأبرة.. وثانيا لأنها خافت من أي طارئ ينتج عن دمه الملوث!! شعرت أنهم يتعاملون معه ببرود لا يتناسب مع خطورة مرضه.. ومازاد في توترها أن الطبيب لم يرح بالها بأي شيء.. وفي ذات الوقت أرعبها بشيء آخر.. مجرد كلمات عامة وهو يتحدث عن فحوص علي في قطر.. وعن حاجته لإجراء فحوصه الخاصة التي ستظهر نتيجتها بعد أربعة أيام!! وأنه بشكل عام لا يخشى من فحوص القلب.. لكن ينتظر فحوص الكبد لأنها ماتهمه.. حينها قفز لبالها" التهاب الكبد الوبائي" لابد أنه هو!! لم تعلم حينها هل تطمئن أو يزداد رعبها؟؟ شعاع همست لعلي بنبرة خاصة: علي أنت ليه ماتقول لي من وين جاك المرض؟؟ ابتسم علي: قلت لش.. بس ماصدقتيني!! شعاع بتوتر: تبيني أصدق عشانك لمحتني في الأصنصير صار لك ذا كله.. حدث العاقل بما يعقل.. وعلى فرض إني صدقت.. تراني بأزعل وبأزعل بشكل ماتتخيله إنك بصبصت لوحدة ويوم ملكتنا.. علي صمت.. لا يستطيع أن يفسر لها أكثر حتى لا يصدمها.. كيف لو علمت أن ماحدث بينهما تجاوز (البصبصة)!! يخشى بشدة أن يفجر هذا غضبا عندها من نوع آخر..!! بينما شعاع مازال هذا الموضوع لا يشغلها.. لأنها لا تصدقه أساسا.. ولأن بالها مع مرض علي المعدي وكيف انتقل له.. علي حتى يغير محور الحديث هتف لها بحنان وهو يمد ذراعه لتدخل ذراعها فيه: أنا ميت جوع.. امشي أوديش أحسن مكان ممكن تفطرين فيه فطور يطير العقل!! ******************************************** " راحو الشباب كلهم؟؟" أم صالح تهمس بهدوء وهي تمد أبا صالح بفنجان قهوة: توكلوا على الله.. الله يحفظهم بحفظه.. أبو صالح تناول الفنجان من أم صالح وهتف بنبرة مقصودة: صافية.. أم صالح رفعت رأسها وهمست بمودة واحترام: لبيه..!! أبو صالح بذات النبرة المقصودة: وش فيش على فهد مزعلته؟؟ أم صالح تغير وجهها وهي تهمس بنبرة مقصودة أيضا: أظني إنك داري ياخالد.. ولا تنشد عن شيء تعرفه.. أبو صالح تنهد ثم هتف بحزم: اسمعيني زين ياصافية.. فهد ماعاد هو ببزر.. عمره 29 سنة.. يعني رجّال داخل على الثلاثين.. ويوم يقرر شي.. مهوب هين عليه نرده منه كنه بزر.. لو أنه هزاع.. كان قلنا بزر ولا يعرف مصلحته!! بس فهد خلاص قده كبير على الحِداد واللداد.. وأنتي دارية إنه مهوب طايع!! ( الحِداد واللداد= أن يمشي احدهم الآخر على هواه) أم صالح قاطعته بغضب: وش لازمة ذا الحكي يا أبو صالح؟؟ أبو صالح بهدوء: أنتي عارفة زين إن فهد الله يصلحه أعسر واحد في العيال.. وفي رأسه حب ما انطحن.. وحن كن حن عيينا عليه.. بيعند زيادة.. ويمكن من جده ماعاد يعرس.. أم صالح بذات النبرة الغاضبة: أحسن.. لا يعرس.. أما يأخذ له حد يستاهل.. وإلا لا يعرس.. وش حاده يأخذ مطلقة ومريضة..؟؟ أبو صالح بثقة: يام صالح الله يهداش وش ذا الحكي.. أنا بروحي ترا ماني براضي عن اختياره.. بس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا أمرتكم بأمر.. فأتو منه ما استطعتم" والقاعدة الفقهية اللي خذوها عن ذا الحديث:" إن مالم يُدرك كله.. لا يترك كله" يعني إذا الصبي ماخذ وحدة على كيفنا.. نمنعه من العرس كله..؟؟ العرس كله خير.. فيه تحصين للرجّال وفتح باب رزق له وتكثير لأمة المسلمين.. أم صالح قلبها يؤلمها حين يضغط عليها بالدين هكذا.. لذا همست بتأثر: وأنت صدقت يعني يا ابو صالح إن ما أبيه يعرس..؟؟ أنا بس أبيه يغير رأيه لا شافني مصممة.. أبو صالح بحزم: أنتي عارفة زين إنه ما به رأس(ن) أيبس رأسي.. وأني ماحد يقدر يغصبني على شي.. بس أنا أعرف فهد زين.. الله يصلحه إذا قد حط الشي في رأسه ماعاد ينرد منه.. وأنا ما أبي نعضل عليه.. ويهون من العرس كلش.. حزتها وش حن بنستفيد؟؟ *************************************** " أنتي اشفيش اليوم.. كنش عجوز كلو عشاها.. من صبح وانتي تحلطمين.. الشيخ كساب مسافر.. صح؟؟ " كاسرة بدهشة: وأنتي وش دراش يا السكنية؟؟ ضحكت قاطمة وهي تأشر بالقلم على بعض الأوراق أمامها: سوسو.. ترا قبل زعلتش الأخيرة من رجالش.. سبع شهور من عرستي وأنتي قدامي وحافظتش حفظ.. مايشين خاطرش بذا الطريقة إلا لأنه مسافر!! كاسرة بغضب مختلط بالضيق: إيه سافر الزفت.. وبيطول شهر بعد!! ضحكت فاطمة: زفت وأنتي مشتاقة له كذا!! كاسرة تنهدت بغيظ: إيه زفت لأني من الحين مشتاقة له.. وأنا ما أبي أشتاق له لأنه ما يستاهل حتى!! ثم انخفض صوتها وهي تردف بوجع عميق: تخيلي فطوم.. البارحة ماقدرت أنام.. واليوم الصبح ما أبي عيني تطيح على شي من أغراضه عشان ما أغتث على الصبح.. ألاقي عيني ماتروح إلا على أغراضه.. فرشاة أسنانه.. مشطه.. عطوره.. ملابسه.. صورته..!! أنا شفت صورته.. ما أدري وش صار لي.. تقولين بزر مضيع أمه.. بكيت بكا.. صدري ضايق بشكل غير طبيعي.. حينها انطفئت ابتسامة فاطمة: كاسرة الله يهداش.. ترا الأفلام الهندية ماتليق عليش.. تعوذي من أبليس.. كاسرة بصوت ذابل: على إنه أنا وكساب على طول حن زعلانين من بعض تقريبا.. وقبل فترة زعلت عند هلي وطولت وكنت أبي الطلاق من جدي.. بس كنت عارفة إنه قريب.. وقلبي متطمن!! أدري سخافة.. بس إحساسي إنه ما بيننا إلا طوفة كان مريح أعصابي شوي.. الحين ما أدري وش فيني.. وخصوصا إنه هذي أطول مرة بيسافر من يوم تزوجنا!! وعلى كثر ماهو قاهرني وحارق أعصابي على كثر ما أنا مشتاقة له.. فاطمة تحمل الملفات التي وقعتها كاسرة وتهمس بتأثر: أنا عمري ماشفت حد يحب الشقا كثرش أنتي ورجالش.. الله يهدي بالكم ببيبي صغنون يخليكم تعقلون وتدرون أنكم مسؤولين عن نفس بتجمعكم لين آخر العمر!! *************************************** " علي الله يهداك.. تعبت نفسك اليوم وأنت مسوي روحك دليل سياحي لي.. خلنا نرجع الفندق آذان الظهر قرب" علي بمودة صافية: ياقلبي تو الناس.. باقي كم مكان أبي أوريش إياهم!! شعاع بقلق متوتر: تكفى علي وأنا وش باستفيد من الأماكن لو طحت تعبان.. تكفى عشان خاطري.. علي بولع: عاد (تكفى).. (وعشان خاطري كلها).. أنا أشهد إن حن رجعنا!! دقيقة أكلم السواق.. ثم أردف وهو يهمس لها بتلقائية: على إني بالعادة أحب أجر سيارة وأسوق في أي بلد أجيه.. بس لندن بالذات ما أحب أسوق فيها.. لا تقدر تلاقي موقف مثل الناس.. والسواقة عندهم تلوع الكبد.. لا تعلم شعاع لِـمَ تشعر بالألم حين يتكلم بهذه العفوية المذهلة وهو يتدفق بحديثه لها كما لو أنها صديق قديم قابله بعد اغتراب.. وهذا الألم ليس الآن فقط.. ولكنه طوال جولتهم في الصباح التي لم تستطع أن تشعر بالمتعة فيها.. لأنها ما أن ترى تدفقه بالحديث العفوي الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية مثقلة بالطهارة ولا يوجد لديها ماتخفيه.. حتى تشعر بالألم من أجل مرضه وكيف انتقل إليه وبأي طريقة!! أ يعقل أن يكون هناك إنسان لديه ازدواج في الشخصية لهذه الدرجة؟!! هذا الأمر بات يرهق روحها الطاهرة كثيرا.. أو ربما مايرهقها إزدواجية تفكيرها هي!! ***************************************** " حبيبتي ليش قاعدة بروحش وضحى مابعد رجعت؟؟" سميرة تشير بيدها بإبتسامة مرحة: لا مابعد.. والله إني ندمت إني ماوافقت أروح معهم بس استحيت من مزون.. قلت يمكن ما تاخذ راحتها في وجودي.. ابتسم تميم: ومن اللي ما يأخذ راحته في وجودش..؟؟ أو من اللي يشوفش ومايرتاح؟؟ سميرة بحركة تمثيلية: ياقلبي.. ياقلبي.. هذا اللي يسمونه الغزل؟؟ ابتسم تميم: يا النصابة.. يعني إني ما أتغزل فيش.. تعبت أتغزل.. بس يمكن غزل الإشارات ذا مايعجب.. سميرة قفزت لتقبل كتفه.. ثم ابتعدت خطوة لتشير بإبتسامة رغم أنها شعرت بانقطاع ما بينها وبينه: إلا يعجب ويعجب ويعجب.. تميم بإبتسامة: الله لا يحرمني منش.. ثم أشار بتردد: كنت أبي وضحى في سالفة.. بس خلاص مهوب ضروري.. بعدين!! سميرة بحماس: عسى قررت ترحمها من ثقل دمك معها؟؟ تميم بإشارة مقصودة: أنا ووضحى ما بيننا شيء خلاص.. سالفة وراحت لحالها!! *************************************** " عسى ماشر زايد؟؟ وش فيك تأخرت الليلة؟؟" كانت مزنة تسأل زايد الذي أنهى ورده للتو.. واتجه ناحيتها حيث تجلس على مقعد التسريحة وتدلك يديها وذراعيها بالكريم.. هتف بحميمية: شوي شغل في الشركة.. وأنتي بعد شكلش تأخرتي الليلة مارجعتوا إلا عقب العشا.. مزنة برقة دافئة: وش أسوي؟؟ خبرك البنات وشطتهم.. من عصر وأنا طالعة فيهم.. لفيت فيهم مصممين الدوحة كلهم.. تدري مافيه وقت.. والمصممين يبون أكثر من 3 شهور.. وحن نقول لهم شهر.. ابتسم زايد: ومزون تعبتش أكثر من وضحى؟؟ صح؟؟ مزنة بعذوبة: مهوب صحيح.. لا تعتبتني ولا شيء.. زايد بذات الابتسامة: إلا تعبتش.. هي قالت لي.. إن وضحى قررت تفصل عند أول واحد جيتوه.. بس مزون لففتش الدوحة بكبرها.. ابتسمت مزنة: ماشاء الله مزون ماتدس عليك شيء.. زين عساها مازعلت عشاني مارضيت إنها تفصل الفستان اللي كانت تبيه؟؟ ثم أردفت بشفافية: أنا والله ماكنت أبي أردها.. بس أنا سويت معها اللي كنت بأسويه مع بنتي بالضبط.. أدري إنك مدلعها ومعودها على الغالي الله يخليك لها ويفرحك بعيالها.. بس فستان بالقيمة هذي.. حرام عشان تلبسه ساعتين وتقطه.. لو ذهب بيقعد عندها كان ماعليه!! زايد بحميمية: وصدقيني هي مازعلت.. مزون ماتدس علي شيء.. وهي مقتنعة بكلامش.. زايد مد كفيه ليضعها على كتفيها وهو يهتف برجاء فخم: أنا ما أبي أثقل عليش.. بس دامش رايحة رايحة مع بنتش.. أنا أبي تنتبهين لمزون مع وضحى.. وخصوصا إن عفراء لاهية مع ولدها وماعاد هي بمتفرغة لها مثل أول.. مزنة بعتب: أفا عليك يازايد.. حتى لو ماكنت رايحة مع بنتي.. بأروح عشانها ومعها.. بنتك مثل بنتي.. ثم أنهت مزنة عبارتها بأن مالت برأسها جانبا وهي تقبل بعفوية دافئة كف زايد الساكنة على كتفها.. زايد مال ليقبل رأسها وهو يشعر بتأثر غريب.. يشعر كما لو كان يظلم مزنة معه بطريقة مجهولة.. فإحساسه بها غريب.. وهو يعلم أن مشاعره هي للماضي المندثر.. ومع ذلك يحاول جهده للسيطرة على قلبها.. ويعلم أنه أما نجح في ذلك.. أو يوشك على النجاح!! ***************************************** اليوم التالي.. . . " وش فيك يأمك لاوي بوزك طالع ونازل؟؟" فهد يميل ليقبل رأس والدته وكتفها وهو يهمس بمودة: أفا عليش يمه.. ومن يشوف وجهش ويلوي بوزه إلا الخبل.. ثم أردف بتقصد: بس خاطري ضايق.. إنش تعامليني كني بزر عقب ذا السنين!! أم صالح تنهدت بعمق: يأمك أنا أبي لك الزين.. (داري إنها شينة.. بس وش أسوي؟؟) فهد لاحظ في لهجة والدته لينا قرر استغلاله فورا.. وهو يجلس جوارها ويشد على كفها ويهتف برجاء رجولي: يمه أنا مستحيل أسوي شيء ماترضينه.. بس يمه لا تعقدين السالفة علي طالبش.. أنتي وش تبين إلا أني أكون مقتنع باللي بأخذها.. حينها نظرت له أمه بشكل مباشر: وأنت صدق مقتنع؟؟ فهد بنبرة حازمة صارمة يخفي خلفها عدم اقتناعه الشخصي: أكيد مقتنع ومقتنع ومقتنع.. حينها همست أم صالح بحزم: خلاص بصرك.. أنت اللي بتعرس مهوب أنا.. بس لاخذت بنت الناس وماعجبتك وإلا ماجازت لك.. ياويلك تضايقها.. هذي مهما كان بنية يتيمة.. فهد في نفسه(لذا الدرجة مافيه أمل فيها!!) ولكنه هتف بنفس نبرته الحازمة: يه...أنا اللي مسؤول عن خياراتي.. ثم مال ليقبل رأسها وهو يهتف بنبرة حانية: الله لا يحرمني منش.. اللي ماهان عليش تزعليني!! *************************************** بعد ثلاثة أيام.. . . مضت الأيام الأربعة الماضية بسرعة عليهما.. وموعد النتيجة أصبح في الغد.. شعاع متوترة جدا بينما علي طبيعي جدا.. خلال الأيام الأربعة الماضية تزايدت العلاقة بينهما ارتباطا عفويا ناتجا عن شفافية كل منهما.. علي صحته تتحسن وأكله يتحسن بشكل كبير.. وهو وشعاع يشكلان ثنائيا رائعا وهما يترافقان في كل مكان.. وهي تعقد ذراعها في ذراعه طوال الجولات كأي عروسين.. ولكن تبقى هناك حدود لابد من التزامها... تسمح له بإمساك كفها.. تقبيل أناملها.. لكن لاشيء أكثر من ذلك.. فهي مازالت مقتنعة إنه مريض بمرض معدي.. ولكن مابدأ يتغير ويشوش ذهنها أكثر هو علي ذاته كشخصية.. متدين لأبعد حد.. ويحفظ كثيرا من القرآن.. وحريص جدا على الصلوات والنوافل والورد.. ومن النوع الذي يغض بصره بعفوية لا إدعاء فيها.. حينما كانت ترى بعض الفتيات كانت تسترق النظرات له بينما تجعل نفسها غير منتبهة.. تريد أن تتأكد من شكوكها.. ولكنه كان ينسف هذه الشكوك.. لأنه لم تصطاده ولا حتى لمرة يرفع بصره لإمرأة.. إذن ماهذا الذي فعله معها في المستشفى؟؟ والذي فعله ليلة زواجهما؟؟ وكيف انتقل له هذا المرض؟؟ مشوشة تماما.. تماما.. وقلبها يؤلمها من أجله.. فهو مخلوق تعجز عن كراهيته أو إيذائه.. "حبيبتي هذا كله تفكير؟؟" شعاع انتفضت بخفة.. حين جلس جوارها على السرير مسندا ظهره لظهر السرير.. شعاع كانت ستشد الغطاء على جسدها لأن بيجامتها كانت بدون أكمام ولأول مرة تلبس هكذا!! ولكنها لم تفعل ذلك لأنها تذكرت تحذيره لها ألا تكرر هذا التصرف.. أجابته برقة: مافيه شيء علي.. كنت أنتظرك تخلص صلاتك ووردك.. ابتسم علي بشفافية: اليوم اللي بتغلطين فيه وبتقولين لي (حبيبي) بأذبح قطيع خرفان.. شعاع احمر وجهها واحتقن بشدة وبدأت بدعك أناملها.. وهي تخفض رأسها بشدة.. وتشعر أن هناك عبرة غريبة وقفت في منتصف حنجرتها.. علي اقترب منها قليلا وهو يرفع رأسها ويهمس بتأثر: خلاص حبيبتي.. اعتبريني ماقلت شيء.. كنت أمزح معش.. والله العظيم أمزح.. ولكنها انفجرت في البكاء وهي تدفن وجهها بين كفيها .. علي شعر بالضيق الشديد.. إلى هذه الدرجة رأت في الأمر سببا للبكاء والنحيب؟؟ إلى هذه الدرجة تراه لا يستحق منها هذه الكلمة؟؟ بينما شعاع كانت تبكي لسبب آخر.. فهي متوترة جدا لموعد الغد.. وكانت تحتاج فقط أي سبب لتبكي لتفرغ توترها.. وهو قدم لها السبب.. رغم شعور علي بالضيق ولكنه همس لها بحنان خالص: حبيبتي خلاص.. أرجوش اعتبريني ماقلت شيء.. ولكنها فاجأته أنها التصقت به وهي تستدير وتحتضن خصره وتدفن وجهها في صدره وتهمس بين شهقاتها: علي الله يهداك وين راح تفكيرك.. انا بس متوترة عشان موعدك بكرة.. علي شعر بتأثر شديد وهو يشدها لصدره ويحيطها بذراعيه ويهمس بحنان: ياربي عليش يا شعاع....ياقلبي لا تحاتين الموعد.. لأني عارف اللي هو بيقوله.. هو سوى الفحوص أول ماوصلنا لندن.. ماراح يلاقي اختلاف بينها وبين فحوص الدوحة.. لكن أنا متأكد إنه لو سواها الحين بيلاقي تحسن كبير.. شعاع همست باختناق وهي تفلته: الله كريم!! ولكن علي لم يفلتها وهو يهمس لها بعمق متجذر: خلش جنبي شوي.. بس شوي.. شعاع توترت بشدة رغم أنها بقيت على استكانتها على صدره.. أما حين بدأ ينثر قبلاته على شعرها تصلب جسدها تماما.. حينها أفلتها هو.. وهو يهمس بألم عميق لايخلو من نبرة تهكم مجروحة: آسف.. شكلي تجاوزت الحدود.. تأخر عنها قليلا وهو يعود لمكانه.. بينما شعرت هي بحاجة ملحة جديدة للبكاء.. يا الله أي حياة هذه؟؟ لا تريد أن تجرحه.. لكنه لابد أن يكون هو أيضا منطقيا.. ففي مثل حالته ليس له الحق أن يطالبها بشيء!! ولكنها تكره هذا الشعور المؤذي.. تكرهه!! *********************************** اليوم التالي . . . " ها يأبو زايد وش تقول؟؟" منصور يبتسم ابتسامة شاسعة فاخرة وهو يجيب أبا صالح: أنا من صوبي ماعندي مانع.. وفهد ولدي.. بس لازم نشور البنت.. وإن شاء الله بنرد عليكم قريب بس قبل مايصير أي شيء.. أهم شيء دراستها تكملها!! أبو صالح بحزم: ودراستها إن شاء الله مهوب رادها منها.. تكملها وهي عنده!! القهوة تدور مرة ثانية بينما فهد مال على أذن منصور وهو يهمس له بحزم: أبو زايد اسمح لي.. بس قبل ما تسألها أنا عندي طلب ما أقدر أتنازل عنه!! ************************************ " علي ممكن أسأل الدكتور عن شيء؟؟" علي بأريحية: عادي حبيبتي إساليه عن اللي تبيه!! الطبيب بالفعل قال لهم ماتوقعه علي.. الفحوص تشبه فحوص الدوحة مع نسبة تحسن ضئيلة.. وأنه سيعيد إجراءها بعد عدة أيام.. قبل أن يقرر له علاجا.. شعاع لم تستفد شيئا.. تريد جوابا يريحها من شكوكها التي غاصت في روحها لأبعد حد.. لذا كان طلبها من علي أن تسأل الطبيب.. شعاع أجابت علي باختناق: لا أبي أسأله بروحي.. علي بصدمة: نعم؟؟ أشلون بروحش يعني؟؟ شعاع باختناق أشد: ما أبيك تكون موجود.. علي تفجر بغضب حقيقي لم يشعر به منذ زمن طويل وهو يهمس لها بصوت غضبه المكتوم: آسف.. ليه وش شايفتني عشان أطلع وأخليش مع الدكتور..؟؟ شعاع برجاء عميق مختنق: تكفى علي.. هذولا ممرضتين موجودين معنا.. علي بذات الغضب الذي تزايد: شعاع قومي.. موعدي خلص.. شعاع شعرت بالجزع.. لو بقيت مع شكوكها يوما آخر ستموت.. ستموت..!! همست بذات جزعها: لا خلاص.. بأساله قدامك.. بأسأله!!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والثمانون " علي ممكن أسأل الدكتور عن شيء؟؟" علي بأريحية: عادي حبيبتي إساليه عن اللي تبينه!! الطبيب بالفعل قال لهم ماتوقعه علي.. الفحوص تشبه فحوص الدوحة مع نسبة تحسن ضئيلة.. وأنه سيعيد إجراءها بعد عدة أيام.. قبل أن يقرر له علاجا.. شعاع لم تستفد شيئا.. تريد جوابا يريحها من شكوكها التي غاصت في روحها لأبعد حد.. لذا كان طلبها من علي أن تسأل الطبيب.. شعاع أجابت علي باختناق: لا أبي أسأله بروحي.. علي بصدمة: نعم؟؟ أشلون بروحش يعني؟؟ شعاع باختناق أشد: ما أبيك تكون موجود.. علي تفجر بغضب حقيقي لم يشعر به منذ زمن طويل وهو يهمس لها بصوت غضبه المكتوم: آسف.. ليه وش شايفتني عشان أطلع وأخليش مع الدكتور..؟؟ شعاع برجاء عميق مختنق: تكفى علي.. هذولا ممرضتين موجودين معنا.. علي بذات الغضب الذي تزايد: شعاع قومي.. موعدي خلص.. شعاع شعرت بالجزع.. لو بقيت مع شكوكها يوما آخر ستموت.. ستموت..!! همست بذات جزعها: لا خلاص.. بأساله قدامك.. بأسأله!!! شعاع كرهت لأبعد حد أن تتجرأ وتسأله.. خجلها الفطري.. وقبل ذلك وأهم خوفها من جرح علي.. ولكن الوضع الذي تعيشه وأجبرت علي على عيشه وضع غير إنساني بالفعل.. أما أن تتأكد أنه غير مصاب مع أنها تظن أن هذا مجرد حلم عذب تتمناه بكل يأس!! وأما أن يسمع علي كلام الدكتور لها بنفسه.. حتى يتوقف عن الضغط عليها بمشاعره التي توشك على جعلها تنهار!! شعاع باختناق شديد توجهت للطبيب بالسؤال باللغة الإنجليزية: دكتور لو سمحت.. أنا لم أفهم طبيعة مرض علي.. هل من الممكن أن تشرحها لي بطريقة مبسطة بعيدة عن المصطلحات الطبية؟!! الطبيب بمهنية: علي عانى من نوع غريب ونادر من الأمراض ينتج عن ضغط نفسي وعاطفي يؤثر على الأجهزة الحيوية.. وزاد المرض امتناع علي عن تناول الطعام.. علي أخبرني المرة الماضية أن العارض النفسي قد زال.. لذا أنا أتوقع أنه سيتحسن أكثر قريبا.. لكن الكبد بالذات تعرضت لنوع من الضرر يشبه التشمع.. لذا سيحتاج لعلاج للكبد لفترة معينة عن طريق العقاقير.. وحتى علاجها لن يطول كما أتوقع.. لأن المهم في هذا النوع من الأمراض زوال العارض المسبب.. شعاع شعرت بالصداع (والمرض المعدي.. أين هو؟؟) همست باختناق شديد مثقل بالتردد وهي تنظر للأرض: ألا يعاني علي مثلا مثلا.. من مرض معدي من أي نوع؟؟ علي اتسعت عيناه بصدمة كاسحة وهو يقفز عن مقعده.. ماعاد يستطيع الجلوس حتى!!! بينما الطبيب ضحك ضحكة رسمية قصيرة: معدي؟؟ لا طبعا.. ماهذا الكلام الغريب؟؟ ثم التفت لعلي بإبتسامة: علي هل أخفت عروسك منك وقلت لها أنك مصاب بمرض معدي..؟؟ علي تحرك بصرامة بالغة وهو يهتف بحزم غريب متجبر: شكرا دكتور على وقتك.. واعذرنا على تأخيرك.. شعاع اسود وجهها تماما.. واختنقت بعبراتها التي أطبقت على أنفاسها لدرجة عجزها عن سحب أنفاسها.. لم تستطع حتى أن ترفع نظرها لعلي.. عدا أن علي لم ينظر حتى لناحيتها.. وهما يتجهان لخارج المستشفى.. بخطوات سريعة.. خطوات حادة تكاد تخترق الأرض من جانب علي.. متعثرة يائسة من جانب شعاع !! ظل الصمت مطبقا على الاثنين في السيارة طوال الطريق.. وشعاع تدعك أناملها بيأس وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء.. وجهها محتقن تماما ويزداد احتقانا كلما فكرت فيما فعلته به الأيام الماضية... " أنا غبية!! غبية!! هو قال لي عن مرضه اكثر من مرة!! بس أنا اللي في راسي في رأسي!! ياربي.. يا الله.. أكيد الحين مجروح مني ومن تفكيري فيه!! صدق إني غبية.. خالتي مزنة شرحت لي مرضه وقالت لي إني ما أتضايق لو ما قرب مني عشان وضعه الصحي وإن هذي أوامر الدكتور!! وبعد اللي في رأسي في رأسي.. خليته مريض وأني أنا اللي لازم أمنعه عني!! غبية غبية.. غبية !! عجزوا يشرحون لي وأنا مافهمت!! " شعاع تكاد تنهار وكل ماتريده أن تصل للفندق وكأن المسافة بين المستشفى والفندق في منطقة (بارك لين) لا تريد أن تنتهي أبدا.. حين وصلا للجناح.. بالكاد خلعت عباءتها ونقابها..وانفجرت فورا في البكاء وهي تلقي نفسها على السرير.. علي منذ خروجهما من الطبيب وإحساسه بالجرح يتزايد ويتزايد حتى خنقه.. ألهذا السبب كانت ترفض اقترابه منها وكأنه وباء؟؟ أ لهذه الدرجة تشك في مروءته ومروءة أهله وأنهم قد يزوجونها من رجل مصاب بمرض معد؟؟ وإن كانت تشك لماذا لم تسأله بشكل مباشر؟؟ وربما لو سألته لن تصدقه.. لأنها لم تصدق سبب مرضه حين أخبرها به!! كان كل سؤال يحيله لسؤال أكثر وجعا وأذى نفسيا وانغراسا في الجرح المملوء بالملح.. ولكنه ما أن رأها تبكي حتى تهاوى كل شيء.. هو مستعد أن يحتمل كل جرح.. لكنه لا يحتمل دموعها .. وبسببه !!.. وخصوصا أنها كانت تنتحب بطريقة هستيرية كما لو أنها فقدت لها عزيزا.. وشهقاتها تتعالى بطريقة مأسوية مزقت قلبه المتيم... شعاع لم تعرف كيف تعبر عن ألمها سوى هكذا.. أو ربما كانت تستخدم ببراءة سلاح المرأة الأشد فتكا... دموعها..!! فهو لو رآها تبكي لن يعاتبها.. وهي ستموت لو عاتبها.. لأن إحساسها بالذنب يذبحها.. يذبحها..!! علي حاول أن يمنع نفسه من إرضاءها حتى تعلم ولو جزئيا عمق جرحها له.. ولكنه لم يستطع إلا أن يجلس جوارها وهو يربت على ظهرها ويهمس بحنان موجوع: خلاص.. تكفين لا تبكين.. طالبش بس.. شعاع رفعت رأسها ودفنته في حضنه وهي مازالت منكبة وتنتحب: قول إنك منت بزعلان علي.. قول إنك منت بزعلان.. تكفى علي.. تكفى.. علي بشفافية مثقلة بالوجع: تبين أكذب عليش وأقول إني ماني بزعلان.. واجد آجعتيني شعاع.. يعني لذا الدرجة شايفتني خسيس ونذل.. أحاول أقرب منش وأنا مريض بمرض معدي؟؟؟ لذا الدرجة أنا حيوان وهمجي في نظرش؟؟ شعاع تزايد نحيبها وهي ترفع جسدها كاملا وتجلس لتطوق عنقه بذراعيها وهي تدفن وجهها في عنقه.. علي ما أن شعر ببلل دموعها وحرارة شهقاتها على عنقه حتى شعر أنه يذوي وألم قلبه يتزايد بعنف.. همس علي بيأس: تكفين شعاع لا تضغطين علي بذا الطريقة.. لأنه أنا موجوع منش واجد..خليني لين أروق بنفسي.. شعاع كانت تعلم كم جرحته بتفكيرها وأنه سيحتاج وقتا لمسامحتها.. لكنها تعلم أنها لن تحتمل نظرة عتب واحدة منه!! لن تحتمل !! نثرت قبلاتها الخجولة النادمة على عنقه حيث تخفي وجهها وهي تهمس بيأس: أنا آسفة علي.. آسفة.. تكفى سامحني.. لا تلومني.. أنا وش عرفني؟؟.. مالي إلا الظاهر!! علي شعر أنه يذوي فعلا مع دفء قبلاتها الرقيقة على عنقه وكان على وشك مد يديه لاحتضانها رغما عنه.. لولا أنها ابتعدت عنه كالملسوعة وهي تهمس بصدمة موجوعة متفجرة بشكل صادم: الحين أنت من جدك كان سبة مرضك وحدة ماتعرفها وشفتها في الأصنصير في يوم ملكتنا..؟؟ لا ..وكان عندك استعداد تطلقني عشانها..؟؟ علي باستغراب شديد لقلبها للموضوع فورا: واللي كانت في الأصنصير من؟؟ وأنتي من؟؟ شعاع ابتعدت أكثر وهي تهمس بغضب رقيق بين شهقاتها: أنا كنت مرتك وهي كانت وحدة ما تعرفها.. يالخاين!! يا الخاين !! ليه أنا حفظتك وأنت ماحفظتني؟؟.. ليه أنا ماقلت للي لحقني في الممر.. خلاص باتطلق من رجالي وأخذك؟؟ أنا كنت بأموت عشانك وأنت ماحتى فكرت فيني!! علي مصدوم من هجومها لأبعد حد.. وهو يرى كيف تتزايد شهقاتها ونحيبها واحمرار وجهها بشكل فعلي... وهي تنهار تماما في عاصفة حقيقية من البكاء الهستيري.. و تقلب الموضوع كله لصالحها!! **************************************** " ها يأبو زايد وش تقول؟؟" منصور يبتسم ابتسامة شاسعة فاخرة وهو يجيب أبا صالح: أنا من صوبي ماعندي مانع.. وفهد ولدي.. بس لازم نشور البنت.. وإن شاء الله بنرد عليكم قريب بس قبل مايصير أي شيء.. أهم شيء دراستها تكملها!! أبو صالح بحزم: ودراستها إن شاء الله مهوب رادها منها.. تكملها وهي عنده!! القهوة تدور مرة ثانية بينما فهد مال على أذن منصور وهو يهمس له بحزم: أبو زايد اسمح لي.. بس قبل ما تسألها أنا عندي طلب ما أقدر أتنازل عنه!! منصور بحذر ودود: وش عندك؟؟ فهد بحزم بالغ: لو وافقت علي البنت.. نبي نسوي الفحوص الطبية بسرعة.. ونعرس خلال أسبوع.. أسبوع ونص بالكثير.. منصور بصدمة: فهد الله يهداك مافيه عرس في أسبوع.. لا تعسرها.. فهد بخبث أخفاه خلف حزم صوته: أنت أعرست في أقل من أسبوع!! منصور بحزم: أنا حالتي غير!! (وش غير؟؟ أمها أرملة وهي مطلقة!!) فهد بحزم: أنت عارف زين إني عندي عقب شهر دورة عسكرية في مصر وبتستمر شهر.. لو خلينا العرس عقب ما أرجع.. ماراح ألحق أقعد مع مرتي لأنه بتكون دراسة الجامعة بدت.. أبي ألحق أقعد معها شوي قبل أروح!! منصور بحزم: خلاص خل العرس عقب شهر وخذها معك مصر.. أنت عارف إنه دورات الضباط مثل دوام جزئي وترجع لشقتك.. فهد يريد بالفعل تعقيد الموضوع غير المعقد.. فهو هكذا كان قد قرر... أنه سيصعب الشرط عليهم.. علهم يتراجعون هم.. وسيكون هو من طرفه أبيض الوجه أمام منصور وهذا مايهمه.. فهو أحضر أهله.. وتقدم فعلا.. ولكنهم من رفضوه!!! فهد أجاب بذات حزمه: لا ما أقدر أنا صرت متفق مع الشباب على السكن.. ولو تراجعت بيأكلون وجهي.. يعني ماتقدر تخدمني في ذا الموضوع..؟؟ أنا من صوبي أقدر أرتب حفل الرياجيل كأحسن مايكون خلال أسبوع.. وما أعتقد إن ترتيب حفل النسوان بيكون مشكلة.. ولكن فهد يعلم أنه سيكون مشكلة.. فهو يعلم أن جميلة لم تحضَ بحفل زفاف.. وبالنسبة لفتاة مدللة مثلها فحفل زفاف ضخم وفاخر سيكون حلما يصعب أن تتنازل عنه بعد أن تنازلت عنه المرة الاولى رغما عنها بسبب ظروف مرضها.. وأسبوع لن يكفي مطلقا لتجهيز حفل زواج كما تتمناه!! وكما سمع بنفسه من منصور أنه ينوي أنه يقيم حفلا كبيرا لها... كان فهد يعتمد أن هذا سيكون سببا لإلغاء فكرة الزواج بالكامل.. والإلغاء حينها سيكون من طرفهم ليس من طرفه!! ****************************************** طرقاته التي تحفظها ترتفع على بابها.. وقفت بجزع.. منذ زمن لم يطرق بابها.. ركضت نحو الباب وفتحته.. كانت تتأمله وهو يقف أمام فتحة الباب.. تمنت ان تقبل رأسه .. أن تشير له: هل سامحتني؟؟ لكن كل مافعلته أنها أشارت له بترحيب أن يدخل.. تميم تقدم بخطوات هادئة للداخل وهو يشير لها بهدوء: فاضية خمس دقايق؟؟ ابتسمت له وضحى بحنان موجوع: فاضية خمس ساعات.. الله يذكر أيام ماكنا نسولف ساعات بالخير.. تميم أشار بشجن: ماظنتي إني السبب يا بنت أبوي!! وضحى أمسكت حينها بكفه وهي تميل لتقبلها... ولكن تميم شدها بجزع.. بينما وضحى بقيت صامتة.. وعبرة صامتة تصطرخ بين جنباتها!! تميم نظر لها بيأس رقيق.. وهو يشير بعمق: تراني أنا اللي حلفت على نايف إنه مايوجع نفسه بالمهر.. نايف توه متخرج وفلوس بيع بيت أبيه أكثرها راحت في بيته الجديد وتأثيثه.. وأنا مابغيتكم تبدون حياتكم بديون.. بس في نفس الوقت ما أبي شيء يقصرش.. أنا حطيت في حسابش فلوس.. ولو احتجتي زيادة لا تستحين!! وضحى أشارت بعبرتها التي مازالت تخنقها: أدري أنك حطيت في حسابي فلوس واجد مهيب شوي.. وصلني مسج على تلفوني من البنك بدخول فلوس لحسابي.. اتصلت فيهم أسأل عنها قالوا لي إنك اللي دخلتها... وكنت بأسحبها أرجع لك.. بس خفت على زعلك.. وضحى سكنت لدقيقة ثم أكملت بيأس أعمق: وش بأسوي بالفلوس يعني؟؟ أشتري ثوب زيادة.. وإلا شنطة؟؟ وإلا يمكن الفلوس تعوضني عن أخي اللي راح.. وإلا أخي الثاني اللي مايلتفت صوبي؟؟ قل لي تميم وش أسوي بالفلوس؟؟ تشتري لي حنان أترجاه منك ومالقيته؟؟ وإلا الفلوس بترجع ثقتك فيني وتخليك تسامحني على ذنب ندمت عليه عمري كله؟؟ ما أبي فلوسك ياتميم.. مشكور.. الفلوس اللي عندي تكفيني وزيادة!! وضحى أنهت إشارتها التي كانت دموعها تسيل معها بصمت وهي تريد التراجع للخلف حين انتهت.. لولا أن تميم منعها من التراجع وهو يشدها ليدفنها في حضنه.. حينها لم يعد للإشارات حاجة وهي تنفجر بالبكاء في حضنه وهي تطوق عنقه بذراعيها بكل قوتها.. وهو يحتضنها بحنو بالغ ويربت على ظهرها بأبوية صافية.. لم يحتج لإبعادها ليشير لها أنها بحاجة لمسامحتها أكثر منها.. ولم تحتج لتبتعد عنه حتى تشير له كم هي سعيدة بحضنه أخيرا.. فكلاهما يعلم كما أنه هناك مواقف لا تحتاج للكلمات.. فهناك مواقف لا تحتاج حتى للإشارات لأنها تعبر عن ذاتها وكينونتها وانثيالها بدون أي طرق تعبيرية!! الأمر الذي غيرهم مازال لم يعلمه !!!!!! *************************************** " أنا أبي أعرف ليه اليوم كله طاردتني من البيت بكبره!!" عالية تتناول غترة عبدالرحمن منه وهو مازال عند الباب وتهمس بالمرح: عندي لك مفاجأة كبيرة.. وماكنت أبيك تجي لين تكمل.. عبدالرحمن خطا بكرسيه للداخل ليهتف بإبتسامة مصدومة: حرام عليش عالية كفاية المستشفى.. عالية تقف أمام ممر المشي الذي طلبت تركيبه من قبل شركة تجهيزات طبية.. والذي قدمت طلبا عليه من بعد زواجها من عبدالرحمن.. وللتو وصل اليوم وتم تركيبه.. وتهمس بمرح: لا مهوب كفاية.. لأنك واحد كسول ودلوع وعمي فاضل خربك ذا السنين كلها بالدلع.. وتبي لك شوي من تربية آل ليث المتوحشين!! ابتسم عبدالرحمن بمودة: يا شينهم آل ليث هم ويباس رأسهم.. عالية تدفع بكرسيه للداخل وتهمس بجدية: قل لي عبدالرحمن الدكاترة وش قالوا لك آخر شيء في آخر اجتماع قبل يومين؟؟ عبدالرحمن بخبث باسم: أنتي في المستشفى تقدرين تدخلين على ملفي.. وأعتقد إنش دخلتي عليه وتعرفين حالتي أحسن مني.. عالية بذات الجدية البالغة: لا أبي أسمعها منك.. تنهد عبدالرحمن: يقولون حالتي غريبة شوي.. لأني أقدر أثني ركبتي والإحساس في الرجلين طبيعي جدا.. وهذي دائما تكون أهم مشكلتين عند اللي مايقدر يمشي.. لكن أنا مشكلتي في الساقين أحسهم ثقال جدا كأنها ميتة مع إنه هالكلام غير صحيح لأنه لو حد شكني بدبوس صغير حسيت فيه.... و.. ثم صمت عبدالرحمن قليلا.. عالية بنبرة مقصودة جدا مثقلة بالجدية العملية: كمّل !! عبدالرحمن هز كتفيه بطبيعية: وهم شبه متأكدين إن اللي معي حالة نفسية لا أكثر!! حينها انفجرت عالية بحماس: مابغيت تطلع ذا الدرة..!! عبدالرحمن يضحك: صدق خبلة.. أولها مسوية لي فيلم رعب تقولين مسجون قدام لجنة محققين.. وعقبه تصيحين في أذني كذا.. عالية تقربه من ممر المشي وتهمس بمرح: التعذيب مابعد شفته.. التعذيب جايك لين تنط من كرسيك وتقول خلاص الرحمة.. عبدالرحمن برجاء: تكفين عالية مهوب الليلة.. الليلة عاد ميت من التعب.. من صبح طاردتني من البيت ماحتى تمددت دقيقة... عالية بإصرار: مافيه.. حاول خمس دقايق بس.. عشان أشوف طول الممر مناسب لطول أرجليك وإلا لا... عبدالرحمن حينها همس بقلق عميق: صدقيني عالية أنا ودي أكثر منش أمشي.. بس شوفت عينش هذا أنا أحاول بدون فايدة.. فرضا مامشيت.. ذا الشيء بيخليش متضايقة إنش بتعيشين حياتش كلها مع مقعد؟؟ عالية تحتضن عنقه من الخلف وهي تلصق خدها بخده وتهمس بإبتسامة ودودة: يا ثقل طينتك بس!! ******************************************* "عفراء حبيبتي.. ادعي جميلة.. أبيش أنتي وأياها في موضوع.." عفراء بإبتسامة رقيقة: جميلة أساسا جاية الحين.. بس راحت تجيب لزايد مصاصة من جهاز التعقيم.. خير إن شاء الله؟؟ منصور بحزم: إذا جات جميلة قلت لش أنتي وإياها!! " وهذي جميلة جات.. آمر تدلل!!" جميلة ناولت أمها المصاصة وهي تميل لتقبل رأس منصور وتهمس له بمرح بعد أن جلست جواره: بتسفرني لبنان؟؟ خاطري أتسوق لين أقول بس!! منصور احتضن كتفيها وهو يهمس بحنان: أوديش لبنان تسوقين اللي تبينه.. بس الحين اسمعي كلامي عشان روحة لبنان تثمن وتسوقين مناك شيء سبيشل.. جميلة بإبتسامة رقيقة: خير فديتك .. آمرني.. وبلاها لبنان بعد!! منصور بحنان: جايش معرس وأبيش توافقين كان لي خاطر عندش.. جميلة انتفضت بجزع وهي تبتعد عن حضنه.. بينما عفراء صاحت بجزع: منصور الله يهداك وش معرسه؟؟ والبنية توها مخلصة عدتها أمس.. منصور بتهدئة حازمة: وش فيكم تروعتوا كذا.. إيه معرس.. رجّال فيه خير ومن عرب أجواد وما أبيه يروح عليها.. جميلة تشعر أن في الأمر مزحة ما.. أي زواج هذا وهي للتو أنهت عدتها!!.. لذا همست بتهكم: وهو مطلق؟؟ وإلا أرمل؟؟ وإلا واحد يبيني أربي عياله..؟؟ وإلا يمكن واحد يبي يحطني على رأس مرته الثانية وإلا الثالثة؟؟ وإلا يكون شيبه طايح كرته؟؟ منصور بغضب: أفا عليش يأبيش وأنا بأقطش ذا القطة.. إلا رجال توه أنتي أول نصيبه وآخره إن شاء الله.. جميلة شعرت بالحرج والارتباك والاختناق حين رأت أن منصور جاد بالفعل!! بينما عفرا همست بغضب: منصور أظني قلت لك بنتي تبي تكمل دراستها.. مايصير البنية توها طالعة من تجربة تبي تدخلها في تجربة ثانية.. منصور بغضب مشابه: عفرا الله يهداش أنتي ليش ماتبين تعطين البنية فرصة تفكر وتقول رأيها.. فهد رجّال ما ينتعوض.. شيدريش إنه عاده بيجيها واحد مثله.. عفرا غاضبة بالفعل: لو ماجاها.. بيكون هذا نصيبها اللي ربي كتبه لها.. جميلة شعرت بالصداع والاثنان يتناقران فوق رأسها كالديكة.. منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم جهوري بالغ: جميلة يأبيش القرار قرارش.. فهد آل ليث متقدم لش ومستعجل على العرس لأن وراه سفر.. وأظني ما يحتاج أمدحه لش.. فهد أنا أضمنه بعمري.. وأنتي أساسا صرتي تعرفينه من كثر سوالفي عنه.. وشفتي صوره ألف مرة معي.. يعني تعرفينه شكلا ومضمونا.. ماراح أكذب عليش وأقول مافيه عيب.. هو عيبه إنه جلف وحاد شويتين.. والقرار مثل ماقلت لش قرارش.. جميلة لم ترد عليه.. وهي تقف بجمود غريب لتغادر.. وارتفاع صوت والدتها ومنصور يتزايد وراءها!! ******************************************* " صدق حبيبي رحتوا اليوم خطبتوا عند منصور آل كساب بنت مرته لفهد؟؟" عبدالله بهدوء: نعم صحيح!! جوزاء ابتسمت برقة وهي تجلس بجوار عبدالله وتهمس بمرح: بصراحة عبدالله مع احترامي لأخيك وإني والله أعتبره مثل أخي.. بس بصراحة الله يعين البنية عليه!! ضحك عبدالله: لذا الدرجة شايفة أخي شين؟؟ جوزاء بإبتسامة: لا والله مهوب شين.. حاشاه بو خالد.. رجال مثايله نادرين.. بس تدري ستايله يبي له مرة تستحمل.. طبايعه صعبة صراحة.. والبنية الي خطبها يمكن تكون أرق بنية عرفتها في حياتي!! عبدالله ضحك: الله يطمنش بالخير.. اللي عمرت السالفة.. عز الله طفشت البنية!! أنا أخيه ورجّال مرت علي مصايب الدنيا كلها واستحملتها.. ومع كذا أحيانا تطلع روحي منه وما أقدر أستحمله!! ثم أردف بمودة دافئة وهو يشد أنامل جوزا بحنان: خلينا من فهيدان وثقل دمه.. اشرايش نطلع الحين نتمشى ثم نتعشى عشا متأخر؟؟ جوزاء تنظر لساعتها باستغراب: الساعة صارت تسع وحسون نايم!! عبدالله يقف ويشد كفها ويهتف بعزم: عادي.. خلي الشيخ فهد يقعد عنده.. بكرة عنده أوف.. يشتغل على اللابتوب ويقعد عنده لين نرجع.. ثم أردف بمرح: خليه يلقى شيء يلهى فيه غير عد الدقايق والأيام.. جوزاء بخجل: ما أتخيل فهد عاد قاعد يحرس حسون.. عيب والله عبدالله!! عبدالله بإبتسامة: يحرسه وهو مايشوف الدرب.. أنا أخيه الكبير وأمرت عليه... وبعدين خله يتدرب لعياله..حن قاعدين نقدم له خدمة ببلاش!! ******************************** كانت مازالت ساهرة عاجزة عن النوم حين رن هاتفها.. استغربت.. من سيتصل بها في هذا الوقت.. تناولت الهاتف لترى من المتصل.. لشدة لهفتها حين عرفت المتصل.. كاد الهاتف يسقط من يدها فهو لم يتصل منذ سافر.. وقلبها يغلي قلقا عليه.. ردت بصوت مبهور الأنفاس: كساب.. شعر برعشة حادة تجتاح شراينه وهو يسمع اسمه بصوتها الذي أضناه الشوق له وبهذه الطريقة الآسرة التي تذيبه فعلا.. رد عليها بعمق خافت: كساب ماغيره.. كاسرة تشعر بريقها جاف ولا تعلم لذلك سببا وهي تسأله بأنفاسها الذاهبة: خمس أيام مرت مالقيت دقيقة تتصل فيها.. وأنا أتصل على تلفونك ألاقيه مسكر.. شعر بألم شفاف.. شفاف ( أحقا كانت قلقة عليه؟؟ أم هو قلق المجاملة؟؟) همس لها بذات الخفوت العميق: غصبا عني.. ولو طولت أكثر من كذا ما اتصلت لا تحاتيني.. لأنه تلفوني أساسا مهوب عندي.. أنا ماخذه الحين بالسراقة.. بس عقب أسبوع إن شاء الله بأقدر أكلمش أكثر.. كانت تريد أن تصرخ في أذنه حتى تخترق طبلة أذنه (اشتقت لك) وتمنى أن يصرخ لها (أضناني اشتياقي لكِ) ..ولكن أحدا منهما لم يقل حرفا!! وكل منهما يرتشف بسمعه أنفاس الآخر التي تأتيه عبر أثير الهاتف متصاعدة تتردد بدفء يائس.. قطع كساب هذا التواصل السماوي وهو يهمس بذات الخفوت: يالله أنا لازم أسكر.. خلي بالش من نفسش.. كاسرة همست بيأس دون تفكير: كلمني خمس دقايق بس.. كساب شعر أنه يتمزق.. لأول مرة تكون بهذه الرقة التي تذيب الحجر فعلا.. تمنى لو استطاع أن بجيب طلبها ولكنه لا يستطيع.. لذا همس بحزم: ما أقدر.. مع السلامة.. كاسرة ألقت هاتفها جوارها وهي تدفن وجهها في المخدة وتشهق بعمق موجوع.. وهي تسب نفسها على أنها أحرجت نفسها أمامه.. ودون فائدة.. وتسب نفسها أكثر لأنها لا تستطيع منع نفسها من الاشتياق له هذا الاشتياق الهادر الذي لا حدود له!! الاشتياق الغريب الذي ينغرس في روحها بوجع لا هوادة فيه.. ولا رحمة !! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثمانون لا يعلم فعلا أي طاقة بكاء جبارة لديها.. فهي منذ الصباح لم تسكت.. وجهها تورم تماما من البكاء.. تماما كما تورم قلبه من الألم!! ألم يكفها مافعلته به هذا الصباح وهي تصدمه بظنها أنه مصاب بمرض معد والأسوأ ظنها أنه يحاول التقرب منها دون اهتمام أنه سينقل لها هذا المرض المزعوم.. وأنها جعلته بهذا التفكير أشبه بمخلوق منحط لا أخلاق لديه ولا مروءة؟؟!! هو تفكر فيه هذا التفكير المريض؟؟ هو؟؟ علي؟؟ وهاهي تكملها عليه ببكائها الذي لم يتوقف.. في البداية حاول تهدئتها.. ولكن محاولاته باءت كلها بالفشل.. وهي ترفض مجرد رفع وجهها له.. لذا قرر أن يتركها تبكي حتى تفرغ كل الطاقة التي لديها.. ولكن سماعه لبكائها الرقيق الموجوع كان يستنزف روحه شيئا فشيئا.. وهو مازالت على ذات الوضعية منكبة على سريرها لا تقوم عنه إلا للصلاة وتعود.. بينما هو معتصم بصالة الجلوس.. يطل عليها ويعود أيضا لمكانه.. وكلاهما لم يتناول أي شيء منذ الصباح.. هو مسدود الشهية تماما.. لكنه طلب العشاء من أجلها.. يستحيل أن يتركها كل هذا الوقت دون أي طعام!! هي كانت في الداخل.. ومازالت تنتحب.. ومازاد في نحيبها أن عليا أهملها بشكل كلي منذ ساعات طويلة.. مثقلة بجراح غريبة متشابكة!! مجروحة لأنها جرحته... ومجروحة لأنها تشعر بالخديعة والخيانة من طرفه.. نعم.. ليس مريضا بمرض معدي.. وأخطأت بظنها ذلك.. ولكنه تجرأ على النظر لأخرى ويوم عقد قرانهما نفسه!! مشاعرها الرقيقة مستباحة العبرات.. ومثقلة بيأسها.. ورغم أنها رفضت الاستجابة لمحاولات علي في تهدئتها.. لكنها لم تتخيل أنه سيمل من محاولة تهدئتها بهذه السرعة.. لذا تزايد نحيبها.. أ ليست المرأة مخلوق غريب بالفعل؟!! لذا حين شعرت بالحركة جوارها وعلمت أنه يجلس جوارها الآن تزايدت شهقاتها بتلقائية مريرة.. همس علي بحزن: شعاع ما مليتي من البكاء؟؟ والله العظيم حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفيني وعشان شيء مايستاهل؟؟ صوتها المكتوم الممزق من البكاء يأتيه عبر المخدة: تشوف إن خيانتك لي سبب مايستاهل؟؟ علي بيأس: الله يهداش.. ياكثر ماتعذبت على ذا السالفة من عقب ملكتنا لين ليلة عرسنا.. وأنا أموت كل يوم ألف مرة لأني أظن إني تعديت على حدود ربي.. وإني خنتش فعلا!! شعاع يعني أنتي ظنش أنا واحد ماشفت حريم في حياتي..؟؟ أنا شفت في شغلي أحلى وأكشخ وأذرب وأذكى نسوان في العالم.. وقلبي ماتحرك إلا لوحدة شفتها في الأصنصير لأنها حلالي.. لأنها أنتي.. إذا أنتي تبين تعقدين السالفة وتعذبيننا؟؟ براحتش.. لأني لو أبي أعقدها من صوبي.. بأعقدها .. لأنش ظنيتي فيني ظن السوء اللي أنا منه بريء.. لأنش هان عليش تشوفيني مخلوق حقير ماله أي أخلاق........أنا ياشعاع؟؟ أنا؟؟..... علي ظل يتكلم ويتكلم ويتكلم.. منهمرا بيأسه وحزنه وصدمته.. كل المشاعر التي كتمها منذ الصباح!! بينما هي كان حزنها يتضخم ويتضخم.. ليس بسبب عتابه الموجع فقط..!! ولكن لأنها اعتادت خلال الأيام الماضية أنه لا يوجه لها الحديث إلا ويناديها بين كل عبارتين على الأقل بـ(حبيبتي) أو(قلبي).. وهاهو الآن يسطر معلقة طويلة مصفوفة بدقة.. دون أن يخطئ مرة واحدة في مناداتها هكذا!! بل هو منذ الصباح لا يناديها إلا باسمها !! " أ يكون من هو خانني وفكر في سواي ثم يزيدها علي بقسوته وبروده؟!" علي انتهى من كلامه كله وتعب من الكلام وهي لم ترفع رأسها حتى.. همس لها بإرهاق: شعاع الله يهداش قومي خلاص.. قومي كلميني.. ربت على ظهرها برفق: شعاع.. شعاع.. زين قومي اكلي شيء.. مايصير من الصبح ماكلتي شيء.. ولكنها لم تستجب له.. لذا هتف لها بجدية: تدرين إني بعد ماكليت.. ولو ماقمتي تأكلين الحين ماني بمأكل... وخلي ذنبي وأنا واحد مريض عليش أنتي!! حينها تحركت بخفة وشعر بالانتصار أن محاولته هذه نجحت.. مع شعوره بتأثر عذب..عذب أنها لم تهتم لشيء سواه.. نهضت بذبول وهي تجلس على السرير وتمسح وجهها.. نظر لها بصدمة كاسحة.. وهو يكاد يجن حين رأى وجهها.. كان متورما محمرا بشكل متزايد.. وعيناها شديدتا الأحمرار.. همس بجزع شديد: شعاع وش سويتي في روحش.. هذا كله بكا عشان شيء مايستاهل والله العظيم دمعة وحدة من عيونش؟! لم ترد عليه وهي تخفض وجهها وتحاول النهوض عن السرير.. لولا أنه منعها وهو يمد يديه الاثنتين ليرفع وجهها ناحيته.. نظر لها بأسى عميق وهو يمسح خديها ثم يقبل أرنبة أنفها ويهمس لها من قرب شديد بحنان عظيم: ياقلبي ياحبيبتي أنتي.. والله العظيم مافيه شيء يستاهل!! وش اللي يرضيش قولي لي.. حين سمعت ندائه العذب لها.. دفنت وجهها بين كفيها وعادت للانفجار في البكاء.. علي شدها برفق إلى حضنه وهو يحتضنها بشكل جانبي لأنها مازالت تغطي وجهها بيدها.. لم يعد يحتمل تركها بعيدا عن حناياه لتهدئتها وتهدئة نفسه وروحه هو!! ولكن لم تمر ثوان حتى تغيرت وضعيتها وهي تزيل كفيها عن وجهها وتخفي رأسها في ثنايا صدره وهي تحتضن خصره وتنتحب بشكل أقوى!! علي شدها بشكل أقوى واكثر حنانا وهو يهمس بتأثر: حبيبتي أنتي وش طاقة البكا اللي عندش ذي.. شعاع همست بين شهقاتها المختنقة: كله منك!! كله منك!! علي حينها ابتسم بشفافية غامرة: وأنتي يعني ماسويتي شي؟؟ شعاع تحاول التماسك وهي تهمس بخفوت: سويت.. بس مهوب مثلك.. ذنبي إني فهمت غلطت.. بس أنت اللي سويته كله غلط!! علي يمسح على شعرها وهي مازالت تستكين على صدره ويهمس بدبلوماسية راقية مجللة بالصفاء: زين أنا غلطت.. ومعترف إني غلطان.. ودفعت ثمن الغلط.. بتحاسبيني وتحاسبين روحش لين متى؟؟ ياقلبي ياشعاع.. أنا أحبش أنتي... لا حبيت قبلش ولا بعدش.. يعني شايفة ذنبي كبير لدرجة إنش ماتقدرين تسامحيني ونبدأ صفحة جديدة؟؟ شعاع صمتت تماما وهي مازالت تستكين بين ضلوعه.. وأنفاسها تهدأ لتهدئ عواصف روحه.. علي همس حينها بولع مع أنه أصبح يعرف الجواب: ها شعاع ريحيني بكلمة.. شعاع برقة زادتها نبرة البكاء رقة: لا تقول شعاع.. (يعني عادها زعلانة!!) علي بعتب: عادش زعلانة يعني ياقلبي؟؟ شعاع ابتسمت حينها بعذوبة وهي تقبل صدره مكان استكانة رأسها: الحين بأفكر أرضى!! **************************************** اليوم التالي . . " حرام عليكم جايبيني من الصبح.. عمي وخالتي كلهم جننوني.. تعالي تعالي.. يقولون من البارحة وأنتي مقفلة على نفسش ومارضيتي تكلمين حد منهم!! عسى ماشر؟!! ترا السالفة كلها خطبة.. مابغيتي؟؟ يفتح الله وانتهت السالفة!!" جميلة تغلق الباب خلف مزون وتهمس بإرهاق: خلي أمي وعمي يحترقون شوي.. ماشفتيهم أشلون أمس تزاعلوا بسبة ذا الموضوع وبدون مراعاة لوجودي.. أول مرة أشوفهم يختلفون من يوم رجعت!! واجد تضايقت!! مزون ابتسمت وهي تلقي عباءتها على سرير جميلة وتجلس: زين خلهم يحترقون... سالفة الخطبة ويش؟؟ جميلة هزت كتفيها بعدم اهتمام: فهد آل ليث خاطبني عشان يرضي عمي منصور!! مزون عقدت ناظريها: وليش تقولينها كذا؟؟ جميلة بذات النبرة غير المهتمة: لأنها كذا.. واحد مثله وش يبي بوحدة مطلقة إلا لأنه يبي قرب عمي منصور.. مزون بعتب: جميلة ياقلبي.. وش القصور اللي فيش يعني؟؟ جميلة بنبرة غضب متهكمة مفاجئة مليئة بالحرقة: أبد مافيني قصور.. إلا إن ولد عمي طلقني وحذفني كني جوتي وسخ ماصدق يقطه وحن عادنا في المطار.. والناس يقولون علي كلام.. كل كلمة أكبر من الثانية.. وأبد مافيني قصور!! مزون تشعر بصدمة حقيقية.. لأول مرة تسمع جميلة تتكلم عن طلاقها ومضاعفاته بهكذا حرقة.. فهي كانت طوال الفترة الماضية متألقة ومرحة كفراشة وهي تدعي إنها تجاوزت تداعيات طلاقها بإنشغالها بزايد الصغير... مزون بغضب: من وين جبتي ذا الكلام السخيف؟؟ أنتي تألفين على كيفش.. جميلة بحرقة حقيقية: إذا أنتي ماسمعتي.. أو سمعتي وتحطين نفسش ماسمعتي بكيفش.. بس أنا ماراح ألعب على روحي!! عشان يقولون علي بكرة شوفوا ولد عمها ما استحملها.. وولد آل ليث المسكين تورط فيها!! مزون تكاد تنفجر غيظا منها: والله العظيم لو عدتي ذا الكلام مرة ثانية.. لألتش كف على وجهش يخليش تصحصحين شوي!! ثم أردفت ولهجتها ترق بحنان: جمول ياقلبي.. ترى في العرس ماحد يجامل حد.. هذي عشرة عمر.. ولو ولد آل ليث ماسأل أمه واخته عنش.. وذابت عظامه من الوصف قبل الشوف ماكان جاء يخطب!! جميلة بجمود: ليه عليه قاصر زين؟؟ أنا شايفة صوره مع عمي.. ابتسمت مزون: والزين يبي الزين!! جميلة لو أنتي مقتنعة بفكرة الزواج وبفهد نفسه .. أو خلاص بلاها الفكرة كلها.. جميلة تنهدت بعمق: زين خلينا من كلام الناس .. مزون أنا صار لي 3 سنين في دوامة.. كملت سنة من رحت للعلاج وتزوجت وتطلقت.. وقبلها سنتين وأنا مريضة بالمرض اللي أنا جبته لنفسي.. سنين مراهقتي راحت ماعشتها.. والحين ماعاد يحق لي أعيشها لأني لازم أتصرف كمره.. وعلى العموم التجارب اللي أنا عشتها تحسسني إن عمري 40 مهوب20.. ومع كذا وكذا أنا متشوشة واجد.. والله العظيم مزون من أمس وأنا أفكر لحد ماصدعت.. ما أبي أعرس لأني أبي أتفرغ لدراستي.. بس في نفس الوقت أبي أكون منطقية.. وش يضمن يرجع لي واحد مثل فهد.. لأنه كل ماكبرت كل ماقلت فرصتي.. الشيء الثاني اعترف إني مجروحة من خليفة اللي ماصدق يطلقني عشان يتزوج.. أبي أوريه إني ماني بأقل منه وهذا أنا خلصت عدتي وتزوجت مثلي مثله.. بس أرجع وأقول هذا حكي خبلان ويودي في داهية.. مافيه حد يورط نفسه.. ويتزوج عشان يغيض حد!! أفكر من ناحية ثالثة وأقول واحد مثل فهد آل ليث وش يبي في وحدة مثلي.. أفكر من ناحية رابعة وأقول فهد هذا كله على بعضه مايناسبني.. لأن كل شيء فيه يخوف من وسامته لحدة شخصيته.. يذكرني بعمي منصور!! تدرين إن أمي تموت من الغيرة على عمي منصور بس ماتبين.. وواجد متحملة صعوبة شخصيته.. بس أنا ماني بعاقلة مثل أمي!! من ناحية خامسة وإلا عاشرة وإلا عشرين.. أنتي تدرين إن الدورة الشهرية تقريبا وقفت معي سنة ونص وتوها رجعت لي منتظمة من شهرين بس.. والدكتورة كانت تقول إنه احتمال يصير معي مشاكل بالحمل.. أو على الأقل يتأخر فترة لحد مايتضبط وضعي تمام.. تعبت مزون من كل شيء.. تعبت.. وما أبي أفكر في شيء... **************************************** " عــلــــي.. عــــلـــي !!" علي قفز من نومه بجزع: بسم الله الرحمن الرحيم.. وش فيش؟؟ ليش تصيحين وتهزيني كذا؟؟ شعاع ضغطت على قلبها وهي تنتهد وتعود لتسند ظهرها لرأس السرير.. بعد أن كانت تقف على ركبتيها وتهز علي بقوة وهي تصرخ.. وهي تهمس بصوت ذاهب الأنفاس: حرام عليك علي صبيت قلبي.. أصحيك ماتقوم.. ارتعت.. علي ابتسم وهو يضع كفيه خلف رأسه : دامش جنبي إنا طيب وبخير إن شاء الله.. شعاع همست برقة مصفاة وهي تمد يدها لتمسح شعره: جعلك طيب وبخير دوم مهوب يوم.. أمسك علي بكفها بين كفيه وهو يهتف بشجن مختلط بإبتسامته: ومافيه ياحبيبي معها؟؟ احمر وجه شعاع خجلا وهي تهمس بخجل رقيق: حبيبي ولا يهمك.. قطب علي جبينه وهمس بإبتسامة: بايخة.. لأنها مهيب من قلبش.. تسكيتة بس!! حينها مالت قليلا لتهمس قريبا من أذنه بعذوبة خافتة: الله لا يحرمني منك ويقدرني أرضيك وأسعدك ياحبيبي ياقلبي أنت!! يعلم أنها مازالت لا تقصدها.. لكنه لا يستطيع أن يمنع قلبه العاشق أن يُعتصر بقوة وهو يسمعها من بين شفتيها بهكذا دفء وعذوبة.. وكأن أعذب أحلامه وأبعدها تتحقق أمامه على أرض الواقع.. همس حينها بتثاقل مملوء بالولع والشجن: الحين بأقول خفي عليّ حبيبتي.. ترا قلبي مايتحمل!! ****************************** بعد يومين . . . " فهيدان من جدك أنت خاطب جميلة بنت خليفة ؟؟!!" فهد يرتشف قهوته وهو يسند كتفيه للخلف ويهتف ببرود: تو الناس ياحرم الدكتور.. الموضوع صار له 3 أيام.. وفهيدان في عينش ياقليلة الحيا.. عالية تبتسم: أول شي اليوم أول يوم أشوف خشتك من عقب الخطبة.. كل ماجيت مالقيتك.. وثاني شيء آسفين ياحضرة النقيب!! وثالث شيء أنت استخفيت.. مالقيت إلا جمول..؟؟ فهد من فوره شعر بالضيق.. حتى لو كان لا يريدها.. فهو لن يسمح حتى لمن هم أصغر منه بالسخرية من اختياره.. هتف بنبرة تهكم حازمة: والشيخة عالية بعد وش عندها اعتراضات على جميلة..؟؟ عالية تهز كتفيها بمرح: ماعندي اعتراضات عليها.. عندي اعتراضات عليك!! حينها شعر فهد بالإهانة..هتف بغضب: نعم.. عندش اعتراضات علي أنا؟؟ عالية تقلد طريقته في الكلام: إيه عليك أنت.. لا ينقص لك عرق.. ثم أردفت بجدية مختلطة بالابتسامة: أنت بصراحة ياحضرة النقيب تبي لك وحدة تشتغل في الكوماندوز .. أو على الأقل وحدة جفسة مثل أختك علوي... مهوب وحدة تذوب رقة ونعومة مثل جميلة.. (قصدش تذوب دلع ماسخ مايلبق على شينها) فهد هتف بسخرية: زين وش تبيني أسوي ياعالية هانم...؟ أهون من الخطبة؟؟ وإلا أسكر على جميلة في صندوق قزاز عشان مانخدش رقتها ونعومتها؟؟ عالية بجدية: إلا أبيك تغير من طبايعك شوي.. بس شوي.. البنية مرت بتجربة صعبة ومرض... فاتق الله فيها.. ثم أردفت عالية وهي ترقص حاجبيها بخبث: ولو أني متاكدة إنك إذا شفتها.. بتغير طبايعك غصبا عنك وتضيع علومك وطي.. فهد بصرامة: أنا ما احتاج حد يوصيني لأني أتقي ربي قدام أشوف وجهش.. ومهوب أنا اللي تضيع علومي من شوفت أزين النسوان عشان تضيع من أشينهم... عالية بصدمة: من أشينهم ذي؟؟ ابتسم فهد: أنتي وجميلة كلكم!! عالية بمرح: أنا ماعليه.. بس جميلة عاد آخر وحدة في العالم ينقال لها شينة.. فهد بتهكم: أجل وش ينقال لها؟؟ عالية (بعيارة) : ينقال لها الشين كله.. لأنها بتأخذك!! ********************************** " كاسرة تروحين معنا؟؟" كاسرة تنتبه من سرحانها وهي تنظر لمزون ووضحى وكلتاهما تلبسان عبايتيهما وتهمس بمودة: لا اسمحوا لي.. ما أقدر!! مزون تجلس جوارها وتهمس باستغراب: كاسرة من يوم سافر كساب وأنتي ماتطلعين من البيت إلا للشغل وجدش وبس.. اطلعي معنا اليوم بس.. كل يوم واحنا ساحبين خالتي مزنة.. تعبناها.. امشي معنا وخليها تقعد اليوم.. كاسرة تضايقت من الربط الحقيقي.. لم تكن تريد أن يلاحظ أحد أنها فعلا ماعادت تخرج من البيت بعد سفر كساب.. والسبب بسيط جدا.. كساب كان يكره أن تخرج من البيت بدون أذنه أو مع أحد غيره!! وهو أمنها بالله ألا تفعل شيئا في غيابه كان يضايقه في وجوده.. لا تستطيع بالفعل أن تخرج وهي تعلم أنها لا تستطيع حتى استئذانه عدا أنها فعلا ليس لديها رغبة للخروج.. روحها مثقلة بنوع غريب من الوجع!! كاسرة همست بذات المودة: ماعليه يابنات اسمحوا لي.. صدق تعبانة ومالي خلق أطلع.. وضحى تجلس جوارها من الناحية الآخرى وتهمس بإلحاح: كاسرة أنتي حتى فساتين للأعراس ماسويتي.. كاسرة حينها همست بحزم بالغ: ياكثر هذرتكم.. يا الله قوموا.. لا تتاخرون على أمي.. ********************************** بعد ثلاثة أيام أخرى . . . " فهد .. منصور آل كساب مارد عليك عشان موضوع الخطبة!! فهد يلتفت لصالح ويهمس بعدم اهتمام: لا مابعد!! كل يوم وأنا عنده وماقال لي شيء.. صالح بجدية: مايصير فهد.. لازم تسأل الرجال.. يعطيك كلمة.. يا لا.. يا نعم!! فهد حينها هتف بجدية مشابهة: أنا ومنصور مابيننا ذا السوالف .. صدقني لو كان عنده رد كان رد علي بدون ما سأله.. بس أنا حاسه ذا الأيام مشغول بشيء ما أدري وش هو!! فهد يشعر بسعادة عميقة جدا مخفية داخل روحه لأن الرد تأخر.. وذلك يعني شيئا واحدا.. أنهم غير موافقين!! مع أن منصور آل كساب قبل أربعة أيام قال له بطريقة غامضة: قبل مانوافق أو مانوافق... البنت توها قالت لي إنه احتمال كبير يصير معها مشاكل في الحمل.. أو على الأقل يتأخر شوي وحن نبي نبري ذمتنا ونبلغك ذا الموضوع!! (صدق إنها قليلة حيا!!) فهد هز كتفيه بعدم اهتمام: مايهمني ذا الموضوع.. وانا أساسا متوقع ذا الشيء قبل أخطب.. وذا الكلام مايغير رأيي في شيء... وهاهي سعادته تتزايد أن الأيام تمر والرد النهائي لا يأتيه.. وذلك يعني كما يظن أنهم بالفعل (غير موافقين) !! ******************************** " حبيبتي لين متى وأنتي زعلانة علي؟؟" عفراء ترتب ملابس زايد الصغير داخل الخزانة وتهمس بضيق: وأنت وش هامك من زعلي ورضاي.. سويت اللي في رأسك.. وخليت جميلة توافق عليه.. منصور يمسك بخصرها ليديرها ناحيته وهو يهمس بحنان: ياحبيبتي خلش حقانية.. أنا جبرت جميلة؟؟ أنا حتى ماعاد قلت لها شيء من عقب أول مرة كلمتها قدامش لما شفتش زعلتي.. هي اللي جاتني بنفسها ثاني يوم في الليل وقالت إنها موافقة عليه.. عفراء بضيق أشد: زين صار لها أربع أيام من يوم قالت لك موافقتها.. ليه أم فهد ماجاتني لين الحين.. مهوب تقول إن الولد مستعجل؟؟ وش عندهم يعني؟؟ وإلا أنا وبنتي ما حن بكفو يجون لين عندنا ويخطبون ومكتفين بك؟؟ حينها ابتسم منصور وهو يقبل رأسها: إلا كفو وكفو وكفو وماغير أم زايد وبنتها كفو.. ثم أردف بنبرة مقصودة: بس أنا اللي مابلغتهم الموافقة لين الحين!! وإلا فهد كل يوم وهو متبطح عندي في المجلس.. وفي عيونه كلام ومستحي يسأل!! عفرا باستغراب: وليه يعني مابلغتهم ماتقول إنه مستعجل..؟؟ منصور بغموض: هو مستعجل.. بس أنا عندي تخطيط معين.. ولازم أسوي توافق بين استعجاله ومخططاتي!! ****************************************** " حبيبتي ليش متوترة كذا؟؟ مايصير كل مرة نجي نروح للدكتور من ليلتها وأنتي متوترة.." ثم أردف بمرح: وش المرض اللي تبين تلزقينه فيني ذا المرة؟؟ شعاع بتوتر: حرام عليك علي لا تزيدها عليّ.. أحاتيك بس ياقلبي.. علي يحتضن كتفيها ويهمس بحنان وولع: لا تحاتين.. ابصم لش بالعشرة وبأذن ربي إن ذا الفحص بيكون أحسن بواجد!! شعاع وضعت رأسها على كتفه وهي تهمس برقة: زين ولو كان فحصك زين وقرر لك العلاج.. بنرجع للدوحة...؟؟ أنا اشتقت لهلي واجد!! علي بابتسامة: لا طبعا ماراح نرجع الدوحة.. وش شهر العسل ذا.. وفي خياس لندن في الصيف وعلاج بعد..؟؟ لا ياقلبي.. إذا خلصت فحوصي بنطلع من لندن وبأوديش ذا المرة مكان من تخطيطي أنا.. خلش تشتاقين لهلش أكثر شوية بعد.. أنا ما أبي حد يشغلش عني.. شعاع احتضنت خصره وهمست بشجن: علي صدق صدق ما شغلك حد قبلي؟!! علي احتضنها بقوة وهو يهمس بولع حقيقي: لا قبلش ولا بعدش!! شعاع رفعت رأسها قليلا لتقبل طرف خده.. وهي تهمس برقة: تدري علي.. والله لو أدري أو أشك حتى إنك تكذب علي.. بتكون ردة فعلي شيء مايخطر على بالك!! أنت كل يوم تعلقني فيك أكثر من اليوم اللي قبله أضعاف أضعاف... مهوب تسوي فيني كذا وأنت نيتك مهيب صافية لي!! يمكن أتهور وأذبحك ترا!! *************************************** " يالكسلان.. مرة بعد.. بعد مرة وحدة بس!!" عبدالرحمن يجلس على مقعده ويهمس بإرهاق: حرام عليش عالية.. والله العظيم تعبت.. عالية بضيق: عبدالرحمن مامشيت إلا مرتين في الممر.. حينها انفجر عبدالرحمن بعصبية: بس عالية.. بس.. أنا ماني ببزر تبين كل شيء في حياته يمشي على كيفش.. هذا أنا أحاول أرضيش.. بس أنتي بعد لا تضغطين علي بذا الطريقة.. لذا الدرجة يعني متضايقة من حالتي ومنتي بمستحملتني ؟؟ إلا يعني أمشي بالغصب وإلا ما أعجب حضرة جنابش!! عالية اتسعت عيناها بدهشة (إلى أين وصل تفكير هذا) صمتت لثواني وهي تدفع مقعده حتى أوصلته للسرير وساعدته للنهوض عليه.. ابتعدت قليلا ثم همست بحزم ودون أن تنظر ناحيته كأنها تحادث روحها: عبدالرحمن تدري إن امهاب كمل سنة من يوم مات الله يرحمه!! عبدالرحمن انتفض بشدة وارتعشت أنامله وهو يهتف بعصبية: مهوب أنا اللي تعلميني كم راح عليه الله يرحمه.. بأعلمش لو تبين بالساعات والدقايق بعد!! عالية بحزم وبنبرة مقصودة تماما: يعني أنت تدري زين إنه مات ومافيه شيء بيرجعه؟!! عبدالرحمن تصاعد ضيقه لدرجة أقصى حدود الاختناق وهو يهتف بذات العصبية: ممكن أعرف وش داعي ذا الكلام السخيف!! حينها عادت عالية لتواجهه وهي تنظر إلى عينيه بشكل مباشر وتهمس بشكل مباشر: عبدالرحمن لو تبي تلعب على حد.. العب على حد غيري.. أنت ظنك إني ماني بملاحظة إنه لما أطلع أنا وإياك ألاحظ إنه فيه أماكن معينة تتجنب تروح لها.. ويوم أسألك ليه ماتبيننا نروح؟؟ تقول شكلك بالكرسي هناك يحرجك.. لكن الجواب ببساطة إن هذي هي الأماكن اللي كنت تروح أنت وامهاب لها دايما.. عبدالرحمن انفجر بغضب عارم مرير: عالية ممكن تسكتين.. ما أبي أسمع شيء.. عالية بغضب أشد: لا ماني بساكتة.. يعني ظنك امهاب نفسه بيكون راضي باللي تسويه في نفسك..؟؟ أدري إنك ماتسويه عن قصد.. بس أنت في داخلك ماعاد تبي تمشي في مكان هو ماعاد يقدر يمشي فيه!! ماتبي تعيش حياتك طبيعي من عقبه.. وكانك مستكثر على روحك الحياة.. فتقول دامني عشت عقبه.. ما أبي أعيش بعده مثل ماكنت معه.. عبدالرحمن بغضب أشد متفجر: بس.. بس.. ولا كلمة.. ولا كلمة!! عالية صمتت على مضض وحزن عميق يغمر روحها.. لأنها رأت كيف انفعل واحمر وجهه بشدة.. لم ترد أن تزيدها عليه.. فهي تشعر تماما به!! والمهم أنها اوصلت له الفكرة!! ************************************* " يا الله أنا طولت الليلة عليك.. بأقوم أروح البيت!! تلاقي أم زايد تدعي علي الحين!!" منصور بنبرة مقصودة تماما: أفا عليك أشلون تدعي على رجّال بنتها؟؟ مايصير!! فهد قطب جبينه بعنف ولكنه عاد لرسم ملامح الطبيعية بذات السرعة وهو يهتف بثقة: أخيرا حنيتوا علي.. مابغيتو؟؟ منصور بثقة: تدري البنت لازم تفكر براحتها.. (ياملغ البنت ملغاه.. قال بنت قال !! ياقهري!!) فهد كان يرسم ابتسامة محترفة على وجهه وهو يستمع لمنصور بينما كل مايريده أن يخرج حتى يلكم الحائط ليفرغ كل طاقة الغضب بداخله!! بينما منصور كان يكمل بذات الثقة: وهي بصراحة ردت علي قبل كم يوم.. بس أنا كان عندي كم شغلة لازم أسويها.. والحين أبيك بكرة تسوي الفحص الطبي وأنا بودي جميلة عشان أبيها تخلص بسرعة لأنه عقب يومين بأوديها لبنان تشتري جهازها من هناك.. فهد مصدوم ومع ذلك هتف بثقة: وموعد العرس.. قلت لك أبيه عقب مانخلص الفحص بأسبوع بالكثير.. منصور ابتسم: عقب 10 أيام من الحين.. تاريخ 18 الشهر يناسبك؟؟ فهد يكاد يصرخ قهرا في داخله.. ومع ذلك هتف بثقة: يناسبني.. بيكون قبل أسبوعين من دورتي!! منصور بذات الابتسامة الواثقة: خلاص كروت الدعوة صارت في سيارتك.. قلت للمقهوي يحطها.. بس لا توزعها لين تخلص الفحص الطبي.. وأظني أسبوع يكفيك توزعها وزيادة!! فهد بصدمة حقيقية: أي كروت؟؟ منصور بذات الثقة: كروت عرسك.. كروت فخمة كأفخم مايكون للرجال وللحريم.. كروت الرجال طبعا الدعوة باسم أبو صالح.. وكروت الحريم باسم أم صالح وأم زايد.. فهد بصدمة: وأشلون سويتها بذا السرعة.. أقل شيء تبي أسبوعين!! منصور بثقة غامرة: أسبوعين لغيري.. صاحب المطبعة واحد من ربعي.. اخترت نموذج جاهز.. وكل اللي سووه غيروا المضمون وعطى عماله أوفر تايم عشان يخلصونه في يومين.. فهد يشعر بالصداع الفعلي بينما منصور يكمل بذات الثقة: شوف يافهد.. عرس الحريم هذا هديتي لبنتي.. والله ماتدفع فيه ريال.. وأنا خلاص حجزت القاعة بتاريخ 18.. عرس الرياجيل بكيفك فيه.. أظني مهوب صعب تلاقي حجز الخيام مقابل (اسباير)!! فهد بضيق: أبو زايد مايصير أنت تحجز قاعة الحريم.. أمي وأختي بيزعلون.. منصور بثقة: ماراح يزعلون.. لأنه حتى مرتي مالها دعوة في الحجز.. أنا كلفت شركة تصميم أفراح تتولى المسئولية.. بأعطيكم رقمهم وخل أمك وأختك يشوفون الترتيب براحتهم.. فهد يكاد يجن منه (متى استطاع فعل ذلك؟؟) هتف من بين ضربات الصداع لدماغه: وأي قاعة حجزت للحريم؟؟ منصور بذات الثقة: الدفنة في الشيراتون.. فهد حينها انفجر يحمل نبرة الاستغراب وفي باطنه يحمل الغضب: عاد الدفنة مستحيل تلاقيها في 10 أيام وخلال الصيف بعد!! ابتسم منصور: هذي عاد خدمني فيها أبو كساب!! ******************************** " الدفنة يامنصور؟؟ حتى مافيها غرفة أحط بنتي فيها.. وأنا مستحيل أقعدها قدام الحريم!!" منصور بهدوء: خلاص خليها في جناحها فوق.. عفراء غير راضية بكل ذلك ومع ذلك ليس أمامها إلا الرضوخ: زين وش لازمتها الدفنة.. خساير على غير سنع.. حينها هتف منصور بثقة: ادري إنه سوالف العرس كلها كلام فاضي ولا له معنى.. بس أنتو يا النسوان عندكم حكي يوجع.. وأنا ما ابي أقل شيء يحز في خاطر جميلة.. أبيها تعزم كل رفيقاتها وتستانس.. وما أبي حد يفتح ثمه.. ويقول عشانها كذا وإلا عشانها كذا ماسوو لها عرس.. أبي من جا عرسها يسكر حلقه ولا يلاقي له كلمة!! فمالا تعلمه عفراء أن الكلام الذي لم يصلها قد وصله هو.. وسمعه هو وجميلة مع بعضهما!! . . قبل أكثر من شهرين جميلة تقف مع منصور عند طابور (كاشير) المحاسبة في أحد المحلات.. بعد أن أشتريا بعض الأغراض لزايد الصغير.. يهمس صوت أنثوي خافت جدا خلفهما: هذا مهوب منصور آل كساب؟؟ فتهمس الأخرى بصوت أعلى وهي تمد نظرها: بلى.. الظاهر إنه هو.. الأولى بصوت منخفض: أش لا يسمعش.. من اللي معه؟؟ ماظنتي إنها عفرا عفراء عادها نفاس.. الثانية بصوت أكثر ارتفاعا: لا مهيب عفرا.. أظني بنتها جمول.. اللي قطها رجالها عادها في المطار.. الأولى بجزع: بس.. يالفضيحة.. أعوذ بالله.. قصري حسش لا يسمعش الرجال.. الثانية بعدم اهتمام: والله مهوب أنا اللي قلته.. الناس كلهم يحكون.. وش اللي حد ولد عمها إنه ماحتى يتنى يوصلها للبيت إلا شيء كايد ما استحمله؟؟ الله يستر على بناتنا بستره!! منصور انفجر تماما ولكن وضعه واحترامه لنفسه لم يسمح له بملاسنة نساء في مكان عام وخصوصا أنه رأى كيف بدأ جسد جميلة يضطرب بعنف.. ثم كيف ألقت الأغراض أرضا.. وخرجت ركضا من المحل.. توجها من فورهما للسيارة.. حاول منصور تهدئتها.. ولكنها رفضت أن تتحدث عن الموضوع مطلقا.. وهي ترجوه بين شهقاتها ألا يخبر أمها بشيء حتى لا يضايقها!! ربما كان هذا الموقف.. من المواقف التي قربت كثيرا بين منصور وجميلة.. ولكنه كذلك أثر في كلاهما وبشكل كبير.. كبير جدا!! حز في خاطر كل منهما إلى أعمق مدى.. جرح عميق في روح جميلة الشابة وامتهان لكرامتها.. وحزن عميق في روح منصور وهو يرى كيف تبدو هذه الصبية جبّارة أمامه وهي تدفن الجرح الذي يعلمه جيدا.. وهي تظهر سعادتها بكل ماحولها وتتدفق بألقها العفوي رغم معرفته لعمق الجرح في حناياها!! ******************************************* اليوم التالي . . " يوه صالح من جدك.. عرس أخيك 18 الشهر؟؟ " صالح يضحك: وش فيش سويتيها أزمة؟؟ نجلاء تذهب وتعود: لأنها أزمة.. الحين وين ألاقي لي فستان يدخل في كرشي؟؟ صالح (بعيارة): وليه تتعبين نفسش.. البسي جلابية من جلابياتش واقعدي النسوان يعني بيخلون البنات الرشيقات ويتفكرون فيك!! نجلا بغيظ: كذا ياصويلح.. زين يوم الخميس توديني للخبر أشتري لي فستان.. عيالي ومعطلين وماعندهم شيء!! صالح يضحك: وش الخبر بعد؟؟ القيصرية وتخب عليش!! نجلاء تضحك بغيظ واستظراف تمثيلي : القيصرية اللي على زمانك يالشيبة احترقت والجديدة مابعد فتحوها.. وأنا مالي شغل بتوديني بتوديني.. صالح بإبتسامة مخلوطة بالجدية: قبل ما تهورين وتقولين شيء.. والله ثم والله ماتطلعين من الدوحة لين تولدين.. بتلاقين في الدوحة اللي بيكفيش.. يا الخبلة أنتي دخلتي الثامن تبين تولدين عليّ في الطريق!! نجلاء بذات الغيظ: ياسلام عليك.. وتبيني أطلع مبهذلة.. ياقهري منك أنت وإخيك المستعجل.. ثم أردفت لنفسها وهي تتجه لدولابها: هذا وهو ماشافها.. لو شافها يمكن بعد كان قال العرس بكرة وورطنا!! ********************************** " خلصتي فحوصش؟؟" جميلة بجمود: خلصتها.. وعمي مستعجل على النتيجة عشان يبينا نروح للبنان مزون تضحك بشفافية: صدق خبلة.. وليه محزنة كذا؟؟ اسمعيني عدل جيبي فستانش والفساتين والجزم والشنط والمكياج العطور من هناك والباقي خليه علي أنا وخالتي.. العبايات والدراعات والمخلطات والمفارش لا تحاتين.. يومين وبنخلصهم.. قبل ماترجعين من لبنان بعد!! جميلة بحزن شفاف غريب: زين ولبست وكشخت.. وش بيغير من اللي داخلي؟؟ مزون بقلق وهي تجلس جوارها وتضع كفها على فخذها: جميلة أنتي حد غصبش على الموافقة؟؟ عمي قعد يزن على رأسش؟؟ جميلة بنبرة مثقلة بالجمود والأسى: بالعكس ولا قال لي ولا كلمة عقب أول مرة.. بس أنا حاولت أفكر بعقلي.. وأنحي المشاعر على جنب... فهد خيار ممتاز وأنا صليت استخارة كم مرة والله هداني للموافقة.. شيدريني إن واحد مثله بيرجع يخطبني.. ثم أردفت بمرارة ساخرة: يمكن ماعاد يجيني إلا شيبان يبون المطلقة المعيوفة!! ************************************** بعد يومين آخران . . " كاسرة يا أبيش وش في خاطرش ضايق؟" كاسرة تميل لتقبل كف جدها وتهمس بمودة صافية : مافيني شيء جعلني فدا عينك!! الجد بعمق: إلا فيش .. تدسين عليّ؟!! أفا عليش!! كاسرة بتأثر: فديتك مافيني شيء!! الجد بمودة: ليه يأبيش ماتروحين مع مزنة والبنات... أكثر وقتش قاعدة عندي!! كاسرة تبتسم: أفا عليك ياجابر.. زهقت مني!! الجد يبتسم: خلش من عيارة البنات... دارية إنه لو علي ما أبغيش تفارقيني دقيقة.. بس النفس لقرينها تطرب... وبنية مثلش أكيد إنها زهقت من سوالف الشيبان!! كاسرة تتنهد بعمق.. يستحيل أن تمل من جدها.. ولكنها ملت من كل شيء.. من كل شيء.. وكيف لا تمل الدنيا بأسرها وهذا القلق الهادر يصطرخ في أعماقها.. هاهو يتجاوز الأسبوع منذ آخر مرة هاتفها فيها.. رغم أنه قال أنه سيهاتفها!! يا الله روحها تذوي من القلق... ومرهقة من كل شيء!! مرهقة بالفعل!! *********************************** " الحين أبي أعرف أنت ليش تهاد ذبان وجهك؟؟ مهوب فحوصاتك كلها أنت والمدام طلعت سليمة وهذا حن رايحين نشتري لك بشت لعرسكم الميمون وإلا تكون زعلان عشان منصور قال الملكة تكون يوم العرس وأنت خلاص مافيك صبر؟"" فهد بعصبية: هزيع تلايط وسكر حلقك.. هزاع بغضب مختلط بإبتسامته: ياحضرة النقيب ترانا مابعد تعدينا مركز أبو سمرة.. والخوة اللي ذي أولها ينعاف تاليها.. نزلني في المركز وبأشر لحد من الأجواد يرجعني معه الدوحة.. وأنت توكل على ربك وكمل دربك بروحك وهاد الذبان على كيف كيفك!! فهد بذات العصبية: أنت بتمنن علينا بخوتك اللي أنت عرضتها.. خلاص ولا يهمك.. إذا وصلنا أبو سمرة دور لك خوي غيري!! حينها هتف هزاع بجدية: فهد الله يهداك وش فيك ما تتنحاكى كذا.. شاب نار قايدة!! صحيح العصبية مهيب غريبة عليك بس عمري ماشفتك كذا.. تعوذ من أبليس... أسمع إن مزاج الواحد يعتفس قدام عرسه بس من كثر الشطة والضغط.. لكن أنت ماشاء الله.. وش الشطة اللي جاتك؟؟ فلا تفصيل ثيابك وحيا على الفلاح.. عرس الرياجيل صالح وعبدالله رتبوه وتكفلوا فيه من إلى... توزيع الكروت أنا ونايف وعيال خالاتي كل واحد استلم له منطقة وخلصناه في يوم واحد.. وأنت عرسك عاد باقي عليه أسبوع وكل شيء جاهز.. بعض الناس يكون عرسه محدد من شهور ويجي لين آخر يوم وهو مشتط.. أنت سبحان الله ربي طارح البركة في عرسك.. ولا تعسر فيه ولا شيء!! ( هذا أصلا اللي فاقع كبدي وذابحني!! كنت أبيه يتعسر بأي طريقة.. بس ماتعسر!! كل شيء يمشي مثل السحر!! ياقهري.. بأموت من القهر.. عمري ماكنت مقهور مثل ذا الأيام مقهور !! مقهور!!" ********************************* " تدري إني انبسطت هنا أكثر من لندن بواجد!! لندن كان حر وزحمة وخنقة!!" علي كان يشد على ذراع شعاع وهما يتمشيان بالقرب من قلعة أدنبرة التاريخية.. قلعة من أشهر قلاع أوربا.. ولها بعد تاريخي وحضاري عميق.. وهي تقع على فوهة بركان خامد وبناها الرومان قبل ألف عام من الصخور البركانية القاسية.. وهي تطل على كل مدينة أدنبرة من علو شامخ.. ومازالت حتى الآن مقر لكتيبة من الجيش البريطاني تسمى(الفوج الملكي الاسكتلندي) على الرغم من أنها مفتوحة للسياح والمتاحف داخلها مجانية.. علي هتف بمودة: أدنبرة بلد رايقة.. والاسكتلنديين أساسا طيبين.. وطبيعتهم وجوهم أحسن من لندن ألف مرة.. بس هي مافيها أشياء كثيرة تشوفينها.. اليوم شفتي القلعة.. باقي الضواحي التاريخية والمدينة القديمة وحديقة الحيوان عندهم أهم حديقة حيوان في العالم.. بنقعد يومين بس.. وبأوديش مكان ثاني بعد قبل نرجع الدوحة.. شعاع بإبتسامة شفافة: وين بعد؟؟ علي بمودة غامرة: إيطاليا.. بأوديش فينيسيا..ثم روما وميلانو منها تتفرجين ومنها تتسوقين لأهلش وصديقاتش!! ولا تنسين ترا مزون لازم تجيبين لها بروحها شنطة كاملة.. وأعتمد على ذوقش الحلو.. هذي عروس..!! شعاع بشفافية ودودة: أبشر من عيوني الثنتين!! ************************************ " سميرة ياقلبي.. محتاجة فلوس؟؟" سميرة تزيح جهاز الحاسوب جانبا حتى تشير لتميم بمودة: لا حبيبي.. لو بغيت لا تخاف بأطلب منك.. تميم بأريحية شاسعة: ما أدري حبيبتي أخاف يقصرش شيء وماتطلبين.. وأنتي ماشاء الله داخلة على ثلاث أعراس.. واكيد تبين هدية لكل عروس.. سميرة وضعت يديها على رأسها ثم أشارت له بمرح: لا تذكرني يرجع لي الصداع.. كله كوم وعرس جميلة كوم.. أنا مالحقت طبعا أهديها شيء في زواجها الأول.. فلازم أعوضها الحين.. وخصوصا إن العريس ولد عمي بعد!! ابتسم تميم: يعني تبين فلوس؟؟ ابتسمت سميرة: الحين عندي.. وأنت توك عطيتني.. لكن دامك مصر خلاص ما أبي أردها في خاطرك بعدين يجيك إحباط.. تميم اتسعت ابتسامته: لا لا تخافين علي من الأحباط.. سميرة قفزت لتقبل رأسه ثم مدت يدها وأشارت بمرح: بلى بيجيك إحباط وأنت ماتهون علي... يا الله قبضني عشان خاطرك بس!! **************************************** " منصور الله يهداك.. روعتني أنا وجميلة عليك.. البنية لابسة قاعدة تنتظرك تروحون المطار.. تتصل تقول السفرة تأجلت لبكرة.. لا وتتأخر علي ذا كله بغيت أموت من المحاتاة!!" منصور وجهه مسود ومثقل بأسى غريب: الحين الواحد لو راح في حرب وإلا دفاع عن بلاده.. كان قلنا ماعليه.. شهيد والموت مامنه مهرب.. بس عاد التدريبات المفروض تكون آمنة على عيالنا... مهوب يروحون في شربة ماي لأنه حن قصرنا في توفير تدريبات آمنة.. عفراء بقلق متعاظم: حد من عيالك صار له شيء؟؟... هم ماخلصوا تدريباتهم أمس عشان كذا حددت السفر اليوم..؟؟ منصور بذات الأسى المتعاظم: عيالي خلصوا.. بس فرقة ثانية من فرق الصاعقة كانوا يتدربون اليوم.. وانهار فيهم مبنى التدريب اللي معد للتدريبات... ثم أردف بغضب: شكلهم بانينه من كراتين.. العيال حطوا المعاول في الطوفة عشان يطلعون.. انهار.. عفراء بصدمة وأسى: كم عددهم...وعسى ماحد منهم إصابته كايدة؟!! منصور بذات الأسى الذي لا يستطيع منعه من تسلق روحه: واحد من العيال وواحد من المدربين.. وما أدري عن إصاباتهم.. ماخلونا نقرب منهم وشالوهم على طول في الهيليكوبتر!! ************************************ " حبيبي .. كساب ماكلمك ذا اليومين؟" زايد التفت لمزنة وهو يمد سبابته ليمسح على شفتيها ويبتسم: ياحلوها ذا الكلمة من بين شفايفش.. لها طعم ثاني!! وكساب لا ماكلمني له أكثر من أسبوع!! ( ومادمت تحبها من بين شفتي.. فلماذا حرمتني من سماعها من بين شفتيك؟؟) مزنة حاولت أن تبتسم: تخلي الواحد يندم لا قال كلمة عفوية.. زايد بعمق غريب: وحلاتها إنها عفوية!! وجع غريب أيضا يغزو روحها حاولت تنحيته جانبا وهي تسأل باهتمام: وكساب عادي يطول ذا كله بدون اتصال؟؟ زايد بتلقائية: عادي جدا.. وممكن أسبوعين وثلاثة بعد.. ليش تسألين؟؟ مزنة صمتت.. ماذا تقول له؟؟ قد يكونون لم يلاحظوا أي تغيير على كاسرة عدا عدم خروجها من البيت.. لانها خارجيا تتصرف تماما كما كانت تتصرف دائما.. ولكن ليس على أمها.. وهي تلاحظ ذبول عينيها.. وتنهيدتها المرة المكتومة حين تسألها عن كساب.. مزنة أجابت بثقة: شفته طوّل شوي.. عشان كذا اسأل عنه.. يعني تأخيره أبد مهوب طبيعي وخصوصا إنه مايتصل.. ابتسم زايد بفخامة وغموض وهو يتفهم سبب سؤالها: قولي لكاسرة لا تهتم.. بيتصل فيها قريب!! مزنة همست بشفافية: ما أقدر أنصحها بشيء ما أقدر عليه.. في ذا الشيء أعتبر بنتي أقوى مني بواجد.. أنت بسم الله عليك لو سافرت أسبوع بدون حتى ماتتصل فيني.. بأستخف!! حينها همس زايد بعمق وهو يشد أناملها بين كفيه: صدق وإلا كلام مجاملات؟؟ رفعت مزنة كفه إلى عذوبة شفتيها وهي تهمس بإبتسامة رقيقة: كلام مجاملات!! *********************************** اليوم التالي.. . . " أخيرا تكرمتي علي تروحين معي.. وإلا خلاص ماتبين إلا مرت أبيش؟!!" مزون تميل لتقبل كتف خالتها المجاورة لها وكلتاهما تجلسان في المقعد الخلفي للسيارة وتهمس بمودة صافية: أنتي عارفة زين إني ما ابي خوة حد غيرش.. بس أنتي مشغولة مع زايد الصغير.. ولولا إنش تبين تخلصين تجهيز جميلة ماكان خليتيه أساسا.. عفرا بعتب: وجميلة ويش وأنتي ويش.. مهوب كلكم بناتي؟؟ مزون تبتسم بحنان: ياخالتي ياقلبي.. أنتي عارفة زين إني حتى تجهيز جميلة كنت أقول لش خليه علي دامها راحت لبنان!! لأني أدري إنش ماتحبين تخلين زايد.. عفراء بذات نبرة العتب: هذا انا خليته عند كاسرة وش بيجيه يعني؟؟ مزون تبتسم: بيجيه إن كاسرة بتتصل بعد ساعة وهي تشد شعرها لأنه مارضى يرضع المرضاعة.. وفقع رأسها بالصياح.. وبنرجع وحن ماخلصنا شغلنا.. فأنتي اكتبي لي قائمة بكل اللي تبينه وخليه علي... لازم نخلص كل شي قبل ترجع جميلة من لبنان.. مع إنه سبحان الله ربي ميسرها لها... خبيرة التجميل اللي كنت أبيها.. قالت لي على وقت عرسي أساسا بتكون مسافرة.. لما اتصلت عليها أبيها بس تعطيني أرقام لأي حد ممكن يزين جميلة لأني شكيت إنه ممكن ألقى لها حد عدل.. قالت لي هي بتزينها بنفسها لأنه سفرها ثاني يوم في الليل.. وهي تيك الليلة فاضية وماتبي تردني مرتين!! ************************************** " وش عندش اليوم تكرمتي علينا واتصلتي عشان أطلعش؟؟" عالية بإبتسامة مرحة وحماس: يووووه يانويف مشتطة عشان عرس فهد.. لو شفت بس ترتيبات العرس شيء خيال... عم العروس هذا ذوق ياربي ذوق بشكل والحين قاصرني أشياء واجد عشان العرس.. وأبي شكلي خيال مثل الترتيبات عشان نطلع طقم!! وأبي ألحق أخلص اليوم.. وماحد بيستحمل غثاي غيرك.. نايف بتأفف باسم: أما عاد خيال في أحلامش.. خلي الخيال للترتيبات وبس!! وبعدين حضرة الدكتور وينه؟؟ أعرف إنه يحب يوديش حتى لو كان مع السايق.. عالية تنهدت في داخلها بعمق.. فهناك خلاف يتسع بينها وبين عبدالرحمن.. والجو بينهما غير صاف إطلاقا.. فهو يتهمها أنها ماعادت تحتمله وأنها ملت منه بسرعة لذا تضغط عليه ليمشي!! وهي تعلم أنه يعلم أن هذا غير صحيح.. ولكنه يتهمها حتى لا يتجاوب معها في قضية علاجه.. وكلما حاولت التحدث معه في هذا الموضوع ثار بعنف.. وخصوصا أنه تأثر بشدة من ذكرها لامهاب في الموضوع.. مع كل ذلك التعقيد.. فهما لم يظهرا أبدا مشاكلهما من بينهما .. وابتسمت وهي تجيب نايف: حضرة الدكتور مايقصر.. بس ليه أتعب حبيبي وأنت موجود.. نايف يضحك: كذا ياعلوي .. ترا بأرجعش للبيت عادنا قريب .. عالية برجاء مرح: لا تكفى نويف حبيبي.. والله ماعندي وقت فاضي إلا اليوم لأنه من بكرة بنبدأ نرتب جناح فهد.. حينها هتف نايف بخبث يخفي وراءه أملا كبيرا: زين بس لازم تقدمين مقابل لخدماتي.. عالية تضحك: يالزطي.. نعم وش تبي؟؟ نايف بشكل مباشر صادم: أبي أسمع صوتها بس!! عالية باستغراب: من هي ذي؟؟ نايف بثقة مختلطة بالرجاء: جدتي.. من يعني؟؟ وضحى.. مرتي!! عالية بصدمة: وضحى؟؟ وأشلون أسمعك صوتها؟؟ نايف بثقة: اتصلي فيها وحطي على السبيكر.. بسيطة!! عالية برفض باسم: آسفة نايف.. ما أحب ذا الطرق الملتوية!! نايف بغضب مرح: نعم علوي من هي ذي اللي ماتحب الطرق الملتوية.. علوي أم المقالب.. اعتبريه مقلب.. وإلا حلال عليش حرام علينا!! عالية تضحك: نايف لا تمسكها لي ذلة.. أنا كنت أكلمه برضاه وهو يكلمني برضاي.. نايف بنفاذ صبر: علوي خلصيني.. تراها مرتي ماطلبت شيء ..حرام عليكم.. لا شوفة مثل الناس.. وحتى الصوت ممنوع..!! عالية تضحك وهي تستخرج هاتفها: زين لا تموت علينا بس!! نسمعك صوت المدام.. نايف شعر حينها أنه يريد أن يقف كل شيء حوله كما وقف قلبه انتظارا لسماع همساتها التي أرهقه التفكير في نغماتها وصداها.. فهولا يوجد لديه سوى التفكير... سبحان الله كيف تكون خالي البال والروح.. وحين ترتبط بإنسان ما تجد تفكيرك يتدفق تلقائيا نحوه ليشغلك كل ما يخصه.. لم يكن يريد الزواج.. ولكن ما أن ارتبط اسمه بها حتى وجدها تشغل تفكيره كما هي فطرة البشر السليمة!! تعالى رنين الهاتف.. ودقات قلبه تتعالى معه.. وهو يسب ويشتم في داخله.. لأن الهاتف يكاد يصمت من الرنين دون أن يرد عليه أحد.. وكاد قلبه يتوقف فعلا حين سمع الرد وهمسها يتعالى في فضاء السيارة في الثانية الأخيرة قبل أن يصمت الهاتف عن الرنين............. ********************************* " أصب لك قهوة بعد؟؟" خليفة يشير بيده وهو يهمس بهدوء: ما أبي قهوة بس جيب لي أحمدوه أسلم عليه.. جاسم يضحك: الله يعين أحمدوه عليك أنت ومرتك مصيتوا عافيته.. الحين خل مرتك تخلص منه وبيتصلون علينا.. ما أدري متى بتيبون لكم واحد وتفتكون من حلق ولدي؟!! خليفة بسكون: الله كريم!! جاسم باهتمام لا يخلو من غضب : وش فيك متضايج؟؟ لا يكون عشان عرس طليقتك عقب جم يوم؟؟ خليفة قفز واقفا وهو يهتف بصدمة حقيقية: نعم؟؟ عرس جميلة عقب كم يوم؟؟ ********************************** " ها زيودي الحلو.. نبدل ملابسك أول؟؟ وإلا نشرب حليبة أول؟؟" كانت كاسرة تناغي زايد الصغير وهي تحمله بين ذراعيها وتفتح باب جناحها متجهة للداخل وهي تحمل حقيبته على كتفها.. كانت تريد أن تضعه على السرير حتى تعد الحليب له.. لولا الصدمة الكاسحة التي وجدتها في الغرفة والتي جعلت تفكيرها كله يُنسف وهي تضع الصغير على السرير دون أن تشعر حتى.. وهي تتجه لما رأته لتتأكد بنفسها !! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم / الجزء الرابع والثمانون نايف شعر حينها أنه يريد أن يقف كل شيء حوله كما وقف قلبه انتظارا لسماع همساتها التي أرهقه التفكير في نغماتها وصداها.. فهولا يوجد لديه سوى التفكير... سبحان الله كيف تكون خالي البال والروح.. وحين ترتبط بإنسان ما تجد تفكيرك يتدفق تلقائيا نحوه ليشغلك كل ما يخصه.. لم يكن يريد الزواج.. ولكن ما أن ارتبط اسمه بها حتى وجدها تشغل تفكيره كما هي فطرة البشر السليمة!! تعالى رنين الهاتف.. ودقات قلبه تتعالى معه.. وهو يسب ويشتم في داخله.. لأن الهاتف يكاد يصمت من الرنين دون أن يرد عليه أحد.. وكاد قلبه يتوقف فعلا حين سمع الرد وهمسها يتعالى في فضاء السيارة في الثانية الأخيرة قبل أن يصمت الهاتف عن الرنين... همسها الرقيق الرزين الهادئ: هلا علوي!! غريبة متذكرتنا.. من عقب الدكتور وأنتي ماتعبرين حد!! نايف يهف على نفسه بحركة تمثيلية وهو يهمس لعالية بصوت منخفض: ياويل حالي.. هذا الصوت الأنثوي مهوب صوتش اللي تقولين مكينة سيارة خربانة!! عالية تشير له بيدها (زين أوريك) وهي تهمس لوضحى بمرح: أبد طريتي علي يا الدبة.. كان عبدالرحمن اليوم يحكي لي إنه درسش مرة مادة اختيارية!! نايف انعقد جبينه بغضب (يعني هو يدرسها وأنا حتى ما شفتها!!) وضحى ضحكت برقة: يا النصابة.. أنا سجلت المادة كانت بدون اسم دكتور.. ويوم خذها ولد عمتي... رحت وحذفتها على طول!! عالية تضحك: زين أنتي شكلش في السيارة!! شأخبار تجهيزاتش؟؟ وضحى بهدوء: هذا إحنا رايحين جايين.. الحين رايحين أنا وأمي للسيتي سنتر!! توصين شيء؟؟ عالية بعفوية: تسلمين.. حتى أنا بأروح للسيتي... بس بأمر السد أول.. وضحى تبتسم: كان ودي أقول أشوفش هناك... بس أنا بأنزل هناك الحين.. وعلى ماتجين بأكون رحت.. خلينا مرة نطلع كلنا سوا.. أنا وأنتي وسميرة ومزون!! عالية بإبتسامة: خير.. ليش لا؟؟ تبادلا بضعة عبارات قبل أن ينتهي الاتصال لتتفاجأ عالية بالطريق همست باستغراب: وين رايحين؟؟ نايف بثقة: للسيتي.. عالية بذات الاستغراب: بس أنا قلت لك أبي السد اول.. نايف بثقة باسمة: وأنا أبي أشوف زولها من بعيد.. عالية انفجرت بالضحك: تدري إنك استخفيت والله العظيم!! نايف يضحك: من عاشر القوم.. خمس سنين وأنا معاشر خبلة من درجة المجانين الخطرين..لازم تظهر التأثيرات!! ********************************* " أصب لك قهوة بعد؟؟" خليفة يشير بيده وهو يهمس بهدوء: ما أبي قهوة بس جيب لي أحمدوه أسلم عليه.. جاسم يضحك: الله يعين أحمدوه عليك أنت ومرتك مصيتوا عافيته.. الحين خل مرتك تخلص منه وبيتصلون علينا.. ما أدري متى بتيبون لكم واحد وتفتكون من حلق ولدي؟!! خليفة بسكون: الله كريم!! جاسم باهتمام لا يخلو من غضب : وش فيك متضايج؟؟ لا يكون عشان عرس طليقتك عقب جم يوم؟؟ خليفة قفز واقفا وهو يهتف بصدمة حقيقية: نعم؟؟ عرس جميلة عقب جم يوم؟؟ جاسم بذات النبرة الغاضبة: إيه عرسها عقب جم يوم... زايد اتصل في أبوي يأخذ موافقته... مسكين أبوي.. ما عاد خليت له ويه.. خليفة بذهول موجوع وهو مازال واقفا: جميلة بتزوج؟؟ جاسم بعتب غاضب: وأنت وش فيك تدودهت.. اقعد.. اقعد.. لاينقص فيك عرج.. لا تكون تبي تروح تخرب عرسها مثل ماخربت زواجها من ولد خالتها أول مرة.. خليفة عاد للجلوس وهو يهمس بيأس عميق مثقل بالجرح: تدري زين إني ما أقدر أسوي شيء.. بس تفاجأت.. توها من أسبوع بس خلصت عدتها.. ماهقيتها ممكن تسويها وبذا السرعة.. معقولة؟؟ جاسم بنبرة عاتبة: زين.. أنت تملكت عقب طلاقها بشهر وتزوجت عقب شهرين ونص.. ولا تقول أنا السبب.. لأنه كل شي كان خيارك بروحك!! مشكلتك خليفة اللي ما تتناسب مع عقلك .. إنك متسرع وايد.. ويوم تعصب تسوي مصايب.. مثل اللي سويته ثاني يوم ردتك من السفر مع جميلة.. خذتني أنا وأخوك محمد.. لأنك عارف إنه دم الشباب ماخذنا مثلك.. ومعصبين معك.. ماقلت لأبوي لأنك عارف زين إن أبوي كان بيردك.. وعقب ماحتى رضيت تقول له إلا عقب ماصار يلح عليك تراضي بنت عمتك.. يعني هو قال لزايد خلها ترد بنفسها عقب طلاقكم بأسبوع على أساس إنها في العدة وكان يبي يرد كرامتك شوي بهالكلام.. لكنه يا عندك.. وقال لك حتى لو أنا قلته ما أرضى على بنت عمك.. وتعال نراضيها.. مهما كان بنية يتيمة.. وأنت تتهرب منه.. ماتبي تقول له إنك طلقتها (بالثلاث) وأثبتها في العقد.. وإنك خلاص ماتقدر تردها.. والمشكلة إنك ندمت واحترقت وعقبها بكم يوم.. بس وش الفايدة؟؟ وعقب عشان تتهرب من زايد اللي كان يبي يصلحكم وأنت تتهرب من اتصالاته.. خطبت اخت مرتي.. عشان ماعاد يفكرون بهالسالفة..وسويت نفسم مجبور.. وحتى لو أنا جبرتك.. يمكن كنت أبيك مرة وحدة تسوي الخيار الصحيح... المشكلة إني ما أدري أنت ليه ماكنت تبي يوصلها إنك طلقتها بالثلاث... لدرجة أنك تتهرب من إرسال العقد لها لحد ماخذه عمها بالغصب قبل فترة بسيطة!! مهتم من مشاعرها يعني عقب ماطلقتها وأنت توك في المطار؟؟؟ أنا ماعاتبتك أبد لأني كنت حاس بحسرتك وماكنت أبي أزيدها عليك.. بس خلاص الحين طلع جميلة من رأسك وعيش حياتك.. ترا مرتك ما تستاهل منك التهميش اللي أنت معيشها فيه!! خليفة بقهر: ليه ياجاسم مامنعتني وقتها.. كان قلت لي طلقة وحدة تكفي ترد كرامتك وزيادة.. أنا كنت بأموت من الويع.. بغيتها تدري إني بعت مرة وحدة مثل ماهي باعت.. ظنيت إني ماراح أندم.. حزتها الزعل والقهر أعموا كل تفكيري.. لكن بعد ماسويتها.. ماهان علي يوصلها الخبر.. موكفاية إني طلقتها.. ليه أعورها بإهانة مثل هذي.. الله ياجاسم لو الزمن يرد بس.. لو أقدر أرد أمس.. لو أقدر!! جاسم وقف وهو يهتف بحزم: وأمس ماراح يرد.. وأنت ولد اليوم.. بأروح أييب لك أحمدوه.. وانتبه على مرتك لا تضيعها من إيدك بعد!! ترا مافيه مرة ترضى تبات في حضن ريال وهو يفكر في غيرها.. ********************************** " ها زيودي الحلو.. نبدل ملابسك أول؟؟ وإلا نشرب حليبة أول؟؟" كانت كاسرة تناغي زايد الصغير وهي تحمله بين ذراعيها وتفتح باب جناحها متجهة للداخل وهي تحمل حقيبته على كتفها.. كانت تريد أن تضعه على السرير حتى تعد الحليب له.. لولا الصدمة الكاسحة التي وجدتها في الغرفة والتي جعلت تفكيرها كله يُنسف وهي تضع الصغير على السرير دون أن تشعر حتى.. وهي تتجه لما رأته لتتأكد بنفسها !! كان دولاب كساب المغلق مفتوحا.. كاسرة شعرت بالتوتر أن يكون هناك من دخل للسرقة.. ولكنها تشجعت من سيسرق في وضح النهار وهم مازالوا بعد صلاة العصر بقليل؟!! ولكنها عادت للتساؤل: من سيفتح خزانة كساب إذن؟؟ حين أطلت في الخزانة.. صُعقت تماما مما رأته داخلها!! " كيف؟؟ يستحيل؟؟ شيء غير معقول!! وكيف يخفي عليها شيء كهذا؟؟ ولماذا يخفيه أساسا؟؟ فلا داعي أبدا لإخفاءه" كانت مصدومة تماما مما تراه أمامه.. وزادت صدمتها صدمات وهي تسمع الصرخة العالية الغاضبة: "كاسرة!! " استدارت للخلف كما لو كانت مغيبة الشعور في حلم عذب.. أحقا ستراه الآن؟!! وبعد أسبوعين فقط من غيابه وهو من قال لها شهر؟؟ إن كانت بالكاد احتملت الاسبوعين.. فكيف ستحتمل الشهر إذن؟؟ حين رأته واقفا أمامها .. ما رأته فيه جعلها تنسى كل شيء.. وجزعها عليه ينسيها لهفتها له وصدمتها لما رأته في خزانته.. بينما هو حين خرج من الحمام ورأى ظهرها كاد يركض نحوها لشدة لهفته لها.. فهو كان اتصل بهاتفها ولم ترد لأنه كان بداخل حقيبتها في غرفتها.. وحين سأل والده عنها قال له أن الجميع خارج البيت.. لذا حين رأها هنا.. شعر أن أسرابا من حمائم البهجة حلقت في روحه!! ولكن حين رأى أنها رأت مابداخل الخزانة تحولت لهفته لغضب شديد.. أعماه عن كل شيء.. أعماه حتى عن رؤية التماعة الدموع والقلق والخوف عليه في عينيها..!! وهو يتجاوزها دون أن يلمسها حتى.. دون أن يسمح لها أن تعبر عن جزعها ورعبها.. وهي من كانت تمد يديها له!! وكأن كل همه أن يغلق الخزانة وتفكيره يتوقف حتى أغلقها.. ثم وهو يصرخ بها بصرامة: أنت أشلون تفتحين الدولاب وتطلين فيه وأنا ماني بموجود؟؟ كاسرة بصدمة حقيقية مؤلمة وهي تنزل يديها بتحسر: نعم؟؟ أنا لقيته أساسا مفتوح.. كساب بغضب حقيقي ليس منها ولكن من شيء آخر.. آخر أثقله بالحزن: ولو لقيتيه مفتوح ليش تطلين فيه؟؟ كاسرة تتاخر وهي تمنع نفسها أن تظهر عبرتها المختنقة في صوتها وهي تهمس بحزم: آسفة.. السموحة.. فرقت على إني عرفت ذا الشيء بنفسي مهوب منك.. لا تحاتي.. ومتى كنت أطلع اسرارك؟!! كساب تنهد بألم وهو يقترب ليقبل جبينها فهو للتو شعر بنفسه وبما فعله فيها.. لكنها تأخرت ولم تسمح له بذلك.. جلس حينها على أحد المقاعد وهو يهتف بثقة يخفي خلفها خيبة أمله: أشلونش؟؟ وأشلون هلي وهلش؟؟ كاسرة بصدمة: أشلوني؟؟ واشلون هلي وهلك؟؟ هذا اللي عندك؟؟ ثم أردفت بتهكم موجوع: حن طيبين.. أنت اللي أشلونك؟؟ وسلامات!! كانت موجوعة تماما وتريد أن تنفجر في البكاء وهي ترى يده المغمورة في الجبس... ووجهه الممزق بعشرات الجروح الصغيرة التي لم تستطع إخفاءها عشرات اللصقات الصغيرة... كانت تريد أن تقترب لتغمر كل جرح صغير بعشرات من قبلاتها الجزعة المشتاقة الوالهة.. ولكنه نحر مشاعرها وخوفها وهو يجبرها على تنحية كل شيء جانبا وتمثيل البرود حفاظا على كرامتها التي صفعها دون رحمة.. من جانبه شعر بضيق عميق.. أن يكون مصابا بكل هذه الإصابات ولا تجامله حتى بإظهار بعض الجزع.. أو حتى بقبلة باردة على جبينه!! بأي شيء يظهر أن هناك نوعا من الإحساس بين جوانحها الصقيعية!! وهو لا يعلم كم جرحها تجاوزه البارد ليديها المدودتين نحوه بجزع والتي لم يبصرها أساسا.. بينما تظن هي أنه أبصرها ولكنه تجاوزها عمدا!! هتف لها حينها بتهكم كتهكمها: الله يسلمش.. بسيطة.. همست له بوجعها العميق المخفي خلف حزم صوتها: أدري إنها بسيطة.. مهوب أنا متزوجة جيمس بوند على غفلة.. هتف لها بوجعه الأعمق.. الأعمق بكثير المخفي خلف حزم أشد: ماقصرتي.. يأتي منش أكثر يا بنت ناصر.. صمتت.. لأنها كانت تعلم أنها لو همست بكلمة واحدة فقط فستنفجر باكية ولن يسكتها شيء. وصمت لأنه موجوع بشدة منها وموجوع أكثر من قبلها.. الصمت يحل بينهما وهما يتبادلان النظرات.. نظرات ماعادت تحمل أي معنى لشدة ماحملت من المعاني.. وتفجرت!!! لم يخرجهما من جوهما الغريب سوى صراخ طفل باك.. كساب انتفض بصدمة: وش ذا؟؟ بينما كاسرة مالت بجزع على زايد الصغير وهي تهمس بحنان جزع عفوي إلى درجة الوجع: سامحني ياقلبي.. آسفة نسيت أسوي لك الحليب.. الشرهة مهيب عليك.. الشرهة على الكبار اللي مافي رووسهم عقل!! كساب للحظات ظل مصدوما غير قادر على استيعاب وجود هذا المخلوق الصغير في غرفته.. " تقول لولد عمي ذا النتفة ياقلبي.. وحن كملنا سنة وزيادة من يوم تزوجنا ماسمعتها من ثمها؟!! يعني هذي هي تعرف تقولها.. وأنا كنت أظن الكلام الحلو ممسوح من قاموسها!! " كساب جلس على المقعد وهو يتألم بشكل كبير كبير من ملامسة أطراف المقعد للجروح العميقة المنتشرة في أنحاء مختلفة من جسده.. ولكنه كان مشغول تماما بمراقبة كاسرة!! كاسرة رغم إحساس المرارة الذي يخنقها.. ولكنها حاولت تنحية كل مشاعرها السلبية جانبا.. وهي تضم زايد الصغير لصدرها وتحاول تهدئته.. رغما عنه تصاعد في داخله إحساس غريب بالغيرة.. " أ يتنفس هذا المخلوق الصغير المغبر عبق أريجها وهو يتمدد كملك في حضنها بينما أنا أذوي شوقا لمجرد ملامسة أناملها؟؟" ثم حين رأى انشغالها به وهي ترضعه ثم تغير ملابسه.. تصاعد في روحه إحساس مختلف بالمرارة وهو يتذكر رغبتها في طفل لم يرزقهما الله به.. وزادها هو عليها بقوله أنهما لا يصلحان أبوين.. كان يراها أمامه تتدفق حنانا غامرا عفويا لطفل ليس طفلها.. بل حتى لا يمت لها بصلة قرابة مباشرة!! يتمنى في أحيان كثيرة لو عاد به الزمن.. حتى لا يجرحها بهكذا اتهام.. يعلم أنه آلمها به كثيرا.. ولكن الزمن لا يعود وتأثير ماحدث فيه سيبقى... والكلمة حين نقولها لا نستطيع استطاعتها!! وتأثير وجعها سيبقى كذلك!!!! ********************************* " يأبيش.. ماشريتي شيء!!" جميلة باستنكار رقيق: ماشريت شيء!! أظني مابقى شيء في لبنان ماشريته.. أحاتي الوزن أصلا اللي بيكون معنا في الطيارة.. منصور بجدية: أنا ما أشوفش شريتي شيء.. جميلة تبتسم : فديتك والله اشتريت كل اللي أبيه وزيادة.. وأنت حتى ماخليتني أصرف شيء من مهري.. غير إني عندي فلوس والله العظيم.. وحتى سماوة زايد حطيتها أنت في حسابي بعد!! منصور بغضب: شكلش تبين تزعليني.. جميلة قفزت لتقبل رأسه وهي تهمس بمودة: فديت عينك كله ولا زعلك!! منصور بمودة وحنان: ليه يأبيش حاس إن خاطرش حكي.. تبين تقولين شي قوليه.. جميلة بتردد: والله العظيم إني ما أحس إن لي إب غيرك أنت وعمي زايد.. بس مهما كان عمي أحمد هو الوحيد الباقي من هل إبي.. أنا كنت أبي أقول لك تأخذ موافقته.. بس خفت من ردة فعلك.. ابتسم منصور: لا تحاتين يأبيش.. عمش أحمد يدري وموافق.. جميلة بيأس: تدري عمي.. يمكن هو حكي ماله فايدة ولا حتى قيمة.. بس أنا أستوجعت واجد إنه عمي أحمد ماحاول أبد يراضيني عقب طلاقي من خليفة.. حتى لو ما تراضينا.. كانت تكفيني محاولته!! منصور ابتسم: أنا عكسش كنت خايف إنه يحاول يراضيكم وترجعين لخليفة وذا الشيء أنا مستحيل كنت أوافق عليه... واحد سوى فيش كذا والله ما أخليش ترجعين له حتى لو حفا وراش!! بس أحمد أساسا ماكان يقدر حتى لو كان يبي!! جميلة عقدت حاجبيها باستغراب.. بينما منصور أكمل بثقة وهو يخشى من أثر ماسيقوله عليها ولكنها يجب أن تعلم : وأنا أساسا ماعرفت ذا الشيء إلا قبل 3 أسابيع.. لأني من فترة ألح على خليفة يرسل لي عقد طلاقش.. ويوم شفته يماطل قلت له بأروح أطلع نسخة من المحكمة.. فهو أرسل لي نسختش من العقد.. جميلة بتوجس مرعوب: ليه العقد وش فيه؟؟ منصور شد له نفسا عميقا: خليفة طلقش بالثلاث!! وواجد تضايقت أنا وزايد من الموضوع.. جميلة انهارت على المقعد وهي تهمس بذهول بكلمات مبتورة: بالثلاث!! ليه أنا وش مسوية فيه؟؟ ذابحة أمه وإلا إبيه؟؟ يعني حتى ماكان يبي يفكر مجرد تفكير إنه ممكن يستخف ويرجعني!! ليه يجرحني بذا الطريقة؟!! ليه؟؟ منصور كان يعلم أنها ستتأثر لكن ليس لهذه الدرجة وهو يرى جسدها يرتعش وعيناها تغيمان بالدموع.. منصور اقترب منها وهو يهمس لها بحنان: يأبيش أنا ماخليتش تشوفين عقد زواجش أول ماخذته.. عشان مابغيتش تأثرين وتوافقين على فهد من الحرة على خليفة..بغيتش توافقين بدون ضغط.. بس الحين قلت لازم تدرين.. عشان تطوين ذا الصفحة من حياتش.. أنا ما أعيب أبد على خليفة.. خليفة رجّال فيه خير بس ماصار بينكم توفيق وهو ماعرف يتصرف.. وإن شاء الله إن توفيقش مع فهد.. أدري إنه بيتعبش أول الأيام مثل ماتعبت أمش.. بس أنتي قدها!! جميلة استدارات لتدفن رأسها في صدر منصور وهي تنتحب بشفافية.. مجروحة.. مجروحة بالفعل!! ثلاثة أشهر مضت وهي رغما عنها ينتابها أمل شفاف أن خليفة سيعيدها له.. تمنت أن تواتيها الفرصة لتشكره على كل ماقدمه لها.. لم تعلم أن كل مابينهما قد انقطع منذ اللحظة الأولى.. وانها كانت تبني آمالا على سراب.. وأن الحياة دائما ترسم لنا خطوط متباعدة شديدة التباعد لا نعلم إلى ين تقودنا!! وهي لا تعفي نفسها أبدا من الخطأ.. فهي كانت أول من اتخذ قرارا خاطئا.. تلاه خليفة بقرار خطأه أعظم وأفدح!! فالقرار الذي نتخذه في الحياة لابد أن نعلم يقينا قبل اتخاذه أن فرصة الأمس لن تتكرر لنا اليوم... أبدا !!!! ****************************************** " أص ولا تقولين ولا كلمة.. الثنتين كلهم حلالي.. وحدة مرتي والثانية عمتي.. خلني أتمقل" عالية تضحك بخفوت: الله يفضح عدوك بتفضحنا..تمقل في ويش؟؟ في سواد؟؟ خلصني لا ينتبهون لنا.. نايف بتساؤل مهتم: على الأقل أعرف طولها.. هي الطويلة الرزة الي فيهم صح؟؟ عالية ضحكت: لا والله آمالك شاسعة صراحة!! هذي عمتك يابعدي.. مرتك الثانية!! ضحك نايف: والله مهوب هين أبوكساب مايطيح إلا واقف.. خلاص خلينا نمشي وش أنا مستفيد كون وجع قلبي على الفاضي!! نايف وعالية غادرا مكان العبايات في السيتي سنتر حيث كانت وضحى وأمها مشغولتان بالإتفاق مع البائع وهما توليان ظهرهما للباب ولم تنتبها للعيون التي كانت تتبعهم بعد أن أخبروا عالية بمكانهم.. بينما عالية أكملت جولتها في مكان آخر ونايف يهتف لها بحزم: علوي عطيني رقمها!! عالية وقفت بصدمة: منت بصاحي.. أنت الحين غسلت شراعي عشان كلمت عبدالرحمن.. تبي تكلمها؟؟ نايف بثقة: أنا ماكنت رافض المبدأ بس كنت رافض طريقتش وإنش دسيتي علي.. وحن كل واحد منا أسراره عند الثاني.. وهذا أنا أقول لش.. أبي اكلمها.. لا هو حرام ولا عيب!! عالية هزت كتفيها ببساطة: أنا بأعطيك رقمها مهما كان هذي مرتك.. وأنا أقول لك من الحين تراها بتغسل شراعك وتخليك ماتسوى بيزة.. وقد أعذر من أنذر!! نايف بإبتسامة واثقة: مهيب غاسلة شراعي.. تلاقينها بتموت من الوناسة.. يعني مستحيل أكون أنا مشغول أفكر فيها.. وأنا ماطريت على بالها... أكيد عندها فضول تعرف شوي عن شخصيتي.. عالية بمرح: زين خلك على ذا الثقة يا أبو شخصية لين يطيح وجهك وتلقطه.. وعقبه قول علوي قالت!! أنت استلمت شغلك.. وشكلك صدقت روحك ويا أرض اتهدي ماعليكي أدي!! ********************************** " عسى زايد ماتعبش؟؟ والله إني كنت أحاتي إنه يجننش بالصياح!!" كاسرة بعذوبة وهي تناول زايد الصغير لأمه: لا جنني ولاشيء فديت قلبه.. وأدري إنش الأيام الجاية مشغولة مع بنتش.. متى مابغيتي تجيبينه جيبيه وأي وقت.. وخصوصا إني مقدمة على إجازة من مدة وبتبدأ من بكرة!! كاسرة لم تقل لها مطلقا أنه بالفعل أتعبها.. لأنه مدلل ويريد من يحمله على الدوام.. فهو كان نجدة لها من السماء تشاغلت به عن كساب الذي لم يفارق مقعده إلا لصلاة المغرب ثم عاد.. لم تعلم أنه كان عاجزا حتى عن التمدد.. لأن جسده كله يصرخ بالألم جراء الجروح الغائرة في نواحي جسده المختبئة تحت ملابسه.. وأنه كان يجب ألا يخرج من المستشفى.. لولا إصراره.. لأنه لم يكن يريد أن ينتشر خبر إصابته وهو في المستشفى!! وبالتأكيد لم تقل لكساب أنها اتصلت بفاطمة وطلبت منها أن تقدم لها إجازة تبدأ في الغد للضرورة.. فهي يستحيل أن تغادر البيت وكساب على هذا الحال!! مزون همست بمرح: يا بنت الحلال مافيه داعي تجاملين خالتي.. أدري إنه يجنن بــلــ .......... مزون بترت عبارتها وابتسامتها تنطفئ والدموع تقفز لعينيها وهي ترى من كان في تلك اللحظات ينزل الدرج.. ركضت ناحيته وهي تتحسسه بجزع متفجر بالشهقات: وش فيك؟؟ وش فيك؟؟ كساب مال ليقبل جبينها وهو يبتسم: مافيني شيء.. تعويرة بسيطة من حادث سيارة وأنا مسافر.. وهذا أنا قدامش طيب ومافيني إلا العافية.. مزون انفجرت فعلا في البكاء: هذا كله وتقول مافيك شيء.. يدك مكسورة.. ووجهك كله ملزق.. وتقول مافيك شيء!! خالته ركضت ناحيته وهي تهمس بجزع حقيقي مثقل بالحنان وهي تحاول جاهدة منع نفسها من البكاء: سلامات يأمك سلامات.. مال كساب على رأسها ثم كتفها مقبلا وهو يهتف بإبتسامة يخفي خلفها ألمه المريع: الله يسلمش.. ولا تسوونها سالفة.. هذا أنا قدامكم طيب.. مزون كانت تنتحب بوجع حقيقي وهي مازالت تتحسسه.. بينما خالته شدته لتجلسه وتجلس جواره حتى تسأله عن حاله.. وهــــــي.. تقف في البعيد.. كما لو كانت على ضفة أخرى.. لا تنتمي أبدأ إلى المشهد.. إلا ... بوجعها اللا نهائي..!! لماذا كان لهم الحق في التعبير عن ألمهم وجزعهم وخوفهم وانفعالهم.. وهي لا؟؟ لماذا كان لهم حق الاطمئنان عليه وتلمسه... وهي لا ؟؟ لماذا لهم الحق في القرب هكذا... وهي لا؟؟ كانت تقف في مكانها أشبه بتمثال حجري مجرد من الحركة والإحساس.. ليرفع حينها نظره إليها.. لا تعلم حينها لماذا بهت كل شيء حولها.. لتصبح هذه النظرات هي بؤرة الضوء!! هل هو عاتب!! حزين !! غاضب!! شامت!! مستهزئ!! أ يقول لها : انظري إلى مالم تقدميه لي ؟!! أم يقول لها : حولي من المشاعر مايغنيني عن بخل مشاعرك؟؟ شعرت في هذه اللحظات أنها تريد أن تختلي بنفسها.. أنها تريد أن تستغل ذهابه لصلاة العشاء لتنزف هذا الوجع الذي ماعاد بالاحتمال!! لولا أن عفرا التفتت لها بعتب: ليش ماقلتي لنا إن كساب جا وتعبان كذا؟؟ كان رجعنا على طول!! كان هو من أجاب وهو يقف ويهتف بحزم: أنا اللي قلت لها ماتقول لها أحد.. والحين رخصوا لي بأروح للصلاة... *********************************** " هلا يمه.. عندش حد؟؟" أم صالح بمودة: خالاتك بس.. بيتعشون عندي... وتراهم ينشدون منك.. يقولون قد لهم زمان ماشافوك.. فهد يضحك: قصدش لهم زمان ماحشوا فيني... بأبدل ثيابي وأنزل أقعد معهم شوي.. إلا خالاتي رقية وسبيكة هنا؟؟ أم صالح تكاد تضحك ولكنها تضربه على كتفه وهي تهتف بغضب مصطنع: عيب عليك.. احترم خالاتك ياولد.. فهد يضحك: أصلا حتى رقية وسبيكة حرام فيهم.. هذولا ريا وسكينة!! أم صالح حينها ضحكت: دواك إذا مسكوك ذا الحين.. ثم أردفت وهي تتذكر شيئا فهمست بتردد: ولا تزعل عاد لا حاشوا مرتك بالحكي!! تغير وجه فهد للغضب: وليه مرتي وش دخلهم فيها؟؟ ماعليه أنا ولد أختهم وحلالهم.. بس مرتي مالهم شغل فيها!! أم صالح بمهادنة: بعد يأمك أنت تعرف خالاتك.. حينها هتف فهد بصرامة: يمه أنا ما أنا بعبدالله.. يتوطون في بطن مرتي وهي ماسوت لهم شيء وأسكت.. أم صالح بعتب: تبي تلاغي خالاتك عشان مرتك؟؟ فهد بذات الصرامة: إذا مرتي غلطت عليهم حقهم فوق رأسي.. بس إنهم يظنون إني بأسمح لهم يجرحونها وإلا يوجعونها بالحكي مثل ما كانوا يسوون في مرت عبدالله.. فأنا آسف.. وخلي كل وحدة منهم تلم لسانها وتقعد بحشيمتها!! وهذا أنا أقوله من الحين وقبل تجي بيتي!! ليس اهتمام فهد بالدفاع عن جميلة هو اهتمام بشخصها.. ولكنه ناتج من طبيعته المستقيمة بطريقة شديدة الحدة!! فهو من النوع الذي لا يتنازل عن مبادئه.. ولا يرضى (بالحال المايل)!! وإن كان قد تشاجر مع خالاته عدة مرات من أجل كلامهن عن جوزاء.. فكيف يسمح لهم أن يجرحن في زوجته؟!! *************************************** " كساب ماكلت شيء من عشاك؟؟" كساب يتمزق فعلا من الألم ومع ذلك مازال متماسكا تماما وهو يهتف بإرهاق: ماني بمشتهي.. اتصلي بس في إبي خليه يجيني!! كاسرة همست بقلق: ليه؟؟ حاس بشيء؟ يوجعك شيء؟؟ كساب بحدة: اتصلي بدون ماتسألين.. أو عطيني تلفوني وأنا باتصل.. كاسرة تراجعت وهي تهمس بجمود: حاضر إن شاء الله.. ربما في موقف آخر.. كانت لتخرج خارج الغرفة ولا تستجيب لطلبه.. ولكنها لا تستطيع فعل ذلك.. فحالته تربط يديها.. كانت على وشك الاتصال لولا الطرقات القوية التي تعالت على باب الجناح.. تلاها دخول زايد ومزنة... كساب وقف للسلام عليهم.. بينما الاثنان يرتسم على وجيهما علائم الجزع والقلق الشديد.. زايد هتف بعتب فور أن قبل كساب رأسه: ليش ماقلت لي إنك تعبان يوم كلمتني؟؟ ومزنة تهتف بقلق أمومي: سلامتك يأمك.. عسى ماشر.. كساب بإرهاق: تعويرة بسيطة.. وأبيك يبه تجيب لي دكتور.. مستوجع شوي وأبيه يغير لي ويعطيني إبرة!! لم تغب على نظرة زايد أن هذا الألم ليس مصدره الكسر ولا الجروح التي في وجهه.. لذا اقترب من كساب وهو يفتح جيبه.. كساب أزال يد والده برفق واحترام وهو يهتف: يبه وش تسوي؟؟ زايد بحزم: ولا كلمة.. خلني أحط ثوبك..شكلك تبي مستشفى مهوب دكتور.. مزنة غادرت المكان بحرج وهي ترى زايد يصر على انتزاع ملابس كساب.. بينما كاسرة وقفت ودقات قلبها تتصاعد بعنف.. أ يكون محتاجا لمن يساعده على خلع ملابسه وهي حتى لم تعرض عليه المساعدة؟ " وهو خلا لي مجال أساعده حتى لو بغيت!!" كساب رضخ لوالده فهو على كل الأحوال كان سينزع ثوبه أمام والده حين يأتي الطبيب!! كاسرة شعرت أنها ستنفجر من البكاء وهي ترى جسده بالكامل ملفوف بطيات من الشاش السميك التي بدأت نقاط صغيرة من الدم تبرز خلفها.. لم تستطع حتى أن تبقى واقفة وهي تدخل إلى الحمام وتنفجر من البكاء فيه!! بينما كان زايد يهتف بغضب حقيقي: أنت وش مسوي في روحك؟؟ وليه أساسا تجي البيت.. ليه مارحت للمستشفى وكلمتني أجيك!! كساب بذات النبرة المرهقة: والله إنه بسيطة يبه!! زايد بغضب: دقيقة خلني أجيب لك ثوب نظيف ونمشي للمستشفى!! كساب طاوع والده.. فهو بالفعل محتاج للمستشفى.. وإن كان أصر على الخروج منه.. فهو لأنه دخله بدون اسم.. وكان يخشى أن يراه أحد فيعرفه.. حتى مع وجود الحراسة على باب غرفته.. والوضع الذي حدثت فيه إصابته!! ثم أن ماحدث بعد ذلك هزه بعنف وجعله يقرر الخروج حتى يعلم الجميع بعودته ويستطيع أن يفعل ماقرره!! والآن الآن سيدخل المستشفى باسمه.. وبقصته الجديدة إنه حادث سيارة في الخارج.. وأتى ليكمل علاجه هنا.. وجواز سفره يثبت فعلا دخوله البلاد من ساعات فقط!! حتى يستطيع أن يخرج في الغد ليفعل ماقرره!! *********************************** " عمي وش فيك؟؟ ليه وجهك تغير كذا؟؟ حد قال لك شيء في المكالمة اللي قبل شوي؟؟ " منصور بضيق كبير: يضايقش يأبيش لو نحجز على بكرة الصبح عشان الظهر لازم نكون في الدوحة.. جميلة بأريحية: لا يضايقني ولا شيء .. أنا أساسا كنت أقول لك خلصت وخلنا نرجع.. ثم اردفت بقلق عميق مفاجئ: حد من هل الدوحة فيه شيء؟؟ منصور بأسى كبير: المصاب اللي قلت لش عنه اللي تأخرت عشان حادثهم... الله يرحمه بواسع رحمته.. وأبي أحضر الدفن والعزاء بكرة.. جميلة بصدمة: لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون!! من هو فيهم الولد وإلا المدرب.. منصور بذات أساه المتعاظم: لا الولد... المدرب ماحد يدري عن إصاباته حتى.. ولا يدرون أي مستشفى راح... جميلة بأسى: سبحان الله أعمار ذا الأجانب طويلة.. منصور باستغراب: من الأجانب؟؟ جميلة بعفوية: المدرب.. أعرف إنهم غالبا فرنسيين وأحيانا أمريكان.. منصور يتنهد: لا هذا قطري.. بس عمري ماصدفته.. ماعمره درب فرقتي!! أسمع به ولا عمري شفته ولاحتى أعرف اسمه.. مع إنه المدرب لازم يكون رتبة كبيرة وكل الرتب الكبيرة اللي في الجيش أعرفهم.. ********************************** حين خرجت من الحمام لم تجدهما.. حينها انهارت فعلا في كل البكاء الذي لم تجد له الوقت ولا المكان... يا الله... أ يوجد مخلوقين معقدين مثلهما في كل هذا العالم؟!! هي تذوي قلقا وجزعا وتأثرا ويأسا بأقصى المعاني والحدود ومع ذلك تعجز عن التعبير عن هذا أي من أحاسيسها كما تتمنى!! هو هناك في المستشفى.. وذهب إلى مستشفى خاص ليتلافى كثرة الأسئلة.. الطبيب غاضب من استعجاله على العودة.. فالجروح ملتهبة وكان يحتاج منذ ساعات أن يعلق مضاد حيوي في الوريد!! " يبه!!" زايد انتفض بحنانه القخم: لبيك يأبيك!! كساب بإرهاق وهو يوشك على أن ينام بعد أن ارتاح قليلا من آلامه: يبه لو سمحت.. بكرة الظهر فيه ناس أعرفهم عندهم دفن.. نبي نحضر الدفن والصلاة والعزاء إن شاء الله.. زايد برفض: الله يهداك أنت معذور.. من اللي بيشره عليك إذا ماجيت الدفن كساب بإصرار: مهوب عشان حد بيشره علي أو غيره.. أنا أبي أروح!! إحساسه بالذنب يخنقه.. يخنقه تماما.. يشعر أنه المسؤول عن هذه الروح الشابة التي ذهبت.. كان أول من صعد.. وحين شعر ببوادر انهيار المبنى.. انتزع الاثنين اللذين كانا يتبعانه من أحزمتهما وألقى بهما بعيدا.. فمهما يكن سقوطهما على الأرض من مسافة قريبة..أهون من انهيار المبنى فوق رؤوسهم.. لم يعلم أنه هناك ثالث تبعهما إلا وهو ينزل بسرعة بعد أن فك حزامه وألقى بنفسه أرضا.. كان قد وصل للأرض قبل انهيار المبنى..ولكنه كان يحاول فك حزام الثالث.. لينهار عليهما حينها المبنى!! الشاب الآخر كانت إصابته في إجهزة أحيوية.. عدا أن بنيته كانت أضعف من بنية كساب.. مازال كساب يتذكر ارتفاع تشهداتهما كلاهما وهما يريان الموت قريبا هكذا!! وكم تصبح الحياة تافهة/ ثمينة في هذه اللحظات.. شريط حياته كله كان يمر أمامه في لحظة.. أخطاءه المتتالية.. مشاعره المعقدة.. وجوه أحباءه.. ماعاد قلقا من هذه الناحية.. فهو راض عن علاقته بالجميع.. إلا.. علاقته بها !! أ يذهب قبل أن يخبرها كم يحبها؟!! أ ينتهي كل مابينهما وكأنه لم يكن!! وهذا الذي يرافقه إلى رحلة الموت وكل منهما يشد على الآخر.. أ له زوجة.. أبناء.. أم تنتظر عودته؟؟ أ هو يستعيد شريط حياته الآن؟!! رغم أن كلاهما لم يرَ وجه الآخر فكلاهما يرتديان الأقنعة اللازمة لتدريبات الصاعقة.. ولكن بدا في هذه اللحظة كما لو كانا يعرفان بعضهما منذ الأزل.. فليس هناك كالموت هادما للحواجز وملغيا للمسافات...!! حين صحا كساب بعد الحادث بعد مرور يومين.. كان سؤاله الأول هو عن رفيقه الذي كان معه.. وكم تضايق حين علم بصعوبة حالته... وكم تفجر حزنه أمواجا متتالية وهو يعلم بوفاته اليوم.. ويقرر أن يخرج المستشفى.. حتى يستطيع الذهاب لدفنه والصلاة عليه.. مازال صوت تشهده يخترق أذنه هادرا شجاعا لا يهاب.. روحه مغمورة بالذنب أنه لم يستطع إنقاذه.. وبذنب أعظم أنه نجا بينما هو لم ينجُ... غفا وهذه الأفكار هي ماتستولي على روحه حتى أبعد مدى.. ليرن هاتف زايد.. زايد رد بمودة: هلا يأبيش كاسرة بقلق ظهر فيه أثر صوتها المبحوح من البكاء: يبه كساب أشلونه؟؟ زايد بتأثر: أفا عليش يأبيش.. ليه تبكين؟؟ ترا كساب طيب ومافيه إلا العافية!! كاسرة كانت تريد أن تنفجر في البكاء مرة أخرى.. أ يكتشف عمها أنها كانت تبكي من رائحة صوتها.. بينما زوجها لم يشعر يوما بوجع روحها!! همست باختناق: أبي أجي يبه.. ممكن؟؟ زايد برفض اختلط حزمه بحنانه: لا يابيش.. مايصير.. جماعتنا دروا بالخبر وأكيد بيأتي رياجيل واجد الحين!! بكرة الضحى بدري تعالي!! *********************************** كانت ترتب بعض الأغراض في دولابها.. حين رن هاتفها.. نظرت للساعة... الحادية عشرة!! " من اللي بيدق ذا الحزة ؟ يا أمي.. ياكاسرة..!! " التقطت الهاتف.. رقم غريب.. أعادت الهاتف مكانه.. الرنين تكرر عدة مرات!! ظنتها إحدى صديقاتها قد غيرت الرقم... فأرسلت رسالة: " من أنتي؟؟" وصلها الرد بعد ثوان: " التصحيح: من أنت؟؟ أنا نايف.. تكرمي وردي علي لو سمحتي!!" وضحى تفجر غضبها عارما... ماذا يظن هذا نفسه أو يظنها وهو يتصل بها وفي هذا الوقت المتأخر!! تعالى الرنين مرة أخرى.. فلم ترد!! وصلتها رسالته الثانية: "حني علينا وردي.. ترا السالفة كلها كلمتين.. وأنا ترا رجالش.. ماني بحد غريب!!" شعر بغضب ما يتصاعد في روحه حين وصله ردها: " رجالي عقب شهر وعشر أيام مهوب ذا الحين.. وذا الحين اهجد.. وأمس علينا بلا قلة حيا!! ولو أنت صدق معتبرني مرتك ومحترمني ماكان تجرأت تتصل فيني وذا الحزة!! " نايف شعر أنه غضبه يتزايد كلما قرأ الرسالة أكثر..أرسل لها بغضبه المتزايد : " لا والله أنتي اللي تعرفين الاحترام ومحترمة رجالش؟؟ أنا تقولين لي قلة حيا؟؟ تتصلين الحين وتعتذرين لي.. وإلا والله لا تشوفين شيء مايرضيش" لم يصله رد منها أبدا.. تزايد غضبه عليها.. ليتفجر تماما والرد يصله لكن من هاتف تميم: " عندك كلام تبي تقوله لأختي؟؟؟ المفروض يكون عن طريقي يا ولد الأصل.. تعال الحين لمجلسي نتفاهم!! " #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثمانون مضى له نصف ساعة وهو يجلس في مجلس تميم الخالي.. الساعة تجاوزت الثانية عشرة.. وحتى المقهوي يبدو أنه نائم... حرج خانق خانق وجارح يتعاظم في روح نايف.. ولكنه لم ولن يهرب من المواجهة.. مادام قد تصرف هذا التصرف فلابد أن يحتمل نتائجه!! مشاعر عميقة ومتضادة ومشوشة تصطخب في روحه.. غضب عارم منها.. وإعجاب ملتبس لا معنى له بها!! وضيق عميق من رعونتها!! غاضب منها لأنها وضعته في هكذا موقف محرج وهو في الختام يبقى زوجها.. فكيف هان عليها أن تبعثر كرامته بهكذا موقف؟!! معجب بغرابة مخفية باستقامتها التي هي مطلب كل رجل في زوجته!! ولكنه متضايق تماما ولأبعد حد من رعونتها..!! فهذا التصرف الذي تصرفته مطلقا لا يدل على الدبلوماسية التي كان يجب أن تتصرف بها في هكذا موقف.. فهو ختاما زوجها.. وإن ارتكب شيئا ضايقها.. كان لابد أن يكون التصرف بينهما.. فإدخال شقيقها الآن سيجعل الموضوع يكبر... ومايخشاه نايف هو تبعات هذا التدخل.. مازال لا يتخيل ما الذي سيعاتبه به تميم.. وإلى أي مدى سيصل العتاب؟!! كان مشغول التفكير تماما بالذي سيحدث وهو يضع سيناريوهات لحضور تميم وكيف سيكون العتاب ومامداه.. وكل الصور بدت له مؤذية جارحة وهو يقف أمام تميم كطفل مذنب بذنب لا يراه ذنبا أكثر من رغبة مشروعة لكنها مكروهة!! أمر لم يكن يستحق كل هذا الشد وكان يمكن حله بينهما فقط!! كانت هذه أفكاره التي غرق فيها.. حتى وصلته الرسالة الثانية من تميم التي بعثرت تفكيره تماما: " توكل على الله وروح لبيتكم.. أنا بأعدي الموضوع ذا المرة عشان خاطر وضحى.. واحترام إنك رجالها.. الاحترام اللي هي مالقته منك" نايف اتسعت عيناه غيظا.. وكان سينفجر غضبا بكل معنى الكلمة.. أ يحضره لمجلسه لإحراجه فقط؟!! ا يجعله لعبة له وهو يحضره بهذه الطريقة المحرجة ويصرفه بطريقة أكثر إحراجا؟!! نايف تنهد بعمق وهو يحاول السيطرة على غضبه وتحكيم العقل!! فمهما كان تميم قرر ألا يكبر الموضوع.. ولو أنه نزل له وعاتبه وجها لوجه كان الإحراج الشديد سيتوجه إلى مشكلة لا يعلم أين سيكون مداها الختامي!! لذا تحامل نايف على نفسه لأقصى حد.. وهو يرسل لتميم رسالة: " أنت ووضحى على رأسي.. وتأكد إنه لها الحشمة والتقدير!! " *********************************** " حبيبتي أنتي وين خذتي تلفوني ورحتي فيه؟؟" سميرة تخفي ابتسامتها وهي تضع الهاتف أمامه ثم تشير له: أنت كنت لاهي مع تصليح ذا الكمبيوتر.. وأنا كنت أبي أوري وضحى البرنامج الجديد اللي نزلته فيه.. وعقب قعدنا نسولف شوي وهذا أنا ما أبطيت.. . . قبل أقل من ساعة.. اتصال مستعجل يصل لسميرة من وضحى.. سميرة تدخل باستعجال على وضحى وهي تهتف بأنفاسها المتطايرة: وش فيش روعتيني..؟؟ وضحى تنتفض بشدة من الخجل والغضب.. همست باختناق وهي تمد سميرة بهاتفها: شوفي قليل الحيا وش مطرش لي؟؟ وش يفكرني ذا؟؟ وحدة من رفيقاته ؟؟ سميرة قرأت الرسائل ثم انفجرت في الضحك: والله مهوب هين نايف.. تأثيرات بنت عمي أكيد!! وضحى تكاد تبكي: أحر ماعندي أبرد ماعندش.. وش أسوي فيه.. ؟؟ أقول لتميم؟؟ سميرة باستنكار: لا .. يا الخبلة.. وش تقولين لتميم؟؟ وضحة بذات الاختنتاق: سميرة.. أخاف تميم يدري بأي طريقة إن هذا أرسل لي.. ويزعل.. وأنا ماصدقت إنه رضى علي!! مع أن سميرة كانت لا تعلم مطلقا سبب غضب تميم من وضحى.. لكنها كانت تلاحظه.. وكانت سعيدة جدا بالصلح.. ووضحى متحسسة جدا من الموضوع .. لأنها تخشى أن يكتشف تميم الموقف وهو للتو صالحها بعد أن كادت روحها تذوي من اليأس.. وحينها ستسقط من عينه.. ولن يُصلح بينهما شيء.. وتميم أهم لديها من كل شيء!! من كل شيء حرفيا!! سميرة همست بتحذير: أدري إنش متحسسة من الموضوع.. بس ترا تميم بيتحسس أكثر.. لأنه على طول بينط في رأسه.. إن نايف مايحترمه.. وإنه لو إنه امهاب عايش ماكان تجرأ يسوي كذا.. وأتوقع إن تميم بتكون ردة فعله عنيفة وزيادة عن اللزوم.. ونايف ترا غلطته تبي قرصة أذن ليس إلا!! وضحى بيأس: وأشلون نقرص إذنه زين؟!! سميرة حكت مقترحها بسرعة لوضحى.. فردت وضحى بحزم: وعلى فرض إنه تميم درا عقب؟؟ أشلون بأحط عيني في عينه؟ سميرة بثقة باسمة: لا تحاتين بأقول إنها فكرتي.. وإنش أساسا ماكنتي تبين.. وكنتي تبين تقولين له!! وضحى بجزع حازم: لا سميرة لا..تكفين... أنا ما أبيش تدخلين ويصير شيء بينش وبين تميم بسبتي.. كفاية اللي صار بينكم أول بسبتي وبغيت أموت من الحسافة.. والله ما أستحمل موقف ثاني!! سميرة رقصت حاجبيها: لا ياحبيتي.. أول غير.. والحين غير!! سميرة عادت لغرفة تميم ووجدته مازال منهمكا في الحاسوب.. استاذنته أنها تريد هاتفه.. فأشار لها بين إنشغاله أن تاخذه.. الاثنتان أرسلتا الرسالة لنايف وهما تراقبان مع نافذة الصالة العلوية... حتى تراقبا المجلس... وفي ذات الوقت تريان تميم لو خرج من غرفته... حين رأتا سيارة نايف بعد دقائق.. تصاعدت دقات قلب وضحى بعنف وهي تهمس لسميرة بخفوت مختنق تماما: يمه ياسميرة.. ماتوقعت إنه بيسويها ويجي وبذا السرعة.. الحين وش بنسوي فيه؟؟ سميرة تضحك: خليه ينقع نص ساعة... وعقبه أوريش فيه... بعد الرسالة الثانية والرد.. وهما تريان السيارة تغادر.. همست وضحى بذات الاختناق: والحين أنا قلبي منغوز منه .. ماني بمرتاحة لنايف ذا.. والشيء الثاني أشلون أحط عيني في عينه عقب ذا الموقف...؟؟ لا وأنا بعد خذتني العزة بالأثم وسبيته من زود الخير!! سميرة هزت كتفيها وهي تمسك بهاتف تميم لتعود لعرفتها وتهمس بخبث باسم: والله عاد هذي أنتي وشطارتش.. مالي دعوة!! أنتي تصرفي!! . . نايف في سيارته المغادرة يكاد يتميز من الغيظ فعلا.. لولا أنه يحكم عقله لأبعد أبعد حد.. وإلا كان طلقها فورا لشدة غيظه.. لا يريد أن يحكم عليها من موقف... ولكنها وضعته بالفعل في موقف لا يحسد عليه... ويتخيل موقفه لو أنه وقف أمام تميم كالمذنب ليحاسبه.. وهو من يقف أمامه المذنبين ليحاسبهم!! مشاعر كثيفة ومتشابكة تتصاعد في داخله تجاه زوجته التي يجهلها تماما!! بدا له تصرفها حادا وشديدا لأبعد حد.. بدا يفكر تفكيرا بعيدا في شخصيتها.. وكيف هي؟؟ هذه المرأة ستعاشره عمره كله.. وعالية أكدت له إنها مرنة جدا وغاية في اللطف.. فهل كانت عالية تدعي ذلك حتى تزيحها من طريقها فقط!! يفكر في شقيقاته.. الهم الأول له.. فهو يستطيع أن يستغني عن زوجته.. ولكنه لا يمكن أن يستغني عن شقيقاته!! يتخيل أن من تصرفت معه هكذا ومن أجل موقف لا يستحق.. كيف ستتصرف مع شقيقاته ؟؟ كيف ستحتملهن؟؟ يخشى من ردات فعلها تجاههن.. الشيء الذي يستحيل أن يتغاضى عنه أو يتسامح فيه!!! والشيء الذي يقلقه وبشدة!! ************************************** كان كساب يعود لفراشه بعد أن صلى قيامه وهو يهتف لوالده بإرهاق: يبه خلهم يجون يعطوني إبرة.. مستوجع شوي!! زايد يضغط جرس الاستدعاء وهو يتنهد بتأثر وشجن عميقين: دامك تقول مستوجع فأكيد أنت مستوجع واجد.. مابعد سمعتك تقول مستوجع قدام اليوم!! كساب يتنهد : بسيطة يبه.. يومين وبأكون زين!! زايد بحزم وبنبرة مقصودة: يأبيك أنت وش سببك؟؟ جروحك مستحيل سبتها حادث سيارة.. أنا يأبيك ما أنا بولد أمس!! ومرت علي الدنيا أشكال وألوان!! كساب صمت ولم يجبه... حتى جاء الممرض وأعطاه الأبرة ومضى وهو مازال صامتا!!.. حينها هتف زايد بحزم وبنبرة مقصودة جدا: يأبيك ترا الواحد يخدم بلده كل واحد في مجاله.. وحن نخدمه بالمصادر اللي ندخلها على البلد وحن تجار ورجال أعمال وهذا مجالنا.. ماله داعي يكون لنا مجال ثاني!! كساب توتر (ماذا يقصد من هذا الكلام؟؟) بينما زايد أكمل بذات الثقة والنبرة المقصودة: أنا ما أدري يأبيك أنت تحسبني غبي.. إنك بتغيب بالأسابيع بدون ماتكلم وإني بأسكت..؟؟ ليه أنا لقيتك في الشارع..؟؟ يا أبيك خلاص... خلصنا من ذا السالفة.. ولو تبي أنا أكلم لك يعفونك.. كلمتهم!! كساب قاطعه بحزم: يبه وش داعي ذا الكلام المحور؟؟ إذا أنت تبي تقول شيء قوله!! زايد تنهد وهو يكمل بذات حزمه: قبل كم سنة.. يوم بديت تغط ذا الغطات.. قلبي قرصني لا تكون منظم لذا الخرابيط اللي نسمع عنها.. فبديت أحوس وراك وأراقبك.. وكلفت لي واحد يتبعك.. كساب مبهوت تماما.. كيف غاب عن ذكاءه ذكاء والده؟؟... اعتمد أن البرود بينه وبين والده بعد حكاية مزون سيكون غطاء حماية له... كيف غاب عنه أن مبرراته لن ترقى مطلقا لذكاء والده!! زايد أكمل بثقة: عقبه جاني استدعاء من فوق.. إنه مافيه داعي أحوس وراك.. وأخلي الناس ينتبهون لك.. وإنك تشتغل تبع الدولة.. ومافي داعي أسأل عن شيء.. تطمن قلبي من ناحية.. بس قلبي قعد يغلي من ناحية.. الحين لا قدر الله لو صار لك شيء في مهمة من مهماتك.. ماحتى أنا بقادر أفتخر فيك وأقول ولدي شهيد.. يأبيك خلاص كفيت ووفيت.. وكفاية شغلك في التجارة.. ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه.. كساب تنهد بحزم وهو يغفو في نوم عميق إجباري نتيجة للمهدئات: يبه وأنا ما انتظر حد يشكرني وإلا يقول كساب سوى وسوى!! ************************************** " يأبيش لا تكونين جاية ذا الحزة مع السواق والخدامة؟؟" كاسرة ترفع نقابها ليظهر وجهها الذابل من الإرهاق وهي تقبل رأس عمها وتهمس بإرهاق: لا فديتك.. تميم جايبني.. بيصفط سيارته وبيأتي.. قلت أبي أجي بدري قبل يجيكم حد من الرياجيل.. زايد ابتسم بمودة: توه رقد من عقب صلاة الصبح.. بس قوميه.. على كل حال أكيد شيباننا على وصول.. كاسرة تنهدت بشجن : لا خله يرتاح لين يجيه الزوار.. أنا بس كنت أبي أتطمن عليه.. زايد هتف بأريحية وهو يخرج: خلاص اقعدي عنده براحتش.. أنا بأنتظر تميم برا!! كاسرة شعرت بخجل لم يظهر في مودة صوتها: عمي تعال الله يهداك.. ولكنه كان قد خرج وأغلق الباب .. حينها اقتربت كاسرة برفق من كساب.. يا الله.. لم تتخيل كيف مر عليها الليل حتى... لتتمكن من الحضور..!! وهي تتصل بتميم فور خروجه من صلاة الصبح وتطلب منه أن يأتي لتوصيلها.. قضت ليلها ساهرة..والدقائق تمر بطيئة متثاقلة!! وهي حينا تعاتب نفسها.. وحينا تعاتبه!! كانت ليلتها سيئة بين الهواجس واليأس والألم والقلق... والأسوأ كونه مصابا بكل هذه الأصابات وهي لم تعلم حتى!! مالت عليه بألم وهي تتأمله بشجن روحها الممزقة... وجهه الوسيم الشامخ غارق في عشرات اللاصقات التي لم تخفِ جروحه المزرقة!! رجولته الهادرة الماكنة في روحها كالوسم لم يهزها في نظرها إرهاقه الظاهر والأسلاك الموصلة لجسده.. مالت بحنان يائس على معصم يده الحرة من الجبس المقيدة بالأسلاك.. لتقبله.. قبلة بللتها بدموعها.. لم ترد أن تقترب من شيء قد يولمه.... وجهه.. يديه.. أسلاك التغذية!! تمنت بيأس أن تميل على شفتيه لتتنفس أنفاسه من قرب.. ولكن حتى شفتيه لم تخلو من الإصابات.. فشفته السفلى كانت ممزقة من طرفها ومازال الدم المتخثر عليها!! همست بيأس قريبا من أذنه ودموعها الصامتة تسيل بصمت كصمت روحها المهجورة: أنت وش مسوي في روحك يالمتوحش!! باقي شي فيك ماقطعته؟؟!! تنهدت بألم عميق لأنه لم يصحو .. تمنت أن ترى عينيه مفتوحتين قبل أن تغادر!! "إلى هذه الدرجة أنت متعب ؟؟ أو لا تريد أن تراني؟؟" فهي اعتادت على كساب أن نومه خفيف لأبعد حد.. أقل حركة أو همسة تجعله يقفز متحفزا... فأي آلام هذه التي جعلته خادرا هكذا؟؟ كانت تتحسسه برفق وقلبها يذوي كلما اكتشفت جرحا جديدا في جسده.. حتى سمعت الطرقات على الباب... تأخرت بخجل وهي تنزل نقابها على وجهها.. كان عمها زايد يهتف لها بحنان حازم: خلاص يأبيش اطلعي وانتظري تميم في الاستراحة.. فيه رياجيل جايين الحين.. وتميم بيسلم على كساب وبيجيش!! ******************************** " يادكتور هو يبي يطلع شوي.. فيه مجال؟؟" الطبيب ينظر لكساب النائم ويهتف برفض قاطع : ولا حتى دئيئة وحدة.. الأنتي بايوتيك لازم كل 6 ساعات يتجدد.. الجروح ملتهبة خالص.. دا خطر عليه الغرغرينة.. أنا مش عارف الدكتور الأهبل اللي سابه يرجع وهو حالته كده!! حينها هتف زايد بحزم: زين عطه منوم لو سمحت.. يرقده لين بكرة.. لو قام أدري إني ما أقدر أرده.. مهوب لازم يحضر الدفن... يحضر العزاء ثاني وإلا ثالث يوم!! زايد تنهد وهو يميل على كساب النائم: الله يعيني على زعلك إذا قمت.. بس أنت داري إني ما أبغي إلا مصلحتك!! ******************************** " يمه الله يهداش وش ذا المناحة اللي مسويتها؟؟ أنتي ماتقولين إنه طيب!!" عفراء تمسح دموعها وهي تهمس باختناق: يامش ماشفتيه ماحتى حس فيني.. ومركبين عليه سلكين في يده السليمة.. واللي موجعني إني شفته البارحة في البيت ويقول أنا مافيني شيء.. والممرض اللي عند الباب يوم سألته عنه.. يقول لي مافيه نتفة في جسمه مافيها جرح وإلا قطع.. وأشلون كان مستحمل ذا الوجع كله ياقلب أمه بدون مايحكي!! وش اللي حده على ذا كله؟؟ جميلة تهدئ أمها برقة: يمه فديتش أنتي عارفة كساب من صغره.. وبروحش كنتي تقولين.. لو مهما صار له مستحيل يشتكي!! عفراء بتمزق حقيقي: ماحتى لحقت أتطمن عليه.. زايد ماخلاني عنده إلا دقيقة وطلعني.. قال بيجيهم رياجيل.. جميلة تربت على كتف أمها: عمي منصور مابعد درا.. راح للعزاء دايركت.. وأكيد لا درا بيروح.. روحي معه.. ******************************************* " كان ودي أحضر الدفن.. بس الطيارة تأخرت شوي!! أ رب الباقيين كلهم حضروا يا أبو محمد؟؟" أبو محمد يتنهد: مابقى حد ماحضر.. اللي نعرفهم واللي مانعرفهم!! منصور بحزم: زين عقب العزا.. أبيك تروح معي نزور المدرب اللي تصاوب.. أكيد أنك عرفته وعرفت مكانه الحين.. لله دره سمعت إنه تصاوب وهو يبي ينقذ الشهيد اللي راح.. ولولا إنه تأخر معه وإلا كان يقدر يبعد عن المبنى قبل أن ينهار.. أبو محمد بحزم شبيه: كلامك صحيح.. وإصاباته بعد والله مهيب زينة... بس مانقدر نزوره لأني لحد الحين مثل ماقلت لك في التلفون.. ما أدري وين خذوه ولا حتى أعرف من هو؟؟ منصور باستغراب: أشلون ماتعرفه؟؟ هو ماكان يدرب فرقتك؟؟ أبو محمد بثقة: بلى.. بس أنا ما أعرفه.. خبرك تدريبات الصاعقة.. يجينا أمر من فوق.. عندكم التدريبات الفلانية في الوقت الفلاني.. ويجينا المدرب بلبس الصاعقة والقناع.. وممنوع أمنيا نسأل عن الأسماء في خلال التدريبات وأنت عارف ذا الشيء.. وهو يخلص تدريب ويطلع... مايعطي مجال لأحد يأخذ ويعطي معه!! أصلا حتى في التدريب كلامه قليل يا الله كلمة كلمتين!! وأنت عارف إني أساسا أكون بعيد.. ما أشترك في التدريب.. منصور باستغراب شديد: وش ذا الكلام الخربوطي... إذا المدربين الأجانب نعرفهم ونعزمهم على عزايمنا.. وأشلون ولد ديرتنا؟؟ إلا هو وش رتبته؟؟ أبو محمد بذات الثقة: ملابسه ماعليها رتبة أبد.. منصور تفجرت دهشته: صراحة حكي ماسمعت أغرب منه.. أنت عارف إنه كلنا ندرب فرقنا.. بس مهوب أي حد يصير مدرب جيش بالمعنى العالمي اللي أنت عارفه.. حتى أنا وأنت عجزنا نوصلها.. أبو محمد يهمس لمنصور من قرب: أنت بس لو شفت ذا المدرب أشلون يتحرك... لياقة وخفة وفوة عمري ماشفتها في حياتي.. وأنت عارف..من اللي يقدر على التدريبات اللي يأخذونها المدربين.. ؟؟ أول شيء مهيب إجبارية.. وثاني شيء ماحد يقدر عليها إلا واحد بايع عمره!! منصور بتساؤل مهتم: ومن ذا اللي قدر عليها وحن ماعرفناه؟؟ ************************************ " ها نايف وينك اليوم كلش ماكلمتني.. وش صار على موضوع البارحة؟؟" نايف بتحكم: أول شيء اليوم مالي خلق أسمع صوتش.. ثاني شيء البارحة مشغول ونسيت الموضوع !! عالية بمرح: أفا أفا... وش فيك مخيس النفس نويف!! شكلك كلمت وعطوك أشكل وأنت تعزز وتقول نسيت!! نايف بذات نبرة التحكم: قلت لش ماكلمت.. ولو كلمت مالش شغل في شي!! عالية ضحكت: يه يه ياخال.. وين اللي أسرارانا عند بعض والبطيخ واحد.. نايف بحزم: عالية أنا الحين مشغول.. عقب بأكلمش!! نايف أنهى الاتصال.. وألقى هاتفه جواره بقوة.. أين مشغول؟؟ وهو بالكاد ذهب لعمله صباحا وعاد لبيته!! ولم يخرج إلا لصلاة العصر ثم المغرب وعاد!! شقيقاته أصبنه بالصداع لكثرة ما اتصلن وكل واحدة تطلب منه أن يأتي للغداء عندها.. وبعد ذلك لقهوة العصر.. ولم يستجب لواحدة منهن.. وحتى فهد اتصل به ليذهبا لزيارة كساب .. عديله!! فرفض لأنه خشي أن يقابل تميم هناك ومازال الموقف طازجا.. فقال له أنه قد يذهب معه في الغد صباحا قبل التوجه لعمله.. على أمل أن تميم لن يكون موجودا... فأي موقف سخيف وضعته فيه من تسمى زوجته.. وهي تحرجه بهذه الطريقة وتجعله محرجا عاجزا عن المواجهة هكذا!! غيظ عظيم يتصاعد في روحه عليها!! وغيظ كذلك على عالية التي ورطته في هكذا زوجة!! روحه مثقلة بالغيظ لأبعد حد!! وكلما فكر في الموضوع أكثر.. تزايد غيظه أكثر!! الغيظ يأكل روحه شيئا فشيئا وليس بيده شيئا يفعله الآن!! ************************************** " زايد.. كساب وش فيه؟؟ صار لي 3 ساعات قاعد أنتظره يقوم بدون فايدة!! وأم زايد جننتني تسأل عنه وتبيني أجيبها وأنا أقول عندنا زوار!!" زايد تنهد بحزم: منصور قوم روح لبيتك.. لأنه كساب الدكتور معطيه منوم لأنه تعبان ويبي راحة.. وأنت بعد تبي راحة.. جاي من المطار على العزا على المستشفى.. حتى مالحقت تقعد مع ولدك.. روح لبيتك وطمن عفرا عليه.. وقل لها مافيه إلا ذا العافية.. منصور بغضب: وذا الخبل مايخلي خباله.. يسوي حادث سيارة.. ويرجع ماكمل علاجه..!! كان كلمنا وجيناه هناك.. زايد بثقة موجوعة: أنت عارفه وعارف طبايعه.. منصور يهز رأسه بحزم: أمحق طبايع ..ما أدري متى هو بيعقل.. ثم أردف بحزم أشد: أنت قوم يا أبو كساب لبيتك.. كفاية عليك البارحة واليوم كله.. أنا بأمسي عنده.. زايد بإصرار حازم: وقدام تحلف.. والله ما أروح لين نطلع أنا وإياه سوا.. توكل لبيتك تريح أنت اللي تعبان!! ********************************** " يأمش بتروحين ذا الحزة؟؟ الوقت متأخر!!" كاسرة همست بإرهاق: إيه يمه.. تميم ينتظرني برا.. اليوم ماحتى لحقت أقعد.. أكيد الحين ماعاده بجايه زوار.. أبي أقعد عنده لين بكرة.. وبكرة بدري تميم بيرجع لي.. مزون ربتت على رأسها بحنان: زين انتظري دقيقة أجيب بس غيارات عمش زايد أنا كنت مجهزتها يوديها السواق.. بس دامش بتروحين اخذيها معش.. اليوم يوم جيته أنا ومزون طلب مني أغراض له بعد.. دقيقة وأجيبها لش كلها!! كاسرة جلست بإرهاقها المتعاظم فهي مازالت لم تنم منذ البارحة.. ولن ترتاح حتى تطمئن عليه.. حتى أنها لم تتصل بزايد لتخبره أنها ستحضر.. لأنها تعلم أنه سيرفض أن تحضر!! تضغط جانبي رأسها بإرهاق.. تشعر أن جسدها خال من الطاقة تماما.. ومع ذلك يستحيل أن ترتاح حتى تطمئن عليه.. وبقدر ماهي مجروحة منه.. بقدر ماهي مجروحة من أجله!! في أحيان كثيرة تتساءل.. أ ستكون حياتها كلها هكذا؟؟ أ لن ترتاح يوما؟؟ أ لن تشعر بحبه يوما؟!! أ يحكم عليها بهذا الحرمان طوال عمرها؟!! وهل يكون هذا هو مصيرها الذي حكم به عليها الله عز وجل.. ويجب أن ترضى به لأنه لا يوجد سواه ؟!! . . . " ليه يابيش تجين ذا الحزة؟؟" كاسرة تميل على رأسه لتقبله وهي تهمس بمودة: يبه طول اليوم عندكم رياجيل.. وتميم اللي وصلني.. خلني أقعد عنده الليلة.. وبأروح بكرة الصبح بدري!! ابتسم زايد بأبوية: خلاص يأبيش خلش عنده.. وترا الكرسي هذا ينفتح.. وأنا بأروح للغرفة الثانية أتمدد في الجلسة.. كاسرة همست بمودة وهي تشير لحقيبة كتف صغيرة: زين أمي تسلم عليك وتقول هذي أغراضك.. ابتسم زايد بلباقة: ياحي ذا الطاري من أم امهاب.. ابتسمت كاسرة بشجن وهي ترى عمها يغادر لغرفة الجلوس الملحقة بالجناح ويغلق الباب خلفه.. ثم تعيد نظرها للنائم قريبا منها وهي تقترب منه أكثر.. يا الله.. على كثرة ما أخذ من صفات والده.. على كثرة مالم يأخذ منه.. لماذا لم يأخذ من لطف عمها وشفافيته ولباقته وفخامة عباراته؟؟ مالت لتقبل جبينه برفق.. وهمست بألم وشفتيها مازالت شبه ملتصقة بجبينه: ماشبعت نوم.. بطل عيونك خلني أتطمن عليك.. حرام عليك اللي تسويه فيني.. والله العظيم حرام!! تنهدت بألم عميق: لذا الدرجة تعبان..؟؟!! زين أشلون قدرت تجي البيت..؟؟وأنا أشلون ماحسيت فيك؟؟ كله منك ياكساب.. كله منك.. بتموت لو قلت لي مرة بصراحة عن اللي فيك!! تنهدت وهي تخلع نقابها وتضعه قريبا منه.. ثم قربت مقعدها لتجلس قريبا منه.. تناولت مصحفها من حقيبتها.. وتلت كثيرا من الآيات وهي بعد انتهاء كل سورة ترفع بصرها لتتأكد من وضعه.. حين انتهت.. دعت له مطولا.. دعت له بكل العمق والقوة واليأس.. زفرت بعدها وهي تنزل شيلتها على كتفيها ثم تسند رأسها معه على ذات المخدة.. فربما بهذه الطريقة تستطيع أن تنام قليلا وهي تشعر به قريبا منها.. فهي مرهقة فعلا.. وتكاد تنهار من الإرهاق!! . . صباح اليوم التالي.. كاسرة غادرت للتو بعد أن جاءها تميم.. وهاهو أيضا يفتح عينيه للتو.. لم يعلم أنه مضى عليه أكثر من يوم وهو نائم!! فتح عينيه بإرهاق ليرى وجه والده.. لا يعلم لماذا توقع رؤية وجه آخر.. فهو طوال نومه في الساعات الأخيرة وهو يشعر برائحتها قريبة كطيف دافئ أثيري قريب بشكل غير مفهوم!! هتف بتثاقل: يبه كاسرة كانت هنا؟؟ ابتسم زايد بخبث: لا.. ليه تسأل؟؟ تنهد كساب وهو يحاول أن يدعك عينيه ليؤلمه السلك الموصول لعروق يديه: لا أبد.. حسبتها كانت هنا.. اعتدل جالسا.. ليلمح شعرة سوداء طويلة تغفو على عضده.. همس بذات التثاقل وهو يشدها دون أن ينتبه والده: يبه أنت متأكد إنها ماكانت هنا؟؟ ابتسم زايد بمودة: إلا كانت هنا..وتوها راحت.. تنهد بعمق (مستعجلة..جايه تجامل وتروح.. ماحتى انتظرت لين أصحى وأشوفها!!) ثم تحولت تنهداته لغضب حاد كتمه في روحه ( مادامت جايه مستعجلة.. ليش تحط شيلتها وتفك شعرها بعد..؟؟ ) احتفظ بغضبه لنفسه وهو يهتف لوالده بحزم بنبرته المتثاقلة: يبه خلهم يجوون يفكون ذا الوايرات أبي أقوم أتوضأ فاتتني صلاة الصبح.. الله يهداك ماقومتني!! هتف له والده بحزم: فاتك صلوات واجد.. قوم أقضها كلها.. كساب بجزع حقيقي: ليه كم صار لي نايم؟؟ زايد بحزم: أكثر من يوم.. كساب بذات الجزع: حرام عليكم والصلاة اللي فاتتني.. والده يهدئه: كنت بعذرك.. كنت راقد والدكتور قال لازم تخلص المضاد بدون فواصل.. كساب بغضب حقيقي: وذا كله عشان ما تخليني أحضر الدفن.. زايد بحزم صارم: قصر حسك.. أنا كنت باخليك.. بس الدكتور مارضى كلش.. وأنا ماني بخبل مثلك.. وأدري إنك لو كنت صاحي بتنط بخبالك هناك.. بنروح الحين العزا لو بغيت.. ************************************* " تعالي نوزن عند الميزان اللي هناك!!" شعاع تبتسم: أنت صار الوزن عندك هواية.. مبسوط إنك تزيد وأنا أنقص.. علي بإبتسامة: حرام عليش.. إلا أحاتيش أنا زايد 3 كيلو.. وأنتي ناقصة 3 كيلو.. غريبة!! ابتسمت شعاع: شفت أنت قاعد تاخذ مني.. علي هتف بحنان وهو يشد على ذراعها: إلا لأنش ما تاكلين مثل الناس.. هذا كله شوق لهلش ياقلبي..؟؟ شكلي طلعت أرخص واحد في السالفة؟؟ شعاع احتضنت ذراعه أكثر وهي تهمس بجزع: حرام عليك علي لا تقول كذا.. بس تدري أنا أول مرة أبعد عن هلي.. وأمي كل ماكلمتها صوتها يتغير.. أدري إنها تبكي.. خلاص حبيبي قربنا نكمل 3 أسابيع برا.. وأنا خاطري بعد أحضر زواج جميلة!! علي شدها ليجلسا في أحد مقاعد مقاهي المفتوحة على الخارج المقابلة لـ(السبانيش ستبس) في روما.. أو كما تُعرف باللغة الإيطالية (Piazza Di Spanga ) وهي يشد كفها بحنان بين كفيه ويهتف بأريحية: أبشري من عيوني الثنتين... بأشوف لنا أقرب حجز!! ***************************************** " ماعليه جمول.. سامحيني.. ماجيت أسلم عليش على طول!! بس كنت مشغولة بكساب.. والحين توني جايه من عنده.. وجيت عندش على طول أدري الوقت بدري.. وإنش عادش نايمة بس ماصبرت أكثر.. الحمدلله على سلامتش!!" جميلة تعتدل من سريرها لتتلقى قبلات مزون بمودة وهي تهمس باهتمام ودود: ياجعلني ما أبكيش قولي آمين.. بشريني من كساب..؟؟ ابتسمت مزون: لا.. أحسن بواجد إن شاء الله.. لقيته يلبس يبي يروح يعزي على ناس.. ابتسمت جميلة: أنتي جاية بروحش..؟؟ مزون ابتسمت: لا خالتي مزنة معي..ونزلت تسلم على أمش.. لا تعلم جميلة لِـمَ توترت نوعا ما.. قد تكون مزنة زاراتهم عدة مرات سابقا ولكن يكن البنات متواجدات ووالدتها مستعدة للزيارة.. تخشى من ردة فعل هذه الزيارة المفاجئة!! لذا قفزت عن سريرها باستعجال وهي تهمس لمزون باستعجال أيضا: عطيني دقيقتين بس أغسل وأبدل.. وننزل.. وترا الشنطة الكبيرة اللي في الزاوية لش.. مزون بدهشة: جايبة لي بروحي شنطة كاملة..؟؟ ابتسمت جميلة: بعد عروس.. وخلاص لاعاد تطمعين من وراي بهدية.. هذي هديتش وزيادة.. مزون تضحك وهي ترى جميلة تتجه للحمام: ليه حد قال لش مشفوحة.. أبي هدية عقب ذا الشنطة اللي وش كبرها..!! لا.. وعلي يقول لي إنه ومرته جايبين لي بعد شنطة.. لو أدري أنكم بتسوقون لي ذا الكثر.. ماكان شريت شيء.. *********************************** " الله يجزاك خير يأبيك.. ويحطها في موازين حسناتك.. ماكنت عارف إنك رايح تعزي عليهم.. لأني أنا أعرف أب الشهيد الله يرحمه وكنت أبي أقول لك خلنا نروح نعزي عليهم عقب مانخلص من من عزا الناس اللي أنت تبي تعزي عليهم!! " كساب كان متأثرا بشدة وتأثره يتعاظم في روحه وهو يرى كيف كان وجه والد الشهيد مسودا وهو يحتضن حفيده الجالس على ساقيه.. الأبن الوحيد للراحل.. طفل عمره عامين!! صامت وهو يستند لصدر جده.. وكأنه يستشعر روح الحزن التي سحبت حماس الطفولة من جوانبه.. وهو يجلس خادرا في حضن جده لا يتحرك.. إلا إذا أزاله جده من حضنه ليقوم لاستقبال المعزين.. وجده يرفض أن يغادره إلى مكان.. حتى مع محاولة أعمامه أن يأخذه أحدهم منه كان يرفض.. وكأنه بتمسكه به.. يتمسك ببعض رائحة الراحل علها تسكن روحه التي اخترمها الجزع والفجيعة.. كساب يتنهد بعمق وهو عاجز عن إزالة الصورة من خياله ويهتف بسكون: ويواجرك ويجزاك خير.. زايد بنبرة أقرب للحذر: زين ترانا بنرجع للمستشفى.. الدكتور يقول تبي لك يومين بعد عندهم.. كساب هز كتفيه بعدم اهتمام: مثل ماتبي.. ماتفرق عندي!! ليست المرة الأولى التي يشهد فيها الموت بعينيه.. أو يموت أحدهم أمامه.. بل شهد ماهو أبشع من الموت وأقسى في مهماته التي جاوزت التدريب في أحيان كثيرة.. ولكن في تلك الظروف كنت تتهيأ للموت ورؤيته وأنت تعلم أنك مقدم عليه.. لكن أن تذهب روح شابة.. لأخ قريب.. وفي ظرف كان من المفترض أن يكون آمنا... وبين يديك... هذا ما أثقله بالأسى والحزن لأبعد حد.. مشاعر غائرة حادة يكتمها في أبعد مكان في روحه... روحه مثقلة بالأسى فعلا.. وجسده مثقل بالآلام .. ولا يريد أن يعود للبيت هكذا.. وهو يشعر بهذا الضعف الجسدي والروحي.. لا يريدها أن تراه هكذا.. تتمنن عليه بتقديم تعاطف لا يريده منها.. وتبخل بمشاركة روحية هي مايريده منها..!! فهو منذ موقفه القديم معها حين سألها بشكل صريح ومباشر أن تقدم له المساندة التي يحتاجها ورفضت.. وهو عاهد نفسه ألا يضع نفسه في هكذا موقف أمامه.. فرفضها.. جرحه لأبعد مدى.. وهو يعترف أن قلبه أسود.. وأنه لا ينسى.. لا ينسى !! ************************************ تجلسان مع بعضها منذ حوالي عشر دقائق.. وللتو تصل القهوة والشاي والفوالة التي أمرت عفرا الخادمات بإعدادها وإحضارها.. وهاهي تتولى صب القهوة والقيام بالضيافة كربة البيت كأفضل مايكون.. مزنة همست بلباقة: ام زايد ماكان كلفتي على نفسش.. أنا راعية محل.. عفراء بلباقة مشابهة: مافيه شك أنتي راعية محل.. بس حتى أنا مابعد ماتقهويت.. وأبي أتقهوى أنا وإياش.. مزنة بثقة راقية: أنا فديتش ما أقدر أبطي.. لأنه ما شفت إبي إلا بسرعة وطلعنا أنا ومزون لكساب.. كان مزون تبي تقعد.. خليتها تقعد براحتها.. ورجعت عليها العصر لأنها عندها بروفة لفستانها!! عفراء شعرت بغيظ عفوي.. أنها أصبحت تعرف عن مزون مالا تعرفه هي!! مزون هذه.. ابنة وسمية وابنتها هي !! عفراء تحاول جاهدة تحكيم عقلها ومنطقيتها.. فربما لو كانت شخصية مزنة غير ذلك.. لربما تفجر غيظ عفراء منها.. بل وربما كراهيتها لها.. ولكن مزنة سيدة غاية في الاحترام.. وتجبر من أمامها على احترامها.. لأن تصرفاتها واثقة ومدروسة.. ربما لو رأتها يوما تعبر عن قربها من زايد لتفجر غضبها أيضا من أجل أختها.. ولكن مزنة نادرا ما تتكلم عن زايد.. وإن تكلمت عنه.. تكلمت عنه برسمية وهي تسميه ( أبو كساب).. ربما كانت مزنة مازالت لم تمنح لعفرا عذرا حتى تكرهها بالفعل.. أو حتى تعاملها بحدة.. فعفراء سيدة متزنة وكذلك مزنة مثلها.. ولكن في أحيان كثيرة الإتزان ينتظر شرارة ما ليهتز!! فعفراء رغم محبتها الكبيرة لأختها.. ولكنها رغما عنها حين تجري مقارنة بينها بين مزنة.. تجد أن المقارنة ليست في صالح أختها مطلقا.. وهذا الأمر يزيد في حزنها وتأثرها!! كان الحوار يدور برسمية مختلطة بالتلقائية بين الاثنتين رغم وجود شيء غير مريح في الجو.. قبل أن تقفز جميلة وهي تلصق خدها بخد مزنة من الخلف وتهمس بمرح: هلا خالتو.. وش ذا الصباح الحلو الي تصبحنا بوجهش..؟؟ مزنة تشدها لتجلس جوارها وهي تقبلها وتهمس بمودة صافية: الصباح الحلو أنا أشهد إنه شوفة وجهش.. ياحظ اللي بيتصبح بوجهش عقب كم يوم!! رغم إحساس جميلة الحقيقي بالخجل إلا أنها ابتسمت وهي تشد شعرها القصير الذي عدلت قصته في لبنان ولكن مازال طوله لا يتجاوز منتصف عنقها.. وهمست برقة باسمة: يمه تلقينه بدوي.. ميت على جدايل جدتي.. ويوم يشوف شعري يقول وش فيه؟؟.. ماضغته الغنم؟؟ ابتسمت مزنة وهي تمسح على شعر جميلة الحريري الذي زادته القصة المدرجة كثافة وجمالا: على إني ما أحب الشعر القصير.. ولا عمري سمحت لبناتي يقصون شعورهم أقل من نص الظهر.. بس والله العظيم وبدون مجاملة إني عمري ماشفت أحلى من ذا القصة عليش.. ثم ابتسمت أكثر لتشجع جميلة التي تعلم أنها متأثرة من قِصر شعرها الذي تم قصه في المصحة لينمو من جديد: لولا إنهم بيقول إني استخفيت وإلا كان قصيته مثلش.. من حلات القصة عليش!! مزون كانت من ابتسمت وهي تجلس جوار خالتها وتوجه الحوار لمزنة: لا خالتي طالبتش.. تبين إبي ينجلط تقصين ذا الشعر كله.. بروحه مبين إنه خاق عليه!! مزنة شعرت بخجل رقيق لم يظهر في صرامتها.. بينما عفرا شعرت بضيق متزايد لم يظهر في لباقتها... بينما جميلة وجهت لمزون نظرة عتب حادة معناها (وش هببتي؟؟) ومزون تنظر لها نظرة دهشة معناها ( ليه وش سويت؟؟) بعد استمرار الحوار لدقائق وانتهاء مزنة من تناول قهوتها.. همست لمزون بمودة: مزون يأمش بتروحين معي..؟؟ مزون برقة: أبي أقعد شوي.. مالحقت أشوف أغراض جميلة اللي شرتها من لبنان.. مزنة وقفت وهي بأمومة: براحتش متى مايغيتي تجين دقي علي أجيبش.. ولو بغيتي تقعدين للعصر.. مريتش عقب الصلاة عشان نروح تقيسين بروفتش!! لولا أن عفراء قاطعتهم بصرامة: أنا بأوديها.. لأنه حتى جميلة عندها كم شغلة أبي أوديها لها.. رغم أن مزنة لم ترتح لمقاطعة عفرا التي بدت أكثر حدة من المفترض ولكنها همست بلباقة: براحتش يأم زايد.. أنا وأنتي واحد.. والحين اسمحوا لي.. لازم أروح لأبي.. بعد أن غادرت.. همست عفراء بضيق وهي تحمل ابنها عن مقعده: بأروح أبدل لزايد وأجيكم.. عفراء بالفعل تضايقت من نفسها لأنها لم تستطع السيطرة على نفسها.. رغم أن مزنة لم يبدر منها مطلقا مايدعو لهذا الرد الحاد.. حين غادرت عفراء.. همست مزون لجميلة باستغراب: خالتي وش فيها..؟؟ وأنتي ليه كنتي تخزينني كذا؟؟ جميلة هزت كتفيها: لأنش وحدة غبية.. إذا إنش مالاحظتي لين الحين إن أمي ماتهضم مرت أبيش؟؟ وإنش يوم تتغزلين فيها نيابة عن أبيش.. خليتي أمي تعصب وزدتي الطين بلة!! مزون باستغراب: زين ليش ذا كله؟؟.. خالتي مزنة مرة ذوق.. وما أظني إنها ضايقت خالتي يوم!! جميلة تنهدت: هي ماضايقتها.. بس أمي متأثرة عشان خالتي وسمية.. مزون بذات الاستغراب: وهذا أنا ابنتها.. ليه يعني خذت الأمور ببساطة..؟؟ جميلة بمنطقية: أنتي ماعرفتي خالتي وسمية.. ماتت وأنتي بزر.. بس خالتي بالنسبة لأمي كانت أمها وأختها وكل أهلها.. أمي ماظنتي إنها حبت حد في الدنيا كثر خالتي وسمية.. ولا حتى أنا وزايد الصغير.. عطيها بس شوي وقت لين تتعود على الفكرة!! هزت مزون كتفيها وهمست بإبتسامة: بصراحة كلام ماخوذ خيره.. لأن خالتي عفرا أعقل من كذا بواجد.. وماظنتني إنه طرا عليها خرابيطش ياحرم النقيب وقومي وريني أغراضش.. يمكن يعجبني شيء وأسرقه فوق شنطتي.. وأطلع مشفوحة وأنا كنت أنفي التهمة عن نفسي!! ************************************* " عبدالله أنت ما تشوف أخيك ذا وش فيه منقلب حاله؟؟ معصب على طول.. والذبانة ماتمر قدام خشمه قد له كم يوم" عبدالله همس ببساطة وهو يميل على صالح وينظر لفهد الذي كان يجلس بعيدا يشاهد الأخبار: عادي حالة طبيعية.. أي واحد قبل عرسه يتوتر شوي.. أنت يعني ماتذكر روحك قبل عرسك.. أشلون كنت معصب على طول!! صالح يبتسم: بس يا أخي أنا غير وفهد غير.. أنا كنت أصغر منه الحين.. وخلني أعترف إن شخصية فهد أقوى من شخصيتي.. يعني مهوب لابق عليه التوتر.. لم يعرفا الاثنان أنه لم يكن يعاني التوتر.. بل كان يعاني نوعا خاصا من الغضب يتصاعد في روحه.. وهو يشعر كما لو كان مجبرا على الزواج حرفيا... وهو من لا يستطيع أحد إجباره.. تبدو القضية معقدة تماما.. فهو لم يجبره أحد خارجيا.. ولكنه كان مجبرا فعلا داخليا.. مازال يتمنى بعمق في داخله أن يحدث شيء يعرقل الزواج.. رغم أنه لم يعد أمام الزواج شيء.. واصبح كل شيء معدا له تماما.. **************************************** " صار لي ساعة في المجلس أنتظرش مقابلني فهد معصب.. وعبدالله لاهي يسولف على عيالي وولده لوعوا كبدي!!" نجلا تركب وهي تشد نفسها بإرهاق حتى استوت على المقعد.. ثم أخذت نفسا عميقا وهي تهتف بنفس مقطوع: حلفت علي عالية أروح.. وإلا كان قعدت لين عقب صلاة العشاء.. صالح يبتسم بحنان: أنتي من جدش؟؟ أنتي عاد فيش حيل تشتغلين؟؟ نجلاء تحاول أن تبتسم ونفسها مقطوع: لا تحسسني كني منتهية الصلاحية.. خلاص هانت هذا العرس عقب كم يوم.. صالح بإبتسامة: وعقبه بتقولين لي عرس غانم!! نجلا حينها ابتسمت بشفافية: لا عاد تجهيز غانم غير.. الله يستر بس لا أولد قبل العرس.. العرس باقي عليه أقل من شهر.. وبأكون دخلت الشهر التاسع!! ************************************* " وأنتو ماعندكم غير مرتي تشغلونها.. والله لا يصير فيها وإلا في ولدي شيء إني لأغرمكم أنتي وفهد ومرته بعد !!" عالية تضحك وهي ترتب بعض الأغراض في الخزائن.. بينما عبدالله شد جوزا وأجلسها وجلس جوارها.. وهو يطل عليهما في جناح فهد الذي يتم العمل فيه على قدم وساق ويقارب الانتهاء.. بعد أن انضمت غرفة هزاع لغرفة فهد.. بعد أن كان الشابان لهما جناح مستقل بباب مغلق عليهما مكون من ثلاث غرف.. غرفتي نوم.. وغرفة جلوس... تم تجديد غرفة فهد وغرفة الجلوس بصبغ جديد.. وأثاث جديد تولته عالية بمساعدة زوجتي شقيقيها... لأن فهد رفض أن يذهب معها بحجة أنه مشغول وأعطاها بطاقته المصرفية!! وهزاع نزل للطابق السفلي في غرفة يفتح بابها على الباحة مباشرة.. وأنزل غرفته معه.. وبقيت غرفته القديمة خالية من الفرش بعد أن تم تجديد صبغها.. حتى يتصرف فيها العريسان كيف يشاءان فيما بعد!! عالية تجيب عبدالله وهي تضحك: والله مهوب ذنبي إن كل واحد منكم يا أخواني مرته وارمة كذا.. أنا أساسا المفروض مالي شغل فيكم.. إسألوني عن عبدالرحمن وهله.. المفروض نسوانكم هم اللي يشتغلون لأخيكم!! أنا وش دخلي!! عبدالله يبتسم: لا ياقلب أخيش.. خلو أم حسون على جنب.. لا تتعبونها.. عالية بمرح: خذ أم حسن وسكر عليها في حجرتكم.. والله دامها مرتزة قدامي.. بأشغلها.. لا ومن زين النفعة اللي هي تنفعها.. أصلا أنا قاعدة أدحرجها.. جوزا بمرح: كذا ياعلوي.. أنتي مافيش طيب.. صار لي كم يوم أنطط معش في محلات الأثاث والصبغ والسيراميك.. واليوم من صبح وأنا معش وعادش بعد تسبين.. عالية بذات المرح: لا حد يبكي علينا.. هذي نجول مثلش تشتغل وهي متورمة أكثر منش.. وتوها راحت لبيتها.. عبدالله يشد جوزا وهو يهتف بمرح: والله ماتقعدين معها.. خلها بروحها.. أنتي ما أرتحتي من صبح والحين صرنا عقب المغرب.. خلي أم لسان ترتاح وإلا تشتغل بروحها.. عالية بمرح أكثر: الحمدلله فكة من الثنتين.. أنا أصلا ماني بدارية أحاتي الكروش وإلا أرتب... عبدالله شد جوزا فعلا خارجا وهو يهتف بمرح: خلاص اقعدي بروحش.. ثم مال على عالية بحنان: علوي ياقلبي أنتي تعبتي واجد.. البسي عباتش. خليني أوديش لبيتش.. مافيه داعي تعنين عبدالرحمن يجي مع السواق!! عالية بمودة صافية: لا فديتك.. أنا أصلا قايلة لعبدالرحمن إني بأمسي الليلة هنا عشان أخلص شغلي كله.. خلاص العرس ماعاد باقي عليه إلا ثلاث أيام.. أبي أخلص أتفرغ لنفسي.. عبدالله غادر فعلا مع جوزا التي كانت رافضة للمغادرة ولكن عالية حلفت عليها أن تغادر.. وهي تقول لها إنه لم يبق إلا شيء قليل ستنادي الخادمات لينهينه معها.. فور مغادرتهما.. سارعت عالية لإغلاق باب الجناح.. عادت للداخل.. ثم انفجرت في البكاء بشكل مفاجئ.. كما لو كانت تكتم طوفانا من الدموع والشهقات ينتظر الانهمار.. بكاء رقيق من روح مثقلة بالأسى فعلا.. فهي منذ الصباح تتحين لها فرصة للاختلاء بنفسها لتبكي.. ولكن وجود نجلا وجوزا منعها.. كانت تتحاول أن تتلهى بإغراق نفسها في العمل عن التفكير بما حدث هذا الصباح.. ولم يكن ماحدث هذا الصباح شيئا عارضا.. بل كان نتيجة متفجرة لتأزم الوضع بينها وبين عبدالرحمن طيلة الأيام الماضية!! . . . هذا الصباح... " حبيبي أبي أروح لبيت هلي؟؟" عبدالرحمن بهدوء ودود: تو الناس.. الساعة الحين سبع الصبح.. عالية بحماس عذب: لا فديتك مهوب تو الناس.. اليوم بتجي الستاير وفرش الغرف.. وعفرا في الليل قالت تبي ترسل بعض شناط بنتها.. يا الله ألحق أرتب.. حتى يمكن أحتاج أمسي هناك الليلة.. ما أدري!! عبدالرحمن بصدمة: تمسين بعد؟؟ عالية بعذوبة: أقول يمكن.. لو ماخلصت شغلي!! عبدالرحمن هز كتفيه بضيق: مافرقت .. انتي كل يوم طالعة من شغلش على تجهيز أخيش.. ويا الله ترجعين آخر الليل.. عالية احتضنت رأسه بحنان باسم: حرام عليك لا تبالغ كذا.. وبعدين هانت.. ماعقب فهد إلا هزيع وبيبطي.. كان قلت لك نايف بعد.. بس نايف بيته جاهز.. عبدالرحمن بذات الضيق: براحتش.. أمسي هناك.. أحسن بعد.. يا الله عشان نخلص من التدريب الليلي اللي ماترجعين إلا عشانه!! عالية همست بصدمة حقيقية: عبدالرحمن أنا ما أرجع إلا عشان التدريب..؟؟ عبدالرحمن بثقة جارحة ومجروحة: ولولاه يمكن مارجعتي!! عالية تراجعت بصدمة حقيقية من هذا التخريف الذي يقوله.. لا تعلم كم بات هذا الموضوع جارحا له ولمشاعره..!! فهي تغيب طوال اليوم.. وحين تعود في وقت متأخر.. تصر على قيامه بالتدريبات.. يصرح لها بشفافيته كم هو مشتاق لها للجلوس معها.. لسماع حديثها.. لقربها.. ولكنها تصر عليه أن يتدرب أولا وقبل أي شيء!! يشعر أنه يريد أن يمشي بالفعل من أجلها..ولكن هو ليس بحاجة للمشي كما هو بحاجة لها.. وهي تضغط عليه كثيرا.. وكأنها لا تريده إلا إن كان سيمشي.. بات يجرحه بشراسة ووحشية إحساسه أنها قد تتركه حين تمل من عجزه عن المشي.. وهو لا يعلم كم تشعر بالذنب لأنها باتت تهمله رغما عنها هذه الأيام .. وهي بالفعل في حاجة أكبر للإحساس بقربه والاستمتاع بحديثه.. لكنها ترى أن استمراره في التدريبات هو أولوية يجب تقديمها على هذه الرغبات.. كل منهما بالفعل مجروح من الآخر ومن تفكيره.. أما ما فجر رغبة عالية في البكاء فعلا أن عبدالرحمن حين أوصلها صباحا.. ماكادت تصل للبيت حتى وصلتها رسالة منها: " يمكن يكون أحسن لكل واحد منا إنش تقعدين في بيت هلش لين موعد عرس فهد!!" عالية تمنت بالفعل حينها أن تنفجر في البكاء.. ولكنها لم تستطع وهي تجد والدها في وجهها.. الذي استقبلها بترحيبه الحاني الفخم!! والكبت يتعاظم في نفسها وهي لا تجد دقيقة لتختلي بنفسها وحزنها.. وتعمل بلا توقف منذ الصباح.. جرحها بشدة أنه لم يقل ذلك لها مباشرة.. لأنه لو قالها لها مباشرة لرفضت.. ولكنه ألقاها عليها في محض رسالة باردة قاسية.. بينما هو عجز فعلا أن يقول لها بشكل مباشر شيئا هو فعلا لا يرغب فيه.. ولكنه يرى نفسه مضطرا له لأنه يراها ممزقة بين تجهيزها لشقيقها وبينه.. وربما كانت تحتاج للراحة منه ومن مسؤولياته.. وربما حينها تستطيع أن تعود له بروح متفهمة أكثر لمشاعره وحاجاته بعد أن يخف الضغط عليها.. **************************************** " الله يهداك.. اليوم كله ما تريحت" كانت عفراء تهمس بذلك وهي تتناول غترة منصور منه. وهو يجلس وهو مرهق بالفعل ويهتف بإرهاق: عادي حبيبتي.. أصلا ماعندي دوام لين عقب عرس جميلة.. ابتسمت عفرا وهي تجلس جواره: الله لا يخلي جميلة منك.. ماخليت شيء ماجبته لها.. اليوم أرسلت بعض شناطها لبيت فهد.. وبكرة الصبح بأطلع جلابياتها وعبيها.. وبأخذ باقي شناطها وبأروح أرتبها في الليل.. منصور هتف باهتمام حان: لو علي ودي إني شريت لها أكثر من كذا.. بس هي اللي عيت.. قولي لي عساها مبسوطة؟؟ لأنها تقول لي دايم مبسوطة.. وأنا حاس إنها داسة علي شيء.. عفراء برقة: مبسوطة الحمدلله.. كانت عفراء هي من تخفي شيئا الآن.. فهي غير مرتاحة مطلقا لنفسية جميلة التي تبدو مرهقة ومتوترة.. قلقها يتعاظم من أجل ابنتها.. وشوقها لها لا يهدأ منذ الآن!! توتر متبادل تعانيه مع ابنتها.. وكل منهما تخفي توترها عن الأخرى حتى لا توترها أكثر!! **************************************** " خالي نايف صار له فترة يبي يأتي معي.. بس مالقى وقت إلا الحين.. فسامحونا على ذا الزيارة المتأخرة" زايد بترحيب وأريحية: يا حياكم الله أي وقت.. منتو بغرب عشان تعذرون.. نايف بلباقة: بس الساعة قد هي قريب الساعة 11 وخفنا إنكم تبون تريحون عقب الزيارات طول اليوم.. كساب الذي كان يجلس معهم في غرفة الجلوس والمحلول معلق في ذراعه السليمة هتف بإبتسامة: أفا عليك ياعديلي.. أنت تجي أي وقت!! شعر نايف حينها بالامتغاث وهو يتذكر مايتناساه ومامنعه من زيارة كساب.. كونه عديله.. وخشيته من مواجهة تميم بعد الموقف السخيف الذي وضعته فيه زوجته المبجلة..!!! لذلك تقصد أن يأتي متأخرا حتى يضمن أنه لن يقابل تميم.. ولكن دائما مانهرب منه نجده أمامنا... فمع استعداد فهد ونايف للخروج وهما يسلمان على كساب ووالده.. كان تميم يدخل.. نايف كره جدا شعوره بالاضطراب الذي داخل روحه رغما عنه.. تزايدات ضبابية مشاعره وتعقيدها ناحية من جعلته يشعر بالامتهان هكذا.. رغم أنه سلم على تميم بطبيعية كاملة وكأنه لم يحدث شيء.. ولكن ما أثار استغرابه وراحته في آن.. أن تميما كان أكثر من عفوي.. وهو يتصرف معه بعفوية تامة.. دون نظرات قارصة.. ولكن مع ذلك سارع في الاستئذان والخروج بما أنه كان خارجا أساسا.. بعد خروجهما أشار تميم أن كاسرة في الانتظار خارجا سيناديها ويذهب لأنه لابد أن يعود لبيته فالبنات هناك لوحدهن.. مشاعر كساب الغامضة العميقة عادت لاخترام روحه.. مع سماعه لاسمها.. لا ينكر أنه منذ الصباح يشعر برغبة موجعة لرؤيتها.. ولكنه في ذات الوقت يشعر بعتب موجع في روحه عليها.. لأنها مطلقا لم تتصل به.. ألا يكفي أنها لم تفكر في زيارته إلا مرة واحدة.. وعلى عجالة.. وهو نائم أيضا؟!! "لماذا جاءت الآن؟؟ بل وتريد أن تنام عندي أيضا!! لم أعهدها تتصرف تصرفا لا تريده من قبل!! ماذا لديكِ ياكاسرة؟؟ أ تريدين أن تمثلي أمام عمك العزيز دور الزوجة المحبة المتفانية؟؟" تميم غادر لتدخل هي بعد دقائق.. بدت لكساب الدقائق الثلاث التي تلت مغادرة تميم حتى دخولها طويلة طويلة جدا.. وكأنها لا تريد الانقضاء.. بثوانيها الثقيلة وهو يجلس بكامل ثقته رغم إرهاقه الشديد.. زايد تلقاها أولا وهي ترفع نقابها لتقبل رأسه.. لم يقل زايد شيئا عدا الترحيب المعتاد وهو يتجاوزها ويخرج.. لم ينتبه أحد منهما لخروجه أساسا.. فهناك خيط غريب عميق من النظرات اتصل.. كان جالسا على أريكة في غرفة الجلوس وهي واقفة.. اقتربت لتميل عليه وهي تلصق خدها بخده.. في سلام أرادته أن يكون عفويا سريعا.. فهي لابد أن تسلم عليه كما هو مفترض!! ولكن هذا السلام كان أبعد ما يكون عن العفوية لكليهما.. هو كان يتنفس بوجع واشتياق غريبين عبق رائحتها الخاص.. وهي تعجز عن الابتعاد وتشعر أنها مجهدة عاجزة عن التحرك وأنفاسها تتصاعد بتوتر.. وهي تشعر بحفيف لصقات وجهه الطبية يخدش حرير خدها باللمس.. ويخدش ثقل روحها بالألم.. لم تكن تريد أن تبتعد وسحر غير مفهوم يشدها نحوه.. ولكنها ختاما شدت نفسها بقسوة بعيدا عنه وهي تحاول التقاط أنفاسها المحتبسة.. ولكنه لم يتركها تبتعد.. وهو يشدها برفق ليجلسها جواره.. كان عاجزا عن تخيل فكرة بعدها مع شوقه الذي ماعاد بالاحتمال.. نظر لها مطولا.. وكأن عينيه لا تشبعان نظرا.. قبل أن يهتف بعمق: شكلش تعبانة.. وش فيش؟؟ (هذا غبي وإلا يتغابى؟؟ يسألني ليش تعبانة!!) همست بهدوء: مافيني شيء.. سألها بهدوء مشابه: رحتى الدوام اليوم..؟؟ تنهدت (لا شكله يتغابى من قلب!! متى أروح الدوام وأنا عندك من البارحة ومارحت إلا اليوم الصبح؟؟) تنهدت بذات الهدوء: لا مارحت .. عندي إجازة.. حل السكون لثوان..ليقطعه أنامله ترتفع برفق إلى وجهها كان يتحسس إرهاق وجهها البادي.. مدت يدها بجزع لتنزل يده.. خشيت أن يؤلم نفسه فيده هذه معلق فيها المحلول.. عدا عن جروح متفرقة في مفاصلها.. أنزلت يده برفق إلى حضنها وهي تمسك بها بين كفيها برفق شديد.. همست بألم لم تستطع إخفائه: عادك مستوجع؟؟ هتف ببساطة عميقة موجوعة: بسيطة.. والواحد يقدر يستحملها.. البلا من أوجاع مايفيد فيها الصبر!! كان الجو بينهما كثيفا محملا بمشاعر غاية في الكثافة والتعقيد.. وكأن كل منهما أمام الآخر صندوق أسرار استعصت عليه مغاليقه!! قطع هذا الجو بقوله بإرهاق: انا تعبان وودي أنسدح شوي.. تقوميني أصلي عقب ساعة..؟؟ همست بثقة حانية: إلا بأقومك قبل صلاة الصبح بساعة.. عشان تصلي قيامك.. ثم تصلي الصبح.. عشان تلحق ترتاح شوي وما أقومك مرتين!! توجها كلاهما لغرفته.. وهي تدفع حامل المحلول.. حتى جلس على سريره.. حينها أزالت نقابها عن رأسها ثم خلعت شيلتها وهي تلقيها على المقعد.. وهي تحرر شعرها من ربطته التي كانت تؤلمها لانها عقدتها باستعجال.. هتف كساب بنبرة حادة: كاسرة إلبسي شيلتش.. همست كاسرة بعفوية: كساب من اللي بيجي ذا الحزة.. خلاص.. كساب بحدة أقسى: كاسرة قلت لش البسي شيلتش.. تدرين باللي يضايقني.. تسوينه ليه؟؟ كاسرة شدت لها نفسا عميقا: حاضر إن شاء الله.. تناولت شيلتها وهي تضعها على ذراعها وتجمع شعرها لتعقده من جديد.. في تلك اللحظة تماما.. فُتح باب غرفته ليقف رجل في فرجته وهو يهمس بقلق: السموحة من ذا الجية المتاخرة.. بس كان عندي رحلة وتوني جاي من المطار.. الرجل تراجع للخارج بحدة وهو يرى المرأة الكاشفة عند كساب.. ويغلق الباب خلفه.. بينما كساب قفز عن سريره ليقف بغضب متفجر..متفجر.. متفجر لأبعد حد.. في الوقت الذي دخل زايد مستعجلا مع الباب الآخر.. لأنه رأى غانما من بعيد ورآه يتجه لغرفة كساب.. وكان زايد يظنهما مازالا في غرفة الجلوس... ليصل وصراخ كساب يتعالى مرعبا حادا قاسيا: عاجبش الحين؟؟ عاجبش؟؟ ارتحتي؟؟ يا الله اتصلي في تميم وفارقيني للبيت.. ما أبي أشوف وجهش.. كاسرة مازالت مصدومة من رؤية الرجل لها وإحساسها العارم بالذنب وهي تستغفر الله في ذاتها.. ليفاجئها كساب بهجومه.. وهو يشد نفسه بعنف من حامل المحلول.. لينـتـزعه من يده دون أن يشعر.. والدم يتدفق بغزارة عبر الوريد المفتوح.. كاسرة أصبح انتباهها كله مع الدم المتدفق وهي تمسك بكفه وتحاول إيقاف الدم وتهتف بغضب حقيقي: أنت صاحي وإلا مجنون؟؟ كساب ماعاد يرى أمامه من الغضب وهو يشد يده منها ويمسك العرق بنفسه وهو يضغط عليه بفوطة كانت جوار سريره: أنتي خليتي في رأسي عقل.. أقول لش فارقي للبيت.. فارقي.. قدام أكسر وجهش الحين.. زايد يتدخل بحزم جازع: أنتو استهدوا بالله. اذكروا الله.. وانت يا الخبل اقعد خلني أدعي حد يشوف المصيبة اللي سويتها في روحك.. كساب يصرخ بغضبه الأسود المتفجر: يبه خذها من قدامي الحين.. قدام أرمي عليها اليمين.. تراني مافي رأسي عقل ذا الحين.. كاسرة حينها تقدمت نحوه بثبات.. وهي تهمس بثقة حازمة صارمة متحكمة عكس غضبه المتفجر: ارمي علي اليمين.. خلصني وخلص روحك.. أنا ما أبيك وأنت ماتبيني.. وش جابرنا على ذا الحياة؟؟ خلك قد كلمتك.. يا الله طلقني.. هذا أنا قدامك!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والثمانون كساب ماعاد يرى أمامه من الغضب وهو يشد يده منها ويمسك العرق بنفسه وهو يضغط عليه بفوطة كانت جوار سريره: أنتي خليتي في رأسي عقل.. أقول لش فارقي للبيت.. فارقي.. قدام أكسر وجهش الحين.. زايد يتدخل بحزم جازع: أنتو استهدوا بالله. اذكروا الله.. وانت يا الخبل اقعد خلني أدعي حد يشوف المصيبة اللي سويتها في روحك.. كساب يصرخ بغضبه الأسود المتفجر: يبه خذها من قدامي الحين.. قدام أرمي عليها اليمين.. تراني مافي رأسي عقل ذا الحين.. كاسرة حينها تقدمت نحوه بثبات.. وهي تهمس بثقة حازمة صارمة متحكمة عكس غضبه المتفجر: ارمي علي اليمين.. خلصني وخلص روحك.. أنا ما أبيك وأنت ماتبيني.. وش جابرنا على ذا الحياة؟؟ خلك قد كلمتك.. يا الله طلقني.. هذا أنا قدامك!! قبل أن يبدر من كساب أي تصرف.. كان زايد هو أول من تكلم وهو يتدخل بقدرته الفائقة على السيطرة ويشد كل واحد منهما بقوة من عضده ويهتف بغضب شديد وحزم بالغ: أص ولا كلمة.. والله ثم والله ماحد منكم يفتح ثمه بكلمة.. أنا واقف بينكم مالي حشمة وتقدير.. ثم أفلت كساب الذي كان ينتفض من شدة احتكام غضبه ومع ذلك أسكته شيء أقوى منه.. لم يكن والده.. ولكنه شيء آخر!! آخر!! ثم شد زايد كاسرة من عضدها برفق وهو يهتف بحزم: يا الله يأبيش أنا بأوديش.. حينها كانت الممرضة تدخل بناء على الجرس الذي ضغطه زايد.. زايد أشار لها أن تتوجه لكساب.. وهي تنظر برعب ليده.. بينما زايد شد كاسرة لغرفة الجلوس وأغلق الباب بينه وبين كساب.. قبل أن يتكلم أحد منهما.. حـــيــنــهـــا... سمع كساب بوضوح تام.. صوت انفجارها في البكاء.. شهقاتها المكتومة التي علم أنها تسكبها الآن بين أضلاع والده وهي ترتمي في حضنه.. تلك القوة الهائلة التي كانت تتسربل بها أمامه قبل ثوان انهارت كلها.. كانت بالفعل تبكي بانهيار على صدر زايد الذي كان يهمس لها بحنو: بس يأبيش خلاص.. لا تشرهين على كساب.. تعبان ومتضايق من أشياء واجد.. كاسرة بين شهقاتها التي كانت تئن بينها فعلا: وأنا ما أنا بتعبانة..؟؟ أنا تعبت يبه تعبت.. والله العظيم تعبت ووصلت آخري.. حدني على أشياء عمري ماهقيت إني ممكن أقبلها على روحي.. زايد احتضنها بحنو أكبر وهو يهمس لها بحنو حازم: المرة اللي فاتت ماسويتي لي خاطر.. ذا المرة أقول عديها عشان خاطري أنا كن لي خاطر عندش.. عشاني يأبيش.. طالبش ما ترديني.. كان كساب يتمزق تماما وهو يقف قريبا من الباب الفاصل بين غرفتي الجناح.. ويرفض أن يستجيب لرجاءات الممرضة أن يجلس.. يتمزق من غيرته.. ومن غضبه..!! ويتمزق أكثر من أي شيء من صوت بكاءها!! يرهف السمع.. وكأنه يريد تعذيب نفسه بصوت أنينها الباكي.. لا يحتمل صوت بكاءها.. وما لايحتمله أكثر.. أنها تبكي على صدر سواه..!! يتخيل أنه كان قاب قوسين أو أدنى من قطع كل مابينهما.. يتخيل أنه كاد يفصل بين روحيهما بكلمة.. يتخيل أنه كاد يفسد حياته كلها بكلمة في لحظة غضب لولا تدخل والده!! ولكن تبقى هي السبب.. هي السبب في كل شيء!! أخبرها أكثر من مرة.. أن غيرته مُرة.. ومع ذلك تقصدت أن تجربها!! وهاهي تجربها في أقسى وأصعب موضع من كل النواحي!! ************************************ " مزنة انزلي تحت.. تعالي اخذي كاسرة.. عشان أبي أرجع لكساب للمستشفى" مزنة وقتها كانت تستعد للنوم فعلا.. شدت روبها على جسدها وهي تهتف باستعجال: نازلة الحين.. لم تسأل لماذا عادت كاسرة وهي كانت ستبات عند زوجها.. لأنها علمت أن هناك مصيبة ما.. حين وصلت للأسفل.. كان وجه كاسرة محمرا من أثر البكاء.. ومع ذلك هتفت بجمود صارم: عمي الله يهداك مافيني شيء عشان تروع أمي وتنزلها وهي كذا.. أنا بأطلع بروحي.. قالتها وهي تتجاوز والدتها وزايد لتصعد..كما لو كانت شبحا لا صوت لخطواته وهي تسحب نفسها سحبا للأعلى!!.. بينما مزنة مالت على زايد وهي تهمس بقلق عارم: زايد وش صاير بين كساب وكاسرة..؟؟ زايد أمسك بقماش الروب من ناحية عضدها بين سبابته وإبهامه وهو يهتف بحزم مقصود: شكلي أعصب عليش عشانش نازلة كذا.. عشان تعرفين وش سبب اللي صار بين كساب وكاسرة.. مزنة تراجعت بحرج.. لأنها انتبهت أنها نزلت بروب من الشيفون الخفيف دون أن تنتبه لشدة شفافية القماش.. ومع ذلك هتفت بثقة: البيت مافيه إلا بناتي.. حتى كساب بسلامته في المستشفى.. زايد تنهد بحزم: روحي لكاسرة.. وهديها.. وهي بتعلمش وش اللي صار.. بس طالبش يامزنة تعقلينها.. زايد غادر بينما مزنة توجهت لكاسرة.. وخلفها مزون التي شعرت بشيء غير طبيعي يحدث.. فخرجت من غرفتها.. لترى مزنة تتوجه لغرفة كساب فتوجهت خلفها بقلق أن يكون حدث لكساب أي شيء.. مزنة حين وصلت لكاسرة... كانت كاسرة تجلس على الأريكة قريبا من باب الجناح ومازالت بعباءتها.. مزنة جلست جوارها وهي تربت على كتفها وتهمس بأمومة حانية: شاللي صار يأمش...؟؟ كاسرة بجمود حقيقي وهي تنظر لشيء غير مرئي أمامها: كان يبي يضربني ويطلقني عشان نسيبه غانم آل ليث شافني بدون شيلة.. الطرف الثالث الذي سمع الحوار عن غير قصد... تراجع بحدة للخلف ثم هروبا إلى داخل غرفته.. بينما مزنة مازالت غير قادرة على استيعاب الموضوع كاملا.. ومع ذلك هتفت بتهدئة: يعني أنتي الغلطانة؟؟ وأنتي تعرفين وش كثر هو يغار عليش.. كاسرة بذات الجمود: أدري إني غلطانة.. بس هو كأنه ماصدق عشان يلقى له سبب يهيني.. أما على الغيرة. فيه فرق كبير يمه.. بين غيرة للحب.. وغيرة للتملك.. مزنة تنهدت: يأمش هو بعد حاله ماهو مستقر.. لازم تراعينه.. وتحسين فيه!! حينها صُدمت مزنة أن كاسرة انفجرت في بكاء مفاجئ غير مسبوق.. وهي تدفن وجهها بين كفيها وتشهق بعنف: وهو متى بيحس فيني ويراعيني؟؟ متى؟؟ تعبت يمه.. تعبت.. وهو مستحيل يحس فيني يوم.. مستحيل!! يمه وش ذا الحياة؟؟ والله العظيم تعبت.. لو ماكنت أحبه.. كان عادي عندي أتقبل كل شيء ولا يهمني.. بس على قد ما أحبه.. على قد ما يوجعني اللي يسويه فيني... ياربي تعبت.. تعبت!! تـــــعـــــبــــــت!!!! ************************************** مازال جالسا في سيارته أمام المستشفى.. عاجزا عن استيعاب ماحدث أمامه.. وما يؤلمه ويحرجه معرفته أنه تسبب بمشكلة كبيرة.. وهو يسمع صراخ كساب مع مغادرته للمكان كاملا.. ثم رؤيته لنزول زايد ومعه امرأة ومغادرتهما.. للحظات حين فتح الباب وقبل أن يلاحظ الوجوه.. شعر بدغدغة لذيذة ما أن تكون هذه التي أمامه هي مزون.. وأن الله أراد إهدائه هدية هذه الليلة برؤيتها!!.. وهو على كل حال كان سيتراجع في الحال ويغلق الباب.. لكنه ما أن لمح وجه المرأة حتى تراجع بجزع كبير.. لأنه عرف أنه يستحيل أن تكون مزون.. فهو يعلم أن مزون –كما قيل له- عادية الجمال.. وهو هيأ لنفسه لذلك وراضٍ به تماما.. لكن هذه رغم أنه لم يدقق في الملامح ولكن جمالها بدا له مرعبا ومخيفا..!! ثم حين سمع صراخ كساب الناري... علم أنها زوجة كساب.. تمنى أنه لم يحضر..!! ولو أن الأرض انشقت وابتلعته لشدة شعوره بالحرج!! يتخيل منظره لو قابل كساب المرة القادمة.. كيف سيتبادلان النظرات!! يحاول وضع نفسه مكان كساب.. ليتخيل موقف كساب وغضبه.. ويزيد على ذلك معرفته بحدة شخصية كساب.. لتصبح النتيجة أمامه كارثة!! والكارثة أنه من تسبب بالكارثة!!!! . . . مازالت ساهرة وتفكر... إذن ( غانم رأى كاسرة )... آذاها معرفتها لذلك بشكل شديد بالغ الشفافية والوجع.. تعلم يقينا أن غانما وفي مجال عمله رأى من الجميلات أشكالا وألوانا.. فهذا الأمر ليس غريبا عليه.. ولكن ما آذاها أنه رأى زوجة شقيقها.. فهل سيعقد مقارنة ما حتى لو كان لا يقصدها؟؟ أما الأذى الحقيقي.. فهو إحساسها بكساب.. الأقرب لروحها.. تتخيل أن زوجها كان سيكون سببا لطلاق كساب لزوجته!! ومازالت حتى الآن لا تتخيل كيف ستكون تداعيات الموضوع ونتائجه.. تعرف حدة شخصية كساب.. وتعرف عناد كاسرة.. وكلما تجددت المشكلة ومناقشتها سيكون التفكير بسبب المشكلة حاضرا.. وسبب المشكلة هو زوجها... فكيف ستصبح حساسية العلاقة بين غانم وكساب..؟؟ وهي أساسا كان سبب موافقتها على غانم هو رضى كساب في المقام الأول!! فغانم بذاته لم يكن له ذلك الاهتمام عندها!! فكيف ستصبح العلاقة بين شقيقها وزوجها مع كل هذه الحساسية؟؟ هم رقيق حاد يختلج جوانحها بلا هوادة..!! وحزن غريب بدا يغزو روحها كجيش ضخم لا يعرف الهزيمة!! ************************************* قلب ساهر آخر في هذه الليلة التي لا تريد الانتهاء.. " ماصدقت أقول لها نامي في بيت هلش.. حتى اتصال ما اتصلت فيني من صبح!! " " مهوب أنت اللي تبي كذا؟؟ الحين زعلان؟؟ صدق إنك غريب!!" " أنا أبي أعطيها فرصة ترتاح من الضغط.. بس مهوب لدرجة إنها حتى اتصال ما تتصل فيني لكن هي ماصدقت!! " مضى أكثر من شهر على زواجهما.. اعتاد عليها لأبعد حد رغم قصر المدة.. وكأنه كان حياته كلها ينتظرها..!! عاجز عن احتمال طول وثقل هذه الليلة التي لا تريد الانتهاء فعلا.. والآن كيف سيحتمل الثلاث أيام المتبقية على زواج فهد؟؟ تمنى لو يستطيع الاتصال بها فقط.. ولكن بدا له هذا الأمر معقدا وغير قابل للتنفيذ حتى مع شفافية شخصيته.. فما بات يظنه في عالية يجرح إنسانيته قبل رجولته.. أن يكون كل ما بينهما معتمدا على قدرته على المشي.. أ هو في نظرها محض ساقان تتحركان؟؟ أ كل العلاقة المتينة بينهما تختزل في محض ساقيه.. وكونه يمشي؟!! أين روحه؟؟ وقلبه؟؟ وعقله؟؟ وإذا أراد الله عز وجل له ألا يمشي.. فكيف ستكون حالهما؟؟ ماهو مصير علاقتهما؟؟ هل هي باتت تستكثر نفسها عليه.. وأنها أفضل منه لكونها تمشي؟؟ أم لأنه يحتاجها وهي لا تحتاجه ترى هذا دافعا لأن تقسو عليه هكذا؟؟ يا الله .. كل شيء يجرحه التفكير به!! كل شيء!! . . . هي أيضا.. ساهرة لم تنم.. " يا لقسوته.. أ لأني بدأت أعتاد أن أنام على ذراعه.. يريد أن يحرمني منه؟!!" مجروحة منه أكثر.. وهو يقذفها كشيء مهمل لا حاجة له به.. ولماذا يكون في حاجة لها ووالديه يعاملانه كملك.. ينتظران منه همسة ليتقافزان لخدمته أو يناديان الخدم لخدمته..؟؟ وهم طبعا لا يضايقانه كما تفعل وهي تصر عليه أن يتدرب!! طبعا هي في نظره الشريرة القاسية.. ولا يريدها..!! مشكلتها مع زوجها.. أنه ... مـــدلـــــل!! ويريد كل شيء أن يتم وفق مايريد.. ولا يحتمل مطلقا أن يجبره أحد على شيء.. أليس غريبا أن تقول عن رجل في الثانية والثلاثين أنه مدلل؟؟ ولكن هذه الحقيقة.. فعبدالرحمن يحتاج لهزة عنيفة توقظه.. ولكنها تخشى من هذه الهزة.. لأنها تؤمن أنها تحب عبدالرحمن أكثر مما يحبها بكثير.. تخشى إن ضغطت عليه أكثر أن يتخلى عنها!! تعلم أن مشكلته نفسية.. وناتجة أيضا عن دلاله.. فهو مازال عاجزا عن تقبل أن صديقه رحل.. وأنه تم انتزاعه منه.. رافض لهذه الفكرة.. ويكره أن يحيا بعده كما كان قبله.. تتمنى عالية لو تركته يعاني قليلا حتى يثوب لرشده.. لكنها تخشى أنها ليست بذات أهمية حتى يهتم لغيابها من عداه.. حتى هذه الليلة لولا كرامتها الثمينة وإلا كانت عادت بنفسها.. ولكنها لم ترد أن ترخص نفسها وهو من أرخصها هكذا.. ليتها تجد لها وسيلة فعالة تستطيع أن تستخدمها ضده ومن أجله.. ليت!!! تنهدت وألم في بطنها يُخرجها من أفكارها.. كان بطنها يُعتصر من الجوع.. فهي لم تأكل شيئا منذ البارحة حتى.. قررت أن تنزل لمطبخ التحضير في الطابق السفلي حتى تأكل لها شيئا.. " الله يسد نفس عدوك ياعبدالرحمن حتى الأكل سديت نفسي منه!! نسيت روحي بسبتك!! " *************************** ليلة مارثونية طويلة بالفعل.. مازالت لم تنم.. وتعلم أنها لن تنم حتى تصلي الصبح كما حدث البارحة.. فموعد زواجها يقترب.. وتوترها يتزايد.. لم يبق إلا ثلاثة أيام.. وهي لا تتخيل بعد كيف تكون حياتها مع هذا الرجل المجهول.. تعرف الكثير عن هذا الرجل.. وتجهله... هو.. ماتعرفه عنه أنه حاد في كل شيء.. حاد في وسامته كما هو حاد في شخصيته.. مختلف بالفعل عن خليفة الذي كان مهادنا في كل شيء.. من شكله إلى شخصيته!! لا تريد أن تعقد مقارنة ولكن المقارنة رغما عنها تحضر.. فهذا كان زوجها.. وذاك سيصبح زوجها.. وما يؤلمها من الإثنين أن أحدا منهما لم يتزوجها لذاتها.. فذاك تزوجها انتقاما لكرامة لم يمسها أحد.. وهذا سيتزوجها من أجل شخص آخر!! وهــــي... لا حساب لها عند أي منهما...!! تقف.. لتنظر لنفسها في المرأة.. تعلم أنها جميلة.. وتعلم أن أكبر ميزاتها هي نعومة مثقلة بأنوثة تذيب الصخر.. ولكن هل هذا يكفي لرجل كفهد.. لا تنقصه الوسامة ولا قوة الشخصية!! كيف سيكون تعامله معها وهي الآن بكامل صحتها وأنوثتها وجمالها؟؟ بعد أن كانت تحتمي بمرضها من قرب خليفة.. هل سيكون لطيفا وحانيا ومراعيا كخليفة؟؟ " يا الله ما أبي أقارن... ما أبي أقارن!! ما أبي أقارن!! " *************************************** " فهد جعلني فدا خشمك.. طف الليت خلني أرقد وإلا قم فارق لغرفتك.. يعني طاردني من غرفتي... وعقبه جاي بعد تبي ترقد عندي حرام عليك بأروح الكلية عقب صلاة الصبح.. خلني أرقد شوي" فهد عاجز كذلك عن النوم وهو يعبر الغرفة ذهابا وإيابا.. لم يستطع حتى الجلوس والاسترخاء.. ولا يريد أن يصعد لغرفته حتى.. وهو يعلم أن بعض أغراضها قد وصلت.. والبقية ستحضرها أمها في الغد.. روحه مثقلة بالغيظ والقهر وموعد زواجه يقترب من امرأة هو لا يتقبلها إطلاقا ولا يستطيع تصورها زوجة له.. هتف بحزم لهزاع المتمدد على السرير: انخمد.. حد ماسكك.. ولمعلوماتك.. ترا دوامي بعد عقب صلاة الصبح.. فلا تبكي علي.. مثلي مثلك.. هزاع يعتدل جالسا وهو يهمس باستغراب: أنت ماخذت إجازة لين الحين..؟؟ ريح لك يومين قبل عرسك.. هتف فهد بذات الحزم: ماحد طلب شورك.. هزاع بتافف: ماعاد ينتحاكى ذا المخلوق... 24 ساعة شاب نار.. الله يعين بنت خليفة على مابلاها!! فهد بغضب: تلايط.. ومرتي ماتجيب طاريها على ثمك.. هزاع يعود للتمدد وهو يشد الغطاء ويهتف بعدم اهتمام: عدال على ذا المرة.. صدق روحه.. ماني بمأكلها.. إشبع فيها.. المهم خلني أرقد الله يرحم والديك.. ترا بيت منصور مهوب بعيد يأخيك.. روح.. وعد طوف البيت.. لين يجي الصبح.. ولكن هزاع لم يتمدد حتى وهو يقفز واقفا بتحفز ويصرخ لفهد : سمعت الصوت؟؟ فهد كان أساسا سبقه لباب الغرفة وهو يهتف بحزم: شكله جاي من المطبخ الداخلي.. صوت صحون تكسرت.. الاثنان قفزا معا .. متجهان بسرعة للمطبخ.. وجزعهما يتفجر برعب وهما يريان عالية مغشيا عليها في المطبخ... وبجوارها زجاج مكسور.. هزاع انحنى عليها بسرعة ليحملها.. بينما فهد يصرخ فيه: انتبه عليها من القزاز!! هزاع حملها بخفة خارجا للصالة السفلية بينما فهد يتبعه بقنينة ماء.. هزاع أنزلها على ألاريكة.. وهو يهتف لها بجزع حقيقي: علوي.. علوي.. بسم الله عليش.. قومي وش فيش؟؟ فهد هتف فيه بحزم: وخر.. وخر.. ملأ كفه بالماء وهو يسمي بسم الله ورشه على وجهها.. شهقت بعنف بينما هزاع يهتف بغضب: الله يلعن أبليسك روعتها.. فهد لم يرد عليه وهو ينحني عليها ويدخل ذراعه تحت كتفيها ويرفعها ويهمس لها برفق: عالية سمي بسم الله.. وش فيش؟؟ عالية تحاول جمع شتات نفسها.. وتهمس بتقطع: ما أدري.. كنت أبي أسوي لي شيء آكله.. حسيت بدوخة.. يمكن عشاني ما كلت شيء من البارحة... فهد كان مازال يلبس ثوبه.. ألقى بمفتاح سيارته لهزاع.. وهو يهتف بحزم: روح إلبس ثوبك.. وشغل سيارتي.. وأنا باوديها لغرفتها نجيب عباتها وبنجيك.. ************************************ يعلم تماما أي تعذيب يمارسه والده ضده... فكلاهما يفهم الآخر تماما!! منذ عودة والده.. وهو صامت لم يوجه له كلمة واحدة.. كلاهما صليا وقرأ ورديهما.. ولهما وقت طويل وهما صامتان تماما كقبرين مهجورين.. جسده ممزق من الإرهاق والآلام.. ومع ذلك يستحيل أن ينام قبل أن يطمئن عليها!! صوت أنينها المكتوم الذي جاءه من خلف الباب لا يفارق أذنه وهو يصب كنار مسمومة في روحه.. وفي ذات الوقت نار محرقة تنتشر في كل جسده كلما تذكر رؤية غانم لها.. يشعر أنه يحترق.. يحترق من كل ناحية.. وحتى والده لا يرحمه!!! أما ما أصابه بالجنون فهو رؤية والده يتمدد على الأريكة وكأنه يستعد للنوم.. حينها لم يطق صبرا وهو يهتف بنبرة مقصودة: يبه.. بترقد؟؟ زايد بذات نبرته المقصودة: إيه.. أبي أريح شوي قبل صلاة الصبح.. كساب بذات النبرة المقصودة: زين أنا مافيني نوم.. اقعد خلنا نسولف.. زايد برفض مقصود: مالك لوا.. أنا بأرقد.. واللي ربي مشغله بشيء.. تلفونه جنبه ويعرف يدق رقم اللي مشغله ويسأله عن حاله بنفسه.. كساب أطلق تنهيدة متأففة واضحة.. وصلت لسمع زايد ولم يظهر اهتماما بها وهو يتمدد فعلا... رغم أنه بداخله مهموم فعلا.. فماحدث أمامه اليوم لم يرضيه.. وحال الإثنين لا يرضيه.. فليس غبيا ليلاحظ أن الاثنين يعانيان التعاسة رغم أن كلاهما يبدو مغرما بالآخر لأبعد حد.. فأين مشكلة الاثنين؟؟ أين مشكلتهما؟؟ . . . مازال لهيب دموعها يحرق ثنايا صدرها.. لم تسألها عن شيء مطلقا.. قررت أن تتركها الليلة تفرغ عن كل الكبت المتطاول الذي تعانيه في حضنها.. وهي تصر عليها أن تنام الليلة في حضنها... وبالفعل.. كأن كاسرة كانت تنتظر فقط دعوة كهذه.. فهي ما أن تمددت في حضن أمها حتى عادت للانفجار في بكاء موجوع مثقل بالشهقات والآنات المتألمة.. وهي تدفن وجهها في عمق صدرها.. مزنة تحتضنها بحنو وهي تمسح على شعرها ووجع عميق يتزايد في روحها.. " ماذا فعلت بابنتي يا كساب؟؟ ماذا فعلت بها؟؟ المهرة التي لم تعرف إلا الصهيل الشامخ.. من بعدك ماعادت تعرف إلا الدموع.. أي شرخ شرخته في عمق روحها التي لا تعرف التخاذل.. ماذا فعلت بابنتي حتى ترتعش وهي تنهمر يأسا ودموعا في حضني الآن؟؟ حتى هنا ويكفي ياكساب.. يكفي.. لن أسمح لك بالمزيد.. يكفي!! " ********************************** في حياتها كلها لم تتعرض لهكذا إحراج وصل إلى مرحلة الإذلال.. الآن شعرت بقيمة أن يكون لها أخوات رقيقات بعيدا عن هؤلاء الأجلاف المسمين أخوة.. وهم يثقلون عليها عيار المزح كما لو كانت رجلا مثلهم لا يشعر.. لماذا يُكتب عليها أن تكون فرحتها مبتورة دائما..؟؟ خبر مثل هذا رغم أنه لم يخطر لها على بال مطلقا.. لكنها تمنت أن تتلقاه في وقت آخر.. ويكون عبدالرحمن هو من معها.. وليس هذين القردين هزاع وفهد.. منذ تلقيهما للخبر وهما لم يسكتا عن الضحك.. فهما سعيدان ومستغربان في آن.. حتى ثقيل الظل فهد الذي مضى له أيام وهو متجهم لا يتكلم إلا بالقطارة.. هاهو ينهمر عليها بمزاحه الثقيل منذ خرجا من المستشفى عائدين للبيت: علوي أنتي متأكدة إن رجالش مشلول وإلا تلعبون علينا؟؟ عالية وجهها يتفجر احمرارا وهي تتمنى أن يحدث شيئا يجعلهما يسكتان.. وهي عاجزة عن الرد لانها لو نطقت بحرف فقد تنفجر باكية! تشعر أن كل المقالب التي ارتكبتها في حياتها... كلها عادت لها الليلة أضعافا مضاعفة!!! وهزاع يكملها عليها وهو يضحك: ماشاء الله على أبو نظارات توهم مكملين شهر من كم يوم.. ماعنده وقت أخينا!! ثم أردف كمن تذكر شيئا: على طاري أبو نظارات .. والله مايبشره حد غيري.. عالية حينها همست بجزع حقيقي وهي تنطق أخيرا: لا تكفى هزاع.. الخبر هذا أنا أبي أقوله له وفي الوقت المناسب.. ولكن حساسية تفكيرها لا يفهمها شاب كهزاع وهو يهتف بمرح: مالي شغل.. بلا وقت مناسب بلا بطيخ.. الحين الفجر بيأذن وأنا مارقدت.. خني على الأقل أطلع ببشارة.. عالية كادت تبكي من القهر فعلا.. وهي تراه يتجاهل كل رجاءاتها الحارة ويرفع هاتفه ويتصل.. حينها.. كان عبدالرحمن يغفو للتو وهو مازال جالسا.. رنين هاتفه أيقظه وهو يلتقطه بجزع.. حين رأى اسم هزاع.. تزايد جزعه...وهو يهتف بهذا الجزع: عالية فيها شيء ياهزاع؟؟ عالية الجالسة في الخلف.. بدأت دموعها تسيل فعلا وهي تسمع صوت عبدالرحمن الجزع عبر الصوت الذي فتحه هزاع على (السبيكر).. "بالفعل كم هذان المجنونان خاليان من الشعور!!".. وهزاع يهتف بمرح: لا والله حساس وحاستك السادسة شغالة.. تزايدت نبرة عبدالرحمن جزعا حقيقيا: وش فيها عالية؟؟ وش فيها؟؟ فهد كان يكتم صوت ضحكاته.. وعالية تكتم شهقاتها.. بينما هزاع يكمل بذات المرح: فيها إنها بتجيب لك دكتور صغير بنظاراته.. وأنا أبي البشارة منك ومن أبو عبدالرحمن بعد..مالي شغل!! عبدالرحمن حينها همس بتبلد فهو لم يفهم شيئا: نعم؟؟ وش تقول؟؟ حينها تكلم فهد بصوت عال ليصل صوته عبر السبيكر مرحا ضاخبا: وش بعد؟؟ تبي تعمل العملة وتبرأ من ولد أختي.. مهوب أشلى لك؟؟ ترا أنا وأخواني بنجيك وندبغك لين تحب القاع.. عالية تزايدت شهاقاتها المكتومة... كيف يجعلان خبرا خاصا بها هي وزوجها مثار مزح ولهو لهما بهذه الطريقة الخالية من الإحساس..؟؟ رغم أنهما كان يعبران عن سعادتهما بأختهما الوحيدة بطريقة بعفوية... وربما لو كانت عالية على وفاق مع عبدالرحمن لم تكن لتتحسس من مزحهما لهذه الدرجة.. عبدالرحمن مازال صوته متبلدا مذهولا: أنا بجي الحين أجيب عالية.. كان لشدة إحساسه بالسعادة المفاجئة التي شعر بها كجبل هائل هبط على روحه فجأة.. يخشى أن يكون هذا مقلبا من هزاع وفهد.. ولن يحتمل فعلا هذا!! لن يحتمل.. أراد أن ينحي كل مشاعره حتى يراها هي.. يسمع الخبر منها.. ومن ثم يتشارك الفرحة معها كما يفترض ويجب.. يا الله.. أ حقا هذه الفرحة كلها.. هو سيصبح أبا؟؟ أحقا؟؟ هل يمن الله عليه بمهاب صغير يعود ليضمه إلى صدره.. يريح وجع روحه المثقلة بالفقد!! يا الله.. ما أعظم هذه الفرحة!! ما أعظمها!! فهد أجابه بحزم: وش تجي ذا الحزة؟؟ حن أساسا في الطريق راجعين من المستشفى.. حن بنوصلها عندك.. حينها انفجرت عالية بالبكاء تماما.. وصوتها يصل عبدالرحمن قبل أن يغلق هزاع (السبيكر)... تعالت شهقاتها ونحيبها: ما أبي أروح هناك.. أبي أمي.. ودوني لأمي.. ما أبي أروح لعبدالرحمن.. ألم متزايد في روحها من كل شيء.. من إحراج شقيقيها لها.. ومن ثم إفسادهما لفرحتها.. ومن عبدالرحمن الذي كان لا يريدها.. !! والآن... وفجأة.. !! لم يصبر حتى للصباح وهو يريد الحضور فورا بعد أن كان يريد تركها حتى موعد زواج فهد.. الآن يريدها؟؟!! الآن؟؟ أم يريد ابنه فقط؟!! وهي لا قيمة لها !! لا قيمة لها أبدا!! بل هو حتى لم يعبر عن أي فرحة بخبر حملها..!! يا الله كم هي مجروحة !! مجروحة بالفعل!! *********************************** " حرام عليش يأمش صبيتي قلبي.. صحيت أدور زايد مالقيته.." جميلة ترفع رأسها وهي تجلس الأرض وتضع زايد جوارها بداخل لعبته المكونة من فراش معلق فوقه ألعاب.. وتبتسم: أدري إن عمي منصور طلع بدري وإنش ما نمتي إلا عقب ماراح.. عشان كذا دخلت وخذت زايد.. قلت أنتي ترتاحين وأنا أتسلى أنا وإياه... جلست عفراء خلفها على المقعد وهي تميل عليها من الخلف وتلصق خدها بخدها وتهمس بحنان: وأنتي وش مقومش بدري زين..؟؟ جميلة بعفوية: نمت ساعتين عقب الصلاة.. وقمت شبعانة رقاد.. عفراء باهتمام لا يخلو من تأثر وهي تتذكر أن ابنتها ستذهب وهي مازالت لم تشبع منها حتى: زين رتبتي أغراضش كلها؟؟ عشان أبي أروح أرتبها اليوم مع أغراضش اللي أرسلتها أمس.. جميلة باختناق لا تعرف سببا: خلصت.. عفراء وقفت وهي تحاول إخفاء اختناق صوتها خلف حنانه: زين قومي البسي.. وأنا بألبس وألبس زايد عشان أوديه لمزون.. عشان نروح موعدش عند الصالون.. والعصر بأودي أغراضش.. وفي الليل بتجيش الحناية!! جميلة هزت كتفيها بيأس: إن شاء الله يمه.. خير!! ******************************************** " يأبيك والله ذا العجلة مالها داعي!! كان قعدت شوي في المستشفى" كساب يجلس بإرهاق على مقاعد الصالة السفلية.. فور دخوله من الباب ويهتف بحزم بدا إرهاقه واضحا فيه: يبه خلاص.. الأنتي بايوتيك اللي في الوريد ..وخلصته.. وهذا أنا خذت علاجي معي.. التغيير بأروح كل يوم يغيرون لي.. علي بيجي بكرة الصبح.. ومانبي نروعه.. وعرس جميلة بعد بكرة.. أبي خالتي بالها يرتاح وتتفرغ لبنتها.. بدل ماهي تتصل علي كل ساعة!! كل هذه المبررات التي ساقها.. ولم يقترب من المبرر الحقيقي أبدا.. هـــــــــــي!! سببه الرئيسي!! يشعر بغضب عليها.. ومن أجلها.. ولا يعرف كيف حالها من البارحة.. ولن يحتمل مطلقا مزيدا من هذا الضغط.. الاثنان لم يخبرا أحد بعودتهما.. ومزون ذهبت مع خالتها لترتب أغراض جميلة.. وكاسرة عند جدها.. ومزنة هاهي تعود للتو وتدخل عليهما.. تفاجأت وهي تبتسم بترحيب.. وتبارك لكساب سلامته.. زايد سأل كساب بتلقائية: تبي أطلعك فوق؟؟ لأني أبي أروح أسبح.. أبي أروح للشركة شوي.. صار لي كم يوم معهم بالتلفونات بس.. كساب بمودة: روح طال عمرك.. بأطلع بروحي إذا بغيت.. كساب لم يكن يريد الصعود حتى يعرف كيف هو الوضع.. أراد أن يختلي بمزنة ليسألها.. وزايد استغرب أن مزنة لم تلحق به كما اعتاد من اهتمامها به.. بينما مزنة كانت ككساب.. تريد الاختلاء به.. فهي لن تؤجل الحديث أكثر من ذلك!! فور صعود زايد.. سأل كساب مزنة بشكل مباشر فهو ماعاد به صبر: شأخبارها؟؟ مزنة همست بنبرة مقصودة: مهتم من أخبارها؟؟ كساب باستغراب مقصود: وذ ذا النبرة يمه؟؟ أكيد مهتم!! مزنة حينها مالت للأمام لتنظر لكساب بشكل مباشر صارم.. وتهمس بذات المباشرة والصرامة: اسمعني يأمك زين.. أنا زوجتك شيخة مالها شبيه.. ما أقول إن بنتي مافيها عيوب.. الإنسان عيوبه أكثر من مزاياه.. بس بنتي ماكنها بأحد في شيين.. في زينها.. وفي قوة شخصيتها.. الزين.. الظاهر إنه ما ملأ عينك.. لأنك مايمر شهر ماتسافر برا الدوحة.. وأما على قوة الشخصية.. ماشفت بنتي مستوجعة وحزينة مثل زعلتها معك أول مرة.. والحين أكثر.. وزعلتها الأولة كانت وأنت مسافر.. والحين عقب رجعتك من سفر!! كساب قفز واقفا دون أن يشعر وهو يهتف بغضب حقيقي: وش تتهميني فيه؟؟ أنا؟؟ أنا؟؟ مزنة لم تتحرك من مكانها وهي تهتف بصرامة حقيقية تلقائية: ما أتهمك بشيء.. أنا أحط احتمالات بس.. لأن اللي أشوفه في بنتي ماله تفسير إلا كذا.. مايوجع المرة بذا الطريقة إلا ذا الشيء.. كساب مازال ينتفض بغضب هائل وصوته يعلو: أنا تتهميني بذا الشيء؟؟ أنا؟؟ أنا؟؟ مزنة بذات هدوءها الصارم: اسمعني يا ابن الناس.. ترا الدين قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.. ولا تظن إنه عشانك لفيت عشان أصير مرت أبيك.. إن ذا الشيء بيكون حبل تربطه على حلق بنتي.. تكون ماعرفتني ولا عرفتها.. قبل أن يرد كساب الذي كان ينتفض لشدة غضبه كان صوت زايد الصارم البالغ الصرامة هو من قطع الحوار وهو ينزل الدرج: مزنة أنتي وش قلتي لكساب.. صوته واصلني فوق.. الصبي عاده تعبان.. ما تتأجل المواضيع شوي لين يتشالى!! زايد كان على وشك الاستحمام لولا أنه وصله اتصال من الجد جابر يسأله عن حال كساب.. وحين علم بعودتهم أخبره أنه ذاهب لمجلسهم للسلام على كساب.. لذا قرر زايد النزول وتأجيل الاستحمام.. ليصل له صوت صراخ كساب وهو مازال في أعلى الدرج... مزنة أجابته بحزم: فيه مواضيع ماتنفع تتأجل.. ودامك جيت.. هذا أنت تسمع مع ولدك.. إذا أنتو ما أنتو بحاسين ببنتي.. لأنها قدام الكل قوية شخصية وماتهتز.. فأنا حاسة فيها وفي وجيعتها.. وولدك ما أدري وش هو مسوي فيها.. وأنا مستحيل أسكت على ذا الموضوع كثر ما سكتت عنه.. زايد بحزم أكبر من حزمها: كساب وكاسرة مهوب صغار.. يحلون مشاكلهم بروحهم.. مافيه داعي تتدخلين.. مزنة حينها وقفت لتواجه كساب ووالده وتهتف بصرامة: أكثر من سنة ما قدروا يحلونها بروحهم.. وإذا أنت وولدك مرتاحين.. بنتي مهيب مرتاحة.. وأنا مستحيل أخليها تستوجع بروحها.. كساب شعر أن هناك شرارة خلاف ستشتعل بين والده ومزنة.. وكلاهما يقف في مواجهة الآخر كجبل عظيم لا يخشى الاهتزاز.. لذا هتف باستعجال صارم: زين يمه أنتي وش اللي يرضيش الحين؟؟ مزنة بصرامة مغلفة بالحزم: دام إنك منت بقادر تعاملها بما يرضي الله ترا أخيها مهوب عاجز يضمها.. زايد حينها صرخ بغضب حازم: لا.. أنتي شكلش استخفيتي.. قلت مالش دخل بين الولد ومرته.. ماتفهمين!! مزنة استدارات ناحيته نظرت له بشكل مباشر نظرة قارصة.. ولكنها لم ترد عليه احتراما له في وجود ابنه وحتى لا تهز صورته أمامه.. رغم أنها كانت تتحرق للرد.. ومستعدة تماما له!! في خضم الجو الملتهب والكل متحفز.. دخلت بهدوء تام مختلف عن الأعاصير الدائرة في المكان.. همست بسكون تام ودون أن تنظر لأحد: السلام عليكم.. الحمدلله على السلامة.. جدي ينتظرك في المجلس.. فوجئت بكساب يشدها من عضدها بيده السليمة.. وهو يوقفها أمامه وينظر إلى عمق عينيها نظرة جعلتها تشعر بالتكهرب رغم ذبول كل مافيها.. وهو يهتف بصرامة: كاسرة حلفتش بالله.. وهذا إبي وأمش يسمعون... تشكين إني أخونش؟؟ وإلا أعرف نسوان عليش؟؟.. وإلا إن سفراتي سفرات خرابيط تغضب ربي..؟؟ رغم صدمة كاسرة من السؤال غير المتوقع إلا أنها خلصت عضدها من كفه وهي تهمس ببرود: حاشاك يأبو زايد من الردى.. ولا عمره طرا على بالي.. حينها كانت مزنة من تكلمت بحزم بالغ: ودام كلنا موجودين.. خل نخلص من ذا السالفة.. حالش مهوب عاجبني.. وأخر مرة يوم زعلتي على كساب كنتي تبين الطلاق.. إذا هذا سبة اللي فيش؟؟.. خليناه يطلقش.. رغم غضب زايد المتزايد من مزنة.. ومن تحكمها في مجرى الأحداث.. لكن إن كانت كاسرة فعلا لا تريد كساب.. فلا يمكن إجبارها عليه.. لذا هتف بحزم وهو يوجه الحوار لكاسرة: يا ابنتي الطلاق أبغض الحلال.. وأنتي مرة عاقلة.. لكن لو أنتي صدق تبين الطلاق؟؟ خليته يطلقش.. لم تكن كاسرة من أجابت بل كساب الذي تدفقت حممه هادرة: أنتو وش شايفيني؟؟ بزر تبون تمشونه على شوركم.. مع احترامي لكم.. بس أنا ومرتي مالحد دخل بيننا.. تظنون إنكم بتقولون لي طلقها بأطلقها..؟؟ آسف.. اسمحوا لي.. والحوار انتهى.. أنا رايح المجلس أسلم على إبي جابر.. كساب خرج فعلا.. بينما كاسرة تجاوزت المكان ببرود جامد وهي تصعد للأعلى دون أن تنطق بكلمة.. لتبقى النار مشتعلة بين القطبين الكبيرين.. نظرات حادة ملتهبة بين الاثنين قطعها زايد بقوله بصرامة: مستانسة إنش كنتي بتولعينها بين الرجّال ومرته؟؟ مزنة همست بصرامة مشابهة: مهوب أنا اللي أولعها.. وهذا مهوب وقت حوار بيننا.. لنا مكان نسكره علينا عشان ما نضحك البزارين علينا وحن نتهاد مثلهم.. مزنة أنهت عبارتها وغادرت خلف ابنتها.. بينما غضب زايد يزداد منها.. " هذي استخفت مرة وحدة!!" *********************************** " يامش.. كملي كأس العصير بس" عالية تبتسم بمودة: يمه حرام عليش خلاص من الصبح وأنتي تزغطيني.. خلاص طلعت روحي!! جوزاء تبتسم: يا بنت الحلال فرحانة بحفيدها أبو نظارات.. تغذي خليه يصير تختوخ مثل إبيه.. عالية تقرص جوزا الجالسة جوارها وتهمس بمرح تخفي خلفه وجعا ينتشر كالنار في الهشيم: الله لا يبيح منكم وأنتو كلكم من الصبح مستلمين الدحمي.. كن ماعندكم غيره!! المسكين ماكل حلال حد منكم!! جوزاء تدعك القرصة وهي تهمس بمرح: يمه تصير قطوة مفترسة عند أبو العيال.. ذبحتيني يا المفترية!! أم صالح برجاء: خلش منها.. كملي عصيرش بس.. عالية تشرب المتبقي كله دفعة واحدة.. وتهمس بإبتسامة: ولا تزعلين ياصفوي.. آمري بس!! " يا الله.. بأموت.. بأموت.. ماحد راضي يرحمني.. ولا حد..!!" منذ الصباح والخبر ينشر سعادة مدوية في الجميع.. إلا فيها!! ففرحتها مبتورة تماما!! أم عبدالرحمن جاءت لزيارتها الظهر ومعها هدية.. وأبو عبدالرحمن بنفسه جاء للسلام عليها وتهنئتها وعيناه كانت تشرق ببريق مذهل.. وأرسل لبيت أهلها ذبيحتين!! عدا عن ذبائح أخرى سمعت أنه وزعها!! حتى والدها كانت سعادته راقية وفخمة كفخامته تماما!! أمــــا... أمـــا هـــو... فلم يتكرم مطلقا بالزيارة!! وكأنه لا شأن له بالموضوع... رغم أنه اتصل كثيرا.. ولكنها لم ترد على أيا من اتصالاته.. شعرت أن اتصالاته تهينها أكثر.. إن كان لديه كلام فلماذا لم يأتي لقوله مباشرة!! كم تمنت أن تراه!! ترى الفرحة في عينيه.. قبل أن تسمع منه أي شيء!! " موجوعة يا الله!! موجوعة!! " ****************************** لا يعلم كيف مضى عليه اليوم حتى!! وهي لا ترد حتى على اتصالاته المتكررة!! " يا الله يا عالية.. وش ذا القسوة اللي عندش؟؟ حتى الفرحة حرمتيني منها!!" رغم أن إبتسامة شفافة تعلو شفتيه كلما تذكر مظهر والده ووالدته هذا الصباح وهو يبلغهما الخبر.. كان الاثنان أمام قهوتهما الصباحية وعبدالرحمن معهما.. رغم أنه كان متكدرا لأن عالية لم ترد على اتصالاته وهو يسمع صراخها أنها لا تريده بل تريد والدتها فقط.. ولكن سعادة مثل هذه لا يمكن إخفائها أو إنكارها.. وهو يهتف لوالده بشبح ابتسامة: أبو عبدالرحمن.. أبو عبدالرحمن ارتشف جرعة من فنجانه وهو يهتف بمودة: سم يأبو فاضل.. عبدالرحمن ابتسم وهو يهمس بنبرة مقصودة: على طاري أبو فاضل.. أنت بتروح القنص السنة الجاية؟؟ ابتسم أبو عبدالرحمن: سبحان من يلحق.. حن ذا الحين في القيظ..(القيظ=الصيف) وعاد دون موسم القنص حياة وموت.. بس كاني مع الحيين مايردني منه شيء إن شاء الله.. كفاية إنه راح ذا السنة مادريت به.. وأنا لاهي عندك في المستشفى الله لا يردها من أيام.. اتسعت ابتسامة عبدالرحمن أكثر: زين وكن موسم القنص وافق جية فاضل الصغير.. بتروح بعد؟؟ أم عبدالرحمن لم تكن منتبهة للحوار لأنها مشغولة بسكب الفطور لعبدالرحمن ووالده... بينما أبو عبدالرحمن ارتعشت يده لدرجة انسكاب قطرات من القهوة عليها أنزل فنجانه وهو يشعر بثقل كبير وهو يظن أنه قد سمع خطأ.. ففرحة كهذه كانت أكبر من أن يحتملها وخصوصا أنه كان كغيره يظن أن عبدالرحمن قد يعاني من مشكلة ما تبعا لحالته!! هتف بتثاقل وكلماته تتبعثر: ويش؟؟ ويش؟؟ أنت صادق يابيك؟؟ تكفى ما تمنيني وأنت تلعب علي!! ابتسم عبدالرحمن: يبه سوالف مثل ذي مافيها مزح.. وترى البشارة لهزاع.. هو شارط البشارة علي وعليك!! أبو عبدالرحمن قفز واقفا.. وهو عاجز عن السيطرة على نفسه.. وكلماته هذه المرة تتبعثر من الفرحة: يبشر بالبشارة.. يبشر بها.. وذا الحين بأروح أذبح ذبايح وأوزعها.. ودي لو اسوي شيء أكثر من ذا.. ما أدري وش أسوي.. أم عبدالرحمن قومي نشتري لعالية هدية.. ونروح لها ذا الحين.. مافيني صبر أبي أحب رأسها ذا الحين.. أم عبدالرحمن بهتت وأناملها تجف على أوانيها.. وهي مازالت لم تستوعب الحدث كما يجب!! همست بتبعثر واختناق: ويش؟؟ صدق ياعبدالرحمن؟؟ مرتك حامل؟؟ ابتسم عبدالرحمن وهو يهتف: يمه.. الله يهداش.. لذا الدرجة ظنكم شين فيني!! أم عبدالرحمن قفزت وهي تتعثر وتشهق وكلماتها تتبعثر لشدة فرحتها: دقيقة يافاضل.. أقل من دقيقة بعد.. بألبس عباتي وأجيك.. أم عبدالرحمن غادرت.. بينما أبو عبدالرحمن كان كالملدوغ وهو عاجز عن الثبات في مكانه ولسانه يلهج بالكثير من الشكر لله والثناء.. بينما عبدالرحمن يهمس لوالده برجاء موجوع: يبه ماعليه لو الله رزقني بولد نأجل فاضل شوي ونسميه امهاب؟؟ أبو عبدالرحمن يهتف بسعادة محلقة: أصلا كنه ولد والله مايكون له من الاسماء إلا امهاب.. إن شاء رب العالمين.. ***************************** هاهو يفتح باب جناحه.. رغم كراهيته لأن يدخل فيه.. فهو تجنب بشكل فعلي أن يبقى فيه.. وإن كان رأى الجناح بالأمس بناء على إصرار عالية حتى يرى ذوقها في الفرش والأثاث.. لا يستطيع أن ينكر أن ذوقها رفيع وراق له.. كونها هي تأثرت بهم وبذوقهم!! ولكنه لم يكن يريد دخولها الليلة لأنه يعلم أن والدة جميلة أرسلت أغراضا لها البارحة تم وضعها في الغرفة.. ثم جاءت اليوم ببيقية الأغراض ورتبتها.. لم يكن يريد أن يقع نظره على أي شيء يخصها.. لا يحتمل ذلك فعلا بطريقة غريبة.. وغير معقولة!! حين دخل إلى الجناح.. كان أول ما صدمه الرائحة العذبة لعطور أنثوية رقيقة وفاخرة تم تعطير بعض ملابسها الخاصة بها.. ولذا ينتشر عبقها في المكان.. عدا عن رائحة الزيوت العطرية الناعمة التي تنتشر في المكان... (ماشاء الله من الحين محتلة المكان وخاتمة عليه!!) أما حين دخل غرفته.. شك أنه دخل غرفة غير الغرفة التي دخلها بالأمس.. فالذوق الأنثوي كان ينضح من كل أرجاء الغرفة.. المفرش الأبيض البالغ الفخامة بكريستالات فضية وزهرية.. وعليه تنتشر مخدات صغيرة مختلفة الأحجام بتدرجات مختلطة من الأبيض والزهري الفاتح. عدا عن خداديات أخرى منتشرة على الأرض وعلى المقاعد.. و الأكسسوارات الراقية المنتشرة في كل مكان.. فهد كاد يجن ( وردي في غرفتي أنا؟؟ في غرفتي أنا؟؟ مصدقة روحها الأخت إنها بنوتة صغنونة هي وذوق البزارين ذا!!) فهد كان يريد أن يبحث عن أغراض رتبتها له عالية في الغرفة.. ولكنه لا يعرف الآن أين يبحث.. وهو يراها احتلت الغرفة بالكامل وقبل أن تحضر حتى!! كان يبحث عن عطوره ليجد التسريحة ممتلئة تماما بعطورها وكريماتها وأدوات زينتها.. (هذي متى بتلحق تستخدم ذا الأغراض كلها هي ووجهها الشين هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟؟ لكن صدق عقدة نقص تبي تعوضها!!) ختاما وجد عطوره منزوية في زاوية صغيرة من التسريحة ( ماقصروا خلوا لي مكان.. زين ماقطوها في الزبالة عشان يوسعون للدلوعة!!) بعد ذلك خشي على ملابسه وبدله العسكرية أن يكونوا قد نقلوها لمكان يجعدها ويفسد كويها لأنهم يريدون كل الخزائن للمدللة.. لذا فتح الخزائن ليجد ملابسه كما هي في خزانته بل ووجدها تفوح برائحة عود فاخر ذكره برائحة عود منصور.. " الله يطول في عمر أم زايد.. ما ظنتي إن بنتها تعرف السنع مثلها!!" لا ينكر أنه شعر بفضول ما أن يفتح بقية الخزائن ليرى كم خزانة ملئت بملابسها.. ولكنه لم يستطع أن يستجيب لفضوله العفوي.. وغيظه وغضبه المترسب يغلب كل شعور.. وهو يعلم أنه ماعاد أمامه من الحرية سوى يوم واحد فقط.. يوم واحد هو يوم الغد!!! ******************************************* هو ووالده يعودان ختاما للبيت.. بعد أن تلافيا كلاهما هذه العودة. كلاهما يتوجس منها.. وما الذي سيحدث فيها.. وفي ذات الوقت يتحرق لها.. لأنه لا يرضى بالتراجع ولا التخاذل! كساب مازال غاضبا من كاسرة لأبعد حد.. غاضب من رؤية غانم لها.. وغاضب أكثر لأنها سمحت لوالدتها بالتدخل في مشاكلهما!! ويعلم أنها غاضبة أيضا!! ولا يتخيل ما الذي سيحدث حين يتلاقى غضبه وغضبها.. زايد غاضب أكثر.. فطريقة مزنة في فرض رأيها اليوم.. مطلقا لم ترضيه.. ثم رفضها للحوار وهي من تحدد موعده.. أغضبه أكثر.. وهاهما كلاهما يصعدان بفارق أكثر من ثلاث ساعات... وكل واحد منهما متجه إلى جناحه!!! أولا كساب عاد أولا لأنه ماعاد يحتمل الإرهاق والتعب!! ومن بعده كان والده!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والثمانون دخل إلى غرفته بخطوات هادئة حازمة.. تخفي خلفها كثيرا من الألم الجسدي والنفسي.. لماذا حياة التحفز التي يحياها بشكل مستمر؟؟ لماذا لم يحضَ بزوجة مهادنة تريح باله حتى وهو يعاني كل هذا؟؟ لماذا يجد نفسه مجبرا على كل هذا الشد حتى وهو لا يريده؟؟ لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟؟ عشرات من علامات الاستفهام علقته على مشانقها.. وهو مرهق.. مرهق.. مــــــــــــرهــــــق!!! مرهق من نفسه قبل أي شيء آخر!! كانت هذه أفكاره التي تغتال تفكيره وهو يخطو لداخل غرفته.. ليجد الصدمة غير المتوقعة أمامه!! كانت كاسرة........... نائمة !!! نائمة بالفعل وليست تدعي النوم!! ونائمة بملابسها.. ومازالت الساعة التاسعة والنصف!! اختلطت الاحاسيس في داخله.....استغرب.. وتألم.. وتعجب!! استغرب من نومها بملابسها وهي تبدو في عينيه كطفلة فاجئها النعاس على حين غرة.. فغفت على حالها وهيئتها.. وبكل عذوبتها!! وتألم أنها نامت دون أن تنتظره.. رغم أنها تعلم بوضعه الصحي السيء.. أ لم تفكر أن تسأله ماذا سيحتاج؟؟ إن كان تناول عشائه؟؟ أو دوائه؟؟ أو إن كان يحتاج للتغيير على بعض جروحه؟؟ وتعجب أنها نامت دون أن تواجهه كما كان يتوقع.. فحدث كالذي حدث اليوم.. كان يستحيل أن تفوته كاسرة دون نقاش محتدم على الأقل!! استبدل ملابسه بصعوبة.. وهو يصلي قيامه مبكرا.. ثم يتمدد جوارها.. لتتجدد أحاسيسه وتتعمق وتتعقد وهو يطفئ كل الإضاءة ويبقي على ضوء خافت جواره.. حتى يتمكن من رؤية وجهها.. كان الألم ينتشر صارخا في كل جسده... ومع ذلك يشعر أن ألمه منها أقوى وأشد تأثيرا.. وعيناه تطوفان بمحياها المرهق.. لا يعلم لماذا يشعر بها مرهقة على الدوام؟؟ مرهقة شكلا ومضمونا!! مختلفة عن حماسها المتدفق المعتاد بكل العنفوان الناري الذي يشعله حتى الوريد.. رغما عنه هذا الإرهاق يجلب إلى عمق روحه حزنا غير مفهوم وهو يتمنى لو استطاع حمله عنها لو استطاع... ورغم أنها مصدر كل آلامه ولكنه مستعد لحمل كل آلامها لو منحته الفرصة لذلك!! لــــو !! ************************************* بعد أكثر من 3 ساعات.. زايد يصل متأخرا أكثر من العادة... لم يكن يريد فعلا أن يتأخر حتى لا تظن مزنة أنه متهيب للمواجهة.. لكنه تأخر في شركته كثيرا.. ثم دعا من باب اللياقة وأريحيتيه المعتادة المجتمعين معه لعشاء متأخر... أصبح متأخرا فعلا!! توقع أنه سيجدها نائمة وخصوصا أن لديها عذرا قويا لذلك فهو تأخر أكثر من المعتاد.. ولكن توقعه كان فاشلا.. لأنه وجدها تنتظره وبكامل تألقها وفتنتها وزينتها.. فهي تصرفت بطبيعية حتى لا يظن هو أنها تخشى المواجهة.. فهي لو أن الوضع كان طبيعيا بينهما كانت ستنتظره مهما تأخر.. وهي تعلم أن في النوم أو إدعائه رسالة فاشلة للتعبير عن غضبها منه... فهي تستطيع التعبير عن غضبها بلسانها!!! والأمر الآخر أنها مطلقا لم تغير مطلقا من طريقة لبسها المعتادة أمامه... فهي لن تفعل كما تفعلن الصغيرات العاجزات عن المواجهة.. اللاتي تغيرن من طريقة لبسهن كرسالة رفض أو غضب.. فهي ليست خائفة ولا متوترة ولا تحتاج لرسائل للسانها!! وهي اعتادت على التأنق.. فلن تفعل سواه!! ولكنها لا تنكر أنها لو كانت على رضى معه.. لكانت تأنقت أكثر من ذلك بكثير.. فهو غائب عن البيت منذ ثلاثة أيام.. وكان يستحق استقبالا خاصا.. ولكنها طبعا لن تفعل ذلك الآن.. لأن هذه ستكون رسالة أخرى قد تَفهم بعدة طرق لا تريد أيا منها!! أما أنها تحاول إرضائه.. أو أنها تحاول تفكيك مقاومته لإلهائه عن العتاب.. بينما هي تريد العتاب... تريده حقا!!! بينما هو كان يسترق لها النظرات المستغربة بطرف عينيه ويظهر عدم اهتمامه وهو يدخل بهدوء ويسلم بهدوء ويشرع في خلع ملابسه .. " امرأة غاضبة من زوجها.. لماذا تبدو فاتنة أمامه هكذا؟؟ تبدو كما لو كانت ستشرق لشدة فتنتها... أ هكذا يكون غضبها؟؟ . . ولماذا أنكر على نفسي أنها هكذا كل ليلة..؟؟ ولكن لأني أفتقدها فعلا.. أراها الليلة أكثر من فاتنة إلى درجة تؤلم فعلا!! ثلاثة ايام مرت.. لم نتبادل الحديث إلا لدقائق وعلى عجالة!! ثم حينما أعود.. أعود بشجار!! ولكنها هي المخطئة.. هي المخطئة في كل شيء منذ البداية.. تدخلت فيما لا يخصها.. ثم تريد فرض رأيها على الجميع!!" زايد بدأ يجري شحنا نفسيا لغضبه وهو يضاعفه.. حتى تضاعف فعلا!! فهو غير راض فعلا أن تحاول زوجته أن تفرض شخصيتها على شخصيته!! هذا أمر غير مقبول عنده إطلاقا!! إطــــــلاقــــا!! لم يحادثها مطلقا حتى انتهى من صلاته وورده.. وهي مازالت تجلس على مقعدها انتظارا لانتهاءه!! وكل منهما وصل شحنه النفسي لمنتهاه.. وهو يصور أشكالا مختلفة للمواجهة.. حتى انتهى زايد وتوجه على الأريكة.. ليكون ماحدث مختلفا تماما عن كل مارسماه من تخيلات.. زايد جلس على أريكته وهي على مقعدها.. تبادلا النظرات لثوان.. عميقة.. عاتبة.. لا تهاب.. وكل منهما ينظر للآخر بشكل مباشر ولكن خال من الحدة.. حينها همس بزايد بهدوء حازم: مزنة تعالي اقعدي جنبي.. خلنا نتكلم.. مزنة وقفت وتوجهت نحوه بخطوات واثقة وجلست جواره.. وهي تصنع مساحة فاصلة بينهما.. ولكنه شدها برفق ناحيته.. ليلغي المسافة.. وهو يحتضن كتفيها بذراعه.. ثم يهمس بعمق رزين وبكلام غير متوقع.. حتى هو لم يتوقعه بهذه الصورة: أدري إني غلطت اليوم عليش قدام العيال.. وقلت كلام المفروض إني ما أقوله.. بس أنتي طلعتيني من طوري.. حينها كان دور مزنة لتضع رأسها على صدره وهي تحتضن خصره وتهمس بهدوء عميق: زايد أنا ما غلطت.. بس أنت ردة فعلك كانت زيادة عن اللازم!! يعني ما أعتقد إني سويت شيء يستاهل تقول لي أنتي استخفيتي.. وتبين تخربين على العيال.. أنا شفت وضع ما ينسكت عليه.. ومستحيل أسكت وأنا أشوف بنتي كذا.. زايد بحزم مختلط بالمودة: مزنة.. أدري كساب عيوبه واجد.. وما أدافع عنه.. بس هو يحبها وهي تحبه..والاثنين شخصياتهم قوية.. خلهم يحلون مشاكلهم بنفسهم.. ولو هم بغونا نتدخل .. بيطلبون منا!! مزنة بعتب: كنت تقدر تقول لي ذا الكلام.. بدون ما تجّرح فيني مثل اليوم!! زايد تنهد وهو يبعدها قليلا عن صدره حتى ينظر إلى وجهها وهو يمد يده ليمسح على خدها ثم يهتف بلهجة آمرة أقرب للتسلط: مزنة قربنا على شهر ونص من يوم تزوجنا.. خل كل شيء واضح قدامش.. أنا ما أرضى إنش تفرضين رأيش وأنا موجود.. وأحب كل شيء تأخذين رأيي فيه أول وقبل ما تسوينه!! إذا أنا وافقت.. هذاك الوقت سويه.. مهوب قبل.. حينها ابتعدت مزنة عنه أكثر وعن مدى يده.. وهي تهمس بحزم: وأنت اسمعني يازايد.. شيء يخص علاقتي فيك.. أو حقوقك علي أو طاعتي لك مستحيل أفرض رأيي عليك.. لكن أنا أم وعندي مسؤوليات.. والشيء اللي يخص عيالي.. ماراح أراجع حد فيه مع احترامي لك.. ممكن أشورك فيه وهذا يكون من شفافية علاقتنا كزوجين.. لكن إنك ظنتك إنك بتلغي شخصيتي.. اسمح لي .. مستحيل!! وأظني إنك خذتني وأنت عارف شخصيتي.. والعود ما يعسف يا أبو كساب.. قالت عبارتها الأخيرة بكل حزم واثق.. وهي تقف وتبتعد متجهة لسريرها.. بينما العبارة تتردد في رأسه.. " العود ما يعسف يا أبو كساب!! العود مايعسف يا أبو كساب!! العود مايعسف يا أبو كساب!!!!!!" " لو أنا خذتها وهي صغيرة.. كان عسفتها على اللي أنا أبيه.. مثل ما كانت وسمية!! . وليه تبي تعسفها؟؟ مهوب ذا اللي تبيه وفاقده.. مزنة القديمة!! . لا.. وش جاب لجاب.. صحيح مزنة الحين قوية شخصية..بس خلني أعترف إن مزنة القديمة كانت مطفوقة وما تحشم.. ولو خذتها يمكن كان مستحيل نتوالم!! بـــس.. بس أنا فاقدها!! فاقدها!! . . يمكن نار قايدة في صدري أكثر من 30 سنة طفت عقب ماخذيتها واكتشفت إن مزنة اللي حارقة قلبي اختفت وماعاد لها وجود.. بس فيه حسرة ماكنة في أقصى حشاي ماعرفت لها سبب.. ماعرفت لها سبب!!" **************************** " يا الله جمول.. أنتي ناوية تقعدينا لين صلاة الفجر؟؟ خلينا ننام شوي!! مهوب كفاية إني ماشفت كساب إلا خمس دقايق.. وبديتش أنتي!!" جميلة هزت كتفيها وهي تضم ركبتيها لصدرها وكلتاهما تجلسان على السرير وهي تهمس لمزون برقة: كل ليلة أساسا أقعد سهرانة لين أصلي الصبح... مايرقدني إلا التعب.. خلني الليلة أسهر على الأقل وأنا معي حد.. وإذا على كساب.. كلها ليلتين تباتينهم عندي.. وعقب اشبعي فيه!! مزون بإبتسامة: ترا علي واصل من السفر بكرة الصبح.. خلني أنام أقوم أواجهه.. حرام عليش أبي أنام.. جميلة ابتسمت برقة: كساب وعلي ما يبون إلا كاسرة وشعاع... اقعدي وكبري المخدة.. لين يجي غانم.. مزون حينها حاولت أن تبتسم وهي تركن همها الجديد جانبا.. ليست مهتمة أن غانما رأى كاسرة.. بقدر اهتمامها بمشاعر كساب: وعلى طاري غانم.. أنا بيكون عرسي عقب ثلاثة أسابيع... بتردينها لي وتنامين عندي..؟؟ وإلا حضرة النقيب من عقب ما يشوفش مستحيل يفكش!! جميلة هزت كتفيها وهي تهمس ببساطة: لو تبين.. رقدت عندش قبلها بأسبوع.. لأنه حضرة النقيب على قولتش عنده دورة عقب أسبوعين وبيغيب شهر.. مزون باستغراب: عقب عرسكم بأسبوعين بس.. وبيغيب شهر بعد!! ليه مهوب حاضر عرس ولد عمه وعرس خاله عقبه؟؟ جميلة بذات البساطة المستسلمة: عادي عنده مايحضر عرس أخيه.. المهم يطفش مني!! مزون اعتدلت جالسة بحدة وهي تهمس بعتب ممزوج بالغضب: جميلة أنتي ليش تقولين عن نفسش كذا؟؟ إذا أنتي الواحد يطفش منش.. من اللي بيلزق فيها رجالها من قلب؟؟ جميلة هذه المرة همست بحزن حاولت تغليفه ببساطة فاشلة: عادي مهوب أول واحد يطفش مني.. ومن قلب بعد!! لازم أتعود على ذا الشيء!! هذاك طفش مني عقب عشرة ثمان شهور.. وهذا مستعد يطفش قبل ما يعاشرني حتى!! شكله درا إني ما أتعاشر!! مزون حينها همست بغضب حقيقي: تدرين إن ذا السالفة البايخة تقهرني.. وأنتي تعيدين وتزيدين فيها.. أشلون تبين فهد يتقبلش وأنتي منتي بمتقبلة روحش؟؟ جميلة مالت لتضع رأسها في حضن مزون الجالسة وهي تهمس بيأس: فهد بأحطه فوق رأسي.. أكون بهيمة إذا ما تعلمت من تجربتي مع خليفة.. أو سمحت لنفسي أكرر نفس الغلط!! بس أنا عارفة باللي بيصير... حاسة إنه ماراح يتقبلني لأنه خذني عشان عمي منصور.. خليني أجهز نفسي لذا الشيء عشان ما انصدم.. وعلى العموم لا حن أول ولا آخر زوجين تكون حياتهم مافيها حب.. أنا ما أبي إلا الاحترام منه وكثر الله خيره!! ************************************* " يـــمـــه!!.. بسم الله الرحمن الرحيم.. ماصليت!!" قفزت كاسرة بجزع وهي تهمس بهذه الكلمات.. بعد أن ظنت أنها غفت لدقائق لتتفاجأ بالغرفة تغرق في الظلام عدا نور خافت يجاور من ينام جنبها.. كساب صحا على صرختها وهو يعتدل بإرهاق: وش فيش؟؟ قفزت السرير وهي تهمس بجزع بعد أن نظرت لساعتها: نمت على طول عقب صلاة العشاء.. وأنا مابعد صليت قيامي..!! هتف بذات نبرته المرهقة: باقي وقت على صلاة الصبح.. صلي.. كانت بالفعل مع كلماته تتوجه للحمام لتتوضأ.. صلت أولا.. ثم رغما عنها.. عادت لتطل عليه.. وهي تشعر بذنب رغما عنها أيضا .. أنها نامت وتركته وهو على هذه الحال.. فرغم كل التعقيد.. وكم الغضب الذي لا حدود له بينهما.. ولكنه يبقى زوجها.. ومريض.. وفي حاجتها الآن!! وجدته نائما.. فعادت وقرأت وردها.. ثم نظرت للساعة.. لم يتبق إلا نصف ساعة لصلاة الفجر.. ستقرأ مزيدا من القرآن حتى موعد الصلاة.. ولكنها قبل ذلك عادت له مرة أخرى.. وهي تنحني هذه المرة وتلمس جبينه.. فالليلة التي قضته عنده أُصيب بحمى.. وحين أخبرت عمها.. قال لها أن الحمى قد تعود له من وقت لآخر حتى تلتئم جروحه نوعا ما.. بالفعل وجدت جبينه دافئا.. ارتعشت حين فتح عينيه.. على ملمس أناملها على جبينه!! همس لها بسكون: وش فيش؟؟ أنتي تعبانة؟؟ همست بسكون كسكونه: لا.. بس نمت بدون ما أحس.. أنت اللي تعبان.. قوم خلني أعطيك حبوب للحرارة.. أجابها بذات السكون ولكنه أقرب لسخريته المريرة هذه المرة: مهتمة يعني؟؟ أجابته بنبرة كنبرته تماما: ماني بمهتمة.. وليش أهتم؟؟!! بس هو واجب لازم أسويه!! اعتدل جالسا وهو يمد يده لقنينة الماء بعد أن تناول أقراصه من جواره ثم همس بعد ذلك بنبرة باردة: يدي الثانية مافيها شيء.. أقدر أكل حبوبي بنفسي.. لا تكلفين نفسش بواجب ثقيل.. همست بسكون ثقيل: عوافي على قلبك.. خلاص مالي عازة كالعادة.. بأروح أقرأ قرآن لين الصبح.. همس بنبرة مقصودة: مافيه شيء نتناقش فيه!! هزت كتفيها ببرود: وليش نتناقش.. أنا كالعادة –بعد- مخلوق ماله حساب في حياتك.. هددتني بالضرب وبالطلاق وعصبت علي.. وبردت خاطرك فيني.. وانتهينا خلاص.. أجابها حينها بنبرة أقرب للغضب: لا ما انتهينا.. لأنه والله لولا خوف من ربي.. ثم كون غانم رجّال أختي وإلا كان قلعت عيونه اللي شافتش من مكانها.. والسبب أنتي.. حذرتش أكثر من مرة ماتحاولين تستخدمين غيرتي.. بس أنتي ما ارتحتي لين خربتيها.. وخلينا من غانم الحين.. أمش ليه تدخلينها في مشاكلنا؟؟ أجابته ببرود جامد تماما: رجال أختك بكيفك فيه.. مالي شغل فيكم... أما أنا يمكن أحسن تسكر علي في صندوق.. عشان تضمن إن حد مايشوف ممتلكاتك المركونة.. أما أمي.. انا ما طلبت منها شيء.. هي تدخلت من نفسها.. وللمرة الثانية أقول لك (انتهينا)... ولا تنبشني يا كساب.. وخل الحياة تمشي لأنها أساسا تمشي مثل ماتبي أنت!! ******************************************* " زايد قوم.. منت برايح تجيب ولدك من المطار؟؟.. طيارته بتنزل عقب ساعة.." زايد فتح عينيه بتثاقل وهو يهمس بعتب: زين تذكرتي زايد؟؟ مزنة مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بمودة صافية حقيقية: آسفة حبيبي.. والله العظيم ماقدرت أنام حتى.. وأنا عارفة إنك زعلان.. وخصوصا يوم سمعتك تناديني وأنت نايم.. صار ودي أصحيك وأراضيك.. بس الله يهداك أنا قلت لك إني شينة إذا زعلت.. وانت والله وصلتني أقصاي.. حينها ابتسم وهو يعقد كفيه خلف رأسه: يعني هذا أقصاش ؟؟ ياحلوه أقصاش.. ذوق وستايل وتكانة مثلش.. أنا حسبت إنه هذي أولها.. ابتسمت بإشراق: تمسخر علي؟؟!! مد يده ليدخلها في طوفان شعرها من الخلف وهو يقربها ليقبلها بتروي.. ثم هتف بفخامة: والله العظيم أتكلم من جدي.. لأني أنا لو وصلت أقصاي.. وخري من دربي.. مزنة هتفت بمودة راقية: الله لا يورينا أقصاك ولا يحدنا عليه.. ابتسم زايد وهو يعتدل جالسا ويهتف بنبرة مقصودة: ولا يورينا أقصاش الحلو بعد.. لأني ما أحب قلبة مزاجش ذي!! ثم أردف بحزم وهو يقف: أنا باسبح بسرعة وبأروح أجيب علي ومرته.. شيكتوا على تنظيف بيته؟؟ مزنة برقة رزينة: من البارحة تأكدت من كل شيء.. واليوم أرسلت خداماتهم لبيتهم.. زايد ابتسم: الله لا يحرمني من اللي ماتحتاج وصاة.. وترا الذبايح يمكنها وصلت الحين.. ابتسمت مزنة: وصلت.. توني جيت من المطبخ من نص ساعة.. وعزمت أم شعاع واختها وعفرا وبنتها عشان يواجهون شعاع ويتغدون معها.. وغداكم أنتم بيكون جاهز عقب صلاة الظهر.. خلاص اعزم اللي تبي!! زايد همس بنبرة مقصودة وهو متجه للحمام ويوليها جنبه: مزنة.. أنا كل ليلة أدعيش وأنا نايم..؟؟ ابتسمت مزنة بشفافية عذبة: كل ليلة تقريبا!! الله لا يحرمني من اللي يدعيني وأنا على باله حتى وهو نايم.. أصلا لولا ذا الشيء.. وإلا يمكن كان طولت في زعلتي!! ************************************** " يأبيك أنت وزنك زايد وإلا يتهيأ لي؟؟" ابتسم علي وهو يغلق بابه ويعتدل جالسا في مقعده: إلا زايد وزايد يازايد وصلت وزن عمري ماوصلته في حياتي.. زايد لا يستطيع السيطرة على فرحته... أي سحر في هذه الصغيرة التي تجلس معتصمة بخجلها الرقيق في الخلف؟!! ماذا فعلت بولده؟؟ حين رأى علي قبل قليل في داخل المطار.. ظن للحظة أنه قد يكون أخطأ في الشخص..!! ماذا فعلت فيه وخلال شهر واحد فقط؟؟ وجهه مشرق تماما وممتلئ إلى حد ما!! وابتسامة دافئة تبدو كما لو كانت حُفرت على وجهه.. زايد هتف بحنان فخم وهو يوجه حواره لشعاع: أشلونش يأبيش؟؟ شعاع بخجل رقيق: طيبة يبه!! كانت ابتسامة علي تتسع... حتى سماع نغمات صوتها وهي تحاور سواه يفعل في قلبه الأعاجيب وكأنه يسمعها للمرة الأولى!! زايد أكمل حديثه: أشلون علي معش؟؟ همست بذات الخجل: علي مايقصر.. ابتسم زايد: إن قصر.. علميني عليه أقطع أذانيه.. شعاع صمتت بخجل.. بينما زايد أشار لعلي بإشار بينهما (أنت وش اللي غيرك كذا؟؟) علي ابتسم وهو يشير( باقول لك عقب!!) زايد هتف بحزم: أنا بأوديكم لبيتكم أول.. ترتاحون شوي... وتبدلون ملابسكم وعقب غداكم عندنا.. وأهل شعاع كلهم معزومين عندنا.. شعاع حين سمعت ذلك شعرت باختناق وعبرتها تقفز لحلقها.. فهي ماعاد فيها صبر لرؤية اهلها..!!! لذا كادت تقفز لتحوط عنق علي بذراعيها حين سمعته يهتف بمودة: ماعليه يبه خلنا نمر بيت عمي فاضل وننزل شعاع أول وهي بتجي معهم للغدا.. رغم أنها لم تطلب منه ذلك.. ولكنه كان يشعر بها أكثر مما يشعر بنفسه.. فرغباتها كما لو كانت تنبض في مشاعره لتصبح رغباته هو.. المهم أن تكون راضية!! زايد بمودة مشابهة: تبشر شعاع..!! وربما كان زايد أكثر سعادة بطلب شعاع.. فهو متلهف للاختلاء بابنه.. لذا فور نزولها لبيت أهلها.. التفت لعلي وهو يهتف بحزم مختلط بالفضول والمودة: يا الله قل لي وش السالفة؟؟ ضحك علي وهو يهتف ببساطة: السالفة إنها هي.. هي.. زايد صر جبينه بعدم فهم: أشلون هي هي..؟؟ ثم شهق وهو يهتف بانفعال غامر والصورة تتكامل في عقله الذكي: أما إني مخي ما كان يجّمع.. أشلون مافهمت بنفسي.. أشلون؟؟ يعني حالك ماراح ينقلب 180 درجة إلا لأنك لقيتها.. وأنت ليش ماقلت لي من أول ليلة؟؟ ليش ماريحتني؟؟ مع إني سألتك ثاني يوم وتهربت مني.. ابتسم علي وهو يجيب بشفافية: ماتهربت منك.. وأنت داري إني مستحيل أدس عليك شيء.. بس شعاع أول الأيام ماكانت متقبلتني كلش.. وأنا مابغيت أقول لك وأنا بروحي متوتر أشلون بتكون علاقتي معها.. ماحبيت أوترك معي ويزيد توتري... حينها ابتسم زايد وهو يربت على كتف علي: أجل دامك قلت لي الحين.. شكلك مالي يدك منها.. ابتسم علي وهو يجيبه بثقة العاشق: أفا عليك.. تلميذك يا أبو كساب.. زايد صمت وهو يبتسم بسعادة ويترك علي يحلق في سعادته الخاصة ومع ذلك كانت الأفكار تدور في رأس زايد.. " أي أستاذ يابني.. وأنا أشعر بأني أفشل عاشق على وجه التاريخ!! أي أستاذ.. بعد أن خبّر كل أبجديات العشق.. عاد ليتعلمها من جديد!! وكأنه عاجز عن فك رموزها ومعانيها!! أمور كثيرة يا بني بدأت تتشابك في ذهني وتتعقد.. أمور أخشى من خوضها وتفكيكها!!" ********************************** " وينها العروس؟؟ معتكفة؟؟" مزون تلتفت لسميرة وهما تتحدثان قبل الغداء..وتهمس بابتسامة: لعبنا عليها أنا وخالتي.. قلنا عروس عيب تطلعين.. وخلينا زايد عندها وجينا!! وضحى تناولت طرف الحديث والفتيات يجلسن في زاوية وهي تهمس بتساؤل: ها والعروس مستعدة لبكرة؟؟ مزون ابتسمت: مستعدة تمام.. إلا بالنوم.. ما تنام من التوتر.. شعاع حينها ابتسمت برقة: ذكرتني بحالي.. قولي لها مافيه شيء يخوف.. وخلها تنام وترتاح.. سميرة (بعيارة) لا تخلو من الصدق : إلا قولي لها ولد عمي يخوف.. يمه أنا كنت أخاف منه أكثر من أخوانه الكبار.. عليه صرخة لا عصب.. تفص اللحم عن العظم!! مزون تقرص سميرة في فخذها وهي تمس بمرح لا يخلو من غيظ: قولي لها ذا الكلام عشان أسود عيشة أخيش.. سميرة تدعك القرصة وهي تهمس بمرح: وغنوم وش دخله بطولة لساني تحاسبينه عليه.. مهوب كفاية قرصتيني وشوهتيني.. ألف مرة قايلة لكم حن البرص لا تقربون منا.. كل شيء يعلم في جلودنا.. . . " أم عبدالرحمن.. عالية ليه ماجات معكم.. أنا مشددة عليش تقولين لها" ابتسمت أم عبدالرحمن ابتسامة شاسعة فهي منذ معرفتها بالخبر وهي لا تستطيع السيطرة على فرحتها وهي تجيب مزنة: عالية في بيت أهلها.. تجهز لعرس أخيها.. ولو أني من يوم دريت ودي أروح أجيبها.. ماودي إنها حتى تشيل البيالة من القاع... والله العظيم فرحتي بحمالها مثل فرحتي بسلامة عبدالرحمن يوم ربي عافاه.. مزنة ابتسمت رغم شعورها بالاستغراب.. ولكنها كانت سعيدة بالفعل.. سعيدة.. فمنزلة عبدالرحمن من منزلة مهاب رحمة الله عليه: مبروك.. مبروك.. والله إني فرحت له.. وكذلك همست عفراء وكاسرة كلتاهما بالمباركة بينما أم عبدالرحمن أكملت بعد الرد على التهنئات: وترا أبو عبدالرحمن حالف كنه ولد ماله اسم إلا امهاب.. حينها غمر قلب مزنة حزن شفاف غريب.. ذكرى حرقة ابنها التي لا تنطفئ .. وحرقة أمنيتها أن تنجب كاسرة ولدا تسميه مهاب.. هاهي تراها أمامها تبتسم وتبارك وهي تبدو متألقة وتمارس مهام الضيافة كأفضل ما يكون.. ولكنها تعلم أنه لابد أن في داخلها حزن ما.. فهؤلاء أكملوا شهرا.. ولكنها أكملت أكثر من سنة.. ومثلها شقيقها تميم يقارب السنة.. ومازال أحد منهما لم يفرح قلبها بخبر طفل صغير قادم.. ستموت لتسميه مهاب.. عل بعض وجع روحها المكتوم يهدأ ويستكين..!! جوزاء ابتسمت وهي تجيب بمرح: لا تحاتين عالية يمه.. عمتي أم صالح ماعاد خلتها حتى تطلع الدرج لغرفتها ولا لغرفة فهد.. مقعدتها جنبها.. بعد هذي علوي دلوعتها.. حينها تنهدت عفراء في داخلها.. وهي تتذكر مدللتها التي تركتها خلفها في البيت.. لم تكن تريد مغادرتها لدقيقة واحدة.. وهي تشعر أن الوقت معها يركض كلمح البصر..والغد يبدو كما لو كان سيقع في الدقيقة القادمة.. ومتى ستفرح هي أيضا بخبر حملها وحفيدها.. وهي تعلم أنها تعاني مشاكل في ذلك!! " ربما كانت تلك إرادة الله حتى لا تحمل من خليفة!! وتحدث كل تلك المشاكل وبينهما طفل!! أو ربما لو حملت منه.. ماكانت كل هذه المشاكل لتقع!! وماكانت ابنتي لتتورط في زواجين وطلاق وهي مازالت في العشرين!! . يا الله مازالت طفلة.. فهل ستحتمل صلابة فهد وأنا بالكاد اعتدت على صلابة منصور!!" *************************************** " ها وش مسوي في روحك ذا المرة.. حرام عليك يا كساب نزلت قلبي في أرجيلي يوم شفتك" ابتسم كساب وهو يجيب علي: أنت اللي قلبك خفيف.. وهذا أنا قدامك طيب ومافيني إلا العافية!! علي بقلق حقيقي: كساب أنت ماتشوف نفسك.. يدك مكسورة.. ووجهك ماينشاف من كثر اللزقات.. وإبي يقول بعد إن جسمك فيه أصابات أكثر.. كساب ببساطة: كل السالفة حادث سيارة.. وهذا أنا طيب وبخير.. علي بمودة صافية: الله يعطيك العافية تامة من عنده.. ابتسم كساب: على طاري العافية.. ماشاء الله أشوفها بتنط من خدودك.. ضحك علي: تبي تنظلني بعد؟؟ الحمدلله ربي رحمته واسعة.. ضحك كساب: نبي نعرف الوصفة السرية بس.. هذا أنت شايفني مكسر وحالتي حالة.. علي مال عليه وهو يبتسم يهمس بشفافية: والله وصفتك السرية صار لها عندك أكثر من سنة.. بس شكلك لحد الحين ماعرفت لها.. **************************************** " ما يسوى علينا ذا الرجعة الدوحة.. اليوم كله ماشفتش.. عند هلش طول اليوم جيتي معهم ورحتي معهم!! لو أدري ما رجعنا.. " شعاع تحتضن خصر علي من الخلف وهو كان يخلع أزرته مواجها للتسريحة وتهمس برقة وخدها يستند لظهره: بس اليوم حبيبي.. تدري مشتاقة لهم.. وعقب رحت لعالية.. ماقدرت أصبر ما أشوفها عقب ماعرفت خبر حملها!! ابتسم علي: مرت عبدالرحمن حامل؟؟ مبروك.. ماشاء الله ماتوقعت صراحة.. شعاع همست بذات رقتها وهي تميل على أزراره التي وضعها على التسريحة لتعيدها داخل علبتها: أنتو ليه كلكم ظنكم في عبدالرحمن لذا الدرجة؟؟ ربك لا قطع من ناحية.. يوصل من ناحية ثانية!! ابتسم علي: مهوب القصد إنه تقليل من أخيش.. بس حتى أنا نفس السالفة.. لو أنتي حملتي الحين.. الكل بيستغرب.. لأني كنت قبل شهرين بس.. بأموت.. حينها تأخرت شعاع وهي تهمس بحزن شفاف: ليه أنت ظنك إنه ممكن نتأخر لين يجينا بيبي؟؟ علي استدار ليحتضنها بقوة حانية وهو يهمس قريبا من أذنها بعمق: تكفين عاد كله إلا ذا النبرة.. ما استحملها.. ياحبيبتي أنا أضرب مثل.. وأنا كنت واحد تعبان فعلا.. والحين أخذ علاج.. وعلى العموم..لا تحاتين شيء ياقلبي.. عطينا كم شهر بس.. ولو ماصار شيء.. أوعدش أروح أكشف وأعالج لو احتجت.. ثم أردف وهو يبعدها قليلا ويبتسم: أنا واحد (أوبن مايند).. فوايد السياسة!! شعاع حينها همست بعذوبة: حبيبي على طاري السياسة.. أنا إفادة تخرجي خلصت.. أبي أطلعها.. وعقب أقدم الوظايف من بعد أذنك!! حينها احتضن علي وجهها بين كفيه وهو يهمس برجاء مثقل بالرجولة والشجن: تكفين ياقلبي.. بلاها الوظيفة الحين.. تفرغي لي سنة وحدة بس.. وأنا عقب أوعدش أشغلش في المكان اللي تبيه.. ياعمري أنا مابعد شبعت من شوفتش قدامي... وأنتي عارفة إنه شغلي غالبا ماله مواعيد ثابتة.. أبي لا رجعت البيت ألقاش قدامي... ووقت ما أكون في الشغل.. براحتش سوي اللي تبينه.. روحي لهلش.. أو هلي.. أو اطلعي مع البنات.. المهم أرجع البيت وأنتي معي أو قدامي!! **************************************** " أنا ما أدري ليه لزمت عليّ نطلع.. وراي ألف شغلة قبل بكرة!!" عبدالله يشد فهد ليجلسه على أحد مقاعد المقاهي المنتشرة على مرفأ اللؤلوة.. رغم حرارة الجو.. ولكن كان هناك نسمات منعشة تهب من البحر من حين لآخر.. وعبدالله يهتف بحزم باسم: تلعب علي أنت؟؟ وش أشغاله؟؟ العرس تجهيزه كامل سويته أنا وصالح.. وحن مخلصين.. وبكرة الصبح بنروح نشيك على آخر التجهيزات وعلى ذبح الذبايح.. وأنت حتى أغراضك الخاصة هزاع ونايف هم اللي رتبوها لك ودوها للأوتيل.. فهد هتف بحزم: واحد عرسه بكرة.. أكيد عنده أشغال.. ومالي مزاج طلعة ذا الوقت.. عبدالله ابتسم: خلك من الخرابيط.. الشيراتون وش قربه؟؟ خلنا نقعد نسولف ونشرب لنا عصير بارد.. وأنا بأرجعك.. فهد تنهد: مامنك مخلاص.. وأنت في رأسك سالفة!! خلصني!! عبدالله بجدية: فهد أنت ماحد غصبك على البنت... أنت اللي بغيتها وأصريت عليها.. ليش الحين حاسك منت بمبسوط؟؟ لمعلوماتك أخوانك ملاحظين بس أنا أقول لهم توتر عادي!! فهد هز كتفيه بحزم: وهو فعلا توتر عادي... يعني صار لي سنين وأنا عايش على نظام معين.. صعب أني أتقبل تغييره بين يوم وليلة!! وخصوصا إنك عارفني.. التغييرات صعبة علي.. لأني جامد بزيادة.. ومرتي مالها علاقة.. لأني فعلا أبيها بكامل رغبتي!! وتوتري هو للوضع بس وهي مالها علاقة فيه!! كلام فهد بدا مقنعا نوعا ما.. وخصوصا أنه كان يقوله بثقة.. لذا استدار عبدالله للنادل وهو يطلب منه مايريدان.. بينما فهد كان يتنهد بعمق تنهيدة مكتومة وهو يسند ظهره للخلف ويشعر أن حرارة الجو تزداد.. فيحرر جيبه من أعلى.. عله يجلب مزيدا من الهواء لرئتيه المختنقة.. فهو ليس متوترا.. فمثله لا يعرف التوتر بمعناه المعروف.. فأعصابه حديدية.. وقلبه جامد.. ولا يخاف من شيء.. لكنه يشعر بهذا الغيظ الذي سيخنقه... والأغرب كراهية غريبة لهذه المخلوقة التي مازال لا يعرفها.. ولكنه رسم لها أسوأ صورة في خياله.. وكلما تخيل أنه سيعيش معها حياته كلها.. يشعر بشعور أشبه بالغثيان!! فهذه حياة كاملة!! حياة كاملة!! وهو مادام تزوجها فلابد أن يحتمل قراره.. فهو لم يتزوجها الآن ليطلقها بعد حين!! لكنه لا يحتمل فكرة أنه سيقابلها حياته كلها..!! هز كتفيه وهو يبتسم ويهمس في داخله " الله حلل بدل الوحدة أربع!!" ********************************** تعب من الاتصال وهي لا ترد عليه.. يعلم أنه كان من المفترض أن يذهب لزيارتها.. ولكنه بحساسيته الشفافة أراد أن تكون مقابلته الأولى معها بعد معرفته بخبر حملها.. بينهما فقط.. في مكان خاص بهما..لشدة تأثره بالخبر.. ومازالت لم تمنحه هذه الفرصة.. ولم تتكرم عليه!! " ماكل هذه القسوة يا عالية؟؟ أ يعقل أنها غير راضية.. لأنها لم تكن تريد طفلا يربطها بي وأنا على هذا الحال؟؟ أ يعقل أن تكوني قاسية هكذا؟؟ أ يعقل ؟؟ " " يا الله أنا ليش صرت كذا؟؟ دايم على بالي ظن السوء.. . وهي وش خلت لي غير ظن السوء.. موجوع من بعدها وهي ولا حست!! " ********************************* " بنات مابعد نمتوا؟؟" مزون تلتفت لخالتها وتهمس برقة: تدرين خالتي سميرة ووضحى طولوا السهرة.. وشربنا وش كثر كرك.. مافينا نعاس.. بس أوعدش نحاول ننام عشان العروس تكون موردة بكرة.. عفراء تنهدت: تكفين مزون خليها تنام شوي.. بأروح الحين أشوف زايد خليته عند منصور.. بأرجع عليكم عقب شوي.. يا ليت تكونون نايمين.. مزون همست لجميلة بحنان: جمول ياقلبي.. يا الله ننام.. سمعتي خالتي.. جميلة تستدير ناحيتها وهي ممدة على جنبها وعلى طرف عينها دمعة يبدو أنها ستسقط وهي تهمس باختناق: ما أقدر مزون.. خايفة ومتوترة.. مزون همست بعفوية مرحة: اللي يشوفش على ذا الخوف يقول أول مرة تتزوجين.. جميلة كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر تماما في البكاء الذي تكتمه منذ موافقتها على فهد.. مزون اعتدلت جالسة وهي تشد جميلة لتجلسها ثم تحتضنها وتهمس بندم: جميلة آسفة ياقلبي.. والله ماقصدت شيء.. الله يأخذني أنا ومزحي السخيف.. مزون شعرت بندم عميق لأنها ظنت أنها نقرت القشرة الرقيقة التي تحيط بما يضايق جميلة .. وهو كونها مطلقة ولها تجربة سابقة.. بينما فهد شاب أعزب هي تجربته الأولى.. لتشعر بصدمة عمرها وجميلة تتبتعثر كلماتها بين شهقاتها: وأنا فعلا كأني أول مرة أتزوج.. لأنه ماصار شيء بيني وبين خليفة.. ماصار شيء..!! #أنفاس_قطر# ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والثمانون مزون همست بعفوية مرحة: اللي يشوفش على ذا الخوف يقول أول مرة تتزوجين.. جميلة كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر تماما في البكاء الذي تكتمه منذ موافقتها على فهد.. مزون اعتدلت جالسة وهي تشد جميلة لتجلسها ثم تحتضنها وتهمس بندم: جميلة آسفة ياقلبي.. والله ماقصدت شيء.. الله يأخذني أنا ومزحي السخيف.. مزون شعرت بندم عميق لأنها ظنت أنها نقرت القشرة الرقيقة التي تحيط بما يضايق جميلة .. وهو كونها مطلقة ولها تجربة سابقة.. بينما فهد شاب أعزب هي تجربته الأولى.. لتشعر بصدمة عمرها وجميلة تتبتعثر كلماتها بين شهقاتها: وأنا فعلا كأني أول مرة أتزوج.. لأنه ماصار شيء بيني وبين خليفة.. ماصار شيء..!! مزون بتبلد: نعم؟؟ وش قلتي؟؟ جميلة تنهمر بين شهقاتها: سمعتيني.. بس تكفين ما أبي حد يدري ولا حتى أمي.. تكفين.. مزون مازالت تهمس بتبلد ناتج عن صدمتها: وليش ماقلتي لنا أو لخالتي على الأقل..؟؟ جميلة باختناق شهقاتها: حسيتها عيب في حق ولد عمي..أفضحه عقب كل اللي هو سواه عشاني وأنا في المصحة!! وخصوصا إن الذنب ذنبي.. مزون تهدئها وهي تهمس لها بحنان متعاظم: زين حتى لو ماصار بينكم شيء.. عادي.. لا أنتو أول ولا آخر زوجين.. خلاص اعتبري نفسش فعلا أول مرة تتزوجين.. جميلة تحاول تهدئة نفسها بفشل: بس هذي مهيب أول مرة أتزوج.. وخليفة مع كل اللي صار عقب.. لكنه والحق يقال كان طيب واجد معي.. ولا عمره فكر يجبرني على شيء.. ومهما كان هذا ولد عمي.. وجمايله فوق رأسي.. ماني بمتخيلة فهد وش بيقول عنه لا درا عقب؟؟ وحتى لو شلت خليفة من رأسي.. فهد حاط في باله إنه مهوب أول رجّال في حياتي.. وأكيد بيتعامل معي على ذا الأساس.. يمكن مايراعي حياي ولا خوفي.. خايفة يامزون خايفة..!! مزون تحاول تهدئتها: مع إنها صعبة علي.. بس لو تبين.. قلت لعمي منصور يقول له.. جميلة انتفضت بعنف حقيقي وهي تهمس بجزع وتصميم: تكفين يامزون هذا سر بيني وبينش... وما أبي حد يقول لفهد شيء.. أنا أحل مشاكلي بروحي.. تكفين مزون... أنا بس كنت أبي أفضفض شوي!! ************************************ " وش فيك يأمك قايم بدري كذا؟؟" غانم ينحني على رأس أمه مقبلا ويهتف بمودة: بأمر صالح وعبدالله عند حفل الرياجيل.. وأشوف إذا يبون مني شيء.. وعقب بأروح لفهد في الأوتيل عشان أروح معه للملكة في بيت منصور.. أم غانم بشجن: عئبال ما يتعبون معاك في عرسك.. ابتسم غانم: قريب يمه.. كلها ثلاث أسابيع ما تبي تمر ولا تخلص.. ياطولاها طولاه.. ولو أن فهيدان فاقع كبدي لأنه مهوب حاضر عرسي.. وش ذا الدورة اللي ماطلعت إلا مع عرسي.. أم غانم همست باستغراب وهي تمده بفنجان قهوة: يعني صدق ذا السالفة؟؟ يوم نجلا قالت لي إن فهد مهوب حاضر عرسك ولا عرس نايف استغربت.. غانم يتناول الفتجان منها ويهتف بمنطقية: بعد يمه ظروف شغله جات كذا.. ولا أنا.. ولا نايف متشرهين عليه!! غانم يحاول أخذ كل الأمور بطبيعية وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل.. لذا حاول أخذ الموقف الذي حدث في المستشفى كذلك بطبيعية.. وهو يتمنى ألا يؤثر على علاقته بكساب.. ولكنه لم يستطع لشدة حرجه أن يتصل به أو يعود لزيارته... ولكنه اتصل بزايد واعتذر منه.. وطلب منه أن يعتذر من كساب ويتحمد له بالسلامة.. فطمأنه زايد بلباقته المعروفة أنه لا داعي لأن يشعر بالحرج.. لأنهم يعلمون أنه كان غير قاصد أبدا !! ولكنه يشعر بحرج عظيم فعلا.. وهو محرج أكثر أن يرى كسابا الليلة في حفل زواج فهد!! لا يعلم كيف ستكون المواجهة بينهما.. على الأقل على مستوى النظرات!!! ********************************** " يا الله يأمش.. جهزتي أغراضش كلها؟؟" مزون كانت من ردت: كل شيء جاهز خالتي... وخليت الخدامات ينزلون الشناط للسيارة.. جميلة كانت ترتدي عباءتها وهي تتجنب أن تتكلم لأنها تخشى أن تنفجر باكية.. مشاعرها المرهفة تبدو كما لو كانت على حد سكين مسنون تماما... جميلة حين انتهت من لبس عباءتها ونقابها همست لأمها برقة أقرب للبكاء: يمه عطيني زايد.. أنا بأشله.. عفراء أعطتها زايد الصغير دون أن تتكلم... دوامة كثيفة من المشاعر تدور بين الإثنتين.. منذ عقد القرآن الذي تم صباحا في وقت مبكر.. وكل منهما تخشى أن تنظر للأخرى بشكل مباشر.. ومزون تشعر بالاثنتين وهي تخشى من تفجر مشاعر تكون هي في وسطه.. والثلاث يخرجن للسيارة... وجميلة ترفض أن تعطي زايد لأحد.. وتصر على حمله حتى يصلن للأوتيل.. وهي تضمه لصدرها وكأنه تتمسك فيه ببقايا رائحة استقرارها وإحساسها بالاحتواء والأمان.. ******************************** " علي حبيبي... قوم ودني ياقلبي!! " علي يفتح عينيه بتثاقل.. ثم يبتسم وهو يرى وجهها الأثير قريب منه.. كما لو أن الشمس أشرقت على سريره مباشرة.. مد كفه ليحتضن خدها وهو يهمس بحنان: وأميرتي وين تبي تروح من صباح الله خير؟؟ مالت باستعجال لتقبل جبينه وهي تقف وتبتعد وتستخرج ملابسه من الخزانة وتهتف برقة: قوم يالنساي.. مسرع نسيت.. هذا أنا طلعت ثيابك.. قوم اسبح والبس وودني.. أبي أروح لجميلة في الأوتيل... أنا والبنات بنتعدل عندها.. علي يهمس بابتسامة وهو يقف متجها ناحيتها: ياسلام.. يعني النسوان يشوفون كشخة حبيبتي قبلي.. وأنا آخر من يشوفها.. آسف تعدلي هنا... وأنا بأوديش في الليل... شعاع احتضنت عضده برجاء: تكفى حبيبي تكفى.. لا تسكرها مرة وحدة.. أصلا بأرجع بدري.. بس تجي الزفة بأرجع.. علي ليس رافضا مطلقا.. فهي استأذنته منذ الأمس وأذن لها.. ولكنه يريدها أن تذيب مشاعره حين ترجوه بطريقتها المثقلة برقتها وعذوبتها.. علي احتضن وجهها بين كفيه وهو يغمره بقبلاته الدافئة ثم يهمس لها بأريحية: تدرين يا النصابة إنش تأمرين على رقبتي... حاضرين ياقلبي.. نوديش للمريخ لو تبين... بس على اتفاقنا... يزفون المعرس.. بأجي أخذش.. تجهزي تنزلين لي!! **************************************** " أنا بأعرف أخيك ذا.. كم مزاج عنده؟؟ مزاجه زفت قبل الملكة... ثم وش زينه في الملكة.. تكانة وركادة.. والحين شكله بيدبغ كل الحلاقين اللي في المحل من كثر ماهو معصب وش بيسوي في العرس؟؟" هزاع يبتسم وهو يجيب نايف: لا تخاف بيكون راسم نفسه ولا أبو الهول في زمانه.. المهم لا تسوي نفسه يوم عرسك.. أنا اللي بأدبغك... خلاص فهد حرق اللي باقي عندي من الأعصاب.. ماني بمستحمل دلع.. واحد معصب عشانه بيعرس...وش ذا السخافة؟؟ ليتني أعرس بس عشان تشوفون أشلون بأوزع ابتسامات لين أقول بس!! نايف يضحك: والله مالي شغل.. يقولون العصبية موضة للعرسان.. وأنا لازم أتابع الموضة.. هزاع يضحك: ويقولون لك بعد ضرب المعرس المعصب بيصير موضة بعد... فهد ينظر للاثنين الضاحكين.. ويتمنى لو تناول (عقاله) المعلق قريبا منه.. ليضرب الأثنين به.. ماهو المضحك الذي يُضحك هذين السخيفين بينما هو يشعر بغيظ عظيم.. عظيم؟!! يتنهد بعمق.. وهو يشد له نفسا عميقا.. " اعقل يافهد واركد... لا تضحك الناس عليك.. وخير.. السالفة كلها مرة.. عاملها بما يرضي الله وخلاص لا أنت أول ولا آخر رجال.. يتزوج وحدة مهيب على هواه.. وعقب فترة بأتزوج اللي على هواي!! الموضوع بسيط.. وما يستاهل الشد اللي أنا مسويه في نفسي!!" ************************************* " وين رحتوا وخليتوني؟؟" مزون تبتسم وهي تخلع عباءتها ثم تجلس جوار جميلة التي أنهت زينتها للتو: رحنا نكمل ترتيب الباقي في جناح العرسان.. جميلة توترت نوعا ما.. وما الذي لا يوترها؟؟ همست بهذا التوتر وهي تمد أناملها لأطراف شعرها: شكلي أشلون؟؟ مزون ابتسمت بشفافية وهي تحتضن كتفي جميلة: بسم الله ماشاء الله.. بتشوفين شكلش اشلون في عيون سبع البرمبة لا طلعت عيونه برا.. جميلة بتأثر غامر: الله يعطيش على قد نيتش يا مزون.. ويخلي عيون غانم ما تشوف غيرش.. قولي آمين!! ابتسمت مزون بمرح: إيه والله محتاجين ذا الدعوة... كثري منها بس.. عفرا تقف في الزاوية لم تقترب وهي تنظر لزينة ابنتها التي اكتملت مع اكتمال تسريحة شعرها.. وتاثرها يتعاظم ويتعاظم.. تشعر أنها تبذل جهدا جبارا حتى لا تنهار في عاصفة من الدموع تكتمها بكل قوتها.. فهي في عينيها طفلة..سلبها الوجع منها.. سلبها المرض منها أولا.. ثم سلبها زواج لم تكن تريده لها.. كانت تريد أن تبقيها في حضنها حتى تطمئن روحها أنها قوية قادرة مواجهة الحياة.. فهي هشة.. هشة للغاية!! وكم تخشى عليها من قسوة الأيام!! *************************************** كان الوقت بعد صلاة المغرب مباشرة.. انتهت من زينتها.. وهاهي تنظر لنفسها في المرآة.. ولتألقها المبهر!! الجميع ذهبوا.. ولم يتبق سواها.. مازالت لم تستأذنه في الذهاب.. فهما تقريبا لا يتكلمان منذ ماحدث الليلة قبل الماضية.. وكل منهما يتجاهل الآخر بطريقة متعمدة تماما.. وكأنهم يروون أن هذه الطريقة هي الأسلم للتعامل بينهما.. ماداما لا يمارسان إلا تبادل الجرح!! ولكنها رغما عنها تعاني أكثر لأنه لو كان في حالته الطبيعية.. كان تجاهله ليكون أبسط.. ولكنه الآن يعاني بشدة من إصاباته.. وفي تجاهلها له قسوة آلمتها في أعمق مكان في روحها.. البارحة لم تستطع أن تنم حتى وهي تسمع أناته الخافتة كلما تقلب.. كانت توليه ظهرها.. وهي تعض طرف الفراش بقوة حتى تمنع نفسها من القفز إليه كلما سمعت آنة بالكاد تسمع.. ودموعها تنهمر بغزارة دون أن تشعر حتى!! تنهدت وهي تنفض أفكارها.. نظرت إلى ساعتها.. لابد أن تذهب وهي اتصلت فعلا بالسائق والخادمة ليتجهزا.. ولكن تبقت الخطوة الأصعب.. استئذاته!! تعلم أنه لن يرفض.. ولكنها لابد أن تستأذن.. حاولت أن تتصل.. فلم تستطع!! لذا أرسلت له رسالة: " أبي أروح الحين للعرس.. ممكن؟؟" كان انتباهها مع هاتفها وهي تنتظر الرد.. ليصلها الرد من مكان قريب جدا وبصوته.. ارتعشت بخفة وهي تسمع صوته خلفها.. باردا حازما: هذا أنتي متجهزة.. وش يهم موافقتي من عدمها؟؟ استدارت ناحيته وهي ترد ببرود حازم مثله: الاستئذان واجب علي.. ولازم أسويه.. هتف بنبرة سخرية: لا مهتمة من واجباتش صدق!! لم ترد عليه.. بينما كان هو ينظر لها بتمعن.. كم افتقد لرؤية حسنها المتأجج كشعلة نار لاهبة في خضم إرهاقها طيلة الأيام الماضية.. والليلة يبدو حسنها أكثر من متأجج بكثير.. يبدو كما لو كان سيحترق من مجرد النظر إليها!! هتف لها بعدم اهتمام: امشي بأوصلش.. وبأنتظرش لين تخلصين.. فلا تطولين علي.. كاسرة بتساؤل مستغرب: وش توصلني وأنت كذا؟؟ وأنت منت بحاضر العرس؟؟ هتف بسخرية: على قولتش دامني كذا.. أشلون أحضر العرس.. زِين شكلي وأنا قاعد بين الرياجيل بذا اللزقات كلها كني مومياء!! حينها جلست كاسرة على طرف السرير وهي تخلع حذائها.. وتدخله تحت السرير.. كساب باستغراب: شتسوين؟؟ كاسرة ببساطة مصممة: خلاص ما أبي أروح.. كساب بتهكم: هذا كله عشان ما أوديش.. خلاص باتصل في سواقة خالتي وروحي معها.. كاسرة بتصميم أشد: خلاص كساب ما أبي أروح.. حينها هتف كساب بغضب: وليش ما تبين تروحين.. هذا عرس بنت خالتي.. على الأقل باركي لخالتي وارجعي.. كاسرة لم ترد عليه وهي تتوجه لغرفة التبديل لتخلع ملابسها... ماذا تقول لهذا الغبي: أنها يستحيل أن تذهب وتتركه خلفها أو حتى تسمح له أن يقود بها السيارة وهو على هذا الحال.. ارتدت لها فستانا ناعما من الشيفون تتناسب ألوانه مع ألوان زينتها وارتدت صندلا بعنق مرتفع مفتوح زاد أناقة ساقيها المكشوفتين الناصعتين.. ثم عادت له... على الأقل لتستمتع هي بأناقتها!! نظر لها باستغراب غاضب: يعني صدق ما تبين تروحين.. أقول لش قومي.. أنا بأوديش.. جلست وهي تهمس بتهكم: ما أبي أروح.. وش تبي الناس يقولون علي وأنا رايحة عرس وأنت قاعد وراي في البيت؟؟ تراجع وهو يهتف بسخرية مريرة: وهذا اللي يهمش؟؟ كلام الناس؟؟ هزت كتفيها وهمست بحزن عميق مخفي خلف حزم صوتها: ووش باقي لي أهتم له غيره.. على الأقل خلني أحافظ على برستيجي قدام الناس.. ******************************************* " عالية حبيبتي اجلسي.. واجد وقفتي.. مهوب زين عليش وأنتي في شهورش الأولى" عالية تميل على أذن نجلا وتهمس بمرح: من زين الاستقبال.. كل اللي في الاستقبال عاهات.. استقبال حوامل.. على الأقل خليني واقفة بينكم أنتي وجوزا... بطني مابعد بين!! نجلا بمرح مشابه: ما تخلين الواحد يرحمش.. خلاص وقفي.. تستاهلين!! عالية بمرحها المعتاد: الله الغني عنكم.. بأرحم روحي بروحي!! نجلا بمودة: ياحليلش يا علوي.. والله سويتي لنا جو الأيام اللي فاتت.. في التجهيز.. وفي قعدتش في بيت هلش.. كل ماجيت لقيت وجهش الشين.. بنفقد صجتش والحين بيسكر عليش الدحمي.. هو أول مسكر عليش بدون شيء.. أشلون الحين وأنتي حامل... عالية رسمت ابتسامة على وجهها.. ولكنها لم تكن متقنة إطلاقا.. ففيها كثير من ضيقها وحزنها.. فالوضع بينها وبين عبدالرحمن بقدر مايبدو حله سهلا.. بقدر ما يبدو معقدا!! وتعقيده ناتج من مقدار حبها لها وخشيتها من الاندفاع في تصرف قد لا يكون محسوبا!! ********************************* " يا الله...يجنن فستانها.. ما ينفع أروح لبنان أنا بعد.. قولي لتميم يودينا.. خلني أجيب لي فستان من هناك" سميرة تميل على أذن وضحى وتهمس بمرح: وفستانش اللي سويتيه هنا.. وش نسوي فيه؟؟ نقطه في الزبالة...؟؟ وبعدين يا أختي اقبضي أرضش.. (الئالب غالب) على قولة خالي هريدي.. جمول لو لبست خيشة.. قلنا بنلبس خياش.. شوفي جسمها أشلون صاير ريان ومشدود.. قربت تصك على الجويزي مرت ولد عمي عبدالله قبل حملها.. وضحى بتأفف مازح: ما أقول غير مالت بس.. هذا كلام تقولينه لعروس.. عرسها عقب شهر.. لا وعريسها يمكنه متحلف فيها الحين... سميرة ضحكت بخفوت: أما متحلف فيها.. فمتحلف فيها... خاطري أسمع أول كلمة بيقولها لش بس!! وضحى ضحكت فهي تحاول ألا تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل: متحلف فيني من سبايبش.. والله لا يقول لي شي.. لا أطلعه من عينش!! الاثنتان كانتا تتهامسان وهما تنظران من حين لآخر لجميلة ويذكران الله عليها.. كانت جميلة أكثر من متألقة بكثير بكثير... وفتنتها تبلغ أوجها الليلة.. مدعومة بأناقة خاصة جدا.. ففستانها الأبيض الحريري المختلط بلمسات من الدانتيل كان ضيقا على جسدها ويتسع تدريجيا بفخامة مدروسة من أسفل الأرداف.. وشعرها القصير كان طوله غير واضحا لأنها تم لولبته لإعطائه مزيدا من الحجم وإعادته للخلف بطريقة تموجية.. وتم نثر زهرات صغيرة من نفس دانتيل الفستان فيه.. ولم ترتدِ طرحة مع الفستان... فبدا نحرها الشامخ مبهرا في إضاءة كبريق قمر مكتمل.. وهي ترتدي فقط عقدا ناعما من الألماس دون أقراط.. وزينة وجهها كانت غاية في النعومة والعذوبة دون إثقال لأن بشرتها النقية لم تحتج للكثير.. فعلاجها في المصحة ولأنها كانت لا تتغذى إلا بغذاء صحي مدروس مدعوم بتمارين رياضية مدروسة استمرت عليهما كلاهما.. أعاد تكوين كل مافيها بطريقة صحية نظرة!! كانت ترسم على ملامحها ملامح شموخ مختلطة بحياء رقيق... تختلف تماما عما يمور في داخلها من توتر.. فهي قررت أنها لن تشمت الشامتين كما أنها لن تحزن الأحباب.. فهي تعلم أن والدتها على طرف البكاء.. وتحتاج لها سببا فقط لتنهمر.. وهي لن تسبب لوالدتها الحزن وفي هذه الليلة.. ورغم أنها لم تنزل من جناحها.. إلا أن كثيرا من المهنئات صعدن لها.. فالكثير دفعه الفضول لرؤية تغييراتها بعد العلاج... عدا أن صديقاتها حضرن كلهن وهن ينثرن جو بهجة حماسي حولها.. ورغم كل التوتر.. إلا أنها شعرت فعلا بإحساس العروس الذي حُرمت منه!! شعور سرقته من قسوة الزمن.. وإحساسها باليأس والتوتر..!! وطبعا حضيت بالكثير من الحديث الجانبي كماهي عادة نميمة الأعراس!! صوت يهمس للمجاورة له: خلاص سلمنا خلينا ننزل للقاعة.. سلطانة وهي تتأكد من وضع نقابها على وجهها: شفتي العرس والقاعة وأشلون متكلفين.. اقصبوا ولد أختي وافقروه.. وليته على حد يستاهل!!.. على مطلقة..!! نورة بنبرة عدم اهتمام: لا تحاتين ولد أختش أبو لسان بغى يأكلنا ذاك اليوم عشانها..أكيد جاته باردة مبردة... ياحبيتي عرس النسوان كله قام به منصور آل كساب.. ولد أختش مادفع ريال.. سلطانة باهتمام وهما تغادران: وأنا أقول وش عنده.. أثرهم شارينه للدلوعة.. لا ولسانه طويل بعد.. وش عليه ياحظي!! وأنا اللي كنت أبي أزوجه بنتي.. أكيد ما يبيها.. مانقدر نسوي لها عرس مثل ذا.. نورة بنفس نبرة عدم الاهتمام: أنتي وذا البنت... بنتش عادها بزر يأختي.. وش مستعجلة عليه؟!! سلطانة باستنكار: بزر.. وش فرقها على جميلة؟؟ مابينهم إلا سنتين.. وعلى الأقل بنتي بيكون هو أول بختها.. مالت عليه رجال المطلقة!! . . . للتو تدخل أم صالح للسلام على جميلة لأن موعد زفة ابنها قد اقترب بعد أن كانت تتولى مهمة الترحيب بالضيفات في الأسفل.. سلمت على جميلة وباركت لها بحميمية قبل أن تتأخر وتجلس.. ثم تجلس عالية جوارها فعالية سبق لها أن سلمت ثم نزلت ثم عادت الآن مع أمها.. تهمس عالية بمرح ودود: ها يمه.. أنتي كان عينتي لفهد مرة أزين من ذي يومش منتي براضية..؟؟ أم صالح تنهدت: يأمش أنا يوم عييت من جميلة.. مهوب عشان الزين .. أدري إنها الله يستر عليها مابه مثل زينها.. بس أنتي عارفة ليه عييت.. وذا الحكي خلاص مامنه فود... الرجّال عرس.. والله يوفقه.. . . . " ماشاء الله عليه فهيدان راسم روحه مضبوط في البشت والابتسامة شاقة.. عقب ماجننا الأيام اللي فاتت" هزاع بمرح: عقبالي يارب!! صالح بمرح مشابه: ومن ردية الحظ اللي بتأخذك؟؟ هزاع (بعيارة) : وحدة مثل بنت عمي أم خالد ردى حظها حذفها حذفة قشرا!! صالح بغضب مازح: كذا ياهزاع.. زين دواك عندي.. هزاع يهز كتفيه: أنت البادي.. صالح يبتسم: وأنت ماتحشم الكبير.. هزاع يرد بابتسامة مشابهة: وأنت ما ترحم الصغير.. صالح يتلفت يمينا ويسارا: وين الصغير؟؟ ماني بشايف إلا طوفة جنبي!! هزاع يضحك: ومن شر حاسد إذا حسد.. صالح بتساؤل مهتم: على طاري الحسد.. يقولون أبو عبدالرحمن عطاك بشارة عنه وعن ولده.. وش عطاك؟؟ هزاع بتأفف: الشيبة المخرف عطاني طير... شايفني مقطع البران قانص.. صالح بحماس مرح: أبد وقبل ماتشوفه أنا شراي.. ولا تزعل من الشيبة المخرف.. بأعطيك كاش ماني!! ابتسم هزاع: وكم سومتك؟؟ صالح بذات الحماس: عشرة ألاف.. هزاع لم يرد عليه وهو ينظر له تحت أهدابه!! فأكمل صالح بذات الحماس: زين عشرين.. حينها ضحك هزاع: نطيت من عشرة لين عشرين مرة وحدة... ثم أردف بنبرة مقصودة: الظاهر إنك تحسبني بزر صدق وإلا غبي.. صحيح ما أعرف في الطيور.. بس أعرف زين سمعة طيور أبو عبدالرحمن.. يقولون أقل طير عنده.. يجيب ضعف المبلغ السخيف اللي أنت قلته على الأقل!! ضحك صالح: منت بهين يا التّوتّو.. ما ينلعب عليك.. ثم أردف وهو يغالب ضحكه: زين قوم فهد يأشر لك... الظاهر يبيك تشغل السيارة عشان الزفة!! *************************************** عفراء أعلنت للمتواجدات عند جميلة أن العريس سيدخل.. فبدأن بالخروج جميعا ولم يتبق سوى مزون وعالية وأمها وجميعهن ارتدين عباءاتهن.. عفراء اقتربت من ابنتها وهي تلبسها عباءتها أيضا.. همست جميلة باختناق: مهوب جاي هنا؟؟ عفراء تتولى دورها بحزم وهي تخفي حزنها خلف حزمها: لا يأمش بيجيش في جناحكم... بس أنا ما كنت أبي النسوان يطلعون لجناحكم وأغراضكم الخاصة.. وأنا مرتبته لكم بس.. عفراء قادت ابنتها للجناح القريب جدا.. وخلفها مزون وأم صالح وابنتها.. ثم خلعت عباءتها ورتبت شكلها.. وأجلستها.. لكن جميلة لم تفلتها وهي تمسك بكفها وتحتضنها قريبا من قلبها.. عفراء شعرت بارتعاشها واضحا.. فجلست جوارها وهي تحتضنها بشكل جانبي.. وتقرأ عليها الأذكار وآيات من القرآن الكريم... حتى رن هاتفها.. كان منصور هو المتصل يبلغهم أنهم يقفون أمام باب الجناح.. تزايد ارتعاش جميلة.. فهمست لها عفرا بحنان: تكفين جميلة لا تفشلين روحش في الرجّال وهله.. عفراء أوقفت جميلة التي كانت تعتصر مسكتها الناعمة بين أناملها بقوة وهي تخفض بصرها للأرض وتحاول بفشل ألا ترتعش.. عفراء توجهت للباب وفتحته.. ليدخل منصور أولا يتبعه فهد.. و الاثنان غاية في التألق والأناقة الرجولية في بشتيهما السوداوين.. وخطواتهما الواثقة.. منصور تقدم أولا وهو يتجه ناحية جميلة ليقبل جبينها.. ولكنها لم تفلته وهي تطوق خصره بتأثر متعاظم.. شعور تعجز عن وصفه.. وكأن والدها فعلا هو من يسلمها لزوجها.. تمنت أن تطول هذه اللحظة وأن يطول احتضانها لمنصور وهي تشعر بالأمان في حضنه.. وأن يكون حاجزا يحميها مما يقلقها خلفه..!! منصور همس في أذنها بحنان وهو يحتضنها: مبروك يأبيش.. ولا تحاتين شيء.. أنا وصيت فهد عليش.. وفهد مايقصر.. فهد كان خلف منصور بعدة خطوات .. مازال لم يبصر العروس.. فظهر منصور العريض يغطيها.. عدا أن أمه وشقيقته استغلتا انشغال منصور وابتعاده واقتربتا لتباركا لفهد.. ثم ابتعدتا في ذات اللحظة التي استدار فيها منصور ليشير لفهد أن يتقدم.. حينها كان منصور يتأخر ليفسح لفهد مكانا جوار عروسه.. فهد تقدم بخطواته الواثقة.. وهو ينظر أمامه بكل ثقة.. فليس هو من يتراجع أو يهاب!! حينها.. حـــيــنــهــا.. عاجز عن وصف شعوره حينها.. عاجز عن وصف الصدمة التي اكتسحته بكل عنف!! لثانية من الزمن.. ظن أنهم قد يكونوا أخطأوا في العروس.. يستحيل أن تكون هذه هي.. يستحيل..!! فهذه التي أمامه.. لا يجد حتى كلمات لوصفها وعيناه تطوفان بها كالمأخوذ.. من أين أتت القبيحة بهذا الحسن الطاغي المثقل بالإثارة وكل مافيها ينضح بالفتنة لأقصى درجاتها..؟؟ حاول هز رأسه واستعادة صفاء تفكيره الذي باغتته الصدمة.. وهو يقول لنفسه (كله من الماكياج!! كله من المكياج!!) ولكن هذا المبرر لم يقنعه حتى.. رغم محاولته المستيمته لإقناع نفسه به.. فهل (المكياج) سيصنع هذا التكوين الجسدي الملتهب بدأ من خصرها المنحوت وانتهاء بنحرها المبهر ومرورا بعضديها المصقولين؟؟ أم هل المكياج سيصنع هذه الملامح التي تتوسط وجها لم يرى مثل بهائه؟؟ أم هل المكياج سيصنع السحر الذي شعر به يسربلها من رأسها حتى قدميها؟؟ هذا الجمال لا يكون إلا صنعه سبحانه..!! منصور هتف لفهد بصوت أعلى: فهد تعال وش فيك واقف بعيد.. تعال جنب مرتك.. ثم همس في أذنه: امسك يدها وقعدها.. فهد تنحنح وهو يقترب ليقف جوارها.. شعرت جميلة أنه سيغمى عليها وهي تشعر بحفيف عضده على كتفها.. ثم شعرت أنه سيغمى عليها فعلا حين تناول كفها بين أناملها.. وهو يشدها ليجلسها.. هــو رغما عنه شعر بالتكهرب.. فهذه المرة الأولى التي يلمس فيها امرأة.. ولم تكن أي لمسة.. بل شعر أنه يلمس شيئا أشبه بالحرير االندي.. وأن يدها قد تنكسر في يده لشدة نعومها!! ولكنه أفلتها بنفس سرعة امساكه لها.. وشعرت جميلة أن في افلاته لها حركة مقصودة وحادة نوعا ما.. وكانت حركته فعلا حادة ولكن غير مقصودة.. بل كانت عفوية.. ففهد ما أن شعر بنعومة أناملها بين قساوة أنامله.. حتى شعر بشعور عارم بالقرف.. فهذه الأنامل الزبدية ليس هو أول من يمسك بها.. بل أمسكتها يد قبل يده.. وأشبعتها بالقبلات أيضا.. شعر أن رائحة شفتي زوجها السابق ماتزال على أناملها.. تلسع أنامله وتحرقه..!! " أعترف أن جمالها هزني بعنف.. ولكن ماذا إن كانت جميلة وفاتنة..؟؟ الوضع أسوأ الآن!! فمن لها كل هذا الجمال.. لابد أنها مغرورة أيضا.. مغرورة بجمالها المستهلك..!!! . وماذا أفعل بجمال مستهلك.. شبع من رؤيته سواي؟؟ وحين سئم منه.. ألقاه في القمامة.. لأتلقى أنا فضلته التي ألقاها!! " ما أن وصلت أفكار فهد لهذا المستوى حتى شعر أن أنفاسه تضيق وتضيق.. رغم أنه مازال يرسم ابتسامة محترفة على شفتيه.. شعر أنه يريد أن يهرب من المكان كاملا.. لا يريد حسنها.. ولا يريدها.. ولا يريد هذا الموقف كاملا..!! يشعر أن الأرهاق من فوضى الحياة يداهمه.. ومساراته تسير على غير هواه.. يشعر بالاختناق الفعلي من كل شيء!! من كل شيء!! السلامات انتهت.. والتوصيات كذلك.. والجميع غادروا.. وبقيا العريسان وحدهما... والصمت هو من يدير الدفة بينهما.. #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والثمانون مازال الصمت محتكما.. وهو ينثر جوا ثقيلا في المكان.. إن كان هو نظر لها.. فهي مازالت لم تنظر له.. وخجلها يخنقها.. وعيناها مثبتتان على مسكتها ويزيد في اضطرابها معرفتها أنه يراقبها الآن.. كان بالفعل قد ابتعد قليلا عنها ليترك مسافة بينهما وهو يستدير ناحيتها ويتأملها.. فللجمال أحيانا سطوة تفرض حضورها رغما غن كل أنف!! كان يتأملها بدقة لا يعرف لها سببا.. نقوش الحناء التي وصلت إلى منتصف عضدها الملفوف.. بشرتها المصقولة لدرجة تبدو غير طبيعية.. شفتيها النديتين المرتعشتين.. أهدابها المسبلة بحسن لم يكن لسواها.. ذقنها الناعم الذي بدا له شيئا غير معقول وارتعاشه يزيده عذوبة.. ونظراته تنحدر أكثر إلى حيث يتربع العقد الماسي مكملا لصورة حسن مكتملة أساسا... هكذا بدت له تماما.. أشبه بصورة مرسومة بتفنن بارع مبهر.. ولــكــنــهـــا... صورة مستهلكة... مستهلكة تماما!! زفر بقرف فعلي لينفض قرف أفكاره.. وهو يقف مبتعدا عنها.. ثم يهتف بنبرة واثقة: دقايق بأتوضأ ونجي نصلي.. ركعتين مع بعض... فمهما كان غير متقبل لها.. فهذه سنة لابد من القيام بها.. بينما جميلة كادت تبكي فعلا.. ماذا تقول له.. أنها لا تصلي.. وهي تتفاجأ بدورتها الشهرية هذا الصباح مبكرة قبل موعدها الذي بالكاد انتظم... تعلم أن هذا حدث من التوتر لابد.. ولكن ماذا تقول له الآن..؟؟ قررت أن تقف وتهرب قبل أن يعود.. وهي تتوجه لحمام غرفة النوم.. وتحمد ربها أنه توجه لحمام الصالة.. تناولت لها بيجامة زهرية من الحرير والدانتيل ناعمة وفخمة في آن بدون أكمام ولكن معها روبها الفخم من الدانتيل.. وتركت قميص النوم الذي علقته لها والدتها.. فهي خجلت من إخبار أحد.. وهي تدس أغراضها الخاصة بنفسها في الحقيبة هذا الصباح.. فهد حين عاد لم يجدها.. زفر بغيظ: ( صدق إنها قوية وجه ولا عندها حيا.. ما حتى انتظرت لين أجي!!) قرر أن يصلي قيامه حتى تحضر.. مع أنه تمنى ألا تحضر.. ولكنه قضى وقتا طويلا بعد أن انتهى من قيامه ومن ورده.. وهي مازالت لم تحضر.. حينها قرر التحرك لداخل الغرفة... كانت تجلس أمام التسريحة تمشط شعرها الذي استشورته للتو.. وكانت تريد وضع بعض الزينة الخفيفة.. ولكنه لم يمنحها الفرصة بدخوله المفاجئ.. استدارت نحوه بخجل ودون أن ترفع بصرها بينما هتف هو بحزمه التلقائي ونبرته الحادة: ليش ماجيتيني عشان نصلي..؟؟ جميلة صمتت وهي تشعر أنها ستختنق.. أعاد عليها السؤال مرة أخرى.. حينها همست بصوت مختنق خافت: ما أقدر أصلي.. بدت له نغمة صوتها رقيقة وخافتة إلى درجة لا تحتمل لذا هتف بحزم أشد: أشلون يعني ماتقدرين تصلين..؟؟ وارفعي صوتش خلني أسمعش.. قال ذلك وهو يقترب منها أكثر.. همست باختناق أشد وهي تحاول رفع صوتها أكثر وتكاد تبكي: ما أقدر أصلي.. فهد كان سيعيد السؤال مرة ثالثة لولا أن الله منَّ عليه بنعمة الفهم أخيرا.. وهو يتنحنح: زين تبين تعشين؟؟ همست برقة مختنقة وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها وهي تراه واقفا أمامها مباشرة: ما أبي.. تبي تتعشى أنت.. بالعافية.. حينها هتف فهد بجلافة: أنتي ليش تتكلمين كذا؟؟ جميلة همست بصدمة وهي ترفع بصرها له: نعم؟؟ كذا أشلون؟؟ كلاهما تكهرب وبشدة.. هو لأنه اكتشف أنها بدون زينة أجمل بكثير.. ومثيرة لدرجة مضنية.. مع أنه كان يظن ولو لحظة أن (الميك آب) هو ما منحها إطلالتها الفاتنة.. وهاهو يكتشفها أمام عينيه خالية من أي زينة... ومبهرة أكثر.. وهذا الأمر زاد في سلبية نظرته ناحيتها بطريقة غريبة.. "مثل هذه لماذا يتركها زوجها؟؟ لماذا؟؟ بالتأكيد بقدر جمالها.. بقدر سوء أخلاقها ربما لم يحتمل أن يعاشرها..!! فمن يحتمل هذه (الملاغة والمياعة) ؟" وهـي تكهربت لأنها رأته من هذا القرب طويلا وعريضا ووسيما بطريقة مرعبة.. وهي تعقد فورا مقارنة بينه وبين خليفة المهادن الذي كان النظر له يُشعر بالأمان.. كلاهما تراجع خطوة للخلف بينما فهد يكمل بذات الجلافة الطبيعية: أنا ما أحب الكلام بمياعة.. فاصطلبي وأنتي تكلمين.. جميلة مصدومة فعلا من جلافته: أنا مايعة؟؟ فهد يهز كتفيه وهو يهتف بصرامة: محشومة ماقلت أنتي مايعة.. بس قلت طريقتش في الكلام مايعة.. وأنا أكثر شيء أكرهه في الدنيا إن الوحدة تنعم صوتها.. جميلة مصدومة فعلا.. هل هذا يتكلم بجدية؟؟ أي عريس يقولون لعروسه هذا الكلام ليلة زفافهما..؟؟ (الظاهر النكد جا بدري أكثر مما توقعت) جميلة همست بحزم رقيق حتى هي استغربته.. لكنها لن تسمح له أن يهنيها أكثر: ماعليه اسمح لي.. أنا لا أنا أنعم صوتي.. ولا أميعه.. بس الله عطاني نعمة إن صوتي أنثوي ورقيق.. وماحد يتبطر على النعمة.. فهد تفاجأ فعلا من سرعة ردها (ووقحة بعد!!) رفع حاجبا وأنزل آخر وهو يهتف بتهكم: ومغرورة في صوتش المايع بعد؟؟ آلم جميلة اضطرارها لاستخدام أسلوب التحفز معه رغم أنها تذوي خجلا لم يسمح لها به.. همست بذات الحزم الرقيق: إذا أنت شايف إنه غرور.. أنا أشوفه ثقة.. حينها صدمها تماما أنه مد أنامله ليحرك شعرها وهو يهتف بذات النبرة التهكم: وبعد شعرش المنتف نعمة أنتي واثقة منها.. المهم تتبعين الموضة؟؟ جميلة آلمها بحثه عن سلبياتها بهذه السرعة.. رغم أنه في داخله يعترف أنه مبهور بشعرها.. رغم أنه ككثير من الرجال الشرقيين مغرمين بالشعر الطويل.. ولكن قصة جميلة بدت فاتنة تماما عليها.. جميلة حاولت ألا تبكي وهي تهمس بثقة عذبة تخفي خلفها تهاويا في روحها: على قولتك.. المهم أتبع الموضة.. والحين اسمح لي أبي أنام.. بكرة طلع باقي الأخطاء السبعة على راحتك!! جميلة توجهت للسرير وهي تنتزع روبها عنها.. فهذا الفهد لا يستحق أن تحترمه.. ولا أن تخجل منه.. ولا أن تهتم له حتى.. اندست في السرير وهي تغطي وجهها.. ثم.. سمحت لطوفان روحها بالانهمار!! ************************************************ ربما كانت هذه أطول فترة بقضيانها مع بعضهما في البيت.. رغم أنهما لم يتبادلا فيها سوى الصمت.. والكثير من النظرات.. تعشيا سويا.. شاهدا الأخبار سويا.. وهاهما كلاهما يجلسان في جلستي جناحهما متقابلين.. كل منهما ينظر للآخر.. ويدعي إنشغاله بشيء آخر.. هي تتمنى لو ينطق بكلمة واحدة فقط... فمشاعرها ومنذ أيام فعلا على حد سيف وتنتظر الانقطاع.. بينما هو يتمنى لو يقوم ليجلس جوارها.. يضمها قريبا من صدره المهجور.. فربما حينها يعود له قلبه الذي يراه هو يرفرف حولها ..بينما هي لا تشعر به حتى.. كانا في جلستهما أشبه ببطلي حوار في قصيدة.. وكأن لسان حال كاسرة يقول: " قل لي -ولو كذبا- كلاما ناعما قد كاد يقتلني بك التمثالُ!!" بينما لسان حاله يقول : "لا تجرحي التمثالَ في إحساسه فلكم بكى في صمته... تمثالُ إني أحبّكِ... من خلال كآبتي وجهاً كسِر الروح ليس يُطالُ... حسبي و حسبُكِ... أن تظلي دائماً سراً يمزقني... وليس يقالُ " وبين رغبتها في الكلمات ورغبته في الأفعال.. تاهت أفكار كل منهما وهي تدور وتدور دون أن تتلاقى.. تنهدت كاسرة وهي تقف وتبتعد عنه.. بينما عيناه تتبعها بولع غريب.. وهو يراها تتناول أقراصا من الثلاجة الصغيرة المتواجدة في أحد دولايب صالة جلوسهما ثم تبتلعها.. أراد أن يسألها عن هذه الأقراص.. وقلق يتصاعد في نفسه عليها.. ولكنه لم يسأل.. "ألا يتبادلان التجاهل الآن؟!! " ولكنه لم يطق صبرا حين رآها تتجه للحمام .. ليقفز ويرى ماهية الأقراص.. ليس فضولا مطلقا.. ولكنه محض اهتمام صاف خصوصا وهو يرى إرهاقها طيلة الأيام الماضية.. خشي أن تكون تخفي شيئا ما.. ولكنه حين وجد أن الأقراص محض فيتامينات اطمأنت نفسه وهو يعود لمكانه.. في الحمام كانت تقف مسندة ظهرها للباب.. وتنهيدة بعمق الكون تخترم روحها من أقصاها إلى أقصاها.. هذه الليلة تشعر بالفعل أنها في أضعف في حالاتها.. ربما لو قال لها كلمة حلوة واحدة ستنهار تماما.. حتى لو لم تكن كلمة حب.. كلمة حنان أو ود حتى!! ولكن يبدو أن هذا نصيبها الذي يجب أن تعتاد عليه.. ويجب أن تغلف نفسها بالبرود.. كل البرود حتى لا تشعر بالألم كما تشعر الآن.. " لوح.. أنا متزوجة لوح ماعنده اي إحساس!! ماحتى سألني وش الحبوب اللي تأكلينها؟؟ وليش يهتم؟؟ متى كنت أساسا مهمة في حياته؟؟ كل شيء أهم مني.. كل شيء!!" ************************************ رغم أنه لا يحب أن يطيل خارج البيت.. ولكنه الليلة أطال في في حفل زفاف فهد.. بات يشعر من الملل والاختناق من البيت بعدها!! خطر له خاطر أن يذهب لبيت أهلها ويحضرها.. ولكنه قرر ختاما ألا يفعلها لسببين: الأول: أنها قد تتأخر في حفل زفاف أخيها.. والثاني: أنها قد تكون متعبة وتريد أن ترتاح.. وهو يعلم أن لقائهما لابد أن يكون به بعض الشد.. كان والده هو من يدفعه حتى أوصله للباب.. ثم غادر..فعبدالرحمن بات يكره أن يساعده أحد في ارتداء ملابسه أو القيام بشؤونه.. فهو لابد أن يعتاد على فعل ذلك بنفسه.. عبدالرحمن حاول فتح الباب فلم ينفتح.. ظن أن والدته قد تكون نسيت فتح الباب بعد عودتها من الزفاف.. لذا استخرج مفتاحه ليفتح.. ليتفاجأ بصوت مفتاح يتحرك من الداخل.. توقف قلبه تماما وهو يرى الباب يُفتح.. دفع كرسيه للداخل ليتوقف قلبه مرتين وهو يرى ظهرها مغادرة بعد أن فتحت الباب.. أغلق عينيه وفتحهما لشدة ثقل ووطأة الصدمة المفرحة عليه!! " أحقا هي هنا؟!!" حاول أن يناديها.. فوجد لسانه جافا.. جافا تماما.. وأخيرا استطاع أن ينطق: عـــالــيــة..!! ردت بسكون ودون أن تنظر ناحيته: هلا.. همس لها بمودة غامرة وعتب رقيق: كذا يالغالية.. يهون عليش تسوين فيني كذا؟؟ احترقت اعصابي أتصل وماتردين علي.. هذا كله تغلي؟!! عالية منذ سمعت صوت تحريكه للباب وهي تشعر بعبرة ضخمة تخنقها.. فكل ماحولها كان يرهقها.. خبر حملها.. وتعبها في حفل زفاف أخيها.. وردة فعل عبدالرحمن معها.. كل ذلك كان يتساند ليؤلمها.. وبشكل جارح.. لم ترد أن ترجع حتى.. لكنها لم ترد أن ينتبه أحد لوجود مشكلة بينها وبين عبدالرحمن فالجميع يعلم أنها ستعود بعد زواج فهد.. لذا عادت فعلا مع عمتها أم عبدالرحمن.. وبناء على حلف والدتها التي لم تردها أن تطيل في العرس أكثر حتى لا ترهق نفسها!! همست بعتب أشد: أنا كنت مطرودة لين يخلص عرس فهد.. وهذا أنا جيت.. عبدالرحمن حرك كرسيه أكثر ليقف مجاورا لها وهو يهمس بحنان غامر: ياقلبي أنا حنيتش بس من التعب وأنتي مقطعة روحش بيني وبين عرس فهد!! عالية بنبرة تهكم مختنقة: إيه كذا؟؟.. مادريت!! عبدالرحمن مد يده ليمسك بأطراف أناملها وهو يهتف بحنان عظيم ومودة مصفاة: مبروك ياقلبي.. ألف مبروك.. ما تتخيلين أشلون فرحت.. حسيت صدق برضا ربي علي.. حينها شعرت عالية أنها ستنفجر في البكاء فعلا وهي تشد كفها من يدها وتعقد ذراعيها أمام صدرها.. وتهمس باختناق فعلي: عبدالرحمن تكفى لا تقول لي شي.. لأني فعلا زعلانة.. وموجوعة منك.. وأنا عارفة نفسي ما استحمل منك كلمتين.. وأنا ما أبي أرضى... ما أبي أرضى.. موجوعة أول شيء من تفكيرك السخيف اللي ما أدري من وين جبته.. إني ما أبيك إلا عشان تمشي.. وموجوعة من حركتك لما طردتني.. وموجوعة إنك ما تنازلت حتى تجي لي وتبارك لي.. وانا كنت بأموت أنتظرك.. وموجوعة من إحساسي إنك مافرحت بحملي.. ************************************* مازال يجلس في الصالة.. غاضب من نفسه قبل أي شيء.. فهي لم تفعل ما يستحق منه أن يجرحها بهذه الطريقة.. المشكلة أن الحدود عنده غير واضحة تماما بين ما يجرح من عداه.. فجلافته تُغضب.. وهو قد يقول كلمة ويظنها غير جارحة.. ثم يكتشف أنها جارحة.. ولكنها للحق أثارت غيظه لأبعد حد بغرورها المقيت.. ألا يكفي ضيقه من دلالها ومياعتها لتأتيه بالغرور أيضا..؟؟ لا يلوم إذن هذا الذي هرب منها.. فأي رجل قد يحتمل هكذا امرأة ستبقى تنظر له بهكذا غرور..!! والغرور لا يأتي إلا من عقل فارغ تماما.. تنهد مطولا.. وزفر بحرارة.. لا يريد أن يكون ظالما لها.. لكنه عاجز عن احتمالها فعلا.. ويشعر أنها تخرج أسوأ مافيه.. وأسوأ مافيه هو هذه الجلافة التي لا يستطيع التحكم بها.. ولا يظن أن واحدة بهكذا دلال ومياعة قد تحتمل جلافته طويلا.. وهذا مايخشاه.. فهو لا يريد أن يشمت أحدا به أو بها... ويعلم أن الشامتين سيكونون كثيرين!! " يا ابن الحلال لا تحاكيها.. وخلاص!! من زين حكيها اللي يرفع الضغط.. خلها ساكتة بس" فهد يتنهد بعمق.. رغم أنه قد لا يكون فكر بالزواج سابقا كفكرة واقعة.. ولكنه بشكل عام كان قد رسم صورة ما لشريكة حياته.. والغريب أن هذه الصورة تشابه كثيرا أخته عالية!! كان يفكر أنه حين يفكر بالزواج أن يطلب من عالية أن تبحث له عن شبيهة لها.. امرأة متوسطة الجمال لا تثير غيظه بغرورها واهتمامها بجمالها.. وفي ذات الوقت امرأة قوية الشخصية تستطيع أن تحتمل جلافته التي هو يعلمها قبل غيره.. ولكن هذه التي ربي ابتلاه بها... جمال وحسنٌ لا مزيد عليه أثقلها بالغرور والدلال.. فكيف سيتعامل معها دون أن يجرحها..؟؟ وهي تبدو لرقتها كما لو كان كل شيء وأدنى شيء سيجرحها!! ينظر لساعته بعد وقت طويل من التفكير. مرهق فعلا ويريد أن ينام.. ولكن أين ينام؟؟ كره جدا أن ينام هنا على أريكته.. وكأنه خائف منها.. لذا توجه لغرفة النوم.. كان يظنها نامت.. وكم كان حسن الظن!! كيف تنام.. وهناك جرح بدأ يتعمق في روحها بحدة؟؟ (ماهو الذنب الذي أذنبته ليعاملني هكذا؟؟ أ لهذه الدرجة لم يرى فيني شيئا قد يعجبه حتى يبدأ بتجريحي من اللحظة الأولى؟؟ حتى لو لم يجد شيئا يعجبه.. ألم يستطع أن يسكت فقط..؟؟ يسكت فقط!! ومازالت هذه البداية!! فأي رجل خال من الإحساس هذا؟؟ ) كانت هذه هي أفكارها التي تسكبها مع دموعها وبغزارة مريرة.. وهي تولي وجهها لناحية الحائط.. حتى شعرت بالحركة الثقيلة جوارها.. شعرت حينها أن شعر جسدها كله قد وقف.. وريقها جف ليتشقق حلقها وكهرباء صاعقة تعبر كل خلايا جسدها بعنف.. لم تتخيل أن قد يفعلها وينام جوارها.. تمنت أن تقفز من المكان كاملا.. ولكنها شعرت أن جسدها متيبس كأنه أكوام من الحجارة.. فهذا القرب الرجولي لم تعتده مطلقا.. وخجلها يزيد الوضع سوءا عليها..!! لم تكن هي وحدها من توتر من هذا القرب.. فحتى ملك الجلافة شعر بتوتر ما وهو يشتم رائحة عطرها الأنثوي المثير ويرى ظهرها من هذا القرب وهو يتمدد جوارها.. كره جدا إحساسه بالتوتر.. بينما هو يعلم أن هذا أمر طبيعي بالنسبة لها.. فهي اعتادت على نوم رجل جوارها.. لكنه مازال لا يعرف ماهية القرب الأنثوي مطلقا..!! ولكن هو كرجل تجاوز هذا الأمر سهل بالنسبة له.. لذا نام بعد أقل من نصف ساعة.. بينما هي شعرت بالاختناق وهي تشعر بتقلبه جوارها.. وتحاول أن تكتم ارتعاشها وهي تتخيل لو أنه حاول مد يده فقط ناحيتها كيف ستتصرف؟؟ لذا حينما شعرت بهدوء حركته وانتظام أنفاسه قفزت وهي تلتقط روبها بسرعة كما لو كانت تهرب من عفريت.. وهي تشد نفسها مبتعدة ركضا.. ولم تشعر بنفسها إلا وهي في الصالة وتحتضن نفسها في زاوية الأريكة.. " يا الله !! يا ليتني أصلي بس!! كان هديت نفسي بالصلاة والقرآن" ************************************ " عالية ياقلبي.. الكلام السخيف هذا.. "ولا تقول لي شيء".. أنا مستحيل أقبله.. إذا ليلة عرسنا مع كل اللي كان بيننا.. تصافينا ليلتها.. تبين أخليش الحين وما أراضيش؟؟ مستحيل!! " عالية بنبرة حزن عميقة: إيه الحين مهتم من ولدك.. مهوب مني.. عبدالرحمن يقرب مقعده أكثر من مقعدها ليشد يدها بين كفيه ويهمس لها بحنان: بلا سخافة حبيبتي.. وش ولدي ذا.. أنا الحين صار عندي ولد عشان أهتم منه.. واللي شيخش على قلبي إنه مايهمني إلا أنتي.. ومهوب هاين علي زعلش.. عالية بذات نبرة الحزن: هذا هو هان عليك قبل.. وش اللي تغير؟؟ عبدالرحمن يتنهد وهو يحشد أكبر قدر من الاهتمام والصدق والحنان في صوته: زين أنا غلطان والغلط راكبني من رأسي لساسي.. وهذي يدش أحبها ورأسش بعد.. وآسف.. وحقش على رأسي.. وش اللي يرضيش بعد أنا حاضر له...؟؟؟ حينها رفعت عالية رأسها له وهي تنظر له بشكل مباشر.. وتهمس بشكل مباشر أيضا: اللي يرضيني شيء واحد بس!! **************************************** " ياحبيبتي يا قلبي.. ماشبعتي بكا.. حرام عليش.. صار لش ساعتين على ذا الحال!!" عفراء مازالت تسند رأسها لصدر منصور وهي تنثر كبت الأيام الماضية كله وتهمس بصوتها الذي بح من البكاء تماما: وصيت فهد عليها؟؟ تكفى يامنصور منصور بحنان وهو يشدد احتضانه لها: والله العظيم وصيته.. وقلت لش ذا الكلام أكثر من مرة.. عفراء بصوتها المبحوح: تكفى وصه فيها بعد.. تكفى.. هذي بزر ويتيمة.. وماتهنت.. منصور بعتب: لا تقولين يتيمة.. أنا ماني بمالي عينش أب لها.. عفراء تمسح أنفها المحمر وتهمس باختناقها: فديتك ماقصدت.. بس واجد كاسرة خاطري بنتي.. وأنا خايفة عليها من شدته.. قل له يراعيها شوي.. تكفى.. منصور يقبل شعرها ويهتف بأريحية حازمة: أبشري.. بأوصيه فيها بعد.. من عيوني.. أصلا خلها تشتكي منه أقل شكوى.. عشان أوريه شغله.. أنا مازوجته بنتي إلا عشان يراعيها!! ************************************* حين صحا من نومه..نظر لساعته بغضب حين رأى أن وقت صلاة الجماعة فاتته.. زفر بغيظ وهو يرى مكانها خاليا.. (مادامت الأخت صاحية.. ليش ماقومتني للصلاة؟؟ وليش تهتم فيني دامها ماتصلي؟؟) فهد سارع ليتوضأ ثم صلى صلاة الفجر.. لا يعلم أين ذهبت.. واستغرب أنها صحت في وقت مبكر هكذا ولم تعد للنوم.. لم يشغل باله كثيرا بالتفكير وهو يعود للنوم.. دون أن يتجاوز غرفة النوم!! حتى صحا مرة أخرى على أشعة الشمس الساطعة تغمر المكان تماما عبر الستائر المفتوحة التي لم تغلق.. صحا من نومه ولم يجدها أيضا (هذي صدق ماتعرف السنع!!) استحم وأبدل ملابسه.. ثم قرر الخروج حتى يطلب الفطور لهما.. وهو يتوقع أن يجدها جالسة في الخارج.. ليجد الصدمة التي كانت تنتظره في صالة الجلوس.. كانت نائمة وهي تستند بشكل جانبي إلى طرف الأريكة.. بدت له طريقتها في النوم -لشدة رقتها وعذوبتها- تمثيلية تماما.. " يستحيل حد يرقد كذا!!" وما أثار غيظه أكثر.. وارتباكه قبل ذلك... هو انكشاف جزء كبير من أعلى صدرها عبر جيب الروب المفتوح.. بسبب نومتها المائلة.. بدت له حركتها رخيصة ومقصودة تماما.. " صدق إنها ما تستحي!! تمثل إنها نايمة وهي بذا الشكل!!" فهد هتف بنبرة جهورية حازمة أقرب للغضب: جميلة!! جميلة قفزت بجزع وهي تسمع الصوت الغريب الذي يناديها لأول مرة حين رأت فهدا أمامها انتفضت بخجل وهي تشد روبها عليها وتقف بارتباك وهي تهمس برقة عفوية: آسفة.. نمت بدون ما أحس!! فهد لا يصدقها وهو يهتف بنبرة تهكم حازمة: إيه.. صح!! ثم أردف بحزم: بأطلب الريوق.. تبين شيء معين!! جميلة تشعر باختناق فعلي( مايعرف يبتسم ذا!!) همست باختناق: شكرا.. بأروح أسبح.. فهد بذات النبرة الحازمة: خلاص أنا بأطلب وأنتظرش لين تخلصين.. جميلة كعادتها تأخرت وهي تستحم ثم تتأنق في (ميني دراعة) بلون أخضر منعش وتحتها (ليقنـز) يصل إلى نصف ساقها بلون أخضر أفتح قليلا.. حين خرجت.. كان يجلس أمام الأفطار دون أن يفتحه.. هتف بسخرية: ترا كل شيء صار مثلج.. تبين نطلب غيره؟؟ همست برقة مختنقة وهي تجلس مقابلا له: ماكان انتظرنتي.. أنا دايم أتأخر لا تسبحت.. فهد تنهد: ماعليه جميلة لا تتضايقين مني.. بس أنا فعلا ما أحب نبرة الصوت هذي.. يا ليت تتكلمين بشكل طبيعي.. جميلة بصدمة: وأنا أتكلم بشكل طبيعي.. أشلون تبيني أتكلم؟؟ فهد تنهد في داخله (لا حول ولاقوة إلا بالله) ثم هتف بثقة: أنا بصراحة ماني بمقتنع إنه فيه حد هذا صوته الطبيعي.. بس دامش مصرة.. يا ليت لما نكون في مكان عام ما تتكلمين.. جميلة تنهدت في داخلها( يا الله الصبر من عندك) ثم همست برقة: إن شاء الله.. حاضر!! فهد هتف بحزم: إذا خلصنا ريوق.. تجهزي عشان نروح للبيت!! ثم أردف بنبرة مقصودة وهو ينظر لها: وبدلي ملابسش.. هذا مهوب لبس تطلعين فيه.. جميلة نظرت له بغيظ (هذا وش مفكرني؟؟ مفكر إني بأطلع بلبسي ذا؟؟ متكشخة لك أنت ووجهك.. الشرهة علي بس!!) ولكنها همست برقة مهادنة: حاضر إن شاء الله.. جميلة بعد ليلتها الصادمة معه.. حاولت جاهدة أن تتفهم أن طبيعته فعلا تتميز بالجلافة.. وأنها لابد أن تتقبل طبيعته حتى يسير مركب حياتهما.. وإنها إن كانت ذكية وصبورة.. فهي من ستغيره!! حين انتهيا من الفطور الذي لم تلمسه جميلة.. كانت جميلة قد وقفت لتتوجه لغرفة النوم.. وكان هو يريد أن يقف أيضا.. فحرك الطاولة من أمامه.. حينها الطاولة صدمت في ساقها بقوة عنيفة.. لأنها كانت تجلس على كرسي منفرد يمينه.. ففقدت توزانها ليتلقاها هو بين ذراعيه.. ثم يدفعها عنه بذات سرعة تلقيها.. وهو يجلسها على الأريكة التي كان يجلس عليها ويبتعد وهو يهتف بعتب مختلط بجلافته: ترا عيب اللي تسوينه ياجميلة.. والله عيب.. جميلة لم تستطع أن تركز معه لأنها مشغولة بألم ساقها.. وهي تهمس باستغراب: ليه أنا وش سويت..؟؟ فهد بضيق حقيقي: يا بنت الناس الحركات اللي تسوينها.. شفناها في الأفلام ألف مرة.. وش ذا السخافة؟؟ عيب ترخصين نفسش كذا..!! جميلة بصدمة: الحين كنت بتكسر رجلي.. وعقب أنا اللي أسوي حركات أفلام؟؟ فهد بغضب: الطاولة يا الله إنها لمستش.. بلا حركات سخيفة.. طلعتي روحي!! جميلة لم ترد عليه وهي تقف متوجهة للغرفة وتتحامل على نفسها حتى لا تعرج.. كانت تريد أن تبكي فعلا.. تشعر بمهانة عميقة وجرح أعمق.. (بس ماراح أخليه يشمت فيني.. ماراح أخليه يشمت فيني.. بالطقاق فيه وفي رأيه ما يهمني.. مالت عليه!!) كانت تزفر بحرقة وهي تسب في فهد في أعماقها بكل الشتائم المعروفة وغير المعروفة.. وتريد أن تبكي على الأقل من ألم ساقها التي شعرت بتفجر قنبلة فيها.. ولكنها قررت كتمان كل شيء في داخلها وهي تغير ملابسها.. وتتأنق أكثر قبل أن ترتدي نقابها.. حتى يراها أهله وهي متأنقة فعلا كعروس.. لن تسمح مطلقا أن يتكلم عليها أحد نصف كلمة.. " يمكن ذا الفهد المعفن هو ذنب خليفة... ربي يخلصه مني..!! ليتني ماوافقت على خليفة أول... ولا على فهد تالي!! ليت ربي رحمني من الاثنين!!" هــو في الخارج.. يدعك يديه بحدة.. يعترف أنه نادم فعلا على تجريحها.. ولكنها من دفعته لذلك.. " مسختها هي وحركات الأفلام... تحسب نفسها في فيلم أبيض وأسود.. والبطلة اللي تبي تغري البطل.. . زين يا ابن الحلال.. هي ناقصة عقل.. شوف الحركة وحط نفسك ماشفت شيء.. . بس أنا قرفان من حركاتها.. قرفان!! لوعت كبدي.. ماني بطايقها.. تظن إنها يوم تسوي كذا إني بأركع تحت رجلها وأقوم بأموت أنا من حسنش وجمالش.. صدق إنها غبية فوق قلة سحاها!!) ولكنه ختاما.. شعر أنه لابد أن يراضيها بشكل ما.. فهو مهما كان قد أثقل العيار عليها...حتى لو كانت تستحق ماقاله لها.. فهذه الجميلة تبدو تافهة ومحدودة التفكير.. ولكنه لابد أن يراعي ابتلاءه بتفاهتها ومحدودية تفكيرها... حين دخل كانت قد ارتدت عباءتها.. شعر أن كلمات الاعتذار تقف في بلعومه.. وغير قادر على إخراجها.. عدا أنها لم تترك له المجال وهي تتجاوزه.. وتهمس بنبرتها الحازمة الجديدة ولكنها مثقلة برقتها الخاصة: شناطي جاهزة... وانا جاهزة.. يا الله نمشي.. فهد هز كتفيه وهو يهتف في داخله ( أنا ربي حرقني حسبت بألاقيها مسوية مناحة.. بس الظاهر إنها ما اهتمت لأنها دارية إنها غلطانة.. وحركاتها من أساسها عيب) فرد عليها بحزم: يا الله باروح أسوي شيك آوت.. وبأرجع مع بوي يشيل الشناط... وهما في طريق النزول.. كانت تمشي ببطء حتى لا ينتبه إنها كانت تعرج.. بينما كان سيشد شعره.. وهو يتمنى لو حملها على كتفه بدلا من مشي السلحفاة هذا!! " يا الله الصبر من عندك حتى مشيها غير نمونة!!" ************************************ " هاحبيبتي كفاية كذا؟؟ وإلا تبين أمشي بعد؟؟" عالية مستغربة أنه وافقها بالأمس على شرطها بسرعة.. ومستغربة أكثر أنه قام بكل التمرينات وزيادة..دون أن يتذمر!! همست عالية باستغراب: غريبة إنك ما تمللت.. حينها هتف عبدالرحمن بنبرة مقصودة أقرب للحزن: دام حياتنا صار هذا مرتكزها.. وانتي منتي براضية تقبليني إلا وأنا أمشي.. وش أسوي؟؟ عشان تعرفين غلاش بس.. عالية ساعدته ليجلس وهي تطوق عنقه بذراعيها وتهمس بحنان: يا ملغك بس.. عقب بتعرف إني على حق!! عبدالرحمن ياقلبي.. لو كان عدم قدرتك على المشي شي عضوي.. كان مافتحت ثمي.. وانت عارف ذا الشي زين.. بس هذا شي نفسي.. ليه ياعبدالرحمن تبي تحرم امهاب الصغير إنك تلعب معه كورة..؟؟ أو تشارك معه في مسابقاته المدرسية..؟؟ ليه تسوي فيه كذا وأنت مافيك شيء؟؟ يعني هو مايستاهل تبذل شوي جهد عشانه؟؟ عبدالرحمن ارتعشت روحه مع ذكرها لمهاب الصغير.. وعالية بدأت ترسم مخططها بدقة.. فهي حضيت بما تضغط به على عبدالرحمن.. وقررت استخدامه بمهارة.. فإن كان لايريد المشي من أجل مهاب.. فهو سيريده الآن من أجله أيضا!! تعلم أنها ستحتاج وقتا حتى تدخل الفكرة في رأسه.. وهي مستعدة لكل الوقت!! ******************************* هاهي تعود لجناحها أخيرا.. بدا لها الغداء طويلا.. ولن ينتهي.. وهي تعاني الأمرين من شيئين: نظرات خالات فهد الغريبة لها.. وألم ساقها المتزايد.. وهي تشعر أن صعود الدرج بمثابة عذاب حقيقي لها!! كل ما تريده أن هو أن تستحم وتلبس بيجامتها وتتناول حبتين بنادول لتنام.. وتريح نفسها من كل ما يؤلمها.. كانت قد انهت استحماتها وخرجت لغرفة التبديل وارتدت ملابسها الداخلية ثم شرعت في إشعال جمرة حتى تتبخر بعد دهنت نفسها بالكريم المعطر.. كعادتها العفوية في اهتمامها بنفسها والتي لن تغيرها من أجل نظرة أحد.. في لحظتها.. فُتح باب غرفة التبديل.. كان هــو.. وقف كالتمثال الصامت ينظر للمشهد الذي لم يستطع التصرف إزائه إلا بالنظر.. بينما جميلة شهقت بعنف.. وهي تبحث عن روبها لترتديه.. وعيناها تتسعان بالدموع.. بينما هو لم يتحرك من أمام الباب حتى دفعته هي وأغلقت الباب!! حينها انتبه من غيبوبته التي كان فيها.. ليتصاعد غضب مر في كل خلاياه.. فهي تجاوزت هذه المرة كل حد.. تجاوزت كل حد!! جميلة لم تستطع أن تخرج وهي تحشر نفسها في زاوية غرفة التبديل وتنتحب.. " يا الله.. ليش كل شيء عكسي كذا؟؟ أشلون أحط عيني في عينه الحين؟؟ وأشلون نسيت أسكر باب غرفة التبديل؟؟ أشلون؟؟" جميلة أطالت كثيرا.. وكل دقيقة تمر تضاعف غضب فهد أكثر.. حتى ماعاد يحتمل لذا طرق الباب عليها وهو يهتف بغضب: جميلة يا الله اطلعي.. ماني بقاعد انتظرش للصبح.. العصر بيأذن الحين.. وأبي أروح للصلاة.. حينها خرجت جميلة وهي مازالت ملتفة بروبها.. لم تنظر مطلقا نحوه حتى لا يلاحظ وجهها المتفجر بالاحمرار.. وهو لم ينظر أبدا لها لأنه ما أن رأها تخرج حتى انهمر بصراخه الغاضب: أنتي وش جنسش؟؟ الحيا ما تعرفينه.. فيه وحدة في رأسها من الذرابة شعرة تسوي اللي سويتيه..؟؟ إلا بالغصب تغريني ومن أول يوم.. وهذا وأنتي ما تصلين.. لو تصلين وش كان سويتي؟؟ عيب عليش ذا السوايا.. عيب.. والله لو سويتي مهما ما سويتي.. إني ما أرد لش طرف عيني.. لأني نفسي مهيب دنية.. ونفسي ماتقبل فضلة غيري.. فاهمة وإلا لأ.. ؟؟ فريحي نفسش.. وبلاها ذا الحركات المالغة الله يرحم والديش.. جميلة كانت تستمع لانهماره وهي ترتعش وتحاول منع نفسها من البكاء حتى وصل لمنتهى كلامه فكررت وراءه بذهول مصدوم: أنا فضلة؟؟ فهد غاضب فعلا من تصرفها الذي رأه غاية في الحقارة والرخص لذا هتف بذات الغضب المتفجر: إيه فضلة مستخدمة يوم زهق منها رجالش الأولي رماها لغيره.. جميلة شهقت بعنف قارص وهي تحاول أن تتماسك.. رغم أن روحها تهاوت تماما.. بينما فهد شعر فورا بتصاعد ندم مر في روحه ما أن خرجت الكلمة من بين شفتيه.. " ليتني خليت رأيي لروحي" لذا كانت صدمتها من ردها المتماسك القارص: تدري من اللي أغبى وأحقر من اللي يستخدم فضلة مستخدمة على قولتك..؟؟ .... اللي اشتراها... تدري من قبل ماتخطبني إني فضلة مستخدمة.. وش حدك علي؟!! وش حدك تشتري شيء مستخدم ماتبي تستخدمه إلا لأنك ....... وإلا بلاها!! فهد أمسك بقبضتيه وهو ينتفض من الغضب حتى يمنع نفسه من صفعها.. وهو يخرج ويترك المكان خاليا.. لتنهار جميلة في مكان وقوفها وهي تنتحب بعنف حقيقي موجوع ومدمر تماما.. ********************************** كان يسمع كلمة واحدة ويتوه عن عشر كلمات.. غير قادر على التركيز.. وكل تفكيره معها.. يشعر بكراهية عظيمة لنفسه لأول مرة يشعر بها.. يشعر أنه مخلوق حقير وعاجز عن إزالة الفكرة من رأسه.. منذ خرج من عندها عصرا.. لم يعد.. ولم يتصل حتى ولماذا يتصل؟؟ ماذا لديه ليقوله؟؟ حتى رقم هاتفها لا يعرفه أصلا.. ما يؤلمه بشدة ليس ظنه فيها.. فهو مقتنع بظنه.. ولكن تصريحه بهذا الظن.. فكم من بشر نظن فيهم السوء ولكن مطلقا لا نبوح بظنونا لهم..!! لأن هكذا هي المخلوقات البشرية... جُبلت على مراعاة مشاعر البشر الآخرين.. وهو خرج تماما عن صفات البشر وهو يجرحها بهذه الطريقة الخالية من الإنسانية!! تمنى لو أنه لم يقل شيئا.. وتمنى بشدة لو أن الزمن يعود فقط لساعات قليلة حتى يتحكم بنفسه أكثر.. ولكن الزمن لا يعود.. لا يعود!! " ها يافهد.. سامعني وإلا لأ؟؟" فهد انتفض بشدة: سم يا أبو زايد.. منصور بحزم: أقول لك ترا عمتك أم زايد مأمنتك تراعي بنتها.. وأنا آمنك فوقها.. الله الله في بنيتنا.. ترا قلبها كنه قلب طير.. وأدنى شيء يأثر فيها.. وأنا أعرفك الله يهداك جلف شويتين.. راعي البنية واستحملها شوي.. لين تكيفها على طبايعك.. فهد اختنق تماما وهو يعود لدوامة التفكير الموجعة.. كان يعلم كل هذا منذ البداية.. فكيف استطاع أن يجرح أمانته هكذا؟؟ كيف؟؟ أي رجل هو هذا الذي لا يحافظ على الأمانة؟؟ كان غارقا في أفكاره بينما منصور كان يتكلم عبر الهاتف ولم يخرجه من أفكاره إلا منصور يهز كتفه بقوة وهو يهتف بحزم: فهد قم لبيتكم شوف جميلة وش فيها؟؟ أمها تتصل فيها من عصر وهي ما ترد عليها.. وأم زايد حالتها حالة!! فهد هتف بحزم يخفي خلفه قلقه الذي تفجر فجأة: مافيها شيء.. نايمة بس لأنها ما نامت البارحة.. بأروح لها الحين وأخليها تكلم أمها.. فهد لا يعرف حتى كيف وصل للبيت.. وهو يحاول ألا يركض حتى لا يبدو منظره مثيرا للدهشة والضحك.. وزادتها والدته عليه وهي تمسك به قبل أن يصعد وتهمس بقلق: فهد.. مرتك مانزلت من ظهر.. ونتصل عليها ماترد.. حتى العشاء ماتعشت.. وأنت الله يهداك.. فيه حد ثاني يوم عرسه يخلي مرته كل ذا.. فهد يشد له نفسا عميقا وهو يحاول التحدث بثقة: يمه هي أساسا تعبانة مانامت وتبي تنام.. فخليتها براحتها.. فهد كان يريد أن ينهي هذا الحوار ليقفز للأعلى ليطمئن عن حال ضحيته التي تركها خلفه.. حين دخل لغرفته كان المكان غارقا في الظلام.. أشعل الإضاءة بأنفاسه المقطوعة.. كانت فعلا نائمة.. صرخ فيها بحدة قلقه: جميلة.. جميلة.. لكنها لم تجبه.. تقدم منها بقلق.. وهو يقف على ركبتيه على الأرض قريبا من رأسها.. قرب كفه من أنفاسها ليتأكد من تنفسها.. فكل الظنون السيئة خطرت بباله.. كانت تتنفس بهدوء منتظم.. ليتنفس هو أيضا بعد شد الأعصاب غير الطبيعي وهو يجلس فعلا على الأرض.. ليلاحظ حينها علبة بنادول نايت بجوار سريرها.. انتفض بجزع وهو يقفز ويفتح الشريط ليتأكد من عدد الأقراص.. وجد أنها تناولت قرصين فقط.. فعاد للنفس وهو يزفر: يا الخبلة.. صبيتي قلبي.. وحينها لاحظ شيئا آخر.. وهو ينظر ناحية الغطاء الذي لم يكن يغطي ساقيها .. شيئا لم يكن موجودا اليوم صباحا وهو ينظر لساقيها المصقولتين ويدعي في أعمق أعماقه أنه لا ينظر.. كانت كدمة بنفسجية متسعة وواضحة في بياض ونعومة ساقها.. كشف عنها بنطلون البيجامة (البنتاكور) الذي كان طوله يصل لمنتصف ساقيها.. وليس غبيا ليعرف سبب هذه الكدمة.. زفر حينها بيأس جارح وهو يضغط جانبي رأسه .. (يعني المسكينة صادقة.. أنا كنت بأكسر رجلها.. وعقبه اتهمتها بسخافاتي.. والله ماحد سوى أفلام غيرك يالغشيم.. والمسكينة ماحتى اشتكت.. ولا قالت إن رجلها توجعها . لمن تشتكي؟؟ لواحد مايحس مثلك!! . لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنا أساسا زواجي منها كله غلط.. ليتني اعتذرت من منصور من أولها.. وانتهينا) مال برفق عليها وهو يهمس بهدوء: جمليلة.. جميلة.. قومي كلمي أمش.. ولكنها لم تستجب له.. هز كتفها برفق.. وحينها فتحت عيناها بتثاقل.. حين رأت وجهه أمامها عادت لإغلاق عينيها كما لو كانت رأت كابوسا.. شد له نفسا عميقا وهو يحاول أن يهتف برفق: جميلة قومي كلمي أمش.. جميلة حاولت أن تنتصب وهي تشعر بدوار فعلي.. شدت نفسها لتسند ظهرها للخلف.. وهي تتناول هاتفها.. فوجئت بكم الاتصالات.. لتهمس برقة أقرب للبكاء: ياقلبي يمه أكيد متروعة علي.. هاتفت والدتها وهي تطمئنها عنها وتصف لها كل شيء أنه بخير.. بينما هو يراقبها.. ورغما عنه ومع إحساسه المتعاظم بالتأثر من أجلها إلا أن رقتها الزائدة تسبب له الغثيان فعلا.. "حتى وهي تكلم أمها.. تكلمها كذا!! " حين انتهت من الاتصال هتف لها بحزم: قومي أوديش للمستشفى.. جميلة همست باستغراب: مافيني شيء عشان توديني المستشفى.. فهد بتصميم: وذا اللي في رجلش مهوب شيء؟؟ جميلة نظرت لساقها لتصاب بصدمة فعلا لأنها لم تعلم أنه تحول هكذا.. رغم أنها حتى وهي نائمة كانت تشعر بألمها.. ومع ذلك همست بنبرة مقصودة ولكنها أقرب للحزن: ورجلي مافيها شيء.. مهوب أنت تقول إن الطاولة مالمستني.. فخلاص أنت الصادق .. أنهت عبارتها لتقف.. فأصيبت بالداور نتيجة لنومها الطويل دون تناول أي شيء.. عدا أنها لم تستطع الاستناد لساقها فعلا!! حاول إسنادها لولا أنها رفضت وهي تعود للجلوس وتهتف بذات النبرة المقصودة المغمورة بالحزن: مافيه داعي إنك تصدق تمثيلياتي اللي بأسويها.. أو تجبر نفسك على مساعدة الفضلة.. خلني في حالي ومشكور!! فهد شعر اختناق فعلي.. وهي تعلق كلماته كمشانق تشنقه عليها.. وهي تشعره بالضآلة والحقارة.. التي كانت مؤلمة له فعلا مع اعتزازه الكبير بنفسه!! جميلة حاولت الوقوف مرة أخرى.. بدا لها ألم ساقها لا يحتمل فعلا.. وهي تحاول أن تتحامل على نفسها بصعوبة لأن الكدمة كانت منتفخة لحد ما!! وهي بطبعها غير صبورة على الألم!! والوقوف عليها فجر الآلم فيها.. ووجود هذا المتوحش معها وهو ينظر لشكلها المزري زادها آلما وهي تتذكر كلماته المهينة لها.. لذا لم تستطع إكمال طريقها للحمام وهي تجلس على مقعد التسريحة.. وتنفجر في البكاء.. وبشكل مؤلم حقا!! فهد شعر بالفجيعة وهو يراها تبكي.. لا يعلم لِـمَ بدا يتكون لديه تصور أنها شبه معدومة الإحساس.. لأنها لم تظهر تاثرها بشيء منذ البارحة!! لذا ورغما عنه لم يحتمل نحيبها!! فأي رجل قد يحتمل دموع امرأة!! فهد اقترب منها وهو يهتف بجزع قلق: وش فيش؟؟ جميلة لم ترد عليه.. فهي كانت محتاجة للبكاء فعلا.. وبما أنها انفجرت الآن.. فلن تسكت.. فهد شعر أنه يتمزق فعلا من بكائها.. والسبب هو إحساسه بالتقصير في حق الأمانة التي تُركت عنده.. مازال اليوم هو اليوم الثاني لزواجهم وهي تبكي هكذا.. فكيف بعد مرور الأسابيع؟؟ قضى فهد وقتا طويلا في محايلتها وهو فاشل فعلا فعلا في المحايلة.. كان يخشى أن يغضب عليها.. " حشا فتحت حنفية.. وماعاد سكرتها!! رأسي آجعني!!" فهد هتف بحزم في محاولة أخيرة : إذا ما تبين تسكتين وتقولين لي وش فيش.. وإلا بأدعي أمي وقولي لها.. ففهد كان يظن أنها ربما تشعر بالخجل من شيء معين ولا تريد إخباره بما فيها.. لذا انفجرت أكثر وهي تشهق: إيه ادع أمك.. وخلني أقول لها وش قلت لي.. وادع بعد عمي منصور اللي قال لي ألف مرة إنه وصاك علي!! خله يشوف وش سويت في وصاته!! يا ابن الحلال أنا ما أبي منك شي.. ما أبي منك إلا شوي احترام شحيت به علي!! دامك عايفني كذا ومن أولها.. وش حدك تأخذني.. عشان تطلع عقدك علي!! حرام عليك.. حرام عليك.. والله ما سويت فيك شي يستاهل حتى واحد على مليون من اللي سويته فيني!! فهد بدا مفجوعا فعلا من هجومها المنهك المتفجر حزنا وقهرا... بدت له حينها الصورة شديدة الوضوح من ناحيتها.. وتبدت له مقدار بشاعة صورته في عينيها!! تنهد وهو يشد له نفسا طويلا ثم يهتف بحزم: زين خليش مني الحين.. أنا واحد أضيع مفتاح لساني أحيانا... قومي خلني أوديش المستشفى!! جميلة تنتحب بشفافية: رجلي توجعني.. ما أقدر أنزل الدرج... أنا اصلا ما أدري أشلون طلعت اليوم.. والحين منتفخة أكثر.. ما أقدر!! ما أقدر !! " يا الله طفلة تبكي!!.. وأنا كمن ضرب الطفلة وبدون رحمة أيضا!!" هتف لها بحزم: أنا بأشلش!! جميلة بجزع: نعم؟؟ تشيلني!! لا لا.. خلاص جيب لي دكتورة هنا!! (مسوية فيها مستحية الأخت هي ووجهها!!) هتف بذات حزمه: يمكن تبين أشعة.. حتى لو جبت دكتورة.. بتقول نفس الكلام!! جميلة تشعر بالفعل أن هناك شيء غير طبيعي في ساقها.. وتعلم أنها تحتاج للمستشفى!! لذا همست باختناق: زين ناد عمي منصور هو اللي يشيلني!! فهد هتف بغضب: إلا اشرايش أدعي لش إبي أحسن!! خلصيني بلا دلع.. بدلي والبسي عباتش.. جميلة عادت للنحيب.. فكل شيء يؤلمها.. وهذا القاسي يزيدها عليها من كل ناحية!! تحاملت على نفسها وهي تقف .. ثم عادت لتجلس وهي تبكي.. تشعر بالمهانة فعلا وهذا كان آخر ماينقصها أمام هذا المعدوم المشاعر.. فهد اقترب منها وهو يشدها بيد واحدة.. انتفضت بجزع.. بينما هتف هو لها بحزم: أنا قلت لش إني ما أداني الحركات البايخة وزود عليها لساني مضيع مفتاحه.. فاتقي شري ولا تقولين ولا شيء.. أنهى عبارته بأن حملها بين ذراعيه بخفة كما لو كانت لا وزن لها فعليا.. جميلة تصلب جسدها فعلا وكلماتها تجف في حلقها.. وكلاهما يتبادلان تأثر إلى حد كبير.. كلٌّ بطريقته!! هي تشعر بخجل مرعب.. وهي ترى نفسها محمولة بين ذراعيه.. وهو يشعر بشيء مختلف مختلف..بعد أن خفت حدة عدائيته بسبب ظرفها الحالي.. كان يشعر بنعومة جسدها ملاصقة لصلابة صدره كما لو كانت ستذوب لشدة ليونتها.. إحساس غريب عليه لم يسمح لنفسه بالاحساس به ولكنه اقتحمه رغما عنه!! بدت الرحلة القصيرة مابين غرفة النوم لغرفة التبديل.. كما لو كانت لا تريد أن تنتهي لكلاهما.. هي لشدة خجلها!! وهو لغرابة ماشعر به!! أنزلها قريبا من الخزانة وهو يهتف بحزم يخفي خلفه توترا غير مفهوم: تبين مساعدة؟!! همست بجزع: وش مساعدته؟؟ خلاص كل شيء قريب مني.. بألبس وأطلع لك!! . . . هاهما يعودان أخيرا قبل صلاة الفجر بقليل.. ومن رحمة ربي بهما.. أن أحدا لم يراهما لا في الخروج ولا الدخول.. مع أن كلاهما كان يخشى مواجهة أحد وهما في هذا الموقف.. يحملها نازلا وصاعدا!! جميلة قالت لهم في المستشفى أنها زلقت في الحمام... وما آلم فهد أنها كانت مصابة بـ(شعر) فعلا... وهو من تسبب به!! يتخيل لو أنه كسر ساقها فعلا.. كيف يستطيع أن يضع عينه في عين أحد!! " يا ربي... ليت ربي يخلصني من ذا السالفة!! هذي من دفة بسيطة للطاولة انشعرت رجلها أشلون أتعامل معها ذي.. أحطها في صندوق قزاز؟؟ " حين أنزلها على السرير هتف لها بحزم رغم أنه كره ماسيقوله من أجل منظره أمام الناس: جميلة تبين تروحين لأمش.. لين تحسنين.. ماعندي مانع!! همست جميلة بحزم رقيق وهي تخلع شيلتها وعباءتها: أدري ماعندك مانع.. أفرح ماعليك تخلص مني.. بس على الأقل راعي منظرنا قدام الناس وأنا راجعة لهلي ثالث يوم.. كلها أسبوعين وأنت تروح بالسلامة وأقعد عند أمي شهر!! ولا تخاف ماراح أثقل عليك.. لا أبيك تشلني ولا تحطني!! بأقعد في الغرفة لين أتحسن!! وباخلي أمي ترسل لي وحدة من خداماتها!! فهد بنبرة أقرب للغضب: إذا على الخدامات يادلوعة أمش.. ترا بيتنا مليان.. مافيه داعي تطلبين من حد.. وعلى العموم أنا ماني بعاجز من مرتي!! جميلة تنهدت وهي تمنع نفسها من الرد عليه... فالوضع يبدو مأسويا فعلا بينهما.. ويبدو كما لو كان كل منهما لا يطيق الآخر فعلا وبلا مواربة!! . . اليوم التالي.. فهد لم يصعد مطلقا لها.. فوالدتها كانت عندها طوال النهار.. وهو كان سعيدا بذلك.. لأنه تخلص من حملها.. فهو كان يشعر بالتوتر الممزوج بالقرف حين يضطر لمساعدتها للذهاب للحمام أو التنقل في أرجاء الغرفة.. وما أثار استغرابه.. اصرارها هذا الصباح هلى التأنق وبأقصى صورة رغم أنها لن تنزل من غرفتها!! "خبلة.. خبلة.. وعقلها نص لبسة!! " أخرج فهد من أفكاره صوت والده يهتف له بحزم: فهد اتصل في مرتك.. قل لها إني بأطلع أسلم عليها!! فهد بجزع واحترام: يبه تطلع بنفسك.. عطها بس يومين تحسن وهي اللي بتجيك!! أبو صالح بحزم: إذا قلت لك كلمة.. سوها وأنت ساكت.. ياحبك للمرادد.. فهد تنهد وهو يهتف بحزم: زين أنا بأطلع أقول لها بنفسي!! فهو ويا الغرابة مازال لا يعرف رقم هاتفها!! ولم يهتم أن يأخذه!! طرق باب غرفة الجلوس بطرقاته الحازمة.. ليصله صوت عمته أم زايد: ادخل يأمك.. مافيه حد.. بنت أختي راحت!! فهد كان عاجزا عن وضع عينيه في عيني عفرا.. وهو يتخيل أن جميلة أخبرتها بسبب مافيها.. حتى لو كان لا يقصد.. فهي مهما كان ستعاتبه وخصوصا أن الضربة كانت منذ الصباح وهو لم يأخذها للمستشفى إلا في الليل!! لذا كان استغرابه من خطاب عفرا الحاني الباسم: بيض الله وجهك يأمك.. جميلة تقول إنك تعبت نفسك معها واجد من البارحة لين اليوم!! فهد لم يستطع أن يرد عليها بشيء وهو ينظر ناحية جميلة التي لم تكن تنظر ناحيته وتتشاغل بأخيها المتمدد في حضنها.. وهو يرد من باب اللياقة ولكن بصدق طبيعي: ماسويت شيء.. إلا مقصر واجد.. والسموحة منش ومنها!! ثم أردف وهو يهتف بحزم: جميلة إبي بيجيش يبي يسلم عليش!! جميلة حينها انتفضت بجزع وهي تهمس لأمها بعفوية: يمه تكفين جيبي لي جلابية ضافية وجلال.. فهد رغما عنه شعر بتأثر لطيف.. لأنه حين دخل ورأى الفستان القصير الذي ترتديه.. شعر بحرج كيف سيقول لها أن تبدله أمام والدتها!! عفراء خرجت لتذهب لغرفة نوم ابنتها.. بينما فهد جلس مكان عفراء وهو يهتف لها بهدوء: عطيني زايد.. جميلة استغربت حين رأته يبتسم لزايد.. ( زين يعرف يبتسم.. فديت قلبك يازيود تخلي الحجر يبتسم!! ) عفراء دخلت وهي تحمل الملابس بيدها.. وهمست لجميلة بحنان: خلاص يامش قومي خلني أساعدش نروح للحمام تبدلين.. ثم أردفت ابتسامة لفهد: ماعليه يأمك بنخلي زايد عندك شوي.. جعلني أشوف عيالكم.. عاجلا غير آجل!! كلاهما وفورا شعر بالضيق من هذا الدعاء.. فكلاهما لا يريد فعلا أن يكون بينهما أطفال.. " أنا آخرتي أرد نفسي لها.. لا وأجيب عيال من ذا الدلوعة.. أشلون بتعرف تربيهم أساسا؟؟" " بسم الله علي أجيب عيال من ذا المتوحش!! زين ما يحطهم في الفرامة ويفرمهم إذا عصب عليهم!! " ********************************** بعد أربعة أيام.. والأوضاع شبه مستقرة على جميع الأصعدة.. بين استمرار عبدالرحمن في التدريبات.. والحياة الباردة الرتيبة والطبيعية بين كساب وكاسرة مع تحسن كساب أكثر وعودته لعمله في الشركة.. ومن ثم تحسن جميلة أكثر.. بعد أن قضت الأيام الماضية أكثرها في غرفتها!! ومشاعر النفور المتبادل تصبح هي السمة بينها وبين زوجها!! رغم أنها حاولت أن تكون أكثر لطفا معه.. وهي تؤمن أن هذا الرجل هو نصيبها!! ولكنها رغما عنها لا تستطيع نسيان إهانته الجارحة!! هـــو لم يكن مايشعر به هو النفور بمعناه الحقيقي... لكنه كان في رحلة اكتشاف.. اكتشاف عالم مجهول لم يكن يعرفه.. هذه الحسناء الرقيقة المتأنقة على الدوام.. بدأت تسترعي انتباهه بطريقة غريبة... كما لو أنك تسكن مع نجمة متألقة تنتظر جديدها كل يوم!! وهي لم تكن تمل من التلون وعدة مرات في اليوم!! أناقة لافتة.. واهتمام لافت بنفسها.. وكل مافيها يبدو متقنا لأبعد حد... حتى رقة صوتها بدأ يعتادها.. فمثل هذه الحسناء لا يصلح لها إلا هذا الصوت!! ومع كل هذا... فوجهة نظره لم تتزحزح مطلقا.... لا بأس أن تنظر.. ولكن لا تقترب من شيء مستخدم... فلو أنك رأيت تحفة فنية مبهرة... لن تمنع نفسك من النظر لها والتعجب من جمالها.. لكنك لن تفكر أبدا باستخدامها إلا لو كنت مجنونا!! وهو ليس مجنونا!! كان يدخل لغرفته بخطوات هادئة.. ليشعر بتوتر لا يعلم له سببا حين رأها تصلي!! فهذه المرة الأولى التي يراها تصلي منذ زواجهما!! وهي رغم شعورها العارض بالتوتر.. إلا أنها نفضته فورا.. فهي رأت طيلة الأيام الماضية تعامله الرسمي الدال على عدم رغبته في أي تقرب منها!! خلعت جلال الصلاة.. لتظهر أناقتها اللافتة من تحته.. بنطلونها الجلدي الأسود.. وبلوزتها الفضية الضيقة التي تصل لمنتصف الفخذ.. وكل مافيها يصرخ بالإثارة لأبعد حد.. فهد توتر نوعا ما.. فهو مهما كان رجل.. وليس حائطا.. لذا هتف بغضب وهو يراها تجلس على مقعد التسريحة وتعدل وضع أحمر شفاهها: دام أنتي عارفة مثل ماقلت لش قبل.. وعشان ما أجرح فيش.. إني مستحيل أرد نفسي لش... ممكن أعرف ليش ذا الكشخة اللي متعدية الحد 24 ساعة..؟؟ جميلة همست ببساطة وهي تضع لمسات أحمر الشفاة الأخيرة: أتعدل لنفسي.. يعني عشانك ماتبيني... لازم أكتئب وأدفن نفسي!! فهد يزفر بغيظ: يا بنت الحلال ريحي روحش.. مهما سويتي ماراح ينفع معي!! جميلة ضحكت برقة: تدري فهد إنك تفكيرك سطحي وبريء بزيادة.. ماكنه بتفكير رجال قرب على الثلاثين.. لأني لو أبي أغريك على قولتك.. تراك ما تاخذ في يدي غلوة !! جميلة كرهت بالفعل ماقالته.. ولكن هذا التافه الذي يظنها ستموت من أجل إغرائه أثار غيظها لأبعد حد.. وهي سكتت عنه طويلا!! بينما شعور فهد ناحيتها بالقرف تعاظم أكثر لأنه رآها تتبجح بتجربة هو لا يمتلكها.. وشعوره بالغيظ ناحيتها يتزايد أكثر وأكثر!! جميلة شعرت بالتوتر وهي تقف وتهمس برقة: بأروح أبدل وبأنزل لعمتي أم صالح.. ********************************* " علي حبيبي اشفيك تاخرت؟؟" علي يخفي شيئا خلفه ويهتف بولع وهو يضع هاتفه على أذنه.. هذا أنا عند الباب يا قلبي!! دقيقة وكان يفتح الباب ليجدها واقفة أمامه.. كانت متانقة لأبعد.. ابتسم لأنه يعرف سبب تأنقها.. وهو يرى كيف كانت غرفتهما معدة لاحتفال خاص جدا!! أخرج باقة الورد الصغيرة والأنيقة من خلف ظهره وهو يقترب من شعاع ليحتضنها ويغمرها بقبلاته ويهمس بولع: مبروك ياحبيتي.. وعقبال ألف شهر مع بعضنا... شعاع بتأثر: ياقلبي يا علي.. تدري كنت خايفة إنك ما تتذكر إنه حن اليوم كملنا شهر.. علي بولعه المصفى: أفا عليش.. يعني أنتي تتذكرين وأنا أنسى!! تدرين احترت وش أجيب لش هدية.. وبعدين على طريقة الرومانسيين قلت الورد أحلى هدية!! ثم أردف بابتسامة:ولو تبين هدية مادية.. رحما مع بعض ونقيها بنفسش؟؟ ابتسمت شعاع وهي تشده لتجلسه على الأريكة مقابلا للكعكة الأنيقة والشموع المشعلة: والله العظيم أحلى هدية ياقلبي أصلا أنت سبيشل واللي يجي منك سبيشل.. ويا الله افتح هديتي لأني عندي لك هدية أكثر من سبيشل... علي فتح العلبة المستطيلة الصغيرة الأنيقة.. لتتسع عينيه بصدمة وهو يكح ويشهق ويشعر كما لو كان سيبكي فعلا.. ويهمس بتأثر غامر: صدق وإلا تلعبين علي؟؟ شعاع تعلقت بعنقه وهي تبكي برقة: لا تصير سخيف .. وش ألعب عليك؟؟ علي رفع الشريط المستطيل أمام عينيه بيد وهو يحتضنها بيده الثانية وينظر للخطين المتوازين في اختبار الحمل المنزلي.. ويهمس باختناق: متاكدة ياقلبي؟؟.. مهما كان هذا اختبار منزلي.. شعاع بين شهقاتها العذبة: أصلا أنا صار لي كم يوم متوترة عشان دورتي تأخرت.. أمس سويت التيست.. وعقب طلبت من جوزاء توديني أسوي فحص دم.. علي بفرحة غامرة وهو يغمرها بمزيد من قبلاته الحماسية: وانا أقول وش فيش من أمس وانتي منتي على بعضش.. يا الله.. الحمدلله يارب على نعمتك.. صدق ربي راضي علي... ثم قفز بحماس: باتصل في إبي أبشره... بيموت من الفرحة!! شعاع اختنقت من الخجل: لا علي.. تكفى لا تحرجني في عمي!! علي تناول هاتفه وهو يتصل بحماس: مستحيل ما أقول له وذا الحين بعد!! ********************************** " مبروك.. الف ألف مبروك" كساب وكاسرة ينظران بدهشة لزايد الذي قفز وهو يروح ويأتي ماعاد قادرا على الجلوس حتى!! ووجهه يتفجر بالفرحة العارمة!! ما أن أنهى اتصاله حتى هتف كساب بابتسامة: فرحنا معك!! زايد لا يستطيع السيطرة على فرحته: مرت علي حامل.. مرت علي حامل!! كساب ابتسم بسعادة: والله مهوب هين عليان.. مبروك ياجدي.. كاسرة ابتسمت كذلك: مبروك ياعمي.. خلني تصل بشعاع أبارك لها بنفسي.. زايد بتاثر: وعقبالكم عاجلا غير آجل.. كساب وكاسرة تبادلا نظرات مثقلة بالمعاني ليتفجر المكان كله بالدهشة العارمة وكاسرة تهمس بنبرة مقصودة: وحن بعد يبه باركنا لنا.. أصلا أنا وكساب جايين نقول لك.. بس علي سبقنا.. أنا بعد حامل!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التسعون لم يشعر يوما بالجرح والمهانة كما يشعر الآن في هذه اللحظة.. حتى في أيام غضبه من مزون.. فمزون قامت بفعل أغضبه ومرفوض عنده.. لكنها تبقى حياتها هي!! لكن هذه أخفت عليه أمر يخص حياته هو.. أخفت عليه نبض روحه ينبض بين جنباتها.. ثم سلبته حتى حقه في أن يعرف هو أولا.. ألقت الخبر أمامه دون أدنى اهتمام به.. أخبرت والده قبله!! أ حقا فعلا ذلك؟؟ كان يرى المشهد أمامه كما لو كان مشهدا لا علاقة له به.. مشهد غائم ومؤلم ومهين.. وهو يرى والده يتصرف بعفوية حرمته منها.. ووالده ينتزع كاسرة من مقعدها ليحتضنها وهو ينهمر بسعادته وتبريكاته.. يحتضنها قبله!!.. ويبارك لها قبله.. وهو على الرف.. لا قيمة له!! ثم يعود لينتزعه هو ويحتضنه وهو يهتف بسعادة محلقة وعاطفية ثائرة لم يعتد على تبادلها مع والده: ألف مبروك يا أبيك.. ألف مبروك.. والله إني الليلة كني لمست النجوم.. الله يفرحكم بسلامة ولدكم مثل مافرحتوني الليلة.. ثم التفت لكاسرة وهو يهمس بحماس فخم: قلتي لأمش؟؟ ابتسمت كاسرة بتأثر لما رأته من فرحة عمها: لا .. أنت أول حد يدري عقب كساب.. ضغطت على عبارة (عقب كساب) بشكل مقصود.. زايد بذات الحماس الفخم: خلاص والله ماحد يبشرها هي ومزون غيري. كفاية عليكم البشارة من عندي!! زايد أنهى عبارته وغادر الصالة العلوية حيث يجلسون جميعا متجها لغرفته.. ليقف كساب وهو يتوجه لكاسرة بخطوات ستخترق الأرض وهو يشدها بيده السليمة ويهتف بغضب مكتوم: قدامي على غرفتنا!! كاسرة تقدمت أمامه بكل بساطة.. ربما لم تكن تخطط أن تقول لوالده قبله.. ولكنها هكذا حدثت.. وهي سعيدة جدا أنها هكذا حدثت.. وكأن الله يدخر لها هذه الطريقة الرائعة لرد الصفعة لكساب.. بل لرد الصفعات!! رغم أنها في داخلها تمنت بكل اليأس أن يكون أول من يعلم.. ولكن كل شيء في حياتها معه مبتور.. ولن يكون خبر حملها هو الاستثناء!! فما الغريب أذن!! ما أن وصلا للداخل حتى أفلت كساب عضدها بحدة وهو يسألها بصوت أجش: من متى تدرين؟؟ كاسرة جلست ببساطة وهي تهمس بذات البساطة: ثاني يوم رجعتك من السفر.. كساب تراجع بصدمة كأنه يحادث نفسه: قبل أكثر من أسبوع.. ومافكرتي حتى تقولين لي.. ثم أردف بغضب وهو يتذكر شيئا آخر: وأشلون هان عليش تقولين طلقني.. وأنتي عارفة إنش حامل!! أشلون؟؟ كاسرة بذات البساطة: أنت اللي قلت إنك تبي تطلقني.. وعادي بدل ماتصير العدة 3 شهور تصير 8 ...وين المشكلة؟؟ كساب بعتصر كفيه.. لأول مرة يجد الكلمات تفر منه هكذا.. ( أنا أطلقش ؟؟ أنا يوم شفت بس الدمعة اللي تعلقت على طرف رمشش.. حسيت الدنيا كلها تسكرت قدام عيني.. دمعتش اللي ردتني من الطلاق.. مهوب إبي!! وأنتي استكثرتي تقولين لي خبر مثل هذا؟!! " يا الله...!! مجروح منها بشدة.. مجروح بالفعل!! هتف بعتب غاضب مثقل بالجرح: خلينا من زعلتنا في المستشفى... أنا صار لي مقابلش كم يوم... مالقيتي دقيقة تقولين لي فيها الخبر؟؟ تبلغين إبي قبلي كأني مالي أي قيمة!! حينها كررت كاسرة بتهكم موجوع: كأنك مالك أي قيمة!! ثم انهمرت بيأس وقناع اللامبالاة ينهار: كساب أنت عمرك ما اهتميت بذا الموضوع.. وماقصرت وأنت توضح ذا الشيء.. كساب لا تقول لي إنك ماشفت أكوام التيستات اللي معبية حمامنا من ثاني شهر من زواجنا.. عمرك ماشاركتني حسرتي إني تأخرت في الحمل.. كأني مخلوق يعيش على هامش حياتك.. وأنا كل شهر يمر.. أنتظر دورتي تتأخر يوم واحد.. عشان أنط أسوي التيست ورا التيست بدون فايدة!! ماشاركتني حسرتي في خيبتي كل شهر.. حرمتني حتى من مجرد التمني!! وعقبه يوم نطقت.. نطقت بالدرة إنه حن ما نصلح نكون إباء.. وكانه ربي يبي يعاقبنا بذا الشيء.. تقول ليش ماقلتي لي؟؟ وليه أقول لك؟؟ عشان تقول ياحرام مسكين ذا الولد إنه حن بنكون هله!! ليش ماقلت لك؟؟ هذا أنا كل ليلة آكل حبوبي قدامك... واقول الليلة بيسألني.. الليلة بيسألني!! وتمر الليلة وأنت ما سألتني.. تقول ليه ماقلتي لي؟؟ تعال طل في درج الكوميندو الأول.. التيست خليته هناك.. أقول اليوم بينتبه له.. اليوم بينتبه له... كساب بالفعل لم يلاحظ شيئا مما قالته.. فهو مطلقا لم يفكر أن يقلب في أدراج الحمام.. لأنه يعلم أن أغراضها الخاصة هناك.. أما الأيام الأخيرة فهو فعلا كان منهك بالتعب عن ملاحظة أي شيء!! كساب انفجر كذلك بغضب عارم: أنتي شايفة وضعي الصحي وضع حد ممكن يلاحظ شيء؟؟.. يعني ماراح تصارحيني.. تبنين خبر مهم مثل هذا على احتمالات.. كاسرة هزت كتفيها وهي تهمس بسخرية مرة: حلوة تصارحيني ذي.. حلوة!! ليه حن في زواجنا نعرف شيء اسمه مصارحة..؟؟ والله هذا اللي أنت عودتني عليه.. فليه تستغرب الحين؟؟ ************************************* " مزنة.. مزنة!! وينش؟؟" صوت مزنة يأتيه من داخل الحمام المفتوح: أنا في الحمام حبيبي أغسل يدي.. جايتك.. مزنة خرجت وهي تجفف يديها وتهمس بمودة: تبون عشاكم الحين؟؟ زايد لا يستطيع حتى السيطرة على إشراق وجهه وهو يهتف بحماسه المتدفق: تعالي وش عشاه الحين.. بأقول لش شيء.. مزنة اتسعت ابتسامتها بعفوية شفافة وهي ترى إشراق وجهه الغريب... جلست جواره وهي تهتف بإبتسامة: خير؟؟ وشكله خير إن شاء الله!! زايد بإبتسامة مقصودة وحقيقية ومتغلغلة: خير.. خير.. مرت علي حامل!! مزنة اتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر... وهي تميل لتقبل رأس زايد ثم تهمس بسعادة شفافة: مبروك.. مبروك.. ألف مبروك.. يا سبحان الله.. وجه شعاع خير عليه من صوب!! ماهقيت كلش ماشاء الله تبارك الله.. حينها سكت زايد لثانية واتسعت ابتسامته أكثر وأكثر فهو بالفعل سعيد لحمل كاسرة أكثر لسببين.. أنه مضى على زواجهما أكثر من سنة والثاني أن وضعهما غير مستقر أبدا.. هتف بنبرة مقصودة أكثر: ومرت كساب حامل بعد.. مبروك ياجدة بيجي إن شاء الله امهاب الصغير!! مزنة حين رأت ابتسامته تتسع.. اتسعت ابتسامتها أكثر تلقائيا وهي تترقب ماذا سيقول.. لذا حين هتف بعبارته.. تغير وجهها من شدة الصدمة وهي تشهق بعنف.. زايد اقترب منها بجزع وهو يضرب على ظهرها بخفة: مزنة خذي نفس.. خذي نفس.. بسم الله عليش!! مزنة شدت لها نفسا بصعوبة ثم أسندت رأسها لكتفه وهي تبكي بشكل بالغ الشفافية.. فسعادتها لشدة وطأتها.. لم تستطع ان تعبر عنها إلا بهذه الطريقة!! زايد شعر بصدمة كاسحة حين رآها تبكي.. وهو يشدها بقوة ليحتضنها بشكل أقوى.. لم يتوقع أن مزنة قد تبكي لأي سبب.. كانت ضلوعه تذوب من أجلها وهو يراها تبكي بهذه الطريقة البالغة الرقة.. همس بحنان خالص: آسف ... ماكان لازم أروعش بالخبر كذا!! مزنة تنثر دموعها على صدره وهي تهمس برقة: لو بلغتني بأي طريقة.. هذي بتكون ردة فعلي.. يا الله يا زايد.. وأخيرا.. الله يهدي سرهم.. ثم تخلصت من حضنه برقة وهي تقف وتهمس بأمومة دافئة: بأروح أشوف كاسرة.. من كثر ما أنا فرحانة ماراح أشره عليها إنها مابلغتني أول.. زايد شعر بفراغ غريب حين نهضت من حضنه.. تمنى بشكل أكثر غرابة لو أن احتضانه لها طال أكثر من ذلك.. دون أن يعرف سببا لذلك!! ************************************* " قومي نتعشى برا.. " جميلة التي كانت تجلس على التسريحة تدهن كفيها وذراعيها بالكريم بعد أن لبست بيجامتها.. التفتت لفهد بدهشة: نعم؟؟ ذا الحزة؟؟ فهد بحزم: إيه ذا الحزة.. الساعة توها 11 ونص.. والمطاعم فاتحة لين الفجر!! جميلة مستغربة بالفعل.. ما الذي حدث له حتى يدعوها وفي هذا الوقت.. وبعد أن استعدت للنوم.. والغريب أن كلاهما تعشيا.. هو في المجلس مع والده واشقائه... وهي مع والدته وجوزاء.. فماداعي هذا العشاء؟؟ لكنها قررت أن توافق.. فمادام قام بخطوة تدل على لطف فيجب أن تستجيب لها.. حتى لا تبدو بمظهر المتصلبة!! رغم أنها لا ترغب في الخروج معه فعلا!! هــــو لا يعلم لماذا دعاها للعشاء تحديدا... فهو غير راغب في بقاءهما وحيدين في الغرفة هذه الليلة.. عدا أن خروجه لوحده هذا الوقت سيجلب له صداعا من والده لا يريده..!! لذا وجد أن أهون الشرين أن يدعوها للعشاء!! شعاع همست باختناق خجول: زين تعطيني خمس دقايق بس أحط كحل وغلوس؟؟ هي طلبت هذا الطلب بعفوية كعادتها في التأنق وخصوصا أنه لا يظهر منها شيء إطلاقا.. ولكن فهد أجابها بغضب حازم: ولا تحطين ولا شيء.. بدلي والبسي عباتش وبس.. فهد زفر بغضب وغيظ ( وشو له تتزين وهي مهيب محتاجة أساسا!! زينها بدون شيء يوجع..!! وليش تتزين وأنا أقول لها لا عاد تتزينين.. تبي تحرق أعصابي وبس!!) جميلة حاولت أن تستعجل في لبسها.. ومع ذلك استغرقت ربع ساعة حتى انتهت.. كانت أعصابه قد احترقت خلالها وهو يصرخ فيها بغضب ما أن رآها تطل عليه بعباءتها وهو ينتظرها في غرفة الجلوس: ربع ساعة عشان تبدلين وتلبسين عباتش..وإلا عشان ماعندش اي احترام للطوفة اللي قاعد ينتظرش!! قلتي عادي خله يتنقع!! جميلة شدت لها نفسا عميقا وهي تحاول منع نفسها من الرد عليه والعودة لغرفتها وإغلاق الباب على نفسها.. فهي فعلا فعلا لا تشعر بأي رغبة للخروج معه.. ثم يزيدها عليها بجلافته المتجاوزة للحدود.. ومع ذلك همست برقة خالصة تخفي خلفها غيظها وغضبها: أنا آسفة.. إن شاء الله المرات الجاية أحاول أخلص أسرع.. (يا ليل ما أطولك.. ليه فيه مرات جاية بعد؟!!!) هتف بحزم: يا الله قدامي.. (خوش طلعة هذا أولها.. الله يستر من تاليها!!) جميلة كانت تمشي خلفه ببطء حتى لا تضغط على ساقها.. كانت رحلة شاقة عليه.. حتى وصلوا لسيارته.. ما أن استقرا في مقعديهما .. حتى هتف فهد بحزم واثق: تحبين نروح مكان معين؟؟ جميلة هزت كتفيها برقة: لا.. اللي تبيه أنت!! جميلة في المرتين السابقتين التي ركبت فيهما سيارته لم تكن تنتبه لشيء..للظروف التي كانت تعانيها.. لذا انتبهت هذه المرة لصورة صغيرة مثبتة قريبا من مؤشر السرعة.. كانت تجمع بينه وبين منصور.. وكلاهما يرتدي لباسه العسكري.. لا تعلم لِـمَ بدت لها هذه الحركة عاطفية أكثر بكثير من شخصية فهد.. ابتسمت بعفوية: تدري إن بينكم شبه!! كنت قبل أظن كساب أكثر حد يشبهه في الشكل.. بس لا والله أنت أكثر.. نفس الطول نفس العرض.. نفس طريقة تحديد العوارض.. بس عمي وكساب بينهم اختلاف كبير.. عمي أطول.. وكساب أعرض.. وفي الشكل عمي أحلى بكثير.. جميلة تدفقت بتلقائية ناتجة عن رغبتها أن تبدو أمامه عفوية غير متحفزة.. لذا تفاجأت بالنبرة الحادة الغاضبة التي قاطعتها: ماشاء الله حافظة شكل ولد خالتش بالملي!! اطربيني بعد!! جميلة ابتلعت بقية كلماتها (زين ماقلت إن كساب أملح.. كان ذبحني.. يمه!!) ولكنها حاولت أن تهمس بتوزان: فهد الله يهداك وش فيك هبيت فيني!! عيال خالتي عبارت أخواني!! فهد بذات الغضب: لا مهوب أخوانش.. وياويلش أسمعش مرة ثانية تجيبين طاري رجّال غريب على لسانش قدامي.. وإلا حتى من وراي!! ( يمه.. هذا وش فيه؟؟ لو ما أنا بعارفته.. كان قلت الأخ غيران!!) جميلة صمتت تماما.. وهي تسمع زفرات الجالس جوارها الدالة على غضبه... لا يعلم حتى لماذا ثار عليها تحديدا؟؟ هل خشى وهي تعقد مقارنة غير مقصودة أن تمتد المقارنة لشخص آخر.. يكره مجرد التفكير فيه.. كان يختلس النظرات إلى يديها اللتين تعبثان بسلسلة حقيبتها.. كم مرة امسك ذاك الغريم بيديها.. تنفس عبيرهما.. نفث أنفاسه عبر نعومتهما؟؟ زفر بقرف مثقل بغضب لا حدود له!! لم يعلم أن التفكير سيكون موجعا هكذا حتى وقع أسيره!! فوجيعة تفكيره قبل أن يراها وتصبح في بيته وأمام عينيه... ماعادت شيئا يُذكر أمام مايعانيه الآن!! فهو قبلا كان يعاني من مجرد فكرة... لكنه الآن يعاني واقعا مرا.. هتف بصرامة بشكل صادم لها وله : جميلة عطيني يدش.. جميلة انكمشت على نفسها بعفوية وهي تخفي يدها في حضنها وتهمس باختناق: ليش؟؟ هو صُدم من نفسه (وش أبي بيدها) ومع ذلك أعاد بإصرار صارم: أقول عطيني يدش!! جميلة مدت يدها له وهي تشعر بخوف وتوتر متعاظمين.. احتضن كفها الناعم الرقيق في ضخامة كفه.. في البداية كانت لمسته غاية في الرقة ودقات قلب جميلة تتزايد بعنف جازع وهو كما لو كان يكتشف تضاريس كفها.. وصلابة أنامله تعبر حرير أناملها في رحلة مدهشة.. أصابته بدوار غير مفهوم.. وأصابتها بما يشبه دبيب نمل يعبر سلسلة ظهرها الفقرية!! حاولت شد كفها من كفه ولكنه لم يفلتها.. واحتضانه لكفها يزداد قوة.. ومعها أفكاره تزداد تعقيدا.. " كم مرة مسك يدش كذا؟؟ حس باللي أنا أحس فيه؟؟ حس إن يدش بتذوب في يده؟؟ عطيتيه نفس الإحساس؟؟ وأنفاسه تضيق ودقات قلبه تزيد لأنه وقته كان غشيم مثلي؟؟ أكيد معه كان إحساسش غير.. لأنه أول واحد.. لكن أنا.. خلاص معي ماراح تحسين بشيء لأنه كل الإحساس كان معه!! " فهد مع تزايد أفكاره قتامة في هذا الاتجاه.. كان يشد على كفها بقوة أكبر.. لم يخرجه من دوامة أفكاره.. سوى صرخة مكتومة مثقلة بانين أقرب للبكاء: فهد بس... حرام عليك.. بتكسر يدي.. فهد أفلت كفها بسرعة وهو يثوب لرشده.. بينما هي ضمت كفها لصدرها وبكت بشفافية موجوعة!! فهو آلمها فعلا..!! وما آلمها أكثر.. ظنها أنه تقصد أن يفعل فيها ذلك!! أنه تقصد أن يعتصر يدها بهذه الطريقة المتوحشة حتى يؤلمها!! فهد حين سمعها تبكي.. شعر بالصداع.. المثقل بالألم.. " يا الله !! والله ماقصدت آجعش!! لا حول ولا قوة إلا بالله " صمت.. ماذا لديه ليقوله؟؟ ولكنه يعلم كم باتت صورته سوداوية ومتوحشة في عينيها!! ولا يستطيع أن يلومها !! ولكنه أيضا لا يستطيع لوم نفسه.. فهذا الألم الذي بات ينتشر في روحه.. بات يضغط عليه بشكل جارح لرجولته وكرامته وإنسانيته!! " يا الله ياكريم.. خلص ذا الكم يوم على خير بالطول وإلا بالعرض لين موعد دورتي أهج من الدوحة!!" هتف بسكون كأنه يحادث نفسه: تبين نرجع البيت؟؟ هزت رأسها بالإيجاب وهي مازالت تنتحب بذات الطريقة الشفافة الموجوعة!! والجو يصبح شديد القتامة والثقل بينهما وكلاهما غارق في وجيعته الخاصة.. التي باتت تتعمق أكثر وأكثر!! *************************************** نائمة بالفعل.. بينما هو عاجز عن النوم " إيه وش عليش.. نامي.. أكيد مبسوطة عقب اللي سويتيه فيني!!" يتنهد بعمق وهو ينظر لها.. " أشلون ما انتبهت إن هذي التغيرات كلها غير طبيعية!! وهذي مهيب كاسرة الطبيعية!! عمري ماكنت معدوم ملاحظة مثل ذا المرة!! بس أنا فعلا استبعدت الحمل.. ولا خطر ببالي حتى!! كل اللي طرا علي الطواري الشينة!! وهي ماحتى هان عليها تريحني!! " بقدر ماهو غاضب منها.. بقدر ماهو مشفق عليها.. وما الجديد؟؟ فالتضادات هي ماصنعت مسار حياتهما..!! فبعد أن هدأت فورة إحساسه بالمهانة لأنه لم تخبره.. تعمق إحساس مختلف.. خليط من الغضب والشفقة... والترقب!!! تمدد أكثر ليصبح وجهه قريبا من وجهها .. رغما عنه وجد نظره يتجه إلى بطنها.. أ حقا هناك ابنه وابنته!! بالتأكيد لا يعلم جنسه.. ولكن مايعلمه يقينا -حتى لو جهلته هي- أن هذا الطفل كان ثمرة حب صارخ مؤلم.. ولا حدود له!! مد يده السليمة برفق وهو يلمس بطنها ويهمس في داخله بوجع: "تدري يا أبيك إنه مافيه رجال في الدنيا حب مرة كثر ما أحب أمك!! بس أمك خبلة!! تظن إنك أنت بتقدر عليها وبتعقلها؟؟؟!! " حاول أن يكف يده.. فلم يستطع وهو يمررها بحنان على بطنها.. شعور غريب ومدهش أن تبدأ بالارتباط هكذا بمخلوق لم يتكون بعد!! شعر بصدمة أقرب للحرج حين فوجئ بكاسرة تفتح عينيها بتثاقل ويده مازالت على بطنها.. ولكنها لم تقل شيئا وهي تتناول كفه من فوق بطنها.. ثم تحتضن ذراعه بكلتا يديها.. وتعود للنوم!! غريبان ويعلمان أنهما غريبان.. وتصرفهما بغرابة هو الطبيعي بالنسبة لهما!! فلو تصرفا يوما بطبيعية.. سيكون ذلك هو الغريب!! *************************************** عادا إلى جناحهما.. هي إلى غرفة النوم... وهو إلى غرفة الجلوس.. لم ينظر أيا منهما إلى الآخر مطلقا!! ولماذا ينظران؟؟ ماهو الشيء الذي سيريانه.. القهر؟؟ الوجيعة؟؟ الآلم المتبادل؟؟ وكل منهما بقي بعدها معتصما في مكانه حتى آذان الفجر.. فهد أساسا كان يرتدي ثوبه.. فنزل للصلاة في المسجد دون أن يمر بها.. حين عاد.. كان بالفعل غير راغب في رؤيتها!! ولكنه يكره الهروب من المواجهة.. لذا توجه لغرفة نومه.. حمد الله أنها وجدها نائمة!! فهو بالفعل كان عاجزا عن رؤية وجهها بعد مافعله بها!! فهو لن يحتمل أي نظرة عتب..!! هي لم تكن نائمة.. ولكنها ما أن أنهت صلاتها حتى اندست في فراشها بسرعة حتى لا تراه حين يعود!! ما أن سمعت صوت فتح الباب ثم أغلاقه.. حتى عادت دموعها تنسكب من جديد.. أما حين شعرت بحركته جوارها.. بدأ جسدها يرتعش بعنف.. نتيجة لكتمانها شهقاتها.. فهد انتبه لارتعاش جسدها.. وليس غبيا ليعلم أنها كانت تبكي!! تنهد بعمق وهو يهتف بسكون: جميلة بتصدقيني لو قلت إني والله ماقصدت؟؟ أجابته بصوت مختنق تماما بين شهقاتها وهي توليه ظهرها: لا .. ماني مصدقتك.. لأنك كنت قاصد!! واللي موجعني ترا مهوب يدي.. لأنها مافيها شيء.. لكن أنت ومقصدك من اللي سويته.. فهد صمت.. فعلا مرهق.. وليس لديه مايجيبها به.. وإن أجاب.. ما الذي ستغيره إجابته؟؟ لا شيء.. لا شيء مطلقا!!! ************************************* " مبروك ياقلبي.. مبروك!! تدري إني ما نمت من الفرحة.. والمشكلة من البارحة أحوس عليك ماصدتك!! معتكفين في غرفتكم مع خبر ولي العهد... عشان كذا قلت بأرتز عند طاولة الفطور عشان أصيدك!! " كانت هذه هي انثيالات مزون المرحة وهي تقفز لتتعلق بعنق كساب وهي تغمر وجهه بقبلاتها السعيدة.. كساب احتضنها بمودة : الله يبارك فيش يالغالية.. وكانت كاسرة تتقدم خلفه.. ومزون تستدير لها وتحتضنها وهي تبارك لها.. كاسرة ردت عليها بلطف يخفي خلفه حزنا عميقا.. لماذا الجميع يستطيع التعبير عن سعادته...إلا هما!! مزون مازالت تنثال بسعادة: تدرون من وناستي.. يمكن أعسكر عندكم لا صارت كاسرة في التاسع.. عشان أروح معها المستشفى.. ما أبي حد يشوف ولد أخي قبلي... ابتسم كساب: يمكن ذاك الوقت يكون فيه شيء يشغلش عن كساب وولده؟؟ احمر وجه مزون خجلا وهي تعرف مقصده.. ومع ذلك احتضنت عنقه من الخلف لأنه كان يجلس إلى الطاولة وهي تهمس في أذنه بمودة مصفاة: مافيه شيء يشغلني عنك... والحين اسمحوا لي... أنتو ناس وراكم دوام... وأنا وراي رقدة!! بقيا الاثنان متقابلان على طاولة الفطور.. بينهما كالعادة تطوف النظرات والمشاعر الثقيلة التي تحاول إيجاد منفذ لها دون فائدة.. همست كاسرة بسكون: أصب لك قهوة؟؟ أجابها بسكون أكبر: فنجال واحد بس.. كاسرة سكبت له فنجانا من القهوة.. ثم سكبت لها كوبا من (الكرك).. فوجئت به يقف.. ويبعد الكأس عن متناول يدها.. همست باستغراب:وش فيك؟؟ أجابها بحزم: ما أظن إنش بزر وما تعرفين مصلحتش ومصلحة اللي في بطنش.. خلاص كرك مافيه.. اشربي حليب طازج.. حتى وهو مهتم بها.. أسلوبه مستفز لها... واسلوبها أكثر استفزازا.. سألته بسكون: اهتمام ؟؟ وإلا فرض رأي؟؟ هز كتفيه بحزم: اعتبريه مثل ما تبين... لأنش لو فهمتي مرة وحدة صح يمكن تفقدين الذاكرة!! ********************************** يومان آخران... " حبيبتي ليه زعلانة؟؟" سميرة تنهدت وهي تشير لتميم: ماني بزعلانة.. كنت سرحانة شوي!! تميم ابتسم : والحلو سرحان في ويش؟؟ سميرة بعفوية: ماشاء الله البنات كلهم حوامل.. إلا أنا.. مع إن حن كملنا سنة.. حينها ضحك تميم: أنتي بتلعبين علي وإلا على روحش يا النصابة؟؟... وش سنته..؟؟ قصدش سنة منشفة ريقي.. احنا عبارة لنا شهر ونص متزوجين بس.. لأنه ما تراضينا إلا في حفلة بنت عمش عالية يوم تزوجت عبدالرحمن.. وإلا نسيتي؟؟ سميرة تأففت بغيظ طفولي: مالي شغل.. حن لنا سنة متزوجين... أبي بيبي حالي حالهم..!! تميم ابتسم وهو يفتح ذراعه.. أسندت رأسها لكتفه ليحتضنها بذراعه.. بينما هي تمسك بكفه برقة تنثر فيها بعضا من أفكارها وهي تمرر أناملها في راحته!! تميم أبعدها قليلا عنه ليشير لها بحنان: حبيبتي تبين نفحص.. ماعندي مانع!! سميرة ضحت برقة: وش نفحص؟؟ من جدك؟؟ تو الناس ياقلبي!! أنا بس كان في خاطري كلام.. وتعرفني لو خليت كلام في بلعومي بأغص فيه!! ************************************* " بعد لا تقول لي متوتر.. أخيك فهيدان هذا مهوب طبيعي.. من قبل عرسه معتفس.. والحين معتفس بزيادة.. مكتم على طول!! والكلمة يا الله يقولها!! " عبدالله تنهد وهو يجيب صالح بحزم: وأنت وأشفيك صاير كنك من عجايز الضحى.. مالك شغلة إلا تراقب وتدور العذاريب.. يا أخي فهد بطبيعته مهوب كثير كلام.. خله براحته!! صالح يبتسم وهو يستعد للقيام: دام إبي وهزيع مهوب هنا.. أحسن لي اقوم لبيتي.. مقابل أم خالد أحسن من مقابلك أنت وأخيك!! عبدالله يضحك: زين لو جيت بكرة تبي قهوة العصر.. تراك منت بمعيني وتقعد تبكي على الأطلال.. صالح بمرح: ليه وين بتروح؟؟ بتهاجر؟؟ عبدالله بمرح مشابه: لا طال عمرك.. عازم أم حسون وحسون على الشاليهات يومين.. خلنا نتفتك من وجهك وأنت كل يوم غاثنا... بعد دقائق.. فهد يتلفت حوله ثم يهتف بتساؤل: وين راح صالح؟؟ عبدالله ابتسم: تو الناس.. صالح راح من زمان.. يقول زهق من مقابلنا.. فهد عاد للصمت ولكن عبدالله اقترب من فهد أكثر ثم همس له من قرب بجدية: اسمعني يأخيك زين.. ترا مافيه حياة زوجية تخلى من المشاكل... وكثير ناس متزوجين يعانون في بداية حياتهم الزوجية لين كل واحد يتاقلم مع الثاني.. وترا أنا وصالح مثلا وش كثر مرت علينا مشاكل مع حريمنا... عمرك لاحظت علينا شيء؟؟؟ لكن أنت ملاحظين عليك.. مع إنه حنا دوم نقول أنت أقوى شخصية فينا.. يمكن لأنك واحد ماتعرف تتلون.. وماتعرف تدس مشاعرك.. بس ترا التلون يأخيك أحيانا يكون ميزة..!! لأنه فيه أشياء المفروض ما تظهر للناس!! فهد بغضب: ومن قال لك فيه مشاكل بيني وبين مرتي؟؟ وأنا أساسا مافيني شيء.. أنتو بتلاحظون من كيفكم يعني!! عبدالله بهدوء متحكم: لا تكابر... وأنا ماطلبت منك تقول لي شيء.. ولا سألتك.. كل اللي قلته... مشاكلك لا تبين على وجهك!! فهد تنهد وهو يقف مغادرا.. " يا الله.. حتى أخواني ملاحظين.. خليتيني مطنزة يا جميلة.. لا حول ولا قوة إلا بالله !! " ********************************************** " حبيبي من كنت تكلم ذا كله؟؟" عبدالرحمن بعفوية: رئيس قسمي.. يسألني لو كنت مستعد أطرح مواد ذا الفصل الجاي لأنه عندهم نقص.. عالية بترقب: وش قلت له؟؟ عبدالرحمن بذات العفوية: عادي... قلت له أبركها من ساعة.. عالية ارتعشت من السعادة في داخلها.. فانخراطه في مجال العمل سيعطيه بالتأكيد حافز أكبر ليمشي.. فمهما يكن استخدامه للكرسي في ممرات الجامعة واحتياجه الدائم للمساعدة أمام زملائه وتلاميذه لن يكون شيئا مريحا له لا نفسيا ولا جسديا!! عالية همست بسعادة: زين أنا عندي موعد عن الدكتورة... توديني؟؟ قالت (توديني) وليس تذهب معي!! ابتسم عبدالرحمن: أودي مندوبش... دقيقة خلني أتصل في السواق يشغل السيارة!! ************************************ تأخر الليلة نوعا ما.. رغم أنه ليس تأخيرا بالمعنى الفعلي!! ولكنها الليلة بالذات تمنت ألا يتأخر.. فجوزاء أخبرتها أنهم سيذهبون للشاليهات وسيباتون هناك ليلتين.. لذا هي تعلم أن الطابق العلوي كاملا لا يوجد به سواها.. وحتى في الأسفل لا يوجد إلا عمها وعمتها وهما بالتأكيد نائمان الآن.. وهي تشعر بخوف طبيعي... رغم أنها في أحيان كثيرة تخاف من فهد شخصيا.. ولكن الخوف من شيء معلوم أهون من الخوف من شيء مجهول!! " يمه بسم الله الرحمن الرحيم.. كل شيء صار يتهيأ لي.. وصرت من خبالي أسمع أصوات غريبة والزفت ذا لحد الحين ما جا... من زين نفعته عاد.. !! بس يا الله اسمه موجود.. ليت ربي يخلصني بس من وجوده.. ذا الايام ماتبي تخلص عشان يفارق..وأروح لبيت هلي!!" #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الواحد والتسعون تأخر الليلة نوعا ما.. رغم أنه ليس تأخيرا بالمعنى الفعلي!! ولكنها الليلة بالذات تمنت ألا يتأخر.. فجوزاء أخبرتها أنهم سيذهبون للشاليهات وسيباتون هناك ليلتين.. لذا هي تعلم أن الطابق العلوي كاملا لا يوجد به سواها.. وحتى في الأسفل لا يوجد إلا عمها وعمتها وهما بالتأكيد نائمان الآن.. وهي تشعر بخوف طبيعي... رغم أنها في أحيان كثيرة تخاف من فهد شخصيا.. ولكن الخوف من شيء معلوم أهون من الخوف من شيء مجهول!! " يمه بسم الله الرحمن الرحيم.. كل شيء صار يتهيأ لي.. وصرت من خبالي أسمع أصوات غريبة والزفت ذا لحد الحين ما جا... من زين نفعته عاد.. !! بس يا الله اسمه موجود.. ليت ربي يخلصني بس من وجوده.. ذا الايام ماتبي تخلص عشان يفارق..وأروح لبيت هلي!!" تهيأ لها أنها سمعت صوت فتح الباب.. مع أنها أغلقته وسحبت مفتاحها.. " أكيد فهد.. هو اللي معه المفتاح!!" خرجت من غرفتها لغرفة الجلوس.. فلم تجد أحدا فيها.. تزايد الرعب في قلبها وهي ترى باب الغرفة الخالية مفتوح وإضاءتها مشعلة.. عادت للغرفة وتناولت هاتفها.. وهي تعود لتقف في الممر من شدة توترها ورعبها.. اتصلت بفهد.. وللمرة الأولى تفعلها.. منذ أدخل هو رقمه في هاتفها على سبيل الواجب.. أرادت أن تتأكد إن كان هو الموجود في الغرفة!! وبالفعل سمعت صوت رنين هاتفه يأتيها من الغرفة الخالية.. وضعت هاتفها على طاولة الممر.. وتقدمت بترقب به نوع من الفضول ( وش يسوي هناك؟؟) حين دخلت كانت الغرفة خالية تماما كما رأتها آخر مرة... إلا من شيء واحد.. كان ملقى بقرب باب الحمام.. في البداية لم تدقق النظر فاقتربت.. لتتعرف فورا على ماهية الموجود.. ورائحته.. ولتصرخ صرخة مبتورة.. ويسقط مغشيا عليها بلا مقدمات!! كان ثوب فهد غارقا في الدم.. ورائحة الدم بدت فائرة جدا!! وهي تتعرف على الثوب الأبيض الذي تحول للون الأحمر من أزراره التي أرتداها اليوم عصرا!! فهد ما أن سمع صوت صرختها حتى خرج من الحمام بجزع.. وهو يلف وسطه بفوطة أخذها من خزائن الصالة العلوية التي يعلم أنها دائما تحتوي مناشف نظيفة.. حتى لا يدخل على جميلة بمظهره هذا ويسبب لها الرعب.. فهو بداية صعد بثقة أن أحدا لن يراه لأن والديه نائمين.. وشقيقيه خارج البيت.. ثم دخل بهدوء حتى لا تنتبه تحسبا أن تكون جميلة لم تنم بعد.. مع أنه تمنى أن تكون نامت.. ولكن حتى في هذه المرة التي كانت نيته صافية.. سار الأمر على غير رغبته.. وهاهي رأت ما خشي أن تراه من أجلها وليس من أجله!! ولكنه لم يتخيل مطلقا أن تصل ردة فعلها إلى درجة الإغماء من مجرد رؤية بعض الدم !!!! فهد انحنى عليها ليرفعها.. ولأن شعره كان مبلولا.. فقطرات الماء انحدرت من شعره على وجهها لتقوم بدورها في تفويقها.. وهي تشهق متيقظة من إغمائتها... وحالما رأت وجهه قريبا منها.. انخرطت في بكاء حاد وهي تحسس صدره وكتفيه بكلتا يديه: أنت طيب؟؟ مافيك شيء؟؟ من وين الدم؟؟ جميلة كانت تتصرف بعفوية تامة وهي حتى لم تنتبه أنها كانت تتحسس جسده العاري.. ورعبها يوقف أي إحساس خاص لديها... سوى الاطمئنان على هذا الذي ظنته مصابا بجروح خطيرة حين رأت كل هذا الدم!! حتى ولو كان فهد بنفسه لا يهمها بشكل شخصي... ولكنه يبقى إنسانا أقرب إلى زميل سكن.. حتى لو كنت لا تتقبل زميلك في السكن .. فيستحيل أن تكون بلا إحساس لو ظننته مصابا بهكذا إصابة!! هكذا هم البشر!! وإن كانت لمساتها ورعبها وشفافيتها ودموعها كانت عفوية جدا لديها دون تأثير خاص فيها!! فهي كانت أبعد ما تكون عن العفوية عنده.. وتأثيرها أكثر من صارخ وحاد وموجع عليه.. فهو رغما عنه انتفض كالمحموم مع كل تربيتة من أناملها على جسده.. وارتعشت روحه مع كل دمعة رآها تتقاطر عبر أهدابها لأنه يعلم أن هذه الدموع مسكوبة من أجله هو!! فهد حاول أن يبتعد عنها قليلا في رد فعل متأخر لمنع تأثيرها عليه... ولكنه كان فعلا رد فعل متأخر جدا.. لأن التأثير حدث وتعمق في روحه التي -رغما عن كل قساوته وجلافته- مازالت روحا بكرا هي من تطبع خطوطها الأولى عليها!! هتف بنبرة مموهة وهو يحاول ألا ينظر ناحيتها: مافيني شيء.. بس كنت أنا وربعي نتناصع.. وواحد منهم تصوب تصويبة خفيفة في كتفه.. وأنا اللي شليته.. عشان كذا الدم غرقني!! (نتناصع = نتنافس في استخدام السلاح في إصابة علامات معينة).. جميلة سألته بعفوية متأثرة: وعساه طيب الحين؟؟ فهد بذات النبرة المموهة : طيب.. ماخليته إلا عقب ما تطمنت عليه!! جميلة حينها انتبهت أن هذا الجالس جوارها على الأرض عاري الصدر.. ولا يرتدي سوى منشفة.. منظر لم تراه مطلقا من قبل على الطبيعة.. ففهد لم يكن يخرج من غرفة التبديل إلا بعد أن يلبس على الأقل (فنيلته وسرواله).. وبالطبع لم تراه سابقا أبدا.. فلم يكن لها والد ولا أخوة.. ولم تراه طبعا في خليفة.. ولا حتى في منصور الذي يستحيل أن يغادر غرفته إلا بملابسه الكاملة!! تراجعت بعنف حقيقي.. ووجهها الخالي تماما من الزينة يتفجر بالاحمرار من شدة الخجل الذي خنقها.. لم تستطع حتى أن تقف وهي تخفض رأسها حتى لا تنظر ناحيته!! فهد وقف.. وهي مازالت جالسة على الأرض.. مد يده لها لتقف.. لأنه ظن أنها لم تستطع الاستناد لساقها.. لكنها حين رأت يده المدودة.. همست بجزع: لا خلاص.. خلاص.. بأقوم بروحي.. فهد مستغرب منها ( لا تكون صدق مستحية ذي؟؟ وإلا يمكن مهيب متقبلة شوفتي عقب ناس ثانين تعودت عليهم؟؟) الفكرة الأولى أثارت استيائه لأنها ظنها تتصنع الحياء.. والفكرة الثانية أثارت غيظه وغضبه لسبب يحاول ألا يتذكره ويتمنى لو أستطاع أن ينساه فعلا لشدة مابات يعذبه.. هي فعلا كان الوقوف من جلستها على الأرض صعب عليها.. وخصوصا وهي تشعر بخدر في عظامها من حالة الرعب التي اجتاحتها.. ثم من خجلها من هذا الواقف فوق رأسها بدون خجل!! فهد حين رآها لم تقف بعد أمسك بعضديها وأوقفها أمامه دون أن يفلت عضديها.. جميلة أشاحت بنظرها عنه بخجل فطري.. وهي تنتظر أن يفلتها كما هو متوقع لتهرب لغرفتها.. لكنه لم يفلتها وهو يقربها منه قليلا دون أن يعرف السبب.. جميلة حين رأته يكاد يلصقها بصدره انتفضت وهي تخلص نفسها منه وتهرب لغرفتها.. لكنها ما كادت تصل وهي تتنتفس الصعداء حتى كان يصل خلفها وهو يشد عضدها ويديرها ناحيته بكل حدة.. ويهتف بذات الحدة كما لو كان يريد تعذيب نفسه بما يقوله: ممكن أعرف الحركة اللي سويتيها وش داعيها؟؟ يعني عشان مسكت عضدش هجيتي.. ماكأنه قد صار بينش وبين رجال ثاني أكثر من مسكة العضد بكثير.. مسوية فيها خجولة وتستحين؟!! وإلا تمنعين؟!! علميني.. ليش إني الغشيم وأنتي الخبرة!! ( يا الله!! وش جنسك أنت؟؟ ما تشبع تجريح؟؟) جميلة شدت عضدها من يده وهي تهمس بحزم رقيق: هذا أنت قلتها (عضدي) يعني كيفي لو مابغيتك تمسكه.. أستحي!! أتمنع!! أتدلع!! بكيفي بعد!! وبعدين ليش ما تقول إني خايفة عليك تمرض لو استخدمت شيء مستخدم.. يمكن يكون مليان جراثيم وانت تمرض ياحرام!! فهد صرخ فيها بغضب: ومن قال لش إني أتنازل عشان أقرب منش!! أعتقد إني فهمتش ذا الكلام ألف مرة!! جميلة ابتعدت عنه وهي تهمس بنبرة مقصودة: أنا فاهمة الكلام عدل.. بس أنت شكلك اللي مافهمته!! ( ياربي.. ولسانها طويل بعد!! على شينه قوات عينه!!) فهد لم يرد عليها وهو يتوجه للحمام لاستكمال استحمامه سريعا.. حين خرج.. ذهب ليبحث عن هاتفه في جيب ثوبه فلم يجد الثوب.. ولكنه سمع صوت التقيء الواضح القادم من الحمام.. دخل باستعجال جازع ليجدها تجلس على الأرض وتتقيأ في المرحاض.. رفعها دون أن يشعر وهو يفتح الحنفية ليغسل وجهها.. ليتفاجأ أن ملابسه كلها حتى ملابسه الداخلية التي غرقت بالدم.. موضوعة على المغسلة.. ولأنه قربها منها أفلتت منه وهي تعود للجلوس على الأرض وللتقيء مع أن معدتها أصبحت خالية تماما.. فهد حينها فهم ما سبب تقيئها... كان رائحة الدم ومنظره من هذا القرب.. حملها بغضب رغم أنها لم تكن تحتاج من يحملها.. وهو يهتف بغضب أشد: دامش مقروفة كذا.. وشو له تروحين هناك؟؟ جميلة غطت وجهها بكفيها وهي تشعر بالخجل من نفسها ورائحة القئ فيها وتتمنى لو أنزلها وهي تهمس باختناق: كنت أبي أغسلهم.. قلت لو نشف الدم ماراح ينظف.. فهد بذات الغضب: ومن قال لش أبيش تنظفينهم؟؟ بأرميهم في الزبالة بأحرقهم.. مالش شغل فيهم!! حينها كان قد وصل لغرفته وأنزلها قريبا من باب غرفة التبديل.. لتقفز بسرعة للحمام.. ويسمع صوتها تتقيأ للمرة الثالثة.. لأنها عاجزة عن إزالة رائحة الدم عن أنفها... فهد صرخ عبر باب غرفة التبديل بحزم: تسبحي وأنا بأروح أجيب لش ليمون وملح.. لأنه دام الحالة ذي صابتش.. ماراح تروح إلا لو كلتي شيء طعمه قوي!! فهد نزل للأسفل وهو يتأفف (ذا الليلة شكلها ماتبي تخلص أولها مغمى عليها... وعقبه تزوع.. وش تاليها بعد؟؟) حين وصل للمطبخ الداخلي سارع لسكب بعض الملح في صحن صغير.. ثم فتح الليمونة لنصفين وضعها فوق الملح.. كان قد انتهى ويستعد للخروج حين سمع الصوت الساخر المرح: أعرف الناس على الأقل يبون شهر.. لكن أنتو وحامكم بادي من أسبوع.. بصراحة غطيت على أبو نظارات!! وقف خلني أدق التحية العسكرية ياحضرة النقيب!! فهد يتجاوز هزاع وهو يرد عليه بعدم اهتمام: ماعليك شرهة عشان أرد عليك!! هزاع حينها ضحك: خلاص واشرايك أقول تسبح عشانك لوعت كبد المسكينة لدرجة إنها تبي ليمون للوعة.. حينها استدار فهد لهزاع بعضب جامح: هزيع لآخر مرة أقول لك.. مرتي لا تجيب طاريها على لسانك!! هزاع بعدم اهتمام: روح بس أنت وليمونك.. أنت أصلا من يوم خذتها وأنت مستخف.. الله يديم علينا نعمة العقل!! فهد هتف بصرامة غاضبة: تدري.. أنا الحين ماني بمتفرغ لك.. بس دواك عندي يادلوعة أمك.. على طول ذا اللسان!! صعد لغرفته.. وانتظرها مطولا قبل أن تخرج من الحمام (شكله مافيه نومة لين أصلي الفجر.. مع إني ميت تعب) وأخيرا خرجت وعيناها محمرتان لطول ما استحمت.. ترتدي بيجامة قطنية خليط من اللونين الأبيض والأصفر الفاتح!! لا يعلم كيف يصف رؤيته لها مع أنه لم يدقق في ملامحها ولكن بدا له كما لو أن الشمس أشرقت قبل وقت شروقها.. هكذا كان إحساسه الغريب وغير المفهوم!! انتفض بغضب من أفكاره وهو يمدها بصمت بصحن الليمون.. هزت كتفيها برقة: وش أسوي فيه؟؟ فهد بنبرته الغاضبة: بعد وش تسوين فيه؟؟ صوري جنبه صورة تذكارية.. جميلة تناولت الصحن منه دون أن ترد عليه (كل شيء لازم يوجعني فيه وإلا ما يستانس ذا المعقد!! ) كل منهما انعزل في زاوية.. مشغولة بجرحها منه !! ومشغول هو بها.. يحاول إخراج مزيد من العيوب فيها!! ( هذي أشلون يعتمد عليها في بيت!! من شوي دم سوت لنا فيلم هندي.. يا من شرا له من حلاله علة.. والله إني كنت مبسوط بحياتي عزابي.. من يوم دريت إني بأخذها ماعرفت إلا النكد!!) . . . لم يناما حتى صليا الفجر.. وهاهو يصحو قبلها.. كعادته التي برزت الأيام الماضية حتى وهو ينكر ذلك على نفسه.. استدار لينظر لها وهو يدعو الله أن تكون توليه وجهها هذه المرة.. فهي تنام دائما وهي توليه ظهرها.. ولكنها مع تقلبها يصحو أحيانا ليجد وجهها ناحيته!! لا يعلم لماذا يريد أن ينظر لها دون أن تنتبه.. أ هو كما يقول.. لمجرد متعة النظر إلى لوحة فنية بارعة دون التفكير بالتقرب منها؟!! الغريب أنه هذا الصباح لا ينظر لحسنها الذي أشغله الأيام الماضية.. حين يراقب تفاصيل وجهها المنحوتة بدقة ربانية!! لكنه اليوم ينظر إلى شيء أعمق وأرق وأدفأ خلف الملامح الخارجية.. يحاول أن ينكر على نفسه ماحدث البارحة ولكنه عاجز عن إزالته من عقله كما لو كان حُفر فيه!! لمساتها.. دموعها .. شهقاتها من أجله.. جزعها عليه!! ليجد أن شيئا صغيرا في روحه الغضة يرتعش بلا هوادة!! ( أوووف تمثل عليك يا الغشيم!! تمثل!! وأنت خبل.. صدقتها على طول!!) زفر بغضب ونهض ليبحث عن هاتفه الذي لم يراه منذ البارحة.. وجدها وضعته له التسريحة.. كان هناك اتصال لم يرد عليه.. وتذكر فعلا أنه سمع صوت هاتفه رن رنتين البارحة وهو في الحمام.. اتصل بنفس الرقم.. ليجد الرنين يأتيه من مكان قريب جدا.. هاتفها المجاور لهاتفه.. انهى الاتصال قبل أن تصحو.. وهو يتذكر أنه حفظ رقمه في هاتفها ولكنه لم يأخذ رقمها.. (إذن هي اتصلت بي البارحة) لا يعلم لِـمَ كل ما تفعله بدأ يؤثر فيه بطريقة ما..!! كان هاتفها مازال بيده.. لا يعلم كيف تواردت له ظنون السوء التي لابد أن تفسد عليه كل شيء!! كان ينظر لهاتفها كما لو كان ينظر لعفريت.. أو قنبلة ستنفجر في يده!! (معقولة ممكن رقمه لين الحين في تلفونها؟؟) . ( لا .. مستحيل.. وش يخلي رقمه في تلفونها؟؟) . (يمكن نسته؟؟ أو مهوب هاين عليها تمسحه؟؟) كان كل مافيه يصرخ به أن يعيد الهاتف مكانه دون أن يقلب في قائمة الأسماء.. ولكن رغبته في تعذيب نفسه كانت تلح على نفسه أن يفعلها.. (خلاص خلني أشوف وارتاح .. وش أنا خسران؟؟ أكيد مهوب موجود.. لكن لو ما تأكدت الشيطان بيقعد يوسوس لي!!) فهد فتح بالفعل قائمة الاسماء بحثا بالحرف (خ).. ليجد ماكان يبحث عنه.. فليهنأ بالاحتراق والغضب وهو ماعاد يبصر شيئا أمامه وهو يرى اسم خليفة متكرر مرتين.. أحدها مع رقمه الفرنسي والآخر مع رقمه القطري.. فهد ألقى بالهاتف ليتجه لجميلة وينتزعها من فراشها انتزاعا وغضبه يتفجر أمواجا تلو أمواج.. جميلة شهقت وهي ترفع عن فراشها عبى حين غرة و تهمس برعب حقيقي: فهد وش فيك؟؟ فهد مازال يعتصر عضدها الذي انتزعها به ويصرخ بغضب ناري ملتهب: ولش لسان تسألين بعد وش فيني؟؟ ليش رقمه عندش؟؟ ليش رقمه عندش؟؟ فهد حالما أنهى سؤاله ألقاها بعنف على السرير.. لأنه بقي شيء من تماسك الأعصاب في داخله.. يقول له أنها لو بقيت قريبا من يده هكذا.. فهو لن يتوانى عن ضربها!! جميلة تأخرت حتى التصقت بظهر سرير وهي تتكور على نفسها وتتهتف بين شهقاتها: من هو ذا؟؟ والله ما أدري عن ويش تتكلم؟؟ فهد يعتصر قبضته ويتراجع خطوة للخطوة حتى يمنع نفسه من انتزاعها مرة أخرى والاطباق على عنقها.. ويهتف بغضبه الجامح: رجالش الأولي يا اللي ما تستحين ولا احترمتي حتى حرمتي.. ولا احترمتي أي شيء!! أنتي وش جنسش؟؟ جميلة بدأت تشهق بانهيار: والله العظيم ما انتبهت.. أنا أساسا مامسحت اسمه.. بس والله ماقصدت شيء.. الاسماء عندي وش كثرها.. ولو انتبهت والله لا امسحه.. ثم قفزت وهي تشهق بطريقة طفولية موجعة: الحين بأمسحه.. الحين.. ركضت لهاتفها بسرعة وهي تتناوله وكل مافيها يرتعش.. لم تكن ترى حتى الشاشة لشدة انهمار دموعها.. وهي تبحث عن اسم خليفة حتى تمسحه.. وشعور مر بالمهانة يتصاعد في روحها حتى خنقها!! حالما مسحت الاسم.. القت بهاتفها أرضا وهي تجلس على مقعد التسريحة وتدفن وجهها بين كفيها.. وتنتحب.. فهد وقف أشبه بتمثال جامد.. رغم أن يديه مازالتا ترتعشان من تأثير غضبه.. كان ينظر لها وهي تبكي بألم حقيقي.. وألمه هو يتسع.. (كم مرة بكيتها من يوم زواجنا لين الحين؟؟ ماعدت قادر أعد من كثرها.. هذا اللي أنت وعدت نفسك إنك بتسويه.. هذا وهي وصاتك!! لو ما كانت أمانة عندك وش كان سويت فيها أكثر؟؟ أخييه منك رجّال من بين الرياجيل!!) فهد حاول أن يقترب منها ليهدئها .. ولكنه لم يستطع.. ليس لديه أي شيء ليقوله.. فكل الكلمات هربت من قسوته!! ******************************** " هاحبيبي.. أصب لك فنجان بعد؟؟) منصور يهز فنجانه هاتفا بمودة: لا ياقلبي.. شكرت.. ثم أردف بإبتسامة: اشرايش دام ماعندي دوام اليوم.. أطلع أنا وأنتي وزايد نتمشى شوي في فيلاجيو وإلا السيتي.. وعقب نتغدى هناك.. خلي زايد يجرب دراجته الجديدة وأنتي صاكة عليه 24 ساعة!! ابتسمت عفراء: أخاف عليه منصور يتغير عليه الجو.. وإلا يتعب!! منصور بحزم حان: ماعليه إلا العافية.. خليه يتعود..لكم نص ساعة تتجهزون.. ثم ابتسم وهو يردف: ولو جميلة عندنا كان قلت لكم ساعتين.. عفرا ابتسمت بحنان: ياقلبي يا بنتي.. ماراحت ولا جات جاتها ذا التلزيقة في الحمام.. وحبستها في البيت.. وهذا رجالها بيسافر قريب.. وهم لا طلعوا ولا راحوا مكان.. منصور يبتسم : لا تقولين إنش ما تحسبين لدورة فهد أكثر منه.. تبينه يروح بالسلامة.. عشان تجي عندش جميلة.. ضحكت عفراء برقة: كنك داري.. راح 8 أيام وباقي 6.. يروح ويرجع بالسلامة.. *********************************************** منذ خرج صباحا وهو يتحاشى العودة للبيت حتى لا يراها.. لكنه ختاما.. اضطر للعودة حتى يستبدل ملابسه.. عاد بعد صلاة المغرب.. طرق الباب وهو ينتنحنح.. فردت عليه أمه تعال يأمك مافيه حد؟؟ ولكن كان هناك كل من يخشى مقابلتهم...... هـــي.. كانت تجلس مع أمه وتتولى هي مسئولية سكب القهوة.. لا يعلم لماذا توارد لباله أنها لن تخرج من غرفتها اليوم مطلقا لما رآه من انهيارها في عاصفة من البكاء.. تركها وهي مازالت غارقة فيها!! (عشان تعرف إنها تمثل!! دموع التماسيح.. عشان تحسسك بالذنب وتداري على غلطتها!! خذوهم بالصوت!! سكتتني وهي الغلطانة!! لا وبعد قاعدة لي متكشخة كنها بتروح عرس بدون سحا!! ) جلس بجوار والدته بعد أن قبل رأسها وهو ينظر للمقابلة لهما.. كانت متألقة أكثر من المعتاد.. وكأنها كلما ازدادت حزنا.. كلما ازدادت ألقا.. وكأنها تريد أن تغطي على على حزنها بألقها.. كانت ترتدي دراعة مغربية بلون تركوازي بدت فاتنة على لون بشرتها.. وشعرها ملولب ليزداد قصرا وإثارة.. أو ربما كانت كذلك في عينيه!! همست أم صالح بعفوية: دامك جيت.. اقعد خل مرتك تقهويك.. وأنا بأقوم أسنع لي شيء في مجلس النسوان!! همست جميلة بعفوية جزعة: تروحين يمه وأنا قاعدة.. قولي لي وش تبين وأنا بأروح؟؟ أم صالح برفض حنون: اقعدي يامش عند رجالش.. منتي بعارفة اللي أنا أبيه!! حالما غادرت أم صالح كانت جميلة تتحاشى النظر له وهي تنظر للقهوة والشاي أمامها وتهمس بسكون: أصب لك قهوة؟؟ رد عليها بسخرية: شايفش قبل شوي تعرفين السنع وبتنطين بدال أمي.. الحين ضيعتيه..؟؟ اللي بيصب لحد.. مايقول له أنت تبي..!! جميلة تنهدت (يالله الصبر) سكبت له فنجانا من القهوة.. وناولته له.. شد على كفها بطريقة غريبة وهي تناوله الفنجان.. وارتعشت جميلة خوفا..(لا يكون يبي يحرقني بالقهوة.. هذا اللي باقي) وارتعش هو من شيء آخر تماما..رعشة لم تتجاوز داخله!! وهو يأخذ الفنجان منها.. وينزله أرضا ثم يهتف بعصبية على نفسه وليس عليها: هذي صبة قهوة.. ؟؟ لو إنش صابتها لأبي كان رش الفنجال على وجهش!! جميلة تنظر لفنجانه بيأس: ليه وش فيه؟؟ فهد بغضب: بعد تسألين وش فيه؟؟ جميلة تنهدت وهي تهمس بهدوء ولكنه أقرب للعصبية: فهد أنا ببزر ولا غشيمة عشان تعلمني أشلون أصب القهوة.. فنجالك أقل من نصه.. واعتقد إنك تدور لك سبب عشان تعصب.. أنا قبل شوي مقهوية أبيك.. وما أشتكى من فنجاله.. والحين اسمح لي استأذن.. فهد بغضب: وتبين تروحين وأنا أكلمش بعد يا اللي ما تستحين.. جميلة شدت لها نفسا عميقا وهي تقف وتضع جلالها فوق رأسها.. وتهمس بحزم: فهد لو سمحت.. مشتهي تعصب وتصارخ.. لنا مكان يلمنا.. لا تنشر فضايحنا قدام هلك!! جميلة صعدت بالفعل لجناحها وهي تهمس في داخلها( ماني بباكية ذا المرة.. خله يولي.. والله ما أهتم له هو وكلامه اللي يسم!!) ما كادت تصل لغرفتها حتى كان يصل خلفها وهو يصرخ بغضبه الذي لا يتوقف: الحين أنا أسوي فضايح وأبي أعصب بدون سبب؟؟ جميلة لم ترد عليه.. وهي تخلع جلالها وتجلس على طرف السرير وتنظر لشيء غير مرئي أمامها.. قهد يقف أمامها وهو يهتف بذات غضبه الحازم: ومسفهتني بعد؟؟ ( مسفهتني= تتجاهله) جميلة شدت لها نفسا عميقا للمرة الألف: فهد أنت وش تبي؟؟ تبيني أبكي؟؟.. أنت خلاص ما ترتاح لين تشوف دموعي وتشوفني منهارة..؟؟ دامك تشوفني متماسكة شوي.. بتقعد تضغط وتضغط لين أنهار.. خلاص فهد اعفيني من البكاء الليلة.. لأني بكيت اليوم اللي كفاني.. ارحمني حرام عليك.. والله لو أنا عدوتك ماتسوي فيني كذا؟؟ اعذرني.. ماراح أبكي.. أجلها ليوم ثاني.. فهد تراجع بصدمة ( أ هكذا وصلت نظرتها لي؟؟ أنني أقتات على حزنها ودموعها؟؟ إلى هذه الدرجة صورتي قميئة في عينيها؟؟) فهد اكتفى بالصمت وهو يرتدي ملابسه ويخرج دون أن ينظر لها حتى.. وهي تجلس صامتة ساكنة في مكانها!! ليتذكر غهد حين وصل سيارته أنه نسى مفتاحها في جيب ثوبه الذي خلعه.. فعاد لأخذه.. ليتفاجأ أن من لن تبكي اليوم لأنها شبعت بكاء.. منكبة على سريرها وتنتحب بصوت مكتوم وهي تدفن وجهها في المخدة.. انتفض بعنف وهو يعود دون أن يأخذ مفتاحه... فر من المكان كاملا كما لو كان مجرما يفر من ساحة جريمته!! فهي هذه المرة لا تمثل عليه ولا من أجله!! بل تعبر عن حرقة لم ترد له أن يراها.. كرهت أن يرى ضعفها الذي بالغ في امتهانه إلى أقصى حد!! ************************************** " ياحليلها جوزا.. وينها الليلة تكمل ثلاثي التنافيخ؟؟" أم عبدالرحمن بمودة: بترجع بكرة إن شاء الله.. عالية بمرح: ياحليلها هي وعبود.. عرسان جدد مع بزر وكرش.. شعاع تضحك برقة: صدق الرازق في السما والحاسد في الأرض.. وش عليش منها؟؟ عالية تنظر لها من تحت أهدابها وتهمس بمبرة مرحة مقصودة: خلش في حالش مع سي روميو.. تجين عندنا عشان كل شوي تدقين عليه!! خلش مني أنا وجوزا.. أنا حماتها وهي حماتي... قبل أحول الموجة عليش!! شعاع بذات الابتسامة: يمه منها.. لا خلش في مرت أخيش مالي شغل بينكم.. كل وحدة منكم لسانها أطول من الثانية!! عالية تتأفف: على طولة اللسان اللي مامنها فايدة.. أبي أتحرك شوي.. أنفض الدولايب.. وأرتب ملابسي أنا وعبدالرحمن.. شعاع تبتسم: تدرين حتى أنا.. يبي لنا شوي حركة!! أم عبدالرحمن برفض: والله ما وحدة منكم تسوي شيء... قروا شوي.. توكم على الشغل.. ************************************* هذه المرة عاد مبكرا أكثر.. وجدها تصلي قيامها.. تركها في الغرفة.. وذهب لغرفة الجلوس.. ليصلي هناك ويقرأ ورده.. لا يعلم لِـمَ هو عاجز عن مواجهتها؟؟ أو بمعنى أصح النظر في عينيها!! بات يكره نظرة الحزن فيهما.. ويتمنى لو رآها تبتسم أمامه ولو لمرة!! حين انتهى توجه بحذر للغرفة.. وجدها تستعد للنوم.. ألقى السلام.. وردت بسكون.. كان يدور في الغرفة يقوم بأعمال روتينية......يغتسل... يبدل ملابسه..!! ختاما ماعاد فيه صبر وهو يتوجه للناحية الآخرى من السرير ويجلس جوارها.. كانت قد تمددت وهي توليه ظهرها كالعادة.. انتفضت بجزع حين شعرت بنقراته الهادئة على كتفها.. فهي أصبحت في حالة رعب لأنها عاجزة عن توقع ردات فعله.. استدارت وهي تقفز ثم تنكمش في حركة دفاعية... شعر فعلا بالألم منها.. يا الله كم هو مر هذا الشعور.. أن تكون جارحا.. ومجروحا في ذات الوقت..!! فهد هتف بسكون: اقعدي بأسولف معش بس..مافيه داعي تسوين ذا الحركة كأني بأسوي فيش شيء.. جميلة بيأس: يعني الحركة مالها مبرر؟؟ الإحساس اللي أنت عطيتيني من أول يوم.. إني يا أخاف من لسانك.. وإلا يدك.. حينها رد عليها فهد بيأس مشابه: جميلة... تكرهيني؟؟ جميلة تعترف أنها بوغتت تماما بالسؤال.. لم تتوقعه مطلقا منه.. (يسألها إن كانت تكرهه .. وهو لم يقدم لها إلا مبررات وأسباب للكراهية!!) ومع ذلك أجابت بسكون صادق: لا ما أكرهك.. ما تعودت أكره حد.. ولا حتى اللي جرحوني.. تضايق من ردها لسببين.. الأول أنها أشعرته أنه يستحق الكراهية ولكن لأنها لا تستطيع أن تكره.. لم تكرهه.. والثاني أن هذا الرد يحمل معنى ضمنيا أنها لم تكره كذلك زوجها السابق مع إساءتها الكبيرة لها وهو يطلقها في المطار!! انقطع الحوار.. هو صمت.. وهي صمتت.. ثم عادت لتتمدد.. وهي تشعر بالفعل أنها مستنزفة مما حدث هذين اليومين.. وتتمنى أن تنتهي الأيام القليلة القادمة حتى تتخلص من ثقل وطأته ووجوده.. تخشى أن تنهار منه.. تريد لها إجازة بالفعل حتى تستعيد عافيتها النفسية.. ************************************ بعد خمسة أيام . . اليوم هي سعيدة فعلا.. فغدا سيسافر أخيرا.. يا الله كم هي ثقيلة الايام التي مضت.. مع انه خلال الأيام الخمسة الماضية لم يحدث بينهما أي شد.. إلا فلتات لسانه الناتجة عن جلافة لسانه المعتادة.. وهي تحملت كل شيء وهي تعد الأيام.. وتصبر نفسها أنه مابقي شيء.. كانت ترتب حقيبته الختامية.. حين دخل عليها.. جلس على طرف السرير.. بينما همست هي برقة: أنا خلصت شنطتك خلاص.. تبي شيء ثاني؟؟ أجابها بحزم غريب: إيه.. رتبي شنطتش بعد!! جميلة قفزت بجزع وهي تختنق تماما: نعم؟؟ ليش أرتب شنطتي؟؟ فهد بذات الحزم: سمعتيني.. رتبي شنطتش.. جميلة بذات الاختناق: بس أنت ماقلت لي أبد إني بأسافر ذا الأيام كلها.. وش اللي غير رأيك؟؟ فهد بحزم أكثر صرامة: أنتي ليش ترادين؟؟ رجالش قال لش بتسافرين معه.. تتجهزين بدون كلام.. انتهينا.. جميلة شعرت أنها تريد أن تبكي أكثر من كل مرة.. هي بالكاد تحتمله الساعتين اللتين يقضيهما في البيت.. فكيف في مصر؟؟.. بالتأكيد سيقضي معها وقتا أطول.. لأن التدريب لا يأخذ إلا ساعات معدودة في اليوم.. او الأسوأ أنه سيتركها طوال اليوم وحدها وفي مكان غريب!! همست بذات الاختناق: زين أنت كنت حاجز السكن مع شباب.. وش بتسوي فيهم؟؟ فهد بنبرة أقرب للغضب: أنتي وش دخلش في ذا الكلام؟؟ مالش إلا تسكنين في أحسن مكان.. جميلة ستبكي فعلا ولكنها مازالت تقاوم حتى لا يظن أنها تستخدم سلاح دموعه لاثنائه.. خصوصا أنها تعلم أن دموعها لا قيمة لها عنده.. فلماذا تقلل من قدر نفسها..؟؟ همست بمخاوفها الطبيعية: بس أنا اخاف أقعد في شقة بروحي وانت منت بموجود.. فهد تنهد: بنسكن في أوتيل.. لا تخافين من شيء!! جميلة مازال لديها أمل أنه سيتراجع.. لا تتخيل أنها ستسافر معه.. بعد أن قضت الأيام الماضية كلها على أمل أنه سيسافر وسترتاح من وجوده.. همست بضعف: وليش الخساير؟؟ شهر كامل في أوتيل!! فهد بغضب: أنا اللي بأدفع.. بتدفعين شيء من جيبش.. خلصيني يا بنت الحلال.. أنا رايح الحين.. رتبي أغراضش عشان أوديش تسلمين على أمش.. سفرتنا بكرة الصبح!! جميلة باختناق أشد: وعرس مزون يعني ما أنا بحاضرته.. ماباقي عليه إلا أسبوع!! حرام عليك فهد!! فهد بغضب: أني ملزومة في من؟؟ فيني وإلا في بنت خالتش؟؟ خلصيني بدون كثرة كلام.. قلت لش بتسافرين.. بتسافرين.. انتهينا!! فهد غادر.. وجميلة انهارت فعلا تبكي .. (ليش كذا ياربي؟؟ ليش؟؟ اللهم لا اعتراض.. بس ماني بطايقة وجودي معه.. بأموت ياربي.. بأموت!!) كانت تبكي من عمق روحها المنتهكة... أن تبني كل شيء على حلم بريء جدا وبسيط.. ثم ينهار بلا مقدمات.. أمر تعجز عن وصف ألمه ووجعه.. كل ما أردته وعاشت على أمله.. أن يسافر.. يسافر فقط.. ولكنه لابد أن يحرمها من كل مايسعدها.. حتى لو كان لا يريدها.. فهو يريدها تعيسة حتى يكون هو سعيدا.. انتحبت أكثر وأكثر.. وهي تتخيل وترسم سيناريوهات لمسار حياتها مع فهد وهما لوحدهما تماما!!.. كل السيناريوهات بدت مرعبة.. مرعبة لأبعد حد!!! ********************************** " من جدش خالتي جميلة بتسافر؟؟ ماصدقت يوم قلتي لي تعالي.. عشان أسلم عليها.. ولحد الحين ماني بمصدقة!!" عفراء بحزن شفاف: لا صدقي... رجالها لزّم عليها تسافر معه!! مزون بحزن عميق: يعني ماراح تحضر عرسي؟؟ عفراء احتضنت كتفي مزون بحنان: ماعليه يامش ظروفها جات كذا.. في تلك اللحظة كانت جميلة تدخل.. تعبت من رسم القوة طوال الأيام الماضية.. تعبت..!! فهي كانت تحاول التمسك بالقوة على أمل أنها سترتاح منه قريبا.. لكن القوة الآن ماعاد لها معنى ولا داع.. فهو سيأخذها معه ليمارس عليها عقده.. ويجرعها قسوته اللا محدودة..!! أ لم يكفيه كل مافعله معها وهو يمتهن إنسانيتها بكل الصور حتى يريد إنهائها تماما؟؟ ما أن رأت أمها ومزون متجاورتين حتى رمت نفسها بينهما وانتحبت بطريقة هستيرية.. عفراء بجزع: جميلة يأمش الله يهداش ليش ذا كله.. جميلة بين شهقاتها المتزايدة: ما أبي أسافر معه.. ما أبي!! عفراء بقلق: ليش يامش؟؟ ليش؟؟ جميلة مازالت تحاول التمسك ببعض الجلد المتهاوي وهي تذكر سببا مهما جدا ولكنه ليس مطلقا السبب الرئيسي: أبي أحضر زواج مزون.. بأموت لو ماحضرته!! مزون بتأثر متعاظم وهي تحاول ألا تبكي وتحتضن جميلة: جمول ياقلبي أنا عاذرتش.. جميلة تنتحب: أدري إنش منتي بمتشرهة علي.. بس أنا كنت أبي أحضر.. عفراء تشدها لتحتضنها بقوة: خلاص يأمش.. رجالش أبدى.. تكفين لا تبكين.. جميلة احتضنت خصر أمها وهي تنتحب بهستيرية حقيقية... نثرت كل كبت الأسبوعين الماضيين وهي تعاني لوحدها.. عاجزة حتى عن مجرد الشكوى.. وهاهي تجد لها الغطاء المناسب لسكب وجعها في حضن أمها.. الأمر الذي تمنته في كل مرة رأت فيها أمه.. ومنعت نفسها منه.. حتى لا تثير قلق أمها.. . . " هذا فهد؟؟ مسرع يأمش..!!" جميلة همست بيأس: يمه الوقت صار متاخر.. وطيارتنا بكرة بدري.. ثم أردفت بنبرة مموهة: فهد يبي ينزل يسلم عليش!! عفراء تنهدت: خله يأتي يا حياه الله.. مزون قومي يأمش داخل.. مزون توجهت للداخل بينما جميلة توجهت للباب المطل على الباحة لتفتحه لفهد حيث أخبرها بوقوفه!! حين دخل.. أول مالفت انتباهه هو وجهها.. كان ذابلا تماما ومحمرا لكثرة مابكت.. (يا الله الحين وش قالت لعمتي؟؟ يمكن عمتي ماترضى تخليها تسافر!!) فهد كان يشعر أن هناك مصيبة ستحصل.. لابد أنها أخبرتهم بالوضع المتردي بينهما.. وبالتاكيد لن يسمحوا لها أن تعود معه حتى للبيت.. ومع ذلك تنهد بحزم وهو يخطو للداخل ويقبل رأس عفرا التي همست له برجاء عميق: يأمك الله الله في جميلة.. المسكينة كانت بتموت تبي تحضر عرس بنت خالتها.. بس بدتك أنت على كل شيء!! فهد تنهد براحة (هذي السالفة بس!!) لذا ابتسم وهو يهتف باريحية: وهي مهيب أحسن مني.. دامها بدتني على قولتش.. على خشمي أرجعها عقب أسبوع نحضر العرس ونسافر مرة ثانية!! جميلة حين سمعته يقول تمنت للمرة الأولى أن تقفز وتحتضنه وتقبل رأسه.. ولولا وجود والدتها وإلا لفعلتها.. كانت تشهق بفرحة: صدق فهد؟؟ صدق؟؟ ابتسم فهد لأنه يراها تضحك أمامه لأول مرة : أكيد صدق!! المهم ذا الدموع ما نشوفها.. جميلة قفزت للداخل لتبشر مزون.. بينما عفرا التفتت لفهد وهي تهمس بعمق: تكفى يأمك الله الله فيها.. ولا تخليها وقت طويل لحالها.. تراها تخاف من كل شيء.. فهد هز رأسه بثقة: لا تحاتينها.. عفرا همست باختناق: زين يأمك انتظر دقايق بس.. منصور جاي الحين يبي يسلم عليها قبل تروح.. فهد ينظر للساعة ويهتف بثقة: على العموم أبو زايد هو اللي بيودينا للمطار.. لو ما واجهناه اليوم.. واجهناه بكرة!! . . . ( مشكور فهد.. مشكور.. الله يطول في عمرك) فهد نظر لها بنظرة مثقلة بيأس حزين وهي تشكره بعفوية حالما ركبا السيارة تشكره على أمر هو قرره منذ قرر أخذ الدورة.. لكنه لم يخبر أحد.. على أمل أن زواجه منها سيفشل.. ولكي يجعل هذا الأمر بمثابة مفاجئة لغانم ونايف من بعده.. يعني القرار كان من أجله هو!! وهاهي تشكره بعدما سبب لها كل هذا الحزن.. وجعلها تسكب كل هذه الدموع.. كما لو أنك أخذت حلوى من طفل وتركته يبكي.. وحين أرهق من البكاء أعدت له الحلوى بعدما أكلت ثلاث أرباعها.. ثم تنتظر منه أن يقول لك شكرا... هكذا كان إحساسه.. وكم باتت أحاسيسه تتعقد وتتلون بغرابة جارحة باتت تتخذ من روحه وطنا تسكنه وتعشوشب أوجاعه في ثناياه!! ********************************* اليوم التالي . . ( ممكن أعرف أنت ليش متوترة كذا!!) جميلة كانت تخلع عباءتها ونقابها وتعلقهما بعد أن استقر وضعهما في غرفتهما في الأوتيل وتهمس بصدق: أخاف أقول لك تعاقبني على الكلام.. فهد بغضب: جميلة بلا سخافة!! جميلة تنهدت: شفت هذا أولها.. فهد تنهد وهو يحاول أن يتحدث بهدوء.. فهو أيضا متوتر ولا يعلم السبب: خلاص ماني بقايل شيء.. وش فيش؟؟ جميلة بعفوية: بصراحة خايفة منك!! فهد باستنكار: تخافين مني ليه؟؟ جميلة بيأس: إلا قل لي ليش ما أخاف منك.. إذا وإحنا في ديرتنا عند هلي وهلك ماقصرت فيني تجريح.. أشلون وحن بروحنا؟؟ تنهد فهد بعمق: لا تحاتين أنتي الحين عبارة خوي السفر.. واللي مايراعي خويه ماله خانة.. تنهدت جميلة بذات اليأس: يعني بتراعي خوي السفر.. وأنت ماراعيت مرتك؟؟!! فهد بذات العمق: يمكن إني غريب شوي!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والتسعون " نطلع نتمشى شوي؟؟" جميلة تنظر لساعتها وتهمس باستغراب: ذا الحزة؟؟ ابتسم فهد ابتسامة مبتورة: أنتي في مصر.. ماعندهم كلمة (ذا الحزة)!! حتى لو نزلتي الفجر لقيتي الشوارع مليانة.. جميلة بتردد: ماعليه.. أنا تعبانة شوي.. وأنت بكرة دوامك بدري!! فهد تسربل بالسكون.. وهو يتجه للحمام ليستبدل ملابسه ويتوضأ.. فهو فعلا مرهق.. ويريد أن يصلي وينام!! ممزق تماما بين أفكاره.. ومشاعره. ويأسه.. منذ البارحة وقراره المفاجئ بأخذها وتمزقه يزداد.. فهو فعلا كان يريد أن يتركها خلفه.. رغم أن ضيقا غريبا كان يكتم على نفسه كلما تذكر أنه سيتركها... لكنه كان يريد أن يرتاح من كل هذا الشد والتمزق.. ويريحها أيضا منه ومن قسوته وهو يعلم كم بات يمثل لها كابوسا مرعبا!! كان يريد أن يهرب إلى صفاء يبتعد فيه عن التشويش الذي باتت تسببه له جميلة وهي تضغط عليه بوجودها الغريب.. وتضطره إلى إخراج أسوأ مافيه وهو يبالغ في تجريحها!! حتى البارحة.. حين عاد للبيت ووجد خالته نورة في زيارة لأمه.. كان لا يريد الجلوس وهو يقبل رأسها ويريد أن يغادر قبل أن تلقي كلمة ما.. ويرد عليها بأخرى.. وهو لا يريد الرد.. فمهما كان تبقى هي أكبر خالاته.. واحترامها واجب.. ولكنها لم تمهله وهي تهمس بنبرة مقصودة: يقولون إنك بتهج بكرة!! فهد كان واقفا ومستعدا للمغادرة.. التفت لها باستغراب: أهج؟؟ نورة بحزم: إيه بتهج.. وإلا فيه معرس ماله أسبوعين.. يروح دورة ويخلي مرته وراه إلا لأنه هاج منها.. حينها ابتسم فهد ابتسامة مقصودة تماما: معلوماتش غلط ياخالتي.. الدورة مقررة من أول.. وكنت بأروح فيها بروحي.. بس عقب ماشفت مرتي وعرفتها.. مستحيل أخليها... ما أقدر أصبر عنها ياخالتي.. ما أقدر.. ليه أنتي مادريتي إنها بتروح معي؟؟ نورة حينها نظرت لأم صالح بغضب: صافية ما أنتي باللي قلتي لي إنه بيروح بروحه..؟؟ فهد نظر لوالدته نظرة رجاء فهمتها هي فورا وهي تهمس بشبح ابتسامة: قلت لش من زمان.. وأنتي ما سألتيني ذا المرة.. ماشاء الله عليش جايه وحادة سكاكينش يأم سعود.. ماعطيتني ولا عطيتي الصبي مجال... كان هذا هو الحوار الذي حدث قبل قبل صعوده لجميلة وهو يتصل بمكتب السفريات ليتأكد من وجود حجز لها.. وليحجز أوتيلا لأنه هو نفسه يخشى عليها أن تبقى في شقة لوحدها.. ثم يصعد لها ليأمرها بتجهيز حقيبتها.. مضطرا !!!! لا يعلم هل هو فعلا اضطر لهذا القرار... أم أن خالته منحته الغطاء النفسي المناسب فقط..؟؟ فهو غير مهتم من كلام الناس.. ولكن هل هو يريد إقناع نفسه فقط أنه أخذها مضطرا..؟؟ لأنه بالفعل مرهق من هذه الحياة المشدودة.. مرهق لأبعد حد.. ويحتاج للراحة من هذا الضغط المتواصل!! **************************************** " حبيبي أنا جنبك.. قوم.. سم بسم الله الرحمن الرحيم" زايد شهق وهو ينهض جالسا.. بينما مزنة تربت على ظهره وهي تناوله قنينة ماء ليشرب منها قليلا.. مزنة مسحت وجهه بحنان وهي تهمس بحنان مصفى: وش فيك فديتك؟؟ شيء يوجعك؟؟ تبي شيء؟؟ زايد باستغراب: لا.. ليش تسألين؟؟ مزنة باهتمام: لأنك الليلة دعيتني أكثر من كل من مرة.. وكنت تون كنك موجوع.. زايد تراجع بحرج فيه رائحة حزن عميق: ما أدري.. ماحسيت بروحي.. مزنة همست بذات الاهتمام: زين شيء يوجعك؟؟ زايد بذات الحزن الغريب: لا أبد.. بس أبي أرجع أنام.. عاد للتمدد على يمينه.. بينما هي بقيت جالسة وهي تمسح على شعره.. وتقرأ عليه الرقية الشرعية.. لم يعد للنوم مطلقا.. فهناك حزن في قلبه بدأ ينمو كجذر صغير بدأ يغوص في تربة قلبه ويتجذر... إن كان لا يشعر بنفسه بهذه الطريقة وهو يناديها.. فربما أنها هي سمعته.. هــــي..... وسمية!! يشعر أن قلبه مجهد.. مجهد.. مجهد لمجرد الفكرة.. لمجرد الفكرة!! "يا الله .. رحماك يارب.. قلبي لن يحتمل وجعا كهذا!! " ************************************* (امشي نروح المستشفى!!) كاسرة تمسح وجهها وهي تتناول قنينة الماء لتشرب منها قليلا وتهمس بإرهاق: مافيه داعي!! كساب بحزم: أشلون مافيه داعي.. هذي ثاني مرة تزوعين الليلة.. ماحتى لحقتي تنامين شوي.. كاسرة بذات الإرهاق وهي تجلس على طرف السرير: صدقني ماراح يسوون شيء.. حبوب اللوعة وعندي.. كساب بغضب: وأنتي وش خسرانة؟؟ خلنا نروح.. وإلا لازم تعاندين وخلاص.. كاسرة تمددت على جنبها وهي تهمس بنبرة مرهقة فعلا: كساب ارحمني الله يرحم والديك.. بأموت أبي أنام شوي.. ما أبي أروح مكان!! كساب تأفف وهو يتجه للناحية الأخرى من السرير.. فهو مرهق بسببها أكثر منها!! فوحامها بدأ يصبح أصعب وأصعب!! وخلال الأيام الماضية.. أخذها للمستشفى عدات مرات.. وأحد المرات بقيت في المستشفى ليوم كامل لتعليق المحاليل عليها.. لأنها كادت تصاب بالجفاف لكثرة مارجعت.. الآن لديه رحلة عمل لتوقيع عقد مشروع وهو يؤجلها... لأنه لا يريد تركها وهي على هذا الحال.. ومع كل الاهتمام الذي يبذله لها.. إلا أن اهتمامه دائما مغلف بحدته.. وغموضه..!!! لدرجة أشعرت كاسرة أنه يفعل كل هذا لمجرد القيام بالواجب فقط!! أو ربما إحساسا بذنب ما لأنه جرحه بكلامه القديم عن عدم رغبته أن يكون أبا!! كاسرة فتحت عينيها بإرهاق ناعس لتجده جالسا.. همست بخفوت: كساب نام.. أنا خلاص بأنام.. مافيني شيء!! حينها تمدد وهو يمد ذراعه ناحيتها..ليجذبها بلطف ويحتضنها وهو يهمس في أذنها بعمق: خلش جنبي عشان أحس فيش.. عشان ما تسوين مثل قبل شوي.. وأنتي تتسحبين للحمام عشان ما أقوم.. كاسرة بيأس: مايصير كل ماجيت أرجّع.. أفزعك من نومك.. وكفاية إنك حتى نومتك مهيب مريحة عشان يدك..فأجي أزاحمك في يدك السليمة!! كساب بسكون عميق: بلا سخافة.. نامي.. وخليني أنام!! يا الله.. أي مخلوقان هذان..!! كل واحد منهما اهتمامه بالآخر أكثر من اهتمامه بنفسه.. ومع وضوح ذلك كالشمس في كبد السماء.. إلا أنهما لا يعلمان مغزى ومعنى هذا الاهتمام ولا بعده وعمقه وحساسيته!! ************************************ " لا تطلعين مكان.. تقعدين في الغرفة لين أرجع!!" جميلة بيأس: وين بأروح يعني ؟؟ فهد بحزم: يمكن تقولين بانزل أتمشى تحت لا زهقتي!! جميلة همست بسكون دون أن تنظر إليه: ماني بنازلة ولا حتى لي خلق أنزل.. فهد بحدة: ليش يعني؟؟ لذا الدرجة ضايقة من سفرتش معـ..... فهد بتر عبارته وهو يتذكر وعده لنفسه شد نفسا عميقا وهو يهتف بحزم: ماني بمتأخر.. حزة الغداء راجع.. وبأطلع أنا وأنتي .. ما أن خرج حتى تنفست جميلة الصعداء.. يا الله كانت شبه عاجزة عن التنفس في وجوده.. منذ صباح الأمس وهما شبه متلازمان!! وهي تتحفز بشدة من حدته.. في المطارات بالأمس.. لا يريدها أن تقترب من أحد أو يقترب أحدا منها.. وهو لأول مرة يصر على الإمساك بكفها طوال تحركهما في المطارين.. وكأنه يريد أن يضمن وجودها بجواره.. بالفعل كم تفتقد لمرونة خليفة..!! فكلما زاد عليها فهد بالضغط.. كلما زادت هي في التهدئة.. وهي ترى أن هذا ناتج طبيعي لكل مافعلته في خليفة.. وهو يعلمها درسها الأعظم في الحياة!! الذي كان يستحيل أن تتعلمه لولاه.. فهي كانت كلما زادت ضغطها عليه.. زاد هو من صبره عليها!! وكأنك لابد أن تبذل قليلا من المرونة حتى لا تنكسر مثل أشجار الخيزران التي تميل بليونتها مع الريح حتى لا تكسرها!! . . " فهد.. وش فيك؟؟" فهد يلتفت لزميله الجالس جواره بعد أن مر به ليذهبا للتدريب سويا ويهتف بهدوء: مافيني شيء.. عادني تعبان من رحلة أمس.. زميله بثقة: أنت بعد الله يهداك تأخرت.. كلنا صار لنا يومين هنا.. وأنت آخر واحد وصلت.. ثم أردف بإبتسامة: بس وش نقول؟؟ عريس.... مرفوع عنك القلم... فهد صمت وهو ينظر لكفيه ويقلبهما.. يشعر أن ملمس أناملها مازال بين أنامله.. بالأمس لم يفلت يدها أبدا.. بداية شعر بالحرج أن يفعل ذلك ولكنه كان مضطرا لأنه خشي عليها أن تصدم بأحد وهي بالكاد تتحرك برقتها التي تثير غيظه.. ثم بعد ذلك شعر أنه عاجز عن افلاتها.. وكأن خشونة أنامله كانت تنتظر نعومة أناملها لتزهر بعد قحط!! وهو في الطائرة كان ينظر لأناملها الساكنة في حضنها ويتمنى لو عاود إمساكها.. ولكنه الآن لا عذر له ليمسكها.. وكذلك حين وصلا للفندق وهما يقضيان معظم الوقت متقابلين غي غرفتهما.. وهو يتمنى ذات الأمنية الغريبة.. أن يمسك يدها.. يدها فقط!! ***************************************** " ها غنومي.. وش أخبار تجهيزاتك ياعريس؟؟" غانم يلتفت لنجلاء التي دخلت عليه في غرفته وهو يلبس غترته أمام المرآة استعدادا للخروج.. ويهتف بعتب: ليش تطلعين لين فوق.. أنا أساسا كنت نازل.. تبين تولدين على الدرج.. نجلاء تجلس على السرير وأنفاسها مقطوعة: يوه كفاية علي صالح.. تجيني أنت بعد.. خلوني أتحرك شوي.. في الحركة بركة!! المهم شأخبار تجهيزاتك؟؟ صالح قاعد يتمدح لي كنه جاب الذيب من ذيله لا يكون يلعب علي بس!! غانم يميل ليقبل رأسها ويهتف بإبتسامة: أبو خالد رايته بيضا.. أنا أشهد إنه ماقصر.. وحتى عبدالله وهزاع كلهم قدموا الغانمة وحلفوا علي ما أسوي شيء.. إحساس عريس صدق.. نجلاء تقف لتعدل غترته له وهي تهمس بمودة صافية: وأحلى عريس جعل يومي قبل يومك!! غانم يعاود تقبيل جبينها ويهتف بحنان خالص: بسم الله عليش.. وجعل عمرش طويل.. ولا أذوق حزنش.. المهم ماتربين قدام عرسي.. حاجز لش يساري عشان الصورة.. نجلاء تضحك: لا ياحبيب قلبي.. اليمين لي واليسار لأختي سمور.. العدل واجب.. ومستحيل حد يزحزني.. فيلة بكرش!! غانم يضحك: ومرتي وينها؟؟ طيري بس.. شكلي بادعي عليش تولدين قبل عرسي عشان ما تنشبين في حلقي!! نجلاء وضعت يدها على بطنها بحركة تمثيلية: يوه شكل دعوتك صابت.. غانم يدخل ذراعها في ذراعه ويشد عليه.. لينزلا سويا ويهتف بمرح: طيري مرتين.. تيك سمور اللي تضبط سوالف التمثيل هي وخالها هريدي.. أنتي كومبارس صامت واجد عليش!! ***************************************** حين عاد من التدريب وجدها جالسة كما تركها.. مع الاختلاف طبعا!! تنهد وهو يرى أناقتها المثيرة فعلا.. في فستانها القصير بقصة تشبه قصة الخمسينيات بحزام مشدود على الخصر وبدون أكمام.. لا يعلم لِـمَ رؤيتها باتت تسبب له إرهاقا غير مفهوم؟؟ هتف لها بإرهاقه الفعلي وهو يجلس على مقعد منفرد قريبا منها: أنا أبي أعرف دامش قاعدة بروحش.. وأنا وأنتي –عفوا على الكلمة- مااحنا بأزواج طبيعين.. فليش ذا الكشخة كلها؟؟ قبل كنت أقول في الدوحة عشان فيه ناس يجون ويشوفونش.. بس الحين ليش.. لا وزيادة عن كل مرة؟؟ جميلة بنبرة مقصودة: نفس الجواب اللي جاوبتك في الدوحة.. أنا وحدة أحب أكشخ.. وأنا أكشخ لنفسي ولنفسيتي.. وخصوصا الحين ماعندي شيء أسويه كون مقابلة الطوف..!! فهد يتنهد: زين اقري قرآن واستغلي وقتش.. جميلة بثقة رقيقة: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت" وأنا الصبح من يوم طلعت وأنا أقرأ قرآن لله الحمد.. والكشخة اللي مهيب عاجبتك هي الترويح عن النفس.. فهد تأفف (المشكلة إنها عاجبتي وزود.. ليش إني واحد ماشفت خير!! . . إلا والله شفت وشفت.. الدنيا مليانة بنات والتلفزيون.. حتى لو ماكنت أرد عيني لأحد.. بس الشوف شفت.. ليش أكذب على روحي؟؟) فهد هتف بثقة: خلاص عطيني دقايق أتسبح على السريع وأبدل.. ونطلع نتغدى.. جميلة همست بعفوية: فهد ماله داعي.. انت توك جاي من التدريب.. واكيد تعبان.. خل طلعتنا بعدين.. فهد بذات الثقة : لا تعبان ولا شيء!! بس أنتي بعد قومي بدلي ملابسش.. وجميلة همست بذات العفوية: تدري.. توقعت أشوفك باللبس العسكري.. ولا مرة شفتك فيه!! كنت أحب أشوف شكل عمي منصور وهو نازل لشغله!! حينها مد يده قليلا لتصل ليده لأعلى عضدها وهو يمسح عليه بظهر سبابته بلطف ويهتف بنبرة مقصودة: لو صدق بتحبين شكلي في اللبس العسكري رحت الحين مكان التدريب وجبت لبسي!! جميلة انكمشت على نفسها لتبتعد عن مدى يده وهي تهمس بارتباك ثم تقف: بأقوم أبدل على ماتسبح أنت.. حينها شد فهد كفها ليعيدها مكانها وهو يهتف بنبرة أقرب للغضب: ممكن أعرف ليش تسوين كذا؟؟ جميلة بذات الارتباك: وش سويت؟؟ فهد بذات النبرة العصبية: أنتي عارفة وش سويتي.. ليش أحس أحيانا إنش تبين تعذبيني!! جميلة بصدمة حقيقية: أنا؟!! فهد وقف وهو يهتف بغضب: ماراح أقول شيء .. لأني ما أبي أقول شيء يضايقش.. خلني اروح أسبح أحسن لي!! جميلة تنظر لظهره متجها للحمام.. بالفعل لم تفهم شيئا مما حدث أمامها.. ولكن ما يهمها في الموضوع أنها لم تحض بأي تجريح لا معنى له.. والحمدلله!! هــــو.. في الداخل يسند رأسه للحائط والماء ينسكب على رأسه وكتفيه.. كان يتمنى لو كان الماء أبرد أكثر بكثير من ذلك عله يبرد بعضا من الحرارة التي تجتاح خلاياه.. ألمه بات يتعمق أكثر وأكثر.. بين رغبة ورغبة مضادة.. بين شعور وشعور مضاد.. ولا شيء مؤلم أكثر من التمزق بين المشاعر الداخلية.. كما لو أن كل ذراع من ذراعيك مثبت بطائرة حربية مرعبة في سرعتها.. ثم طارت كل منهما في اتجاه معاكس.. هل تستطيع وصف الألم حينها؟!! يستحيل...!! لأنه ألم يستحيل على كل الكلمات!! يشعر أنه سيموت.. وهو يذوي فعلا.. ليقترب منها قليلا.. لا يطمع بالكثير.. يتحسس رقة خديها!! يتنفس عبير شعرها من قرب!! يلثم أطراف أناملها.. ربما !! لكنه ما أن تجتاحه هذا الرغبة.. حتى يشعر أن إحساس القرف يعاود غزوه بقساوة.. كيف يرضى بشيء مستهلك؟؟ لمسته يد قبله!! والإحساس المتضاد الآخر.. الأول.. أنها لا تشجعه مطلقا.. فالغريب أنه ينتظر إشارة منها.. إشارة فعلية تقنعه داخليا أنه لو تصرف أي تصرف فإنها هي السبب لأنها من قامت بأغوائه.. فالذنب حينها سيكون ذنبها!! وضد هذا الشعور أنه كلما تهور وقام بخطوة ما.. فاجأته بخجل غير مبرر .. جعل قرفه منها يزداد.. وغضبه يتصاعد.. القرف لأنها تمثل خجلا لا تشعر به.. فهي امرأة كانت متزوجة وتعودت على هذه اللمسات وماهو أكثر منها.. والغضب لأنه يظن أنها لا تتقبله بعد زوجها الأول.. وهذا الشعور أكثر شعور بات يؤذيه.. وفي عمق العمق!! ********************************** " زايد وش فيك؟؟ منت بعاجبني.. شي مضايقك في الشغل؟؟ " زايد يتمدد وهو يهتف بهدوء واثق: لا أبد.. كل شيء تمام!! ابتسمت مزنة: أجل متضايق عشان عرس مزون قرب.. لا تحاتيها.. آل ليث عرب أجواد... عدا إنه راشد آل ليث وهله قصرانا من سنين.. أنا أشهد أنهم نعم الجار.. وأم غانم مرة أجودية!! وهذا البيت قريب.. وبنتك مهيب رايحة بعيد منك!! ابتسم زايد بشجن: ما أنكر إن موضوع عرس مزون مضايقني.. مهما كان هذي بنيتي الوحيدة.. والسنين الأخيرة بالذات كنت أنا وهي أقرب اثنين لبعض.. والعيال كل واحد منهم هاج في طريق!! لولاها بعد الله وإلا كان استخفيت!! مزنة مالت لتقبل كتفه وهي تهمس بمودة: جعل ربي مايخليها منك.. ولا يخليك منها.. وتفرح بعيالها قريب إن شاء الله.. ************************************* ( الواحد عشان يشوفش ش صار لازم يأخذ مواعيد.. يعني عشان عرس أخيش قرب كذا.. مشغولة على طول!! وعقبه بتنشغلين في عرس وضحى.. وعقبه دوامش على طول متى بالحق أشبع منش أنا؟؟) سميرة جلست مقابلا لتميم وهي تشير بإبتسامة مقصودة: صدق إنك مثل اللي عيرني بعيارته وركبني حمارته.. الحين من اللي يداوم شفتين.. صبح وعصر غيرك.. أنا أصلا اللي صرت أتشفق على قعدتك وأنت مشغول على طول!! تميم ابتسم: خلاص خلي عرس وضحى يخلص وتروح لبيتها.. وأسافر أنا وأنتي كم يوم.. ويك إند من عندش مع كم يوم إجازة عارضة!! حينها أشارت سميرة بجدية: تميم أنا أبي أتكلم في الموضوع جد شوي.. الحين وضحى بتروح.. وخلاص البيت مافيه غيري.. يعني أنا ما أستاهل منك شوي وقت!! تميم شغلك هذا أنت صاحبه.. منت بموظف عندهم.. وعندك بدل الموظف عشرين!! يعني داوم الصبح وقت ما أكون أنا في المدرسة!! وخلاص العصر الموظفين موجودين مكانك.. وأنت أساسا عندك مدير عليهم.. وكذا الأشغال ماشية.. متى بنعيش حياتنا مع بعض؟؟.. شوي الظهر والليل اللي ترجع فيهم البيت!! تميم مستغرب فعلا.. فهي مطلقا لم تظهر أي شكوى من الموضوع قبلا.. فما الجديد.. أشار لها باستغرابه: غريبة عمرش ما اشتكيتي!! سميرة تنهدت: تميم قبل ماكانت علاقة زينة.. عدا إنه أمك وأختك موجودين.. لكن الحين الحمدلله علاقتنا ممتازة.. والبيت مافيه أحد غيري أنا وإياك.. خاطري تتفرغ شوي.. وأنا ما طلبت شيء يأثر على شغلك.. لأنك انت اللي هالك نفسك في الشغل زيادة عن اللزوم!! تميم تنهد: بس أنا أحب شغلي ومتعود على ذا النظام!! سميرة أشارت بعتب: وأنا يعني مالي اعتبار.. أنت قبل كنت عزابي.. بس أنت الحين رجّال متزوج.. تميم وقف لينهي الحوار وهو يشير بحزم: موضوع مثل ذا ما ينوخذ فيه قرار كذا.. الموضوع يبي له دراسة!! سميرة صمتت عن أي إشارة وهي تثبت يديها في حضنها... لا تنكر أنها تشعر بحزن ما فعلا.. أن يكون قرار مثل هذا يحتاج لدراسة كما يقول دون أن يكون لها اعتبار عنده!! ******************************** " أوووف مافيه فايدة.. مافيه فايدة!! " عالية تشعر بتأثر متعاظم تخفيه خلف حزم صوتها الواثق: عبدالرحمن الله يهداك .. ليش تقول كذا؟؟ عبدالرحمن بتأفف وهو يعود لمقعده: شوفت عينش.. على كثر ما أسوي تمرينات.. مافيه أي تحسن!! ابتسمت عالية وهي تمسح عرق وجهه بمنديل معها: ولا تقنطوا من رحمة الله.. تو الناس.. تنهد عبدالرحمن: والنعم بالله.. وما ييئس من رحمة الله إلا قانط.. بس أنا تعبت من نفسي.. تهقين لازم أخفف وزني شوي؟؟ ضحكت عالية برقة: عبدالرحمن أنت صدقت إنك متين.. ترا كل السالفة إنك مليان شويتين.. وما أعتقد إن ذا الشيء له علاقة بمشيك.. عبدالرحمن تنهد بعمق وهو يتجه للحمام ليستحم.. بينما عالية انطفئت ابتسامتها المرسومة وهي تتنهد بحزن.. فهي فعلا ترى أن عبدالرحمن يبذل جهدا كبيرا في التدريب.. ولكن العائد لا يوازي مطلقا الجهد المبذول.. لا تلومه إن تعبت نفسيته.. فهو هذه المرة يبذل جهدا صادقا.. فأين المشكلة؟؟ أين هي؟؟ ************************************ " أنا آسفة حبيبي.. آسفة آسفة أسفة.. تاخرت عليك؟؟" كانت هذه عبارة شعاع وهي تخلع عباءتها وتميل لتحتضن رأس علي الجالس في صالتهما العلوية يشاهد الأخبار!! علي ابتسم وهو يشدها لتجلس جواره: لا حبيبتي توني واصل.. مثل ماقلت لش في التلفون!! شعاع احتضنت خصره وهي تهمس برقة: تدري عن أختك عروس.. ولازم ندلعها.. فماحبينا نعجلها.. ابتسم علي بحنان عميق: ياقلبي يامزون.. والله ماني بمتخيل أشلون بتصير مرة متزوجة!! حاسس قلبي يوجعني كل ماتذكرت.. شعاع ابتسمت بعذوبة: ماشاء الله عليها مزون.. اتخمت من حبكم لها.. أنت وإبيك وكساب.. ما أدري وش بتلقى عند غانم زود..؟؟ ابتسم علي : مهما كان مشاعر زوجها غير... يعني أنا مالقيتي عندي زود عقب إبيش وأخيش.. تنهدت شعاع بشجن عميق وهي تدفن وجهها في صدره: أنا مالقيت الزود إلا عندك.. عشان كذا تعلقت فيك بسرعة.. صحيح عبدالرحمن حنون واجد.. لكن إبي مع إني أحبه بجنون.. كان واجد قاسي علي.. إبي ماتحسنت معاملته معي إلا بعد حادث عبدالرحمن!! بس يا أنا فقدته وحتى قسوته فقدتها تيك الأيام الله لا يردها.. علي ابتسم بشجن وهو يرفع وجهها له: وأنا ما أبيش تتعلقين في حد غيري.. ولا حتى إبيش وإخيش.. حبيهم براحتش وكثر ما تبين.. بس المهم إنش لي بروحي!! ************************************ " حبيبتي في من تتصلين وأنتي تروحين وتجين كذا؟!!" جوزا تلتفت لعبدالله وهي تهمس بقلق: أتصل في نجلا.. عبدالله بعفوية واثقة: أنتي مهوب كنتي أنتي وإياها في السوق قبل شوي؟؟ جوزا بذات القلق: بلى .. بس تعبت وحن في السوق.. وقالت تبي ترجع للبيت.. ونزلتني وراحت لبيتها.. وأتصل فيها ما ترد علي!! عبدالله بقلق مشابه: تبين أتصل في صالح؟؟ جوزا تنهدت بيأس: لا لا تتصل.. لأنه لو كان اللي في بالي بيكون مشتط وحالته حالة.. *************************************** صالح يدخل البيت كالأعصار وهو يصرخ بأنفاس مقطوعة: نجلا .. نجلا وينش؟؟ نجلا تخرج من غرفة داخلية وهي تلبس عباءتها وهي بالكاد تتحرك.. صالح ركض لها ليسندها وهو يهتف لها بقلق جازع لأبعد حد: وش فيش؟؟ روعتيني وانتي تقولين لي تعال الحين!! نجلا بألم وانفاسها مبتورة تماما: بأولد... صالح برعب: نعم؟؟ توش دخلتي التاسع!! نجلا تحاول أن تتجلد: صالح تكفى لا تروع كذا.. يعني مهيب أول مرة نمر بذا الموقف!! صالح يسندها وهو يكاد يحملها ويهتف بأنفاس مقطوعة: وأنتي تبين ولادة عزوز اللي قبل خمس سنين.. تدريب أتذكره.. امشي الله يرحم والديش.. ثم اردف بقلق: العيال وينهم؟؟ نجلاء تتعصر من الألم: عند أمي من قبل أروح السوق.. صالح أركبها المقعد المجاور له وأغلق الباب ثم هتف بذات القلق المتفجر: وش حاسة فيه؟؟ نجلاء بألم: بأولد.. وش أنا حاسة فيه بعد.. تعبانة ياصالح تعبانة.. تكفى خلنا نمر سميرة.. أنا كلمتها بتلقاها جاهزة.. صالح يشد على كفها وهو يحرك سيارته بسرعة ويهتف بأنفاسه المقطوعة: هدي ياحبيتي.. هدي.. وسمي بسم الله.. نجلاء صرت على أسنانها: هذا أنا هادية.. بس أنت اللي هدي تكفى.. لا توترني!! شدت على كفه بقوة حين شعرت بالتقلصات ثم أرختها حين ذهبت.. بينما قلبه يتقافز مع حركاتها.. نجلا بدأت دموعها تسيل بصمت وهي تصر على أسنانها.. ثم همست بألم: صالح أبي أقول لك شيء!! صالح يشد على كفها ويهتف بقلقه المتزايد: ويش حبيبي؟؟ نجلاء تشهق من شدة الألم: تــرا الــلي في بــطـنــي...... ........ولــــــد.....!! *********************************** " عفراء أبو كساب يبيش تحت!!" عفراء بعفوية: ياهلا ومرحبا بأبو كساب.. نص دقيقة وجايتكم.. خذ زايد يسلم على سميه!! منصور حمل زايد الصغير وهو يلفه ويهتف بحزم: ترا والله العالم إن جية زايد مهيب للسلام وبس.. شكله وجهه فيه علوم!! عفراء بقلق: خير إن شاء الله.. جايه وراك الحين.. عفراء حين وصلت للاسفل كان زايد الصغير في حضن زايد الكبير.. حالما رأى عفراء رحب فيها بعفوية أخوية حميمة.. وحين انتهت السلامات المعتادة.. توجه بوجهه لعفرا وهو يهتف بنبرة مباشرة حازمة.. شديدة الثقة: أم زايد اسمعيني زين الله يرحم شيبانش .. أنا بأنشدش من شيء.. بس ما أبيه يطلع من بيننا حن الثلاثة.. شيء ماظنتي إنه حد بيعرفه غيرش!! عفراء تفجر قلقها: أبو كساب الله يهداك صبيت قلبي.. آمرني.. زايد تنهد بصعوبة وهو يفجر سؤالا وجعه بعمق قرون: حلفتش بالله ماتدسين علي... أم كساب الله يرحمها قد قالت لش إنها سمعتني أدعي حد في نومي؟؟؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والتسعون صالح يدخل البيت كالأعصار وهو يصرخ بأنفاس مقطوعة: نجلا .. نجلا وينش؟؟ نجلا تخرج من غرفة داخلية وهي تلبس عباءتها وهي بالكاد تتحرك.. صالح ركض لها ليسندها وهو يهتف لها بقلق جازع لأبعد حد: وش فيش؟؟ روعتيني وانتي تقولين لي تعال الحين!! نجلا بألم وانفاسها مبتورة تماما: بأولد... صالح برعب: نعم؟؟ توش دخلتي التاسع!! نجلا تحاول أن تتجلد: صالح تكفى لا تروع كذا.. يعني مهيب أول مرة نمر بذا الموقف!! صالح يسندها وهو يكاد يحملها ويهتف بأنفاس مقطوعة: وأنتي تبين ولادة عزوز اللي قبل خمس سنين.. تدريب أتذكره.. امشي الله يرحم والديش.. ثم اردف بقلق: العيال وينهم؟؟ نجلاء تتعصر من الألم: عند أمي من قبل أروح السوق.. صالح أركبها المقعد المجاور له وأغلق الباب ثم هتف بذات القلق المتفجر: وش حاسة فيه؟؟ نجلاء بألم: بأولد.. وش أنا حاسة فيه بعد.. تعبانة ياصالح تعبانة.. تكفى خلنا نمر سميرة.. أنا كلمتها بتلقاها جاهزة.. صالح يشد على كفها وهو يحرك سيارته بسرعة ويهتف بأنفاسه المقطوعة: هدي ياحبيتي.. هدي.. وسمي بسم الله.. نجلاء صرت على أسنانها: هذا أنا هادية.. بس أنت اللي هدي تكفى.. لا توترني!! شدت على كفه بقوة حين شعرت بالتقلصات ثم أرختها حين ذهبت.. بينما قلبه يتقافز مع حركاتها.. نجلا بدأت دموعها تسيل بصمت وهي تصر على أسنانها.. ثم همست بألم: صالح أبي أقول لك شيء!! صالح يشد على كفها ويهتف بقلقه المتزايد: ويش حبيبي؟؟ نجلاء تشهق من شدة الألم: تــرا الــلي في بــطـنــي...... ........ولــــــد.....!! بس مابغيت أقول قبل.. من كثر ما أنا شايفتك شفقان على بنت.. بس الحين مهوب هاين علي تقعد تنتظر ساعات على باب غرفة العمليات وانت ما تدري!! صالح يشد على كفها أكثر وهو يهتف باهتمام صادق: لا تصيرين سخيفة .. المهم سلامتش.. والولد والبنت كلهم نعمة رب العالمين.. الحين بتجيبين الولد.. وعقب بتجيبين لي البنت.. المهم الله يمن علينا بمولود تام وسليم ياقلبي!! نجلاء شدت على كفه أكثر وهي تهمس بين شهقات الألم: صالح تكفى لو صار لي شيء الله الله في عيالي.. وصاتك العيال.. صالح زفر بغضب حقيقي: هذا الموال اللي ما أحبه.. واللي ما تنسينه كل ولادة.. يا بنت الحلال مافيش إلا العافية.. وأنتي إللي الله الله في عيالش!! *********************************** " عفراء أبو كساب يبيش تحت!!" عفراء بعفوية: ياهلا ومرحبا بأبو كساب.. نص دقيقة وجايتكم.. خذ زايد يسلم على سميه!! منصور حمل زايد الصغير وهو يلفه ويهتف بحزم: ترا والله العالم إن جية زايد مهيب للسلام وبس.. شكله وجهه فيه علوم!! عفراء بقلق: خير إن شاء الله.. جايه وراك الحين.. عفراء حين وصلت للاسفل كان زايد الصغير في حضن زايد الكبير.. حالما رأى عفراء رحب فيها بعفوية أخوية حميمة.. وحين انتهت السلامات المعتادة.. توجه بوجهه لعفرا وهو يهتف بنبرة مباشرة حازمة.. شديدة الثقة: أم زايد اسمعيني زين الله يرحم شيبانش .. أنا بأنشدش من شيء.. بس ما أبيه يطلع من بيننا حن الثلاثة.. شيء ماظنتي إنه حد بيعرفه غيرش!! عفراء تفجر قلقها: أبو كساب الله يهداك صبيت قلبي.. آمرني.. زايد تنهد بصعوبة وهو يفجر سؤالا وجعه بعمق قرون: حلفتش بالله ماتدسين علي... أم كساب الله يرحمها قد قالت لش إنها سمعتني أدعي حد في نومي؟؟؟؟ عفراء تغير وجهها تماما وهي تشيح بوجهها جانبا.. زايد لاحظ تغيرها.. وليس غبيا ليفهم سبب التغير.. شُعر أن يدا هائلة تعتصر فؤاده بلا رحمة.. حتى كادت حجرات قلبه الأربع تتفجر من بين اعتصار أصابعه الجبارة.. هتف بثقل موجوع أخفاه خلف سكون صوته: عفراء انا حلفتش بالله اللي أكبر من كل شيء.. وانا لو ما أنا بحاس بشيء ماكان سألت .. فحتى لو أنكرتي تراني ماني بمصدقش!! عفراء همست باختناق: يأبوكساب.. حكي في الفايت نقصان في العقل.. أنت الحين رجّال متزوج.. ووسمية لين آخر يوم معك أنا أشهد إنها كانت مبسوطة وفي معزة واحترام وكرامة.. وشو له تقلب في حكي مامنه فايدة!! زايد هتف بثقل حازم أكثر: عفرا ترا الجواب وصلني خلاص.. وأنا ما أني بغشيم.. بس ريحيني بكلام صريح ولا تخليني معلق كذا!! عفراء أشاحت بوجهها وهي تختنق تماما: ماعندي كلام أقوله.. ولا أعرف شيء عن اللي تقوله.. زايد التفت لمنصور وهو يهتف له برجاء أخوي مثقل بوجعه المتزايد: أبو زايد حلفتك بالله تحاكيها.. رب العالمين ماله حشمة عندكم.. حلفتها بالله وماتبي تقول لي!! منصور هتف لعفرا بحزم: عفراء إذا عندش شيء قوليه لزايد.. زايد حلفش بالله.. عفرا وقفت وهي تهمس بحزم: هو حلفني بس أنا ماحلفت.. والحين اسمحوا لي أروح.. وترا للميت حرمته.. خلو الميت مرتاح في قبره!! ووسمية الله يرحمها ماقالت لي شيء .. انتهينا.. عفراء غادرت فعلا.. وزايد وقف دون أن يتكلم... حتى لو لم تخبره بشيء.. فالجواب وصله تماما.. وصله بشكل واضح وصارخ وموغل في الألم.. لأنه لو لم يكن محقا لم تكن عفرا لترتبك وترفض البقاء.. كانت نفت الأمر من بدايته.. ولكنها توترت وارتبكت.. ثم هربت.. وهذا معناه جواب واحد لايخفى على رجل بخبرته .. أن هذا حدث فعلا... حدث!! أن وسمية عانت لسنوات وهي تسمعه ينادي سواها طوال ليالي متطاولة مثقلة بالمرارة.. ليلة بعد ليلة!! فأي امرأة جبارة هذه المرأة!! أي امرأة جبارة من احتملت كل هذا!! الآن فقط أصبح يعرف سبب هربها لتنام في غرف أبنائها.. الآن أصبح يعرف.. وكم جرحته هذه المعرفة حتى عمق العمق.. بل نحرت روحه الآبية الأصيلة.. نحرتها تماما!! ****************************************** كان يحتضن كفها بين أنامله بقوة تملكية غريبة.. وهما يتمشيان قريبا من الفندق.. وتتمنى هي لو أفلت كفها التي بدأت تتعرق من شدة تمسكه بها.. كل واحد منهما مشغول بأفكاره الخاصة.. والحديث الدائر بينهما في أدنى حدوده.. رغم أنه كان يتمنى أن يسمعها تتكلم.. وتتكلم.. تمنى أن تخبره عن حياتها الماضية.. ذكرياتها.. عدا فترة واحدة فقط.. واحدة فقط.. يؤلمه مجرد التفكير فيها!! ويخشى أن يجرهما الحديث لها... حين اقتربتا من الفندق اعترضهما شاب صغير يبيع الورد وهو يهتف بظرف: الورد للورد يابيه!! رغم أن فهد لا يهتم بهذه الأمور ولا يفهمها أبدا.. ولكنه التفت لجميلة وسألها: أي لون تبين؟؟ هزت جميلة كتفيها دلالة (أي وحدة ماتفرق!!) لكن فهد أصر.. حينها همست جميلة بخفوت: البيضاء حلوة!! فهد بعدم فهم: نعم!! جميلة لم ترفع صوتها لأنها تذكرت تحذيره لها ألا تتكلم في مكان عام.. ولكن حين سألها للمرة الثانية.. همست بصوت أعلى برقتها المعتادة: أقول البيضاء حلوة!! حينها هتف بائع الورد على طريقة ظرف المصريين المعتادة العفوية: يا لهوي !! إنتي بتتكلمي يامدام وإلا بتغردي؟؟ فهد شد جميلة بغضب وهو يهتف للبائع بغضب أشد: توكل على الله.. مانبي ورد!! الشاب بخيبة أمل: ليه كدا يابيه؟!! فهد بصوت مرعب: أقول لك توكل!! الشاب غادر وهو يتأفف.. بينما جميلة همست بعفوية: فهد حرام عليك كان شريت منه.. فهد بغضب أشد وأشد: إيه ياحرام كاسر خاطرش وهو قاعد يتغزل فيش وأنا واقف مثل الطوفة.. أنا والله عشان شفت طوله مايجي نص طولي خفت ربي فيه.. ماراح حتى يتحمل كف مني!! جميلة باستنكار: فهد عيب عليك ذا الكلام.. الولد كان يجامل بس.. وإلا من اللي بيغازل وحدة وهو يقول لها يامدام وقدام زوجها!! فهد غضبه متفجر فعلا ويحاول كتمه لأنهما في الشارع: مسكين مهوب في وعيه.. سمع الصوت وخق!! جميلة بنبرة مقصودة: يعني هو خق من كلمتين.. وغيره صار لي مقابلته أكثر من أسبوعين وهو يسب في صوتي!! حدث العاقل بما يعقل!! فهد شعر أنها حصرته في زاوية ضيقة.. حصرته تماما.. وغيظه يتفجر منها!! بينما جميلة باتت تشعر بالخوف من عودتها معه لغرفتهما.. تخشى أن يجرحها أو حتى يجد سببا ليمد يده عليها.. حينها كانا يعبران باب الفندق للداخل.. جميلة همست برجاء: خلنا نقعد في اللوبي شوي!! نشرب شاهي مثلا!! فهد باستغراب: تونا تعشينا.. والساعة صارت 11 وأنا وراي تدريب بكرة بدري!! جميلة برجاء أشد: تكفى فهد.. تكفى!! فهد باستغراب أشد: توش قبل شوي.. تقولين تعبتي وتبين ترجعين تنامين!! وش اللي تغير؟؟ جميلة حينها أجابته بصراحة عفوية مؤلمة: بصراحة فهد.. خايفة أرجع معك الغرفة تسوي لي شيء.. خلنا هنا لين تروق.. فهد بصدمة: أنتي تبين تحامين في الناس مني!! لذا الدرجة شايفتني متوحش؟؟ جميلة بيأس: فهد أنت اللي عطيتيني ذا الإحساس.. حتى يوم وعدتني تراعيني لأني خوي سفر.. أحس إنه صعب عليك توفي!! فهد شد كفها بحزم وهما متجهان للمصعد: وأنا قلت لش قبل لا تحاتين شيء.. وماراح أضايقش بشيء.. ولا صار لساني الطويل يحكني.. بلعته وسكرت ثمي عليه!! ******************************** " عفراء الله يهداش ليش تبكين كذا؟؟ أدري عندش كلام ماقلتيه زايد.. بس قوليه لي!! إذا ماشلت حمولش.. وش عازتي؟ ولا تحاتين السر اللي ماتبغين تقولينه زايد.. بيقعد سر عندي بعد" عفراء لم ترد عليه.. ولم تقل له أي شي.. فمابها من الوجع يكفي ويزيد!! اكتفت بسكب دموعها على صدره كما اعتادت.. وقرر هو أن يصمت ويتركها على راحتها تسكب حزنها بالطريقة التي تريحها!! فإذا لم تكن تريد الكلام.. فهو لدموعها المسكن والوعاء!! مثقلة بحزن شفاف من أجل زايد.. ربما أكثر.. فأختها مضت وارتحلت وارتاحت عن رب رحيم.. رحمته أوسع من كل شيء.. تخلصت من ألم الأرض وقسوتها وأحزانها!! لكن زايد مازال هنا ينبض حزن الأرض بين جنباته.. كل إنسان يحتوي في جنباته الخير والشر.. ومن نعمة الله عليه أو نقمته أن يجعل أحد الجانبين ينتصران.. ولأن معدن عفرا الخيّر غلب.. لم يهن عليها أن تجرح من كان لها عزوة وسندا.. هذا الرجل العظيم الذي تفرد بعظمته ولا يستحق أن يعيش إلا بسعادة مستحقة له.. حتى لو كان على حساب ضغطها على مشاعرها وحزنها!! ولكن ما تخشاه أن تظل الهواجس تعذب زايد.. وهي تعلم أي روح أصيلة طاهرة بين جنبات هذا الرجل!! لم تعلم أن مابداخل زايد لم يعد مطلق هواجس.. بل أصبح يقينا.. يقين مطلق جارح ... جارح.. جــــــــــارح!! بدأ يغوص في روحه المنحورة بالوجع.. حتى لو كانت أم أولاده مضت.. وأصبحت مجرد ذكرى!! ولكن روح شفافة كروحه تعرف جيدا كيف يكون ألم الطرف الآخر.. كيف وهو حرص طوال عشرته مع وسمية على أن يدفن مشاعره لمزنة في أعمق نقطة في روحه.. حتى لا يصل أي إشعاع منها لوسمية فيضايقها أدنى مضايقة.. فإذا به كل ليلة كان يصفعها على وجهها صفعا بهذه المشاعر.. وهو يستنزف روحها شيئا فشيئا.. الألم الآن بدا يستنزف روحه هو.. شيئا فشيئا!! ************************************* كانت أمام المرآة تمسح الكريم على وجهها وآخر على يديها.. تنظر للمرآة وتنتهد.. تصرفات فهد بدأت تقلقها.. ونظراته الفاحصة بدأت تقلقها أكثر.. ليست غبية لتفهم هذه النظرات.. فهي رأتها سابقا في رجل آخر.. وإن كانت تتجاهلها الآن كما تجاهلتها مع خليفة!! فهي تعلم أن فهدا ليس كخليفة.. وأن فهدا لو أراد شيئا فقد يجبرها عليه.. وهي يستحيل أن تسمح له بذلك بعد آذاها وجرحها بكلماته القاتلة المريعة!! حتى الله وسبحانه لايرضى بهكذا إذلال.. أن يمتهنها ويمتهن جسدها ثم يريد الاستيلاء عليه!! ربما فعلا يجب أن تخفف من تأنقها أمامه.. فهي داخليا تعترف أنها بالغت في الأناقة.. لأنها أرادت أن تعاقبه.. فمهما يكن غرورها الأنثوي أراد أن يثبت لثقتها بنفسها قبله حتى.. أنه لا مشكلة فيها بل المشكلة فيه.. ولن تسمح له أن يقلل من ثقتها بنفسها.. لأنه من سينحني وسيرفع رايته البيضاء.. لكنها الآن لا تريده أن يرفع الراية البيضاء لأنها عاجزة عن تقبله فعلا !! وهاهي فعلا ترتدي بيجامة محايدة تماما وإن كانت تحمل روح أناقتها المعتادة الشفافة.. كانت غارقة في أفكارها حتى رأت الخيال خلفها ينعكس على المرآة.. انتفضت بخفة بينما هتف هو بنبرة مقصودة: خوفتش؟!! همست بتوتر: لا ماخفت.. كانت تريد أن تقف لولا أنها لم تستطع لأنه وضع كفيه على كتفيها.. توترت أكثر أكثر وأنامله ترتفع لتعبر عنقها ببطء ثم تتخلل شعرها!! همست باختناق: فهد هدني.. أبي أقوم.. فرد عليها بثقل: وإذا ما أبي أهدش!! همست بحدة خانقة: لا.. بتهدني.. لأني ما أبيك تلمسني!! حينها تراجع فهد وهو يصحو من الغيبوبة المغيبة التي شعر فيها منذ خرج من الحمام ورآها تجلس أمام المرآة غارقة في أفكارها.. وصفحة وجهها تنعكس بوداعة مؤلمة على صفحة المرآة.. وهو يتحرك نحوها كالمسحور المغيب!! هتف بغضب: نعم؟؟ ماتبيني ألمسش؟؟ لو بغيت.. ماتقدرين ترديني لأن هذا حقي.. جميلة استدارت نحوه بغضب لتواجهه: وأنت تنازلت عن ذا الحق وبأبشع طريقة ممكن يسويها رجّال في مرته.. فلا تجي الحين تطالب فيه.. خلك قد كلمتك.. وإلا الحين أنا صرت شيء جديد مهوب مستخدم..؟؟ فهد شد له نفسا عميقا وهو يصر على أسنانه بغيظ لأنها ذكرته بما يريد نسيانه: وأنا ما أبيش يا بنت الحلال.. فلا تحديني أقول كلام ما أبي أقوله.. وأنا وعدت نفسي ووعدتش ما أضايقش.. جميلة هزت كتفيها بذات غضبها الشفاف: عادي.. شكلي بأتعود إنك ماتعرف من الوعد إلا اسمه!! فهد ينتفض من الغضب: أنا؟؟ أنا فهد آل ليث ما أعرف من الوعد إلا اسمه!! جميلة حينها همست بحزن عميق: وأنا وش كنت أبي من فهد آل ليث إلا الاحترام وبس.. الظاهر إنه حتى فهد آل ليث مجرد اسم وبس!! جرحته..!! بالفعل جرحته..!! الآن أصبح يعرف كم من الممكن أن تكون الكلمة جارحة.. ومؤلمة.. جارحة كحد السيف.. ومؤلمة كانتثار دمه بعد الجرح !! كل يوم يتفاجأ من سوء صورته في عينيها.. بل بشاعتها!! " وماذا تركت لها غير ذلك؟؟ ماذا تركت لها؟؟ وأي مبرر منحتها لتزهر صورتي في عينيها؟؟ لم أمنحها سوى فرشاة ألوان بشعة ترسم بها لوحة أشد بشاعة.. هـــي أنــــا !!" *********************************** " زايد فديتك.. خلني أتصل في علي يوديك المستشفى أو أروح أنا وأنت مع السواق؟؟" زايد همس بإرهاق: مافيني شيء!! مزنة بقلق متعاظم: أشلون مافيك شيء.. جسمك مولع.. وكل مافيك يرجف!! زايد بذات الإرهاق: سخونة عادية.. الحين حبتين البنادول بتجيب مفعولها.. وبكرة بأقوم زين!! مزنة تستعد للوقوف وهي تهمس باستعجال بالغ الاهتمام: زين بأروح أجيب كمادات باردة وبأجي!! زايد أمسك بمعصمها وشدها وهو يهمس بذات النبرة المرهقة من أثر الحمى: ما أبي كمادات خلش جنبي.. مزنة عادت للتمدد جواره وهي نصف جالسة وتمسح على جبينه الملتهب بيأس.. همس لها بعمق موجوع غريب: مـزنـة.. ضـمـيـنـي!! مزنة شعرت بألم عميق غير مفهوم وهي تفتح ذراعيها له ويقترب هو ليدفن وجهه في ثنايا صدرها.. وأنفاسه الملتهبة تحرق صدرها بألم أكثر تجذرا وغرابة!! ضمته أكثر وهي تهمس في أذنه بوجع: حبيبي طالبتك.. قل لي وش اللي مضايقك؟؟ لم يرد عليها وهو يدفن وجهه أكثر بين عبق رائحتها.. قريبا من دقات قلبها!! وكأنه يريد أن يتزود منها لرحلة غياب طويلة!! ولكنه لا يشبع.. لا يشبع!! ************************************ " سميرة يأخيش.. مهوب كنها تأخرت واجد؟!!" رغم أن سميرة تكاد تذوي من القلق ولكنها تحاول أن تتماسك لأنها ترى أن صالحا يكاد يموت من القلق والتوتر: أبو خالد الله يهداك.. ترا ممكن تقعد لين أكثر من كذا!! صالح بقلق: بس ماصار لها كذا في ولاداتها اللي قبل.. سميرة تحاول تهدئته: ولدك هذا هيس!! مهوب مثل خلّود وعزوز فديتهم!! أنا بأروح أسأل داخل.. لا تحاتي!! . . بعد دقائق.. تعود سميرة بأنفاسها الطائرة.. وعيناها رغم أنهما بالكاد ظاهرتان من فتحتي نقابها إلا أن تفجرهما بالاحمرار كان واضحا.. همست بصوت مختنق بالبكاء تماما: أبو خالد يبونك توقع على عملية قيصرية.. يقولون الولادة تعسرت شوي.. صالح تفجر غضبه تماما: يعني صار لها عندهم ذا الوقت كله تتعذب وتوه يطري عليهم العملية.. من البارحة وحن هنا!! ليش ماقالوا ذا الكلام من البداية؟؟ سميرة انفجرت في البكاء: لأنهم اكتشفوا إنهم توأم.. واحد كان متخبي ورا واحد.. صالح تراجع بذهول مصدوم: أشلون توهم يكتشفون.. في أي عصر عايشين حن.. زمان جدتي!! سميرة تشهق: أبو خالد الله يهداك أنت بتقعد تستفسر.. تعال وقع.. نجلاء أصلا ماسوت إلا تلفزيون واحد.. عقب التلفزيون اللي هي سوته معك عقب ما اكتشفوا حملها... وكانت بعد يومين بتسوي تلفزيون بعد.. صالح وقع الموافقة... وهو مثقل بالمرارة والغضب والتوتر والقلق.. كل المتضادات تصارعت في نفسه.. وأهم رغبة لدية هو أن تخرج نجلاء سالمة له ولأولاده!! هذا هو كل مايريده.. سيموت لو حدث لنجلا أي شيء.. سيموت.. أي حياة ليست هي فيها.. ليست حياة.. ولن تكون حياة أبدا!! بل هي مسخ حياة لا معنى لها!! ********************************* " حبيبي تكفى بلاها الروحة للشغل اليوم.. ارتاح اليوم.." زايد يثبت ازرار كميه وهو يهتف بحزم: مافيني شيء عشان أقعد.. عندي مواعيد صار لها أسابيع محدد وقتها.. مزنة مازالت تحاول بإصرار: تكفى زايد.. عشان خاطري.. البارحة وأنت تهذي من الحمى.. تبي تطلع اليوم عشان تنكس!! حينها التفت لها بسخرية مريرة مثقلة بطعم مرارة كمرارة العلقم: وش كنت أقول وأنا أهذي؟؟ أكيد اسمش!! مزنة تراجعت خطوة للخلف.. لم تعجبها نبرته.. ومع ذلك هتفت بثقة: إيه كنت تهذي باسمي!! أجابها بذات المرارة: أجل خلاص مافيني شيء.. وش الجديد؟؟ كل ليلة وأنا أهذي باسمش.. مزنة منذ أيام وحاستها السادسة تنبئها أن هناك شيئا غير طبيعي في زايد!! تحاول تكذيب إحساسها .. فيزداد اليقين!! مزنة صمتت وتركته يكمل لبسه كالمعتاد.. يضع غترته ويرتبها.. وينهي أناقته برشات من عطره الفاخر.. وعيناه لا تنظران إلى نفسه بل إلى الواقفة خلفه.. وعيناها سارحتان في ملكوت آخر!! يا الله.. ماكل هذا الوجع..!! لم يشعر يوما أنه يحتاج إليها كما يشعر الآن.. لماذا؟؟ لماذا؟؟ لأنه يشعر أنه سيفقدها.. سيفقدها.. استدار إليها وهو متجه للخارج.. وقف أمامها.. عيناه تبحران في عينيها كمركب يبحر في لجة بحر لا قرار له.. مد سبابتيه ليغلق عينيها.. ثم قبل كل عين على حدة... برقة غامرة... دفء حان.. ووجع لا حدود له!! ثم مضى دون أن يقول كلمة واحدة!!! ********************************* سميرة خرجت ختاما لصالح بعد أن كاد ينهار من القلق.. بل هو شبه منهار فعلا!! همست باختناق هائل مثقل بحزن شفاف جدا: مبروك يا أبو خالد جالك ولد سليم ولله الحمد.. صالح بصدمة مذهولة: ولد سليم!!!.. والولد الثاني وش أخباره؟؟ والأهم من ذا كله... نجلا أشلونها بشريني منها؟؟ سميرة لا تستطيع حتى أن تبكي لشدة حزنها وقلقها.. لا تريد أن تبكي وكأنها ببكائها (تفاول) على أختها: نجلاء والبنت تعبانين واجد!! ************************************** " كاسرة.. كاسرة!!" كان ينادي ولا مجيب له وهو يعبر أقسام جناحهما حتى رآها تقف أمام مكتبه.. وبيدها ملف أخضر اللون.. كانت تقف مذهولة.. مصدومة.. عيناها متفجرتان بأحمرار دموي ينذر بهطول عاصفة من حزن مطري.. حين رأته واقفا أمامها.. رفعت الملف أمامه وهي تهمس باختناق بالغ متفجر بحزن لا حدود لمجراته : أشلون تدس علي موضوع مثل هذا؟؟ أشلون؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والتسعون " كاسرة.. كاسرة!!" كان ينادي ولا مجيب له وهو يعبر أقسام جناحهما حتى رآها تقف أمام مكتبه.. وبيدها ملف أخضر اللون.. كانت تقف مذهولة.. مصدومة.. عيناها متفجرتان بإحمرار دموي ينذر بهطول عاصفة من حزن مطري.. حين رأته واقفا أمامها.. رفعت الملف أمامه وهي تهمس باختناق بالغ متفجر بحزن لا حدود لمجراته : أشلون تدس علي موضوع مثل هذا؟؟ أشلون؟؟ كساب هز كتفيه بثقة: الملف قدامش على المكتب قد له كم يوم.. مادسيته عنش.. ثم أردف وهو يقلد طريقتها حين علم بخبر حملها: كنت أقول اليوم بتشوفه.. اليوم بتشوفه.. ويمر اليوم وأنتي ماشفتيه.. كاسرة تمسح أنفها وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء وتهمس باختناق حقيقي: كساب هذا موضوع تأخذه بمزح؟!! أو حتى تقارنه بموضوع حملي.. حرام عليك وش جاب لجاب؟؟ كساب بذات الثقة التي ستقتلها: كاسرة الموضوع بسيط .. وعني أنا.. كنت أشوف موضوع حملش أهم بواجد.. كاسرة اتجهت نحوه بعصبية وهي تغالب دموعها التي توشك أن تغمر المكان.. مدت يدها إلى خاصرته اليسار وهي تتحسسها.. وتهذي باختناقها بكلمات متدافعة ماعادت واضحة لشدة ازدحام حنجرتها بالعبرات: وين؟؟ وين؟؟ هنا؟؟ صح هنا؟؟ صح هذي هي... ليش يا كساب ماقلت لي؟؟ حرام عليك تسوي فيني كذا !! حرام عليك..!! هنا؟؟ صح؟؟ وإلا هنا؟؟ توجعك؟؟ حاس بشيء؟؟.. قل لي .. لا تدس علي شيء!! أنا كنت حاسة إنه ذا الحادث سوى فيك شيء أكثر من مجرد كسر يدك وشوي ذا الجروح.. كنت حاسة!! قلبي كان ناغزني!! بس كنت أكذب نفسي!! وأقول كفاية علي وجع!! وين؟؟ قل لي وين يوجعك؟؟ كساب شدها ليحتضنها بيدها السليمة بقوة وهو يهتف بحزم حان: كاسرة بس.. هدي.. الانفعال مهوب زين لش.. وأنا والله العظيم مافيه شيء يوجعني.. وإلانسان يقدر يعيش بكلية وحدة!! وحتى نص كلية.. وكليتي الثانية مافيها شيء تمام التمام!! كاسرة حينها انهارت وهي تجلس على الأرض وتنتحب بوجع حقيقي: حرام عليك تفجعني كذا.. كل شيء عندك بالدس.. وش فيها لو أنت مهدت لي شوي شوي.. بدل ما أنصدم بذا الطريقة.. كساب أنا إنسانة مؤمنة وكان قلت الحمدلله على كل حال.. بس الحين حاسة كل اللي فيني يرجف من الصدمة.. إذا منت بخايف الله فيني.. خافه في اللي في بطني!! كساب جلس جوارها على الارض بشكل معاكس وهو يمد يدها ليمسح وجهها.. وألم عميق ينتشر في كل نواحي روحه.. أ كل هذا البكاء من أجله؟!! أ هذه كاسرة؟؟ أم هذه هرمونات الحمل؟؟ كساب همس بنبرة الحنان التي تذيب مفاصلها حين تحضر: كاسرة وش تبين أقول لش؟؟.. أقول لش إنه الحادث سوى إصابة مباشرة لكليتي اليسار وانعطبت وتوقفت على العمل.. ما أنكر إني تضايقت.. بس أنا بعد إنسان مؤمن.. وقلت الله أرحم بعبيده منهم.. ودامه خذ مني شيء أكيد بيعوضني بشيء أحسن!! ويوم دريت إنش حامل.. حمدت الله إنه عوضني بذا السرعة!! كان دورها لينتشر الألم في كل نواحي روحها.. أ كل هذه العذوبة من أجلها؟!! أ هذا هو كساب من يتحدث؟؟! أم هذا مجرد إحساس وقتي بالوجع والذنب؟؟ لم ترد بكلمة وهي تسند جبينها لكتفه.. وتكمل نحيبها الشفاف وهي تتعلق بعنقه بكلتا ذراعيها.. ************************************* " يأمك روح البيت.. هذا حن عند نجلا والمواليد!! روح تريح شوي!!" صالح يمسح وجهه بإرهاق مثقل بحزنه: ما أقدر يمه.. ما أقدر.. بأقعد هنا لين نجلا على الأقل تطلع من العناية!! همست أم صالح بحنان موجوع: زين شفت عيالك.. ؟؟ صالح همس بثقل: عيالي عند جدتهم!! أم صالح تنهدت: أقصد المواليد!! صالح بذات الثقل: شفت الولد.. طيب وبخير.. بس البنت مارضوا كلش.. لأنه الولد في الحضانة بس البنت في العناية الفائقة وقالوا ماحد راح يدخل عليها إلا أمها لو بغت!! أم صالح تسأل باهتمام مهموم: كم أوزانهم؟؟ صالح بسكون: الولد كيلوين و300.. بس البنت كيلو و600.. صالح صمت.. صمتا ثقيلا.. يشعر بذنب شفاف.. يشعر بذنب أنه تمنى بنتا.. بل دعا الله بكل عزم أن يرزقه هذه المولودة.. وهاهي البنت أتت للدنيا.. مثقلة بالأوجاع.. وأثقلت أمها معها.. دائما الإنسان يشعر بالطمع ويريد المزيد.. ويغريه الله بكرمه.. ماذا ستفيده البنت لو رحلت نجلاء؟؟ ووجد نفسه وحيدا في الدنيا مع أيتام بلا أم؟!! يا الله.. لا يريد أن يفكر في هذه الفكرة البشعة حتى!! لا يريد..!! لشدة بشاعتها يشعر بها تحفر روحه بمناجل مسمومة!! ومافيه من سموم الروح يكفيه وزيادة!! ************************************* منذ عاد من الخارج وهو صامت.. ما الغريب؟؟ فالصمت بينهما أكثر من الكلام؟؟ ولكن صمته هذه المرة غريب.. كما لو كان يحمل في طياته حزنا غير مفهوم!! وجدت أن الواجب يستلزم منها أن تسأل من باب اللياقة الإنسانية التي لا يعرفها حتى!! همست برقة: فهد فيه شيء مضايقك؟؟ أجابها كأنه يكلم نفسه: صالح جا له ولد وبنت!! ابتسمت جميلة بشفافية: ألف مبروك.. وليش مابشرتني؟؟ وليش أساسا شكلك متضايق؟؟ فهد بذات النبرة الساكنة: بنت عمي أم خالد تعبانة شوي وفي العناية هي والبنية المولودة.. وصالح نفسيته تعبانة كلش!! لو صار لأم خالد شيء بعيد الشر مهوب بعيد بيستخف.. مابعد شفت رجّال متعلق في مرته مثله!! جميلة انطفئت ابتسامتها تلقائيا.. وهي تقرر أن تقوم لتتصل بسميرة وتطمئن عن حال نجلاء.. ولكن تأثرا شفافا كان يجتاح روحها.. تأثر من أجل صالح!! أي رجل رقيق هذا الذي يظهر تعلقه بأم أولاده للعيان؟؟ والبعض حتى لو كان مولعا بزوجته أخفى ذلك بينه وبينها.. حتى لا يكون في ذلك انتقاص من رجولته الثمينة التي ستهتز لو اظهر رقة مشاعره خارجا!!!! سبحان الله.. كيف يُخرج أخوين من بطن واحد.. وطبائعهما متناقضة لهذا الدرجة!! لا يمكن أن تتخيل فهدا عذبا ورقيقا بأي درجة حتى.. فكيف إلى هذه الدرجة الموغلة في العذوبة؟!! ************************************** " يمه الله يهداش ارجعي البيت!! طولتي على أخواني وعيال نجلاء!! " أم غانم استحال عسل عينيها إلى لون قاتم نتيجة لاحمرار بياضها.. وهي لم تتوقف عن البكاء منذ معرفتها بالخبر.. رغم أنهم حاولوا تأجيل وصول الخبر لها!! همست بصوت مبحوح تماما: عيالي وعيال نجلاء عند جوزاء وعالية في بيت أبو صالح.. ومهوب جايهم شيء!! سميرة بإرهاق: زين أنتي الحين وش مستفيدة؟؟ هذا إحنا كلنا قاعدين في الاستراحة.. روحي أول ما تطلع نجلا بأتصل لش.. ودكتور يقول وضعها الحين أحسن.. والضغط بادي ينخفض!! أم غانم تشهق: ياقلبي يا بنتي.. كان نفسها في بنت.. وحتى البنت ماشافتها.. والله أعلم هي تلحق تشوفها وإلا لأ.. لو شفتيها بس يا سميرة.. أنا عملت لهم مناحة على باب عناية المواليد لحد ماخلوني أدخل!! حتة قد الكف.. ومش باينة من كثرة الوايرات.. مش هتستحمل.. سميرة بتأثر: يمه.. الله أرحم بعبيده وإن شاء الله إنه مايكتب إلا اللي فيه الخير.. ************************************ " ما اتصلت لش سميرة!! أرسل لها وتلفونها مسكر.. ما أدري هي تبيني أجيبها وإلا لا ؟؟ " وضحى تشير لتميم بهدوء: تلفونها أصلا عندي.. لأني يوم رحت أنا وأمي لهم كان خالص شحنه فرجعته معي أركبه لها على الشاحن.. تميم أشار بحزم: خلاص عطيني إياه أوديه لها.. وأشوف لو بتجي!! وضحى ناولته الهاتف ثم أشارت بثقة: ما أعتقد إنها بترجع معك!! تميم بضيق: من أمس وهي هناك .. ومهوب عاجبني قعدتها مقابلة صالح!! وضحى بذات الثقة: أولا هي مهيب مقابلة.. صالح في استراحة الرجال وهي في استراحة الحريم.. ثانيا صالح عبارة أخيها الكبير.. ثالثا مافيه حد يقعد عند أختها غيرها.. أمها الله يعينها عندها أربع بزران في رقبتها.. وأخت صالح حامل وأمه عجوز تعبانة!! والسنع ماحد يقابل أختها غيرها!! تميم أشار بذات الضيق: هاتي التلفون.. وبس!! . . بعد نصف ساعة.. تميم يصل إلى إلى الممر حيث غرفة نجلا.. يشعر بالحرج أن يكون أحد من أهلها موجود.. وهو لم يكن يريد الاقتراب من الغرفة.. لأنها أحيانا قد تكون مكشوفة جزئيا عبر الزجاج.. كان يريد التوجه لاستراحة الرجال ليسأل صالح من الموجود.. ليلمح صالح يقف مع سميرة عند باب غرفة نجلا.. كان صالح يهتف بحزم: والله إن قد تتصلين في رجالش وتسرين.. وإلا اتصلت فيه أنا.. سميرة برجاء: تكفى يا بو خالد استغفر.. مثل مادخلت أنا ونجلا سوا.. بنطلع سوا.. صالح بحزم أشد: أنا حلفت وانتهينا.. ثم أردف وهو يبتسم ابتسامة باهتة: وهذا هو ثلاث أرباع الحلوفة تم.. تميم جا.. سميرة استدارت لتجد تميم قادما من خلفها.. لا تعلم لِـمَ شعرت بالتوتر حين رأت وجهه كان به شيء غير مريح.. علائم غضب ربما!! تميم وقف بعيدا قليلا لأنه لم يكن يريد الاقتراب من غرفة نجلا.. فتوجه له صالح أولا وهو يشير بالترحيب كما يفهمه.. تميم أشار له بالسلام.. ثم اشار إلى ناحية غرفة نجلا بالسؤال.. ليفهم صالح أنه يسأل عن حالها.. فهز صالح رأسه.. ثم تاخر للخلف عائدا لغرفة نجلاء ليترك الزوجين معا!! تميم أشار بغضب لم يظهر على وجهه لكن سميرة فهمته: حلوة الوقفة اللي أنتي كنتي واقفتها!! سميرة أشارت له بثقة غاضبة: وقفتي مافيها شيء.. في ممر مستشفى.. وقدام غرفة أختي.. ومع رجالها اللي هو ولد عمي وعبارت أخي الكبير.. وشوفت عينك قدام كاونتر الممرضات.. وهذا هم خمس ممرضات قاعدين!! فأكمل تميم بنبرة تهكم غاضبة: والساعة الحين عشر الليل..!! سميرة تحاول التماسك وهي تشير برزانة: عشر والا 12 الموقف كله مافيه شيء.. إلا إنك مشتهي تعصب وبس!! صالح مستغرب.. لماذا طال حوار الإشارات الغريب غير المفهوم هكذا؟؟ لماذا لم يذهبا لبيتهما؟؟ تميم أشار بحزم: أنا كنت جاي أجيب تلفونش لش.. بس الأحسن إنش تمشين معي.. سميرة شدت نفسا عميقا: لولا إن صالح قبل جيتك بدقيقة كان يحلف علي أرجع للبيت معك.. وإلا والله ما أرجع معك عقب الكلام البايخ ذا.. لين نعرف تثمن كلمتك!! تميم أشار لها بعضب: خلينا نمشي.. لنا بيت نتفاهم فيه.. حالما ركبا السيارة.. أشاحت بوجهها للناحية الأخرى.. ألا يكفي أنها ستموت قلقا على أختها ليكملها هو عليها بقلة أحساسه..!! أدارت وجهها ناحيته حين شعرت بيد تشد طرف عباءتها ومازالت السيارة في المواقف لم تحرك.. مد كفه وهو يبسطها لها.. تنهدت وهي تضع كفها في وسط كفه.. ليحتضنها بكفيه كليهما ثم يفلتها ليشير بشفافية: آسف حبيبتي.. شكلي زودتها شوي!! سميرة أشارت بشفافسة مشابهة: زودتها واجد مهوب شوي... تغار من صالح عاد!! ابتسم تميم: الرجال اللي مايغار على محارمه مافيه خير!! حينها أشارت سميرة بشجن: بس سالفة الغيرة عندك شايفتها صايرة تتكرر عندك ذا الأيام الأخيرة بزيادة!! تميم مازالت ابتسامته ماثلة: بتحاسبيني على غلاش يعني؟!! ********************************* " يأمش عندش بكرة موعد الساعة 9 في الصالون.. اصحي بدري.. لأنش عارفة زحمة الدوحة.. نبي لنا ساعة لين نوصل" مزون بشفافية: مهوب أحسن نكسله؟؟ مزنة باستغراب: وليش نكنسله؟؟ يا الله لقينا موعد!! مزون بتردد: يمكن العرس كله يتأجل عشان وضع نجلا.. وماله داعي ذا المواعيد!! مزنة ابتسمت: لا راح يتكنسل ولا شيء.. أي والد بقيصرية تتعب لها يومين وتقوم.. اليوم أو بكرة بالكثير بتسمعين أخبار زينة عن نجلا إن شاء الله.. أنا جيتها اليوم وبأروح لها بكرة بعد وبأطمنش زيادة!! حينها ابتسمت مزون وهي تسأل: زين شيبتش وينه اليوم كله غاطس ماشفته؟؟ حتى الغدا ماجاء يتغدى معنا.. أشلون تخلينه (داير على حل شعره) على قولت سميرة.. لازم (تشكميه).. ابتسمت مزنة وهي تربت على رأس مزون: أبو كساب اليوم عنده شغل بزيادة.. أكيد بيمرش أول ما يرجع!! مزنة تنهدت بوجع عميق لم يظهر خارجا.. حال زايد غير مطمئن أبدا.. وهناك شيء غريب فيه!! البارحة طوال الليل وهو يهذي باسمها بين انتفاضات الحمى بشكل غير طبيعي.. قد يكون غالب الليالي يناديها في نومه.. ولكن لدقائق.. ولكنه البارحة لم يتوقف عن النداء وهو يئن بطريقة موجعة ومتمسك بها بشدة لدرجة أن أصابعه تركت أثارا واضحة على جسدها!! ثم حين صحا من نومه .. ووجد نفسه في حضنها قفز كالمسلوع وهو يبتعد عنها.. ثم ختمها بطريقة سلامه الغريبة عليها وهو يغادر لعمله.. ولم يرد مطلقا على اتصالاتها اليوم.. ولم يتصل بها!! وقلق شفاف يتعاظم في روحها إلى أعظم مدى.. وحسها الأنثوي ينبئها برائحة مقلقة حقا!! *************************************** بالفعل اليوم هو غريب.. فهي كانت دائما تشعر أن بين جنباته قوة وطاقة مرعبة تُشعرها أحيانا بالخوف منه..!! ولكنه اليوم يبدو كما لو كانت هذه الطاقة سُحبت من بين جنباته.. وهو خادر خامل!! وهاهو يتمدد لأول مرة قبلها وهو من يوليها ظهره!! جلست على الطرف الثاني دون أن تتمدد ثم همست برقة: فهد الحين ذا التأثر كله.. خايف على بنت عمك؟؟ وإلا عشان حالة أخيك؟؟ أجابها بسكون ثقيل وهو مازال يوليها ظهره: عشان خويلد وعزوز.. أم خالد لو الله اختارها عندها.. فهذي قسمته.. وماحد يعترض على عطا رب العالمين!! وصالح رجّال.. بيعيش وينسى.. بس عيالها....؟؟ اليتم يوجع.. وهم صغار مانبت لهم ريش.. وفوقهم ولد ثالث يبي من يربيه.. جميلة صمتت.. غريب فعلا هذا الرجل..!! بقدر مابدت لها إجابته قاسية.. بقدر مابدت حنونة وبطريقة موجعة.. في كلا الحالتين!!!! ********************************* هذه الليلة كان دورها لتسهر فوق رأسه وهي تنظر له وتسكب دموعا صامتة عاجزة عن إيقافها.. " الحمل ذا خربني مرة وحدة.. صايرة حنفية دموع!!" كالعادة مشاعرها تدور حوله وحدة في إعصار من مشاعر متضادة.. غاضبة منه.. وستموت حزنا من أجله!! مطلقا ليست معترضة على ما كتبه الله.. فالملايين من البشر يعيشون بكلية واحدة حياة طبيعية... ولكن ما يحز في روحها في الصميم أنه لم يخبرها.. كان يعاني وحده..!! وهي مطلقا لا تخفف عنه بحدتها الحاضرة التي هو من يستفزها لتحضر!! مدت يدها برفق عفوي لتلمس خاصرته.. كانت بالكاد لمسته لتتفاجأ به يقفز واقفا في حركة دفاعية متحفزة.. كاسرة تراجعت بحرج: آسفة ماقصدت.. كساب تنهد وهو يهتف بنبرة حادة أقرب للغضب: كاسرة لو سمحتي.. لو فكرتي تلمسيني مرة ثانية وأنا نايم.. كلميني قبلها.. حينها تحفزت كاسرة بدورها وهي تهتف بغضب : وش تلمسيني ذي؟؟ وش شايفني؟؟ كساب بذات النبرة الحادة: أنتي ما تفهمين يا بنت الناس.. أنتي عارفة إني كان ممكن أكسر يدش اللي مدتيها لولا ستر ربي إنه خلا يدي أنا في الجبس.. كاسرة تنهدت بغيظ وهي تعود للتمدد وتوليه ظهرها.. وهو تنهد بوجع عميق وهو يعود للسرير ويتمدد وهو ينظر لظهرها.. يبدو أنه سيبقى عاجزا دائما عن تجاوز الفترة المقيتة التي قضاها في السجن والتي تعلم فيها أن ينام متحفزا خوفا من هجوم مباغت لأسباب متعددة !!!! مد يده بخفة ليتحسس فقرات ظهرها.. ارتعشت بعنف وهي تهمس بذات غيظها: كساب لو سمحت لا تلمسني.. وإلا تدري.. كلمني أول قبل ماتفكر تلمسني!! ابتسم كساب (والله إنش ظريفة!!) ولكنه همس بحزم: زين التفتي صوبي.. عيب تكلميني وأنتي معطيتني ظهرش!! كاسرة لم ترد عليه.. حينها همس بخبث طريف: يعني خلاص ماتسمعين كلامي.. عشاني واحد مسكين ماعندي إلا يد وحدة.. وكلية وحدة!! كاسرة حينها استدارت نحوه بعنف لتضع كفها على فمه وهي تهتف بغضب مجروح: أص...ما أبي أسمع ولا كلمة.. كساب قبّل أناملها الساكنة على شفتيه ثم تناولها برفق ليحتضنها في كفه وهو يهمس بإبتسامة: مافيه شيء يستاهل تحرقين أعصابش عشانه.. ولا حتى أنا!! ثم أردف بجدية: ولا تعيدينها كلمة (أص) ذي.. أعصب أنا عليش!! كاسرة حينها اقتربت لتدفن وجهها بين عنقه وكتفه وهي تهمس بغيظ مغلف بألم شفاف: تدري إني عمري ماشفت حد دمه ثقيل وطينته أثقل كثرك!! ************************************* " زايد الله يهداك.. تعاقبني أنت؟؟" زايد التفت نحوها بسكون وهو يفتح أزرار ثوبه.. وهتف بذات السكون: ليه تقولين كذا؟؟ مزنة برقة حازمة: اليوم كله ماترد على تلفوناتي.. وعقبه تأخرت من غير ما تعطيني خبر.. عمرك ماسويتها إلا مرة وحدة.. يوم زعلتنا الأخيرة مع بعض.. عشان كذا أسألك تبي تعاقبني على شيء معين؟!! زايد تنهد بعمق: السموحة.. بس اليوم كنت مشغول بزيادة!! مزنة شدت نفسا عميقا: زين تعشيت؟؟ زايد أجابها بذات السكون الغريب: الحمدلله.. مع أنه اليوم بالكاد تناول شيئا.. وشهيته للأكل منعدمة.. قد يبدو الأمر غريبا.. لماذا يعاني هكذا؟؟ أ لأنه قد أذنب دون قصد رغم أن مامضى قد مضى.. مع أن أم أولاده ارتحلت إلى حياة خالية من الأحزان والألم!! ولكن ألم يكن هو في حياتها سببا لأحزانها وألمها وهي من حرصت طوال السنوات اللي عاشتها معه أن تكون مصدرا للأمل والسعادة والبهجة!! كلما تذكر ذلك وجد ألما يتسع في ضميره الحي بلا هوادة.. ينتشر كانتشار النار في الهشيم!! وما يزيده ألما هو تعاظم شعوره عن عجزه عن الاستغناء عن هذه التي يراها الآن تناولت مصحفها وهي تنشر السكينة حولها!! وفي ذات الوقت يشعر بضرورة إيقاف حد لمشاعره التي بدأت تتدفق نحوها بغرابة.. بعد أن كان طوال الفترة الماضية غارق في مقارنات سخيفة بين مزنة القديمة والجديدة ومشاعره تنحاز للقديمة على حساب الجديدة.. هاهو الآن.. يشعر بفيض مشاعر غريب يحط على جنبات شواطئها.. وهو يشعر بثقل مضني في روحه وهو يتخيل حياته تعود باردة جليدية بعيدا عن دفء أحضانها وأنفاسها!! *************************************** كانت غارقة في النوم.. حين بدأت تشعر بحركة غريبة على شعرها.. ثم إحساس كأحساس الحلم بين النوم واليقظة.. وهي تشعر بحركات أنامل بين خصلات شعرها.. ثم تزيح شعرها خلف أذنها.. انتفضت بجزع وهي تشعر بحركة أغرب على أذنها وصدغها.. حركة رقيقة شفافة جعلتها تقفز من نومها برعب.. أ هذه قبلات ؟؟ انكمشت وهي تجلس وتشد نفسها مبتعدة عن المتمدد جوارها نصف تمدد وتهمس بجزع حقيقي: فهد ش تسوي؟؟ لم يرد عليها.. ولم يستطع أن يرد.. وهو عاجز عن التنفس وينظر لها كالمبهور.. لم يتخيل أن ملامسة شفتيه الأولى لها سيكون لها هذا التأثير القاتل الشفاف الموجع.. حتى فعلها!! كان ينظر لها كما لو كانت حلما وهو يراها تشد نفسها بحرج هاربة للحمام.. ودون أن ينطق بكلمة.. كما لو كانت الكلمات ستفسد الغيبوبة اللذيذة التي يغرق فيها الآن.. شد نفسه بثقل ليسند ظهره للخلف وأنفاسه تتثاقل وهو يشعر بما يشبه الدوار.. هذا الصباح لم يكن لديه تدريبا. فتدريبه العصر.. عدا أنه لم ينم جيدا البارحة لكثرة هواجسه.. لذا صحا متأخرا.. وكان أول مافعله أنه أخذ هاتفه ليرى الساعة.. حينها شعر برعبه يتفجر وهو يرى أن صالحا اتصل به عدة مرات.. وكان سيتصل به فورا لولا أنه وجد رسالة منها: " أبشرك أم خالد طلعت من العناية!! وصحتها أحسن بواجد!!" حينها تنهد بارتياح وهو يشعر بخدر ناتج عن سعادته بعد شد الإعصاب المرعب الذي عاناه قبل ثوان... التفت للمجاورة له حتى يبشرها.. فهو رأى البارحة كم كانت قلقة وهي تتصل بسميرة وهاتفها مغلق!! كانت غارقة في النوم.. أشبه ما تكون بقطعة حلوى في غلاف فضي.. هكذا كان إحساسه.. مع إنها لبست بيجامة فضية لأنها شعرت أنها تحمل من روح الحياد الكثير.. لم تعلم أن هذا الرجل قرر مغادرة المنطقة المحايدة لمنطقة أكثر خطرا.. لم يستطع أن يقاوم مطلقا رغبته في تحسس شعرها!! " بس بألمس شعرها.. شعرها بس!!" في البداية كان مترددا وهو يلمس شعرها بحذر.. لكنه شعر بحذره يتهاوى ويتهاوى.. وأنامله تغوص أكثر بين طيات حرير شعرها.. وهو يزيحه أكثر ليضعه خلف أذنها.. حينها لم يقاوم أن يقترب أكثر ليتنفس عطر شعرها من قرب.. وعبقها الشفاف يصيبه بدوار فعلي.. وهو يقترب بألم غير مفهوم من بشرتها.. يقسم حينها أنه شعر بلسعة كهرباء فعلية ما أن لامست شفتيه أذنها.. كهرباء ضربت جسده بعنف جعلته يرتعش كمحموم وهو يتجاوز أذنها لصدغها.. لا يعلم إلى أين كان سيصل.. لو أن انتفاضتها بجزع لم تقاطعه.. وتبتر ارتعاشته لإحساس خدر بهي وهو يراقبها.. دقائق مرت.. قبل أن يستعيد صفاء ذهنه.. ليتنفض بجزع أكبر.. " انا وش هببت؟؟ أنا أشلون رديت نفسي لها؟؟ وش تقول علي الحين؟؟ ماني بعند كلمتي صدق!!" جميلة قضت وقتا طويلا قبل أن تخرج من الحمام عاجزة عن السيطرة على نفسها وارتعاشها.. وحرجها.. خائفة منه.. وعاجزة عن النظر إلى عينيه!! لتحمد الله حين خرجت أن الغرفة كانت خالية من وجوده!! ********************************* " سميرة... صالح وين راح؟؟ " سميرة تبتسم : ما ادري وين راح.. من يوم راح لبنته ما رجع.. نجلاء بصوت باهت مبحوح: صار له 3 ساعات من يوم راح.. ما أعتقد إنه عندها.. تكفين سميرة.. كلميه خليه يجيب عزوز وخويلد.. باموت أبي أشوفهم!! سميرة انحنت لتمسح على شعرها بحنان: عيالش أمي بتجيبهم معها الحين!! خلي أبو خالد يمكن إنه راح ينام.. صار له يومين مارقد كلش!! لم يتخيلا كلاهما أنه فعلا كان عند بنته طوال ذلك الوقت.. بعد أن استخرج تصريحا خاصا لزيارتها.. وتعهد أن يعقم نفسه جيدا قبل الدخول لها.. والممرضات يحاولن فيه منذ وقت طويل أن يخرج وهو رافض بتصميم.. شيء كالسحر يحدث.. رابط متين ربطه بالقطعة الزهرية الصغيرة ما أن وقعت عيناه عليها.. حين دخل إلى غرفة المواليد.. كان يشعر بتوتر ما.. وهو يريد أن يطمئن على صغيرته ويغادر فورا.. لأنه يعلم أن الأمهات يحضرن وأنهن سينحرجن من وجوده!! كانت الممرضة تريد أن تقوده لها من بين عدد من المواليد.. ولكنه لم يحتج أن تخبره.. فقد عرفها بنفسه.. عرفها بنفسه!! قلبه قاده إليها دون خطأ.. لدرجة أن الممرضة تعجبت!! بالكاد ملامحها واضحة لشدة صغرها.. ومع ذلك يكاد يقسم أنه لم يرى مخلوقا أجمل!! شعر أن قلبه سينفجر لشدة تدافع الدم إلى خلايا قلبه التي تهاوت عروقها انفعالا!! شعر أنه سيموت ليشبع هذه الصغيرة بقبلات لا حصر لها.. كان سيراها ويذهب فورا.. فإذا به يجذب مقعدا ويجلس وعيناه معلقتان بها فقط كما لو كانت بؤرة الضوء الوحيدة في العالم!! عيناه تمسحان جسدها الصغير.. بقعة بقعة.. وألم جارح يتعمق في روحه.. وهو يرى الازرقاق الناتج عن الإبر التي مزقت جسدا كان يجب أن يكون في حضنه الآن!! يتمنى لو استطاع تحطيم هذا الزجاج ليأخذها في حضنه فعلا.. همس للمرضة باختناق حقيقي: أقدر ألمسها. ردت عليه الممرضة بمهنية: تستطيع لمسها عن طريق القفاز داخل جهازها.. حينها رفض أن يدخل يده في القفاز.. فهو يريد أن تكون أول مرة يلمسها.. يلمسها بدون أي حاجز.. يريد أن تشعر أنامله بملمسها وليس ملمس مطاط بارد..!! الممرضة عادت له وهي تهمس بحرج: أرجوك سيدي أن تخرج.. الأمهات يشتكين من وجودك.. وأرجوك ألا تتكرر هذه الزيارة الطويلة.. لك عشر دقائق فقط المرة القادمة!! " ماذا تقول هذه المجنونة؟؟ أي عشر دقائق!! كل سنوات عمري لا تكفي للبقاء جوارها!! لا تكفي" صالح شد نفسه رغما عنه خارجا.. وهو يشعر كما لو كان ترك قلبه خلفه.. تركه بالمعنى الفعلي لا المجازي!! **************************************** " يمه وش رأيش في اسم المها ؟؟" أم صالح التفتت لصالح باستغراب: أي المها؟؟ بينما نجلاء شعرت بالتوتر المخلوط بغصة حزن وهي تضم صغيرها غانم وتحاول ألا تلمس مكان الخياطة!! فهي علمت أي " المها " يقصد.. تشعر بألم عميق وبإحساس ذنب أنها من قصرت في إجراء الفحوص وإلا كانت علمت بوجود هذه الصغيرة المختبئة.. وبكت مطولا حين أخبرتها الطبيبة أن تتهيأ لأي خبر سيء يخص صغيرتها.. حين طلبت مقابلة الطبيبة لتسأل عن حالتها!! وهاهي تشعر أن الذنب ذنبها أنها لم تستطع تغذيتها كما يجب!! وكادت الطبيبة تجن وهي تحاول تهدئتها لأن البكاء والانفعال خطر على الخياطة في بطنها.. صالح أجب أمه بعفوية باسمة: المها بنتي يمه.. من زمان مشتهي ذا الاسم!! أجابت أمه بعفوية بها رائحة الحزن: يأمك هو قد به مودمي عشان تسميه.. (مودمي= إنسان).. صالح بنبرة غضب: ليه يمه.. وبنتي وش هي؟؟ أم صالح بنبرة حنونة: ذي يأمك فَرط واحتسبها عند رب العالمين..(فرط= طفل ناقص ميت أو سيموت) أنت ومرتك عادكم صغار.. ويتجيبون كثر ما تبون عيال وبنات إن شاء الله.. صالح انفجر بغضب فعلي: أنتو ليه كلكم تكلمون عن بنتي كنها ميتة.. حتى إبي يوم كلمته استاذنه في الاسم.. قال لي نفس الكلام!! أنتو ماعندكم إيمان برب العالمين ورحمته!! أم صالح بحزن: يأمك وش فيك شبيت.. أنت بروحك شفتها شوف العين.. يأمك مثل ذي أشلون تعيش.. حن يا الله سكتنا نجلاء.. تجي ذا الحين تشفقها في البنية.. نجلا كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر في البكاء فعلا.. أم صالح قفزت بضعف لتتناول الصغير من يد نجلاء.. بينما نجلاء بدأت تضغط بطنها بألم.. والألم يتفجر في زوايا الخياطة.. صالح قفز جوارها وهو يحتضن رأسها بشكل جانبي.. ويشد على كتفيها ويهمس في أذنها بحنان: هدي حبيبتي هدي ياقلبي.. هدي تكفين.. البكاء مهوب زين لش.. ماعليش من كلامهم.. ربي أرحم من عبيده.. وبنتنا بتعيش إن شاء الله.. ****************************** حين خرج من التدريب.. وجد الكثير من الاتصالات منها.. تنهد بيأس.. فهو فعلا أطال في تركها اليوم!! فمنذ خرج اليوم قبل الظهر بقليل.. لم يعد ولم يتصل.. انضم لرفاقه في شقتهم.. أراد بالفعل أن ينسى ماحدث اليوم.. فهو رأى الامر جارحا له ولها على السواء.. والغريب أنه منذ خروجه من عندها وهو يحاول إقناع نفسه إن ماحدث سبب له الضيق والقرف لأن شفتيه عبرتا مكانا.. عبرته شفتا رجل قبله.. ولكن الشعور المدمر الذي يشعر به فعلا .. أنه لو تكرر الأمر سيفعله وسيفعل أكثر منه بكثير لو استطاع!! التضادات تقتله!! تقتله حقا!! **************************** " مساء الورد يام غنومي.. يعني أنتو تسكتوني عشان ولدتي قبل عرسي وتسمون الولد علي!!" نجلا تمد يمدها لتمسح خده حينما مال عليها لتقبل خده.. وهي تهمس بصوت مرهق مبحوح تماما من أثر انفعالها قبل قليل: ماشاء الله دعوتك ماتنزل الأرض.. دعيت علي الصبح جاني الطلق المغرب وأنا في السوق!! صالح يبتسم بمرح: أنا عني بصراحة كنت أبي أسمي على عمي راشد.. هو اللي سمى علي!! بس نجلا قالت تبغي غانم.. عشان ولدنا جا في موعد تاريخي.. ينقال له موعد عرسك.. عشان نخلد الموعد صدق.. وأنا واحد عظامي ما تشلني على أم خالد.. لو تقول لي أنام واقف نمت!! بس شوف ترا بنتك لغنوم ولدي وببلاش بعد.. هذي سماوتنا.. غانم يضحك وهو يميل على على سرير غانم الصغير ويضع فيه ظرفا كان مخبأ في جيبه: سماوتكم وصلتكم.. وبنتي مالكم شغل فيها.. صالح حينها هتف بغضب وهو يقفز ليتناول الظرف من سرير الصغير: والله ماتعطيه شيء.. اسمك بروحه بسماوة!! غانم بحزم شديد: صالح استغفر.. والله ماترجع.. ماتبيها أنت وولدك.. خلاص لأختي والله ماتقول شيء.. صالح بذات الغضب: أنت خبل.. أنت رجال وراك عرس ومصاريف.. وأنا حلفت.. الاثنان بدأ بالتناقر فوق سرير الصغير كالديكة.. ولم يقاطعهما إلا صوت نجلا المرهق: تكفون بس.. روعتوا ولدي خلاص!! ************************************** جميلة قفزت حين سمعت صوت باب الغرفة يُفتح.. فهد دخل بخطوات أقرب للغضب.. بينما جميلة كانت تنظر له بعتب ووجهها محمر تماما: كان قعدت بعد شوي.. حتى تلفون مادقيت وانت طالع من صبح.. وأنا أفكاري تودي وتجيب.. لذا تفاجأت من رد فهد غير المتوقع وهو يهتف بغضب: ممكن أعرف ليش ماكلتي شيء اليوم؟؟ جميلة تراجعت بحرج: وأنت وش دراك أني ماكلت شيء؟؟ فهد بذات الغضب: لأني مريت اليوم وأنا طالع الريسبشن وقلت لهم.. إذا طلبتي الروم السيرفس مايطلعون لش إلا بنت.. وأنا داخل قال لي الموظف إنش أساسا ماطلبتي شيء!! جميلة هزت كتفيها بيأس: ومن اللي له نفس يأكل.. وأنا قاعدة بروحي وأهوجس!! وأنت ماحتى تكرمت علي بتلفون!! فهد بذات الغضب: يعني تبين تقنعيني إنش تحاتيني.. عني طلعت وداستني سيارة.. وش يهمش أنتي؟؟ جميلة نظرت له بعمق: يهمني إني اسمي إنسان.. والإنسان لازم يهتم باللي حواليه.. وخصوصا لو ماكان عنده غيرهم.. ثم أردفت بنبرة سخرية مريرة: ولو داستك سيارة على قولتك.. من اللي بيرجعني الدوحة؟؟ فهد زفر بغيظ وهو يجلس ليخلع حذائه: لا تحاتين.. دقي على أبو زايد.. ساعتين وتلاقينه عندش!! هاهو يجد له موضوعا يحتد به وعليه حتى لا يفكر فيما يشغل تفكيره فعلا.. يريد أن يبعدها عن تفكيره قدر مايستطيع.. قدر مايستطيع!! #أنفاس_قطر# ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والتسعون " الحين أنتي وإياها مصبحيني من صبح عشان تغثوني.. قوموا فارقوا كل وحدة لبيتها .. خلو أمي وأمي صافية هم اللي يجوني أبرك من مقابل وجيهكم.. الحين مسوين فيها قاعدين عندي.. وهل واجب.. قوموا فارقوا.. جعل عبدالرحمن وتميم يمسونكم الليلة بكفوف لين تقولون بس!!" سميرة تهتف بمرح: علوي ظنش عيال أخيش ذولا فيه قرابة بينهم وبين الفيران..؟؟ عالية بمرح مشابه: لا لا حدش.. مهوب عيال أخي.. عيال أختش.. هذي جينات الفيران من عندكم!! أخواني كلهم طوال.. سميرة وضعت كفها على خاصرتها بطريقة تمثيلية وباللهجة المصرية التي تعلكها بطريقة كوميدية: نعم يا أختشي .. نعم..!! ما يحكمشي وإن حكم ما يأمرشي.. ئال فيران ئال!! ثم أردفت بإبتسامة أوسع: ياحبيبة قلبي أمي جايبتنا كلنا حدود الاربعة كيلو.. ومهاوي وصلوح جابتهم 4 ونص.. شوفي الانتاج المتغذي ولا فراخ الجمعية!! مهوب ذا الكيلو الطالع والنازل اللي عيال أخيش متمسكين فيه!! وبعدين أنتو اللي تلزقون فينا.. الولد سميتوه على أخي.. والبنت سميتوها على أختي.. أصلا باقي اسم سميرة.. وتصير عايلتنا بالكامل عندكم!! عالية بتأفف: وعيييييييه.. وش سميرة ذي؟؟ وش ذا الاسم السوفاج؟؟ أما عاد مهاوي لا تنسين إن صالح هو اللي طلب اسمها من عمي راشد.. من زمان خاطره في الاسم!! سميرة بذات المرح: زين صارت حلاوة.. بيسمي العايلة كلها مها... وإلا عشان أختي مهاوي شقراء وتختوخة وتجنن تحسبون بنتكم الفارة السوداء بتصير مثلها.. بعيد عن شواربكم يا آل خالد الجياكر.. كان الحوار المرح مستمر بين الاثنتين منذ حضورهما معا.. لتغادر أم صالح التي كانت أصرت أنها من ستبات عند نجلاء.. كانتا تحاولان رسم الابتسامة على وجه نجلا التي كانت تعاني بالفعل من كآبة حادة.. وهما تعلقان على المولودين معا بذات الدرجة.. لكي توحيا لنجلا ان كلاهما سيعيش لها.. كلاهما لا يغادرها مرحها الفطري رغم أن حياة أي منهما لا تخلو من المشاكل.. فعالية بين ضغط عملها.. ووحمها .. وعدم تحسن حالة عبدالرحمن التي هي المؤثر الأكبر على نفسيتها المرهقة.. سميرة أيضا هي حالة خاصة.. زوجها ذكي.. لكنها أيضا ذكية!! تميم قبلا كان يغار عليها الغيرة المعتادة التي ترضي غرور أي امرأة!! لكنها ما أن بدأت تشتكي من عمله.. حتى بدأ هو يزيد من عيار الغيرة لدرجة بدأت تضايقها... وكأنه -بطريقة قد تكون فعلا غير مقصودة- يعطيها مثالا أن هذا ماسيحدث كلما بقي معها وقتا أطول.. لأنه سيزيد من تركيزه عليها.. وكأنه يقول (ارتاحي مني يا بنت الحلال أحسن!!) بينما سميرة ابتسامتها دائما حاضرة ( خبيث ياتيمو.. بس تراني لو بغيت أصير أخبث!! وعلى قولت خالي هريدي الفصيح : إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا ) ***************************************** صحا من نومه.. وهو يشعر بشعور أشبه بالصداع.. فهو لم يستطع أن ينام جيدا.. وهي السبب.. دائما هي السبب!! البارحة أصر أن يأخذها خارجا ليتعشيا لأنها لم تتناول أي شيء طوال اليوم.. شهيتها كانت شبه مسدودة فعلا.. وهو عاني بطريقته العصبية في إقناعها أن تأكل.. فهو يعلم أنها عانت من مرض انسداد الشهية ويخشى أن يعود لها بسببه.. ومنذ عادا لغرفتهما.. وهو عاجز عن رفع عينيه عنها بطريقة مؤذية لمشاعره.. وجارحة لرجولته!! وهو يحاول أن يكتم رغباته وينحيها في نقطة عميقة في داخله!! ولكن هذه الرغبات بدأت تتسع في داخله إلى حد العجز عن كتمانها.. وهي تكاد تفيض من جوانحه بقسوة.... أجبر نفسه إجبارا قهريا على التمدد قبلها.. وإغلاق عينيه حتى يتوقف عن مراقبتها.. وهاهو يصحو الآن بعد نومته غير المريحة.. ليتفاجأ بوجود مخددة ممدة بينها وبينه!!! " نعنبو ذي صاحية وإلا خبلة ؟؟ يعني المخدة بتحميها مني!!" ألقى المخدة خلفه بعصبية.. ثم نقر كتفها بخفة.. جلست بجزع وهي تتلفت حولها.. هتف بعصبية: سور الصين العظيم اللي حطوه عشان يحمي الصين.. يسلم عليش!! جميلة تلفتت بحرج للمخدة الساقطة خلفه.. وتهمس بذات الحرج : ماقصدت شيء!! فهد بغضب يتزايد بغير منطقية ولا سبب: إلا قصدتي ونص.. قصدتي تجرحيني.. وتحرجيني.. وش تقصدين؟؟تبين تبينين إنش خايفة مني أو عايفتني..؟؟ ليش يعني ؟؟.. حلال عليه وحرام عليّ.. ليش يعني هو حق له يقرب.. وأنا تبين تبعديني بأي طريقة.. جميلة بصدمة: فهد أنا الحين اللي أبي أبعدك.. والكلام اللي قلته لي من ثاني يوم عرسنا.. نسيته؟؟ فهد بقسوة: لا تفتحين دفاتر ما أبي أفتحها.. أنا مانسيت.. بس أنتي نسيتي وأنتي تسوين حركات البزارين ذي.. أنتي منتي بمحتاجة شيء يحميش مني.. قلت لش إني أنا نفسي تردني... وخلصنا جميلة.. ما أبي أقول شيء يضايقش.. لأنه يدي ما تمر على مكان مرت عليه يد غيري.. آلمها حتى عمق العمق.. ألا لأنه بدأ يضعف نحوها يجد ذلك مبررا لطعنها الطعنة تلو الطعنة!! هذا وهو لا يريد أن يضايقها.. فما معنى المضايقة عنده هذا المخلوق المعدوم الإحساس..؟؟ وهو بالفعل وحقيقة كان يظن أن كلمته غير جارحة...!! همست حينها جميلة بحزن شفاف: ماتبي تقول شيء يضايقني؟؟ أنت أساسا من يوم تزوجتني ماتعرف إلا الكلام اللي يذبح.. هذي المضايقة مرتبة أنت تعديتها من زمان!! أنا أبي أعرف وش الدين اللي تعرفه أنت؟؟.. الدين عندك صلاتك ووردك بس.. اللي أعرفه إن الدين المعاملة.. واللي أنا أعرفه إنه زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم مطلقات وأرامل إلا السيدة عائشة.. مرت قبل يده الشريفة أيادي وأيادي.. ولا عمره جرح وحدة منهم بكلمة.. إلا إذا أنت شايف نفسك أحسن من الرسول عليه الصلاة والسلام؟؟ فهد انتفض بجزع وهو يقفز ويستغفر: أعوذ بالله من غضب الله.. فيه حد يتطاول على الرسول كذا.. أنتي صاحية!! جميلة ماعادت قادرة على الصمت.. مثقلة بالوجيعة حد التخمة.. أ يوقظها من نومها ليتمتع بتجريحها؟!! أي مخلوق وحشي وهذا؟!! انهمرت بيأس: الحين أنا اللي تطاولت على الرسول وإلا اللي شايفني زبالة عشاني كنت لرجال قبلك.. ؟؟ الله عز وجل يقول : (عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكارا).. وقدم الثيب على البكر.. لكن أنت لا هامك كلام رب العالمين.. ولا رسوله... أنت واحد معدوم إحساس.. ولا فيك ذرة إنسانية.. وأنا تعبت منك والحياة خلاص مستحيلة بيننا.. وأنا ترا بطبعي ماني بصبورة.. بس صبرت عليك واجد عشان ما اصير مطلقة مرة ثانية.. لكن أكرم لي أصير مطلقة عشرين مرة.. ولا القعدة مع واحد مثلك ذالني على شيء مالي ذنب فيه.. فهد تراجع بصدمة كاسحة.. فهو لم يقل لها ما يستحق أن تقول له من اجله كل هذا؟؟ لم يتخيل أنها قد تصف كل هذا الحديث لتصل في النهاية إلى هذا الطلب الموجع كنتيجة منطقية لكل ما يحدث بينهم!! رصفت الحديث رصفا.. وهي كل حجر تضيفه تضعه فوق صدره حتى أصبح عاجزا عن التنفس وهي تقيم البناء كاملا على جسده.. أ لم يعلم أن المعول الذي كسرت به الحجارة لتقيم بنائها.. كان هو من غرزه في صدرها..؟؟ قسوته جعلتها تنتزع المعول من صدرها ومكانه ينزف طوفانا من وجع ودم.. لتستخدم ذات المعول لتبتعد عنه!! *********************************** بعد أربعة أيام . . " صالح الله يهداك ماعاد شفناك.. تقعد في المستشفى أكثر من البيت!!" صالح يميل ليقبل رأسها ثم يجلس جوارها على السرير ويهمس بحنان: أنا بعد حبيبتي قلت لش .. خلش عند أمي وإلا أمش أنتي لزمتي ما تنفسين إلا في بيتش!! عشان كذا صرتي تضيقين من القعدة.. نجلا تزفر: أصلا أنا من البداية قلت لك إني باتنفس في بيتي.. لا هو أول ولا ثاني.. وأمي وأمكم يا الله كل وحدة تقوم بروحها.. وأنا هنا خداماتي عندي.. ومدارس عيالي قربت.. وهذا أساسا مهوب موضوعنا.. يعني أنا هنا من قبل أمس.. كل ماكلمتك لقيت جوالك مسكر دريت إنك عند البنت.. صالح بتأفف حنون: شأسوي ما يخلوني اشوفها إلا شوي.. فاضطر اروح وارجع واروح وارجع.. نجلا تتنهد: زين صالح خلك منطقي.. قعدتك عندها كل ذا وش بتفيدها؟؟ أنا وعيالك اللي محتاجينك أكثر الحين.. صالح زفر بغضب: لا هي محتاجتني أكثر.. أنتو في بيتكم ولا عليكم قاصر.. بس هي محتاجة تحس إنه فيه حد جنبها ويبغيها.. نجلا زفرت بيأس: أشلون بتحس.. من ورا القزاز..؟؟ وعلى العموم دامنا جبنا طاري البنت.. أبي أقول لك.. قبل ما تخلص أوراقها إني ما أبي اسم المها.. صالح بصدمة: ليش احنا كنا متفقين خلاص.. نجلا بضيق متأفف: مايصير صالح هي بعد مها.. كفاية أختي أنت سميتها وإبي طاعك من غلاك عنده.. وعشانه عارف إنك مشتهي بنية.. بس خلاص هي كفاية.. أبي أدور لبنتي اسم ثاني!! صالح وقف وهو يهتف بحزم: انتي سميتي غانم وما اعترضت.. والحين اسم البنت لي أنا.. نجلا اعتدلت جالسة وهي تنفث غضبها: والله المعروف إن البنت اسمها عند امها.. وبعدين تعال وش معنى ذا الاصرار على اسم مها.. ليش مها بالذات؟؟ صالح لم يرد عليها وهو يشد أنفاسه ويخرج!! ****************************************** " حبيبي.. وش فيك تاخرت الليلة؟؟ مهوب عوايدك؟؟" علي يناولها غترته ويبتسم : إيه متعودة أوقع حضور من بدري.. كنت عند مزون.. سهرت شوي عندها أنا وكساب.. ولولا إنه كنا نبيها تنام وإلا كان قعدنا للفجر!! ابتسمت شعاع برقة وهي تطوي غترته لتضعها في سلة الغسيل: الله لا يحرمها منكم.. ولا يحرمكم منها.. مابعد شفت أخوان يحبون أختهم مثلكم.. كانت شعاع متجهة لغرفة الملابس وهي ترى عليا متجه للميزان.. ابتسمت وهي ترفع صوتها: لا تحاتي.. نفس وزنك البارحة!! ضحك حين رآها تخرج عائدة له: كله منش.. طول اليوم تزغطيني أكل.. كساب ومزون استلموني تعليقات.. يقولون ضعيف وطلع لك كرش!! وكساب لقاها فرصة يبي يسحبني معه للنادي!! شعاع باستنكار: وين الكرش حسبي الله على أبليسهم..؟؟ ماعليك منهم.. أنت عاجبني على كل حال!! ********************************** " ها ياعروس كيف استعدادش لبكرة؟؟ " مزون التفتت لوالدها بخجل لا يخلو من ثقة: عادي.. فديتك!! مار على رأسي اللي أعسر من سالفة العرس بواجد.. وأنت أدرى!! زايد يشدها ليحتضنها .. ويطيل في احتضانه لها وهي تستكين بين ذراعيه وعبرة تلقائية تقفز إلى حنجرتها.. لا يتخيل البيت غدا يخلو من وجودها وخطواتها .. يشعر منذ الآن بخواء هائل يخترم روحه إلى أقصاها.. همس في أذنها بحنان: أخوانش جاووش.. أشوفهم الليلة كل واحد منهم يتسحب ورا الثاني.. وكني داري وينهم رايحين.. قلت خلني أنا عقبهم.. مزون باختناق: جاوني فديتهم.. وقعدوا عندي أكثر من ساعتين!! حتى البنات كانوا يبون يجوني.. تعذرت منهم.. قلت الليلة لاخواني.. قالوا أول مرة نشوف وحدة تسهر الليلة اللي قبل عرسها مع أخوانها.. الله لا يحرمني منكم جميع.. ويديمكم فوق رأسي جميع.. زايد أفلتها ليشدها ويجلسها ويجلس جوارها وهو يهتف بحنان خالص: مايحتاج أوصيش في رجالش.. وأبيش تبيضين وجهي عند جماعتش.. مزون همست بتأثر: لا تحاتيني يبه فديتك.. بيقولون زايد ربى.. مسح على خدها بتأثر: كان ودي إن أمش تشوفش بكرة.. كانت دايم دعوتها لش من يوم جابتش.. جعلني أشوفش عروس.. الدعوة اللي ماعاد سمعتها منها آخر سنة عاشتها.. مزون عادت لترتمي في حضنه وهي تمنع نفسها من البكاء لأنها لأول مرة ترى والدها بهذا التأثر: أنت أمي وإبي.. ولا شفتني أنت بعينك كن العالم كلهم معي!! أبعدها قليلا ليقرص أنفها بمودة وهو يبتسم: حتى كساب يا النصابة؟ !! ضحكت مزون ضحكة مختنقة بالدموع: لا تمسك على الكلمة.. وخل كساب على صوب!! . . . هاهو يعود أخيرا إلى غرفته.. بعد أن قضى وقتا طويلا عند ابنته.. مطلقا لم تشعر بأي ضيق.. حين أطلت عليهما لأنها كانت تريد أن ترتب بعض الأغراض لمزون.. وعلمت حينها أنه هناك.. وعادت لجناحها دون أن تزعجهما... كل ماشعرت به هو تأثر شفاف.. بالغ الشفافية.. فهي أيضا كانت وحيدة والدها.. وتعرف كيف يكون ارتباط الوحيدة بوالدها .. وارتباطه بها !! ولكن مابات يضايقها هو زايد ذاته.. هل التغيرات التي تنتابه هي لتأثره من زواج مزون؟؟ وماعلاقة زواج مزون بتجاهله المهذب الرسمي لها نهارا... ثم ارتعاشه كالمحموم بين ذراعيها ليلا وهو يهذي باسمها بطريقة موجعة!! يثقلها ببروده نهارا.. ثم يشعل مشاعرها لهيبا في الليل.. والمؤلم لكبريائها أنها تتمنى من بين شفتيه كلمة واحدة كالتي أغرقها بها في الايام الاولى من زواجها.. ولكنه لم يخطئ ولو لم مرة واحدة في قولها.. ربما لو كان لم يقل لها شيئا إطلاقا.. لقالت هكذا طبعه ولا بأس.. فهناك رجال لا يحبذون قول كلمات الغرام.. ولكنه أغرقها بقاموس من كلمات الغرام لم يخطر يوما حتى على أبعد مخيلاتها.. ثم ...صمت.. صمت كما لو كان نضب.. بئر ونضبت!! والأعمق والأغرب.. أنها لا مانع لديها من إكمال حياتها كلها دون أن تسمع الكلمة التي تنتظرها.. فوجودها جواره يغنيها عن كل شيء.. ولكن ليتها تفهم فقط ما الذي يمر به الآن.. ليتها تفهم.. حتى ترتاح وتريحه!! ************************************* " آه..." بالكاد صدرت عنها هذه الآهة الخافتة ليقفز جالسا وهو يتحسسها بقلق: وش فيش؟؟ شيء يوجعش؟؟ جوزا تنقلب على جنبها ناحيته وهي تهمس بعفوية: لا حبيبي بس كنت أبي أنقلب على جنبي الثاني.. وتعرف مع الثقل القلبة هذي صعبة!! عبدالله يزفر وهو يعود للتمدد: روعتيني الله يهداش.. أنا من عقب اللي صار مع أم خالد.. وأنا صاير معي فوبيا خوف عليش.. جوزاء ابتسمت وهي تمسح على شعره: مافيني إلا الخير.. مسوية عشرين فحص.. هو بيبي واحد وسليم إن شاء الله ووزنه ممتاز... ابتسم عبدالله بخبث لطيف: وجنسه؟؟ ضحكت جوزا: اللي هو.. أنا وأنت عادي عندنا ولد وبنت.. مهوب مثل أخيك اللي استخف على بنته وقعد.. ثم أردفت بجدية: تصدق حبيبي بديت أحس إن نجلا متضايقة من تعلقه الغريب ببنته... عبدالله باستنكار: لا لا تقولين كذا.. بس تدرين مهما كان النفاس تتعب نفسيتها... وهي مسكينة والد بعملية وعيالها أوزانهم صغيرة.. وبنتها في الحضانة.. وصالح الله يهداه لازم يعطيها وجه شوي.. جوزا برجاء: زين قل له تكفى.. نجلا كاسرة خاطري.. تنهد عبدالله: أنا قلت له من نفسي.. وصدقيني عشانه موب عشانها هي بس.. البنت قلبها تعبان.. وصالح متعلق فيها بشكل غير طبيعي.. أبيه يفك منها شوي بس هو مايسمع ولا يطيع.. ثم أردف بابتسامة: الله يعين على ذا الأخوان.. واحد كل يوم ساحبني للمستشفى عشان أشوف بنته من ورا القزاز.. ويقول لي قصايد غزل في جمال بنته وهي حتى ملامحها مهيب باينة.. والثاني ساحبني من فجر للمطار.. ما أدري ليه ما يستلمون دلوعة أمي هزيع شوي.. جوزاء بتساؤل: إلا غريبة فهد طلب منك تجيه.. ما طلب من عمه يجيه عشان مرته تاخذ راحتها!! عبدالله هز كتفيه ببساطة: يمكن استحى يطلب من منصور يجيهم الفجر.. ************************************ يجلسان متجاورين في الطائرة.. وشتان بين مشاعر كل منهما.. كما كانا دائما !! هو يريد أن يقتنص منها نظرة.. وهي لا تريد أن تنظر نحوه حتى!! فبعد انفجارها فيه قبل عدة أيام.. سكتا كلاهما تماما.. انقطع الحوار تقريبا بينهما إلا في حدوده الدنيا الضرورية.. يذهب لتدريبه.. ثم يعود فورا لها.. يخرجان معا.. يتغديان.. يتعشيان.. كما لو كانا سائحين التقيا دون سابق معرفة.. لم يعودا للتناقش في أي شيء.. فالجرح بينهما بات أكبر من أي نقاش..!! طوال جولاتهما يمسك بكفها.. وهي لا تعترض على شيء.. فما الفارق الحاصل؟؟ ولكن ما أن يعودا لغرفتهما.. لا يقترب منها إطلاقا.. ولا بأي صورة.. حتى حينما تأخر في الحجز.. وزواج ابنة خالتها أصبح في الغد.. لم تسأله عن شيء.. لم تقل له حتى هل سنعود أو لأ؟؟ وحين فاجأها البارحة بخبر توجهما للمطار.. لم تعلق أيضا.. كانت تريد جمع ملابسها.. لكنه رفض.. طلب منها أن تاخذ أغراضها الثمينة فقط وتترك الملابس حتى يعودا.. لأنه لا وقت لديهما لحزم حقائبها.. مع أنه تقصد تماما أن يخبرها في ذلك الوقت.. حتى لا تجد الوقت لأخذ أغراضها.. وكأنه يخشى حين تأخذ كل شيء أن ترفض العودة معه..!! ثم طلب من عبدالله أن يستقبلها في المطار.. لم يطلب من منصور.. شعر بألم عميق أن يرى منصور وهي معه.. وكأنه يقول له: أنا لم أستطع المحافظة على أمانتك.. أو ربما كان أكثر ما يخشاه أن تصر على الذهاب مع منصور..أرادها أن تذهب معه إلى بيته أولا.. لتعلم أن هذا مكانها ولا مكان لها سواه.. وبالفعل هاهما الآن في سيارة عبدالله متجهان لبيته مع خيوط الشمس الأولى وهو يشعر بارتياح ما.. لذا كانت صدمته الكاسحة التي فجرت غضبا كتمه في روحه.. حين سمع الصوت الواثق الرقيق القادم من الخلف: أبو حسن لو سمحت... الظاهر فهد نسى يقول لك إني أبي بيت هلي أول.. لم يفت ذكاء عبدالله ذلك.. لذا هتف بحزم: أبشري.. أصلا فهد قال لي وحن داخل المطار.. جميلة شعرت بحرج كبير.. أن يكون فعلا فهد قد قال ذلك لأخيه بينما هي ظنت فيه ظن السوء.. واضطرت إلى إحراج نفسها أمامه.. ولكن مايهم أنها لن تعود معه..فهي لن تحتمله حتى لدقيقة واحدة!! الصمت حل في السيارة.. حتى الحوار بين الشقيقين توقف لأن عبدالله كان يعلم أن فهدا يشعر بغضب بدا واضحا في ارتعاش كفيه!! حين وصلوا إلى بيت منصور.. جميلة نزلت.. وفهد نزل لينزل حقيبتها.. وحملها للداخل.. ما أن فتحا باب الصالة.. حتى خلعت جميلة نقابها وشيلتها وألقتها على المقعد وتريد الركض للاعلى... ولكن فهد شدها وهو يثبت ظهرها لباب الصالة.. ويهتف بغضب متفجر كتمه بين ارتعاشات صوته: ممكن أعرف أشلون تسوين فيني كذا؟؟ أشلون تصغريني قدام أخي.. جميلة بصدمة: ليه أنت ماقلت له أصلا..؟؟ ثم بترت عبارتها وهي تهمس بمرح ميت: قلت لك إنك غشيم.. حتى تغطية أخيك عليك ماعرفت تستغلها..!!! أنا كنت حاسة بالذنب إنك فكرت فيني وأنا مافكرت فيك.. بس مشكور جزاك الله خير إنك علمتني.. أنا اساسا استغربت ذا اللطف اللي نزل عليك!! فهد بغضب حقيقي: وأنا ما أحتاج حد يغطي علي بالكذب.. أنا أساسا كنت بأجيبش هنا بنفسي.. بس كنت أبيش تسلمين علي هلي أول وعقبه اقعدي عند هلش كثر ماتبين.. جميلة تحاول تخليص كتفيها المثبتتين بدون فائدة وهي تهمس بغضب: أسلم على هلك لو كنت مقررة أكمل حياتي معك.. بس خلاص لين هنا وخلاص انتهينا.. وشو الله أحرج نفسي وأروح أسلم على هل اللي بيطلقني.. فهد تراجع بصدمة: أطلقش!! استخفيتي أنت.. جميلة تشعر بغضب متصاعد.. فهي باتت تكتم طويلا ثم تنفجر مرة واحدة: استخفيت لو بأكمل معك.. خلنا نتطلق من سكات وبدون فضايح.. قبل ما أقول لعمي منصور كل اللي سويته فيني.. وأظني علاقتك بمنصور أهم من علاقتك مني.. فما في داعي تخرب علاقتك فيه عشاني!! فهد عاود شدها من معصمها بقوة وعيناه محمرتان لشدة غضبه: صحيح منصور عزيز وغالي.. بس لا تهدديني فيه.. لأنه مستحيل أطلقش لو مهما صار.. ولا حتى عشان منصور نفسه.. أنا ما تزوجتش عشان أطلقش.. جميلة بغضب مشابه: لا.. تزوجتني عشان تحطني على كفوف الراحة اللي معيشني عليها من يوم تزوجنا.. فهد أفلت معصمها بحدة: الحين خلش عند هلش .. بس حطي في بالش إن طيارتنا بكرة.. جميلة بحزم: سافر بروحك... الله يحفظك.. فهد يفتح الباب وهو يلتفت نحوها ويهتف بحزم: يحفظني أنا وإياش وحن مسافرين سوا.. فهد فور أن ركب السيارة هتف بحزم دون أن ينظر لعبدالله: عبدالله رجاء لا تسألني عن شيء؟؟ عبدالله هتف ببساطة باسمة: لا راح أسأل عن شيء ولا كني عرفت شيء!! بأقول كلمة وحدة.. عشان ما أغص فيها يأخيك.. بنية في عمر مرتك إذا أنت يالدبش العود ماقدرت تفر مخها في يومين... فهذا من خبالتك!! ********************************* " كاسرة.. وين بتروحين بدون ما تقولين لي؟؟" كاسرة التفتت لكساب الذي اعتدل جالسا من نومه وتختلط بوجهه علامات النوم والغضب.. همست بهدوء: خاطري مرة أسوي شيء وأنت نايم ولا تصحا.. رايحة الدوام طال عمرك!! كساب باستغراب غاضب: دوام يوم عرس أختي.. ماقدرتي تأخذين إجازة اليوم يعني؟؟ كاسرة بذات الهدوء: عندي اجتماع مهم.. بأخلصه وأرجع بدري.. الساعة 10 أنا هنا إن شاء الله.. كساب بذات النبرة المحملة برائحة الغضب: حتى أنا كان عندي اجتماعات مهمة.. فيه اختراع اسمه إلغاء الاجتماع أو الاعتذار عنه... كاسرة تنهدت: حاولت وما قدرت... فما فيه داعي تسويها سالفة كساب... كلها ساعتين وراجعة.. كساب ينفض فراشه ويقف وهو يهتف بذات النبرة الحادة: الحين أنا اللي سويتها سالفة وإلا أنتي ؟!! اتصلي الحين واعتذري!! كاسرة بحزم: ما أقدر.. قلت لك ما أقدر.. والموضوع مايستاهل الشد اللي أنت مسويه.. أنت بس تموت لو ماعصبت على كل شيء!! كساب تنهد وهو يشد نفسه متجها للحمام.. فهو اليوم متوتر فعلا لزواج مزون وإحساسه بإبتعادها عنهم... وهذه المخلوقة الكاسرة ستبقى عاجزة عن فهمه!! كان يحتاجها لجواره بشكل عميق غير مفهوم.. لم يكن يريد معاناة كل هذا التوتر وحده..!! ولكن هاهي تفضل عملها عليه..!! فماذا يستطيع أن يقول أكثر !! ************************************ " حرام عليش جميلة.. فجعتيني هذي مهيب مفاجأة.. تهزين كتفي وأنا نايمة.. أفتح عيوني ألقاش نايمة جنبي!! " كانت مزون تهذي بفرح حقيقي رغم مرور أكثر من نصف ساعة على رؤيتها لجميلة.. جميلة تتربع على سرير على مزون وهي تهمس بمرح: تدرين أمي فجعتها نفس الفجعة.. لأن عمي منصور كان طالع الزام بدري على أساس يرجع يرتاح قبل موعد عرسش.. وبعدين ماقعدت معها إلا نص ساعة.. وخليت السواقة تجيبني.. شفتي غلاش بديتش على زيودي.. يا الله قومي يا الكسلانة خل نرتب أغراضش.. مزون تتمدد في حضن جميلة وتضع رأسها على فخذها: أغراضي كلها مرتبة من أمس.. عمتي مزنة وبناتها ماخلوني احط يدي في شيء.. والحين تو الناس... علميني أنتي وش أخبارش..؟؟ جميلة حينها انطفئت ابتسامتها: زين.. ماشي الحال.. مزون اعتدلت جالسة وهي تهمس بقلق وترفع وجه جميلة ناحيتها: عيونش ماتقول زين.. جميلة بسخرية مرة أقرب للبكاء: خلاص زفت.. حينها جلست مزون وهي تشد كف جميلة وتهمس بقلق متأثر: ليش كذا جمول؟؟ جميلة حينها انفجرت في البكاء وهي تنكب وتدفن وجهها في حضن مزون وتهمس بصوت غير واضح.. مختنق من الشهقات ومن اختباء وجهها في حضن مزون: لأني متزوجة رجّال زفت.. زفت.. بس تكفين ما أبي أمي تدري بشيء.. هي وعمي شايفين فهد شيء كبير ما أبي أكسره في عينهم.. عشانهم مهوب عشانه.. لأنه عمي منصور يحبه واجد.. ولو تأثر أمي بتتأثر معه!! مزون رفعت جميلة من حضنها وهي ترفعها من كتفيها وتهمس بحزم: قولي اللي وش صار بينش وبينه ولا تدسين علي شيء.. جميلة تمسح وجهها وتهمس بصوتها المختنق تماما: مزون سامحيني.. المفروض ما أخرب مودش وخصوصا اليوم.. خلاص حكي فاضي ماعليش منه.. مزون بحزم أشد : مودي مافيه شيء يخربه.. وخلصيني قولي لي.. لا تشغلين بالي كذا.. جميلة حكت لمزون كل شيء.. فهي كانت محتاجة للبوح ليس إلا.. فقد أرهقت سنوات عمرها القليلة بكتمان هو فوق طاقتها.. مزون كانت تستمع بذهول.. لم تتخيل أن جميلة المدللة قد تصبر على كل هذا.. وعلى أقل منه حتى.. ومع ذلك حين وصلت جميلة لموضوع الطلاق الذي حدث بينها وبينه قبل قليل.. انتفضت مزون بجزع: ومن جدش تبين تتطلقين؟؟ جميلة هزت كتفيها بيأس: تبين الصراحة؟؟ ما أدري... فهد ما ينتعاشر.. بس لو تطلقت للمرة الثانية وأنا ما كملت شهر.. تخيلي الكلام الي بيطلع علي.. وهم يا الله سكتهم زواجي من فهد عقب طلاقي من خليفة.. الحين ماراح يسكتهم شيء.. وتخيلي القصص اللي بتطلع علي.. تخيلي كل ما أروح أي مكان يتكلمون علي.. وإلا رفيقاتي في الجامعة يقولون لهم أهلهم لا تمشون مع ذا البنت.. الله أعلم وش شايفين عليها رياجيلهم.. خلاص مزون ما أقدر استحمل كلام مثل هذا.. وحتى لو ماهمني شيء.. أمي واجد هامتني.. أنا عذبت أمي معي كثير.. وخلاص أبيها ترتاح.. مزون باستغراب: زين ليش تطلبين منه الطلاق؟؟ لو سواها وطلقش؟؟ جميلة بثقة موجوعة: لأني فعلا ما أبيه.. وما أقدر أتخيل أشلون أرجع أعيش معه.. مزون همست حينها بحرج: ودامش شايفة موضوع علاقتش بخليفة شاغله.. ليش ماريحتيه وقلتي له الحقيقة.. يمكن كان تعدل معش.. حينها انتفضت جميلة بغضب: يخسى أقول له.. هذا واحد مريض وأفكاره مريضة مثله.. تبيني عقب اللي سواه فيني كله.. أقول له تعال يا الشيخ فهد.. تراك أول واحد في حياتي.. عقب ما تعامل معي كني زبالة.. خلاص وش يغير ذا في الموضوع..؟؟ أنا فعلا مرة مطلقة.. والمتوقع إنه صار بيني وبين خليفة علاقة مثل أي زوجين... وهو خذني وهو عارف ذا الشيء زين.. ليش الحين صرت كخة في عينه؟؟... كان خلاني من أولها.. كان كملت دراستي.. ويمكن بعدها لقيت الرجال اللي يخاف الله فيني.. لكن هو الحين خرب حياتي كلها.. وماخلا لي أي فرصة.. وأنا صدق عايفته وماني بمتخيلة يصير بيني وبينه شيء.. عقب ماهاني بذا الطريقة!! *************************************** "جاي تطلعني من الدوام بنفسك.. وجهك وإلا القمر؟؟" نايف يبتسم : لا طال عمرش.. وجهي.. القمر ماطالني!! عالية تغلق بابها وتهمس بمرح: أخس يا النويف الدب.. والله الظاهر إنك تتعلم تصفصف حكي.. قرب عرسك.. نايف بمرح: أول شيء (الدب).. أملاك حصرية لرجالش ما نقربها.. ثانيا مافيها شيء نتعلم حكي.. اسمي معرس.. عالية تشعر كالعادة بسعادة لرؤية نايف: وينك تغط ذا الأيام.. اشتقت لك يا الخايس.. نايف بإبتسامة: أول شيء لاا أغط ولا شيء بس أنتي المشغولة.. وأنا مشغول شيء بين شغلي وشوي ترتيبات في بيتي.. وشوي مع نشبة خواتي.. وأنتي توش شفتيني عند أمش البارحة الأولة.. عالية هزت كتفيها بإبتسامة: بس لو مر يوم ماشفتك.. أشتاق لك يا المعفن.. نايف يضحك: أنتي احترمي نفسش... خايس ومعفن.. اللي يسمع يقول جاي لش من بلاعة.. عالية تتنفس رائحة عطره المنتشر في السيارة بطريقة مرحة: وين بلاعة.. إلا جاي من بركة عطور.. ريحة عطرك صكتني بصداع.. وش صاير؟؟ شكلك مغير عطرك؟؟ نايف بثقة مرحة: عريس ولازم أغير.. ها تبين أوديش بيتش وإلا بيت هلش.. عالية بمودة: لا بيت هلي فديتك.. وراي عفسة.. عشان عرس غانم الليلة!! حوار تلقائي مرح يدور بين الاثنين.. فنايف تجاوز كثيرا من حدته القديمة ناحية موضوع وضحى.. فالأيام تُصغر المواقف.. وخصوصا وهو يرى تعامل تميم الطبيعي جدا معه.. فمادام تميم أخذ الموضوع ببساطة فهو لابد أن يأخذه كذلك.. ولكنه لا ينكر شعوره بالتوجس والحرج من شخصية زوجته.. وهو يقرر في داخله ألا يحاول اتخاذ مواقف مسبقة حتى يراها ويعرفها.. *********************************** " جميلة جات صدق؟؟" عفراء تتلقى منصور بسعادة محلقة: إيه يا قلبي جات بس راحت لمزون وبترجع بعد شوي.. منصور باستغراب: غريبة إن فهد ما كلمني ولا حتى قال لي استقبلهم في المطار..!! عفراء بعفوية: يمكن مايبي يشغلك.. وخصوصا هو مشغول الليلة بعرس ولد عمه.. منصور بذات الاستغراب: مشغول يوم كان في مصر يتصل لي ويبلغني بموعد جيتهم..؟!! بأتصل له أشوف وش سالفته؟؟ #أنفاس_قطر# ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والتسعون " مافيه شيء طال عمرك.. ما لقيت حجز إلا متأخر.. ومابغيت أزعجك.. فكلمت عبدالله يجيني!!" منصور ينظر له نظرة سابرة بعد أن اتصل له.. وأخبره فهد أنه سيحضر بنفسه للسلام عليه.. وهاهما الاثنان يجلسان في مجلس منصور... حينها سأله منصور بحزم بالغ: وأخبارك مع جميلة؟؟ فهد لا ينكر شعوره بالتوتر.. ولكنه شبه متأكد أن جميلة مازالت لم تخبر منصورا بشيء.. لأنه يعلم كيف يكون منصور حين يغضب.. ومع ذلك هتف بثقة: تقدر تقول نص ونص.. منصور بصدمة غاضبة: نعم؟؟ وليش النص نص ذي؟؟ فهد بذات الثقة: السبب مني مهوب منها .. أنت عارفني.. جفس.. وهي أول تعامل لي مع الحريم.. منصور يحاول السيطرة على أعصابه حتى تكتمل لديه الصورة: ضايقتها بشيء؟؟ فهد بذات الثقة الغريبة وكأنه لا يريد أن يأخذه أحد على حين غرة: اسألها.. لأني يمكن أكون ضايقتها وأنا مادريت إني ضايقتها!! منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم بالغ: بأسألها.. والله ثم والله لو أدري إنك ضايقتها بشيء صدق.. لا يصير شيء ما يرضيك.. . . . " عمي منصور اتصل يبيني.. بأروح للبيت وبأجيش للقاعة عقب مع أمي!!" مزون تشد كف جميلة فقد بدأت حالة التوتر العفوية التي لابد أن تصيب أي عروس: تكفين جميلة لا تتأخرون علي!! جميلة تربت على خدها بمرح حنون: ساعة وحدة وتلاقينا عندش!! . . . " تعالي يأبيش.. تعالي اقعدي جنبي!!" جميلة جلست جواره وهي تقبل كتفه وتهمس بمودة حميمية: ما تتخيل وش كثر اشتقت لك؟؟ احتضن كتفيها بحنان أبوي خالص: وأنا اشتقت لش أكثر.. صمت لثانية ثم أردف بجدية: قولي لي وش صاير بينش وبين فهد..؟؟ جميلة ارتبكت: بيني وبين فهد..... مافيه شيء!! منصور بحزم: لا تغطين عليه.. هو بنفسه قال لي إن الجو بينكم مهوب صافي وبسبته هو وجلافته.. بس ماعطاني تفاصيل.. والحين أسألش لو كان ضايقش بشيء.. والله لأوريه شيء مابعد شافه.. أنا مازوجته بنتي عشان يضايقها.. جميلة لا تنكر تأثرها أنه غلّط نفسه أمام منصور.. ورغم ذلك ما ستقوله لمنصور هو من أجلها ليس من أجله وهي تهمس برقة: ماضايقني.. بس هو مثل ماقلت لي قبل التعامل معه صعب... وأنا أبي لي وقت لين أتأقلم..يعني هو يحاول وأنا أحاول نوصل لنقطة وسط.. منصور يعيد التأكيد عليها بحزم: أكيد.. مافيه شيء ثاني؟؟ جميلة هزت رأسها دون أن تنظر ناحيته: مافيه.. بس فديتك عمي.. ذا المرة ما أبي أرجع معه.. كلمه يخليني عندكم لين يجي عرس خاله.. ************************************* " انزلي ياقلبي... أنا أنتظرش تحت!!" مزون بحرج رقيق مغلف بمودة غامرة: كساب فديتك.. أنا حانتك.. بأروح مع عمتي مزنة والسواق.. ابتسم كساب: لا تحنيني إلا من الردى.. (مقولة شائعة تعني لا تشفقي علي إلا من قلة الاهتمام بالواجب.. وهي تقال دائما ردا على كلمة "حنيتك" ) أنا حالف مايوديش غيري.. مزنة طلبت من مزون أن تذهب مع شقيقها وتترك كل شيء وهي ستحضره معها وراءهم فورا.. حتى لا تعطل شقيقها.. مزون كانت تنزل ومشاعر معقدة تماما تحيط بها من كل جانب.. كانت تنظر لكل جنبات البيت.. وهي تعلم أنها لن تعود له الليلة.. شعور خانق.. وغصات متتابعة.. هنا كانت كل السعادة.. وكل الحزن..!! أسوأ الذكريات وأجملها..!! هنا كانت الحياة كاملة.. الحياة بأقصى معانيها!! تحاول أن تمنع نفسها من البكاء.. فهي لا تريد أن تجلب الحزن لأحد.. ولكنها رغما عنها حالما رأت كسابا تفجرت عيونها أنهارا من دمع.. سعادة وتأثرا وهي تطوق عنقه: ليه ماقلت لي.. ليه ماقلت لي؟؟ كساب يحتضنها بذراعيه الاثنتين ويبتسم بحنان: حبيت أسويها لش مفاجأة... يعني تبين سواق الأميرة مزون بيد وحدة.. مايصير!! مزون ابتعدت عنه وهي تهمس بقلق عذب مختلط بدموعها: لا تكون شلت الجبس قبل موعده..!! ضحك كساب: لا تحاتين.. أصلا موعدي كان عقب بومين.. أنا رحت الدكتور قلت خلاص شيلوه اليوم.. ثم أردف بحنان صاف وهو يحتضن وجهها بين كفيه: قلت لهم اليوم عرس بنتي.. وأبي أحضنها بأيدي الثنتين!! مزون عادت للانفجار في البكاء وهي ترتمي في حضنه: الله لا يحرمني منك.. قول آمين!! كساب احتضنها بتأثر عميق.. يصعب عليه تخيل المكان خاليا من بعدها..!! يا الله كم هو نادم على كل لحظة مرت من سنوات غضبه منها.. على كل لحظة أضاعها من بين يديه وكان يستطيع قضائها جوارها.. همس لها بحنان: يالله بسش ياعروس.. وش حركات الأفلام الهندية ذي..؟؟ همست مزون باختناق: خلاص بأسكت.. وينها كاسرة مهيب رايحة معنا؟؟ حينها أجابها كساب بحزم: كاسرة في الدوام.. وتقدر تدبر نفسها.. مزون نظرت لساعتها وهمست بتلقائية : خلاص هي قالت لي إنها على وصول.. كساب بحزم أشد: مزون يا الله لا تعطليني.. كاسرة لو بغت بأرجع أجيبها.. أو بتجي على السيارة الثانية مع أمها.. مزون خرجت مع كساب.. وفي ذات اللحظة التي كانت سيارته تخرج من البوابة الضخمة للباحة.. كانت سيارة كاسرة تدخل.. مزون لم تقل شيئا.. فهي علمت أنها أحد تقلباتهما التي باتت تلاحظها لقربها من كساب.. كساب أتقن التوقيت تماما.. أرادها أن تراه خارجا بدونها.. وفعلت!! مع أنه كان قراره في البداية أنه سيأخذها هي ومزون.. لكنها من بدأت بتجاهله!! كساب تجاوز كل ذلك.. فما يشغله في هذه اللحظات .... مزون... ولا شيء آخر!! كساب هتف لمزون بمودة: شوفي العلبة ورا.. هذي هديتش.. مزون التفتت للعلبة الضخمة المغلفة في الخلف وهمست بمودة متأثرة: هذي كلها؟؟ وش جايب لي؟؟ ابتسم كساب: يعني عليان جايب لش شنطة.. مستكثرة أجيب لش بوكس صغنون..؟؟ ضحكت مزون بعذوبة: لا والله أما صغنون مهوب حوله.. خلاص بس نوصل القاعة بأفتحه.. كساب بحرج: وعادي يخلوني أدخل القاعة معش؟؟ ابتسمت مزون: أكيد عادي.. أنا لي جناح هناك.. واصلا بتلاقيها مليانة عمال الحين يرتبون.. تونا الصبح.. حين وصلا للجناح المخصص لمزون.. الذي ستتزين فيه.. فتحت مزون الصندق بحماس هو من أجل كساب وحده.. همست بتأثر وهي ترى أنه لم يكتفِ بشيء واحد : واجد كلفت على نفسك ياقلبي.. همس بتأثر وهو يحتضنها: لو علي ماكان خليت شيء في السوق.. بس أنا قلت أجيب لش الحين كم شغلة مرتبة على ذوقي.. وعاد باقي السوق لش في ذمتي.. لاحقين خير.. كانت الصندق الكبير يحتوي ثلاث صناديق مختلفة كلها مغلفة بفخامة راقية جدا... صندق يحتوي مجموعة من العطور والكريمات الفاخرة.. والآخر يحتوي حقيبة يد ثمينة للغاية.. والثالث كان استثنائيا فعلا.. كان طقما ماسيا فاخرا و ناعما آن.. همست مزون بتأثر: هذا بألبسه الليلة!! هتف كساب بحزم: لا.. خليه بعدين.. البسي اللي جابه لش غانم.. مزون بذات التأثر: لا والله ما ألبس غيره.. سبحان الله أصلا ما تتخيل أشلون لابق على فستاني.. فديتك دايم عارف اللي في خاطري.. كساب بإصرار: استغفري.. قلت لش البسي اللي جابه لش غانم.. هذا السنع.. مزون بإبتسامة: يعني أنت يوم دخلت على كاسرة.. متذكر هي لابسة طقمك اللي جبته لها أو غيره. كساب ضحك: لا والله ولا طرا على بالي.. بس تدرين بأروح أشوف صورنا لو مالقيتها لابسته.. بأسود عيشتها!! عشان كذا البسي طقم غانم.. مزون صمتت رغم أنها خططت وانتهت أنها لن تلبس سوى طقم كساب.. (يعني غانم وش دراه وش لبست؟؟ تلاقي أمه وخواته اللي شروه.. وحتى هو ما شافه!!) كساب حاول جاهدا تجاوز موقفه مع غانم الذي حدث في المستشفى.. وخصوصا أن والده نقل له حرج غانم الشديد منه.. فغانم لم يقصد شيئا مما حدث.. وإن كان سامح كاسرة عليه .. ألا يسامح غانم؟؟ وخصوصا أن غانم هذا سيصبح زوجا للغالية... لا يريد أن يضايقها بأدنى شيء.. ولا حتى أن تشعر أن هناك توترا بينهما!! ورغم ذلك تبقى في أعمق أعماقه المكتومة حرقة ما أن هناك عينا أبصرتها.. رغما عنه لا يستطيع إزاحة هذه الحرقة.. لكنه يستطيع كتمانها!! *********************************** " من تكلمين حبيبتي؟؟" نجلاء تنظر لصالح وتهمس بسكون: هذي مرت فهد.. تسلم علي وتعتذر مني.. إنها ماقدرت تجي تسلم اليوم.. وإنها بتجي بكرة!! قلت لها تلفونها يكفي.. وهي كلمت أساسا أكثر من مرة!! ابتسم صالح: ياحليلها متى بتلحق تجيش وهم طيارتهم الصبح؟؟ نجلا هزت كتفيها: ما أدري.. إلا أنت وين رايح الحين؟؟ صالح بثقة: باروح أمر مكان العرس.. أشوف يبون شيء.. وعقب بأروح للمها شوي.. نجلا تشعر اليوم بالذات أن كآبتها تقفز للذروة.. فهي لن تحضر زواج أخيها الذي أعدت له مطولا.. وليس لديها فرصة لحضور زواج شقيق آخر إلا صالح الذي سيتزوج بعد ابنائها حتى بمشيئة الله.. وكل هذا اختلط بكآبة النفاس المعتادة.. نجلا همست برجاء عميق: تكفى صالح.. خلك عندي شوي.. اليوم الناس كلهم لاهين عني.. حتى تلفون ماحد كلمني!! صالح ربت على خدها بحنان: ما أقدر حبيبتي.. ما أقدر.. بس أوعدش أرجع بدري.. نجلا بحزن: متى بدري؟؟ الساعة 10 الليل؟؟ تكفى صالح.. ترتيب العرس عنده عبدالله وهزاع.. خلك عندي لين المغرب بس.. ذاك الوقت الله يكفيك الضيقة.. تركبني ضيقة غير طبيعية!! صالح بإصرار: ما أقدر ياقلبي.. مهيب زينة في حقي.. عمي راشد مايشوفني إلا مع المعازيم.. نجلا بحزن: أنا عارفة إنك اللي هامة الروحة لبنتك وبس.. وانا مالي اهتمام عندك!! صالح جلس جوارها ليحتضن كتفيها بحنان: حبيبتي هي بنتي بروحي؟؟ نجلا بذات الحزن العميق: الظاهر كذا.. حتى اسمها ما أشركتني فيه!! سميتها غصبا عني ذا الاسم اللي ما أدري ليه أنت مصر عليه!! ابتسم صالح: نجلا أنتي من جدش.. وإلا الحمل والولادة خلوش تنسين..؟؟ ما تذكرين شيء في السنتين الأولى من زواجنا!! لو ما تذكرتي بروحش.. قلت لش لا رجعت من العرس.. صالح غادر.. بينما نجلا وجدت لها شيئا تتلهى فيه بالتفكير.. وهي تعصر تفكيرها عصرا.. ماهو هذا اللي حدث بعد سنتين من زواجهما؟؟ ماهو؟؟ **************************************** " هلا والله أشهد أني صادق!! ماهقيت إنش بتجين ذا الحزة.. الليلة مهوب عرس حماتش؟؟" كاسرة تميل على رأس جدها للمرة الثانية وتهمس بمودة صافية: بلى فديتك.. وتو الناس عادنا الظهر.. بغيت أجي أشوفك وأشوف وضحى.. الوضحي ضايقة شوي.. حابسينها في البيت.. قلت أطل عليها وعليك قدام أروح!! الجد بغضب: ماعاد إلا هو.. لا تكون أختش تبي تروح العرس بعد؟؟ ابتسمت كاسرة: لا فديتك.. هي بروحها مستحية... بس ضايقة.. الضيقة من الله جعلني فداك!! ها قل لي أرب غداك زين؟؟ ابتسم الجد بشجن: كله حشو بطن يأبيش.. زين وإلا شين.. وماملأ الانسان وعاء أشر من بطنه.. الله يعطينا من خيره ويكفينا شره.. كاسرة تجلس جوارها لتحتضن عضده: جعل مهابيطه مهابيط العافية من رب العالمين.. حين جلست جواره تحسس جدها بطنها وهو يهمس بحنان موجوع: ما أصغر بطنش يأبيش.. ضحكت كاسرة: تو الناس يبه على كبر البطن.. انتظر علي شهرين.. وتقول وش ذا الدبة إن شاء الله.. حينها همس الجد بعمق: ولو ضحكتي.. تراش منتي بخالية.. وش مضيق خاطرش؟؟ ابتسمت كاسرة: مافيه شيء فديتك!! تنهد الجد: تعودت.. أشم ضيقتش ولا أعرف سببها.. ليت عاد الشوف زين.. والله ماتدسين علي شي..أول كنت لا حطيت عيني في عينش.. دريت وش علتش.. كاسرة بتأثر عادت لاحتضان عضده وتقبيل كتفه: يبه.. مافيه من يخلا من الضيقة... الدنيا كذا.. بس أنت لا تشغل بالك علي طالبتك.. لو فيه شيء يستاهل أنا بأقول لك بروحي!! " يا الله.. يبه.. الضيقة ماعاد عرفت لها سبب.. اليوم رحت أبي أقدم لي على إجازة جديدة عشان الشيخ كساب مهوب هاين علي أخليه .. والمدير رافض لأنه توني رجعت للدوام من كم يوم.. رجعت للبيت ولقيته خلاني مع إنه متفقين نروح سوا.. ما أدري وش الرسالة اللي يبي يوصلها لي...؟؟ الرسالة المعتادة.. إني دايما في مرتبة متأخرة من اهتماماته!! زين إن المدير مارضى يعطيني إجازة.. خلني ألقى شيء يلهيني!!" *********************************** فخمة.. فــــخـــمــــة حد تخوم السماء!! هكذا هو الوصف المناسب لها..!! كانت تتسربل بالجلال حتى أقصاها.. بأناقتها الاستثنائية.. بحضورها الراقي.. بإطلالتها الفاخرة المتقنة حتى آخر تفصيل.. وكأن كل ظروف حياتها صقلتها لتظهر هكذا... مصقولة تماما !! جميلة تميل على أذنها بتأثر: ماشاء الله تبارك الله.. تجننين.. تحفة!! مزون بخفوت: يا بنت الحلال.. ما أبي أكون أجنن.. أبي شكلي مرتب وبس.. ابتسمت جميلة: كل شيء بيرفكت.. وفوق البرفكت.. حتى التسريحة أحاول ألاقي فيها شعرة وحدة ناطة مافيه.. مزون همست بتوتر: جميلة تكفين.. لا تبعدين.. خلش قريب.. جميلة بذات الابتسامة: وين بروح.. هذا أنا جنبش.. حتى العرس برا.. ماطلعت ولا شفت ترتيبه.. بس باروح أسلم على عمتي أم صالح وارجع على طول.. ولو تبيني عقب أروح معش الأوتيل رحت.. ماعندي مانع!! ثم أردفت بمرح خافت: أنا وحدة مسكينة تزوجت مرتين ولين الحين ما أعرف المعاريس الطبيعين أشلون يتصرفون ليلة عرسهم.. خلني أشوف على الطبيعة!! . . " ماشاء الله العروس كشخة وستايل موت.. على كثر ماشفت عرايس ماشفت فستان كذا!!" عالية تنظر لفستان مزون بتفاصيله المتقنة الدقيقة بحرفنة مزجت الشيفون والشك والحرير.. وتسريحتها الراقية في تموجاتها المثالية.. وحتى زينة وجهها الاستثنائية باتقانها غير المثقل.. وتبتسم: كل اللي فيها كشخة وستايل.. حتى الكوشة تجنن.. سميرة بعيارة: وش قصدش علوي.. إنها ترتيبها لكوشتها أحسن من ترتيبنا للقاعة!! عالية بمرح: انا ماقلت شيء أنتي اللي قلتي.. سميرة تضحك: امشي نستقبل المعازيم يأم كرش.. ماعليش شرهة.. بس خل نمر الحمام أرتب شكلي!! عالية بذات المرح: وشو له ترتبين شكلش.. ترا كاسرة واقفة في الاستقبال.. لابسة ذاك الذهبي اللي يسطل.. عقب ما يشوفونها بيجيهم حول.. ومافيه حتى حد بيلاحظ وجهش المغير.. سميرة بمرح مشابه: المغبر وجهش يا بنت عمي.. مالت عليش من بنت عم.. من صبح تكسرين في مجاديفي.. عالية حينها انتبهت لشيء.. فسألت باهتمام: إلا وضحى وينها؟؟ ضحكت سميرة: من جدش أنتي.. وضحى في البيت تعد الطوف.. عرسها على خالش المبجل عقب 10 أيام وش يجيبها.. خلها تنلم في البيت.. عالية بشجن باسم: فديت قلبه نايف.. ماني بمتخيلة شوفته معرس.. ******************************************** " تصدق أنت عريس غريب!!" ابتسم غانم: وليش إن شاء الله غريب.. هزاع بمرح: أشوفك شاق الابتسامة لين أقصى شدوقك.. مع إن الموضة التكشير والعصبية.. غانم بذات الابتسامة: لا طال عمرك.. الموضة ذي ما أبيها.. ( كيف لا أبتسم؟؟ وكيف لا أكون سعيدا وانا أقترب من حلمي.. أقترب..!! سأراها.. وأضمها لصدري!! يا الله!! تلك الباهرة البعيدة كشمس معلقة في السماء!! لن أخدع نفسي وأقول أني مغرم أو عاشق.. لكنني مبهور حتى الثمالة... ومعجب حتى نخاع النخاع!! مازلت حتى الآن أذكر رؤيتي لها لأول مرة قبل خمس سنوات كما لو كانت قبل لحظات!! رأيتها في أروقة الكلية تسير وحيدة.. بخطوات واثقة ومع ذلك مثقلة بخفر عفوي آسر حد الوجع.. حين رأيتها استغربت.. ماذا تفعل مثل هذه هنا؟؟ منظر غير معهود هنا مطلقا!! وحين علمت أنها طالبة جديدة.. استغربت أكثر.. وانا أهز كتفي وأقول: لننتظر عليها لشهر أو شهرين ونرى كيف ستبدأ بالتحول لصيغة أكثر تحررا.. أما حين علمت أنها ابنة زايد آل كساب لا أنكر أني أصبت بما يشبه الصدمة القوية.. فزايد آل كساب نفسه سمعته ناصعة كالأسطورة.. فكيف يرضى أن تدخل ابنته هذا التخصص؟؟ ولا أنكر حينها كيف تسلل إعجاب خفي في روحي بهذه التي أصرت على اقتحام هكذا مجال ومع ذلك هي بهذا الاحتشام.. وخالط الإعجاب حزن أعمق.. لأني كنت شبه متأكد أنها لن تحتمل ضغط الجو المنفتح حولها.. هكذا كنت أرى الطالبات معنا.. وكما يقول المثل الشعبي ( كثر الدق يفك اللحام!!) ولكن الشهر تلاه شهر آخر وانا أراها تزداد احتشاما وثقة مغلفة بحزن غريب شفاف ماعرفت له معنى.. وأنا أراقبها من بعد كما لو كنت أحميها دون أن أشعر.. وهي مطلقا لا تشعر بي!! فهل الشمس تشعر بالنجوم حولها؟؟!! حتى علمت من أحد الطلاب بتعرض مهاب رحمة الله عليه لها.. تضايقت لأبعد حد.. ولكن الضيق تحول لغضب حين سمعته بنفسي.. لا أعلم أي رجل هذا الذي يرضى أن يجرح امرأة مثقلة بالطهارة وفي العلن!! كيف يُقال لمثلها هذا الكلام؟؟ لكني لم أستطع التدخل من أجل سمعتها هي!! فأي كلام سيقال عليها لو علموا بعراك طالبين من أجلها؟!! ولكني لا أنكر أني كنت أتبعه بغضبي كل مرة.. ولكن كل مرة أجد زملاء لنا متواجدين.. حتى اصطدته في أحد المرات في المواقف الخالية إلا من عمال النظافة.. وحمدت الله حينها كثيرا لأني كنت سأنفجر من شدة غضبي.. فتلك المرة أثقل عليها الكلام كثيرا.. كدت أجن وأنا أعلم أنها تبكي الآن.. حتى لو أظهرت أنها لم تهتز.. فأنا لدي شقيقتان وأعلم حساسية الأناث.. ولو قيل لواحدة منهما ربع ماقاله.. قد تقتل نفسها من البكاء!! لم تهمني أسناني التي ذهبت.. ما همني أنه توقف عن التعرض لها.. وأعلم أنه ليس خوفا من العراك.. ولكن لأني هددته بإخبار زايد آل كساب.. وهو يعلم جيدا من زايد!! لا أعلم كيف احتملت هي كل هذا دون إخبار والدها.. أي قوة جبارة تحتويها تلك الصغيرة؟!! تخرجت أنا.. وهي بقت بعدي 3 سنوات.. وأنا أخشى بحزن غريب أن السنوات ستفت من عزمها.. ستجعلها تقدم التنازلات حتى يمضي مركبها في الكلية.. لكنها مطلقا لم تتنازل.. مطلقا!! بقي الأمر كما هو إعجاب بها يتزايد من بعيد.. فعلاقتي بآل كساب هي علاقة بعيدة رسمية.. حتى تعرفت بكساب أكثر في إحدى رحلاتي.. في حفل في أحد سفاراتنا في الخارج.. توطدت معرفتي بكساب أكثر وأكثر.. ومعه انتعش أمل ما في روحي.. ولكن بقي عملها معي في ذات المجال حاجزا كبيرا.. خشيت عليها من كلام لا يرحم.. أن يُقال أن هناك علاقة ربطت بيننا لذا تقدمت لها.. حين طلب مني كساب أن أسافر معها.. شعرت كما لو أنه سُكب فوق رأسي ماء مثلجا.. توترا وقلقا وتحفزا.. فأنا مطلقا لم أقترب منها حتى خمسة أمتار.. فكيف أرافقها في رحلة؟؟ قد يحرقني إشعاع قربها!! وكم كنت محقا في إعجابي بها حين رافقتها من قرب.. ثقة غامرة.. مختلطة باحتشام عميق.. ولسان لا يعرف الخضوع!! " أخت رجال صدق!!" وهكذا تكون تربية الرجال!! إعجابي بها تزايد وتزايد وتزايد إلى أبعد مدى!! ولكنه كان محض إعجاب لا أمل له!! حتى قررت هي ترك سلك الطيران.. حينها شعرت أن أحدهم أهداني هدية لا تقدر بثمن.. قررت ألا أترك الفرصة تفوتني.. وكم كان حزني حين رفضتني!! مرت الأشهر بعدها.. وفكرة الزواج ماعادت تخطر لي ببال.. فكيف يخطر ببالك أن تقترن بالشمس؟؟ ثم بعد ذلك ترضى بأقل من ذلك!! حتى أهداني كساب الفرحة الأعظم بموافقتها.. وكم أنا ممتن لكساب..!! وسيبقى امتناني له حتى آخر يوم في عمري!! وكم أشعر بالحزن للموقف السخيف الذي حدث بيننا مؤخرا!! وأنا أشعر رغم محاولاته للتصرف الطبيعي معي.. أنه مازال يحمل بداخله شيئا من غضب!! لا ألومه.. فلو حاول أحدهم اقتناص نظرة من شمسي.. التي أصبحت لي وحدي.. قد أصاب بالجنون!! يا الله.. أ يعقل ذلك؟؟ أنها أصبحت لي.. لي أنا ؟؟!! ****************************************** " أبو جاسم.. وين العيال الكبار؟؟ أشوف ماجاء معك إلا محمد!!" أحمد بنبرة أقرب للحرج: السموحة يا أخوك.. جاسم مسافر ويا هله.. وخليفة وهله كانوا مسافرين وياهم.. بس يوم درو هناك إن مرته حامل.. ردوا من السفر البارح.. قلت له يي معاي بس ماله ويه يوايهك أنت ومنصور.. سود ويهي لا بارك الله فيه من ولد!! زايد بحزم: إلا بيض الله وجهه أبو أحمد.. مهما كان اللي صار حن أهل.. وهو ماقصر مع جميلة... وهذي جميلة تزوجت.. وقل له أنا عبارت عمه.. وما أبيه يهجر مجلسي!! أحمد يهز رأسه بأسى: خير .. خير إن شاء الله.. . . . " فهد وش فيك؟؟ قاعد منت بعلى بعضك!!" فهد ينظر ناحية محمد ابن أحمد بغيظ متزايد ويتمنى لو انتزعه من مقعده.. ولو كانت النظرات تُحرق.. فلربما كان احترق من نظراته.. ففهد لا يعرف شكل خليفة مطلقا ولم يسبق أن رآه.. لكنه يعرف والده وسبق أن رآه في مجلس زايد عدة مرات... لذا ما أن رأى الشاب القادم مع أحمد حتى قفز لباله أنه خليفة.. وخصوصا أن محمدا كان شكله محرجا كما لو أنه اُجبر على الحضور.. وهو فعلا كان مجبرا.. فقد حلف عليه والده أن يأتي معه.. بينما هو كان محرجا لأنه كان أحد شهود عقد الطلاق المتهور!! وبالتأكيد يستحيل أن يسأل فهد إن كان هذا خليفة.. وخصوصا أنه مقتنع أنه هو.. فهد شعر أنه يحترق حتى أقصاه وهو يرى وسامة محمد البالغة ولياقته الجسدية العالية البارزة في طوله المتناسق.. " إيه أكيد عايفتني عقب ذا؟؟ . ليه هو الرجال زين وبس؟؟ . ولو جينا للزين والطول.. حتى انا ما علي قاصر!! . بس عاد مهوب مثل ذا اللي بيولع كنه لمبة!! لا وشكله أصغر مني بواجد.. وأنا عبارت شيبة بالنسبة لها!! . زين.. وغير الزين اللي مامنه فود.. ولا سنين عمرك اللي مافادتك وش لقت عندك غير سواد وجهك وشين فعايلك؟!! " فهد كان سيجن وهو ينظر لمحمد ويتجاوز التفكير بشكله إلى شيء أعمق.. " أشلون كان يلمسها؟؟ كانت تجفل منه مثل ما تجفل مني؟؟!! يا ترى كان يسرح وهو يشوف شفايفها وتأكله الحسرة مثلي.. وإلا ليه تأكله الحسرة.. الحسرة لي بروحي.. لكن هو ضمها لصدره.. وأنا لحد الحين صدري مهجور..!! تنفس أنفاسها.. وأنا أختنق في اليوم ألف مرة!! هو ارتوى.. وأنا ميت ضمأ...." فهد ما أن وصلت أفكاره لهذه المرحلة حتى كان سيقفز ليغادر الحفل كاملا.. فهو شعر أنه ماعاد قادرا على السيطرة على غضبه.. وخشي أن يتصرف تصرفا يحرجه هو وأهله ويفسد زواج غانم.. ولكن منعه من المغادرة يد قوية على معصمه وسؤال حازم: " فهد وش فيك؟؟ قاعد منت بعلى بعضك!!" فهد التفت لمنصور وهو يشد نفسا عميقا ويهتف بحزم يخفي خلفه أمواج غضبه المتلاطمة: مافيني شيء.. بس تعبان من السفر.. أبيهم يزفون المعرس عشان أروح أرتاح.. وراي بكرة سفر بعد.. حينها هتف منصور بحزم: دامك جبت طاري السفر.. فأنا طالبك.. قل تم!! فهد ربط فورا بين الطلب والسفر لذا هتف بحزم مشابه: كل شيء تم.. إلا أنك تطلب مني أخلي جميلة وأسافر من غيرها!! منصور بعتب: أفا يالغالي.. الظاهر إني ما أنا بغالي.. فهد تنهد: غلاك ما ينحكى به وأنت داري يا ابو زايد.. بس مثل ماقلت لك.. الجو بيني وبين جميلة مهوب صافي... لو خليتها.. أخاف البعد يزيد الجفا.. ابتسم منصور: ويمكن يزيد الشوق.. خلها يافهد البنية متضايقة وتبي قعدة أمها!! فهد تنهد في داخله (الشوق من صوبي مهوب من صوبها) ثم هتف برجاء حازم: تكفى يا أبو زايد.. أنا واجد مقصر في حقها.. خلها تروح معي ذا المرة.. وبنرجع في عرس نايف.. لو اشتكت لك مني المرة الجاية.. وعد من نفسي أخليها لين أخلص دورتي!! منصور رد عليه بحزم: أنا بأسألها.. وهي توافق من كيفها و خاطرها.. لكن لو ما وافقت.. اسمح لي.. والله ما تطلع من الدوحة وخشمي يشم الهوا.. أنا يافهد عطيتك قطعة من روحي من غلاك.. ووصيتك فيها.. وأدري إنك أخلاقك صعبة.. بس أنا هقيت إنك بتوصى فيها وتراعيها.. مهوب تضغط عليها وتضايقها.. أنا لحد الحين ماقلت شيء.. لأنها ما اشتكت لي بصراحة من شيء.. لكن والله لا تشتكي........... وإلا أقول لك.. خلها لوقتها!! **************************************** " سامحيني يمه.. كنت أبي أجيش أول.. بس خبرش اليوم عرس بنت خالتي وانشغلت.. وكنت عارفة إني بأواجهش في العرس.. السموحة فديتش!!" كانت جميلة تنحني على رأس أم صالح بالسلام وهي تهمس بهذه الكلمات.. وقبل أن تجيبها أم صالح كانت نورة من تجيب بنبرة مقصودة: والله يأمش السنع سنع.. ذا النص ساعة اللي بتمرين فيها عمتش مهيب اللي بتعطلش عن عرس بنت خالتش.. و اللي أعرفه إن عفراء مرة سنعة.. هي دارية بسواتش..؟؟ وإلا يمكنها ماعلمتش السنع..؟؟ جميلة كانت تشعر أنها ستنفجر.. ومع ذلك ابتسمت برقة: إلا دارية ولاغتني بعد.. بس أنا قلت لها أمي صافية.. غير عن كل العمات.. مستحيل تشيل في خاطرها.. صح يمه؟؟؟ وجهت سؤالها لأم صالح وهي تنحني للمرة الثانية وتقبل رأسها بدلال مقصود.. ابتسمت أم صالح بحنان: أكيد يأمش مافيه شك.. جميلة غادرت بعد السلامات المعهودة... بينما نورة همست كالفحيح بعد مغادرتها: أنتي وولدش أشلون مستحملين ملاغتها..؟؟ أنا بغت تمخلس جنوبي من الخَمل!! (تمخلس= شي يُخلع عن شيء كانخلاع اللحم عن العظم الخَمل= الاستياء من تصرف خارج عن اللياقة المعهودة) ابتسمت أم صالح بطريقة مقصودة فهي لا تنكر أنها تشعر بالمرح حين ترى نورة ثائرة هكذا: وين الملاغة؟؟ ماشفت إلا الذرابة والحلا.. نورة بتأفف: ياحر جوفي حراه.. مالكم عيون تشوف!! ابتسمت أم صالح: لنا عيون.. بس أنتي اللي عيونش ما أدري وش فيها.. لا صارت جايزة لولدي فهي جايزة لي.. نورة بذات نبرة التأفف: والله مافيها زود على النوري بنت سلطانة.. كسرتوا بخاطر سلطانة.. كفاية إن بنتها سميتي.. الحلا والنور.. حينها لم تستطع أم صالح إلا أن تضحك: أكيد مافيه شك... ثم أردفت بتماسك: النوري توها صغيرة .. توها بتدخل الجامعة ذا السنة.. خلها تدرس.. نورة بعتب: إيه عيالش كلهم وزعتيهم شرق وغرب.. ولا حتى خذتي واحد وإلا وحدة من عيالي أنا وإلا خواتش.. ابتسمت أم صالح: هذا هزيع موجود.. على ما تخلص النوري الجامعة يكون تخرج.. نورة تعود للتأفف: ماعينتي إلا هزيع.. والكوبة.. بسم الله على النوري منه.. كنا نبي فهد.. وماحصل... خلاص غطي هزيع على كبدش.. حينها غضبت أم صالح فعلا: هزاع طير شلوى اللي تقولين عليه والكوبة... حبوا لي خشمه ما أطوله... بسم الله على ولدي منش ومنها.... في زاوية أخرى.. جوزاء تميل على أذن جميلة وهي تهمس بمرح: خالتنا المبجلة نورة وش لوعت كبدش فيه؟؟ ضحكت جميلة وأنتي وش دراش إنها لوعت كبدي؟؟ جوزاء بذات المرح: لأنها لو مالوعت كبدش بتكون مريضة وإلا فيها شيء.. جميلة ردت عليها بمرح: جوزا أنتي أشلون مستحملتها ؟؟ ضحكت جوزا: احمدي ربش سلطانة ماجات.. إذا جاوو الثنتين هذي تكمل على هذي مايعطونش مجال.... ثم أردفت بابتسامة أقرب للجدية: انا قبل بصراحة كان مستحيل أفوت لهم كلمة.. بس عقب صرت أسمع من هنا وأطلع من هنا عشان خاطر عبدالله.. مهما كان هذولا خالاته.. وعلى العموم هم أصلا يموتون لا حقرتيهم.. الحقران يقطع المصران.. جميلة تنهدت: خلني أروح لمزون.. وعدتها ما أبعد عنها واجد.. *************************************** " خالتي فديتش.. خلش جنبي!!" عفراء همست بحنان بالغ التأثر وهي تشد على كف مزون بحنان أشد: هذا أنا جنبش يأمش.. ولا تحاتين شيء.. هدي واقري الاذكار في داخلش.. عفراء تنظر لمزون بتأثر متعاظم وعبرة مكتومة تتكوم في حنجرتها وهي تتذكر شقيقتها.. بل أمها..!! كانت وسمية تحتويها بحماية أمومية بالغة.. قد تكون قدمت مثلها لمزون طوال سنوات..حتى الفترة الأخيرة.. تحاول أن تحمل مزنة الذنب في تقصيرها في حق مزون..كطبع الإنسان في رغبته في تحميل ذنوبه لغيره.. ولكن نفسها النقية تعلم أن التقصير منها.. فهي مشغولة بالفعل في ابنها الذي لا ترضى أن يتولاه أحدا عنها إلا حينما تحتد فعلا!! لذا كان كثير من تجهيز مزون مزنة هي من تولته.. وما يؤلمها أنها بعد احتدادها على مزنة المرة الأخيرة.. أصبحت مزنة تتصل بها دائما وتخبرها عن خطوت تجهيز مزون وإن كانت تريد أن تذهب معها.. لتشعرها بالحرج.. وأن مزنة ارتقت عليها في تصرفها.. وكل ذلك كان يزيد مشاعرها تعقيدا وتشابكا.. بشكل بالغ!! ولكن كل ذلك يتنحى في هذه اللحظة.. وهي ترى صغيرتها عروس أمامها.. عيناها تمتلئان بدموع لم تشعر بها.. وهي تشد على كفها وتكثر من الدعاء لها.. حتى سمعتها مزون تهاتف كساب..حينها بدأت ترتعش بعنف.. لأنها عرفت سبب المكالمة.. شدت على كف خالتها أكثر .. وهي لا تريد إفلاتها.. خالتها همست بتأثر وهي تشعر بارتعاش كفها بين يديها: حبيبتي بألبس عباتي ونقابي بس.. ماني برايحة مكان.. عفرا أشارت لجميلة أن تغادر المكان.. وأخبرت المتواجدات عند مزون أن العريس سيدخل حتى يغادرن.. جميلة همست في أذن مزون بمرح: كان خاطري أشوف أبو عيون عسلية على الطبيعة.. بس يا الله حكمت علينا المحكمة نطلع!! مزون كانت تنظر لجميلة بعينين غائمتين.. فهمست جميلة بتأثر بالغ: الدموع ما تليق عليش يا كابتن.. تليق على الهنود اللي مثلي!! عانقتها بتأثر قبل أن تغادر للقاعة لتنضم لبقية الحاضرات.. وحينها بدأ هاتفها بالرنين.. نظرت للرقم.. ثم تأففت وهي تضع الرنين على الصامت.. رن للمرة الثانية.. فأسكتته على الصامت.. حينها وصلتها الرسالة: " اطلعي لي أنا برا.. لا تخلينا نسوي فضايح وأقعد أدق هرن برا امشي معي خلينا نتفاهم!!" وبالفعل كانت سيارة فهد تتوقف خلف سيارة العريس التي توقفت للتو ويقودها كساب.. وأمامهما سيارة زايد يقودها علي ومعهما منصور.. #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والتسعون شعر بتوتر ما.. وهو يدخل محاطا بأربعة رجال.. اثنان منهم قد يجعلان منه عجينة في لحظات.. تمنى لو دخل وحده.. ليراها وحده.. وليس تحت أعين وحماية أقاربها.. وهو يشعر بحرج أن يتمعن فيها حتى!! أما حين دخل.. فهم لم يتركوا له المجال حتى.. فهم كالعادة المعروفة صعدوا للسلام عليها وهو بقي واقفا جانبا.. وكل واحد منهم يحتضنها ثم يطيل.. فماذا بقي له من أحضانها؟؟ مزون منذ علمت أن غانما سيدخل تصاعد توترها العفوي للذروة.. وهي تشد بعنف على كف خالتها.. التي بقيت وحدها مع مزون.. مع أم غانم التي وقفت جانبا قريبا من الباب.. وسميرة تقف خارجا تنتظر استدعاء أمها لها.. بينما مزنة قررت أن تخرج.. لأنها رأت أن وجودها قد يكون غير مريح.. عفرا أفلتت يدها برفق من يد مزون وهي تهمس بحنان: هذا ابيش وأخوانش عندش.. مزون حين رأت والدها يتقدم أولا.. شعرت أنها لن تستطيع السيطرة على عبراتها المكتومة.. وخصوصا وهي ترى في عيني والدها تأثرا بالغا.. غاص في أعمق روحها.. وزايد كان فعلا تأثره يقفز للذروة وهو يراها أمامه شفافة مغلفة بالبياض بطهرها المتبدي كإشراق الشمس كما كانت في عينيه دوما..!! أ حقا صغيرته ترحل وتتركه؟؟ وكيف تكون الحياة من بعدها؟؟ اعتاد حينما يدخل البيت أن يكون وجهها هو أول وجه يراه!! ينبئه أن هذه الحياة تنبض بالبهجة مهما قست عليهما!! احتضنها بقوة مغلفة بالحنان وهو يهتف بنبرة خاصة لها.. الحنان الخالص الذي لا مثيل له: ألف مبروك يأبيش.. والله الله في رجالش.. ولا تحاتين أبد شيء في ذا الدنيا ورأس أبيش يشم الهوا.. لم تستطع أن ترد سوى بعبراتها المسكوبة.. التي ازدادت انسكابا حين احتضنها كساب وهو يهمس في أذنها بخفوت: لو قعدت ألف سنة أقول سامحيني.. ماوفيت.. سامحيني يالغالية على كل دقيقة زعلتش فيها.. ثم أردف بما يشبه ابتسامة مغلفة بالحزم وهو يهمس بذات الخفوت: أنا ما أعرف أقول وصايا ولا أبي أقول.. اللي بأقوله صحيح غانم عزيز وغالي ورجّال مافيه مثله.. لكن والله لا أدري إنه ضايقش بأدنى شيء وماقلتي لي.. لا أعلقش أنتي وإياه من أرجيلكم.. طالبش ما تباتين مضيومة ولا حزينة .. وقتها بتحسسيني إني صدق مالي عازة في ذا الدنيا.. ثم كان دور منصور ليحتضنها وهو يبارك لها بنبرته الفخمة الحانية: مبروك يأبيش.. جعلش تهنين.. وما أوصيش على نفسش ورجالش.. كان كل سلام يزيد تأثرها للذروة حتى وصلت لعلي.. الشفاف العذب الحاني وهو يحتضنها بحنانه الشفاف ويهمس بذات الشفافية: مبروك ياقلبي.. ألف مبروك.. خلي بالش من نفسش ورجالش.. وتأكدي إنش لو احتجتي أي شيء إني دوم موجود قريب.. أقرب من أنفاسش متى ما بغيتي!! حينها بالفعل بدأت دموعها تنسكب بغزارة.. وهي تعلم أن سلام علي هو الأخير.. وخلفه سيكون سواهم.. وجاء سواهم ختاما.. وكساب يشير له بمودة باسمة: تعال ياعريس.. شكلنا مسخناها وطولنا عليك.. غانم تقدم والجمع ينزاح ليتيح له رؤية شمسه... كانت بالفعل شمسا في عينيه..!! حتى لو بدأ الكحل المضاد للماء يسيل بخفة مع الانسكاب المتزايد لدموعها.. كانت في عينيه حسن لا مزيد عليه.. كانت شمسه وكفى!! هل رأيتم شمسا تمطر؟؟ يستحيل أن تمطر الشمس.. ولكنها أمطرت أمامه في معجزة لم يسبق لها مثيل.. حزن احتواء شفاف غمر روحه حتى أقصاها.. " جعلها آخر دموع أشوفها في عيونش!! " هكذا هتف في أذنها فعلا وهو يميل عليها ليقبل جبينها.. مزون ارتعشت بعنف مابين دفء كلماته التي هزت أعماقها هزا.. وملامسة شفتيه الرقيقة لجبينها.. ثم وقف جوارها بثقة وهو يشد على كفها ويجلسها.. كساب هتف في أذنه بمودة: أنا بأنتظركم برا في السيارة.. غادر بالفعل زايد وشقيقه وابنيه خارجا.. وكل واحد منهم يثقل على غانم بالوصايا.. وكل واحد منهم كذلك يعصف به تأثر مختلف.. ولكن من تأثره مختلف فعلا هذا الجالس محتضنا كفها في كفه.. كما لو أنه يريد أن يستمتع بكل ثانية من اكتشافه لتضاريس كفها الناعمة وغير مستعجل أبدا على أفلاتها.. مزون شعرت بالفعل أنها ستبكي وهي ترى قوة إمساكه لكفها بعد مفاجأته لها بتقبيل جبينها أمام والدها وعمها وشقيقها.. أما ماجعلها ستنفجر في البكاء هو همسه في أذنها بجرأة: ليش ما حنيتي إيديش.. أنا أحب الحناء!! " ياربي .. وش ذا الجرأة اللي عنده؟؟" لم ترد عليه لكن من ردت هي سميرة وهي تميل على رأسه لتقبله وتهمس بمرح: ارحم البنية.. من أولها نازل كلام في أذنها.. شفها مستحية وحالتها حالة!! غانم ابتسم وهو يقف ليحتضنها: ماحد طلب شورش.. أصلا الله رحم تميم من هذرتش.. ثم زادت ابتسامة غانم اتساعا وهو يرى والدته خلفها.. لم يسمح لها أن تصعد له حتى وهو ينزل لها الدرجتين المتبقية.. ويقبل رأسها.. وهي تهمس له بتأثر مختلط بدموعها: مبروك يأمك.. ألف مبروك.. عقبال ما أفرح بعيالك.. غانم بتأثر: يمه أنتي كل شيء عندش دموع.. أم غانم بإبتسامة مبللة بالدموع: فرحانة يامك.. جعلك تتهنا.. غانم عاود تقبيل رأس والدته.. قبل أن يعود لمكانه بجوار مزون.. ثم يشير لسميرة بحزم: جيبي عباتها.. حينها تقدمت امرأة مجللة بالسواد لم ينتبه لوجودها قبلا وعباءة مزون على ذراعها.. وهي تهمس باختناق: مبروك يأمك ألف مبروك.. والله الله.. في بنتي طالبتك.. لم يعرف من تكون تحديدا لكنه توقع أن تكون خالتها.. هز رأسه بثقة: ازهليها.. مزون في عيوني وفوق رأسي!! ثم أردف بإبتسامة: وصيها هي علي!! عفرا همست بذات الاختناق وهي تلبس مزون عباءتها: يشهد ربي إني وصيتها.. بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير!! عفراء احتضنت مزون وهمست بذات الاختناق الذي يدل على صوتها المبحوح من البكاء: كلميني بكرة قبل تروحين المطار.. مزون هزت رأسها دون أن تتكلم.. فهي تخشى أن تتكلم حتى لا تنفجر في البكاء.. وغانم يتناول كفها بثقة.. ويقودها خارجا باتجاه مواقف السيارات حيث ينتظرهم كساب... ********************************** " فهد لو سمحت.. أمش بدون فضايح.. أظني عمي منصور قال لك إني ما أبي أروح معك.." فهد حين وصله ردها زاده غيظا على غيظه وهو يلكم مقود سيارته بعنف.. أرسل لها رسالة أخرى: " الفضايح مهيب الحين.. بأنتظر خمس دقايق... لين يطلع عمش منصور وزايد وعياله والمعاريس.. وعقب باعلق الهرن.. وبأترك لش تخيل الأحداث اللي بتصير!! وأظنش عرفتيني.. واحد متنح ولا أعرف ذوق ولا لياقة!!" جميلة زفرت بيأس وهي تكاد تبكي.. تتخيل فعلا سيناريوهات مرعبة لما سيحدث.. شجار بين أبناء خالتها وفهد.. أو على الأقل تلاسن سيؤدي لفضيحة يراها كل داخل وخارج.. وهي تعبت من كلام الناس.. تعبت!! وأهم من كل ذلك الآن.. أنها ستفسد فرحة مزون الغالية!! الخبيث عرف كيف يمسكها من يدها اللي تؤلمها.. فعلا.. أرسلت بدموع عينيها: " بأطلع لك.. عشان خاطر مزون بس.. ما أبي أخرب عرسها عشان واحد مثلك!! " فهد كان يزفر بتوتر انتظارا لردها.. فهي لو رفضت الذهاب معه.. لا يستطيع فعل شيء أبدا.. بل سيرحل مدحورا.. ليس من باب اللياقة.. ولكن لأنه يستحيل أن يحرج نفسه وزوجته أمام هذا الجمع!! أو يصغرها وهو يريد إخراجها رغما عنها وأمام أهلها!! هكذا هي نفسه المستقيمة بحدة جارحة له قبل غيره!! لكنه اعتمد على أنها مازالت لا تعرفه جيدا.. وأنها تظنه سيفعل ذلك.. لذا ابتسم بانتصار وهو يقرأ بداية رسالتها.. ثم كشر وهو يقرأ آخرها ( واحد مثلي؟؟ ليه وش فيني؟؟) انتظر لدقائق وهو يرى عدة نساء يخرجن.. لم يعرف هي أيهن حتى سمع صوت فتح الباب.. ثم ركوبها جواره.. نظر لها بصدمة لثوان ثم هتف بغضب: باقي زري في الدوحة ماحطيتيه في عباتش!! جميلة ردت ببرود ودون أن تنظر ناحيته: الزري هذا زمان جدتك الله يرحمها.. هذا اسمه شوارفسكي.. فهد تزايد غضبه: الحين مسكتي في الاسم وخليتي الأساس.. هذي عباة تطلعين فيها قدام العالم..!! جميلة بذات النبرة الباردة المتماسكة: عباة عرس بعد.. أشلون تبينها؟؟ وماطلعت فيها السوق.. كل السالفة المسافة من باب القاعة لين السيارة.. فهد يشعر أنه يريد أن يصفعها فعلا وهو يحاول أن يتماسك: هذا أنتي قلتيها من الباب لين السيارة.. يعني وش فايدتها دامش بتحطينها داخل القاعة!! تفرجين عليها سواقين السيارات؟؟ جميلة تنهدت: خلاص فهد انتهينا.. قل لي لا تلبسينها مرة ثانية.. وبأقول لك حاضر وتم... شيء ثاني بعد؟؟ فهد يشد له نفسا عميقا وهو يهتف بحزم: لا.. خلاص.. تحركت السيارة قليلا قبل أن يهتف بنبرة أقرب للغموض: ليش ما تبين ترجعين معي مصر؟؟ جميلة بذات النبرة الباردة التي قررت أن تغلف نفسها بها: من كثر ما أنا مبسوطة معك أخاف قلبي يوقف.. أبي أخذ لي راحة من السعادة اللي أنت معيشني فيها.. فهد بذات النبرة الغامضة: وتمسخرين بعد؟؟ جميلة هزت كتفيها: لأنه شر البلية مايضحك.. فهد أنا مابغيت أصغرك في عين عمي منصور لأني شايفة وش كثر هو يعزك.. ماهان علي أكسر صورتك في عينه.. فأرجوك لا تضغط علي أكثر من كذا.. ولا تختبر صبري.. لأنه صبري خلص!! وعقبه مهوب هامني صورتك ولا غيرها.. لأنه صورتك أنت المسئول عنها مهوب أنا... فهد يتنهد بصمت (هذي متى تعلمت تصف حكي كذا؟؟ ) لكنها لم تصمت وهي تهمس بسكون: ممكن أعرف ليش تبيني أرجع معك؟؟ تنهد فهد وهو يهتف بحزم: ارجعي معي ذا المرة بس.. دامش على قولتش ماتبين تكسرين صورتي عشان عمش.. استحمليني شوي... لين عرس خالي نايف.. إن شاء الله ماتشوفين مني ذا المرة إلا اللي يرضيش.. جميلة هزت كتفيها بيأس: ماعاد أصدق كلامك.. اعذرني.. فهد تنهد وهو يقف في باحة بيتهم ويهتف بحزم: يمكن فيه سوء فهم شوي في طريقة التعامل.. أنا أقط الكلمة وانا أحسبها عادية عشان كذا كنت أظن إني عند وعدي.. مادريت إني ضايقتش.. لأني ترا لو فكرت آجعش مثل ما أعرف الوجع أنا... يمكن الكلمة اللي أقولها تذبحش.. الحين عرفت حدود كلامي زين.. جميلة بذات اليأس: فهد أنا ماعاد أقدر أتحمل أكثر.. تعبت.. وبصراحة ما أقدر أتخيل أني بارجع معك بكرة.. فهد يفتح الباب ويشير لها أن تنزل وهو يهتف بذات حزمه: تحملتيني شهر.. صعب عليش تحمليني أسبوع بعد؟!! جميلة لم ترد عليه وهي تنزل وتتبعه عبر ردهات البيت الفارغ تماما.. فالجميع مازال في حفل الزفاف.. وهي من تضطر لترك حفل زفاف ابنة خالتها مبكرا...!! تنهدت بهذا اليأس الهادر الذي بات لا يفارق روحها.. وهي تدخل عبر باب جناحهما وتخلع عباءتها لتعلقها بينما صوته الحازم يأتيها من خلفها: قطي العباة ذي في ذا الزبالة الحين.. لا تعلقينها.. جميلة استدارت نحوه بصدمة: نعم أرميها؟؟.. وعدتك ما ألبسها.. بس أرميها حرام.. حينها كانت الصدمة الشفافة من نصيبه.. قد يكون اعتادها متأنقة على الدوام.. ولكن أناقتها دائما كانت له.. ولكن هذه الأناقة اللافتة لم تكن اليوم له.. فستانها الماروني من الدانتيل والشيفون (هاي نك) بدون أكمام.. وبحزام ذهبي عريض.. بدت تفاصيل جسدها مرسومة فيه بدقة مثيرة وهو يتسع بأناقة من أسفل وركيها بعد أن رسم كل تفاصيلها.. فهد هتف بصدمة غاضبة: أنتي أشلون لابسة كذا؟؟ جميلة بتأفف يائس: بعد وش فيه؟؟ لا قصير ولا صدره مفتوح.. (ياربي هذا لازم يجيب آخري اليوم!!) فهد بغضب حقيقي: وش فيه؟؟ إلا وش مافيه؟؟ ما كأنش لبستي شيء من كثر ماهو مفصل جسمش.. جميلة تكاد تبكي منه.. فهي مرهقة بالفعل وهو يتفلسف كما لو كان يشعر بالغيرة فعلا.. همست بإرهاق ساخر: ترا العرس عرس نسوان.. ماكان فيه رياجيل ترا.. فهد اقترب ليشدها من معصمها وهو يهتف بذات غضبه: لا تستخفين دمش.. أدري إنه عرس نسوان.. وأنا ما أرضى العيون تشوف شيء هو حقي بروحي!! جميلة تراجعت بجزع.. لكنها لم تستطع التراجع لأن يده تمسك معصمها بقوة.. همست باختناق أقرب للخوف: خلاص فكني.. أوعدك ما ألبس ضيق كذا مرة ثانية.. مد يده الحرة ليمسح على ذراعها وهو يهتف بنبرة مقصودة: ولا كم قصير.. جميلة بذات النبرة المختنقة: إن شاء الله.. ولا كم قصير.. حينها شد معصمها نحوه أكثر ليقربها منه وهو يهمس بخفوت ونبرة مقصودة: جميلة أنتي ليش تسوين فيني كذا؟؟ جميلة بتوتر: وش سويت؟؟ حينها شد كفها ليرفعها إلى شفتيه ويغمرها بقبلاته.. قبلات والهة عميقة ملتهبة..أشبه بالأنين الموجوع!! جميلة شدت كفها بعنف.. لتكسر إحساسه الخاص بها وهو يهتف بذات النبرة المقصودة: هذا اللي أنت سويتيه...كلش منتي بمقبلة قربي!! جميلة بنبرة حازمة مقصودة.. فهي علمت أنها توشك أن تصبح في موقع المنتصر: الحين أنا اللي ما أنا بمتقبلة قربك..؟؟ عقب ما تعاملت معي كني زبالة... تبي قربي..؟؟ فهد حينها هتف بيأس حقيقي فهو متعب فعلا من تصارع الرغبات في داخله: جميلة ترا مهوب صعب علي أغصبش على اللي أبيه.. بس أنا مستحيل أسويها.. أبيها من خاطرش.. أنا استحملت واجد.. وأنا رجال ماني بطوفة!! وأنتي مني براضية تحسين فيني!! حين قال أنه يستحيل أن يجبرها منحها سلاحا آخر لتأديبه.. همست بذات النبرة الحازمة: والكلام اللي قلته لي.. وإنك ماتبي فضلة غيرك.. وش صار فيه؟؟ فهد حينها هتف بغضب: أنتي ليه ما تبين تنسين.. ليه قلبش أسود كذا؟؟ هذا كله عشانش عايفتني.. وما تبيني عقب رجالش الأولي.. جميلة لم تسمح له أن يقلب الطاولة عليها وهي تهمس بذات الحزم الرقيق: لا لا.. لا تحملني أغلاطك.. جاوبني بصراحة فهد.. لو أنا طلعت عادية أو ماني بحلوة وربي رماني بين إيديك.. وأنا مطلقة مثل ما أنا الحين.. كان تنازلت تنزل من برجك العاجي عندي!! حينها أجابها بثقة متجبرة.. والغريب أنها صادقة: أساسا أنا كنت أتمنى مرتي تكون عادية.. أنتي الحين ظنش إنه اللي خلاني أنزل من برجي العاجي على قولتش هو زينش اللي ماقدرت أقاومه.. بالعكس.. هذا اللي أخر نزولي.. وإلا كان نزلت من زمان!! لأنه هذي سنة الحياة.. وأنتي حلالي.. إلا عندش مانع؟؟ جميلة تزايد غيظها منه.. ومع همست حينها بثقة: خلاص اعتذر لي أول.. وانا أشوف أقبل اعتذارك وإلا لأ.. فهد تراجع بصدمة غاضبة: نعم أعتذر؟؟ أنتي بتذليني على كلام قلته وهذا أنا قدامش تراجعت عنه.. جميلة بذات الثقة: دامك على قولتك تراجعت عنه.. وش يضرك تعتذر.. يعني حلال عليك تجرح.. وحرام تداوي.. فهد بثقة أقرب للغطرسة: آسف لأني ماراح أقول آسف... اسمحي لي يامدام.. وأنتي دامش تبين تعصيني.. خلش منش لرب العالمين.. جميلة بثقة أكبر: لا يافهد العب غيرها.. أنا ماعصيتك.. قلت لك اعتذر.. وهذا أبسط حق من حقوقي.. ودامك مارضيت تعتذر.. فأفكارك ما تغيرت.. كل اللي صار إنك قررت تغير الاستراتيجية شوي.. عشان توصل أهدافك.. فهد زفر بغضب وهو يتجه للحمام ليستحم ويبرد ناره.. فمشاعره ملتهبة تماما.. وسيموت من رغبته في هذه الماكرة الصغيرة... وغاضب لأبعد حد.. وسيجن من الغيرة كلما تذكر رؤيته لغريمه الليلة... كل هذه الأفكار والمشاعر غاصت في عمق روحه كجرح ماكن يزداد تمكنا.. " إيه.. تدور لها أسباب.. لأنها عايفتني.. خلها تولي.. بأموت من غيرها يعني؟!!" ******************************************* حين وصلا للسيارة.. تمنى أن يركب جوارها.. لم يكن يريدها أن تبتعد عنه شبرا.. لكنه رأى أنه من غير اللائق أن يترك كسابا في الأمام كما لو كان سائقا لهما.. لذا أركب مزون في الخلف.. ثم أغلق الباب.. ليفتح الباب المجاور لكساب.. هتف كساب بمرح: وش جابك يا كابتن؟؟ ارجع اقعد مع عروسك ورا.. أنا أصلا حالف إني سواقها اليوم.. غانم أصر وكساب أصر أكثر.. حينها ابتسم غانم وهو يعود ليجلس بجوار مزون وهو يهتف لكساب بمرح: كنك داري باللي في خاطري!! ويمسك بكفها بين كفيه الاثنتين.. مزون شعرت أنه سيغمى عليها من الحرج.. وهي تسمع تبادل التعليقات المرحة بين الاثنين.. وكساب يهتف بذات المرح: أصلا أشوفك جاي تقعد جنبي وعينك ورا.. وغانم يهتف بمرح مشابه: الله يحزاك خير كان أحولت عيني.. كان يتبادل الحوار مع كساب بينما هو مشغول تماما بمن أناملها ترتجف بين كفيه.. وهو يتحسس أناملها وباطن كفها بحنو رقيق.. همست مزون باختناق بصوت خافت جدا حتى لا يسمعها كساب: تكفى بس.. ابتسم غانم وهو يهمس بخفوت مشابه: أخيرا سمعتينا صوتش.. مزون اختنقت أكثر وهي ترى إصراره على الإمساك بكفها بطريقته الغريبة.. وكلامها لم يؤدي لنتيجة سوى إحراجها أكثر.. وكساب يهتف بإبتسامة: سامع وشوشة ورا.. احترموا إن معكم عزول.. ضحك غانم: توك تقول إنك سواقها.. السواويق يسمعون ويسكتون.. كساب ضحك: تحشم ياغنوم.. قبل أوقف السيارة.. وأخليك أنت تسوق وأركب مع أختي وأخلي كبدك تطبخ شوي!! غانم برجاء بمرح: لا طالبك تكفى.. خلاص سكتنا.. مزون حرجها يتزايد.. وشعور آخر أعمق يتزايد... أنها كلما ازدادت قربا من الفندق.. كلما ازدادت توترا وشوقا جارحا لهذا المازح في الأمام.. الذي تعلم أنه يخفي خلف مزحه ومرحه مشاعر هادرة من الافتقاد تشبه ما تشعر به هذه اللحظات!! حتى وصلا لباب الفندق.. حينها تزايد ارتعاشها وغانم يشد كفها لينزلها.. كساب نزل ودار ليستقبلها وهو يقبل رأسها ويهمس لها بخفوت: بكرة الصبح بأجي أوديكم للمطار.. فلا تخربين ليلة المسكين بالدموع.. مزون هزت رأسها وهي تريد التعلق به وتمنع نفسها حتى لا تحرج نفسها وتحرجه.. بينما كساب يهمس لغانم بحزم متأثر: غانم تراني عطيتك عيوني الثنتين.. قبل ماتقول لها أي شيء.. تذكر إن أي شيء تقوله لها هو شوكة تغزها في عيني!! ولو زعلتها كنك فقعت عيني.. وماعقب العين شيء!! غانم بشفافية صادقة: ازهلها .. ثم رفع صوته لتسمعه مزون: وهذا أنا أقول لك قدامها.. لو أنا ضايقتها بأقل شيء مرخوصة إنها تشتكيني عندكم.. وحقكم كلكم في رقبتي.. كساب غادر.. العريسان توجها للداخل!! حين وصلا لجناحهما.. بقيت واقفة بخجل دون حراك.. همس لها غانم بمودة باسمة: حطي عباتش واقعدي..أو تبين مساعدة.. ماعندي مانع.. مزون خلعت عباءتها ووجهها يزداد احمراره وأنزلتها على طرف المقعد وبقيت واقفة.. حينها شدها برفق ليجلسها على الأريكة ويجلس جوارها.. مزون أنزلت عينيها في حضنها وهي تمسك بكفيها متشابكتين.. ودقات قلبها تتصاعد بعنف.. فغانم بدا لها جريئا لأبعد حد.. وبدأت تتوتر من هذه الجرأة.. وتتحفز ماهي ردة فعله القادمة.. وردة فعله لم تتأخر مطلقا وهو يمد يده ليرفع وجهها ويديره ناحيته.. مد سبابته ليمسح دمعة مازالت معلقة على طرف رموشها.. ويهمس بحنان غريب دافئ: قلت لش ما ابي أشوف دموع في عينش.. اظني بكيتي اللي يكفيش!! ثم أنزل سبابته من وجهها إلى نحرها ليلمس العقد الذي ترتديه بتقصد: قلت ما تحنيتي يمكن ما تحبين الحنا.. بس ليش مالبستي الطقم اللي جبته لش؟؟.. ما تتخيلين وش كثر لفيت محلات لين لقيت شيء عجبني..؟؟ ووش كثر تخيلت أشوفه عليش..؟؟ مزون شعرت باختناق فعلي من الحرج.. وتمنت لو انشقت الأرض وابتلعتها.. وهي تفكر في عذر تقوله.. لتجد لها عذرا.. أو بالأصح كذبة اضطرت لها.. وهي تهمس بحرج خجول: طقمك كان في الخزنة ونسوا يجيبونه لي.. اضطريت ألبس هذا.. ابتسم غانم وهو مازال يتحسس الطقم ومعه يتحسس عنقها بدفء: ماعليه.. أشوفه عليش بعدين.. حتى هذا بيضوي عشانه لامس رقبتش!! مزون لم تستطع أن ترد بشيء وهذا يلجمها بجرأة غير متوقعة.. ابتسم غانم: قولي شيء.. مزون بحرج: وش أقول؟؟ غانم بدفء عميق: قولي غانم.. خاطري اسمع اسمي من بين شفايفش كذا وأنتي قريب مني كذا ومستحية.. ومذوبتني بسحاش.. مهوب وأنا أتذكر أول مرة سمعت صوتش...وأنتي تصيحين علي وتقولين ياكابتن غانم.. أنا كابتن مزون.. كن حن في ثكنة عسكرية وأنتي القائد.. مزون اختنقت أكثر بخجلها.. وهي تعلم أنه يقصد المرة التي سافرا فيها معا.. هل كان يفكر فيها منذ تلك الأيام؟؟ لا يعقل.. !! لا يعقل !!!! همس بذات النبرة الدافئة: تدرين إنش أحلى حتى من أحلى أحلامي.. مزون شعرت أن وجهها اشتعل احمرارا (بدينا في المجاملات!!) تزايدت نبرة غانم دفئا وعمقا وهو يمد ظهر أنامله ليمسح على خدها: يعني مافيه أمل تحنين علي بحرفين.. مزون تراجعت وهي تقفز وتهمس بذات الاختناق: أبي أروح الحمام.. حينها ضحك غانم: ماعليه المهم تكلمتي.. ثم أردف بحنان: خلاص توضي.. عشان نصلي.. أنا بأقوم أتسبح في الحمام الثاني.. خذي راحتش.. بس موب واجد عاد.. مزون قفزت للحمام.. وهي تشد أنفاسها الذاهبة: يمه وش ذا الجرأة اللي عنده.. أكيد ملفلف الدنيا.. ومتعود يحاكي النسوان.. ماخلا شيء مالاحظه.. ليش ما تحنيتي؟؟.. ليش مالبستي طقمي؟؟؟.. باقي يقول لي ليش حطيتي روج وردي وماحطيتي أزرق؟؟.. وليه الفستان أوف وايت موب ذهبي..؟؟ ثم أردفت بصدمة وهي تنظر لوجهها في المرآة: وليش ماقال لي إن الكحل ساح كذا.. يمه قاعدة عنده وأنا شكلي يروع كذا وواثقة من نفسي بعد.. وهو يتغزل هو وجهه.. تلاقينه يتمسخر علي!! مزون مسحت وجهها بعناية.. وخلعت فستانها.. وهي تحاول إعادة بث الثقة في روحها.. ابتسمت بشفافية حانية وهي تتذكر كسابا وتعليقاته.. ربما لو كانت تزوجت قبل عودة علاقة كساب بها كما كانت.. لكان استعادتها لثقتها أمراً صعبا عليها.. لكن الآن الثقة مغروسة في ذاتها.. "حتى لو كنت عادية.. يكفيني ويكفيه إني مزون بنت زايد وأخت كساب!!" البارحة كانت خالتها هي من رتبت أغراضها في الجناح هنا.. وأخبرتها بتفاصيل الترتيب.. وهاهو قميص نومها الأبيض الفخم معلق في الحمام.. توترت للحظات.. ألبسه؟؟ أو لا ألبسه؟؟ لكنها قررت ختاما أن تلبسه.. فهو بالفعل يليق بها بفخامته واحتشامه.. وهي لن تفسد ترتيبها من أجل توتر تعلم أنه وقتي.. ***************************************** صالح حاول أن يعود مبكرا.. وفعلا فور أن زُف العريس.. توجه لبيته.. ليتفاجأ بمناحة في بيته.. فنجلا كان وجهها متفجرا بالاحمرار الدال على أنها بكت لساعات.. وحالما رأته انفجرت في البكاء مرة أخرى.. صالح اقترب منها بجزع: وش فيش؟؟ عسى ماشر؟؟ نجلاء بين شهقاتها: أنت تفاول على بنتي تموت.. مهوب كفاية إن قلبها تعبان.. تبي تسميها على بنية ماتت بالقلب!! صالح يتتهد: صبيتي قلبي.. ثم أردف بحنان: أفا عليش وش ذا الأفكار؟؟ أنتي عارفة إني وعدت سلطان أسمي بنتي لو جاني بنت علي بنته الله يرحمها.. المسكين ماكان عنده غيرها.. أمها ماتت في ولادتها.. وعقبه بكم سنة البنية ماتت.... عقب عرسنا بسنتين الله يرحمها.. نجلاء بين شهقاتها الناتجة عن تأثر نفسيتها بكثير من الأمور: أوعد صديقك بعيد عني أنا وبنتي.. أصلا والله لو تذكرت ذا السالفة ما أخليك تسمي أختي عليها.. صالح يتنهد: نجلا الله يهديش وش فيش سويتيها سالفة؟؟.. عمي راشد أصلا داري بالسالفة وبالعكس كان مبسوط بالاسم.. وسلطان لمعلوماتش جاب لاختش سماوة وش كبر.. بس أبيش سبق عليه بالحلوفة... نجلاء بين شهقاتها المتزايدة: مالي شغل... تغير اسم بنتي تغيره... وش ذا الفال الشين من أولها.. صالح يتنهد للمرة الألف: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الفال الله يهداش.. ثم تنهد بحزم:والاسم ماني بمغيره.. تبيني أصغر نفسي قدام الرجّال.. سلطان مسافر وبلغته بالاسم خلاص.. كل يوم يقول لي صورها وأرسل لي الصورة... تبين أقول له.. لا والله غيرنا الاسم... مهوب حولي.. نجلاء تزايدت شهقاتها في محاولة منها للضغط على صالح... بينما صالح رمى غترته على الأريكة وهو يميل على سرير غانم الصغير ويحمله بين ذراعيه.. ويجلس على الأريكة قريبا من نجلا وهو يناغيه.. دون ان يوجه كلمة لنجلاء....... ************************************ كساب حين أوصل مزون اتصل بكاسرة.. وسألها إن كانت تريد أن تذهب ليأتيها.. لكنها أخبرته أنه لا داعي ليتعب نفسه.. ستعود مع والدتها وسميرة.. وسيعيدهم تميم.. لذا حينما عادت للبيت كانت تتوقع أنها ستجده في البيت.. لأنه مرهق اليوم من كثرة (المشاوير) التي قام بها.. وهو يجهد نفسه في السواقة!! ولكنها لم تجده.. كانت هي ذاتها مرهقة وتريد تغيير ملابسها.. ولكنها لم تفعل.. فهي ختاما تعلم.. أنها لا تهمها مئات العيون التي رأت حسنها بانبهار الليلة.. وهذه الزينة لا قيمة لها إن كان هو لن يراها.. جلست في صالة جلوسهما في انتظاره.. لم يطل انتظارها.. إذ دخل بعد دقائق.. والصدمة أنه دخل بروب الاستحمام الطويل الذي تعلم أنه لا يستخدمه إلا حين يخرج من بركة السباحة.. " كيف يسبح هذا المجنون بيد واحدة؟؟" لتجد أن الصدمة الحقيقية أنه كان بيدين ليس بيد واحدة.. همست بصدمتها: متى شلت الجبس؟؟ أجاب ببرود وهو يجلس : اليوم يوم رحتي الشغل وخلتيني.. وأنا أقول لش اقعدي ومارضيتي... كاسرة صمتت.. أسكتها عن العتاب قبل أن تبدأ به.. وهي بالفعل لا مزاج لها لتعاتب .. فهي تشعر بسعادة شفافة لسلامته.. فما رآه في هذا الحادث يكفي وزيادة.. لذا مالت على شعره المبلول وهي تقبل رأسه وتهمس برقة: الحمدلله على سلامتك.. ولو أنه المفروض ماترهق يدك وأنت توك فاك الجبس.. حينها كانت الصدمة من نصيبه.. فهو كان مستعدا لعتاب لا يريده.. فهو مرهق ومستنزف من ضغط مشاعره لغياب مزون عنه.. كان يريد أن يشد كفها ليجلسها جواره.. لولا أنها ابتعدت عنه قبلا.. وهي تتجه لتغلق نقطة التحكم بالتبريد في الجناح.. لأنها تخشى عليه أن يمرض.. ثم تعود له لتجلس جواره .. دون أن تقول شيئا.. استدار ناحيتها وهو يمسح تفاصيلها بعينيه ثم يهتف بإبتسامة: كان فيه الليلة حد أحلى منش؟؟ ابتسمت: أنت وش رأيك؟؟ ابتسم بتقصد: رأيي إني توني دريت ليش ارتفع سعر الذهب لمستويات ماعمره وصلها.. لا تنكر أن داخلها ارتعش بشفافية.. فهذا الرجل شحيح جدا بغزله... فكيف بهكذا غزل راقي وخاص ومصاغ من أجلها!! كساب مد ذراعه التي أزال جبسها اليوم ليحتضن كتفيها بها.. أسندت رأسها لكتفه وهي تحتضن خصره بولع حقيقي عاجزة عن التعبير عنه.. هتف كساب وكأنه يحادث نفسه: ظنش إنها مبسوطة؟؟ كاسرة علمت عمن يتحدث.. تعلم قربه من شقيقته وقربها منه.. وتعلم أنه باله مشغول.. همست برقة: إن شاء الله إنها مبسوطة.. سميرة تقول إن غانم طاير فيها بشكل.. المهم إنه يعرف قيمتها.. " المهم إنه يعرف قيمتها!! المهم إنه يعرف قيمتها!!" تفكيره محصور بشقيقته وهو يقول لنفسه (إن شاء الله يعرف قيمتها..!!) لم يفكر أن هناك أمور أخرى يحتاج لمعرفة قيمتها!! همس بسكون: إبي أحط رأسي في حضنش.. كاسرة تأخرت لآخر الأريكة لتسمح له بذلك.. انخلع على روبه عن جسده وهو يضع رأسه على فخذها.. كاسرة مررت أناملها بحنان عبر خصلاته المبلولة وهي تهمس برقة: ماتبي أجيب لك فوطة أنشف شعرك..؟؟ همس بذات السكون : لا خلش جنبي.. هذه المرة بقيت جواره.. فهي أكثر احتياجا لهذا الجوار منه.. بقيا على هذا الوضع لدقائق.. وأناملها تعبر شعره ذهابا وإيابا.. حتى لمحت عيناها ما يكره أن تلمحه.. لم تنتبه حتى تحسست أعلى كتفه من الخلف.. حينها رفعت يدها بجزع وهي تسب نفسها أنه سيثور الآن ليفسد هذا الجو الرائق بينهما.. لذا كانت صدمتها أنه باقيا ساكنا وهمس بذات السكون: أفكر أسأل شيخ إذا كان ممكن أسوي وسم ثاني يغطي الوسم هذا بالكامل..؟؟ كاسرة بجزع مرتعب: تبي تحرق نفسك؟؟ هذا ما يغطيه إلا حرق ماكن؟؟ أجابها بذات السكون كما لو كان يحادث نفسه: ما أبي شيء يذكرني فيه.. أبي أمسحه من حياتي!! حينها تجرأت كاسرة أن تعاود تحسس الوسم بأناملها وهي تهمس بحذر: حطوه لك في السجن صح؟؟ ليش حطوه؟؟ أجابها بنبرة أقرب للسخرية المريرة: ليش حطوه؟؟.. عشان لو واحد منا يا المساجين قطّع الثاني.. يعرفون من المتقطع بدون مايجرون فحص طبي.. يعرفونه من الرقم المتسلسل.. ولو مابين في الكتف.. يبين اللي في الفخذ!! كاسرة كفت يدها برعب: نعم؟؟ ليه وحوش؟؟ كساب هتف بذات النبرة الساخرة المريرة: والله الوحوش أرحم.. هذولا كان أقل واحد فيهم محكوم 70 سنة.. هذا الملاك فيهم.. فيه ناس محكومين 500 سنة.. يعني عارفين إنهم مستحيل يطلعون من السجن.. وش يضر لو ذبح كل يوم واحد من المساجين؟؟ هذا سجن كان فيه سفاحين أمريكا اللي تسمعين عنهم يقتلون 20 واحد ويسلخون جلودهم بدون مايرمش لهم جفن.. وخلاص الوحشية في دمهم..!! كاسرة لم تحتمل.. وهي تدفع رأس كساب عنها.. لتقفز للحمام وتتقيأ كل مافي معدتها.. كساب قفز خلفها وهو يشعر بندم عميق أنه أخبرها.. وهو مازال لم يخبرها بأي تفاصيل حتى ...من التفاصيل المروعة في انعدام الآدمية..!! أراد أن يريحها قليلا.. وهي من كانت تعاتبه دوما على غموضه!! لم يتخيل أن كاسرة القوية ستهتز من مجرد خبر كهذا.. كساب دخل خلفها وهو يمدها بالمنشفة ويهتف لها بعمق: شفتي إن الجهل أحسن أحيانا من المعرفة.. حين رفعت وجهها إليه وهي تمسح فمها.. فوجئ بامتلاء عينيها بالدموع وهي تهمس باختناق: وسجن مثل هذا ليش أنت تدخله.. وأنت تقول إنك ماسويت شيء..؟؟ كساب تنهد وهو يشدها خارج الحمام ويهتف بعمق: بتظل مشكلتي أنا وإياش إني كل ماقلت لش شيء ما كفاش.. وتبين زيادة.. ********************************* إذا كانت كاسرة دخلت جناحها ولم تجد كسابا فإن والدتها دخلت لتجد زايد ممدا على سريره.. همست بلياقة جزعة: ليش ماقلت لي إنك رجعت.. كان رجعت من بدري.. أجابها بسكون وهو يتمدد على جنبه: مابغيت أعجلش.. وأنا أساسا توني انسدحت.. لهيت أسبح وأصلي وأقرأ وردي.. مزنة خلعت عباءتها وهي تهمس باحترام عذب: عطني شوي وقت وأجيك.. ماني بمتاخرة.. استحمت على عجالة.. وقررت تأجيل قيامها حتى ينام.. فهو بدا لها مثقلا بالإرهاق.. وهي تطيل دائما في صلاتها.. وحق الزوج مقدم شرعا على النوافل.. لذا قررت أن ترى مابه أولا.. وخصوصا أنها تعلم أنه الليلة مثقل بحزن شفاف لا يشبه سواه.. لغياب صغيرته عن عينيه وحضنه!! جلست في ناحيتها.. بينما كان هو متمدد ناحيته ويوليها ظهره.. مالت عليه وهي تمسح على شعره وتهمس قريبا من أذنه: لا تحاتي مزون.. صدقني بترتاح مع غانم.. غانم أعرفه من وهو بزر.. ماشفت مثل حنانه على أمه وخواته.. قلبه صافي كنه ذهب.. استدار ناحيتها ليمسك بكفها ويحتضنها بين ضلوعه وهو يهمس بعمق: أنا ما أحاتيها.. أحاتي نفسي عقبها.. همست مزنة بحنان: هذي سنة الحياة.. وبكرة بتجيب لك هي بعد أحفاد تستانس فيهم.. وتلهى فيهم عن كل شيء... همس بعمق لا يخلو من رائحة الحزن: الله يجيب الخير من عنده.. كانت مزنة تريد أن تقول شيئا ولكنها قررت أن تصمت وهي تراه يقترب منها ليدفن وجهه في صدرها.. احتضنته بدفء حان.. وهي تمسح على شعره.. وتقرأ عليه الأذكار.. كما لو كان طفلا صغيرا يستكين بين ذراعيها.. ويستمد الحنان من دفء صوتها وأحضانها.. يزداد الحزن في قلبه بصورة غريبة.. يشعر كما لو كان يستغلها.. فهاهي تهديء جزع روحه كالسحر الحاني.. بينما هو يبتعد بأفكاره عنها إلى موانئ بعيدة موحشة.. تنعق الغربان المشؤومة في جنباتها!! بقدر ما يكره هذه الموانئ.. بقدر مايجد نفسه يقترب منها!!! ******************************** " تعالي مزون.. مطولة وأنتي واقفة!!" مزون اقتربت منه بتوتر.. وخصوصا وهي تراه بثوبه المفتوح الجيب.. بدون رسمية الغترة والبشت الأسود.. للتو تنتبه أن شعره ليس داكنا بل لونه يقترب من البني.. حتى حينما سافرت معه.. لم تنتبه لهذا الشيء.. لأنها تخجل من التمعن بأي رجل.. لكنها تتذكر جيدا لون عينيه الغريب.. الذي مازالت لم تركز فيه للآن.. هتف غانم بأريحية: تعالي نصلي!! مزون فتحت الخزانة لتستخرج سجادتها وجلال الصلاة وترتديه فوق قميصها.. وقفت خلفه ليصليا.. وحين انتهيا التفت لها.. ليضع كفه على رأسها ويدعو.. ارتعش داخلها بخفة شفافة مع تمتمته بالدعاء حتى انتهى.. مد يده حينها ليرفع ذقنها للأعلى.. وهو يهمس بعمق: تدرين إنش لحد الحين ماحطيتي عينش في عيني.. ثم أردف بإبتسامة: صحيح عيوني عسلية.. بس لا تصدقين سميرة لا قالت لش إنها تروع.. عشانها كانت بتموت تبي عيونها عسلية.. مزون همست باختناقها الخجول الملازم لها: أبي أقوم أصلي قيامي.. غانم ابتسم: كلنا بنصلي.. ولا يهمش.. وش ورانا... الليل طويل!! حينما أنهيا كلاهما صلاتهما ووردهما وكل منهما يدعو بدعاء خاص به.. في هذه الليلة التي لن تتكرر أبدا!! مزون خلعت جلالها وهي تنظر للمرآة حتى ترتب شكلها.. ابتسم غانم بشفافية وهو يقف خلفها: حلوة وتجننين وتأخذين العقل.. بدون شيء.. مزون توترت أكثر(شكله حافظ كم كلمة مجاملة بيقولها ورا بعض!!) غانم شدها من كفها برفق وهو يجلسها على الأريكة ويجلس جوارها.. وهو يهمس بحنان: يا الله الحين بتسولفين علي.. ميت أبي أسمع من بين شفايفش سالفة وحدة طويلة.. وأبيش تقولين اسمي بين كل سطر وسطر..!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والتسعون مزون خلعت جلالها وهي تنظر للمرآة حتى ترتب شكلها.. ابتسم غانم بشفافية وهو يقف خلفها: حلوة وتجننين وتأخذين العقل.. بدون شيء.. مزون توترت أكثر(شكله حافظ كم كلمة مجاملة بيقولها ورا بعض!!) غانم شدها من كفها برفق وهو يجلسها على الأريكة ويجلس جوارها.. وهو يهمس بحنان: يا الله الحين بتسولفين علي.. ميت أبي أسمع من بين شفايفش سالفة وحدة طويلة.. وأبيش تقولين اسمي بين كل سطر وسطر..!! مزون حينها همست برقة خجولة وهي تدعك أناملها: أي سالفة؟؟ ابتسم غانم (ماعليه تشجعت شوي!!) : أي سالفة تبينها.. حتى لو بتقولين لي أشلون يسلقون البيض.. حينها ابتسمت مزون بعذوبة.. فهي مهما كان لديها حياؤها الفطري ..فروحها اعتادت على خوض المواقف الصعبة والثقة فيها .. ولا تريد أن تبدو أمام غانم متصلبة أكثر من ذلك وهي تراه يبذل جهده .. وخصوصا أنها تشعر بالحرج من حكاية الطقم الذي لم ترتديه.. وهو تقبل العذر بأريحية رغم أنه كان يحق له أن يغضب.. لذا أجابت بذات الابتسامة العذبة الخجولة برقي غير مصطنع: وإذا كنت ما أعرف أسلق بيض؟؟ ابتسم غانم: تسوقين طيارة وماتعرفين تسلقين بيضة؟!! ابتسمت وهي تراه يتحدث عن سياقتها للطائرات بعفوية حميمة.. فهذا الموضوع بات من المحضور الحديث عنه في منزلها.. لأن الحديث عنه يستدعي الظروف القاسية التي رافقته.. ولكنه مهما كان يبقى جزءا كبيرا من حياتها!! ردت عليه بعفوية باسمة: أنت تسوق طيارات من قبلي.. تعرف تسلق بيض؟؟ ضحك غانم: أفا عليش.. حن وصلنا لمرتبة طبخ الكبسة.. لو كان عندنا مطبخ.. كنت وريتش!! حينها تجرأت أن ترفع عينيها له.. لفت نظرها فيه شيئين.. لون عينيه غير المعتاد لرجل بدوي..وابتسامته.. كانت ابتسامته رائعة بالفعل.. همس لها بدفء: أخيرا تكرمتي تطلين في وجهي.. لذا الدرجة وجهي ما ينتشاهد يعني!! عادت لإخفاض نظرها بعفوية خجولة.. مد سبابته ليرفع ذقنها بحنان وهو يهمس بدفء عميق: تكفين مزون.. موب كل شوي تبعدين عيونش عني.. أحس إني تشتت.. مزون اختنقت بالصمت.. كلما حاولت أن تتجرأ قليلا.. وجدت أن جرأته المتزايدة تلجمها.. مد كفه وهو يهمس لها بإبتسامة: زين عطيني يدش.. خلني أركز في شيء.. حاس وأنتي جنبي كني طاير وأرجيلي ماتلمس الأرض حتى!! مزون منحته كفها ودقات قلبها تتزايد بعنف.. فتح كفها في كفه.. وهو يمرر سبابته عبر خطوط يدها كانت كف مزون ترتعش بينما هو يهمس بعمق: تهقين لو دورت بين خطوط يدش.. بألقى اسمي..؟؟ لأني كل ما أطل في خطوط يدي يتهيأ لي إني ما أشوف شيء غير اسمش.. مزون همست باختناق: غانم.. بس.. فك يدي الله يرحم والديك.. همس بابتسامة شاسعة مغلفة بعمق عذب: ياحلوه اسمي من بين شفايفش.. وأخيرا حنيتي علي.. حاضر أفك يدش.. وبالفعل أفلت كفها.. ولكنه نقل كفيه إلى شعرها وهو يدخلهما بين خصلاتها ثم يسندهما خلف رأسها ليقربها منه أكثر.. مزون تزايد ارتعاشها وتحجرت الكلمات في حنجرتها.. وهي تراه يقربها حتى وضع أذنها على صدره تماما واحتضنها بحنو وهو يهمس بعمق حاني: تكفين ما تجفلين.. اسمعي دقات قلبي بس.. خافي الله فيني.. قلبي بيطلع من مكانه.. خلش قريب منه!! ******************************** كان منبه هاتفها يرن لصلاة الفجر بعد أن نامت البارحة مبكرا.. ففهد بعد أن استحم مطولا البارحة.. خرج من غرفة التبديل مرتديا ملابسه وخرج دون أن يقول لها كلمة.. حمدت الله على التخلص منه وهي تأخذ راحتها في الاستحمام والصلاة ثم تنام بكل راحة بعيدا عن ثقل ظله.. وهي فعلا كانت متعبة من يوم أمس المنهك من أوله.. لذا تناولت لها كعادتها الرديئة قرصين من بنادول نايت.. كانت تسمع صوت المنبه يرن.. وهي كما لو كانت تحلم .. وإحساس غريب يحيط بها.. ورائحة عطر فخم اعتادت عليه من بُعد.. تشعر به قريبا.. بل أقرب من قريب!! عبقه الفاخر اخترق أقصى حويصلاتها الهوائية بدفء خاص.. كانت مازالت تشعر بعدم التركيز.. لتفتح عينيها بصدمة شاسعة حين شعرت بقساوة المخدة التي كانت تنام عليها وعرفت ماهي هذه المخدة.. حاولت أن تقفز.. لتمنعها يد امتدت فوق صدرها لتتناول هاتفها وتغلق المنبه.. وصوته الناعس يهمس: وش ذا النوم كله.. البيت كله سمع صوت المنبه وأنتي ماقمتي!! جميلة تخلصت من ذراعيه بجزع.. كيف كانت تنام على عضده دون أن تشعر؟؟ " لا بارك الله في ذا البنادول!!" ثم قفزت بجزع أكبر وهي تتحسس جسدها.. وتتأكد من إغلاق ازرار بيجامتها.. فهد نظر لها باستغراب: أنتي خبلة؟؟ شتسوين؟؟ فهد احتاج له دقيقة ليستوعب ماذا كانت تظن.. رغما عنه انفجر ضاحكا: صدق إنش خبلة.. أنتي كنتي راقدة بس ماكنتي مخدرة.. يعني خذتش في حضني.. ماعليه.. بس لو صار أكثر من كذا.. كان حسيتي فيه!! جميلة تشعر أنها ستبكي من ظهورها بمظهر البلهاء أمامه.. وهي من كانت تشعره دائما أنه (الغشيم!!) جميلة دعت الله بعمق أن يظنها بلهاء... ولا يُرجع بلاهتها إلى انعدام معرفتها!! حاولت أن تلهيه عن التفكير بسؤالها الغاضب وهي تقفز عن السرير بعيدا عنه: وأنت أشلون تسمح لنفسك تاخذني في حضنك..؟؟ أجابها ببرود واثق: كيفي.. عندش اعتراض؟؟؟ اشتكيني للأمم المتحدة!! جميلة تشعر أنها ستبكي منه: احنا مهوب اتفقنا إنك تعتذر لي قبل ما تتجاوز حدودك معي!! هز كتفيه بثقة: وأنا ما تجاوزت حدودي.. وإذا فكرت أتجاوزها.. لا تخافين بأعتذر لجنابش يا سمو الأميرة... ثم أردف بثقة أكبر: صلي وجهزي نفسش.. أرجع من الصلاة نطلع المطار!! جميلة اختنقت تماما: ما أبي أسافر معك الله يرحم والديك.. ارحمني!! حينها عاد لها لينظر لها نظرة مباشرة ويهتف بمباشرة صادقة: تكفين جميلة لا تخلينا مسخرة للناس.. وكل لسان يطلع علينا سالفة.. امشي معي ذا المرة.. لو أنا ضايقتش في شيء... أنا بنفسي بأتصل بمنصور وبأقول له تعال خذ جميلة.. ************************************** " يمه.. يمه.. يمه وينش؟؟ . وين راحت؟؟ نزلت تحت مالقيتها.. والخدامات يقولون إنها نزلت مع عمي زايد لين راح.. وعقبه طلعت.. تكون راحت عند جدي!!" كاسرة كانت تقترب أكثر لداخل الجناح.. فهي كانت محتاجة لشدة لرؤية والدتها.. فبعد الحكاية المبتورة التي أخبرها بها كساب البارحة ثم صمت كعادته وهي متوترة.. وخصوصا أن الحمل زادها حساسية.. كانت تريد أن ترى والدتها تستمد قوة من قوتها.. فالموضوع أرهقها تماما.. حتى لو كان يستحيل أن تخبر والدتها بشيء!! ولكن رؤيتها داعم معنوي لها..!! تقدمت بثقة لأنها تعلم أن عمها غير موجود فهو خرج مبكرا جدا مثله مثل كساب!! لتتفاجأ بصوت التقيء القادم من داخل الحمام المفتوح.. كاسرة اقتحمت الحمام بجزع.. لتجد والدتها تتقيأ والغريب أنها لم تتناول طعاما حتى تتقيأه.. بل كانت تتقيأ عصارة المعدة.. بدا ذلك واضحا لكاسرة التي وقفت خلف والدتها وهي تحاول إيقافها.. أشارت لها والدتها أن تفلتها خوفا عليها من أن تثقل على نفسها وهي تهمس بحزم: بأقوم بروحي.. اطلعي.. بأغسل وأجيش!! كاسرة خرجت وأخذت قنينة ماء وفتحتها وهي تقف بقلق عند باب الحمام.. حين خرجت والدتها.. همست لها بهذا القلق: يمه وش فيش؟؟ مزنة بثقة غامرة: مافيني شيء.. بس الظاهر البارحة العشاء كان ثقيل علي.. ولحد الحين بطني يوجعني منه!! كاسرة باستغراب: يمه أنتي ما تعشيتي البارحة في العرس!! مزنة بذات الثقة: تعشيت عقب مارجعت البيت.. كاسرة بقلق حاني: يمه خلنا نروح المستشفى.. لا يكون معش تسمم.. مزنة بتصميم: مافيني شيء عشان أروح المستشفى.. كاسرة حينها أجابت بتصميم أكبر: خلاص ماتبين تسمعين كلامي.. بأقول لعمي زايد وتفاهمي معه.. حينها تفاجأت كاسرة أن والدتها انفجرت بغضب: كاسرة لو سمحتي.. اسمعي الكلام.. ولا ترادين!! وزايد يا ويلش تقولين له شيء !! والله العظيم لأزعل عليش!!! كاسرة تراجعت بصدمة.. وعقلها الذكي يجري بعض الربط والحسابات.. رغم صعوبة التوقع.. حينها همست لوالدتها بنبرة مقصودة: يمه مهوب المفروض ذا الأيام دورتش الشهرية.. أنا شايفتش أمس تصلين وحن في القاعة.. مزنة زفرت بغضب.. آخر ماكان ينقصها أن تُعمل كاسرة عقلها الذكي.. ومع ذلك همست بثقة متحكمة: دورتي صايرة مهيب مضبوطة.. تدرين السن له أحكام.. كاسرة لم تستطع أن تمنع ابتسامة ما من التسلل لشفتيها: يمه دورتش طول عمرها مضبوطة مثل الساعة.. وأنتي تدرين زين إنه تو الناس على سالفة.. السن له أحكام..!!!! مزنة زفرت بإرهاق غاضب وهي تجلس على الأريكة: كاسرة خلصيني وين تبين توصلين؟؟ كاسرة قفزت جوار والدتها.. وهي تقبل كتفها ورأسها وكفيها بسعادة شفافة: أبيش تعترفين.. كم صار لش؟؟ يا الله اعترفي!! مزنة زفرت بتأفف حتى تخلص من إلحاحها: بداية الثالث الحين!! كاسرة حينها تراجعت بصدمة: قبلي حتى.. وماقلتي لي.. ليه يمه؟؟ مزنة ضغطت رأسها بإرهاق: ماقلت لأحد.. أصلا توني تأكدت يمكن من أسبوع بس.. أول شيء تاخرت الدورة.. قلت عادي وحدة في عمري لازم تبدأ هرموناتها تختبص ويمكن الدورة بتوقف.. بديت أحس بأعراض الوحم.. رجعتها لنفس السبب.. مع إنه شيء في داخلي يقول لي (يا الخبلة أنتي جاهلة في أعراض الحمل ).. بس أنا استبعدت السالفة.. كنت لاهية في تجهيز البنات.. وآخر شيء ناقصني أطلع حامل.. والبنات يبتلشون فيني.. ويقولون اقعدي ارتاحي!! كاسرة بنبرة أقرب للغضب: وهذا صحيح يمه.. توش في شهورش الأولى.. وماحتى ترتاحين دقيقة!! مزنة زفرت بذات الإرهاق المحرج: كاسرة .. أنا بروحي ميتة من الفشيلة.. لا تزودينها علي.. وش أرتاح بعد؟؟ حينها ضحكت كاسرة وهي تختضن كتفي والدتها وتقبل رأس كتفها وتهمس بسعادة: حلوة فشيلة ذي يمه.. أنتي جايبته من الشارع.. ؟؟! طالبتش يمه.. طالبتش... أنا بأبشر عمي زايد.. طالبتش!! مزنة بجزع: إلا أنا اللي طالبتش ما تقولين لأحد.. لين عرس وضحى على الأقل.. ما أبي أوترها قبل عرسها وهي محتاجتني طول الوقت.. كاسرة باستغراب: زين عمي زايد وش دخله في عرس وضحى.. قولي له وخلي الموضوع بينكم.. صدقيني بيزعل وأنتي مأخره عليه الخبر ذا كله.. متى تقولين له؟؟ وأنتي خلاص بتدخلين الرابع.. مزنة بحزم: خلاص كاسرة.. لا تتدخلين في موضوع ما يخصش.. يعني أمش ما تقدر تأمنش على سالفة؟؟... قلت لش الوقت الحين مهوب مناسب.. انتهينا.. كاسرة ابتسمت وهي تقف : خلاص مثل ماتبين.. كاسرة غادرت وهي تشعر بسعادة حقيقية جعلتها تنسى جزئيا توترها من كساب.. " بيبي يصير أخي أنا وكساب.. ويصير خال ولدي وعمه في نفس الوقت.. أحلى شيء!!" بينما مزنة تنهدت بعمق وهي تُرجع ظهرها للخلف.. لم تكن تريد فعلا أن تخبر أحدا.. فهي تشعر بحرج عميق.. عميق..!! ماذا سيقول الناس.. الرجل وابناؤه كلهم نسائهم حوامل؟؟ ويأتي ابنها مع حفيدها!!! ما كل هذا الإحراج!! حامل وهي تستعد لتكون جدة!! هي مطلقا لم تكن تخشى اخبار كاسرة.. ولا حتى وضحى.. لكنها تشعر أنها ستموت من الحرج.. حين يعلم تميم.. أ تقول له: أمك حامل؟؟ يا الله .. ماكل هذا الحرج!!! وبعيدا عن حرجها.. لا تنكر سعادتها.. فمها يكن هذه نعمة من رب العالمين لا ينكر فضلها إلا جاحد .. بداخلها إحساس شفاف كان ينبئها دوما أن مهابا سيعود لحضنها.. كانت تظنه سيكون حفيدها.. ولكن إحساسها كان أعمق من ذلك بكثير!! سيكون ابنا.. هي فقط من ستكون أمه..!! ولكن تبقى المعضلة هي زايد.. تشعر بالحرج من إخباره.. وعلى الجانب الآخر ترى أن الوقت غير مناسب إطلاقا.. البارحة كانت تريد إخباره.. لكنها خشيت أن يظن كما لو أنها تريد أن تقدم له البديل عن ابنته التي ذهبت.. شعرت أنه من حقه أن يعبر عن حزنه لفراق مزون.. لأنها كأنه بإخبارها له في ذلك التوقيت تحرمه من حزنه لتهديه سعادة مبتورة..!! والسبب الأهم من كل سبب.. هو مشاعر زايد المتقلبة مؤخرا.. تشعر به غير مرتاح.. قلق.. متوتر.. وتخشى ألا يكون استقباله للخبر جيدا.. حينها سيزداد حرجها.. وستتحول فرحتها لمشاعر أخرى ملتبسة تخشى على جنينها من سلبيتها!! ************************************** مازالا لم يناما منذ البارحة.. أو بالأصح هو من لم يسمح لها أن تنام.. يشعر أنه يريد قرونا يُشبع فيها رغبته في رؤيتها أمامه وسماعه لأحاديثها... ولا تكفيه.. تحدث وتحدث وتحدث وجعلها تتحدث أكثر منه!! هل تصدق أن الشمس.. تجالسك وتتحدث إليك؟!! هل تصدق أنك تنفست رائحة الشمس وشعرت بأضلاعها ترتعش بين أضلاعك.. ومازلت لم تحترق!! أو ربما احترقت.. وما بقي منك هو الرماد!! كان غانم بارعا تماما في تفكيك حصون خجلها منه.. يتقدم خطوة.. ولا يتراجع أبدا عنها مهما كانت صدمتها منه.. لكي لا يسمح لها بإعادة رصف حصونها.. كان قد انتهى من ارتداء ملابسه.. وينتظرها أن تنتهي لينزلا لكساب الذي أخبره قبل دقائق أنه قادم في الطريق.. وأنه سيشرب بعض القهوة في (لوبي) الفندق حتى ينزلا له إن كانا سيتأخران!! حين أخبره غانم أن شقيقته هي التي مازالت لم تنتهِ!! غانم استخرج هدية (صباحيتها) لها من حقيبته.. مثل الطقم الذي تعب في اختياره - ولم ترتديه- تعب كثيرا في اختيار هذه الساعة.. ويريد أن يلبسها إياها بنفسه!! كان يقف قريبا من التسريحة لتلفت نظره ساعتها التي خلعتها البارحة ووضعتها هناك.. رفعها لينظر لها.. لا يعلم لِـمَ شعر بحزن غريب ما.. أن تقارن بين هديته وهذه الساعة التي يعلم أن سعرها لا يقل عن عشرة أضعاف ساعته وربما أكثر بكثير!! فاسم ماركة الساعة كان يخشى من مجرد الاقتراب له وهو يبحث عن ساعة لها.. قد تكون حالته المادية جيدة جدا.. ولكن ليس إلى درجة التفكير حتى من الاقتراب من أبعد حدود هذه الماركة المرعبة.. " هذي هدية عرسي من إبي !!" كانت تهمس له برقة وهي تراه ينظر لساعتها وهي مازالت تقف عند باب الحمام ملتفة بروبها.. ابتسم لها بشفافية: كنت أقول لنفسي يمكن صباحيتش ماتعجبش عقب ذا الساعة!! مزون اقتربت وهي تهمس بلباقة رقيقة: أولا ماكان فيه داعي تكلف على نفسك بهدية.. ثانيا دامك جبتها.. أكيد بتعجبني.. كفاية إنها منك!! ابتسم غانم وهو يمدها بالكيس.. فتحت العلبة الأنيقة لتكشف عن محتواها.. ابتسمت برقة: تجنن وبدون مجاملة.. وبألبسها الحين وراح أحطها أبد!! ابتسم غانم بسعادة (والله إنها تاخذ العقل.. الله لا يحرمني منها) هتف بمودة غامرة: عطيني يدش.. مدت يدها ليلبسها الساعة.. ثم رفع يدها لشفتيه ليغمرها بقبلاته الوالهة وهو يهتف بولع: الحين أصلا زاد حلاها.. ثم هتف وهو مازال يمسك بكفها بين كفيه: يا الله استعجلي في اللبس.. عشان كساب ينتظرنا تحت.. حينها شدت يدها برقة من بين يديه وهي تهمس بعتب رقيق: وليش مادقيت علي الحمام تقول لي..؟؟ وكم صار له ينتظر.؟؟ ياقلبي ياكساب أكثر شيء يكرهه ينتظر حد.. ضحك غانم: هذا كله تحاتين أخيش.. أنتي اللي أخرتيه.. أنا خالص من زمان.. مزون ياستعجال: خمس دقايق وأخلص.. تكفى غانم انزل له.. لا تخليه قاعد بروحه.. لا خلصت دقيت عليك!! غانم بمرح: والله مهوب شغلي.. أنا عريس وبأقعد مع مرتي.. خله ينقع تحت ويعصب.. مزون حينها همست برقة أقرب للبكاء: تكفى غانم عشان خاطري.. ابتسم غانم بمودة: دام قلتي عشان خاطري.. تراني رحت في خرايطها.. حاضر.. أبشري.. ننزل لأخيش عشان ما نخرب مزاجه!! ********************************** " ها عبدالرحمن وش رأيك؟؟" عبدالرحمن ينظر للعصا المربعة التي يتم الاستناد عليها من الناحيتين والتي أحضرتها له عالية ويهتف بضيق: ياقلبي تعبين نفسش على غير فايدة .. عالية بابتسامة مرحة: بلاها حركات الكسلانين.. أنت الحين وش كثر تتحرك بين الحواجز الثابتة وتعودت عليها.. بنسوي تغيير بسيط وتصير الحواجز متحركة شوي.. استخدمها داخل البيت على الأقل بدل الكرسي.. ابتسم عبدالرحمن: حاضر يادكتورة عالية.. مع إني ما أشوف نفسي استفدت شيء إلا إن ذرعاني عضلت.. من كثر ما أشيل عليها ثقل جسمي كله.... وأرجيلي معطيها إجازة.. ضحكت عالية وهي تتحسس ذراعيه: ذرعان باباي عقب السبانخ.. ماعليه اسمها فايدة.. هاهما كعادتهما يتبادلان المرح والنكات.. ويحاولان ألا يشغلان بالهما كثيرا بما يشغلهما فعلا.. لماذا لم يمشِ عبدالرحمن حتى الآن؟؟؟ ********************************** " وضحى وش مقعدش هنا بدري كذا؟؟ أنا الله يعيني قايمة مع (بيل غيتس) لا يغيب يوم عن الشغل اعتفس سوق الكومبيوترات.. وانهارت الميكروسوفت.. أنتي وش مقومش؟؟" وضحى تنظر لسميرة باختناق.. فهي بعد زواج مزون بدأت العد العكسي لزواجها.. همست بذات النبرة المختنقة: أرسلت مسج لمزون عشان أكلمها.. أدري إن طيارتها بدري.. وأبي أسلم عليها قبل تروح!! ابتسمت سميرة وهي تجلس جوار وضحى: حتى أنا أرسلت رسالة للكابتن.. ولحد الحين ماعبرني.. أبي أكلمه أرجع انخمد.. سبحان الله يا وضحى لو شفتي بس أشلون كان يطالعها البارحة.. كأنه مهوب مصدق إنها قدامه.. عقبالش يوم تطير عيون نويف فيش.. وضحى بذات الاختناق: تكفين سميرة بلاه ذا الطاري.. بروحي من البارحة متوترة.. كنت حاسة إنه عرس مزون مسوي حاجز قدامي.. والتركيز كله عليها.. الحين مزون عرست وخلصت.. وماعاد فيه حاجز قدامي.. متوترة بشكل.. سميرة ببساطة: وليش ذا التوتر؟؟ مافيه شيء يستاهل.. وضحى بذات توترها المتزايد: إلا وش اللي يستاهل.. نايف وأكيد ماخذ مني موقف عقب الموقف السخيف اللي سويته فيه.. وحتى لو ماكان ماخذ موقف.. ماشاء الله سمعة خواته القشرات ضاربة التوب.. وش كثر كانت شعاع تسولف وش كانوا يسوون في جوزا.. أشلون الحين في مرت أخيهم الوحيد..؟؟ ليتني سمعت شور أمي وكاسرة يوم قالوا لي فكري بعد..!! سميرة شدت كف وضحى بحنان ومؤازرة: بلا سخافة... ترا أي عروس عرسها يقرب.. تطري عليها ذا الطواري.. تعوذي من أبليس ولا تكبرين سالفة ما تستاهل.. ************************************* " مابغيتي تفكين أخيش.. خايفة أخطفش وإلا أكلش يعني؟؟" مزون ترد على مزاح غانم باختناق متزايد: تكفى غانم.. لا تزيدها علي.. تراني على طريف.. وأبي لي سبب عشان أبكي.. غانم يشد كفها ليحتضنها بحنو: فدوة لدموعش أنا.. خلاص باسكت.. مزون بحرج: غانم فك يدي.. احنا في قاعة الانتظار.. وأنت معروف هنا في المطار.. غانم يتلفت حوله في صالة انتظار الدرجة الأولى الخالية في هذا الوقت المبكر من الصباح ويهمس بابتسامة: من اللي بيشوفنا؟؟ الطوف وإلا الطاولات..؟؟ ولو حد شافنا.. ماعلي من حد.. اللي عنده ريال يقطعه.. مرتي وكيفي.. مزون صمتت وهي تحاول إبعاد تفكيرها عن أهلها واشتياقها المتزايد لهم منذ الآن.. ولكن غانم لم يسمح لها بالابتعاد عن أجواءه وهو يهمس لها بدفء: يعني ما سألتيني وين بنروح للحين؟؟ حاولت مزون أن تبتسم: أنت قلت مفاجأة.. ابتسم غانم: وماصار عندش فضول تعرفين المفاجأة؟؟ حينها ابتسمت مزون بشفافية: بنروح هولندا.. صح؟؟ ضحك غانم: يالنصابة.. شفتي التذاكر وإلا البوردنغ؟؟ ضحكت مزون برقة: لا هذا ولا هذا.. بس شكلك نسيت إني كابتن سابق أو بمعنى أصح كابتن مع وقف التنفيذ.. حسبة بسيطة لمواعيد الرحلات اللي شفتها.. وعرفت وين بنروح.. بس وش معنى هولندا..؟؟ غانم بأريحية حميمة: وش أسوي؟؟ كل ماسألت أخوانش عن مكان.. قالوا لي رحتي له.. وأنا أبي أوديش مكان تشوفينه معي للمرة الأولى.. وهولندا فعلا جمالها فوق الوصف.. بتعجبش وعلى ضمانتي!! ************************************* رحلة أخرى تحط ركابها.. وهاهما يعودان إلى غرفتهما في ذات الفندق.. حين دخلتها شعرت بأنفاسها تضيق وتضيق لدرجة العجز عن التنفس.. " آخر مرة أحكم عقلي على حساب نفسيتي.. حتى لو ولع لي أصابعه العشر شمع.. ماراح أرجع معه عقب عرس خاله!!" فهد هتف لجميلة بسكون: وش فيش؟؟ جميلة خلعت عباءتها وهمست باختناق: مافيني شيء.. بس تعبانة أبي أنام.. أجابها بحزم: سكري الباب على نفسش.. ونامي على كيفش.. أنا طالع التدريب.. جميلة بصدمة: فهد أنت لك عبارت 3 أيام ما نمت حتى ساعتين ورا بعض.. فهد بذات الحزم: لا رجعت ارتحت!! فهد توجه للباب.. وهي تبعته حتى تغلقه بالقفل خلفه.. قبل أن يفتح الباب.. نظر لها نظرة غريبة مثقلة بالمعاني.. وقبل أن تستوعب أي شيء.. كان يشدها ليحتضنها بكل قوته.. جميلة لشدة صدمتها لم تستوعب أي شيء حتى بدأت أضلاعها تؤلمها.. همست حينها بألم: فهد فكني تكفى.. آجعتني.. أفلتها بحدة أقرب للجزع.. فهو لم يتوقع أنها آلمها حتى صدرت آهة الألم عنها.. حالته باتت مزرية فعلا.. فهو بات كالعطشان الذي أمامه نبع الماء الصافي العذب.. ومع ذلك يرضى بقطرات شحيحة.. والمأساة أن القطرات لا ترويه مطلقا بل تزيده عطشا!! خرج من فوره دون أن ينطق بكلمة.. وجميلة أغلقت الباب بخوف ثم جلست على الأريكة وهي تحتضن نفسها وترتعش بعنف!! متوترة وخائفة.. وقبل ذلك كله.. مجروحة.. وجرحه في داخلها ليس بالجرح البسيط ولا الهين!! ************************************** بعد 5 أيام . . . " حبيبتي ركزي معي شوي.. من كساب لعلي لأبيش.. والحين عمش منصور وخالتش.. وكل واحد منهم تقعدين معه ساعة.. وأنا قاعد أعد الذبان!!" مزون ابتسمت وهي تعيد هاتفها لحقيبتها: يا النصاب وين الذبان؟؟ لو قلت النحل صدقتك.. صدق صدق الحدايق هنا خيال.. ابتسم غانم وهو يشد على ذراعها: كان خاطري تشوفين حدائق الكينوكهوف.. شيء فوق الخيال.. بس ماتفتح للزوار إلا في شهور الربيع.. أنا صدفتها مرة وحدة في رحلة من رحلاتي... حسبت نفسي رحت في عالم ثاني.. جنة الله في الأرض صدق.. ابتسمت مزون وهي تحتضن عضده: خلاص باقي لي قي ذمتك زيارة لهولندا في الربيع.. مهوب تشوقني بدون ماأشوف.. غانم يهتف بأريحية: أبشري.. من عيوني الثنتين.. نبي الرضا بس.. ثم أردف بابتسامة: ونبي بعد تنسين تلفونش شوية!! ************************************* دخلت عليه لتجده أمام دولابه الذي بات يمثل لها حكاية رعب تكرهها.. وجدته يستخرج ملابسه وهذه المرة وضعها على السرير دون أن يخبئها في أكياس قاتمة تخفي محتواها.. اقتربت وهي تشعر باختناق كاتم.. لأنه لا يفتح هذه الخزانة إلا لأنه سيسافر.. همست بسكون: بتسافر.. صح؟؟ همس لها بسكون: بسافر بس مهوب السفر اللي في بالش.. عندي توقيع عقد صار لي فترة مأجله.. ولازم أروح.. يوم يومين وراجع.. همست بتوتر لا تعلم سببه: زين ليش مطلع الملابس هذي.. أجابها ببساطة: لأنها تبي غسيل.. المرة اللي فاتت مالحقت أغسلهم.. حينها تجرأت أكثر : تبيني أغسلهم؟؟ أجابها بذات البساطة: لا تعبين نفسش.. لهم مغسلة خاصة.. باتت تستغرب منه.. ما الذي حدث ليبدأ بتفكيك بوابات غموضه هكذا.. نظرت للملابس العسكرية المتعددة الألوان خلفه.. والتي تحمل كلها شعار الصاعقة القطرية ولكن دون اسم أو رتبة.. وهي مستغربة تماما.. إن كان منضما للجيش.. فلماذا يخفي هذا الأمر؟؟ أمر لا يستحق أن يُحاط بهكذا سرية!! وهمست بجرأة أكبر: ليش ماعليهم رتبة ولا اسم؟؟ أجابها بذات البساطة: اسم وإلا رتبة لو كنت عسكري.. بس أنا ماني بعسكري.. حينها تراجعت بجزع: وليش تستخدم لبس الصاعقة دامك منت بعسكري..؟؟ لا تكون........ ابتسم: قبل ماتسوين تأليفات وأفلام.. ماحد يقدر يلبس لبس الصاعقة من وراهم.. لا تحاتين ذا النقطة!! كاسرة شعرت بالتشوش: مافهمت صراحة.. كساب مازال محافظا على ابتسامته المتكمنة: خليني أضرب لش مثل.. لو أنتي الحين كرئيسة قسم.. جابوا لش وحدة ماعندها ثانوية حتى.. بس عبقرية إدارة..ومستواها في العمل أحسن من مستواش ويبون يحطونها رئيسة عليش... توافقين؟؟ كاسرة لا تعلم ماذا يريد من هذا المثل ومع ذلك أجابته بثقة: لا طبعا.. لأنه فيه شيء اسمه السلم الوظيفي .. وإلا بتصير الدنيا فوضى!! ابتسم كساب ابتسامة أوسع: شاطرة.. وصلنا خير.. الحين البنت هذي ممكن الإدارة عندكم يجيبونها كخبير خارجي بدون ما يعطونكم أي خبر عن مؤهلاتها.. لأنها أساسا مالها ملف عندكم.. وتجي وتسوي تغيرات عندكم.. بدون ماحد يفتح ثمه.. لأنها خبير وأنتم تتوقعون إنها أكيد الحين معها دكتوراة إدارة.. ولها خبرة 20 سنة.. كاسرة حينها بدأت تفهم ما يقصد وهي تهمس كأنها تحادث نفسها: وأنت الصاعقة تبي تستفيد من خبرتك اللي ما أدري من وين جبتها.. بس أنت ماعندك شهادة عسكرية.. ولا مريت بمراتب السلم العسكري.. وكون إنك تدرب مثلا معناها إنك بتتجاوز رتب كبيرة.. ولو ذا الرتب عرفوا من أنت فعلا بيسوي هذا شوي بلبلة!! كساب مال ليقبل أرنبة أنفها وهو يهمس بمرح: مهوب خسارة فيش رئيسة قسم.. مخش نظيف!! وما يحتاج أقول لمخش النظيف إن هذا توب سيكرت.. كاسرة شعرت أن قدميها لا تحملانها حتى وهي تجلس على طرف السرير.. وتراه يجمع ملابسه ويضعها كلها في حقيبة رياضية تعلق على الكتف.. مازالت عشرات علامات الاستفهام تدور بين جنبات رأسها كالمطارق وهي تشعر بصداع فعلي مؤلم.. لكنها قررت ألا تسأل عن شيء.. فهي حفظت الدرس.. لا تستعجله لإخبارها بشيء.. فالمعرفة ستأتيها لوحدها.. وكم باتت تخشى انكشاف الحقيقة كاملة!! وكل جزء منها يبدو مرعبا لأبعد حد.. فكيف ستبدو عند اكتمال الصورة؟؟ ************************************** " والله إنش مزودتها نجلا صالح متضايق.. عبدالله يقول لي" نجلا بضيق: يعني هو متضايق وهو سوا اللي في رأسه .. وأنا ما يبيني أتضايق.. جوزاء بتردد: نجلا لا تزعلين مني.. بس أظني أنا وأنتي علاقتنا مافيها مجاملات.. بصراحة أحيانا أحس إنش تدورين على اللي يضايق صالح لأنش عارفة وش كثر هو يحبش!! كأنش تبين دوم إثبات على حبه لش.. وإنش مهما وصلتيه أخره بيظل يداري خاطرش.. وعشان كذا أنتي متضايقة إنه مامشى شورش في اسم البنت.. مع أنه الاسم مافيه شيء.. بس أنتي كنتي تبين تفرضين رأيش وبس!! ويوم شفتيه لزم عليه... تبين تحسسينه بالذنب!! نجلا بصدمة: لذا الدرجة أنا شينة في عينش يأم حسن؟!! جوزا بمودة: لا تحورين السالفة.. تدرين بغلاش.. بس مشكلتنا يا الحريم لا درينا بغلانا.. ماكفانا.. دايما نبي زود.. تنهدت نجلا: السالفة مهيب كذا.. أنا بصراحة اللي مضايقني اهتمامه الزايد بالبنت.. قلت يمكن مغليها من غلا الاسم.. خلني ألزم أغيره.. يمكن يتعدل بس مافيه فايدة.. صالح أهملني وأنا محتاجته.. قلت الشكوى لله.. بس أهمل عياله بعد.. يعني الحين حن في إجازة والعيال مقبلين على مدارس.. لا عاد طلعهم مثل باقي بزارين خلق الله وأنا نفاس وبيدي بزر وما أقدر أطلعهم.. وماتوا من الضيقة في البيت.. الحين صار لي فترة أقول له خذهم فصل لهم ثياب.. كل يوم يقول لي بكرة.. خذهم جيب لهم أغراض المدرسة.. يقول لي بكرة.. وبكرة هذا ما يأتي!! وأنتي تظنيني ميتة على الغلا.. الله يرحم أيام الغلا.. جوزا شعرت بحرج شديد.. بالفعل من يده في الماء ليس كمن يده في النار.. ومن يعطي نصايح من رخاء ليس كمن يعاني الشدة.. همست جوزا بذات الحرج: وليش ماقلت لي.. عبدالله حاضر يوديهم وين ما يبون!! نجلا تنهدت بحزم: عبدالله عمهم وعلى رأسهم..بس مهوب ملزوم فيهم... إبيهم موجود وهو المفروض اللي يلتفت لعياله.. وخصوصا وهو شايف وضعي مايسمح لي!! ********************************** بات لا يحب مطلقا أن يبقى هو وإياها في غرفتهما في الفندق.. وجميلة سعيدة أنها تخرج خارج أسوار هذا السجن الذي تمل منه حين يكون هو في التدريب.. وتخشى مثله من البقاء فيه لأنها باتت تعلم أنه يتحرق للمسها بأي طريقة.. حينا لمسات عفوية وأحيانا كثيرة أبعد ما تكون عن العفوية!! ولكن إن كانت هي تقضي معظم وقتها وهو غائب في الراحة لذا تكون مستعدة للخروج حين يعود.. فهو على عكسها.. مستنزف من التعب على الدوام!! ولكن هذا هو ما يريده.. وجودهما خارجا وبين الناس يحميها منه.. ويحمي كبريائه الذي يرفض الاعتذار.. فهو يشعر كما لو كانت تريد أن تذله وتمتهن كرامته لتعاقبه!! سبحان الله.. كم يتمنى لو تعود الأيام قليلا ليمسك بلسانه قليلا!! وكم يصبح اللسان عدو صاحبه!! لو أنه أمسك بلسانه قليلا لم يكن ليعاني الآن ما يعانيه!! وهاهو اليوم مشنوق على مشانق كلماته بالأمس.. والمآساة أنها كلماته هو.. ولا يستطيع التبرؤ من وزرها.. بشكل عام... باتا يتحدثان كثيرا.. بحكم الزمالة ليس إلا.. فليس أمام كل منهما إلا الآخر.. والاعتياد يدفع الإنسان دائما للبوح!! كانا يجلسان على الطاولات المحاذية تماما للنيل في مقهى قصر النيل.. الجو صاخب تماما بركض الأطفال بين الطاولات رغم تأخر الوقت!! همست بجميلة برقة : ماتبي نرجع؟؟ عندك تدريب بكرة بدري؟؟ أجابها بسكون: شوي.. نص ساعة ونمشي.. جميلة بذات الرقة: فهد ترا لو بغيت تسهر مرة مع ربعك اللي هنا.. عادي.. نظر لها نظرة مباشرة: مليتي مني؟؟ جميلة تنهدت: أنا ما أدري من وين تجيب أفكارك..؟؟ كل السالفة إني حاسة إني رابطتك معي بزيادة.. هتف بنبرة مقصودة: اللي أشوفه إنش مبعدتني.. ردت عليه بذات النبرة: أنا ما أبعدتك.. أنت أبعدت نفسك بنفسك.. حينها وقف وهو يهتف بنبرة حازمة: قومي نمشي!! جميلة باستغراب: توك تقول بنقعد شوي!! فهد بذات الحزم: غيرت رأيي.. بأوصلش الفندق.. وبأروح أسهر عند ربعي.. مهوب أنتي تبين كذا؟؟ #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والتسعون " شأخبار مزون؟؟ كلمتها اليوم؟؟" ابتسم زايد حين ورد اسم مزون: كلمتها... بترجع بعد 3 أيام لأنها تبي تحضر عرس وضحى.. ابتسمت مزنة: الله يونسك يالعافية.. بتستانس وضحى واجد لأنها كانت تحاتي إن مزون ما تحضر عرسها.. سأل زايد باهتمام: وضحى عسى مافيه شيء قاصرها؟؟ ابتسمت مزنة: جعلك سالم.. مهوب قاصرها شيء.. هتف زايد بأريحية: أبي أجيب لها هدية بس ما أدري وش اللي في خاطرها.. مزنة بمودة: لا تجيب لها شيء.. كل شيء عندها وما تبي إلا سلامتك!! هتف بإصرار: هديتها بتجيها وكيفها فيها.. مزنة مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بمودة صافية: الله لا يحرمنا منك!! تنهد بعمق وهو يرى مزنة تعود لتتحرك في أرجاء الجناح.. ترتب ملابسه التي قاطع عملها فيها دخوله عليها قبل دقائق.. يعد الأيام المتبقية على زواج وضحى.. ويراها تركض كلمح البصر لأنه يعلق قرارا ما على موعد الزواج.. قرار يؤخره.. ويتمنى لو لا يصل وقته أبدا.. وكلما مضى يوم.. شعر أن الشمعة التي تدفئ حياته تذوي أكثر!! وهي كذلك تعد الأيام المتبقية على زواج وضحى بتوتر لأنه تريد إخباره بما لديها وتخشى ردة فعله.. تعلم أن من هو في تدين زايد ورجولته لن يظهر مطلقا امتعاضه من حملها وهو ختاما نعمة من رب العالمين!! لكنها تخشى من مشاعر سيخفيها في أعماقه.. مشاعر تخشاها بعمق وتوجس غامرين... تعلم منذ بداية زواجها أن زايد مازال يحلم بمزنة قديمة وقفت حاجزا بينها وبين زايد الآن.. فهو أغرقها بفيض مشاعره في أيامهما الأولى.. لأنه مازال يتخيل شبح مزنة القديمة.. واراد أن يرتاح من وطأة مشاعره المتجذرة منذ سنوات.. لكنه اكتشف سريعا مزنة جديدة شح عليها بمشاعره!! وهي بذكائها وحساسيتها فهمت ذلك كله... وتقبلته كله..؟؟ فلطف تعامله... ورقة تصرفاته الممزوجة برجولة صميمة جعلها تتقبل كل شيء منه!! ولكن هل سيقبل زايد الآن بطفل يربطه أكثر بمزنة اليوم؟؟!! ******************************** أوصلها للفندق وغادرها فعلا.. تشعر بالندم على اقتراحها.. لأنها تشعر الآن بالخوف.. والوقت تأخر كثيرا.. هاهي تجلس على سريرها متوترة.. وخائفة.. بعد أن أنهت صلاتها ووردها وهو مازال لم يحضر.. كانت تريد أن تتصل به ولكنها ترددت حتى لا تحرجه بين أصدقائه فيجد ذلك عذرا ليصب جام غضبه عليها... أرسلت له رسالة: " فهد انا أبي أنام.. بتتأخر أكثر؟؟" جاءها رده سريعا: " نامي.. أنا بتأخر شوي!!" جميلة زفرت بغيظ وهي تتمدد على يمينها وتكثر من قراءة الأذكار حتى غفت من التعب دون أن تشعر.. لتصحو بجزع حقيقي على رفرفة قبلاته الملتهبة تغمر وجهها وعنقها وأذنها وهو يهمس بصوت كالأنين المحترق في عمق أذنها: آسف وآسف وآسف.. قلبها قفز لحنجرتها رعبا..وهي تعتدل جالسة وتحاول إبعاده عنها وتهمس باختناق مرعوب: فهد الله يهداك.. اصبر شوي.. خل نتكلم.. هتف بذات النبرة الموجوعة المثقلة بالأنين.. وهو يشد كفيها ليلصقها بصدره بعد أن غمرها بلهيب قبلاته : ما أبي أتكلم.. اعتذار واعتذرت.. وش تبين أكثر؟؟ حرام عليش ذليتي طوايفي كلها.. وش تبين أقول بعد..؟؟ أقول إني غبي وما أفهم شيء؟؟.. هذا أنا قلتها.. أقول إن حكي الواحد على البر غير لما تحرقه النار؟؟.. هذا أنا قلته!! خلاص ارحميني.. أنتي وش جنسش؟؟.. ما حسيتي حتى بربع اللي أنا حاس فيه؟؟ جميلة بدأت تبكي وترتعش بعنف: وأنت وش حاس فيه؟؟ مجرد رغبة في جسد.. عقب ما نحرت الروح.. فهد بأسى: جميلة ليش تقولين كذا؟؟ كني حيوان قدامش.. هذا الجسد له شهر قدامي ليش الحين بس بغيته؟؟ جميلة تنهمر بغضب وخوف وأسى أعمق وأعمق: قبل كنت قرفان منه.. شايف نفسك عليه.. أجابها بتثاقل.. وهو يبتعد عنها ليقف : وليش الحين ماصرت قرفان..؟؟ وش اللي تغير؟؟ ما سألتي روحش؟؟ ليش الحين أبي الجسد اللي كنت مقروف منه على قولتش؟؟ صمت لثانية ثم أردف بتثاقل أشد: لأني خلاص ماعاد لي صبر على الروح... روحش خلت كل شيء منش في عيني حلو وطاهر ونقي.. بس أنتي لا عطيتيني روح ولا جسد.. كل شيء بخلتي به..!! أجابته بين شهقاتها التي تزايدت بهستيرية: بخلي رد على بخلك... وأنت راعي الأولة.. ابتعد عنها أكثر.. ليجلس على الأريكة ويدفن رأسه بين كفيه بأسى عميق.. حتى متى هذا الألم؟؟ حتى متى؟؟ كل واحد منهما معتصم بمكانه يجتر حزنه الخاص الذي تراكم وتراكم حتى خنق الروح وسربلها بالسواد!! حتى ماعادت تجد منفذا !! *************************************** " حبيبتي جهزي شنطتي .. بكرة باسافر!!" شعاع استدارت بجزع وهي تضع المشط الذي كانت تمشط به شعرها على التسريحة.. لتقف متوجهة نحوه وهي تهمس بذات الجزع: ليه حبيبي؟؟ ضحك علي ضحكة قصيرة: السؤال يكون وين؟؟ مهوب ليه؟؟ شعاع بتأثر: مايهمتي وين بتسافر.. أنا ما أبيك تسافر عشان كذا أسألك ليه؟؟ ضروري هو ذا السفر يعني؟؟ علي شدها من كفها ليجلسها على قدميه بشكل مائل وهو يحتضن خصرها.. ويهمس بحنان: مامليتي مني شهرين وأنا مقابلش..؟؟ شعاع طوقت عنفه وهي تسند رأسها لرأسه وتهمس برقة متاثرة: لو قابلتك عشرين سنة مامليت.. تبيني أمل من شهرين؟؟.. علي بحنان غامر: حبيبتي هي بس يومين.. بأروح مع كساب للندن... كساب يبي يوقع عقد.. وأنا أبي أسوي شوي فحوص.. أشيك على وضع الكبد عندي عقب العلاج.. شعاع بخجل: زين ما يصير أنا أسافر معك.. ؟؟ علي ابتسم: لا طبعا ما يصير.. رحلة طويلة وأنتي توش في شهورش الأولى.. ثم أردف بذات الابتسامة وهو يتحسس بطنها: خايفين على زايد الصغير!! تحاول أن تجاريه في مرحه فتجد نفسها عاجزة حتى من مجرد الابتسام.. حينها أردف هو بذات المرح الشفاف: خلاص فاضل الصغير ولا يهمش.. ولا تزعلين!! شددت احتضانها لعنقه وهي تهمس في أذنه بدفء: يومين بس.. بدون زيادة.. وإلا والله لأطلع لك أنا لندن.. ****************************** هل هو الآن يحاول إشعارها بالذنب..؟؟ غادر لتدريبه صباحا ثم عاد.. دون أن يوجه لها كلمة واحدة طوال اليوم.. بل حتى دون أن ينظر لها!! وكأنها غير موجودة معه في الغرفة!! تزفر وهي تنظر له وهو مستغرق في النوم منذ ساعات كما لو كان قتيلا!! لا تنكر أنها تفتقد نظراته اللاهبة لها طوال الأيام الماضية.. وهي تشعرها بإحساس أنثوي يقفز بها إلى الذروة!! ولا تنكر أيضا أنها تشعر بشيء من الذنب.. فهي طلبت منه اعتذارا فقط.. وهو قدم الاعتذار.. ولكنها تجاوزت الرغبة في الاعتذار.. إلى الرغبة في الانتقام.. بالفعل أرادت أن تنتقم منه على كل كلمة جرحها بها.. وهو لم يقصر مطلقا في الكلمات الجارحة!! ولكنه هذه المرة كان صادقا في وعده.. وهي لم تكن صادقة.. وعدها أنه لن يضايقها إن عادت معه.. وبالفعل لم يضايقها!! وهي وعدته أن تمنحه ما يريد إن اعتذر.. ولم تمنحه شيئا مع انه اعتذر!! تنهدت بشجن وهي تكثر من الاستغفار.. " سامحني ياربي.. أدري ذنبي كبير إني رديته!! بس القهر مايرضيك..و إني أعطيه نفسي وأنا مقهورة ومذلولة منه!!" تحاول إبعاد فكرة الذنب عن رأسها لتجدها تتعاظم وتتعاظم.. حتى تكاد تصبح هي كل تفكيرها!! وكم يقودنا الإحساس بالذنب للقيام بتصرفات نكون غير مقتنعين بها!!! ************************************** " قلت يومين بس؟؟" ابتسم كساب وهو يميل ليقبل جبينها: يومين بس!! أصلا مزون بترجع بعد يومين.. ولازم أكون موجود!! تراجعت كاسرة وهي تهمس بنبرة ساكنة تخفي خلفها انكسارا ما: إيه؟؟ مزون؟؟ الله يردكم كلكم بالسلامة... كساب عاود شدها قريبا منه.. ليحتضنها بعمق وهو يهمس في أذنها بذات العمق: أنا وصيت إبي يخلي تلفونه على طول مفتوح.. حلفتش بالله إنش لو تعبتي في الليل تتصلين له!! همست كاسرة بسكون: لا تحاتيني.. إن شاء الله كل شيء زين.. شدها بين أضلاعه بشكل أقوى وهتف بحزم: لا.. احلفي تتصلين له تعبتي!! حينها لم تستطع أن تهمس إلا بتأثر وهي تنسى تفضيله لمزون الذي جرحها: كساب لا تكون سفرتك أكثر من يومين.. ليش ذا الوصايا كلها؟؟ ابتسم وهو يفلتها: يومين بس بمشيئة الله.. بس أنا أحاتيش.. لأنش أكثر الليالي تتعبين!! مدت أناملها لتمسح على عارضه برقة: لا تحاتيني.. ولو تعبت. والله لأتصل في عمي زايد!! *********************************** هذه المرة ذهبت معه إلى المستشفى لزيارة ابنتها.. بعد أن كانت تتعمد أن تذهب في وقت ذهابه لعمله!! تشعر أن وجوده يشكل حاجزا بينها وبين الإحساس بابنتها كما هي تحس بها فعلا.. ولكنها حاولت هذه المرة أن تتقرب منه باشتراكهما في رؤيتها معا.. لا تعلم هل هو فعلا يشعر بالصغيرة أكثر منها... أو هو من يحرص على إشعارها بذلك..؟!! كان يتحدث مع ابنته كما لو كانت تسمعه وتفهمه.. بينما هي تشعر كما لو أنها ضيفة شرف في مشهد تمثيلي ما.. تشعر به بعيد جدا عنها... وتشعر بالمرارة تتزايد في حناياها.. تنظر لجسد الصغيرة الهزيل الخالي من الحياة.. بينما صدرها الآن يؤلمها من تدافع الحليب في ثدييها.. وتعلم أنها حتى لو خرجت من المستشفى لن تتقبل الرضاعة من صدرها بعد أن اعتادت على الرضاعة من الزجاجة.. شعور مؤلم لأبعد حد.. أن تريد بكل مافيك من القوة أن تمنح صغيرك عبق روحك وأنت تغذيه من جسدك.. بينما هو يرفض هذا القرب والغذاء.. ألم شاسع لا يعرفه إلا من يعانيه!! نجلا همست باختناق: صالح.. خلنا نمشي.. تأخرت على غانم وصدري صار يوجعني من الحليب!! شوي ويسرب من ملابسي... صالح مبهور بمعجزته الصغيرة يهمس لها بخفوت كأنه يحادث نفسه وعيناه معلقتان بابنته: دقايق بس!! ***************************************** " تميم شوف لك حل مع شغلك.. قلت لي هذا موضوع يبي تفكير.. خليتك تفكر مثل ماتبي ولا شيء تغير!! تميم يعني أنا ما أستحق منك شوي اهتمام؟؟" تميم شد اناملها ليقبلها ثم أشار بمودة: يا قلبي يا حبيبتي.. الاهتمام كله لش!! سميرة أشارت بعتب: كله كلام!! كله كلام!! وين الإثبات؟؟ تميم أنا صرت أعرف شغلك زين.. وأدري إن دوامك الطويل ذا كله ماله عازة!! يعني لذا الدرجة ماتبي تقعد معي!! تميم بعتب أعمق: ليش تقولين كذا سميرة؟؟ يعني تشكين في حبي لش!! سميرة بحزن: والله اللي أشوفه قدامي يخليني أشك!! تميم حينها أشار بعتب ممزوج بالحزن: عشان تدرين من اللي يحب الثاني أكثر.. شهور وشهور وأنتي تسحبين فيني كني كلب.. ساعة تصديني وساعة تقربيني!! وأنا صابر!! والحين منتي بمستحملة أسابيع لين أرتب وضعي بس!! سميرة بصدمة: لا تميم.. لا تقلب في الدفاتر القديمة.. احنا قررنا ننسى.. ونبدأ صفحة جديدة.. ثم أردفت بحزم رقيق: أنا أبيك من الحين ترتب وضعك.. بكرة بيصير عندنا عيال مايستحقون بعد شوي من اهتمامك!! أجابها بعفوية: إذا جاووا العيال يحلها الحلال.. حينها امتلئت عيناها بالدموع فجأة: تميم أنت تعايرني عشاني ما حملت؟!! هذه المرة كانت الصدمة من نصيب تميم: وش ذا الكلام حبيبتي.. ألف مرة قايل لش.. تو الناس على سالفة الحمل.. وليش أعايرش ياقلبي.. يمكن يكون سبب التاخير أنا مهوب أنتي!! حينها أشارت سميرة باستعجال: خلاص خل نسوي فحص.. ابتسم تميم وهو يقرص خدها ثم يشير بابتسامته الصافية: قولي من الأول تبين نسوي فحص.. حاضر ياقلبي.. خلنا نخلص من عرس وضحى.. ونسوي الفحص.. ونسافر عقبه بعد!! تدللي!! ************************************** " زين إن كساب سافر بسلامته.. عشان تجين تقعدين عندي!!" ابتسمت كاسرة وهي تتمدد جوار وضحى: يا النصابة.. أنا أساسا ماني بقايلة لش إني الأيام الأخيرة اللي قبل عرسش بأكون عندش حتى قبل ما أدري إن كساب بيسافر!! وضحى تنهدت: أنا متوترة واجد.. وحاسة الكل لاهي عني!! كاسرة مسحت على شعرها بحنان: لا تصيرين سخيفة.. بالعكس الكل مشغول بعرسش.. ثم أردفت بنبرة مقصودة باسمة: لو تدرين وش كثر فيه قرارات مهمة مؤجلة لين عرسش.. وضحى بعدم فهم: مافهمت!! ابتسمت كاسرة: أقول أني اليوم اتصلت وتأكدت من كل حجوزاتش.. الشعر والمكياج والتصوير والكوشة... والفستان بنروح نجيبه بكرة.. وضحى بمودة: بأروح أنا وأمي... ما فيه داعي تتعبين نفسش.. أردفت كاسرة بإصرار: إلا مافيه داعي نتعب أمي.. أنا اللي بأروح معش.. أساسا خاطري أشوف الفستان عليش أول وحدة!! ********************************* " حبيبتي وش ذا المكالمة كلها؟؟ أكيد تكلمين نايف؟؟ " عالية تنزل هاتفها على الطاولة وتهمس بإبتسامة: يس حبيبي.. نايف يبيني أروح معه بكرة.. يبي يجيب هدية لعروسته... ضحك عبدالرحمن: وخواته السحالي الست وينهم .. طبعا عمتي أم صالح تكرم طلعتها من الحسبة.. ضحكت عالية: عيب عليك عبدالرحمن.. احترم خالاتي.. عبدالرحمن مازال يضحك: والله على السوالف اللي تقولينها عنهم حتى السحالي مساكين نسميهم عليهم.. السحالي بتسوي مظاهرة اعتراض قدام جمعية الرفق بالسحالي.. عالية تحاول أن تمنع نفسها من الضحك: عيب عبدالرحمن تراني بأزعل... عبدالرحمن يبتسم: خلاص هوننا.. ما أقول إلا الله يعين بنت خالي على مابلاها.. حينها همست عالية بغيظ: مهتم منها حضرتك؟؟ شاغلة بالك؟؟ ابتسم عبدالرحمن: يا شين الغيرة اللي على غير سنع.. عالية بذات الغيظ: ياسلام عليك !! ليه الغيرة لها سنع؟؟ عبدالرحمن هز كتفيه بمرح: تغارين على ويش.. على الدب أبو كرسي؟؟ عالية انتفضت بغضب: شكلك تبي الليلة تقلب بزعل واخليك تروح تبات عند أمك وأبيك؟؟ عبدالرحمن بذات الابتسامة الدافئة حرك كرسيه ليقترب منها ويقبل جبينها وهو يهتف بذات الابتسامة: على طاري أمي وإبي.. اليوم ماشفت إبي.. خلني أروح أسولف معه شوي قبل ينام.. ولا حد يسكر الباب من دوني.. قعدت أبكي عند الباب!! *********************************** اليوم التالي . . " هاحبيبتي.. مستعدة للسفر بكرة؟؟" مزون برقة: إيه فديتك.. كل شيء جاهز.. غانم بتأفف: ما يسوى علينا عرس بنت مرت أبيش.. ترجعينا بدري عشانه.. مزون تبتسم: حرام عليك غانم.. وش بدري؟؟ كملنا أكثر من أسبوع من يوم سافرنا.. و أنت ما تبي تحضر عرس خال عيال عمك..؟؟ ضحك غانم: شوفيها وش طولها... (ياخال أبوي حك ظهري).. ثم أردف بمودة: ولا جيتي للحق.. نايف يستاهل.. عزيز وغالي.. وغلاه من غلا عمي وعياله.. مزون تردف بإبتسامة: يعني لا تحملني ذنبك!! غانم يتمدد ويضع رأسه على فخذها وهو يهتف بتأفف: بس لا جيتي للصدق بعد.. ما ابي نرجع.. أبيش تفرغين لي بروحي.. ونكون بروحنا مامعنا حد!! مزون تمسح على شعره وتهمس برقة: ولا يهمك.. نسافر مرة ثانية في عطلة نص السنة.. ابتسم غانم بتقصد: وليش مانحضر العرس ونسافر مرة ثانية.. قبل ما ترجعين للجامعة.. أنا عندي إجازة شهر.. مزون برجاء عميق: لا غانم تكفى.. خلاص مافيني صبر.. مشتاقة لإبي وأخواني.. غانم بزعل مصطنع: إيه قولي كذا.. وولد آل ليث مسكين ماله خانة.. مزون تبتسم وهي تشد شعره قليلا بلطف : ولد آل ليث هذا أكبر نصاب.. ماخذ حقه وزيادة.. وطماع بعد!! *********************************** " تعال حبيبي.. عط بابا بوسة!!" حسن يقفز ليقبل والده.. ثم يصر أن يبقى في حضنه ليقود السيارة معه!! عبدالله يرى جوزا قادمة فيبتسم لحسن وهو يغمر وجهه بالقبلات: حسوني قلبي ارجع ورا.. قبل تسوي أمك الفيلم المعتاد.. حسن يهز رأسه رفضا: ما أبي.. ما ابي.. ما أبي.. جوزا ما أن ركبت بصعوبة لتزايد حجم بطنها مع دخولها الشهر الثامن حتى انهمرت بعتب: عبدالله كم مرة قلت لا تسمح له يفكر حتى يقعد في حضنك وأنتو في السيارة.. تكفى لا تجرأه كذا.. عبدالله ضحك : توني كنت أقول لك ياحسون يا باشا.. جبت لنا الكلام.. حسن بتأفف: بألجع ورا.. بس تودوني دتان أول... جوزاء بحزم: مافيه دكان.. ارجع ورا.. لأنه بنرجع للبيت تنام.. حسن تأفف أكثر وهو يعود للخلف.. بينما عبدالله شد كف جوزا في كفه وهو يهمس بمودة: أشلون هلش حبيبتش؟؟ وأشلون علوي؟؟ جوزا بمودة مشابهة: كلهم طيبين.. إلا شعاع.. عبدالله بقلق أخوي شفاف: عسى ماشر.. عسى حملها مافيه شيء؟؟ ابتسمت جوزا: مافيها شيء.. بس حالتها مستعصية ذا البنت.. عشان لها يومين ماشافت رجالها نفسيتها زفت.. تدري عمري ماشفت مثل ذا الحالة.. مع إنها طبعا تنكر إن السبب غيبة علي.. بس شعاع حساسة واجد.. وماتقدر تخبي مشاعرها.. ابتسم عبدالله: الله يهنيهم.. شعاع مسكينة ..عمي أبو عبدالرحمن كان قاسي عليها واجد.. وعلي سبحان الله يوم تشوفين وجهه.. تحسين حنان الدنيا كله فيه!! جوزا هزت كتفيها: أنا مثلا يتهيأ لي مافيه مرة تحب رجّالها قد ما أحبك.. لكن لو اضطريت تسافر عشان شغل.. مستحيل يصير فيني حتى واحد على ميه من اللي صاير فيها عشان رجالها مسافر يومين.. شعاع تعلقها فيه غير طبيعي.. والتوزان دايما حلو... ********************************** عادا قبل قليل لغرفتهما الكئيبة.. بعد أن تعشيا خارجا وتمشيا صامتين.. كعادتهما في اليومين الماضيين.. بعد أن كانا في الأيام الأولى بعد عودتهما لا يصمتان عن الحديث!! لا تعلم لِـمَ يبدو لها هذا الزواج بلا أمل فعلا.. فزواجهما هش.. ولا أساس له سوى سلسلة طويلة من التعقيدات والمرارة..!! تخشى فعلا أن ينهار هذا الزواج.. ليس حفاظا عليه كزواج.. ولا حرصا على فهد كزوج.. ولكنها خشية من حمل لقب مطلقة للمرة الثانية في مجتمع لا يرحم.. يُحمل المرأة كل المسئولية ليعفي الرجل منها!! كان هو يتحرك بصمت في الغرفة بعيدا عن روح تمرده وعنفوانه التي كانت تشعر به يتسربل بها حتى الثمالة.. استحم.. صلى وقرأ ورده ثم تتمدد.. دون أن يتوجه لها بأي كلمة.. كانت متوجهة للحمام حين سمعت صوته الحازم يأتيها دون أن ينظر لها: تجهزي نسافر بكرة الصبح... عرس خالي بعد بكرة.. وبكرة عندي أوف.. أنا بأحضر العرس.. وبأرجع في طيارة الليل.. عشان أدوام الأحد الصبح.. وأنتي خلاص ارتاحي عند هلش!! ماقصرتي.. استحملتيني ذا الأيام كلها وأنا واحد ما ينتعاشر.. !! " يريد أن يجعلني أشعر بالذنب!! هذا ما يحرص عليه طوال اليومين الماضيين!!" لم تعلم أن هذا رجل لا يعرف كيف يمثل.. قد يكتم !! قد يصبر!! لكنه لا يعرف كيف يخطط أو يمثل!! يسير كخط مستقيم يرفض التلوي أو الانحناء!! وكعادة الخطوط المستقيمة لابد أن تُجابه بالعقبات!! لأنها ترفض الالتفاف حولها بل تريد اقتحامها!! شخصية قد لا تصلح لمتطلبات الحياة.. التي تحتاج لكثير من الكياسة واللباقة!! وبهذا يضر نفسه قبل أن يضر سواه!! جميلة بعد أن أنهت قيامها ووردها هاهي تقف أمام خزانة ملابسها.. عاجزة عن تنفيذ ماخططت له.. ليس لديها الاستعداد له ولا حتى الرغبة في عمله.. ولكنها تجد نفسها مجبرة عليه.. إحساسها بالذنب يخنقها.. وخوفها من غضب الله عليها يفتت أعصابها.. لم تفكر حتى أن تحضر معها قميص نوم.. تركتها كلها في الدوحة!! لا تعلم حتى ماذا ترتدي.. ختاما استقرت على بيجامة حريرية سوداء بتطريزات فضية على الصدر وحمالاتها فضية أيضا.. كانت هي أفضل الموجود...!! اقتربت وهي تقدم قدما وتؤخر اخرى.. وإحساس عميق في روحها يدعوها للتراجع والهرب.. ختاما تمددت جواره.. ليشعر هو برائحة عطرها الرقيق أقرب من المعتاد.. لم يلتفت نحوها.. فما يعانيه من الضغط بات لا يُحتمل فعلا..!! جميلة ارتكت على مرفقها وهي تمسح شعره برقة وتهمس بصوت مختنق فشلت في إخراجه واثقا: فهد أنت عادك زعلان علي؟!! زفر فهد ما أن شعر بأناملها تتخلل شعره.. ثم زفر بيأس أكبر ردا عليها: جميلة لو سمحتي.. لا تجين جنبي.. جميلة همست باختناق أشد وأناملها التي تتحسس شعره ترتعش بعنف: فهد تكفى.. أنا ما أبيك تزعل علي!! استدار ناحيتها.. ليضع عينيه في عينيها لأول مرة منذ يومين.. وعيناه مثقلتان ببريق دافئ غريب دفع رعشة حادة في كل أوصالها.. نظراته ترتشف كل مافيها بلهفة موجوعة... أمسك بمعصمها وهو يهتف بتثاقل عميق: صدق ما تبين تزعليني..؟؟ جميلة هزت رأسها لأن الكلمات جفت في حلقها.. ولكنه حالما شد معصمها نحوه وهو يغمره بقبلاته المثقلة بالأنين وعشرات الكلمات غير المفهومة.. حتى حاولت شد يدها منه وهي تهمس بجزع: خلاص فهد هدني تكفى.. همس بعمق مذهل وهو يشدها نحوه أكثر: أنا ماني بلعبة .. تلعبين فيها وقت ماتبين.. لا تخافين.. كل شيء بيكون برضاش.. لكن أهدش.. لا.. مستحيل.. ********************************** يجلس على مقعد قريب من الحمام.. وهو يسند رأسه للخلف في مظهر أسى غير مسبوق.. الأسى تصاعد من روحه كبئر فاض ماءها وغمر كل ماحوله.. غاضب من نفسه.. وغاضب منها أكثر..!! غاضب من غبائه.. لأنه كان أمامه ألف علامة تدل على أن هذه الصبية لم تعرف لمسات رجل من قبل... وغاضب منها أكثر لأنها حرصت على تأكيد خبرة لا تمتلكها..!! وغاضب من كل الوضع.. لأنه كان قد وصل ختاما إلى رضى تام بكونها كانت لرجل قبله.. ولم يقترب منها إلا على هذا الأساس.. بعد أن عانى مطولا مطولا ليغير من أفكاره من أجلها.. ومثله كان التغيير صعبا عليه.. شعر أنه يسلخ جلده حتى يغير أفكاره من أجلها هي فقط!! و تغير على أساس أنه الرجل الثاني في حياتها.. واختمرت هذا الفكرة في رأسه...واقتنع بها.. وتقبلها!! فإذا به...... يتفاجأ أنه الأول..!!! قد يكون فعلا لم يجبرها على شيء.. لكن لو كان علم ذلك لو حتى قبل ساعات فقط..كان تعامله معها ليكون مختلفا.. فهو فسر بدايةً تصرفاتها معه.. بأنها تشعر بالنفور منه لأنها لا تتقبله بعد زوجها الأول.. بينما لم يكن ذلك سوى محض خجل عذراء لم تسمح له هي باحترامه!! بل حرمته من احترامه!! يا الله.. لو أنها أخبرته فقط.. ألمحت له.. كان الكثير ليتغير.. ليس من تفكيره ناحيتها.. فالتفكير كان قد تغير وانتهى... لكن من تعامله معها.. كانت مرتهما الأولى لتكون شيئا مختلفا تماما!! حين خرجت من الحمام.. قفز عن مقعده.. بينما هي لم تنظر حتى ناحيته!! صرخ فيها بحدة غاضبة مثقلة بالجرح: ليش ماقلتي لي؟؟ جميلة لم تنظر نحوه وهي تهمس بارتباك غاضب: وش أقول لك؟؟ فهد بذات النبرة الغاضبة: أنتي عارفة وش اللي ماقلتيه لي؟؟ جميلة تدعي عدم الفهم: ما أدري عن ويش تتكلم؟؟ فهد يرتعش من شدة الغضب والشعور بالجرح: أنتي تستعبطين!! ليش ماقلتي لي إني أول واحد؟؟ جميلة همست حينها بارتباك تحاول تغليفه بالثقة: ومن قال لك إنك أول واحد؟؟ فهد متفجر فعلا .. مجروح منها لأبعد حد وغاضب لأبعد حدود المجرة.. فهي حرمته وحرمت نفسها من التعامل الطبيعي بينهما: ماعليه اعتبريني أعمى.. وماشفت شيء.. بس حتى لو أنا غشيم على قولتش ..ماني بغشيم للدرجة اللي تخليني أعرف بالراحة إنش غشيمة أكثر مني ألف مرة!! حينها انفجرت هي بغضبها المتراكم الذي حينما ينهار.. ينهار كليا: وش تبيني أقول لك عقب ما جرحتني بدل المرة ألف..؟؟ تراك أول واحد.. فهد ينتفض غضبا: وعشان تعاقبيني تعاقبين نفسش معي..؟؟ وإلا عشان مهوب هاين عليش تعطيني شيء ماعطيتيه اللوح اللي كنتي متزوجته قبلي!! جميلة ماعادت تفكر من شدة الغضب.. تريد أن تؤلمه كما يؤلمها.. ماذا يريد أكثر..؟؟ حتى بعد ماحصل على مايريد.. لا شيء يرضيه.. صرخت بغضب: ما أسمح لك تجرح في ولد عمي قدامي.. الرجّال راح في طريقه.. على الأقل طول عمره حاطني على رأسه وحتى الموضوع اللي مسميه لوح عشانه...مافكر يجبرني فيه على شيء... لأنه قدم راحتي على راحته.. مهوب مثلك.. مايهمك إلا نفسك.. متوحش وهمجي وماعندك إحساس.............. لم يسكت فيض كلماتها المتدافعة إلا صفعة حادة.. ألقتها على الأرض... نظرت له بصدمة وعيناها تمتلئان بالدموع.. فهد زفر بيأس وهو يجلس جوارها على الأرض.. حاول أن يأخذها في حضنه.. وهو يهمس بأنفاسه المتصاعدة.. بغضبه عليها ومن أجلها.. بأساه.. بجرحه.. بعميق مشاعره: الله يهداش جميلة حديتيني على أقصاي.. أنتي يا بنت الناس ما تفهمين... أنا أحبش.. والله العظيم أحبش!! حرام عليش اللي سويتيه فيني وفي نفسش!! جميلة تتخلص منه بغضب هادر.. وشهقاتها تختلط بكلماتها.. بسيول عينيها وأنفها وهي تدعك وجهها المتفجر احمرارا بذراعها: وأنا أكرهك.. أكرهك.. أنا تضربني..؟؟ أنا انضرب؟؟ أنا؟؟ أنت مفكر إنك مأخذني من الشارع..؟؟ يعني عشان شفتني سكتت على فعايلك فيني.. تحسبني مالي ظهر؟!! عشان حشمتك وكبرت قدرك.. تدوس على رقبتي..؟!! لا بارك الله في النصيب اللي حدني عليك.. فهد يحاول أن يتجاوز قساوة كلماتها رغم صعوبة التجاوز.. وهو يحاول تهدئتها: خلاص حبيبتي هدي.. هدي!! جميلة تنفجر بشكل هستيري: لا تقول حبيبتي.. لا تقولها.. أنت تعرف تحب أنت؟؟ أنت ماتعرف إلا أنك تكره وتعلم غيرك أشلون يكرهون.. أنا أكرهك.. تفهم.. أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك.. جميلة حاولت أن تقف رغم صعوبة الوقوف عليها.. فصراخها وانفعالها استنفذ كل طاقتها.. فهد سارع لاسنادها دون تفكير وهو يحتضن خصرها بذراع واحدة.. أبعدت ذراعه عنها وهي تهمس بصوت غاضب مبحوح : لا تجي جنبي.. خلك بعيد منك.. ما أبي منك شيء.. صمت لثوان ثم هتف بصوت غائر.. كما لو كان يأتي من بئر لا قرار لها: أنا باتسبح وبأنزل أنتظر أذان الفجر في المسجد.. بأخليش لين تهدين!! حينما عاد من الصلاة.. تفاجأ بأنها قد حزمت كل أغراضها وحقائبها جاهزة ومعدة للسفر.. هتف بصدمة: تو الناس على الطيارة..؟؟ ردت عليه بحزم قاس: ماعليه بأقعد أنتظرها.. جميلة قررت أن تفرغ طاقة غضبها في حزم الحقائب حتى لا تنفجر.. لا تستطيع أن تجلس حتى.. ولا تتخيل أنها قد تتمدد جواره مرة أخرى!! فهد كان يبحر في عالم أسى غريب عليه.. لم تعتد روحه أبدا على كل هذا الأسى.. كان ينظر لخدها المحمر.. والذنب يأكله.. بالفعل حاول بكل طاقته أن يسيطر على نفسه حتى لا يضربها.. ولكن تغزلها في زوجها السابق أمامه.. جرح كل مافيه.. رجولته.. وإنسانيته.. وحبه لها النامي كبرعم طري عذب بدأت جذوره تغوص في أقصى تربة قلبه!! " أ يعقل أنها لم تشعر بي حتى لو كنت لم أتكلم؟؟ وكيف تشعر وبالها مازال مع سواي؟؟ كيف تفتح قلبها لمشاعري.. ومشاعرها مازالت تكتنف حنايا آخر؟؟ يا الله.. أكاد لفرط الألم أصرخ بأعلى صوتي.. عاجز عن احتمال هذا الألم الذي يطحن قلبي طحنا!! " مد أنامله ليمسح خدها المحمر... أبعدت وجهها عن مدى يده وهي تهمس بسكون ميت: لا تخاف.. ماراح أقول لاحد إنك ضربتني!! أجابها بألم شفاف شفاف: ما يهمني لو قلتي للعالم كله.. أبيش بس تسامحيني!! جميلة أنا أحبش.. أحبش.. وربي اللي دخل غلاش لين أقصى عروقي إني أحبش!! ما تتخيلين أشلون استوجعت وأنتي تقارنين بيني وبينه.. ما أحترمتي أي شيء يربطنا.. وما احترمتي إني أنا اللي رجّالش الحين!! تتكلمين كنش تكلمين طوفة!! لا تريد أن تسمعه.. ولا أن تصدقه.. تريد فقط أن تعود لحضن أمها.. لا تريد أي شيء آخر... أبدا !!! ********************************** هاهي تصل إلى بيت أهلها بعد وقت صلاة الجمعة.. هذه المرة لم يتصل بأحد.. عاد مع أحد (ليموزينات) المطار.. كانت الرحلة الأسوأ في حياة كل منهما..!! وكلاهما يشعر بالمرارة من الآخر لأبعد أبعد حد!! أنزلها وهو يشعر بأساه المتزايد يتعاظم بشكل مضاعف.. سبحان الله كيف تكون حياتك خالية من الهموم.. وأقصى هموم قلبك النظيف أن تحصل على رتبة ما.. أو تنهي دورة عسكرية ما!! ثم تغتالك الحياة بأقصى الهموم غير المفهومة.. التي تدمر أعصابك ومشاعرك شيئا فشيئا.. ترك السائق ينزل حقائبها بينما منعها هو من دخول البيت بإمساكه لكفها وهو يهمس بعمق: جميلة تأكدي إنه مايهمني حد غيرش... ماراح أجبرش على شيء.. بس تأكدي إني شاريش لين آخر لحظة ومستحيل أتخلى عنش.. جميلة شدت كفها منه.. وهي تفتح الباب وتدخل.. تمنت من أعماق قلبها ألا يكون منصور موجودا.. تعلم أن عادته يوم الجمعة أن يتغدى مع شقيقه وابنيه في مجلس زايد.. تتمنى ألا يكون أخلف هذه العادة اليوم... تريد أن ترى والدتها لوحدها.. لأنها تعلم أنها ستنهار.. ولا تريده أن يشهد انهيارها.. فيضغط ذلك على أعصابها بمزيد من المشاكل التي لا تريدها.. بالفعل.. وجدت والدتها كما تتمنى.. تجلس في الصالة العلوية تشاهد خطبة الجمعة من الحرم المكي.. وأمامها زايد الصغير على مقعده!! عفراء كانت تعلم أنها ستعود لزواج نايف ووضحى.. لكنها لم تعلم التوقيت تماما.. توقعته في الغد.. كما عادا في زواج مزون.. لذا كانت صدمتها بدخول الطيف الغالي عليها!! عفراء قفزت بسعادة غامرة.. بينما جميلة ركضت نحوها وهي تلقي نفسها بين ذراعيها وتنتحب كما لم تنتحب من قبل.. هذه المرة سكبت وجيعتها كاملة وهي تشهق: ما أبيه يمه.. ما أبيه.. تكفين ما أبيه.. خلاص ما أبي أرجع له.. عفراء مسحت على شعرها وهي تشدها لتجلسها وتحتضنها وهي تهمس بتهدئه رغم قلقها المتفجر: اهدي يامش.. اهدي.. قولي لي وش اللي صاير؟؟ هذه المرة جميلة حكت لأمها كل شيء.. وكم كان هذا الحديث متأخرا.. تأخر كثيرا عن وقته!! كان يجب أن تُعلم والدتها قبل ذلك بكثير.. كانت تظن أنها بإخبارها لمزون سترتاح دون أن تكدر والدتها.. لم تعلم أن القضية ليست مجرد الحكي للارتياح من الضغط.. لكنها كانت تحتاج المشورة من والدتها.. والدتها بصدمة حقيقية: يعني تقولين لمزون موضوع مثل ذا.. وما تقولين لي!! ومزون وش عرفها؟؟ بزر مثلش!! يعني مزون أوصيها وأشرح لها قبل عرسها ألف مرة.. وأنتي حرمتيني وحرمتي نفسش من ذا الشيء!! عفراء تنهدت بوجع: تدرين من أكبر مذنب في ذا السالفة؟؟ مهوب فهد ولا أنتي.... أنا.. أنا.. أنا.. لأني وافقت منصور أزوجش وأنا رافضة الفكرة من أساسها.. ثم أنا.. لأني ماقربت منش للدرجة التي تخليش تقولين لي مهوب لغيري... جميلة مسحت فيضانات وجهها المنهمرة والتي تكاد تفسد أكوام البودرة التي وضعتها لإخفاء أثر الصفعة.. فالصفعة هي الشيء الوحيد الذي لم تخبر به والدتها.. لأنها ختاما شعرت أنها من دفعت فهدا لها.. حتى لو كانت يستحيل أن تسامحه عليها!! همست باختناق: يمه أنا مهوب كان قصدي أخبي عليش.. بس أنا حنيتش.. سنين وأنا مجننتش.. قلت خلاص ارتاحي من مشاكلي.. عفرا بحزن عميق عميق اخترم روحها الأمومية بالأسى الفياض: وأنتي الحين ريحيتيني..؟؟ يأمش الحين الذنب خانقني... كان فيه أشياء واجد لازم أنا أشرحها لش.. وأهيئش لها نفسيا.. لكن عرسش الأول رحتي على نقالة.. وش أشرح لش؟؟ ورجعتي بعد شهور طويلة.. ماكنت جنبش فيها.. توقعت إن ذا الشهور علمتش اللي كان لازم أعلمش إياه.. ما توقعت إنه ماصار شيء بينش وبين خليفة.. وأنتي ماقلتي لي شيء!! ليه يا جميلة؟؟ ليه؟؟ وش استفدتي الحين كون نفورش من فهد.. كان ممكن بمشيئة الله إن ذا المشاكل كلها ماتصير لو أنش قلتي لي بس!! وش أقول؟؟ قدر الله وماشاء فعل.. خلاص يامش قومي.. قومي لغرفتش تريحي!! ولا تشغلين بالش بشيء!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة " يأمش وين بتروحين؟؟" شعاع بمودة: بأروح لبيتي يمه.. علي بيجي الليلة.. عالية بمرح: الحمدلله والشكر.. وأخيرا.. جاء روميو ليغني تحت شرفة جولييت.. شعاع بصوت منخفض: علوي تلايطي.. لا بارك الله في عدوينش.. عالية تضحك: يومين ومعيشتنا في كآبة.. فارقي لبيتش جعل موترش مايخرب!! والبترول علي بعد.. مع إنه البترول غالي بس يرخص لعيون الحبايب.. أم عبدالرحمن تهتف بصوت عال: أنتو وش تقولون؟؟ شعاع ترتدي نقابها وتهمس بمودة: مافيه شيء يمه.. أنا باخلي السواق يوصلني للبيت أنا وخداماتي.. زين يمه.. أم عبدالرحمن بحنان: حلالش يأمش.. شعاع كانت تركب للتو ليرن هاتفها... اتسعت ابتسامتها وإشراق وجهها وهي ترى اسمه.. همست في الهاتف بلهفة: في المطار صح؟؟ جاءها صوته محملا بالضيق العميق: لا حبيبتي.. أنا بتأخر يومين بعد.. بس يومين.. شعاع بعدم فهم: أشلون يومين بعد؟؟ وانت قلت لي يومين.. علي بذات الضيق: المختبر تأخر في النتايج.. وما أقدر أروح وأرجع.. بقعد لين أخذ نتايجي وأشوف لو الدكتور يبي يغير لي العلاج.. وبأرجع فورا.. شعاع لم تعرف ماذا تقول.. تريد أن تبكي.. وتعلم أن شكلها سيبدو سخيفا وطفوليا إن فعلتها وبكت.. همست بإبتسامة مصطنعة مختنقة تماما: خلاص خلني أروح أدفع طعام 10 مساكين.. لأني حلفت لو تأخرت زيادة عن يومين ألحقك.. علي باهتمام عذب: صدق منتي بمتضايقة حبيبتي؟؟ شعاع باصطناع فاشل تماما: لا ياقلبي.. خل بالك من نفسك.. لازم أسكر الحين.. القت الهاتف جوارها لتبدأ دموعها بالانهمار.. " يالله استجير بك من ذا الضيقة.. يا الله احفظه من كل الشر.. هدي يا بنت.. كل السالفة يومين بعد ويرجع.. اذكري ربش!! ترا الموضوع ما يستاهل!! " الخادمة الجالسة جوارها همست بتردد: مدام وين روح؟؟ شعاع بضعف: بنروح البيت.. لم ترد أن ترجع لأهلها وهي بهذه الحالة... تريد أن يصفو ذهنها قليلا.. وتريد أن تقوم ببعض الأعمال الشاقة حتى تلهي نفسها التفكير.. لذا ستقوم بالترتيب المؤجل مادام علي لن يعود الليلة!!! ****************************** " نورتي الدوحة بطلتش حبيبتي!!" مزون تتنفس بعمق: يا الله وش كثر اشتقت للدوحة وأهلها.. غانم بمرح: شمي بعد.. شمي الحر والرطوبة.. شمي بعمق لين يجيش قفلة نفس!! مزون ضحكت برقة: ياحلوها على قلبي.. ثم أردفت باهتمام: زين غانم خلنا نروح نسلم على هلك وعقب أبي أروح لهلي.. أسلم عليهم.. وأبي أبات عندهم عشان عرس وضحى بكرة بعد أذنك.. أبي أسهر معها.. غانم بحزم رقيق: وإذني يقول لا.. روحي واسهري.. بس ترجعين تباتين في بيتش.. مزون برجاء رقيق: تكفى غانم.. غانم بإبتسامة: لا تستخدمين أسلحتش ضدي.. تدرين حزتها إني أصير خرطي.. بس لا ياقلبي.. في الليل متأخر بأرجع أجيبش... مايصير أول يوم راجعين الدوحة وأنتي بايتة في بيت هلش!! *************************************** " جميلة قومي نروح نسلم على عمتش!!" جميلة انتفضت بجزع: لا يمه تكفين.. ما أبي أروح هناك.. أخاف أشوف فهد.. عفراء بحزم: أنا أساسا أبي أشوفه... أنتي سلمي على عمتش تبينهم يحكون عليش مثل المرة اللي فاتت.. وأنا وفهد بنقعد في مجلس الحريم.. جميلة تكاد تبكي: يمه تكفين.. عفراء بذات الحزم: خلصيني يا بنت... ولا تخافين بترجعين معي.. بالفعل توجهت الاثنتان لبيت إبي صالح... جميلة أعادت وضع أطنان الزينة على وجهها حتى لا يلاحظ أحد شيئا على وجهها إلا بهائها المعتاد.. وعفراء اتصلت بفهد وطلبت أن يأتي للسلام عليها في مجلس الحريم.. بحجة أن جوزاء كانت موجودة.. فهد حين ورده الاتصال.. تنهد بعمق... " يا الله مسرع صارت المشاكل!!" توجس عميق اغتال روحه وهو يدلف لباب مجلس الحريم من الباحة.. عفراء وقفت لاستقباله وهو مال للسلام عليها.. نظراتها مثقلة بالعتب.. ونظراته متقلة بالذنب والحزن.. بعد السلامات المعتادة وقبل تتكلم عفراء كان فهد من استلم زمام المبادرة وهو يهتف بحزم بالغ: أدري إني غلطت على جميلة واجد... ومافيه داعي تعاتبيني لأني في اليوم أعاتب نفسي ألف مرة... بس والله العظيم إني شاريها.. أبيها بس تعطيني فرصة وحدة.. والله العظيم لأحطها فوق رأسي.. عفراء بهتت.. فهو لم يترك لها مجالا لتقول لها شيئا وهو يختصر كل شيء في عبارات حادة قصيرة.... واضحة مستقيمة/ مثله تماما!! عفراء تنهدت وهي تهمس بتاثر: أنا يأمك لا جيت للحق.. ماكنت أبي أزوجها الحين.. كنت أبيها تقعد عندي لين تخلص دراستها.. بس منصور لزم يزوجها لأنه شاريك أنت.. ما أبي أقول إن منصور ماعرف يختار.. أكيد إنه أخبر بمعادن الرياجيل.. بس يأمك أنا كنت خايفة على بنتي من حدتك... وكنت على حق.. بنتي مهيب مثلي.. عادها لينة.. وسنها صغير.. الحين أنت خلها عندي.. وما أبيك تقول لمنصور إن بينكم أي مشاكل.. ولا خلصت دورتك.. إن شاء الله يكون طاب خاطرها.. فهد صمت ثانيتين ثم هتف بحزم يخفي خلفه رجاء عميقا: زين خليها ترد على تلفوناتي لا كلمتها على الأقل!! عفراء تنهدت: بأقول لها.. بس ما أقدر أجبرها.. هي مجروحة منك واجد!! عفراء غادرت لتعود لصالة الحريم.. لتسلم على أم صالح وتاخذ ابنتها وابنها لتغادر.. بينما فهد بقي لدقائق جالسا في مجلس الحريم.. كما لو كان عاجزا عن حمل ثقل الهموم الغريبة التي يشعر بها.. أو ربما كان يخطط عن قصد ليخرج في ذات لحظة خروجهم.. ليقابلها في باحة البيت.. حين رأته أدارت وجهها كأنه لم تراه وهي تتوجه للسيارة.. بينما عفراء وقفت لتعطيه زايد ليسلم عليه.. همس برجاء لعفراء وهو يعيد زايد لها ويغلف رجاءه بالحزم: عمتي تكفين.. قولي لها ليش ذا الجفا كله..؟؟ كنها ما تشوفني!! عفراء تنهدت بعمق.. لا تجهل هذه النظرة.. تعرفها في عيني منصور.. نظرة محب مشتاق عاتب.. همست بمودة: لا تحاتي يامك.. بأحاول!! *********************************** " أنا أبي أعرف وش ذا المصممة؟؟ مواعيدها كلش مهيب مضبوطة.. الحين عرسش بكرة واحنا تونا بنجيب الفستان وهي أساسا واعدتنا قبل أمس.. الحين يمكن ماخلصته بعد!!" وضحى ابتسمت وهي تنظر لكاسرة التي تجلس مجاورة لها في انتظار المصممة التي ذهبت لإحضار الفستان: الحين أنتي معصبة كذا عشان الفستان.. وإلا عشان الشيخ كساب وصل وأنتي ما أنتي في شرف استقباله..؟؟ كاسرة بغيظ باسم: يعني أنتي شايفته سنع إنه يجي البيت عقب سفر.. وأنا برا..؟؟ عز الله راح فيها حضرة وكيل النيابة!! وضحى ضحكت: أنا كنت ابي أخذ أمي.. بس أنتي حلفتي ماحد يروح معي غيرش.. حتى مارضيتي إنها تدري عشان هي ماتحلف عليش!! كاسرة بإبتسامة: خلي أمي في حالها.. كفاية عليها ضغط بكرة... المصممة نادت وضحى لكي تلبس الفستان في صورته النهائية.. في وقت انتظارها لوضحى رن هاتفها.. حين رأت اسم كساب.. شعرت بالحرج المختلط باشتياق غريب.. ردت بنبرة غريبة حملت كلاهما: هلا كساب.. كساب باستغراب: كاسرة وينش؟؟ كاسرة بذات النبرة: أنا مع وضحى تأخذ فستانها.. كساب بعتب مختلط بنبرته الحازمة: ويعني ماقدرتي تأخذين فستانها قبل ما أجي؟؟ كاسرة تنهدت: كساب يعني ظنك لو أني قدرت أخذه قبل.. كان رحت وأنت جاي.. تنهد بعمق.. فهي مطلقا لم تفعل ذلك إلا مرة واحدة.. يكره مجرد تذكر تلك المرة.. وهو يدخل البيت ليتفاجأ بعدم وجودها رغم أنها لم تفعلها مطلقا قبل ذلك.. كم كانت مرارة الأيام وقسوتها بعيدا.. قفزت كل الذكريات المرة لذاكرته وهو يدخل الليلة ولا يجدها!! رغم أنه وجد غاليته مزون تنتظره في الأسفل.. ورغم فرحته العارمة برؤيتها إلا أنه بقي يشعر بنقص غريب وفراغ غير مفهوم.. كما لو كان طفلا يبحث عن أمه بين الحشود.. لن يهدأ جزع روحه حتى يراها.. هتف بحزم: زين خلاص أنا رايح لشغلي الحين!! فيه عندي شغل مهم عشان العقود اللي وقعتها واجتماعات مع المهندسين ويمكن أتأخر.. حينها همست بهدوء تخفي خلفه وجع اشتياقها له: زين متى بأشوفك؟؟ وأنا أبي أنام الليلة عند وضحى.. حينها زفر بتأفف غاضب: وتبين تنامين عندها بعد؟؟ كاسرة حينها همست بغضب رقيق: كساب قصر صوتك لا تصيح علي.. هذي آخر ليلة لها قبل عرسها.. عيب أخليها.. من كثر خواتي يعني.. هي أخت وحدة.. وليلة وحدة ماراح تكرر!! كساب زفر بغضب: خلاص خليني أنا..!! انتهينا.. مثل ماتبين.. النفس وما تهوى..!! كاسرة أنهت الاتصال وهي تتنهد بعمق (يموت لو مالقى له سبب يعصب عليه!!) كانت كاسرة تتأفف بغضب ليتحول تأففها لابتسامة شاسعة وهي تقف لتدور حول وضحى بانبهار.. ثم تضحك بصوت عال: وضحى أنتي في كامل قواش العقلية؟؟ فكرتش وإلا فكرة المصممة؟؟ المصممة بلباقة رقيقة: لا والله فكرة الدموزيل.. أنا بالبدايي ماكنت كتير مئتنعة فيها وخصوصا إنه فيه موديلات من ئبل بنفس الطريئة.. بس عالتنفيز.. عن جد وااااااو.. وسبيسال!! وضحى تبتسم: ماعجبش؟؟ كاسرة مازالت تضحك: من حيث عجبني فهو جد عجبني لدرجة إني ماني بقادرة أبطل ضحك.. شكلش فيه بكرة بيطلع فوق الخيال.. بس الله يعينش على التعليقات اللي ما يعجبها العجب!! ************************************ " اشعيع اشفيش يا أبيش وجهش ماصع ولونش مهوب زين!!" شعاع انتفضت بجزع رقيق: مافيني شيء يبه فديتك!! عالية مالت على شعاع بهمس خافت: ترا عمي صادق.. اليوم الصبح رحتي الابتسامة شاقة من فرحتش بفراقنا.. ورجعتي لنا حالش أشين من حالش البارحة.. كنه ميت لش ميت!! شعاع باختناق: مافيني شيء عالية بس تعبانة شوي.. عالية بمرح: هذا كله حزن عشان سبع البرمبة بيتاخر يومين بعد.. ترا والله ياشعاع حالتش صعبة.. حلو تعطين رجالش حقه .. بس في نفس الوقت تأخذين حقش!! شعاع شعرت أنها ستبكي فعلا حين ذكرت عالية علي.. فالجرح عميق.. عميق لا حدود عمقه.. ولمن هي في مثل رقتها.. بدا الأمر لا يحتمل إطلاقا!! تحاول أن تضع سيناريوهات متعددة تفسيرا لما رأته.. وكل السيناريوهات بدت مؤلمة وجارحة ومهينة.. تحاول أن تبرأه بقلبها ودفق مشاعرها .. فإذا هذا القلب يدينه أكثر وأكثر!! عالية كانت ستتكلم لولا أن هاتف شعاع رن.. عالية استغربت تماما وقررت أن تصمت.. لأن الرنة كانت الرنة الخاصة بعلي ومع ذلك شعاع كتمت الصوت بسرعة ثم أغلقت هاتفها!! والغريب أن إغلاقها لهاتفها ليس غضبا بقدر ماهو خوف عليه.. والغضب الأكبر هو من نفسها.. تشعر أن حبه استعبدها تماما.. لدرجة أنه مع كل هذا الذنب العظيم.. بل الجريمة التي ارتكبها.. ترى أن صحته هي الشيء الأهم!! فهي لو تركت الأمر لرغبتها.. فكل ما ترغب به هو أن تصرخ به وتصرخ به وتصرخ به... تقتله ربما لو استطاعت!! ومع ذلك هي تؤجل كل ذلك حتى يعود.. تخشى إن أفرغت غضبها فيه أن يترك علاجه ويعود... أبو عبدالرحمن الذي كان هو أيضا يتحدث مع أم عبدالرحمن.. هتف بصوته الحازم: عالية يابيش وين رجالش.؟؟ عالية باحترام: داخل يبه... يحضر مادته اللي هو بيدرسها الفصل الجاي.. خلاص ماعاد باقي إلا أسبوعين على فتح الجامعة!! أبو عبدالرحمن وقف ليغادر وهو يهتف بذات نبرته الحازمة المعتادة: خليه يجيني في المجلس يتعشا معي... أنا عازم تميم بعد على العشاء.. أبو عبدالرحمن غادر وعالية وقفت لتتوجه للداخل لتخبر عبدالرحمن.. لولا أن عبدالرحمن قاطعها بخروجه فعلا وهو يهتف لشعاع بمودة: شعاع.. علي يتصل على تلفونش مسكر.. يبي يقول لش إنه قابل الدكتور خلاص.. وحجز الليلة متأخر وبكرة الصبح بيكون هنا!! ************************************ رنين آخر.. قاطعته يد رقيقة أخرى لتصمته.. عفراء همست بحزم: ردي عليه.. جميلة بتأفف: يمه ما أبي أرد عليه.. ماني بطايقة أسمغ صوته.. عفراء بذات الحزم: عيب عليش يا بنت... الرجال شاريش.. جميلة بإصرار : وانا بايعته.. عفراء بغضب: وش العلم ياجمول... اشوفش رديتي على طير يا اللي... عقب ماقلت بنتي عقلت.. رجعت ريمة لعادتها القديمة.. طفشتي الأول تبين تطفشين الثاني.. همست حينها جميلة بحزن: عندش شيء ثاني يمه.. تبين توجعيني فيه؟؟ عفراء تنهدت وهي تقف لتجلس جوار جميلة وتحتضن كتفيها بحنان: يأمش أنا أبي مصلحتش.. تبين تصيرين مطلقة مرة ثانية؟؟ جميلة انتفضت بجزع: مطلقة؟؟ لا لا.. عفراء بأمومة: زين أشلون ماتبين وأنتي حتى منتي براضية تتفاهمين معه؟؟ جميلة بإصرار: عادي يخليني وينساني.. الله محلل له بدل الوحدة أربع.. يتزوج ثلاث.. ما أبي منه شيء إلا إنه يخليني على ذمته لين أتخرج على الأقل!! بس أرجع أعيش معه لا.. وألف لا... ******************************* " ها ياعريس... كيف إحساسك بأخر ليلة عزوبية؟؟" نايف بمرح: إحساسي إنها ماتبي تخلص.. وخصوصا وأنا مقابل وجيهكم اللي تجيب الهم ياعيال أختي.. والله مافيكم صاحي غير عبدالله جعل عمره طويل أبوحسن!! شوف صالح قاعد على جنب وكل شوي مطلع تلفونه.. أكيد يشوف صورة الفأرة.. يخاف ينسى ملامحها!! وأبو الهول من يوم راح لمصر صار أبو الهول صدق!! وأنت عكسه حلقك 24 ساعة شغال حكي على غير فايدة!! هزاع يضحك: على كذا طلعتنا كلنا عاهات.. نايف يضحك: لأنكم كلكم عاهات ماجبت شيء من عندي.. هزاع بخبث: الولد على خاله ياخال.. هزاع يلطم كتفه بمرح: تخلخلت حنوكك قول آمين.. الحين غديت خالك عشان تسبني..؟؟ الحوار المرح مستمر بين الإثنين كالعادة.. بينما فهد وصالح صامتان كل منهما مشغول بهمه الخاص.. وعبدالله كان مستغرق في الحديث مع والده كعادتهما أيضا.. رغم أن أبا صالح لا يحب أن يُكثر الحديث بعد أن يصلي العشاء.. لكنه كان يتأكد من ترتيبات حفل زواج نايف في الغد.. الذي حلف أن يتولاه كاملا.. لأنه يعتبر نايفا أحد أولاده.. ولكن ما أن غادر أبو صالح.. حتى قام عبدالله ليجلس بجوار فهد.. عبدالله وضع كفه على معصم فهد وهو يهتف بمودة صافية: صحيح من أول وأنت منت بكثير حكي.. لكنك على الأقل لا تجمعنا كنت دايم تبتسم تمزح.. تسولف.. الحين تقعد ساكت وتقوم ساكت.. حينها فهد هتف بعمق موجع بكلمات أكثر وجعا جعلت عروق عبدالله تنتفض تأثرا وجزعا وهو يكاد يقفز من مكانه: لأني ماني بكفو قعدة الرياجيل... عشان أسولف معهم!! فهد شعر بكف عبدالله التي ارتعشت بعنف وهو يهتف بصرير من بين أسنانه: أفا عليك يافهد.. وش ذا الكلام؟؟ فهد بذات النبرة الموجعة: اللي يذل له بنية يتيمة ويقهرها ويوجعها بالكلام.. وش يكون في نظرك؟؟ عبدالله تنهد بعمق: فهد يأخيك.. ماحد منزه من الخطأ.. حتى الرسول صلوات الله وسلامه عليه أخطأ وعاتبه الله عز وجل من فوق سبع سموات!! بس مشكلتك الازلية إنك ماتشوف إلا لونين الأبيض والأسود.. وإنك مستقيم بزيادة.. يعني أنا يوم رجعت من امريكا.. ماحد عاتبني بقسوة مثلك.. مع إن الكل كانوا يحاولون يراضوني.. عاتبتني وأنت ماتدري ولا دريت بالبلاوي اللي أنا سويتها!! عاتبتني لأنك ماترضى بالحال المايل.. وأنا فعلا كنت حال مايل.. ما أقول لك لا تعاتب نفسك.. فخير النفوس النفس اللوامة.. والله عز وجل أقسم بها.. بس أقول لك ارحم نفسك... أشين شيء ممكن الواحد يسويه في نفسه إنه يجرح نفسه قبل ماغيره يجرحه.. ماراح أسألك عن مشاكل مع مرتك... بس بالرواقة والتفاهم وطولة البال... كل شيء ينحل.. طالبك يا أخيك توسع خاطرك.. فهد تنهد بعمق: يجيب الله خير من عنده.. !! *********************************** " هذه كله عند وضحى؟؟ وش تسوين عندها؟؟" سميرة أشارت بإبتسامة: خبرك عروس.. ولازم نهتم فيها.. أشار تميم بحنان: وعسى مافيه شيء قاصرها؟؟ سميرة بعذوبة: أبد كل شيء تمام التمام.. ألسطة وميه وميه على قولت خالي هريدي!! تميم ابتسم وهو يشير لها: زين تجهزي.. بعد بكرة الظهر طيارتنا.. سميرة بحماس: صدق بنسافر!! تميم بأريحية: أنا وعدتش.. بنسافر ألمانيا.. بنسوي فحص في بون.. وعقبه بنروح ميونخ نتمشى هناك 5 أيام.. وعقب نرجع بون نأخذ نتايج الفحوص.. ونرجع الدوحة.. عاجبش الجدول.. وإلا تبين نغيره شوي؟؟ سميرة تعلقت في عنقه بمرح ثم افلتته لتشير له: عاجبني ونص.. ثم أشارت بتردد: وجدك زين من اللي عنده؟؟ تميم بتلقائية: أساسا حتى لو كنا موجودين.. أمي اللي قايمة فيه وهي سليم.. والليل ماينام عنده إلا سليم.. أمي كانت تبي تجي تنام عنده.. بس أنا حلفت عليها ماتقعد في البيت بروحها.. تقعد عنده كثر ماتبي في النهار.. وفي الليل ترجع لبيتها!! جدي لو بغى شيء بيخلي سليم يدق عليها!! *********************************** هاهي تتمدد على سرير وضحى في انتظار انتهاء وضحى من صلاتها.. مازالت لم تره حتى الآن.. رغم أنها بالفعل ذهبت إلى بيتها.. وانتظرته لأكثر من ساعتين.. ثم اضطرت للعودة إلى أختها لأن لديها الكثير من الترتيبات التي لابد أن تنجزها قبل أن تنام.. رغم أن سميرة أيضا لم تتوقف عن العمل.. لكن كلتاهما باتتا تشعران بتوتر أكثر من وضحى.. وهما تعيدان عمل الشيء الواحد عدة مرات!! رنة رسالة تصل هاتفها.. كانت منه.. توجست (لماذا رسالة وليس اتصال؟؟) " نمتي؟؟" كاسرة توجست أكثر (ليش السؤال؟؟).. أرسلت له: " لا.. مابعد!! " لتتفاجأ بعد ثوان باتصاله.. في حالة الأزواج الطبيعيين ..هذا الاتصال أكثر من عادي!! لكن في حالتهما ابعد ما يكون عن الطبيعية.. تنهدت كاسرة قبل أن ترد (أكيد يبي يغسل شراعي شوي.. عاد في خاطره لغو) ردت بهدوء متمكن: هلا كساب.. رد عليها بنبرة دافئة مقصودة : تدرين إن عليش بحة صوت تذبح!! كاسرة كادت تلقي الهاتف من يدها وهي تكتم كحتها وشهقاتها.. لولا أنها متأكدة إنه صوت كساب وإلا كانت قالت أن المتصل شخص آخر.. كاسرة همست بثبات قدر الامكان رغم أن جملته البسيطة أحدثت فوضى هائلة في مشاعرها.. ولكنها بداخلها كانت تخشى أن يكون يسخر منها.. ليس شكا في نفسها.. لكن شكا في نواياه.. ولكنها همست بثبات خافت حتى لا يصل صوتها لوضحى التي تصلي في زاوية الغرفة: لنا أكثر من سنة متزوجين وتوك تكتشف إنه بحة صوتي تذبح على قولتك؟؟ جاءها صوته باسما متلاعبا دافئا لدرجة تثير الجنون .. الجنون بمعناه الإيجابي لا السلبي: تدرين فيه أشياء من حلاتها تبين وقت لين تحسين بحلاوتها عدل من قد ماهي حلوة... لأنه عقلش يعجز يستوعب ذا الحلاوة.. يحتاج له وقت للاستيعاب لا يستخف.. مثل الشكولاته الفاخرة ماتبين حلاوتها إلا على آخرها.. لا ذابت في الثم.. صوتش كذا.. من قد ماهو حلو.. وتخيلي أشلون حلو.. لأني احتجت سنة كاملة عشان أستوعب حلاته!! كاسرة شعرت برعشة حادة تجتاح خلاياها خلية خلية.. وخلاياها تكاد تُنسف من شدة التأثر والانفعال!! أ ليس من المثير للشفقة أن تكون متزوجة طوال هذه الفترة وتشتاق لكلمة غزل واحدة.. فإذا به ينثال بهذا الغزل المثير المكثف وبلا مقدمات!! كما لو كانت أرض بور تشققت من الجفاف.. تنتظر قطرة ماء واحدة.. قطرة واحدة فقط.. فإذا بالماء ينسكب فوقها إنسكابا.. وتحتاج وقتا لتستطيع تلقي هذا الماء وامتصاصه!! صمتت.. عجزت عن الكلام.. لأول مرة تعجز عن الرد لأنه أشعرها بأنوثتها حتى ذروة الذورة.. لم يستفزها لكي ترد عليه ردودها الحادة ردا برد!! كساب همس بذات نبرته الدافئة الباسمة: وين راح صوتش؟؟.. تونا نقول حلو ويدوخ!! بتحرمينا منه يعني؟؟ حينها همست كاسرة بنبرة أقرب للتبلد: أنت متأكد إنهم ما سوو لك عملية غسيل مخ في سفرتك ذي؟؟ همس بنبرة تلاعب مدروسة: واحد مسكين قاعد في غرفته بروحه.. ويعد الطوف والثريات واللمبات وخطوط السقف.. لا حد يسولف معه.. ولا زول يشوفه!! وش توقعين يصير فيه؟!! زين ما يستخف!! حينها ضحكت كاسرة برقة: لا شكلها مهوب عملية غسيل مخ.. شكلهم بدلوا مخك كامل بمخ جديد!! همس بدفء عميق لا يخلو من نبرة تلاعبه الدائمة: زين تعالي خمس دقايق بس.. أبي أشوفش بس.. كاسرة بصدمة: من جدك... ما أقدر .. وضحى عندي وش أقول لها؟؟ ابتسم: زين أنا أجيش.. مثل ذكريات الأيام الخوالي.. والتعلبش على الجدران مثل القرود.. ضحكت كاسرة وهي تشعر بروح مرح غريبة: لا واللي يرحم والديك.. خل عرس أختي يعدي على خير.. لا تسوي لنا أفلام.. وتطيح من فوق السطح!! حينها همس بعمق خافت.. آلمها حتى عمق روحها: أبي أشوفش بس.. ما تبين تشوفيني؟؟!! كاسرة أغلقت عينيها وفتحتها.. شعرت بريقها جاف.. والكلمة لا تريد الخروج.. لكنها علمت أنها إن لم ترد عليه بما تشعر به فعلا.. فهي ستفسد هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر أبدا.. فكساب الليلة يبدو أغرب من الغرابة.. تخشى فعلا أن غرابته هذه لن تتكرر.. وكم تمنت لو يبقى غريبا هكذا طوال عمره!! همست بصوت مبحوح مثقل بالدفء والعذوبة: بلى والله أبي أشوفك.. بس الليلة ما أقدر.. أنت اللي تأخرت علي مع إني انتظرتك في البيت كثير.. بكرة الصبح بدري أنا بأرجع للبيت أساسا.. حينها همس بخيبة أمل يخفيها خلف حزم صوته: وأنا بأكون من عقب صلاة الفجر مع العمال عشان صب أساسات مشروع مهم.. حينها ضحكت كاسرة : وأنا عقبها بأنشغل مع وضحى.. خلاص أشوفك في الليل عقب العرس!! ضحك كساب: تدرين كأننا قطو وفأر.. وذا الشوفة مهيب راضية تتيسر.. انتهت المكالمة.. ولكن ابتسامة كاسرة مازالت مرتسمة وهي مازالت تحتضن الهاتف ملاصقا لأذنها.. لم يقاطع أجواءها السماوية سوى نحنحة مرحة ووضحى تضع يدها على خصرها: احم احم نحن هنا.. كاسرة أنزلت هاتفها وهي تهمس بحرج: من متى وأنتي واقفة؟؟ وضحى همست بمرح: أممممم خلني أتذكر... من ( وأنا والله أبي أشوفك).. قالتها بطريقة تمثيلية مرحة.. كاسرة بحرج: صدق إنش قليلة أدب.. وليش تتسمعين؟؟ وضحى هزت كتفيها بمرح: وأنا اللي تسمعت؟!! الكلام جا لين عندي.. ثم همست بمودة: أول مرة أسمعش تكلمين كساب وتضحكين.. يا الله فزي لبيتش.. روحي لرجالش.. كاسرة ابتسمت وهي تشير للمكان الخالي جوارها وتهمس بحنان: تعالي.. نامي وراش بكرة عفسة!! والليلة حقتش بروحش أنتي وبس.. وضحى تسللت لجوار كاسرة وابتسامتها المرحة المرتسمة قبل ثوان تتبخر وهي تهمس بتوتر: كاسرة.. أنا خايفة ومتوترة!! كاسرة مررت أناملها عبر خصلات وضحى وهي تهمس بحنان حازم باسم: مافيه شيء يخوف.. الله يستر على نايف بس لا تأكلين القطوة اللي هو جاي يبي يذبحها... ************************************ يدخل بيته صباحا مبكرا.. مع أنه أبلغ عبدالرحمن البارحة بوصوله إلا انه لم يتوقع أن تكون شعاع موجودة.. لأن الوقت مازال مبكرا.. وهي يستحيل أن تنام في البيت لوحدها.. لكنه يتوقع أن تصل بعد لحظات.. (على ما أخذ شاور.. بتكون وصلت..!!!) كان البيت يبدو أكثر ترتيبا ونظافة من المعتاد.. (ياقلبي ياشعاع.. كانت متوقعتني أجي أمس!!) وحين دخل إلى غرفته.. كانت غرفته تبدو كما لو رُتبت بالمسطرة.. وكل شيء في مكانه.. إلا شيئا واحدا ..لذا لفت نظره.. لوجوده في غير مكانه المعتاد.. وبطريقة غير معتادة!! كان ثوبا من ثيابه ملقى على السرير.. حين اقترب ليحمله ويلقيه في سلة الغسيل.. تراجع بصدمة حادة.. وهو يشهق بعنف (أشلون نسيته؟؟ أشلون؟؟صدق إني غبي ومافيني مخ!! من فرحتي بشوفتها نسيت كل شيء!!) علي تراجع وهو يجلس بجوار ثوبه الذي مازال اللون الزهري واضحا على جيبه!! تنهد بعمق وهو يلقي غترته جواره بغيظ أشبه بالاحتراق!! كان يعلم أن هذه السعادة غير المعقولة التي يغرق فيها حتى مافوق أذنيه.. لا يمكن أن تكون إلا حلما لفرط روعتها.. والأحلام لابد أن نصحو منها يوما.. ليصفعنا الواقع!! كيف سيشرح لها؟؟ وماذا سيشرح لها؟؟ كل التفسيرات والمبررات حتى الصادقة منها.. ستكون محرجة له ومؤلمة لها!! فشعاع تظن أن ماحدث في المصعد لا يتجاوز رؤيته لها بدون غطاء!! لا يعلم كيف ستصدق إن هذه الأثار لها هي.. وإن صدقت.. كيف ستتقبل ذلك!! تبدو القضية معقدة وفلسفية لحد بعيد.. أين المشكلة؟؟ فهي في ذلك الوقت كانت زوجته.. كما هي الآن!! المشكلة أنه لم يكن يعلم!! وهرطقات الإحساس المختلف بها وشعوره العميق بأحقيته بها لن تقنع امرأة مجروحة مثلها!! فكيف سمح لنفسه أن يتجاوز كل الخطوط ويفعل ذلك!! فهي سامحته على نظرة لم يسعى هو لها... فكيف ستسامحه على ضمة هو من سعى لها ؟!! ولكنه يعلم أنها مغرمة به.. كما هو مغرم بها.. وأنها لن تصبر على فراقه.. لذا سيحاول أن يدخل لها من هذا المدخل.. فكل شيء جائز في الحب والحرب!! علي تناول هاتفه.. ليتصل بها.. فهما يكن قلبه لا يقواه أن يتركها تعاني أكثر من ذلك.. يعلم أنها لابد أهدرت طنا من الدموع من البارحة حتى اليوم!! يريدها أن تصرخ به.. إن كان الصراخ سيريحها!! يريدها أن تؤنبه وتجرح فيه كما تشاء لأنه تجرأ على جرح مشاعرها الغالية!! لكن هاتفها كان مغلقا.. حاول لمرتين أخريين.. ومازال مغلقا.. ألقاه جواره بغيظ مختلط بالأسى وهو يقرر أن يستحم ويتوجه إليها بنفسه!! ************************************ " شعاع وش مقعدش في الصالة كذا بدري؟؟" شعاع تجيب عالية وهي تتلهى في جهاز التحكم حتى لا تلاحظ انتفاخ وجهها من البكاء: ماجاني نوم عقب صلاة الصبح.. قلت بأقعد أشوف الأخبار أنتي وش مقومش بدري لا ولابسة عباتش بعد.. عالية في موقف آخر كانت لتلاحظ فورا مظهر شعاع المزري.. لكن لأن رأسها كان مشغولا بألف شيء.. لم تنتبه وهي تنهمر بالكلمات: أبي أروح لبيت نايف.. أرتب كل شيء على ذوق وضحى وبأغراضها.. وعقب أقفله لين الزفة.. خلي خالاتي يحترقون.. تخيلي شعاع البيت ترتب أكثر من مرة.. ومفرش السرير تغير أكثر من مرة.. كل وحدة تبي تحط مفرشها اللي هي اشترته.. وتخيلي الأذواق عاد!! العروس جايبة مفرش يجنن.. أمها حطته على السرير.. ورتبت كل شيء قبل أمس يوم جابت أغراضها.. نايف وداني وشفت الترتيب كان خيال وراقي صدق.. تخيلي البارحة في الليل متأخر يتصل علي.. يقول لي جاء غرفته لقا خالاتي قالبين الدنيا فوق حدر.. وهو مستحي تسأل البنية عن أغراضها يقول لها ما أدري.. شعاع همست بمودة رغم انشغالها بما فيها: تبين مساعدة؟؟ عالية تلبس نقابها باستعجال: تسلمين ياحلوة.. روحي لبيتش أكيد رجالش على وصول.. أنا أساسا بأخذ خدامة من بيت هلي.. وخدامة من هنا.. وبنخلص بسرعة.. حينما خرجت عالية للسيارة التي تنتظرها في البارحة.. كان هناك شاب طويل نحيل ينتظر خارجا.. يبدو شكله محرجا وهو يتصل في هاتفه ولا مجيب.. عالية عرفته فورا.. وهو حينما رأى السيدة التي تخرج.. استدار بحرج ليعود لسيارته.. لولا أن عالية أوقفته بطريقتها القوية في الكلام: أبو زايد تفضل داخل.. الصالة مافيها إلا شعاع.. علي هتف بلباقة رغم أنه ليس متيقنا من هي: صبحش الله بالخير يابنت خالد.. أنا تفشلت.. الوقت بدري.. وأدق على شعاع وعبدالرحمن ماحد يرد منهم.. عالية هتفت باحترام : عبدالرحمن راقد .. تبيه رجعت أقومه؟؟ علي يشعر بحرج متزايد: لا سلامتش.. جاي أسلم على عمتي وأخذ شعاع.. عالية تغادر للسيارة وهي تهتف بذات نبرة الاحترام القوية: اقلط مابه حد داخل إلا شعاع بس!! شعاع حينها كانت تمرر أناملها عبر جهاز التحكم.. وعيناها المغرقتان بالدموع تعبر شاشة التلفاز .. وأفكارها المرة تحفر في روحها حفرا... تحاول إبعادها عنها.. فتجدها تعود لتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم!! لا تتخيل أن عليا به من الدناءة أن يخونها ثم يحتفظ أيضا بعلامة خيانته داخل صندوق مغلق كما لو كان يفتخر بها!! لا تتصور مطلقا كيف من الممكن أن يفعل ذلك..!! رغما عنها شهقت بعنف وهي تتخيل الأخرى التي ضمها لصدرها.. تمنت أن يكونا كلاهما أمامها لتمزقهما تمزيقا... " بسم الله عليش!!" صوته الحاني كان قريبا كحلم.. تزايدت شهقاتها العنيفة رغما عنها.. (الخاين حتى صوته ملازمني!!) فوجئت باليدين الحانيتين تمسكان كتفيها من الخلف يتبعهما صوته الجزع: بسم الله عليش ياقلبي.. اخذي نفس.. شعاع قفزت بحدة لتستدير ناحيته.. بينما علي هتف بعتب: شعاع الله يهداش وش ذا النطة؟؟ راعي اللي في بطنش!! شعاع تنظر له بذهول.. وعيناها متسعتان من الألم والصدمة: مهتم من اللي في بطني عقب اللي سويته..؟؟ علي يتنهد: شعاع حبيبتي امشي معي للبيت وبأفهمش كل شيء.. شعاع بألم شاسع: ما ابيك تفهمني شيء ولا تقول لي شيء.. لو هي وحدة غيري أصلا ماكانت طاقت تتفكر في وجهش!! لو سمحت اطلع.. علي اقترب منها أكثر ليشد كفها ليجلسها.. لكنها شدت يدها بعنف منه.. وهي تهمس بحدة: لا تقرب مني!! علي يتنهد: شعاع تكفين.. المكان مهوب مناسب للكلام.. تعالي زين مجلس الحريم.. شعاع تدير وجهها جانبا: علي لو سمحت.. اطلع برا.. ما أبي أسمع شيء!! أشلون قادر تحط عينك في عيني وأنت خايني!! علي يحاول أن يبعث أكبر قدر من الهدوء في صوته.. حتى شجارهما مثلهما.. هادئ.. شفاف.. راق: ياقلبي ياحبيبتي.. والله العظيم.. ثم والله العظيم.. ثم والله العظيم... إن هذا ثوبي يوم تسكر علينا الأسنصير.. شعاع مازالت لم تستوعب: وهو كل شيء في حياتنا بتعلقه على سالفة الأصنصير!! ثم شهقت وهي تتراجع أكثر: وبعد خايني في يوم ملكتنا بعد.. وتكذب علي إنك تعلقت فيني من ذاك اليوم.. علي هز رأسه بيأس: شعاع ما تذكرين لون الروج اللي أنتي كنتي حاطته ذاك اليوم..؟؟ وقبل ماتعصبين.. حطي نفسش مكانش.. ودوري لي عذر.. ولو مالي عذر.. أنا رجّالش وأب ولدش... لو حتى ذنبي كبير.. قلبش أكبر.. وأنا معترف إني غلطان وطالب السماح.. ومافيه حياة زوجية تخلى من المشاكل شعاع كانت تسمع انهماره والطعنات تتعمق في قلبها.. همست باختناق حقيقي: وهذي تسميها مشكلة زوجية... علي لو سمحت.. لو ما طلعت.. أنا اللي بأروح وبأخلي المكان كله لك.. علي تنهد ليزفر بحرارة: أنا بغيت أشرح لش كل شيء.. ماهان علي تقعدين تحترقين كذا بروحش.. خلش وارتاحي وفكري زين.. وبكرة عقب العرس باجي أخذش.. شعاع لم تستطع حتى أن ترد عليه.. وهي تنهار جالسة!! بينما علي كان يشعر أنه يتمزق فعلا وهو يتركها خلفه.. ويخرج رغما عنه!! ليشعر بالتمزق بأقصى معانيها وأشدها قسوة ووحشية.. وهو يصل لسيارته لتصله رسالة منها: " علي لو سمحت.. لا تحرج نفسك ولا تحرجني!! لا تجي بكرة ولا بعده... وأنا لو حد سألني بأقول وحامي جا في البيت وفيك.. مهوب يقولون اللي تحب رجالها يجي وحامها فيه...؟!! انبسط بالغلا !!" ****************************** نايف يعيد عالية لبيتها بعد صلاة الظهر.. حتى يتوجه للحلاق.. يهتف بقلق: علوي أخاف خواتي يزعلون.. عالية بحزم: لا والله معطي كل وحدة منهم نسخة من مفاتيح بيتك عشان ماتزعلهم.. وأنا أقول أشلون يقدرون يدخلون ويخربون على كيفهم.. نايف يزفر بضيق: بس تروحين تغيرين مفاتيح البيت كلها..!! عالية بذات الحزم الأقرب للغضب: إيه بأغيرها ولو وحدة منهم عندها نص كلمة.. خلها تكلمني.. أصلا أنا أبيهم يكلموني.. نعنبو دار عدوك... هذا بيتك بروحك... ما لوحدة منهم فيه ريال... كل وحدة منهم خذت حقها وزيادة في بيت إبيها.. وش يبون ببيتك؟؟ اللي طفشت بنت الناس.. ماحتى بتقعد أسبوع على ذا الحالة.. حينها هتف نايف بنبرة مقصودة: مهوب أنتي تقولين إنها مرنة وبتحط خواتي على رأسها؟!! عالية بنبرة جدية تماما: فيه فرق بين مرنة وتحط خواتك على رأسها.. وبين هبلة ورقلة وماعندها شخصية وخواتك يركبون على رقبتها!! أصلا لو مرتك ماحطتهم عند حدهم.. والله ماحد يأكلها غيرك.. وتعيش حياتك كلها بين ثمان طباين.. يعني الواحد يكون عنده زوجتين يطلعون روحه... أشلون واحد عنده ثمان!! نايف تنهد بعمق وهو يسند ظهره للخلف ويتمسك بالمقود.. أي هموم تشغل بال شاب مثله.. وفي ليلة زفافه التي من المفترض أن تكون أسعد ليلة في حياته...!! ممزق بين شقيقاته وبين زوجة يخشى أنها ليست مرنة حتى!! بل يخشى أن تكون حادة ومتصلبة لدرجة الصدام المشترك مع شقيقاته!! ******************************** " ياعزتي لخالي عزاه.. اللي راح فيها نويف.. وين كانت وضيحى داسة ذا الحلا كله؟؟ صدق صراحة طلتها إبهار.. عرفت أشلون تبرز نفسها!!" سميرة بمرح مشابه لمرح ابنة عمها: خلي خالاتش يحترقون.. سامعتهم بأذني يقولون أخينا الوحيد مالقى له إلا ذي.. وش الزود اللي فيها!! عالية تضحك: خلش من خالاتي.. لو مالقوا شيء يحشون فيه حشو في أنفسهم.. التفتي عليهم وشوفيهم وهم متزاحمين عند الاستقبال.. كل وحدة منهم كأنها تبي تقول أنا الكل في الكل.. ثم أردفت بخفوت: إلا عمتش وش فيها؟؟ مهوب عوايدها.. بالعادة منورة وتهلي وترحب.. الحين ماتبي تبعد من جنب وضحى.. سميرة بتأثر: حتى أنا ماهقيتها بتتأثر كذا.. تدرين وضحى أخر العنقود.. وفراقها صعب.. بالفعل كانت مزنة لا تكاد تبتعد خطوة من جنب وضحى.. لأنها ما ان تفكر أن تبتعد حتى للسلام على إحداهن.. حتى ترى عيني وضحى تبحث عنها بوجع.. يزيدها وجعا!! تنظر لها... فلا ترى كل الهالة حولها.. كل ماتراه هو ظفيرتين مجدلتين في أسفلهما شريطة بيضاء.. وهي في يومها المدرسي الأول.. كانت في ذلك اليوم تماما مثل ما هي اليوم.. طهر مجلل بالنقاء.. وعيناها تبحثان عن أنامل والدتها.. وتفيضان بدمع يأبى الإنسكاب.. تزيدها ذكريات ذلك اليوم وجعا... كلما تذكرت كيف أصر مهاب على أن يذهب معهما بنفسه... وهو يشد على أناملها الصغيرة حتى أدخلها باب المدرسة.. ويرجو أمه أن تبقى معها قليلا... تنظر لها.. فلا ترى عروسا.. بل ترى طفلتها هي.. أصغر الأبناء.. وككل الأمهات يظنون أن هؤلاء الصغار لن يكبروا.. سيبقون صغارا نرتشف معهم خربشات طفولتهم!! كاسرة قاطعت أفكار أمها وهي تربت على كتفها برجاء خافت: يمه طالبتش اقعدي شوي.. اقعدي جنبها لو تبين.. بس بلاها ذا الوقفة!! مزنة لم ترد عليها حتى.. لا تريد أن تجلس.. لأنها لا تريد أن يفوتها لفتة من لفتاتها ولا نظرة من نظراتها.. تريد أن تطرز ناظرها برؤيتها طفلتها وحدها قبل أن تذهب بأخر ذكريات طفولتها إلى عالم النضج!! ************************************** " أنت صدق طالع المطار الحين؟؟" فهد باحترام: إيه طال عمرك.. يا الله الحق.. منصور بتساؤل مهتم: والوضع بينك وبين مرتك أشلونه..؟؟ أنا سألتها تقول كل شيء زين.. فهد هتف بشجن مخفي خلف حزم صوته: زين إن شاء الله!! ثم أردف بثقة: وعلى طاري جميلة أبيك توصل لها ذا الظرف طال عمرك.. لأني مالحقت أشوفها اليوم.. (كنت أتمنى أشوفها.. بس هي ماردت على تلفوناتي!!) منصور أعاد الظرف لفهد بغضب: تبي تصرف على بنتي وهي في بيتي!! فهد أعاد الظرف بإصرار أكبر: والله ماتقول شي.. إلا أنت ترضاها علي؟!! ترضى إن حد غيري يصرف على مرتي حتى لو كان إبيها؟!! منصور ابتسم فهذا الشاب غال جدا على قلبه.. لأنه لطالما عرف كيف أن له قلبا لا يعرف التلون : باعطيها الظرف عشان خاطرك.. بس ياويلها تصرف منه وهي عندي!! ابتسم فهد ردا على ابتسامته: وياويلها تصرف من غيره حتى لو هي عندك!! ثم أردف بمودة: خلني أقوم أسلم على خالي.. لأنهم بيزفونه الحين.. وأنا بأطلع للمطار.. منصور بأريحية: أنا بأوصلك.. فهد بإصرار حازم: لا والله ماتوصلني.. حتى أخواني عييت حد منهم يخلي العرس عشان يوصلني.. سواق البيت ينتظرني برا.. وهو اللي بيوصلني!! ******************************* نايف يشعر بالتوتر وهو في السيارة مع قطبين صامتين... وهو لا يستطيع الحديث في حضرتهما تميم صامت.. لأنه صامت!! وزايد صامت.. لأن هيبته تتحدث عنه!! " ليتني رحت مع هزاع.. أبوك يالذرابة إلا أروح معهم.. أقله كان قعدنا ننكت أنا وهزاع وشلنا التوتر شوي" حين وصلوا للقاعة.. هتف زايد بحزم أبوي: انزل يأبيك.. حالما نزل نايف شد زايد على كفه بقوة وهو يهمس في أذنه بحزم خافت: اسمعني زين يا أبيك.. أدري إنك رجّال من عرب أجواد.. بس النصيحة لازمة.. لا يطري على بالك ولا حتى لثانية وحدة إنك تقهر وضحى وإلا تضيمها.. وتقول ماوراها ظهر يرد عنها!! تميم عن ألف رجال من غير قصور فيه.. لكن حسابك وقتها بيكون معي أنا... وأظني إنك تعرف زايد آل كساب لو حد داس على طرف بنته وش هو بيسوي فيه!! (مهوب كفاية إني متوتر... يخض بطني بعد!!) نايف هتف باحترام جزيل: وضحى على رأسي من فوق.. ازهلها!! زايد استخرج هاتفه ليخبر مزنة أنهم أصبحوا في الخارج.. بعد ان أتصل بها وأخيرها بخروجهم من موقع الحفل.. حتى يتجهزن.. . . . " يمه تكفين.. لا تخليني.." كانت وضحى تشد كف والدتها قريبا من قلبها بعد أن بقيت هي وحدها معها.. وقريبا من الباب ثمانية أشباح مسربلة بالسواد..!! مزنة أكثرت من قراءة الأذكار عليها وهي تهمس لها بحنان: ياقلبي مافيه شيء يخوف... اذكري ربش وبس... وضحى باختناق متعاظم: يمة خايفة.. خايفة.. مزنة احتضنت كتفيها وهي تقرأ وتنفت عليها ثم ابتعدت عنها قليلا حين رأت طرف البشت الاسود الداخل.. فقد كان العريس وزايد كلاهما يرتديان بشتين سوداوين.. نايف كان يتقدم بحرج لا يعرف له سببا.. لتتعلق عيناه بالمشهد المبهر قبل أن يكتمل حتى.. كانت وضحى تقف ورأسها مخفض للأرض وهي ترتعش بعنف.. كان فستانها غريبا... والأغرب طرحتها.. ليس غريبا كفكرة ولكنه غريب كتنفيذ محكم دقيق!! فالفستان الأبيض الناصع تخلل قماشه في مناطق مختلفة منه لون أخضر فاتح جدا هو جزء من لون القماش!! وأعلاه كان عبارة عن أغصان خُضر نحيلة تلتف ببراعة على الصدر والذراعين.. لينبثق منها الأوراق وزهرات مختلفة الألوان كلها بألوان فاتحة هادئة جدا.. وهي تنحدر لأسفل وتتفرع حتى تختفي!! أما الطرحة التي وُضعت بشكل الشيلة.. فهي أشبه بشبك الصيادين.... ولونها... أخضر فاتح بالكامل!! وكوشتها الصغيرة الناعمة صُممت تماما وفقا لهذه الفكرة والوانها.. الأبيض ..والأغصان الخضر الفاتحة..والزهور الناعمة الألوان .. ومثل ذلك مسكتها التي تمسك بها الآن وارتعاشها واضح في ثناياها.. حين اكتملت الصورة في عيناه.. لم يجد وصفا يصفها به سوى "مبهرة" مبهرة فعلا...!! زايد تقدم أولا ليقبل جبينها وهو يهمس في أذنها بحنان ومودة: الف مبروك يأبيش!! نايف رجال فيه خير.. الله الله فيه.. وأنا وصيته فيش.. ومايقصر!! وضحى همست باختناق: الله لا يحرمني منك.. ما تتخيل أشلون أنا فرحانة بشوفتك جنبي ذا الليلة.. زاد اختناقها وهي ترى تميم خلفه.. يشير لها بالتهنئة.. وهي عاجزة عن الإشارة.. لأن يداها مشغولتان بالمسكة.. أشار لها بشجن وتأثر وهو يرى كيف امتلئت عيناها بالدموع: وصلني الرد يأخيش.. لا تحاتين.. العريسان.. كلاهما متوتر من لحظة اللقاء..التي اقتربت.. زايد هتف لنايف بحزم: سلم على هلك.. وحن ننتظرك برا.. ليخرج هو وتميم... كان نايف للتو تتملأ عيناه من رؤيتها.. كان يريد أن يتمعن في كل تفصيل من تفاصيلها.. وخصوصا أن ذقنها كان يرتعش بشكل بالغ العذوبة أثر فيه حتى عمق العمق.. كان يريد أن يرى عينيها المسبلتين بخجل وهو يتقدم ليقف جوارها.. ليتفاجأ بهجوم الدبابات الكاسح الذي كاد يطرحه أرضا!! " مبروك يأختك.. مبروك" " ماتخيل فرحتي فيك!!" " منك المال ومنها العيال!!" "جعلني أشيل عيالك بين إيدي ياريحة الغالي!!" شقيقاته أحطن به.. لدرجة أن مزنة تدخلت لتشد ابنتها وتجلسها.. قبل أن يوقعوها أرضا.. أو على أقل تقدير يمزقن مسكتها أو يفسدن فستانها لأنها كانت تقف ملاصقة لنايف.. ثوان ليصل الصوت الحازم العالي: خالاتي حبياتي... سوو مثل أمي.. سلمت ونزلت.. خلوا العريس يصور مع عروسه صورة عدلة الله يرحم والديكم.. نورة نزلت وهي ترمق عالية بنظرة حادة وتهمس لها بخفوت: دواش بعدين يا بنت صافية على سواياش كلها.. ما بغيت أخرب عرس نايف وإلا كان وريتش شغلش الحين!! عالية بإبتسامة مصطنعة: خالتي تعالي في بيتنا وأنا كلي حلالش... المهم لا تحربون على نايف فرحته.. سلطانة نزلت أيضا ووصلت لتتدخل بخفوت: وش فرحته ياحظي؟؟... حديقة الورد اللي جنبه؟!! عالية بابتسامة ونبرة مقصودة تماما: مالقوا في الورد عيب.. قالوا يا أحمر الخدين.. نورة بنبرة حادة هامسة: إيه أكيد بتقولين كذا.. دام ذي مسافيطش لخالش اللي ست سنين وهو ضامش.. وهذا جزاه عندش!! عالية حينها شعرت أنها قد تنفجر من شدة الغضب فعلا.. ومع ذلك تماسكت وهي تصعد لتقبل جبين نايف ثم أجلسته جوار عروسه .. وهي تهمس في أذنه بخفوت: اقعد صور لك كم صورة مع مرتك.. وعقبه هج لبيتك... سكر البيان وقفل تلفونك.. واطلع بكرة للمطار قبل موعد رحلتك.. اسمع شوري طالبتك!! خلك أنت ومرتك بروحكم أسبوع وإلا أسبوعين لين تعرفون على بعض بدون تدخل من حد... نايف شعر بالصداع فعلا.. في الوقت الذي يجب أن يكون شاغله هو عروسه.. يجد له مشاغل أخرى.. يسترق النظرات نحو ارتعاشها الرقيق ويتمنى لو يقول كلمة لتهدئتها.. ولا يستطيع إلا أن يفكر بالهرب بها لوحدهما.. قبل أن يُصاب بالجنون!! *********************************** " خلاص زفوا وضحى الحين.. وأنا وأمي بنرجع البيت الحين.. مالنا نفس في القعدة عقبها!! أنتظرك في البيت!!" كساب كان ينظر لرسالة كاسرة ويبتسم.. وكان على وشك القيام ليتوجه للبيت فعلا.. لولا اليد الحانية التي شدت معصمه تبعها الصوت الهادئ العميق: وقف باروح معك... أبيك في موضوع!! كساب تنهد بعمق (أنا قلت الله يستر من شفقتي على شوفتها!! شكلها تعسرت!!) كساب هتف لعلي بحزم: يالله امش.. أساسا وجهك مهوب عاجبني من يوم شفتك.. وسألتك.. وقلت لي مافيه شيء.. أثر عندك علوم!! يا الله امش.. نروح نتقهوى في أي مكان ونسولف.. كساب وهو خارج.. أرسل لكاسرة أنه سيتأخر قليلا.. بعد حوالي الساعة في أحد مقاهي سوق واقف.. كانت القهوة قد بردت تماما.. وعلى يحكي لكساب خلافه مع زوجته.. فهو بالفعل متضايق.. ويريد أن يفضفض فقط.. لأن آخر من قد يحتاج منه نصيحة زوجية هو كساب!! كساب كان يرتعش من الغضب وهو يقاطع علي بحدة: صدق مع شينه قوات عينه.. الحين أنت مهبب لك مصيبة كبر رأسك.. وربك ستر عليك ومافضحك... تفضح روحك بروحك ليه؟؟.. تخلي الثوب عندك ليه؟؟ هذا المفروض ثوب نجس ترميه في أقرب زبالة.. مهوب تحتفظ فيه كنك مستانس فيه يا الخمام.. جزاك وأقل من جزاك.. والله ماسوته فيك بنت فاضل إنه حلال.. وإنها هي خسارة فيك.. يعني عقب ماكانت هي عقب الله سبب في تحسن صحتك ونسيان خبالك القديم تجرحها بذا الطريقة؟؟ أخييييييه منك!! علي صمت.. وكساب مستمر في تجريحه بقسوة.. لا يستطيع حتى أن يخبره أن جنونه القديم هي ذاتها جنونه الجديد.. يشعر أن هذا سر خاص به وحده.. وإخباره والده به وكأنه يخبر نفسه!! لم يشتكي لوالده.. لأنه يشعر أن والده مهموم بهم لم يشعر به سواه.. هم جديد يخفيه في أعمق أعماقه..!!! وما أكد له ذلك.. أن والده لم ينتبه لتغيره.. وهو من كان يلتقط خلجات أنفاسه قبل أن يتنفسها.. كان في حاجة إلى حدة كساب وتأنيبه وقسوته.. لأنه يريد أن يعاقب نفسه على تجريحه لشعاع .. التجريح الذي هي احتفظت به لنفسه.. ولم تتلفظ به شفتاها حتى!! ********************************* دخل لجناحه بهدوء.. لم يتوقع أنه قد يجدها مبكرا هكذا.. وخصوصا أن الليلة حفل زواج ابنتها.. لذا كانت صدمته بوجودها... وهي تجلس على السرير.. وأمامها عشرات الصور المنشورة.... كلها لشخص واحد.... وضحى!! لم تشعر بدخوله حتى وقف فوق رأسها وسلم.. انتفضت بحرج وهي ترد السلام.. وتحاول إخفاء دمعة خائنة فرت من عينيها!! همس زايد بتأثر وهو يجلس جوارها: أفا عليش يامزنة... تبكين؟؟ حينها لم تستطع أن توقف سيلا رقيقا من دموع صامتة.. سكبتها وهي تستدير ناحيته لتسند رأسها لكتفه.. لم تتحدث.. ولم يقل شيئا.. احتراما لحزن مهيب.. حقها أن يشاركها أساها.. كما شاركته أساه.. لحظات من زمن مسروق مضت وهي مازالت تنثر دموعها على صمود صدره قبل أن تبتعد وهي ترفع أحد الصور وتهمس باختناق كأنها تحادث روحها: هذي صورتها وعمرها سنة!! وهذي يوم خلصت الابتدائي!! وهذي يوم خذت الطالبة المثالية!! لم تستطع أن تقاوم مزيدا من انهمار دموعها.. وهي تلقي الصور وتطوق عنقه وتبكي هذه المرة بصوت مسموع.. زايد احتضنها بتأثر عميق وهو يهمس بخفوت قريبا من أذنها: أنتي سويتي كذا يوم عرست كاسرة؟!! أجابته بصوت مبحوح: لا.. يوم عرست كاسرة مهاب كان حي.. موت مهاب كسر فيني شيء مهوب راضي ينجبر.. وخصوصا إن وضحى كانت دايما تظن إني ما أغليها مثل أخوانها.. ومع كذا ماعمرها اشتكت.. ساكتة وراضية.. مادرت إن لكل واحد غلاه.. وهي غلاها بزود لأنها حشاشتي.. لين الليلة ما أشوف قدامي غير بنتي الصغيرة.. أحاتيها من الدنيا وقسوتها.. زايد صمت وهو يشدها أكثر إلى حضنه.. واختناق متزايد يكتم على أنفاسه.. كان يؤجل الحديث في موضوعه حتى زواج وضحى.. لكنه يرى الليلة غير مناسبة إطلاقا.. فهي بحاجته الليلة أكثر من حاجته لها.. ولا يمكن أن يدير وجهه لها!! **************************************** مضى لهما دقائق منذ وصلا لغرفتهما... صامتان.. متوتران.. متوجسان على ذات المستوى من الحدة والتكاثف.. نايف يسترق النظرات لها.. ويريد أن ينهض ليجلس جوارها فيجد أن قدميه لا تحملانه!! وهي يتزايد اختناقها كلما تزايد صمته... تخشى أن كل تعبها لتبدو طلتها مبهرة أمامه ذهبت أدراج الرياح.. لأنه لم ينطق بكلمة واحدة إطلاقا منذ رأته... " الظاهر إني ماعجبته.. أو مصدوم في شكلي.. ويقول وش ذا الخبلة على ذا اللبس اللي كنه لبس المهرجين؟؟ وبعدين وين جرأته وهو مرسل لي يبي يكلمني.. وحتى كلمة أشلونش ماقالها لي لين الحين !! " هو يشعر بتوتر متزايد.. لانه يخشى من ردة فعلها.. قد يكون فعلا لم يعد غاضبا منها من أجل ماحدث بينهما سابقا حين أخبرت تميم.. ولكن الموقف كشف له حدة شخصيتها وأن ردود فعلها قد تكون محرجة له.. يخشى أن يقترب منها فتصرخ.. يقول لها كلمة غزل ما.. كما يُفترض فتسخر منه!! ولكن خجلها البادي بشكل واضح جعله يتشجع قليلا ليقوم بالمبادرة.. وهو يقف ليلقي بشته جانبا... ثم يقترب منها ليجلس جوارها على الأريكة التي كانت تجلس عليها وفستانها الضخم منتشر عليها.. لدرجة أنه جلس على طرف الفستان.. وهو يهمس بترحيب دافئ: نورتي بيتش!!! لم تستطع أن ترد والكلمات تقف في حنجرتها كما لو كانت تقف على مشانق تنتظر لحظة الخلاص الأخير.. تشجع أكثر ليهمس بذات الدفء: قلنا نورتي بيتش.. عبرينا بنص كلمة.. لم يصدر عنها سوى حشرجة خافتة لا تكوّن أي معنى.. همس حينها بإبتسامة: لا يكون شكلي يروع بس؟؟ وإلا صوتي... لأنش منتي براضية تطلين في وجهي.. ولا حتى تردين علي!! مازالت معتصمة بالصمت.. ليتشجع أكثر وأكثر وهو يمد يده ليلمس بعض الأزهار الصغيرة المتشابكة على عضدها: تدرين إن فستانش خيال.. واعتبري هذي شهادة من واحد خبير.. عاش طول عمره بين بنات.. وعقبه 7 سنين في باريس.. الناس هناك يتنفسون موضة.. وضحى ابتعدت عنه بجزع ودقات قلبها تتصاعد وهو يمنحها أخيرا الغزل الذي تمنت سماعه.. ومع ذلك تمنت ألا يقوله!! نايف كلما رأها تزداد خجلا.. ازداد تشجعا.. لأنه كان بذلك يكتشف أنها محض صبية خجولة.. لا تختلف عن أي صبية أخرى!! مد يده مرة اخرى ولكن هذه المرة إلى وجهها وهو يلمس ذقنها بنعومة ليدير وجهها ناحيته ويهمس بدفء: زين خليني أشوف وجهش!! وضحى كان بودها أن تهرب من المكان كاملا.. لكنها شعرت أنها بذلك ستبدو متصلبة... وغير متقبلة له.. وهي من كانت تخشى ألا يتقبلها.. فإذا به يفاجئها بهذا الفيض من الدفء.. كانت عيناها مثبتتان للأسفل.. لذا عاود مد يده ليرفع وجهها.. ولم تعد يده لمكانها هذه المرة.. بل مررها برفق على تفاصيل وجهها برقة مقصودة.. شعرت وضحى حينها أن وجهها يشتعل.. وهو شعر بالفعل بدفء وجهها لأن الدم تدافع بعنف إلى وجهها .. همس حينها بحنان رجولي فخم: ترا أنا حاس فيش أشلون مستحية.. وما أبي أزودها عليش.. قومي الحين بدلي وتوضي وخلينا نصلي ركعتين أول.. يشرح ربي صدر كل واحد منا للثاني ويبارك لنا في ليلتنا.. #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع في [ 5 ] .. من الجزء المئة وواحد الى الجزء المئة وثمانية .. شبكة روايتي الثقافية / .. روآية : بيـــن الأمس واليـــــــــــوم .. للكــآتبة / # أنفاس_قطر # [ 5 ] .. من الجزء المئة وواحد الى الجزء المئة وثمانية .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وواحد انتهيا من صلاتهما... وعادا للصمت.. وإن كان هذا الصمت هذه المرة هو كسابقه عند وضحى.. صمت خجل طبيعي.. فهو مختلف عند نايف.. فهو هذه المرة مستمتع بمراقبة تعابير خجلها!! وهو يكتشف -بمتعة- أنوثتها الرقيقة التي خشي فعلا ألا تكون موجودة.. بناء على تفكيره السابق عنها.. وخصوصا أن شقيقاته لم يقصرن وهم يصفن أمها وأختها إنهما (نسرتان)!! وإنها لابد مثلهما!! كان دائما يتساءل : لماذا الوصف لأمها وشقيقتها ثم ينسحب توقع غير متأكد إلى شخصيتها... ؟؟ لو كان هناك عيب مباشر في شخصيتها لم يكن شقيقاته ليقصرن في نبشه.. شعر كما لو كانت ظلا غير واضح لأمها وشقيقها.. تماما مثلما كان هو!!!! ظل غير واضح لشقيقاته السبع اللاتي اتخذن من محبته لهن حبلا أحكموا لفه حول عنقه.. مطلقا ليس ضعيف الشخصية.. ولكن حبه لهن أضعفه أمامهن.. يخشى أن يسبب الحزن لهن وهو أخيهن الوحيد!! وفي نقطة التهاون هذه كان تماما كوضحى.. فهي أيضا ليست ضعيفة الشخصية!! لكن وجودها في ظلال شخصيات قوية جعلها تستكين بشعور أمان.. أو ربما تخاذل!! لكن حينما احتاجت لإبراز قوة شخصيتها أبرزتها وفي عدة مواقف.. وأقربها في إصرارها عليه هو رغم تحفظ أمها وشقيقتها!! وضحى تشعر بتوتر رقيق لأنها تجلس أمامه بدون أي زينة بعد أن مسحت زينتها تماما .. تخشى أن تكون تهورت في هذا التصرف.. ولكنها أرادت بالفعل أن يراها هكذا.. يتعرف على شكلها الطبيعي!! بينما هو كان ينظر لها بشجن.. إحساس عميق يتشكل في داخله نحوها.. وملامحها توحي له بشعور مُفتقد!! شعور أمومة حنون!! قد يكون غريبا أن يقول أنه يفتقد شعور الأمومة في ظل وجود سبع أمهات.. قد يعاني شعور تخمة الأمومة..!!! ولكن معهن كان إحساسه بالأمومة مبتور.. لأن صراعهن الدائم حوله سبب له التشتت!! واليتيم سيبقى دائما يفتقد أمه... كما يعلم أن وضحى لابد تفتقد أباها!! نايف قام ليجلس جوارها.. همس لها بتساؤل باسم: أنتي على طول كذا ساكتة؟؟ لم تجبه أيضا.. حينها مد يده ليتحسس أطراف أناملها.. شدت يدها لتدخلها في داخل أكمام روبها الحريري وهي تتنفس بصعوبة بدت واضحة له!! هتف حينها بمودة: خلاص يا بنت الحلال لا تروعين كذا.. اعتبريها خطأ غير مقصود.. سألها ليستحثها على الكلام: تدرين إني ما ادري وش طبيعة شغلش؟؟ قولي لي؟؟ حينها همست وضحى بخفوت: مدرسة بالإشارات.. أدرس صم وبكم!! حينها ضحك نايف بدفء: تدرين إني لي زمان ميت أسمع صوتش.. وأنتي ما بغيتي تحنين علينا.. حينها اختنقت وضحى.. ظنته يتكلم عن تلك المرة .. شعرت أنها لن تتجاوز خجلها منه.. ولا توجسها حتى تعتذر منه.. لذا همست باختناق: نايف أنا فعلا آسفة على اللي صار المرة اللي كنت تبي تكلمني.. بس أنا ما أرضى أسوي شيء من ورا هلي!! أتمنى إنه مافي خاطرك شيء علي!! لأنه الموضوع واجد مأثر علي!! نايف لا ينكر التأثر الرقيق الذي غمر روحه حتى أقصاها... قد يكون تضايق من ذكرها لهذا الوضوع المحرج وهو قرر تناسيه... لكن اعتذارها أثر عليه كثيرا وهو يهمس بمودة: أنا نسيت الموضوع أساسا... والعذر مقبول.. ثم أردف بإبتسامة خبيثة: تبين أحب رأسش عشان تدرين؟!! وضحى تراجعت بوجل : لا لا.. كلامك يكفيني!! نايف يستطيع اعتبار خبرته شاسعة في عالم الأناث.. ليس بالمعنى الذي قد يتبادر للذهن.. ولكن في الطبيعة الأنثوية بشكل عام.. الأنثى تتقبل الكثير من الحديث قبل أن تتقبل أي لمسة مهما كانت!! فمثلا لو غضبت عليه إحدى شقيقاته وأراد أن يقبل رأسها.. ستصرخ به (لا تحب رأسي).. لكنها مستعدة لعتابه لساعتين كاملتين دون توقف.. كذلك كانت عالية.. حينما تغضب منه ويريد أن يشاكسها.. ستصرخ به ( لا تجي جنبي) رغم أنها ستصدع رأسه بحديثها لساعات متطاولة.. ووضحى ليست مطلقا هي الشذوذ عن القاعدة... وهو باله طويل... ويريد فعلا أن يتعرف عليها.. ويسمح لها بالتعرف عليه!! بعيدا عن الأحكام المسبقة !!! لذا همس بهدوء وهو يسند ظهره للخلف: بكرة إن شاء الله بنسافر باريس.. حبيت أوديش لمكان أدل فيه عدل.. عشان أتفشخر عليش إني أدل.. أنا عشت في باريس 7 سنين.. وقد ماأحب ذا البلد قد ما اكرهها... غريب صح؟؟ لأنه باريس مثل مالها ميزات... عيوبها بالضبط!! نايف انهمر بحديث ممتع .. بدأ يجذب انتباهها فيه رويدا رويدا.. ويدخلها إلى عوالمه.. بحديث هادئ عميق!! وهو من حين لآخر يوجه السؤال لها.. لأنها لن تتكلم إلا جوابا على سؤال.. ثم يعقب السؤال بسؤال ليجعلها تستغرق في الحديث وتفاصيله.. ليكتشف بمتعة حقيقية طريقتها الهادئة الرزينة والعذبة في الكلام!!! *************************************** الليلة تبادلا الأدوار.. فبعد أن كانت طوال الليالي السابقة هي من تحتويه في حضنها.. الليلة كان دوره ليحتويها في حضنه.. لم يتخيل أنه قد يراها يوما بهكذا ضعف رقيق.. رؤيتها هكذا تذيب قلبه تماما.. يشعر أنه بين نارين.. نارين بكل معنى الكلمة!! لا يريد أن يظلمها مطلقا.. لكنه يعلم أنها غير مرتاحة لحالته وتشعر بها في داخلها.. بل سألته عدة مرات ماذا به؟؟ وكان يتهرب من الجواب.. التهرب الذي لم يغب مطلقا عن ذكائها!! قاطعت أفكاره بهمسها الخافت وهي تحتضن ذراعه: حبيبي وش اللي مشغل بالك؟؟ ولا تقول لي مافيه شيء.. أنا حاسة إن فيك شيء متغير من قبل زواج مزون بحوالي أسبوع.. قلت يمكن عشان زواجها.. بس السالفة غير!! همس بعمق وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها التي ترتاح على ذراعه: مهوب وقته يامزنة.. استدارت لتوليه وجهها.. تنظر في عينيه من أقرب مسافة.. تتنفس أنفاسه من قرب لتستشف أفكاره من تغير خلجاته.. همست مزنة بعمق خافت: أنا فاهمتك زين.. وكنت عارفة إن عندك شيء تبي تقوله.. بس تأجله لين عقب عرس البنات.. وهذا البنات عرسوا... ريحني الله يريح بالك!! همس بدفء موجوع في عمق أذنها.. وهو يجذبها ليدفن وجهها بين أضلاع صدره: بكرة الصبح بأقول لش.. وبأدعي ربي يبعد الصبح لأبعد مدى!! **************************************** " هاحبيبتي.. شاخبار العرس؟؟ " مزون تتمدد بجوار غانم وهي تسند ظهرها لظهر السرير وتهمس برقة: كان حلو.. ماشاء الله!! غانم بمودة: زين بكرة نبي نروح نزور نجلاء.. أنا جيتها اليوم.. بس أبيش تروحين معي بكرة... ونودي لها هدايا عيالها.. حينها همست مزون بتردد: عادي نودي لها أغراض البنت.. وإلا نودي أغراض غنومي وبس..؟؟ غانم يمسك قلبه بطريقة تمثيلية:آه ياقلبي... تجنن غنومي من بين شفايفش.. ماينفع تقولينها لي... غرت من ولد أختي!! مزون ضحكت: غانم.. بلا بياخة!! غانم قلب وجهه وهو يضخم صوته: (غانم) مهيب حلوة.. وع!! مزون ابتسمت برقة: زين ياغنومي الكبير نودي أغراض غنومي الصغير بس؟!! ابتسم غانم وهو يشد أناملها بين أنامله: ودي الأغراض كلها... المها أساسا تحسنت واجد.. يمكن تبي لها أسبوع وإلا أسبوعين وتطلع للبيت!! مزون بابتسامة: على طاري المها.. أختك مها هذي تحفة... تجنن.. الواحد وده يأكلها من قد ماهي حلوة وعسل ودمها خفيف!! ابتسم غانم بمرح: هذي جينات أمي... ما تلعب!! مزون بتساؤل: إلا غانم... امك وش اسمها؟؟ دايم أم غانم أم غانم.. ولا عمري عرفت اسمها.. غانم ابتسم: وش ظنش؟؟ مزون ضحكت: أمك على ستايلها باين فيها عرق تركي... تلاقيها صافيناز وإلا شهيناز!! ضحك غانم: والله منتي بهينة .. أمي اسمها تركي بس مافيها عرق تركي.. أمي اسمها جيهان... (جيهان بالتركية يعني العالم) مزون ضحكت: والله حلو... نفس اسم جيهان السادات... وجيهان السادات لين الحين تجنن وحلوة مع إنها كبيرة واجد... ثم أردفت بتساؤل: إلا أمك أشلون خذت إبيك؟؟ غانم بإبتسامة: إساليها؟؟ مزون بحرج: من جدك... أروح أقول لها يمه أشلون خذتي عمي؟؟ عيب!! غانم بذات الابتسامة: لا عيب ولا شيء... أصلا أمي تحب ذا السالفة.. تقولين راشد آل ليث في عينها رشدي أباظة زمانه.. ****************************** " كساب.. تأخرت واجد الله يهداك!!" كساب تنهد بعمق وهو يهمس في هاتفه بخفوت: غصبا عني.. فيه ظرف عطلني!! كاسرة تنهدت بخيبة أمل تخفيها خلف حزم صوتها: خلاص يا ابن الحلال.. مهيب اول مرة!! كساب ابتعد بكرسيه قليلا وهو يهمس بخفوت حازم: قلت لش غصبا عني.. انتهينا.. كاسرة همست بسكون ونبرة مقصودة: خلاص تصبح على خير.. نشوفك بكرة إن شاء الله.. أنا بأنام.. كساب كاد يلقي هاتفه أرضا ليهشمه.. لا يعلم سبب اشتياقه الغريب لها.. ولكنه لا يستطيع ترك علي وهو على هذا الحال!! علي همس بسكون: كساب قوم روح لمرتك.. أنا بأصلي هنا.. وعقب بأطلع لدوامي من هنا.. تدري الخارجية من هنا خطوتين.. مافيه وقت أرجع البيت.. لانه بنستقبل وفد بدري!! كساب تنهد بحزم: أولا ماني بمخليك.. لين تروح لدوامك وتلهى فيه.. ثاني شيء مثلي مثلك.. على ما أرجع للبيت.. بيأذن الفجر.. وأنا شركتي من هنا أقرب... واليوم عندنا صب باقي الأساسات عقب الصلاة!! (سوق واقف يقع تماما بين الكورنيش حيث تقع وزارة الخارجية وبين منطقة شارع حمد الكبير /شارع البنوك حيث تقع شركة كساب وكلاهما لا يستغرق خمس دقائق من السوق!! ) ******************************** إن كان علي عاجزا عن العودة للبيت لأنها غير موجودة فيه.. فهي عاجزة عن النوم حتى وهي تعلم كم ضايقته!! حتى في خيانته لها.. تجد أن تفكيرها فيه يسبق تفكيرها في نفسها!! تتنهد بيأس.. تتمنى أن تستطيع أن تقسو عليه كما يستحق.. فهو بالفعل يستحق هذه القسوة.. ولكن حبها له أكبر من كل شيء.. حتى خيانته لها!! تحاول أن تصدقه.. أن الأثار هذه لها!! فتجد أن حتى هذه الفكرة مؤذية لها ولحساسية مشاعرها... أن هناك رجلا تجرأ على ضمها على صدره.. قبل أن يعلما كلاهما أنهما زوجان!! عدا أن الشك الأنثوي يحاول اقناعها أن هذه الأثار ليست لها!! ولكنها تعود وتقول.. علي متدين جدا.. ويستحيل أن يفعلها.. " ولكن حتى مع تدينه فهو تجرأ على لمس امرأة يظنها ليست حلالا له!! لم يقاوم وسوسة الشيطان.. فكيف سأضمنه كلما خرج أنه لن يكرر هذا الشيء.. . . لا لا علي يحبني.. مستحيل يسويها... تيك كان لها ظرف خاص.. وهو شرحه لي عشرين مرة... إحساسه فيني غير لأني كنت حلاله!! . . وأنتي بتصدقين خرابيط واحد لعب عليه الشيطان!! . يا ربي بأموت.. باموت... ارحمني من التفكير!! قلبي مهوب مستحمل أكثر.. أحبه... ويدري زين إني أحبه.. خايفة يستغل ذا الشي ضدي!! " ****************************** " بسم الله الرحمن الرحيم.. من؟؟" جميلة انتفضت من نومها بجزع على رنين هاتفها وهي تلتقطه دون ان تنتبه لاسم أو رقم.. جاءها صوته مرهقا دافئا: أنا فهد!! حينها همست بعفوية وهي تنظر للساعة: فهد الله يهداك فزعتني... الساعة 3 الصبح وأنا كنت نايمة.. لا يعلم لِـمَ شعر بأمل بريء يداعب أهداب قلبه أنها عاتبته على وقت الاتصال وليس على الاتصال نفسه!! همس بذات الصوت المرهق والدافئ: شأسوي.. يوم دخلت غرفتنا في الأوتيل.. ماطقتها من عقبش!! تدرين إني طلبت إنهم يغيرونها.. ما اقدر اقعد فيها.. وكل شيء فيها يذكرني فيش!! جميلة ارتبكت من هذا الكلام غير المتوقع.. ومن شخص كفهد!! بينما هو يكمل حديثه بنبرة عتب: وأنتي حتى ماهان عليش تكلميني وتقولين تروح ترجع بالسلامة..!! جميلة تنهدت: فهد أرجوك مافيه داعي تتصل.. المرة الثانية لو اتصلت ماراح أرد عليك!! حينها هتف فهد بغضب مكتوم: أنتي ليش منشفة رأسش كذا؟؟ وش اللي تبينه...؟؟ كنتي تبين تذليني وبس؟؟ أقول لش أحبش وشاريش.. وأبي أكمل حياتي معش.. وماراح تشوفين مني إلا اللي يرضيش.. وأنت مافيه شيء يرضيش.. جميلة همست بهدوء مليء بالوجع: لكل شيء أساس.. وحن أساس حياتنا تجريح ووجع.. يعني من أولها أساس فاشل.. فهد بذات النبرة الغاضبة: وليش تبين تعتبرين هذا الأساس... انسي ذا الأساس.. وخلينا نبدأ من أساس جديد.. جميلة بألم: والإنسان يشتغل بريموت كنترول.. يقولون له انسى.. ينسى.. يقول له انسى الجرح والتجريح.. ينسى!! فهد زفر بيأس: زين عندش ذا الوقت كله لين أرجع.. وأتمنى يوم أرجع.. تكونين عقلتي وألقاش في بيتش!! ********************************** " نايف.. قوم.. نايف.. نايف!! " نايف يهمس بصوت ناعس: وضحى حرام عليش خليني أنام شوي.. من البارحة لين اليوم وأنا ريقي نشف عشان أقنعش بس تنامين جنبي.. وأول مانمنا تصحيني.. وضحى باستعجال مختنق بالخجل: أنا أساسا مابعد نمت..سامحني قومتك..بس فيه حد كسر الباب.. نايف بتأفف ناعس: ما أسمع صوت!! وضحى بذات الخجل: الباب الخارجي صار له نص ساعة يندق.. أول شيء قلت يمكن حد غلطان.. بس الدق ماسكت... نايف يزفر وهو ينفض الغطاء.. ينظر للساعة .. الساعة السابعة إلا ربع صباحا.. من سيأتيهم في هذا الوقت المبكر؟؟ نزل باستعجال وهو (بالفنيلة والسروال) ليفتح الباب ليتفاجأ بالهجوم... نورة وسلطانة... معهما ثلاث خادمات.. بالكثير من الأواني اللاتي دخلن الخادمات ورصفنها على الطاولة!! نورة بإبتسامة أمومية: ألف مبروك ياعريس... صباحية مباركة.. أنا وسلطانة حلفنا ماحد يسوي ريوق المعاريس غيرنا.. من قبل صلاة الصبح وحن نشتغل!! نايف لم يعلم بماذا يشعر؟؟ بالغضب أم التأثر؟؟ ولكن التأثر غلب... فهو يعلم أنهن لابد لم يغادرن الزفاف إلا في وقت متأخر.. ومع ذلك لم ينمن ليعددن له فطور يعلمن أنه بالكاد سيأكل منه عدة لقمات!! نايف مال على رأس نورة ليقبله: الله يبارك فيش... ولا يخليني منش وجعل عمرش طويل.. سلطانة ابتسمت: حبة الرأس للكبيرة بس؟ نايف مال على رأس سلطانة وهو يبتسم : وللصغيرة بعد!! حينها تساءلت نورة بنبرة مقصودة: وين مرتك.. ماوراكم طيارة!! حن قلنا بنجيب ريوقكم بدري قبل تطلعون المطار.. نايف يهمس بمودة: مرتي فوق.. بتلبس وبتنزل لكم.. نايف عاود الركض للأعلى ليجد وضحى تنتظره بقلق.. وهمست بخجلها الرقيق: عسى ماشر؟؟ نايف تنهد: خواتي جايبين ريوق!! وضحى باستغراب: ذا الحزة؟؟ نايف لم تعجبه نبرة استغرابها لذا قرر أن يبين لها منذ البداية قرب شقيقاته منه لذا همس بحزم: يجوون أي حزة يبونها... عندش اعتراض؟؟ وضحى أيضا لم تعجبها نبرتها.. لكنها قررت أن تكون حذرة تماما في هذا الموضوع... فهو يستحيل أن يقدمها بأي حال من الأحوال على شقيقاته... وخصوصا أنه مازال لا يعرفها حتى.. بينما هؤلاء شقيقاته.. حياته كلها !!! لذا همست بثقة ولباقة مغلفة بخجل رقيق: أبد وليش يصير عندي اعتراض... حياهم الله.. البيت بيتهم.. نايف تنهد بطيبة قلبه: وضحى أنا ما أقصد أضايقش.. بس حطي دايما في بالش.. إن خواتي من أولويات حياتي.. وإني مستحيل أزعلهم عشان مرتي.. لأنه لو مالي خير فيهم... مالي خير فيش.. ابتسمت وضحى برقة: وعلى رأسي أنت وخواتك!! وموقفك يكبرك في عيني مايصغرك... حينها ابتسم: زين بدلي وانزلي لهم.. خليني أسبح وألبس.. أستعد لروحة المطار.. وضحى حاولت أن تستبدل ملابسها وتضع زينتها بأسرع طريقة.. ولكنها أيضا يجب أن تراعي أنها عروس يوم صباحيتها.. ولو وجدوا عيبا في تأنقها.. سيجدون لهم سببا للحديث!! لذا انتهى نايف من الاستحمام وهي مازالت لم تنتهي... همس نايف بعتب: لين الحين مانزلتي؟؟ وضحى بخجل: نايف الله يهداك أنت سبحت في عشر دقايق... وأنا على الأقل أبي لي عشرين دقيقة وأنا مستعجلة بعد.. لذا نزل نايف مرة أخرى لشقيقاته.. همست سلطانة بنبرة مقصودة: ذا كله تلبس أنت والمدام؟؟ وإلا عادي تنقعونا؟؟ نايف بمودة: الله يهداش أنتو جايين واحنا صاحيين من النوم.. أكيد نبي لنا شوي وقت.. حينها همست نورة بذات نبرة شقيقتها المقصودة: وست الحسن وينها؟؟ ابتسم نايف بطريقة مقصودة: ست الحسن نازلة الحين!! نورة وسلطانة تبادلتا النظرات (مصدق الأخ نفسه!!!) وضحى نزلت وهي تشعر بخجل شديد بالفعل.. فهي لم تتوقع مطلقا أنها قد ترى أحد قبل موعد طيارتهما.. ولم تتهيأ لذلك حتى.. كانت متأنقة تماما في دراعة فخمة للاستقبالات احتراما لشقيقتيه .. حتى يعلمن تقديرها لحضورهما!! انحنت لتسلم على الاثنتين المتجاورتين.. وتبادلا الترحيبات والسلامات المعتادة.. ثم جلست قريبا من نايف على الأريكة الطويلة التي كان يجلس عليها من باب اللياقة.. سلطانة مالت على نورة وهي تهمس بخفوت: صدق مابه سحا.. توها عارفته البارحة لصقت فيه اليوم!! نورة تمصمص شفتيها بصوت منخفض: تبيه يشم الريحة.. وأنا أقول ليش تاخرت.. قاعدة تتبخر وتتعطر!! باقي تتسبح عطر!! صدق ماعاد يستحون بنات ذا الزمن!! نورة رفعت صوتها بالسؤال المقصود: أنتي بتروحين للمطار وريحتش كذا؟؟ وضحى انتفضت بحرج: لا طبعا.. بأبدل ملابسي كلها.. أصلا ما أقدر أروح للمطار بالدراعة ذي!! نورة أكملت عليها: إيه يأمش.. كنش رايحة عرس بدراعتش ذي!! نايف شعر بالفعل بالشفقة عليها.. وهي شعرت بالعتب عليه.. أنه لم يرد عليهم حتى بأي كلمة.. تدفع عنها الحرج.. وهي مازالت عروسا في يومها الثاني!! سلطانة هتفت بصوت عال: يا الله قوموا تريقوا.. وراكم رحلة.. والبيت لا يهمكم منه.. بنسكره عقبكم.. وضحى شعرت بالحرج أكثر.. لا تريد أن يرى أحدا أغراضها الخاصة.. لم تعلم أنهن سبق ورأين كل شيء!! لأنها حين دخلت البيت.. كان كل شيء بترتيب أمها وأغراضها.. لم تعلم أنه ترتيب عالية المعاد!! نايف تناول قليلا من الفطور... ووضحى لم تتناول شيئا... فهي تشعر بحرج مختلط بالخجل مختلط بالتوتر.. تتمنى لو رأت أمها قبل أن تسافر وهي تخجل حتى أن تطلب ذلك من نايف.. و يُحكم عليها ألا ترى إلا هذين العقربتين!! وهم مازالوا في جلستهم.. دخل عليهم إعصار جديد.. سلطانة مالت على نورة بتأفف: وذي وش جابها؟؟ صدق قوية وجه... حد يأتي ذا الحزة!! انتزعت نقابها وهي تدخل بمرح صاخب: قلت لازم أمر أسلم على نويف حبيب قلبي.. قبل أروح دوامي حتى!! احتضنت عنق نايف وهي تهمس في أذن نايف : أنت داري إني راجعة وأنا خلاص على باب المستشفى رايحة لدوامي.. يوم اتصلت أصبح على أمي... وقالت لي إن خالاتي هنا!! غثوا المسكينة وإلا بعد؟؟ نايف همس في أذنها باستسلام: غثوها وخلصوا.. وضحى حين رأت عالية كانت تريد ان تبكي فعلا.. لولا أن اعتزازها بنفسها لم يسمح لها!! عالية سلمت على وضحة ثم شدتها وهي تهمس بمرح: يا الله ياعروس خلينا نجهز أغراضش بسرعة مافيه وقت!! ما أن وصلتا للأعلى حتى همست عالية بتاثر: امسحيها في وجهي!! هزت وضحى كتفيها: ماصار شيء... يمكن تأثرت عشاني عروس وتدرين النفسية تصير حساسة.. لكن هم ماقالوا إلا كلام عادي!! عالية تضحك بمرارة: عادي؟؟؟ ما يكونون خالاتي... ثم أردفت بجدية: وضحى الكلام هذا كان المفروض أقوله لش من قبل.. بس ماحبيت أحرجش.. لكن الحين أنتي شفتي الوضع... اسمعي نصيحتي عدل.. لا تسوين مثل نويف مهما أنصحه ما ينتصح!! أول شيء حاولي تطولين في سفرتش قد ماتقدرين.. أدري نايف حاجز أسبوعين أقنعيه على الأقل بأسبوع زيادة.. لا تخلينه يرجع إلا وأنتي مالية يدش منه!! لا يغرش إن نايف عاش واجد برا.. أنا كنت معه!! وترا نويف خام.. يومين وينكب على وجهه... وقلبه طيب فوق ما تتخيلين.. بس أنتي ابذلي جهد زيادة عشان تكسبين قلبه صدق... وهو ترا يستاهل من يتعب عشانه!! ثاني شيء نايف يحب خالاتي واجد.. يعني ولا يطري على بالش إنش تسوين تخيير بينش وبينهم.. لأنه بيختارهم حتى لو روحه معلقة فيش!! لكن اللي أبي أقوله لش إنش مستقيمة بزيادة.. وهذا ما ينفع مع خالاتي... يعني هادنينهم وسايسيهم.. بس في نفس الوقت لا تسمحين لهم يتدخلون في حياتش ومن أولها.. لأنش لو فتحي لهم الباب... على أساس إنش مستحية وماتبين تقولين لهم شيء من أولها.. ترا بيتدخلون عقب في كل شيء!! حينها همست وضحى بحرج: الحين يبون يقعدون في البيت عقبنا.. كيفهم في البيت... بس أنا مستحية يدخلون غرفتنا.. ويشوفون أغراضي الخاصة!! عالية تنهدت بحزم: ذا المرة خليها علي!! أدري ماتبين تروعين نايف منش... بس أنا عادي متعودين علي هم ونايف!! أنا اللي بأخذ المفتاح.. والله يعيني على خالاتي!! ********************************* " حبيبي دام شغلك اليوم متأخر شوي.. مهوب المفروض تقول لي وش اللي شاغل بالك!!" زايد استدار ناحيتها... يحاول أن يشبع عينيه نظرا لها فلا يستطيع.. صمت لم يتكلم.. حينها همست مزنة بعمق فاجأه بمضمونه: زايد أنا أدري إنك ما تقبلتني لحد الحين!! وكنت أدري إنك حاط في بالك صورة لمزنة ماعادت موجودة.. صورة مزنة قبل 30 سنة... لكن يا زايد أنا ماني بصورة داخل برواز.. تمر عليها السنين ماتغيرت!! زايد تنهد بيأس: مزنة ليش تقولين كذا؟؟ همست حينها بيأس مشابه: زايد.. صار لنا 3 شهور متزوجين.. أول ثلاث أيام غرقتني في مشاعر حب حسبت إنها مستحيل توجد في ذا العالم!! وعقبه سكتت.. حتى كلمة وحدة بالغلط ماعاد قلتها!! لأن هذاك الكلام كله... أنت قلته لمزنة الصغيرة.. لكن يوم عرفت إنها راحت.. شحيت بكلامك على مزنة الكبيرة!! وأنا يازايد ذا كله مايهمني... وش قيمة الكلام وأنت بكبرك بجنبي... وأنت أغلى من كل كلام الدنيا؟؟ لكن في الفترة الأخيرة حسيتك متغير عليّ... في النهار جاف معي.. وفي الليل كنك خايف تفقدني!! التعامل ذا يازايد تعب لي أعصابي... لأني عارفة إن أعصابك تعبانة... فريح روحك وريحني... ولا تخاف علي من شيء.. زايد اللي مثلي شافت من الدنيا كل وجيعة.. جلدي تعود.. ماعاد تفرق معي!! زايد تنحنح بحزم يخفي خلفه رفضه لكل مايقوله ويجد نفسه مجبرا على قوله.. وهو يحاول أن يبسط الموضوع: الموضوع مهوب مثل منتي فاهمة.. كل السالفة إني أبي أنزل لجناح علي القديم تحت!! واقعد هناك!! مزنة شعرت بثقل ما في أنفاسها وهي تشد لها نفسا عميقا وتهمس بسكون متوجس: وبعد؟؟ زايد تزايدت صعوبة الكلمات على لسانه ومع ذلك مازال يتكلم بطريقته الحازمة المعتادة: وأبي الاحتكاك بيننا يكون في أقل حدوده... مزنة همست ببساطة موجوعة.. لشدة بساطتها تنحر الروح: تقصد ما يكون بيننا احتكاك أبد..؟؟؟ زايد صمت تأكيدا لفكرتها.. حينها همست بذات البساطة الذابحة المذبوحة: زايد أنت تبي تعاقبني؟؟ زايد انتفض بجزع: ليش تقولين كذا يامزنة؟؟ مزنة بألم: لأن الرجّال مايهجر مرته إلا لأنه يبي يعاقبها على شيء... قل لي وش ذنبي اللي سويته..؟؟ تعاقبني لأنك ماقدرت تحبني؟!! زايد اقترب منها ليشد على كفها بين كفيه.. والغريب أن يفعل ذلك وهو يريد أن يهجرها.. والأغرب أنها لم تنتزع يدها وهي تعلم بنيته!! همس حينها بوجع ماعاد يستطيع إخفاءه: أبي أعاقب نفسي مهوب أعاقبش.. لأني لو ماعاقبت نفسي... مستحيل أقدر أعيش مع ذا الذنب اللي خانقني!! مزنة حينها وقفت لتنتفض بغضب موجوع لأقصى مساحات الوجع تجذرا: وأنا وش ذنبي تعاقبني على ذنوبك..؟؟ وإلا قول.. عشان دريت وش كثر صرت أحبك.. تبي تعاقبني؟؟ تعاقبني لأني رفضتك وأنا بزر؟؟.. أو تعاقبني لأني تغيرت وماعدت مزنة اللي في بالك؟!! زايد عاود شد كفها ليجلسها وهو يهمس بألم عميق: مزنة والله العظيم ما أبي أعاقب إلا نفسي... من كثر ماصرت متعلق فيش أبي أحرم نفسي منش!! مزنة تشعر أنها تريد أن تبكي .. أي جنون يهذي به هذه الرجل؟؟ أ بعد أن علقها فيه لهذه الدرجة يريد أن يهجرها..؟؟ لا ويريد أن يهجرها وهو أمامها!!! ماكل هذه القسوة يازايد!! مزنة همست بيأس ازداد عمقا: خلني أجاريك في كلامك اللي مايدخل المخ.. تعاقب نفسك ليه؟؟ زايد تردد للحظات.. لكنه لم يعتد التراجع حين يقرر.. ومن حق مزنة عليه أن تعلم بالسبب: مزنة ترا مناداتي لاسمش كل ليلة مهوب شيء جديد.. ترا من أيام زواجي من وسمية... بس توني دريت..!! تخيلي المسكينة كل ليلة نايمة جنبي وتسمعني أون باسم غيرها.. لا و درت إني مسمي بنتها على حبيبتي.. تخيلي وجيعتها.. تخيلي!!! مزنة تراجعت بجزع وهي تشهق... تحاول تخيل وجع وسمية فلا تستطيع.. لا تستطيع.. أي امرأة قد تصبر على مثل هذا!! اي امرأة!! مزنة صرخت بجزعها: وأي مرة تصبر على مثل ذا؟؟ أي مرة؟!! زايد بوجع: هي صبرت!! مزنة شدت لها نفسا عميقا جدا.. من أقصى روحها.. رغم شعورها العميق بالألم من أجل وسمية لكنها يجب ان تقاتل من أجل هذا الرجل... فمايربط بينهما ماعاد محض مشاعر.. بل أكثر من ذلك بكثير: صبرها عليك كان غلط.. وسكوتها عليك كان أكبر من أي غلط.. لأنها ماظلمت نفسها بس.. ظلمتك بعد.. لأنها خلتك تستمر في ظلمها سنة بعد سنة وأنت ماتدري!! لكن وسمية خلاص راحت.. ارتاحت عند ربها.. بيرضيها الحين ظلمك لي؟!! بيرجعها من قبرها عشان تعتذر لها؟؟ يعني وسمية ظلمتها وأنت ماتقصد... تبي تظلمني وانت تقصد ومتعمد!! زايد يزداد يأسه ووجع روحه: أنا ماني بمرتاح يا مزنة .. أنا أتعذب... وكل ماشفتش قدامي تزيد وجيعتي.. حتى لو قعدنا مستمرين في حياتنا كزوجين.. شبح وسمية بيظل يطاردني وبيخرب علينا حياتنا!! مزنة شدت نفسا عميقا والكلمة تقف في حنجرتها كموس مسموم: تبي تطلقني.. بس منحرج؟!! زايد انتفض بجزع حقيقي: مستحيل.. ولا خطر ببالي.. لا مكانتش ولا مكانتي تسمح لنا بتصرف بزارين مثل ذا.. البيت ذا أساسا أنا كتبته باسمش ومن فترة.. يعني بيتش... وانا عندش ضيف فيه!! لكن نجيب لنفسنا الكلام وحن في ذا العمر..؟؟ في بيتنا ماحد داري باللي بيننا.. مزنة بحزن عميق: كتبته باسمي يوم قررت تبيعني.. كن البيت بيكون تعويض لي عنك؟!! زايد بوجع: مزنة لا تقولين كذا.. مزنة حزنها يزداد.. ودقات قلبها تزداد ثقلا: زايد هي مالها معنى إلا كذا.. مشكور يازايد لا أبغي غرفتك ولا بيتك.. بيت ولدي جنبي.. ولا تخاف من كلام الناس.. لأنه أنا أساسا أغلب اليوم هناك عند إبي... حد عرف أنا وين نمت!! ووأساسا أنت اخترت توقيت مناسب عشان تطردني من حياتك.. لأنه تميم مسافر اليوم.. خلاص بأروح عند إبي.. زايد برجاء حقيقي فخم: تكفين مزنة.. لا تطلعين من البيت.. مزنة بإصرار مثقل بالوجع: وأنت وش تفرق عندك.؟؟.. أنت أساسا تبي تقعد تحت..وماتبي يصير احتكاك بيننا.. اعتبرني نفذت اللي قلته.. على الأقل خلني أحس إني حافظت على شوي من كرامتي!! ********************************* كاسرة لم تذهب لعملها اليوم.. قررت أخذها كإجازة عارضة.. فهي لا تعلم متى سيعود كساب.. ولا تريده أن يحضر ولا يجدها.. رغم أنه ضايقها بعدم حضوره البارحة وهو يتجحج بالظروف ثم بالعمل!! لكنها لم تستطع أن تكون بخيلة مع كرمه عليها بغزله الفاخر الليلة قبل الماضية.. كلما تذكرت كلماته ونبرته فقط.. شعرت بتساقط عروق قلبها إعياء وتأثرا!! قررت التوجه لغرفة أمها حتى تتوجها كلاهما للسلام على تميم قبل أن يذهب للمطار.. فوجئت بل صُعقت بأمها تضع أغراضها في حقائب.. ولم تكن تنتقي.. بل كانت تفرغ الخزائن.. همست بجزع: يمه شتسوين؟؟ مزنة بحزم: باروح اقعد عند إبي لين يرجع تميم.. كاسرة باستغراب: بس تميم حالف ما تقعدين في البيت بروحش.. مزنة بذات الحزم البالغ الذي يخفي خلفه روحا تذوي بمعنى الكلمة: أنا أمه.. مهوب أمي عشان يحلف علي!! كاسرة بعدم تصديق: واللي تبي تقعد أسبوع تاخذ الشناط ذي كلها.. وتفضي الدولايب.. أساسا أنتي ملابسش هناك في غرفتش.. ماتحتاجين تشيلين ملابس معش!! مزنة صرخت بها بحزم موجوع تماما: كاسرة مالش شغل.. انتهينا!! كاسرة صرخت بحزم مشابه: لا لي شغل.. وش ذا الزعلة اللي تخليش تشيلين ملابسش كلها..؟؟ لا وأنتي حامل بعد؟؟ تراجعت كاسرة بصدمة حقيقية: عمي مهوب راضي بالحمل؟؟... عشان كذا زعلتي..؟؟ مستحيل عمي يكون كذا!! مستحيل!! مزنة عاودت سحب ما تبقى من أغراضها لتضعها في الحقائب.. وكأنها تسحب أشلاء روحها المدمرة بعد معركتها الخاسرة.. لتعود إلى جبهتها مثخنة بالجراح.. همست كأنها تحادث نفسها وهي مستغرقة تماما في لملمة أذيال الانسحاب: زايد مابعد درى إني حامل!! كاسرة بصدمة: ليه يمه حرام عليش .. ليش ماقلتي له؟؟ حينها انفجرت مزنة بعصبية موجوعة: وش تبيني أقول له وهو يقول لي اطلعي من حياتي..؟؟ أقول تكفى خلني عشاني حامل... مهيب مزنة بنت جابر اللي تذل نفسها.. ومثل ماربيت أربعة بروحي.. ماني بعاجزة من خامس... كاسرة تكاد تجن: زين وليش يقول لش اطلعي من حياتي..؟؟ من يوم تزوجتوا وأنا حاستكم سمن على عسل.. فجأة اكتشف إنه مايبيش في حياته... مزنة حينها تركت مابيدها واستدارت نحو كاسرة لتمسح على خدها بحنو.. وتهمس بوجع بعمق جذور التاريخ: تدرين وش مشكلتي أنا وزايد؟؟ إنه زايد حب مزنة أمس.. بس ما قدر يحب مزنة اليوم.. وأنا ماقدرت أحب زايد أمس.. بس حبيت زايد اليوم.. يمكن تكون هذي العدالة ..وأنا ماني بمعترضة... زايد عانى واجد... ويمكن صار دوري الحين... وماحد يأخذ أكثر من اللي الله كتبه له... وأنا راضية باللي الله كتبه لي.. كاسرة تشعر بالكلمات باهتة على شفتيها: تبون تطلقون يمه؟؟ مزنة هزت رأسا نفيا.. وهمست بإرهاق: طلاق لا... إبي يتضايق واجد.. وهو ماعاده بحمل ذا السوالف.. وأنتي وكساب حياتكم بتتأثر من ذا الموضوع... ناس كثيرين متزوجين وكل واحد منهم في بيت!! يعني حالتنا مهيب استثناء... اللي أبيه منش ماحد يدري بشيء... أنتو كساب بتدرون لأنكم ساكنين معنا في البيت.. بس غيركم ما أبيه يدري!! *************************************** هاهو يعود أخيرا عند الظهر.. لم يتصل بها حتى.. فهو تعب لكثرة مايتصل ثم يحدث شيئا يعيق لقاءهما.. قرر هذه المرة أن يحضر دون اتصال.. ودعا الله طويلا أن يجدها.. ووجدها بالفعل.. جالسة في انتظاره.. شعر أن دفق الدم سيمزق صدره من فرط اشتياقه لها.. حين دخل.. وقفت.. تراجع خطوة للخلف وهو يرى مسحة حزن تجلل عظمة حسنها.. ثم عاود التقدم ليمسك بكفيها الاثنتين ويهمس بقلق: كاسرة وش فيش؟؟ همست بسكون: مافيني شيء!! هتف بذات النبرة القلقة: أنتي زعلانة عشان ماقدرت أشوفش إلا الحين..؟؟ هزت رأسا بذات الحزن: لا أبد.. ثم مالت برفق لتقبل صدره وهي تهمس بذات نبرة الحزن التي أغرقت صوتها: الحمدلله على سلامتك!! شعورها بالحزن غامر فعلا.. ان ترى أعظم شخصين في العالم يحدث بينهما هكذا مشكلة وهي من كانت ترى في عظمتهما ترفعا حتى عن الخلافات!! كساب شدها ليجلسها وهو يحتضن كتفيها ويهمس بنبرة حزم مغلفة بالقلق: والله العظيم إن قد تقولين لي!! كاسرة تنهدت بوجع: أمي وإبيك بينهم خلاف كبير.. واتفقوا كل واحد منهم يعيش في مكان!! كساب انتفض بجزع وهو يقفز واقفا : من جدش؟؟ كاسرة هزت كتفيها: وليش أكذب؟؟ كساب بغضب: لاااااااا... الشيبان شكلهم استخفوا.. وش ذا الخرابيط؟!! كاسرة بسكون: هذا اللي صاير!! كساب يستعد للمغادرة وهو يهتف بحزم غاضب: ليه هم ظنهم إني بأخليهم على كيفهم؟؟ كاسرة شدته بلطف : تكفى كساب اقعد... مهوب كل شيء تقدر تتدخل فيه وتمشيه على كيفك.. سويت اللي في رأسك وزوجتهم.. بس ماتقدر تجبرهم يرجعون يعيشون مع بعض.. عطهم وقت.. أنا متفائلة خير.. إنهم يبون وقت بس!! كساب عاود الجلوس جوارها وهو يزفر بغيظ: والروس الكبيرة العاقلة وش مزعلهم من بعض عقب ماكان الغرام باقي يطلع من عيونهم؟؟ كاسرة بهدوء: شي يخصهم بروحهم.. كساب بذات النبرة الغاضبة: ولا يكونون ناوين يتطلقون بعد؟؟ هذا اللي ناقص!! كاسرة تنتهدت: طلاق لا... أصلا هم مايبون حد يدري إن بينهم خلاف.. بس أنا وأنت ساكنين معهم في البيت.. لازم بندري!! بس حتى علي ومزون مهوب لازم يدرون.. ثم أردفت برجاء وهي تحتضن خصره: كساب أبي أروح أقعد عند أمي يومين ثلاثة..؟؟ حينها انتفض كساب بغيظ: زين أنا وش ذنبي تعاقبيني ؟؟ تنهدت كاسرة: كساب وليش أعاقبك؟؟ بس ما أبي أمي تقعد بروحها.. وهي متضايقة.. كساب شد له نفسا عميقا وهو يحتضنها بقوة: أنا كنت اقول الله يستر من شفقتي على شوفتش ذا المرة.. كنت حاس إن الدنيا ماتجي على الكيف!! روحي كاسرة ما أقدر أردش من أمش.. ثم أردف بحزم: بس أنا بجي أنام عندكم في مجلس الحريم.. مايصير البيت فاضي عليكم وتميم مسافر!! كاسرة برفض: لا كساب تكفى.. لأنه أمي وقتها بتحلف أرجع معك.. بعدين البيت جنب البيت ومفتوحين على بعض.. والله العظيم لا نحتاج شيء لا أدق عليك.. حينها تنهد بعمق شاسع: تدرين كاسرة.. أول مرة تزعلين علي... وانا مالي ذنب!! كل مرة يكون الذنب ذنبي... بس ذا المرة ماسويت شيء استحق عشانه تخليني بروحي!! . . . كاسرة تنزل بعد قليل.. لتتفاجأ بدخول عمها زايد.. مشاعر متضادة اختلجت روحها وهي تراه.. كانت تتمنى ألا تراه.. وتخشى أن تراه.. فهي عاتبة عليه.. وتخشى أن تقول له شيئا يغضبه أو يضايقه!! كانت تريد أن ترد على تحيته وتخرج فورا.. لولا أنه بادرها بالسؤال الأبوي بعد السلام: يابيش وين بتروحين ذا الحزة؟؟ كساب مهوب فوق؟؟ أجابته بسكون: بلى فوق.. بس أنا استئذنته أروح لأمي!! حينها شعر زايد بثقل عميق في أنفاسه .. صعوبة الزفير والشهيق!! (أ حقا فعلتها؟؟ هل تركت البيت؟؟ وأنا أكدت عليها ألا تفعلها كل ماكنت أريده أن تبقى رائحتها قريبا مني.. ألمحها صاعدة أو نازلة!! لكن هي قررت أن تقسو.. أن تعاقبني أكثر مما قررت معاقبة نفسي!! " مازال يمنح نفسه الأمل المبتور وهو يهمس بنبرة تساؤل حاول أن تكون تلقائية قدر الإمكان: وأمش وينها؟؟ كاسرة باستغراب موجوع: أمي وينها؟؟ إسأل روحك يبه.. أمي وينها.. ثم أردفت بوجع: خلت لك الجمل بما حمل... أستغرب يبه إنه فيه رجال عاش مع أمي وعرفها.. وعقبه يدور على طيف قديم اختفى!! وليت الطيف يستاهل حتى!! يعني أنت كنت تبي مزنة البزر المطفوقة وتفضلها على مزنة الثقل والركادة..؟؟ لو كنت يبه خذت أمي وقت مابغيتها.. كان حالكم صار أردى من حالي أنا وكساب.. لأنه وقتها أنتو أصغر بواجد... وكل واحد منكم يبي يكسر رأس الثاني.. بس خلاص حكي في الفايت نقصان في العقل.. استمتع بحياة العزوبية مرة ثانية... الله يهنيك.. زايد موجوع أن مزنة أخبرت كاسرة بهذه التفاصيل بل أنها أخبرتها بوجود خلاف حتى بينهما.. لذا هتف بحزم أقرب للغضب: أعتقد إني أنا وأمش اتفقنا مشاكلنا تظل بيننا.. ما ننشرها قدام عيالنا!! كاسرة بسخرية شديدة المرارة: وهذا اللي هامك يبه.. يعني تخيل أنا دخلت عليها لقيتها تشيل أغراضها كلها... تبيني أسكت أو أصدق أي شيء هي بتقوله إلا لو اقنعني؟؟؟ وعلى العموم تأكد إنه مافيه شيء بيطلع مني.. كساب بس يدري بينكم خلاف مايعرف وش هو.. زايد شعر بزيادة تثاقل أنفاسه .. ( أحقا حملت كل شيء!! أ حقا حزمت أمرها على بتر ماكل بيننا حتى أطياف الذكريات؟؟) كاسرة غادرت.. بينما زايد انهار جالسا على الأريكة.. لا يريد حتى أن يصعد للأعلى.. لا يريد أن يرى أطلالها الفارغة!! كم يبدو القرار صعبا بعد تنفيذه.. كان يعلم أن التنفيذ سيكون صعبا وموجعا.. ولكن ليس إلى هذه الدرجة!! ليس إلى هذه الدرجة!! فالألم الذي يشعر به لا حدود له .. لا حدود له!! "أليس هذا ما أردته؟؟ أن تعاقب نفسك؟؟ استمتع إذن بالعقاب!!" يبدو أن مزنة ستبقى دائما هي عقابه الأبدي.. في بعدها.... وقربها.. ثم في بعدها مرة أخرى!!!! ************************************ " وضحى سامحيني على الكلام اللي قالوه خواتي.. وخصوصا كلام نورة... تدرين مرة كبيرة.. وماحد يشره على الحريم الكبار!!" تنهدت وضحى وهي تهمس بلباقة: ماحد يزعل من وحدة مثل أمه.. أصلا خواتك كلهم في مقام أمي.. يعني احترامهم على رأسي!! نايف مد يده ليمسك بكفها وهما يجلسان متجاورين في مقعد الطائرة.. وضحى شدت كفها بوجل عفوي قبل أن يمسك بها.. نايف ابتسم بتأفف: تونا كنا حلوين ونقول كلام شعر!! ثم أردف بابتسامة: عطيني يدش بس يا البخيلة.. نشفتي ريقي!! حتى يدش ما أعرف ملمسها!! بأمسكها بس ماني بمأكلها!! وضحى منحته كفها بتردد خجول.. إحساس عميق يجتاح كلا منهما بهذه اللمسة الرقيقة العذبة التي يتعرف عليها كلاهما للمرة الأولى.. إحساس سماوي بها ناتج عن كونها لمسة حلال لا شبهة فيها تقتحم طهارة أطراف كل منهما.. صمتا كلاهما.. ونايف يحتوي كفها بين أناملها بدفء.. ثم يمد كفه الأخرى ليحتضن كفها بينهما كلاهما!! همس بدفء: شفتي إني ما أعض!! وضحى متوترة وتتمنى لو انتزعت يدها بين يديه لشدة تصاعد دقات قلبها ولكنها خجلت أن تفعل ذلك وحاولت أن تتلهى بشيء آخر.. سألت نايف بهمس رقيق: نايف كم عمرك يوم ماتوا أمك وإبيك؟؟ نايف يمر أنامله عبر أناملها ويهتف بسكون وهو ينثال بغزارة ليشرك شريكة حياته في مشوار حياته: ماماتوا مع بعض.. بينهم فرق طويل.. أول حد مات أمي الله يرحمها.. ماتت عمري سنة.. موجعني واجد إني ماعرفتها.. تدرين إنه حتى صورة لها ماعندي.. حتى صورة جواز مافيه... لأنه قبل مثل ماتعرفين.. كانت جوازات سفر الحريم بدون صور!! جوازها لين الحين عندي... بس بدون صورة.. أحاول أتخيل لها صورة في عقلي.. يقولون لي إن عالية تشبهها واجد.. عشان كذا عالية غالية واجد على قلبي.. يوم ماتت.. كان باقي من خواتي ثنتين ماعرسوا.. فاطمة وقتها كان عمرها 18 وسلطانة عمرها 15 .. فاطمة وقتها كانت متملكة بس عرسها تأجل عشان مرض أمي.. فاطمة تزوجت عقب سنة .. عقب ماحلف عليها إبي.. ماكانت تبي تعرس.. تبي تقعد عندي انا وإبي!! وعقبها سلطانة.. وش كثر جاها خطاطيب وكانت تعيي.. كانت متعلقة فيني واجد.. وهي أكثر حد تولى مسؤوليتي وانا صغير!! إبي حلف عليها يوم صار عمرها 20 إنها تتزوج.. هو بعد كان رجّال كبير وخايف يصير له شيء وهي مابعد تزوجت.. أتذكر زين الليلة اللي قبل عرسها.. لا نامت ولا خلتني أنام.. طول الليل وهي قاعدة عند رأسي وتبكي.. وانا أسألها وش فيها؟؟ تضمني وتبكي وتقول مافيه شيء.. وهي كل ماتبكي.. أبكي معها.. وعشان أمي ماتت وسلطانة صغيرة.. سلطانة تعلقت واجد بنورة.. لأنها أكبر خواتي.. عشان كذا لزمت تسمي أكبر عيالها نورة!! وعشان كذا الثنتين طبايعهم نفس شيء!! وعقب إبي مات وأنا عمري 10 سنين.. ومن يومها وأنا أطوف من بيت وحدة من خواتي لبيت الثانية!! كثير كنت أحس إنهم يبدوني حتى على عيالهم... كل وحدة منهم حاطتني على رأس أولويوتها.. عشان كذا لا تلوميني لو شفتيني ما أقدر أقول لهم شيء.. مايهون علي أوجعهم وأنا عارف إن غلاهم لي مافيه شك!! على قد ما حسيت إني متشتت طول عمري وأنا ما أعرف لي بيت ولا أعرف لي أم... على قد ما انخنقت من اهتمامهم..!! على قد ما أحبهم..!! على قد ما كنت أبي أهرب منهم..!! عشان كذا هجيت أول ماخلصت ثانوي لفرنسا.. وما تتخيلون أشلون سوو مناحة يوم عرفوا إني باروح أدرس برا..!! نايف صمت.. ووطأة الحديث تستنزف كثيرا من طاقته.. بينما وضحى شعرت أنها اُستنزفت من التأثر تماما... وهي من تشد هذه المرة على أنامله بعفوية رقيقة!! **************************************** " يوووووه ..وش الشعب المقفل ذا؟؟ مايرضون يردون على كلمة وحدة بالانجليزي!!" ابتسم تميم: هذولا هل بون كذا.. بس هل ميونخ متعودين على السياح!! سميرة بتساؤل: وأنت وشدراك.. جيت هنا قبل؟؟ تميم ابتسم: يوم خلصت ثالث ثانوي.. رحت أنا وربعي في المدرسة جولة في أوربا.. خذنا شهرين كاملة في الصيف!! طفنا أوربا كلها.. عشان تعرفين فايدة لغة الإشارة.. مالقينا مشاكل أبد.. الناس هنا متفهمين.. ويوم يشوفونا نتكلم إشارة يحاولون يساعدون قد مايقدرون.. سميرة باستغراب: وعمتي مزنة أشلون وافقت تروح وأنت صغير كذا..؟؟ تميم ابتسم: أمي طول عمرها تعتبرني رجال.. ولا عمرها حسستني بغير كذا!! اللي اعترض امهاب الله يرحمه.. وكاسرة... بس أمي وقفتهم عند حدهم.. وقالت لي سافر.. وانبسط.. وما أوصيك إلا في صلاتك ما تأخرها مهما كان!! ابتسمت سميرة: فديتها عمتي مزنة.. ثم أردفت باهتمام: زين وش جدولنا بكرة؟؟؟ تميم بمودة: الصبح بنسوي الفحص.. وعقب بنطلع لميونخ على القطار!! ********************************* عاد أخيرا إلى جناحه.. بعد ان كان يهرب بالعمل طوال النهار.. لا يتخيل أنه سيعود ولن يجدها.. لا يتخيل أنه قد ينام وهو لا يتوسد أمواج الكستناء ويتنفس عطرها الذي يهز أعطافه!! أي نوم هذا؟؟ بل هو كابوس!! يتنهد بعمق.. وهو يصعد درجات السلم.. كما لو كان يصعد إلى قبر موحش.. " لازم أتعود.. أنا كنت عارف إنه ذا كله بيصير.. وكنت عارف إنه الموضوع بيوجعني.. بس لازم أطهر روحي بالوجع.. عشان أقدر أتعايش مع ذنبي!! " حين دخل إلى الجناح.. شعر بألام صدره تتزايد.. كما لو كانت ضلوع صدره تتقارب لتعتصر رئتيه وقلبه!! كان الجناح مرتبا لأبعد حد.. ترتيبها هي.. يعرفه تماما.. " أكان لديكِ الوقت لترتبي أحزاني قبل أن ترحلي؟؟ أ تركت لي خصلة من شعركِ؟؟ أو بعضا من عطركِ؟؟ هل نسيتِ شيئا من أجلي يصبرني على بعدكِ؟؟ يبدو أنكِ نسيتِ أهم شيء.. نسيتِ أن تضعيني في إحدى حقائبكِ قبل الرحيل!! لأنه يبدو أن لا شيء سيصبرني!! لا شيء!!" كان يهذي بهذه الأفكار وهو يدور في أرجاء الجناح الفارغ من أغراضها.. كان يفتح الخزائن كالمجنون.. يرجو أن تكون تركت أي شيء يخصها.. شيء قد تعود من أجله!! ولكنها لم تترك شيئا.. ولا أي شيء!! حتى مفرش السرير الذي قضيا فيه ليلتهما الأخيرة سويا.. غيرته بمفرش جديد قبل أن ترحل!! لم تترك له أي شيء!! وماذا يريد بالأشياء من بعدها.. وبماذا ستفيده سوى زيادة حرقة جوفه الملتهب كنار مستعرة..؟؟؟ يشعر بأنفاسه التي تخرج من صدره كما لو كانت ستحرق ما أمامه لشدة سعيرها!! جلس على السرير وهو يشعر أن الجناح الواسع يضيق ويضيق ليصبح كفتحة الإبرة.. جلس من ناحيتها حيث كانت تنام.. يتحسس المكان الخالي.. ويشعر أن أنامله ستدمي كما روحه تدمي!! مد يده لسيتند على حاجز الطاولة الصغيرة المجاورة لها.. لتقع يده على سلك شاحن هاتفها.. كف يده كما لو كان لمس جمرة أحرقته.. "وأخيرا تركت شيئا!!" ينظر لكفه.. للأثر الباهت القديم لحرق كفه حين أمسك بالجمرة ليلة زواجها من سواه.. تلك الليلة أمسك بجمرة فعلية ليتناسى أنها تلك الليلة تنام في حضن سواه!! ثم حين أصبحت تنام في حضنه أمسك بكل جمرات الكون.. وهو يبعدها عنه!! لن يحتمل!! لن يحتمل!! لن يحتمل!! ************************************ تنظر لكاسرة النائمة وهي تجلس في زاوية الغرفة.. تتنهد بعمق.. لم تكن تريد من كاسرة أن تترك زوجها لتلحق بها.. ستتركها تنام الليلة لأنها حلفت!! ولكنها في الغد من ستحلف عليها أن تعود لبيتها.. فالبيت خال من وجود امرأة.. فمن سيعتني بالرجال المتواجدين فيه؟؟ من سيعتني بزايد؟؟ من سيعتني بزايد بعد أن أفسدته بالدلال؟؟ فبعد أن كان في الأيام الأولى لزواجهما هو من يستخرج أغراضه كعادته.. أصبح لا يعرف مكان أي شيء إلا أن تخرجه هي له.. بعد أن أعادت ترتيب أغراضه هي... هي من تستخرج له ملابسه صباحا.. وتستخرج له طقم أزرة وقلم وساعة هي من تنسقها.. بل حتى محفظته هي من تستخرجها من ثوبه القديم لتضعه في ثوبه الجديد.. حتى هاتفه هي من تشحنه له!! تنهدت بوجع صارخ... " صدقتي روحش؟؟!! غصب تقولين إنه تعود عليش؟؟ الرجّال من بداية عرسكم وهو عايفش.. يا الله تحملش ثلاث شهور!! . . . زين يوم إنه عايفني من البداية ليش ماقال لي عقب أسبوع أسبوعين.. ليش خلاني لين تعلقت فيه.. لذا الدرجة يبي ينتقم مني يعني؟!! " وهي مستغرقة في وجع أفكارها المتشعب.. رن هاتفها.. انتفضت بجزع.. (من بيتصل ذا الحزة؟؟) التقطت الهاتف وضعته على وضعية الصامت بسرعة حتى لا تزعج كاسرة النائمة وحتى تنظر من المتصل... كان هو.. هــــو!! استغربت.. وارتعش قلبها اليائس المكلوم بخليط من الغضب والتأثر.. " وش يبي يتصل؟؟" تكرر الرنين... تنهدت وهي تقرر الرد.. فكلاهما أكبر من لعبة التجاهل السخيفة.. ربما كان يريد أن يسأل عن شيء من أغراضه!! وماداما قد اتفقا على وضعية عيش معينة ولكنهما يبقيان زوجان في إطارها.. فالاحترام لابد أن يبقى بينهما!! ردت مزنة بلباقة رغم أنها تمنت في داخلها أن تغلق الهاتف في وجهه: هلا أبو كساب .. زايد صمت لثانية ثم أردف بهدوء عميق: مساش الله بالخير!! مزنة بذات اللباقة التي اتعبتها مع وجع قلبها: الله يمسيك بالنور.. آمر يا أبو كساب.. إذا فيه شيء من أغراضك ماتعرف مكانه.. تراها كلها مرتبة كل شيء بروحه.. أزرارك وساعاتك في................ قاطعها بوجع عميق: ومافيه شيء غير الساعات والأزرار أبي أسألش عنه يعني؟؟ مزنة بثقة: ما أدري.. آمرني!! سألها بحزم يخفي خلفه أملا غريبا: ولو أمرتش.. بتطيعين؟؟ مزنة بحذر: إن شاء الله.. لو في مقدرتي ما أقصر يا أبو كساب.. زايد بنبرة قاطعة صارمة ومباشرة: أبيش ترجعين.. واعتبري نفسش ماسمعتي شيء اليوم!! مزنة شهقت بصدمة كاسحة: نعم... ليه حن كنا نلعب؟؟ ثم أردفت بغضب: أو أنت شايفتني لعبة عندك.. روحي.. تعالي!! زايد شد له نفسا عميقا: محشومة.. بس أنا حسيت إنه حن استعجلنا في القرار.. خلينا نتناقش في الموضوع أكثر.. أكيد فيه حل غير كذا.. حتى لو أعرض نفسي على طبيب نفسي ماعندي مانع.. صمت لثانية ثم أردف بصدق مثقل بالألم: أنا ماني بمستحمل المكان عقبش.. باستخف لو قعدت ليلة ثانية كذا!! مزنة تغلق عينيها وتفتحها.. وجعها يزداد وجرح كرامتها يتسع: الحين منت بمستحمل المكان عقبي لدرجة إنك مستعد تعرض نفسك على طبيب نفسي؟؟ وليش مافكرت في ذا الشيء اليوم الصبح..؟؟ مسرع قلبت..!! وإلا عشان كاسرة علمتك.. بتسوي علي ذا اللفة الطويلة والتمثيلية البايخة؟؟ زايد.. أنا ربيت أربعة بدون أب.. يعني باعجز أربي واحد.. وإلا تكون خايف على ولدك من تربيتي؟؟ زايد شعر أن هناك قنبلة تفجرت في منتصف جمجته ونثرت خلايا دماغه أشلاء متناثرة (أي ولد؟؟ وأي تربية؟؟!!) زايد همس بثقل وأحرفه تتبعثر: أي ولد تتكلمين عنه؟؟ مزنة موجوعة فعلا.. موجوعة.. يطردها من حياته دون رحمة.. لم يقدر مشاعرها.. ولا حبها له.. ثم يريد أن يعيدها من أجل طفل مازال في علم الغيب: زايد أرجوك لا تزيدها علي.. خلاص اتفاقنا ماتغير فيه شيء.. الطفل ماراح يسوي فرق.. وأنا مستحيل أجبرك تعيش معي وأنت عايفني عشانه!! زايد لم يستطع أن يرد بكلمة.. ألجمته الصدمة غير المعقولة.. " مزنة حامل!! ولدي أنا.. ومن مزنة؟؟!!" مزنة آلمها صمته أكثر من كلامه بكثير!! ( ماصدق أقول له كذا!! كأنه كان جابر نفسه يقول ذا الكلمتين عشان يريح ضميره... ويقول : كنت أبي أرجعها بس هي مارضت!! ) لم يقل كلمة واحدة... مازال عاجزا عن الاستيعاب.. فما يسمعه كان أشبه بمعجزة حقيقية ( ابنه هو.. ومن مزنة؟؟!!) مزنة كانت من تكلمت ختاما وهي تحاول أن تتكلم برزانة تخفي خلفها ألما ماعاد احتماله بالإمكان حتى: خلاص زايد ماقصرت.. رايتك بيضا.. والوجه من الوجه أبيض!! تصبح على خير.. ثم أنهت الاتصال.. ليستوعب حينها أن الاتصال انتهى.. انتهى..!! سارع لمعاودة الاتصال مرة أخرى.. ولكنها أغلقت الهاتف في وجهه هذه المرة.. ثم أغلقت هاتفها بالكامل!! كان مازال يجلس على سريره.. على مكانها تحديدا.. وإحساس برودة قارص يجتاح خلاياه.. حتى فرحته بالخبر حرمته منها..!! حرمته حتى أن يقول لها كلمة "مبروك!!" حرمته أن يخبرها كم هو سعيد بهذا الطفل... ليست مجرد سعادة بمعناها المجرد البسيط.. بل إحساس سعادة معقد مركب بالمعجزة التي حدثت.. وكأنك ترى أيام صباك تعود أمام ناظريك..!!! وكأن الحلم الذي سُلب منه يعود إلى حضنه..!! كم حلم بصبي له ذكاء نظراتها... أو صبية لها لون جدائلها!! كم حلم بعبق روحها يضمه قريبا من قلبه!! كم حلم بمخلوق يكون خليطا من روحيهما التي أبت الامتزاج.. ثم حين امتزجت.. كان هو من رفض هذا الامتزاج!! شد نفسه بإرهاق ليقف... وهو يشعر أنه سينهار فعلا!! عاجز عن البقاء في المكان بعدها.. كل شيء باهت من غيرأنفاسها.. كل شيء لا نكهة له!! قرر أن يتوجه للمجلس ويبقى فيه حتى صلاة الفجر... لا يريد أن يبقى في البيت حتى.. حيث سارت خطواتها وطاف خيالها!! كان متأكدا أنه لن يجد أحدا في هذا الوقت!! ليتفاجأ بوجود ابنيه كلاهما.. كساب وعلي!! بعد تقافزهما للسلام عليه... هتف بحزم: وش مقعدكم ذا الحزة؟؟ ليه منتوا بعند نسوانكم؟؟ علي حاول أن يهمس بطبيعية: شعاع تتوحم ومهيب طايقة البيت!! ليس من عادته أن يخفي على والده.. لكن إحساسه بهم عظيم يطبق على أنفاس والده جعله يخشى على والده من وطأة الهموم!! بينما كساب هتف بنبرة مقصودة وهو ينظر لوالده بنظرة حادة مباشرة: مرتي عند أمها.. ياحرام عمتي عند إبيها عشان تميم مسافر!! خلتك بروحك مثلنا.. تعال صف جنبنا!! زايد نظر لكساب بحدة مشابهة... يكره طريقته المبطنة هذه في الكلام.. يغيظه خبثه هذا.. وخصوصا حينما يكون محقا!! زايد جلس بالفعل بجوار ابنيه!!! ثلاثة رجال مطعونون بالهجر هذه الليلة!! إن كان كبيرهم أخطأ دون قصد وأراد أن يعاقب نفسه..!! وصغيرهم أخطأ بقصد.. واستحق العقاب!! فإن أوسطهم ...ولأول مرة.. لم يخطئ.. ومع ذلك يُعاقب معهم!! ربما آن له أن يتذوق نتائج أخطاء الآخرين.. كما كان يحمل الآخرين نتائج أخطائه.. حتى زواج مزنة وزايد كان هو من سعى له ليصلح أخطائه بطريقة ملتوية!! طال ليلهم.. يتبادلون الحديث البارد.. وإحساسهم بالهجر يتعمق من إحساسهم ببعضهم دون كلام!!!!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة واثنان " الحمدلله على سلامتش نورتي باريس وضواحيها!!.. وسامحيني على التعطيل اللي صار على الشناط.. تأخرنا وأنتي ميتة تعب.. يومين مانمتي " وضحى همست بإرهاق حقيقي: عادي يا ابن الحلال.. المهم وصلنا.. حسيت من طول الرحلة إنها ماتبي تنتهي!! ابتسم نايف: لذا الدرجة دمي ثقيل؟؟ ابتسمت وضحى برقة: اصلا لولا وجودك كان شقيت ثيابي!! نايف اقترب ليمسك بكفها بحنان: آسف يا وضحى.. من أولها وأنا غاثش.. الصبح خواتي.. وفي الليل أنا وذا الرحلة.. همست وضحى بذات الرقة: لا تقول كذا تزعلني!! حينها فتح نايف كفها ليغمرها بقبلات رقيقة شفافة.. شعرت وضحى أنها سيغمى عليها وهي تتمنى شد كفها بقوة.. لولا أنه أفلتها بنفسه حين شعر بارتعاش كفها وهو يبتسم بأريحية: باقي على صلاة الفجر شوي.. بنصلي.. ثم اشبعي نوم.. بكرة بيكون يوم باريسي حافل!!! *********************************** " هلا كساب.. فيه شيء؟؟ " كانت كاسرة تنظر لساعتها باستغراب لاتصال كساب المبكر... هتف كساب بحزم: وش بيكون فيه؟؟ ماتبين تروحين دوامش؟؟ كاسرة هزت رأسها: بلى.. بس ماتوقعت إنك بتوديني.. عشان ما اتفقنا أمس!! كساب بذات الحزم: خلاص اتفقنا اليوم.. أنا أنتظرش برا.. انزلي لي!! كاسرة تنهدت: كساب أنت كل شيء عندك حامي حامي حتى من صباح الله خير.. انزل تريق أول.. بأجهز لك ريوق بسرعة!! كساب بذات نبرته الحازمة المعتادة: خلصيني كاسرة.. ما أقدر أتاخر!! كاسرة كان بودها أن تتركه لوقت طويل ينتظرها.. لكن قلبها لم يطاوعها وهي تنزل له بعد دقائق!! حين ركبت مد كفه لها بدون كلام.. فوضعت كفها في كفه دون كلام أيضا.. آن لها أن تعرف طباع زوجها.. رفع كفها إلى شفتيه ويغمرها بقبلات دافئة.. كاسرة همست بحرج: كساب الله يهداك لا حد يشوفنا أشلون موقفنا.. كساب احتضن كفها بين أنامله بقوة وهو يهتف بثقة: اللي يبي يشوف.. يشوف.. ترانا في حوش بيتكم مهوب في الشارع.. يعني جدش وأمش نعطيهم تذاكر فرجة ببلاش!! ثم عاود رفع كفها ليفتح باطنها ويغمرها بقبلاته من جديد.. حينها شدت كفها بقوة وهي تهمس بغيظ: تدري إنك وقح!! ووقاحتك هذي مرض مزمن!! ابتسم كما لو كانت تثني عليه: أدري.. ماجبتي شيء جديد..!! بس تدرين وقاحة المشتاقين مرفوع عنها القلم!! لا تعلم بالفعل أي لعبة خطيرة يلعبها هذا الرجل.. لكنها باتت لا تحتمل أي كلمة ناعمة قد يقولها لروحها المجدبة!! همست بسكون: وتبيني أصدق إنك مشتاق؟!! حرك سيارته وهو يهمس بتلاعبه المثير: الواحد دايما يعكس مشاعره الشخصية على الآخرين.. أنتي مثلا لأنش منتي بمشتاقة لي.. ما تبين تصدقين إني مشتاق لش.. ويا الله ما أقدر أقول شيء غير قول الشاعر ابراهيم الخفاجي: (لنا الله ياخالي من الشوق...) الله كريم يجبر بالخواطر المكسورة!! حينها همست كاسرة باستغراب شفاف .. فمادام سيصارحها فهي ستصارحه: زين أنت كنت تغيب بالأسبوع والأسبوعين عمرك ماقلت إنك اشتقت لش.. الحين مشتاق من يومين؟؟ كساب بدفء عميق لكن لا يستطيع إبعادة عن أسر نبرة التلاعب المثيرة: اللي عنده وحدة مثلش.. يشتاق لها حتى وهي جنبه.. حتى وهي في حضنه!! (آه ياقلبي.. والله إنك مجرم!! وش ناوي عليه؟؟ تجلطني؟؟) كاسرة صمتت.. ماذ يفعل بها حتى يلجمها عن الرد وهي من كانت ردودها جاهزة دوما..؟؟ حينها ابتسم كساب: الحين أنتي ذا اللفة كلها عشان ما تجامليني على الأقل.. ترا من باب اللياقة لو حد قال لأحد (اشتقت لك) يرد عليه: وأنا بعد!! حينها هتفت كاسرة بإجهاد من بين أسنانها كما لو كانت تكتم إحساسا أرهقها: اشتقت لك.. اشتقت لك يالسخيف يا البايخ يا أبو دم ثقيل.. كساب انفجر ضاحكا: الظاهر ماتقصدين شي من اللي قلتيه غير الكلمات الثلاث الأخيرة.. زين والسخيف والبايخ يقول لش: ترجعين معه البيت الظهر..؟؟؟ تنهدت بإرهاق.. فهو أرهقها فعلا: بأرجع معك.. بس في الليل بأنام عند أمي!! تأفف كساب: صارت طبيتني أمش!! حينها ابتسمت كاسرة: ما تبيني.. رجعت لأمي من ظهر؟؟ كساب باستعجال مرح: وش ترجعين؟؟ (العوض وإلا الحريمة..) أبي أشوفش ساعة وحدة قدامي وبس!! (العوض ولا الحريمة: مثل شعبي.. يعني تماما أي شيء مهما كان بسيطا أفضل من لا شيء) ************************************* كان يخرج هو أيضا من باحة بيته متوجها لعمله.. بدا له هذا النهار أسوأ نهار عمل منذ بدايته.. كان يتأفف وهو يستحم.. يتأفف وهو يرتدي ثيابه.. يتأفف وهو يبحث له عن أزرة يلبسها.. ثم بدت له بشعة وغير متناسقة مع ساعته..رغم أن كل مالبسه كان حقيقة متناسقا تماما مع بعضه.. لكنه لم يعجبه.. بل بدا له خاليا من الذوق!! غيرها عدة مرات!! وأعاد إحكام أزراره عده مرات بفشل.. ويداه تتعرقان كلما أراد لف قفل الأزرار!! وفي كل مرة يتأفف ويتأفف ويتأفف.. حتى رائحة عطره المعتاد لم تعجبه لدرجة أنه ألقاه في القمامة بغيظ.. وبلغ تأففه ذروته وهو يكتشف أن هاتفه شبه خال من الشحن..ويقرر أن يعلقه في شحن السيارة وهو يتأفف للمرة المليون هذا الصباح!! قد تبدو فترة 3 أشهر فترة قصيرة نوعا ما.. لتتعود على أحدهم بهذه الصورة الجنونية!! ولكن إن كنت تنتظر هذا الشخص لثلاثين عاما.. ثم حينما جاء فرض حضوره حتى على أنفاسك التي تتنفسها.. فكيف سيكون حالك..؟؟ والإنسان بطبيعته البشرية مخلوق يعتاد على الدلال أكثر بأضعاف مضاعفة من اعتياده على الشدة!! فلو أنك مثلا نفذت لطفلِ رغباته لثلاثة أيام متتالية فقط.. لن تستطيع بعدها مطلقا السيطرة عليه!! ولو أنك أهديت زميلا قطعة من الشيكولاته كل يوم على مدى ثلاثة أيام.. سيبقى يتوقعها منك اليوم الرابع والخامس!! فكيف بمن تكفل أن يقوم بكل شيء عنك طيلة 3 أشهر؟؟ ولم يكن هذا الإنسان أي إنسان!! بل كان مزنة... مزنة... مـــــــزنـــــــة!! يزفر بيأس وهو يلكم مقود سيارته.. " عمري ما أتخذت قرار فاشل مثل ذا القرار!! والله إني أفشل رجل أعمال.. وقبلها أفشل رجّال!! الحين أشلون اقنعها ترجع وأنا عارف يباس رأسها؟؟ لا بارك الله في اللي بقى من طبايع مزنة الصغيرة ليت ربي يفكنا منها.. ويرجع لي مزنة الكبيرة!! " كانت هذه أفكاره التي تحرق تفكيره المرهق اشتياقا ووجعا.. وغيظا على نفسه وهو يخرج من باحة بيته ليلملح كسابا يخرج من باحة البيت المجاور وبجواره كاسرة.. " إيه ولدي أبو لسان طول الليل يقط حكي وهو مهوب حاس بوجيعتي.. وهذا هو طالع هو ومرته!! وماحد بيأكلها غيري!!" ليجد نفسه.. بشعور أو بغير شعور.. بقصد أو بغير قصد... يدخل هو أيضا لباحة البيت المجاور.. فهل الجينات المشتركة بين الأب وابنه تحركهم نحو ذات الاتجاه؟؟ نزل من سيارته متوجها لباب غرفة الجد الذي يفتح باتجاه الباحة.. اتصل بسليم أولا.. فأخبره أنه في المجلس.. لأن عمته مزنة عند والدها!! كان يعلم ذلك.. فهو شعر بطيفها قريبا.. كما لو أن روحه تقوده إليها دون دليل.. مشتاق حتى مافوق أذنيه.. ومن فراق ليلة واحدة!! فكيف يحتمل قساوة الليالي وبرودتها في بعدها!! حاول فتح الباب.. فوجده مغلقا!! كان يريد مباغتتها ..!! الآن يخشى ألا يجدها.. ليس لأنها ستهرب لأنه يعلم أن مثلها لا تهرب.. لكن لأنها تريد معاقبته!! وصله صوتها الحازم الواثق: سليم روح.. لا تجي إلا أذان الظهر عشان تودي بابا المسجد.. إحساس غيرة مرُّ اجتاح كيانه.. "أ تمنح غيره همسات صوتها الرخيم ؟!!" هتف بغضب مغلف بحزمه البالغ: افتحي يامزنة.. أنا زايد.. مزنة تراجعت بعنف.. تمنت ألا تفتح.. وألا تراه.. فهي غاية في الضعف.. وجرحها مازال ينزف بغزارة مؤلمة!! فهي منذ غادرت بيته صباح أمس وهي كما لو كانت ترى أمامه نهرا من دم ينسكب من خلايا جسدها وروحها.. ليغرق الرؤية أمامها.. ومع ذلك تتحرك وتتكلم بثقتها المعتادة دون أن تشتكي أو تسمح لنفسها أن تنـزوي قليلا بحزنها!! ولكنها لم تستطع إلا أن تفتح.. فليس من اللائق أن تتركه خارجا.. ولا أن تهرب منه كطفلة مذعورة.. ليست مزنة إن فعلتها!! انفتح الباب.. وزايد يخشى أن تكون فتحت وغادرت المكان.. لذا تفاجأ واهتز وهو يراها أمامه.. كانت تقف في الزاوية.. واقترب هو ليلقي السلام بصوت عال.. الجد ابتسم وهو يرد السلام: ياحيا الله أبو كساب وش ذا النهار المبارك اللي تصبحت فيه بكم كلكم!! كان زايد يتبادل السلامات مع الجد بالأريحية المعتادة.. ليلتفت خلفه باستعجال.. ويجد مكانها خاليا!! " تريد أن يكون عقابها لي مضاعفا!! ألمحها قبلا.. ثم تغادر.. لتنسف مابقي من صبري!! " لم يعلم أنه لو كان الأمر بيدها.. لم تكن لتغادر.. لم تكن لتبدو أمامه بهذا الضعف والعجز عن المواجهة!! مثقلة بالجرح.. ومن جرحها يقف أمامها بكل صلافة واثقة..!! كما لو أن الضحية تقف أمام الجلاد ويُطلب منها أن تبتسم في وجهه.. لم تستطع فعلا أن تقف.. وتنظر في وجهه من هذا القرب!! شعرت أنها توشك على الانهيار.. ومؤشراتها الحيوية توشك على الوصول إلى أدنى مستوياتها!! تركت له المكان كاملا.. وهي تتصل بسليم بإرهاق: سليم تعال قهوي بابا زايد.. وخلك عند بابا جابر.. لم تكد تنهي الاتصال وهي تصل لأسفل الدرج حتى أوقفتها الصرخة الحازمة: مــزنـــة!! تنهدت بيأس ( ليه كذا يارب؟؟ اللهم لا أعتراض!!) استدارت نحوه وهي تحشد في صوتها كل الثقة: أنت أشلون دخلت؟؟ أنا ماقفلت الباب.. اقترب منها ليهتف بحزم: لو قفلتيه.. ماكان دخلت!! أشلون تخلين الباب مفتوح بينش وبين العامل؟؟ تنهدت مزنة بحزم: لو نسيته مرة.. سليم بيسكره بنفسه.. وسليم عبارت ولدي!! زايد بغضب مكتوم: لا مهوب ولدش هذا رجال غريب!! مزنة تنهدت: زين يا أبو كساب.. أنت جاي عشان ذا الموضوع؟؟ سلمت على إبي وماقصرت.. وكثر الله خيرك!! مزنة تراجعت للخلف بعنف.. لأنه لم يرد عليها.. بل مد يده ليتنزع برقعها عن وجهها وهو يهتف بحزم: آخر مرة تكلميني وحن بروحنا وتغطين وجهش عني!! حينها انفجرت مزنة بغضب: أنت ماعندك إحساس؟!! أمس طاردني من حياتك.. واليوم جاي لي ما كانه صار شيء.. لا تخلين الباب مفتوح بينش وبين العامل.. لا تتغطين عني!! أنت وش جنسك؟؟ تقتل القتيل وتمشي في جنازته؟؟ لم يرد عليها بشيء.. ونبرته تتغير لدفء لا يخلو من غضب: ليش ماقلتي لي إنش حامل!! مزنة تحاول أن تشيح بنظرها عنه وهي تهتف بثقة: كاسرة ماقصرت!! زايد بثقة: كاسرة ماقالت لي شيء.. إسأليها لو بغيتي.. انا مادريت إلا منش البارحة!! مزنة بمرارة: وماقصرت.. بينت فرحتك بالخبر لدرجة إني حسيتك بتطير!! هتف بثقة غامرة: وانا فعلا مستانس ومبسوط.. هذي نعمة من رب العالمين ولأنه منش بيكون أعظم نعمة!! وإذا أنتي ماحسيتي بفرحتي.. لأنها كانت أكبر من إن الواحد يعبر عنها بكلمات!! بس بعد ليش ماقلتي لي؟؟ مزنة بذات المرارة التي تبصقها مع كلماتها: ومتى أقول لك؟؟ وأنت في النهار ماتطيق تشوف وجهي.. ويا الله تقول لي كلمتين!! وإلا في الليل وأنت لاصق فيني لدرجة تخوفني لا تكون مريض؟؟ زايد بثقة: مهوب عذر.. خبر مثل المفروض أنا أول حد يدري به.. مهوب كاسرة ولا غيرها.. في أي أسبوع أنتي؟؟ مزنة حاولت أن تبتعد عنه (عن أي أسابيع يتحدث؟؟ وهي تكاد تكمل الشهر الثالث!!) لكنه شدها ليوقفها أمامه وهو يسأل بحزم: ماجاوبتيني على سؤالي!! مزنة شدت معصمها منه وهي تهمس بحزم: آخر الثالث.. زايد تراجع بصدمة: أي ثالث؟؟ قربتي تكملين ثلاث شهور وماكنتي حتى ناوية تقولين لي؟؟ مزنة تنهدت بعمق .. فهي فعلا مرهقة منه ومن الوضع ونفسيتها شبه مدمرة: زايد لا تحاول تحسسني بذنب ماراح أحس فيه.. لأنه الذنب كله ذنبك.. وأنا ماني بمستعدة أسمح لك تتلاعب فيني بذا الطريقة.. زايد مد يديه ليمسك وجهها بين كفيه.. حاولت التراجع.. لا تعلم هل بالفعل منعها حاجز الدرج؟؟ أم هي من عجزت عن مغادرة أسر كفيه؟؟ همس بدفء عميق: مزنة خلينا من لعب البزراين.. أنا معترف إني غلطان.. والرضوة اللي تبينها تجيش لين عندش.. ارجعي لبيتش وأنا حاضر لأي شي تبينه.. مزنة انهمرت بطوفان يأسها ووجعها وحرقتها: والموضوع عندك كذا بسيط؟؟ لذا الدرجة شايفني شيء رخيص وتافه.. تحذفه متى مابغيت وترجعه متى مابغيت..؟؟ كل كلمة قلتها لي البارحة..جرحتني جرح ماله مدى.. أول شيء قلت أبي أهجرش ولا تحتكين فيني كني مريضة بجرب!! وثاني شيء كملتها إنك تبي تعاقبني على ذنب مهوب ذنبي.. وش ذنبي إن وسمية سمعتك تناديني في نومك..؟؟ أنا طلبت منك كذا..؟؟ أنا حتى عطيتك ريق حلو ذاك الزمان يخليك تتعلق فيني؟؟ بالعكس وأنا صغيرة كنت جفسة وقليلة أدب.. ومافيني شيء ممكن يغريك أني أصير حلم تهذي به 30 سنة!! لكن أنت معي سويت كل شيء عن قصد.. خليتني أتعلق فيك.. وحاولت بكل طريقة... لين أنا تعلقت فيك.. وعقبه حذفتني مثل شيء ماله عازة... وثاني يوم جاي تبي ترجعني.. ليه وش شايفني؟؟ لو أنك حريص علي كان فكرت ألف مرة قبل مايكون أول قرار عندك أن تقطع كل مابيننا.. ولأنه حن على قولتك ما احنا ببزران.. فكل واحد مسئول عن قراره.. لأنه اللي في عمرنا مايسوي قرار هو ما ملأ يده منه.. ************************************ " مسكينة أختك نجلا.. ذابلة مرة وحدة.. وش صاير فيها.. أنا شفتها آخر حملها كانت أحسن بواجد!!" غانم بعفوية: تدرين ولادتها صعبة وعقبه توأم ومتشحططه بين الولد والبنت.. لازم يبين عليها!! مزون بتأثر: كسرت خاطري والله.. الحين لا جبت عيال.. باصير كذا؟؟ ابتسم غانم: وليش الأفكار السلبية هذي؟؟ نجلا انتظري عليها ترجع البنت لحضنها.. وبتشوفينها أشلون تحسنت.. مزون صمتت لدقيقة ثم همست بتردد: غانم ماعليه الليلة أروح لبيت علي.. وأسهر عنده شوي.. أبي أشوف وضع بيته.. مرته تتوحم وخلت البيت!! غانم بتأفف باسم: والحين أي واحد من أخوانش تتدلع عليه مرته بتطيح في رأسي.. ابتسمت مزون: أنا أساسا كنت أبي أقول لك أبي أنام عنده.. بس عارفة إنك ماراح ترضى.. فقعدت بكرامتي!! غانم يصفر: ياسلام عليش.. هذا اللي ناقص.. روحي له ياقلبي.. شوفي وضعه وترجعين السهرة لا.. الساعة 8 بأجي أجيبش.. مزون برجاء: 8 بدري.. لين 12 بس!! غانم بحزم رقيق: مزون ياقلبي.. ماقلت لش شيء.. روحي من العصر لين الليل بس عقب لازم ترجعين تتعشين معي ونسهر سوا.. وإلا أنا مالي فيش نصيب!! مزون صمتت على مضض.. فهي تخشى أن يكون علي لا يتناول طعاما جيدا وخصوصا أنه مازال يأكل علاجه.. وعلاجه هذا ثقيل ولابد أن يكون مع معدة ممتلئة .. كانت تريد أن تتأكد أنه سيتعشى قبل عودتها!! غانم شعر بامتعاضها.. لذا حاول أن يلهيها بالحديث: إلا على طاري بيت أخيش علي... أنا أدري إنه اللي على اليمين بيت كساب وهو باعه على نسيبه.. واللي على اليسار بيت علي.. بس اللي ورا بيت من؟؟ مزون بتساؤل: تقصد الفيلا الصغيرة اللي داخل حوش بيتنا؟؟ هذي لخالتي عفراء.. غانم هز رأسه: لا أقصد اللي نفس ستايل بيوت أخوانش وحجمها وفي حوش مستقل.. ابتسمت مزون: هذا بيتي أنا!! غانم بصدمة: ماقلتي لي من قبل..؟؟ ابتسمت مزون: ماجات فرصة.. إبي أول شيء بنى البيت الكبير واشترى الأراضي اللي حواليه.. وقبل حوالي سبع سنين بنى البيوت هذي!! غانم يتساؤل عفوي: والبيت الكبير كم عمره؟؟ مزون تحسب في رأسها المدة: حوالي 12 سنة.. ابتسم غانم: ماشاء الله كأنه توه أمس مبني!! ابتسمت مزون: لأنه شركة أبي هي اللي بنته.. فأكيد توصوا عدل.. ثم أردفت بشجن عميق مغرق بنبرة ولع غريبة: إبي فديته عقب ماماتت أمي... مارضى نقعد في نفس البيت عقبها.. باع البيت واشترى واحد ثاني.. وقعدنا فيه لين خلص بيتنا هذا.. غانم لا ينكر إحساسه الغريب بالغيرة من تعلقها بأهلها.. حتى نبرته حينما تتكلم عنهم تتغير لتصبح أكثر سماوية.. مزون صمتت لثوان ثم أردفت بتردد: زين دامك سألت عن بيتي.. وش رأيك لو نسكن فيه كلنا بدل ماهو قاعد فاضي كذا؟؟ حتى أخوانك الصغار كل واحد منهم بيصير له جناح!! غانم التفت نحوها بحدة: نعم؟؟ عيدي؟؟ أنتي مهوب عاجبش بيتي؟!! مزون بحرج: ماقصدت غانم.. بس دام عندي بيت نستفيد منه.. غانم يشد له نفسا عميقا: مزون لو سمحتي سكري ذا الموضوع عشان ماتصير هذي أول زعلة بيننا.. بيتش كيفش فيه.. بيعيه.. أجريه... أنا مالي شغل فيه!! غانم يزفر بحرقة.. ( أمن أجل أنها تريد قرب أهلها هي مستعدة لجرحي وإحراجي هكذا!! ) *********************************** صحت على رفرفات رقيقة تغمر كتفها.. فقفزت بخجل وهي تشد الغطاء عليها كاملا وتهمس بخجل عذب: صباح الخير نايف... نايف بمودة: تراه صار مساء.. العصر قرب يأذن.. قومي صلي الظهر والعصر مع بعض.. وضحى بجزع: وليش ما قومتني للظهر..؟؟ نايف يضحك: توني قمت أساسا.. نمنا مثل المقتولين..!! وضحى مدت يدها لتتناول روبها وتلبسه وهي تهمس برقة: سبحان الله.. صدق كنت تعبانة موت.. والحين جوعانة.. تصدق؟؟ نايف بإبتسامة: أصدق ونص.. لأني جوعان وأنا أساسا أكلت.. وأنتي صار لنا يومين ماشفتش حطيتي شيء في حلقش.. ثم أردف بحماس: يا الله نأخذ شاور.. وأوديش مكان تأكلين فيه أحلى أكل.. وعقب بأمشيش في باريس تمشية سبيشل مايعرفها إلا واحد لفلف حواري باريس مثلي!! ثم أردف بمرح خبيث وهو يستعد لدخول الحمام: إلا أنتي وش تحطين على كتفش.. سكر وإلا عسل؟؟ وضحى انتفضت بخجل شديد وهي تخفض عينيها وتشد روبها على جسدها أكثر.. " يمه منه.. وتقول لي عالية.. خام ومسكين!! " ************************************ دخلا قبل قليل لجناحهما.. ودخل كساب ليستحم.. لم تستطع انتظاره لأنها كانت تشعر بالحر فعلا بعد نهار العمل الصيفي الطويل.. لذا دخلت للحمام الآخر لتستحم.. حين خرجت استغربت أنه لم يخرج بعد.. بالعادة لا يطيل أكثر منها.. كان باب الحمام مواربا.. معنى ذلك أنه خرج وعاد.. شعرت بالقلق فهذا الرجل له تصرفات تثير القلق دوما... لذا طرقت الباب ودخلت فورا دون مقدمات.. فوجئت به يغير لنفسه وهو يضع شاشا على كتفه.. انتفضت بجزع.. وهي تقترب منه وتهمس بقلق مر: وش سويت في نفسك ذا المرة بعد؟؟ همس بثقة: مافيني شيء.. رجاء كاسرة عطيني دقيقتين وأجي لش !! كاسرة بحزم: لا.. بأقعد معك أشوف شتسوي.. وبنطلع سوا.. كساب بحزم: كاسرة اطلعي برا.. لأني الحين بأبدل على فخذي وبأشيل الفوطة اللي حاطها على خصري.. كاسرة انسحبت.. ليست غبية لتعلم ماذا فعل.. مادام يغير على كتفه وفخذه.. شعرت أن الدقائق لا تريد أن تمضي والمرارة في جوفها تنغرس وتتعمق!! حين خرج بعد أن ارتدى ملابسه.. همست بصوت غائر: يعني سويتها؟؟ وحرقت روحك.. هتف بثقة: لا... سويت عملية بسيطة.. وماحسيت بشيء.. وشلته وارتحت خلاص.. كاسرة موجوعة بالفعل من إخفائه كل شيء يفعله عنها.. همست بعتب عميق: وأنت كساب عمرك ماراح تشركني في شيء من قراراتك.. يعني سفرتك ماكانت توقيع عقد؟؟ كساب تنهد وهو يشدها ليجلس ويجلسها جواره: والله العظيم توقيع عقد.. والعملية حتى أخي علي مادرى عنها.. أنتي الحين الوحيدة اللي تدرين.. كانت عملية بسيطة لمجرد طمس الأرقام.. وبتبين كأنها حرق قديم.. ثم ابتسم بشفافية غريبة كما لو كان يحادث ذاته: يا الله ياكاسرة ما تتخيلين وأشلون حسيت بالحرية كني عصفور فكوه من حبسه.. تمنيت ألبس شورت وفنيلة علاق بس وأتمشى في الشوارع.. كاسرة لكمت صدره برقة وهي تهمس بتأثر عذب: هذا اللي ناقص!! ثم أردفت بوجع وهي تحتضن خصره: بس أشلون عصفور حر.. وأنت مرتبط مع شغلك بشغل ثاني.. قبل وأنت مسافر ماكنت أحاتي سفراتك.. بس الحين عقب ماعرفت كل ماسافرت بيأكلني التفكير.. حينها همس بسكون أقرب للحزن: لا هذي هم حرروني منها.. أساسا يوم خذت الثياب تيك المرة.. رحت عشان أسلمها.. أنا جاني إعفاء عشان إصابة كليتي!! مادريت أنا أستانس وإلا أحزن!! كاسرة تنهدت براحة شعرت بها ستشق جنبيها لشدة اتساعها.. الآن عرفت سبب تغيره.. فهو تحرر من كل شيء.. من كل ماكان يفرق بينهما.. أسراره ووسمه وعمله السري.. تتمنى فقط لو علمت كيف وصل لهذا المكان.. فهذه الحكاية تعلم أنها من صنعت تكوينه الصعب.. لو علمت بها فقط سترتاح كليا وتصبح صورة كساب صافية تماما.. الآن بدت تجد له الأعذار لغموضه وحدة شخصيته وتقلباته.. لكن حين تكتمل الصورة ستصبح أقرب وفهمها له أعمق... وهذا كل ما تريده!! كساب شدد احتضانه لها وهو يهمس بثقة: الحلوة شا اللي شاغل بالها..؟؟ كاسرة همست برفق وهي تمرر أناملها على ساعده: أبي أعرف شيئين اثنين.. ليش دخلت السجن؟؟ وأشلون وصلت لسالفة المهمات العسكرية!! تكفى كساب .. أبي أرتاح.. ما أبي أحس إنه فيه حاجز بعد بيننا.. نثر قبلاته على شعرها المبلول وهو يهمس بذات الثقة: صدقيني المعرفة ماراح تريحش.. ماراح تتحملين اللي بأقوله.. كاسرة برجاء: جربني زين!! كساب بإصرار: خلاص كاسرة انتهينا.. *************************************** " والله العظيم لو ما رديتي عليه ذا المرة إني ماعاد أكلمش!!" جميلة بجزع: لا يمه تكفين.. خلاص بأرد عليه.. كانت جميلة على وشك الرد لولا أن هاتفها سكت عن الرنين.. همست بانتصار: شفتي يمه.. هذا هو سكر من نفسه.. !! عفراء ببساطة حازمة : عادي فيه اختراع اسمه إعادة اتصال.. اتصلي له أنت.. جميلة شعرت أنها ستبكي: تكفين يمه.. لا تخليني أذل نفسي له وأتصل أنا له.. وعد وعد لو اتصل المرة الجاية إني أرد عليه!! عفراء رفعت حاجبا وأنزلت الآخر وهي تهمس بذات البساطة الحازمة: الحين أنتي بتذلين نفسش لو اتصلتي.. وهو ماذل نفسه وهو كل يوم يتصل كم مرة وأنتي ما تعبرينه!! جميلة هزت كتفيها: هو اللي غلط في حقي مهوب أنا اللي غلطت عليه.. عفراء بثقة: فيه كلام أبي أقوله لش.. بس اتصلي أول بفهد وعقب تعالي وأقوله لش.. جميلة برجاء: يمه تكفين!! عفراء بإصرار حازم: أنتي يا بنت ماعاد شيء له حشمة عندش حتى حلوفتي عليش.. قومي كلمي رجالش خلصيني.. جميلة تأففت وهي تقف لتتصل به من غرفة أخرى.. لم تكن تريد والدتها أن تسمع ماستقوله له.. فهد كان هناك يتأفف بدوره لأنها لا ترد على اتصالاته.. أثقله الشوق حتى الثماله.. واستغرقه حتى النخاع.. وهي مطلقا لا ترحمه.. نعم أخطأ.. ولكنه أعتذر.. وطهر نفسه بالألم والندم.. أ لم يكفها كل ذلك؟؟ ماذا تريد أكثر؟؟ أن ينتحر مثلا حتى ترتاح؟؟ أو يقطع لسانه حتى تشعر بالسعادة؟؟ لا يعلم من أين أتت بكل هذه القسوة وهو من كان يظن أن لها قلبا يذوب كذوب الثلج في نهار مشمس!! لذا حينما تصاعد رنين هاتفه كان سيسكته فهو لا يشعر برغبة للتحدث مع أي أحد.. لولا أنه رأى الاسم ينير على الشاشة.. كما لو كان ينير بين عتمات جنبيه!! التقطه بلهفة لم تبدو واضحة في حزم صوته: وأخيرا حنيتي وتكرمتي بالاتصال!! جميلة بغيظ: أصلا لولا إن أمي حلفت علي وإلا والله ما أكلمك!! يا الله كيف من الممكن أن تهوي من القمة للقاع في ثانية واحدة.. هذا تماما ماحدث له.. يكاد يشعر بوجع عظامه من قوة الارتطام.. رد عليها ببرود يخفي خلفه ألمه المتسع: الله يبارك في عمتي اللي علمتش السنع.. جميلة بذات الغيظ: وأنت متى بتعرف السنع.. ؟؟ قلت لك لا تكلمني.. وأنت تتصل وأنا ما أرد عليك... متى بتفهم أنت؟؟ أنت ماعندك كرامة؟؟........... أسكتها صرخة حازمة جمدت الدم في عروقها وصوته يصب كنار غاضبة في أذنها: أص ولا كلمة... سامعتني أنتي ياقليلة الحيا.... أص!! إذا أنتي تشوفينها سالفة كرامة يأم كرامة.. أنا شايفها سالفة حق.. وماراح أتنازل عنه!! حقي أتصل.. وأنتي تردين علي وأنتي ما تشوفين الطريق!! دام أنتي عارفة إني أتصل وأنا ما أبي إلا كل خير.. لا أبي اغثش ولا أبي أضايقش!! ليش ما تردين؟؟ لأنش وحدة تحبين المغثة... يعني يوم كنت أنا موريش الويل وما تسمعين معي كلمة زينة...... كنتي صابرة وساكتة.. ويوم شفتيني ماني بقادر على بعدش.. وخاطري أقول لش كلمة حلوة أعوض فيها عن كل اللي قلته قبل...... ماحتى عطيتيني مجال.. خلاص جميلة تبين المغثة..؟؟ تراني حاضر.. وترا الأيام الاولى من زواجنا يوم كنت أغثش.. تراني ماكنت قاصد.. تخيلي إذا كنت قاصد أغثش.. أشلون بتكون المغثة؟؟ فهد أنهى نيران جوفه المسكوبة.. ثم أغلق هو الهاتف في وجهها.. جميلة انتفضت بجزع.. (ياربي ليش استفزيته كذا؟؟ الحين يمكن يطلقني.. وإلا تصير مشاكل بينه وبين عمي منصور بسبتي!!) جميلة عادت إلى أمها وهي تسير كما لو كانت شبحا.. تسحب خطواتها على الأرض بدون صوت مسموع.. لم تتذكر حتى أن والدتها قالت لها أنها تريد أن تقول لها شيئا من شدة استغراقها في التفكير.. حتى همست والدتها باستغراب: هيه جميلة.. وش فيش يأمش؟؟ جميلة انتفضت بخفة: مافيه شيء فديتش.. كنتي تبيني في سالفة؟؟ آمريني!! عفراء تنهدت وهي تضع تضع زايد الصغير في مقعده ثم تقوم لتجلس جوار جميلة.. ثم تهمس بحنان حازم وهي تشد على كف جميلة: جميلة يأمش.. أنا يوم أجبرش تكلمين فهد ما أبي أكسرش في عينه ولا أهينش.. بس أنتي يامش صايرة تتصرفين بدون منطق.. وأنا يوم أتدخل أبي مصلحتش!! يوم صارت زعلتنا أنا ومنصور وطولنا واجد.. وأنتي تعاتبيني ليش ما ترجعين لعمي.. وأنا اتعزز وأقول هو غلط في حقي!! بس لو جينا للحق.. عمش منصور ماقال لي ارجعي.. حتى تلفون مادق لي.. كان يروح يسأل عني زايد وعياله.. ومافكر يتصل لي أنا.. صحيح زعلت وكبرتها وطلعت من البيت.. بس عقبها بكم يوم صفا تفكيري وندمت إني سويتها.. وكنت أنتظر منه كلمة عشان أرجع.. بس هو قعد ست شهور لين تكرم علي وقال لي ارجعي.. فهد ماسوى كذا.. فهد شاريش من قلب.. أدري غلطته كبيرة عليش.. بس خلاص الرجّال اعتذر.. لو كل مرة بيغلط عليها رجالها بتهج وتخليه.. ماكان قعد فيه اثنين مع بعض.. عطيه فرصة.. خليه يثبت لش إنه ندمان صدق.. ليه منتي براضية تعطينه ذا الفرصة..؟؟ ترا فهد على عيوبه فيه ميزات أكثر.. والبشر مافيهم كامل.. جميلة همست بيأس: يمه ماني بمتقبلة فكرة الرجعة له!! حينها همست عفراء بثقة: تدرين يأمش ليه منتي بمتقبلة الرجعة له؟؟ لأنش تبين تعاقبينه بذنب خليفة.. أو لأنش خايفة يسوي مثل خليفة.. جميلة انتفضت باستغراب: وخليفة وش دخله يمه؟؟ عفراء بحزم: خليفة هو ساس المشكلة.. خليفة كان رجال زين.. بس أنتي ضيعيتيه من يدش.. وفهد بعد رجال زين وتبين تضيعينه من يدش.. المشكلة وين؟؟ إنه خليفة تخلى عنش أول ماقلتي له ما أبيك.. كأنه ماصدق!! لكن فهد على كثر ماقلتي له ما أبيك... متمسك فيش.. وأنتي مستمرة في قولت (ما أبيك) كانش تبين توصلينه آخره عشان تشوفين هو بيسوي نفس خليفة أو لأ.. الشيء الثاني.. خليفة ما اعتذر عن اللي هو سواه... بس فهد اعتذر.. ما تقدرين تسامحين فهد وأنتي ماسامحتي خليفة.. مع إن خليفة هو صاحب الفضل وتبين تسامحينه عشان تقدرين تكملين حياتش.. جميلة برفض: يمه ذا الكلام كله صدقيني ماله معنى.. عفراء بإصرار واثق: وأنا متاكدة من ذا الكلام.. يأمش شيلي خليفة من رأسش عشان تقدرين تعيشين حياتش.. لا تخلين طيف خليفة يخرب عليش حياتش ويوقف حاجز بيتش وبين رجالش!! *************************************** " وين الأغراض اللي جابها غانم لمهاوي؟؟ أبي أشوف ذوق أخيش ومرته!!" نجلا ترفع راسها بينما كانت تبدل لغانم الصغير ملابسه.. و تلتفت لصالح بنبرة عتب مقصودة تخفي خلفه حزنا مرا.. وذبولا متوحشا؟؟ حزن جديد بدأ يتصاعد في الروح حتى خنقها: زين وأغراض غانم ماتبي تشوفها ؟؟.. تراه ولدك بعد!! صالح بعفوية: أنا زهقت من شوفت أغراض العيال.. عيوني احولت من شوف الأزرق.. خاطري أشوف الوردي!! ثم أردف بحماس: الدكتور يقول المها حالتها الحين ممتازة.. وتقدر تطلع قريب.. أول شيء بنسويه لا رجعت المها للبيت.. نلبسها فستان.. وبأوديها للمجلس.. عشان أصورها مع سلطان.. البارحة رجع من السفر.. أول شيء سواه.. راح معي للمستشفى عشان يشوفها.. و ....... قاطع انهماره الحماسي انفجار نجلا المفاجئ بالبكاء ... صالح انتفض بجزع وهو يجلس جوارها ليأخذها في حضنه.. وهو يحاول تهدئتها: نجلا حبيبتي وش فيش؟؟ نجلا تصاعدت شهقاتها وهي تبعده عنها: لا تجي جنبي.. ولا تقرب مني!! وتدري.. ما أبيك حتى تدخل البيت.. خلك في المجلس.. وإذا جات بنتك.. مرخوص تجي تشوفها.. وتطلع.. أنا وعيالي مانبي منك شيء!! صالح بصدمة: نجلا ليش تسوين كذا؟؟ معقولة تكونين غيرانة من بنتش؟؟ نجلاء انفجرت بحزنها المكتوم منذ الصباح.. وهي بالكاد تتكلم مع غانم ومزون حينما جاءا هذا الصباح.. وتنتظر صالح بوجع ليشاركها المصيبة.. ولكنه لم يأتي إلا الآن بعد صلاة المغرب!! بعد أن أثقل على روحها الوجع.. حتى ماعاد بالاحتمال.. انفجرت بهستيرية: أنا غيرانة من بنتي؟؟ إلا أنت اللي ما تستاهل تكون أب... اطلع برا وما أبي أشوف وجهك!! برا.. برا... صالح يحاول تهدئتها: نجلا الله يهداش.. ترا مافيه شيء يستاهل ذا اللي أنتي مسويته كله..؟؟ نجلا انهارت جالسة ماعاد فيها أي طاقة وصوتها يتحول لتمتات باهتة: مافيه شيء يستاهل!! صالح وش صار على فحوص غانم اللي صار لي أكثر من أسبوع ونص أحن عليك تجيبها؟؟ صالح بحرج: يا بنت الحلال هذا فحص دوري يسوونه لكل المواليد.. لو كان فيه شيء لا قدر الله كانوا اتصلوا.. نجلا بذات النبرة الباهتة الممزقة وجعا: فحص دوري...؟؟ كنت أقول لك... الولد طريقة تنفسه مهيب مريحتني.. تقول لي عادي.. ماتذكرين عزوز وخالد كانوا كذا.. أقول لك تكفى تأكد من فحوصه اللي خذوها في المستشفى يوم طلعنا.. تقول لي إن شاء الله.. كل يوم إن شاء الله.. صالح لا يعلم لِـم بدأ القلق يتسرب لروحه.. فنجلا بالفعل غير طبيعية.. هتف بهذا القلق: نجلا شا اللي صاير؟؟ حينها عاودت الانفجار بشكل أشد وجعا وهستيرية: شا اللي صاير؟؟؟.. اللي صاير إنك ماخذت الفحوص لأنك ماعندك اهتمام بأحد غير بنتك.. والمستشفى دقوا عليك أكثر من مرة.. ولقوا جوالك مسكر.. لأنك أكيد عند بنتك بعد.. لحد ماطلعوا رقمي أنا من ملفي.. غانم قلبه تعبان واجد.. ولدي بروحي أنا قلبه تعبان.. ولازم أستعجل في الفحوص عشان يسوون له عملية في أقرب وقت!! والحين أنت اطلع برا.. ماني بطايقة شوفتك قدامي... اطلع.. اطلع.. برا.. برا........... **************************************** كان ينتهي للتو من وضوءه لصلاة العشاء ويريد التوجه للمسجد قبل الآذان.. حين سمع صوت الطرقات الهادئة على الباب.. هتف بحزم: ادخل.. دخلت بخطواتها الواثقة وهي تسلم وتقبل رأسه.. ثم تهمس باحترام بدون مقدمات: أنا أسفة يبه لو كنت ضايقتك أمس.. وتراني جيت البارحة ذا الحزة بس مالقيتك!! وكنت أبي أعتذر لك بنفسي مهوب في التلفون!! زايد هتف بأبوية: لا تعتذرين يا أبيش عن قولت الحق.. أصلا لو أنتي ماعاتبتيني.. ما تكونين بنتي كاسرة اللي ما ترضى بالحال المايل.. ثم أردف بشجن مغلف بحزمه: وأنا اشهد إن حالي مايل!! وأنا اللي ميلته بروحي!! كاسرة بثقة: أنا كنت موجوعة واجد عشان أمي... بس لو جينا للحق.. أنا مالي حق أتدخل بينكم.. هذي مشاكلكم الخاصة وأنتو اللي تحلونها.. تنهد زايد بحزم: شكلها يأبيش ماتبي تنحل.. ثم أردف بثقة: أنا متأكد إن أمش ماقالت لش إني كلمتها البارحة وجيتها اليوم.. واعتذرت منها.. وطلبت منها ترجع.. بس هي مارضت!! كاسرة بصدمة حقيقية: لا.. ماقالت لي شيء.. زايد بذات الثقة: كنت عارف!! مثل مادست علي خبر حملها... تظن إنها يوم تحتفظ بسر كل شيء إن هذا بيخليها في موقع القوة.. عشان ماحد يقدر يضغط عليها بشيء!! كاسرة بحرج: أنت دريت بخبر حملها؟؟ زايد بذات الثقة الحازمة: دريت منها.. وهي تحسب إنش قلتي لي.. وماخذه في خاطرها.. تحسبني أبي أرجعها عشان الحمل!! كنت أقول مزنة تغيرت وعقلت.. بس عنادها مثل ماهو.. ورأسها أيبس من الصوان.. حاولي فيها يا ابيش.. حاولي تقنعينها.. اعتذار واعتذرت.. وأي شيء تبيه زود... أنا حاضر!! ********************************** " عبدالرحمن.. عالية بترجع تتعشى معنا؟؟" عبدالرحمن بإبتسامة: لا يمه فديتش... الليلة بتتعشى عند أمها.. أم عبدالرحمن همست بحنان: زين تبيني أكفيك؟؟ أنا بأروح مع السواق وأجيبها.. عبدالرحمن يتناول كف والدته التي تجلس جواره على الأريكة ليقبل ظاهرها باحترام جزيل ومودة غامرة: لا جعلني فداش.. بأروح أجيبها.. وش عندي؟؟ ثم التفت للجالسة معهما وهي في عالم آخر.. آخر.. شاردة.. مثقلة بالهم.. وهتف بصوت عال: شعاع.. اشعيع.. شعاع انتفضت برقة: لبيه.. عبدالرحمن بمودة: قومي يأخيش استعجلي إبي.. دخل يتوضأ ولا عاد طلع.. الأذان بيأذن الحين.. وأنا بروحي عبالة.. أبي لي عشر دقايق لين أوصل المسجد.. (عبالة = شيء ثقيل بالمعنى المعنوي لا الحسي) شعاع قفزت وهي تهمس باحترام: إن شاء الله أبشر.. عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة.. لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية: يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم.. أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر.. حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها.. وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده.. إحساس غريب.. سبق أن شعر به.. قبل عام تقريبا... دوامة يطوف بها.. وصوت اصطدام..!! وحشرجة أنفاس مهاب.. وصراخ الجد.. وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!! بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها.. سوى شيء واحد.... والــــــــــده!! أثمن كل شيء وأغلى.. أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!! أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !! ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!! ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق.. وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!! ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات.. ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..) ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته.. وهو يوقف حياته كاملة من أجله!! ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس.. وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!! ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه.. كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثلاثة عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة.. لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية: يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم.. أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر.. حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها.. وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده.. إحساس غريب.. سبق أن شعر به.. قبل عام تقريبا... دوامة يطوف بها.. وصوت اصطدام..!! وحشرجة أنفاس مهاب.. وصراخ الجد.. وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!! بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها.. سوى شيء واحد.... والــــــــــده!! أثمن كل شيء وأغلى.. أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!! أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !! ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!! ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق.. وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!! ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات.. ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..) ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته.. وهو يوقف حياته كاملة من أجله!! ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس.. وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!! ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه.. كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!! لا يعلم ما الذي حدث.. ولا كيف حدث.. كل ما يعلمه أنه وجد نفسه ينحني على سرير والده.. وهو يجس نبضه ويتأكد من أنفاسه.. ويصرخ بشعاع: اتصلي في الاسعاف بسرعة.. ثم ينهار جالسا على الأرض.. لم ينتبه أحد كيف تحرك من الصالة لغرفة والده دون كرسيه!! فبالهم كان مشغولا بشيء آخر.. شعاع كانت تتصل بالاسعاف وهي تشهق بهستيرية.. بينما أم عبدالرحمن مازالت تحاول إيقاظه بكل يأس.. حينها انتبه عبدالرحمن لنفسه.. انتبه أنه هنا..!! أنه هنا بدون كرسي..!! لم يهمه كيف حدث ذلك.. كل ما كان يهمه هو والده.. حاول الوقوف مرة أخرى.. شعر أن قدميه تتخاذلان.. وأنهما عاجزتان عن حمله.. لكنه تحامل على نفسه.. "مادمتُ فعلتها من أجله قبل قليل دون وعي مني سأفعلها الآن بأذن الله ومن أجله أبضا وأنا بكامل وعيي!! " شعر بصعوبة الأمر.. وان قدميه لا تستجيبان.. لكنه حاول وهو يستند لطرف السرير.. ليقف بصعوبة بالغة.. ثم يجلس بجوار والده.. وهو يتأكد من استمرار تنفسه!!! " يا الله.. كم تبدو الحياة باهتة بدونك يافاضل!! هل تريد أن تتركني؟؟ هل تريد أن ترحل قبل أن ترى حفيدك؟؟ هل تريد أن تترك عبدالرحمن الذي لا يعرف بهجة الحياة دون ابتسامة رضاك!! " ********************************* " علوي حبيبتي.. امشي أوديش لبيتش!!" عالية بمودة: لا عبدالله فديتك.. عبدالرحمن جايني الحين.. عبدالله بمودة يخفي خلفها قلقه العارم: أنا حلفت على عبدالرحمن أجيبش.. أنا أساسا أبي أروح الحلاق الحين.. بأوصلش وبأروح.. عالية نهضت وهي تهمس بمرح وترتدي عباءتها: الله لا يخليني منك.. زين عشان ما أتعب الدحمي!! عبدالله بنبرة مقصودة: أم حسن.. جوزا بلباقة رقيقة: لبيه.. عبدالله بذات النبرة المقصودة: أبي جوالش عشان أكلم الحلاق.. جوالي طفا..خلص شحنه.. جوزاء ناولته هاتفها بعفوية.. أخذه منها وهو يهتف بمودة: زين روحي رقدي حسن.. تأخر الوقت.. جوزا شدت حسن وهي تهمس برقة: إن شاء الله.. كان عبدالله يريد أن يحرص أنه لن يفاجئها أحد بالخبر.. فهاتفها معه.. وهي حين ينام حسن يستحيل أن تتركه لوحده.. وفي غرفتها لن يصعد لها أحد!! حين أصبحا كلاهما في السيارة.. هتف عبدالله بحزم: اسمعيني زين.. ترا عمش تعبان شوي.. بس إن شاء الله إنه زين!! تبين أوديش للبيت..؟؟ وإلا تبين تروحين لهم المستشفى..؟؟ عالية انتفضت بجزع: نعم؟؟ عمي تعبان.. لا أكيد أبي أروح المستشفى فدينك!! عالية طوال الطريق أفكارها تغلي.. تعرف ارتباط عبدالرحمن بوالده.. تتخيل وضع عبدالرحمن الآن.. ليزداد قلبها غليانا!! ***************************** كان يعبر طرقات المستشفى كالمجنون.. منذ اتصل به عبدالرحمن واخبره أن حالة شعاع صعبة وأنها لم تسكت من البكاء.. وأنه يخشى عليها وعلى جنينها ويرجوه أن يحضر لتهدئتها.. لأنه بالكاد يقدر على تهدئة والدته الآن!! كانت تقف قريبا من باب غرفة الإنعاش.. ودموعها لم تتوقف عن السيلان حتى غرق نقابها.. كم تبدو مشاكلنا تافهة حين يأتيها ماهو أكبر منها!! يبدو الآن كل خلافها مع علي لا قيمة له إطلاقا أمام قلقها على والدها.. وخشيتها من فقده.. فهل نحتاج دائما لصدمة لكي تعدل تفكيرنا المائل..؟؟ رغم محبتها الهادرة لعلي التي أشعرتها بالاستغناء عن العالم وكأنها لا تريد من الحياة شيئا سواه!! لكنها علمت الآن ويقينا أنها تحب والدها أكثر!! وأنه لا علي ولا سواه سيعوضها عنه لو ذهب!! حتى لو كان يقسو عليها أو قسا عليها.. يكفيها إحساسه بأنفاسه في الحياة.. تنبئها أن لها ظهرا حنونا لا تخشى الدنيا مادام خلفها.. شعرت بالفعل بإحساس اليتم المر من مجرد خوفها من فقده!! كانت هذه أفكارها المتصاعدة مع شهقاتها وهي لا تشعر بشيء حتى شعرت باليد الحانية على كتفها.. وهمسه الدافئ الحنون: اذكري الله ياقلبي.. إن شاء الله مافيه إلا العافية!! حينها استدارت لتسند جبينها لعضده وهي تنتحب بشكل أشد.. كان علي يشعر أنه سيموت ليأخذها في حضنه.. ولكن وقفتهما في الممر لم تسمح له بذلك.. وهو يرى عبدالرحمن يجلس قريبا منهما وبجواره والدته يحاول تهدئتها.. ربما لشدة انشغاله بشعاع لم ينتبه إلى عصا مسندة للحائط خلف عبدالرحمن!! فكل كيانه مع هذه المنتحبة وهي تسند رأسها لعضده.. وتتمنى لو كانت تستطيع أيضا الارتماء في حضنه لتسكب وجيعتها كما تشعر بها فعلا!! علي يهمس لها بحنان: حبيبتي اهدي تكفين.. خافي اللي في النفس اللي أنتي شايلتها.. عمي فاضل إن شاء الله إنه طيب.. حينها اتسعت عينا علي بصدمة حقيقية وهو يرى عبدالرحمن يتناول العصا من خلفه.. ثم يستند عليها ليقف.. كان يتحرك ببطء شديد وصعوبة.. ولكنه كان يتحرك!! كان يقف!! كان متوجها ليسأل أي أحد ليطمئنهما.. قلق عارم يعصف به.. فوالده سبق أن أُصيب بأزمة قلبية من فترة ليست بالبعيدة.. حين أفاق هو من غيبوبته... قلقه يتزايد وهو يرى أن لا أحد يخرج لتطمينهم بأي شيء!! كان على وشك العودة ليجلس جوار والدته!! في لحظة وقوفه تلك.. كان هناك شخصان آخران قادمان.. رجل وأمراة.. لتتهاوى المرأة مغشيا عليها حالما رأت عبدالرحمن واقفا وهي تشهق شهقة عنيفة!! عبدالله المصدوم انحنى ليسند شقيقته ثم يحملها قبل أن تصل للأرض والممرضات يسرعن نحوه لينقلها لغرفة إنعاش مجاورة!! عبدالرحمن حين رأى المشهد أمامه.. قفز بسرعة أكبر متوجها نحوها.. رغم صعوبة المشي عليه.. ليصل إليها فور إنزالها على السرير وهو يهتف بغضب: عبدالله الله يهداك ليش تجيبها هنا.. عبدالله بغضب مشابه: وأنت ليش ماقلت لي إنك مشيت.. يوم كلمتني!! أنا قلبي كان بيوقف يوم شوفتك واقف.. أشلون ذا المسكينة؟؟ عبدالرحمن انحنى على وجهها يربت على خدها بلطف: عالية.. عالية.. الممرضات أزحنه جانبا ليقمن بدورهن في إفاقتها.. لم تستغرق دقيقة حتى تصاعدت شهقتها الثانية.. واستوت جالسة وهي تهمس بلهفة موجوعة: وين عبدالرحمن؟؟ حينها رأته واقفا جوارها.. وحينها دفنت وجهها بين كفيها وانتحبت من أقصى روحها.. عبدالله حين اطمأن لإفاقتها قرر أن يخرج لأنه شعر أن وجوده غير مناسب في هذه اللحظة الخاصة جدا!! عبدالرحمن اقترب منها ليحتضن رأسها ويهمس بوجع: حبيبتي أنا محتاجش قوية الحين.. عشاني!! عالية احاطت خصره بذراعيه وهي تنتحب وتشهق بعنف: بس عطني دقيقة وحدة أستوعب.. ماني بقادرة أصدق إنك واقف قدامي.. الحمدلله يارب... ياربي ماني مصدقة.. صدق أنت واقف؟؟ عبدالرحمن بشجن عميق: واقف.. بس ياخوفي يكون ثمن وقفتي أغلى منها بواجد!! ************************************** مازال معتصما بمكانه في صالة البيت منذ عاد إلى البيت.. وهي معتصمة بغرفتها التي نزلت فيها للأسفل بعد ولادتها.. كلاهما لديه إحساس عميق بالذنب يتعمق ويتعمق.. هــــــو لأنه اكتشف أن فرحته بالصغيرة جعلته مغيبا تماما.. أهمل أسرته كاملة من أجلها.. قبل دقائق مر به عبدالعزيز.. لم يقل له شيئا وهو متوجه ليدخل عند والدته.. نـــاداه.. شعر برغبة مضنية لاحتضانه.. ست سنوات وهو من كان آخر العنقود.. ست سنوات وهو المدلل.. ثم فجأة وكأنه اختفى ماعاد حتى ينتبه لوجوده.. فكيف سيشعر طفل كهذا؟؟ احتضنه بقوة وهو يغمر وجهه بقبلاته ويشعر أنه سيبكي.. يا الله كم افتقد رائحته!! تفاجأ في ملامحه العذبة بسن مفقود.. هتف باستغراب: متى طاح سنك؟؟ عبدالعزيز بإبتسامة: من زمااااان.. (من عدة أيام!!) صالح يتحسس المكان الفارغ بألم... كيف لم ينتبه حتى لسقوط سنه الأول.. هتف بهذا الألم: ومن اللي شاله لك؟؟ عبدالعزيز بذات الابتسامة: عمي هزاع يوم جا يأخذنا يودينا عند جدي.. ماحسيت فيه.. قال لي غمض عيونك.. وبعدين شفته في يدي!! ووداني الدكان أنا وخويلد وخلاني أشتري أغراض واجد عشاني مابكيت.. صالح بذات الألم: وليش ماقلت لي أنا إن سنك يتحرك عشان أشيله..؟؟ عبدالعزيز بتأفف طفولي: يووه قلت لك كم مرة.. بس أنت ماتسمعني.. مستعجل.. على طول مستعجل!! وأمي على طول تبكي.. ما أبيها تشيل سني وهي تبكي!! " يا الله.. وش كل ذا الوجع؟!!" صالح عاود احتضان عبدالعزيز وهو يرفعه ليجلسه في حضنه.. في لحظتها خرجت نجلا.. تحاشت النظر لهما.. وهي تهتف بحزم: عزوز يا الله عشان تنام.. اطلع غسل أسنانك والبس بيجامتك.. أنت وخويلد وأنا جايتكم الحين.. نجلا كانت تريد مناداة الخادمة لتجلس عند غانم الصغير حتى تعود لها.. لولا أن صالحا قاطعها بحزم مرهق: أنا بأقعد عندهم لين ينامون.. ارجعي لغانم!! كان بودها أن ترفض.. لكنها بالفعل مرهقة.. وإحساسها بالذنب كذلك يخنقها..!! تشعر أن الله عز وجل يعاقبها على تطيرها.. فهي كرهت أن تُسمى ابنتها باسم طفلة ماتت بالقلب.. فيظهر أن ابنها مصاب به!! تستغفر الله كثيرا من هذه الأفكار.. ولكنها لا تستطيع الابتعاد عن أسرها.. وإحساسها بالذنب يتزايد ويتزايد!! ********************************* أجبرها أن تجلس.. وهاهو يجلس جوارها.. يحتضن كفها في كفه.. وهي لم تتوقف عن النحيب.. ولم ترد عليه بكلمة منذ رآها.. همس بحنان: شعاع ياقلبي بس.. هذا أنتي سمعتي بنفسش إنه عدا مرحلة الخطر.. بكرة الصبح إن شاء الله بيكون بخير!! لم ترد عليه بشيء.. وهي مستمرة في البكاء.. تبكي الكثير من الأشياء.. تبكي قلقها على والدها.. تبكي من إحساسها أنها كانت على وشك فقده.. تبكي حتى مسامحتها الجالس جوارها وهي لا تريد أن تسامحه!! تبكي رغبتها أن تطوق عنقه بذراعيها وهي لا تستطيع!! قلبه يذوب من أجلها ذوبا.. وهي لا ترحم حاله.. يشعر أنه سينهار من الإرهاق وسينهار قبل أي شيء من أجلها.. ومع ذلك يحاول التجلد من أجلها أيضا!!.. وضع مختلف عن وضع المتجلدين في مكان آخر بعيدا عنهما.. عبدالرحمن وعالية.. عبدالرحمن بدأت روحه تطمئن قليلا حين أخبروه أن والده استقر وضعه وتجاوز مرحلة الخطر.. بعد الأزمة القلبية المفاجئة التي فاجئتهم جميعا !! مشغول باله بشدة ومثقل بالهم.. هذه هي الأزمة الثانية.. فهل سينجو من ثالثة؟؟ عالية تهمس بمودة وتصبير: عبدالرحمن الله يهداك.. عمي الحين أحسن.. قل الحمدلله.. عبدالرحمن يتنهد: الحمدلله والشكر.. بس أنا خايف عليه.. هذي الازمة الثانية.. مع إن إبي بشكل عام صحته زينة.. وتوه مهوب كبير.. حاس إني أهملته.. كان المفروض إنه أسافر أنا وإياه ونسوي له تشييك كامل.. ثم أردف بحزم: عالية قومي روحي للبيت أنتي وامي.. وجيبيها الصبح.. عبدالله ينتظركم.. ولو تاخر أكثر على جوزا.. بيصير بالها يودي ويجيب.. عالية برفض: وأخليك؟؟ عبدالرحمن بإصرار: اسمعي الكلام.. أمي تعبانة ولازم ترتاح.. وحتى الحين بأخلي علي يأخذ شعاع.. تعالوا كلكم بكرة.. *********************************** منذ عاد لها بعد أن نام الصغيران.. وكلاهما معتصم بصمت مر.. تبدو مرارة الصمت كمرارة العلقم!! ومرارة الذنب أمر من ذلك وأقسى!! كلاهما غارق في مرارة ذنبه التي تشربت بها الروح!! لم يقاطع جمودهما المؤلم سوى تعالي صرخات غانم الصغير.. كلاهما قفز في ذات الوقت.. كان هو من وصله أولا.. وتناوله من فراشه.. كان بودها أن تدفعه عنه.. وتأخذه من يده!! ولكنها رأت أن في هذا قسوة لا ترضاها لنفسها ولا لوالد أطفالها.. فهي رغم كل شيء في حاجته.. حتى لو كان لن يقدم شيئا تكتفي بوجوده لتستمد منه القوة!! لذا عادت للجلوس على سريرها وتركت غانما بين يديه!! صالح أسكت الصغير ثم تساؤل بإرهاق: يبي يرضع؟؟ همست نجلاء بإرهاق أعمق: إيه.. عطني إياه!! ناولها إياه.. وفي لحظة التماس تلك.. لم يستطع إلا أن يجلس جوارها ويأخذها بين ذراعيه.. لتنهار في بكاء موجوع وهي تسند رأسها لكتفه وتحمل ابنها بين ذراعيها.. همس لها بحنان مغرق في الوجع: سامحيني نجلا.. سامحيني ياقلبي. أدري إني غلطتي كبيرة.. ومالي عذر.. وكفاية الذنب اللي أنا حاسة عقاب لي!! فرحتي بالبنت اللي حلمت فيها سنين.. أعمتني عن أشياء واجد.. يمكن كنت أبي لي صدمة تفوقني.. بس الصدمة ذي توجع توجع.. قالها وهو ينحني ليتناول الصغير من بين يديها ويغمر وجهه ويديه بالقبلات ويهمس بوجع متزايد: لا تحاتين.. إن شاء الله مافيه إلا العافية.. وربي رحمته أوسع من كل شيء!!! ************************************** يدخلان لبيتهما سويا .. وأخيرا.. طوال الطريق وهما صامتان تماما.. رغم أنه كان يتحرق ليقول لها أي شيء.. لكنه احترم صمتها وحزنها!! في أحيان كثيرة قد يكون أفضل ما نقدمه للآخرين هو.. الصمت.. حين يكون الصمت أكثر تعبيرا من الكلام!! حين وصلا للبيت... حدث ما توقعه تماما.. انفجرت في البكاء.. وهي تجلس على الأريكة وتدفن وجهها بين كفيها!! جلس جوارها ليأخذها في حضنه.. لم تحاول أن تتمنع.. فالتصنع لا يليق بهما!! دفنت وجهها في منتصف صدره لتنتحب بكل قوتها.. همس لها بحنان وهو يحتضنها بكل الحنان والقوة: خلاص شعاع حني عليّ بكلمة وحدة الله يرضى عليش.. أنتي وش طاقة البكاء العجيبة اللي عندش ذي.. ما تتعبين!! حرقتي قلبي!! انتحبت وشهقاتها تتناثر: كله منك.. كله منك!! لم يستطع إلا أن يبتسم فهذه العبارة يسمعها للمرة الثانية وفي موقف شبيه بهذا الموقف: أدري كله مني.. وأنا أستاهل ونص.. وأنا آسف.. شعاع ياقلبي تدرين وش كثر أحبش.. لو تحبيني نص ما أحبش.. ماكان هان عليش تخليني عشان غلط اعتذرت عنه.. شعاع بصوتها المبحوح: والحين حياتنا كلها بتقعد معلقة على ذا الغلط؟؟ علي يبعدها قليلا عنه لينظر إلى وجهها ويمسح دموعها المنهمرة بأنامله: مافيه شيء غيره.. هو الغلط الوحيد.. وعاقبتيني بمافيه الكفاية.. خلاص ياقلبي.. تدرين إني حتى يوم واحد ما أطيق بعدش... أحس كأني مثل المسبه اللي فاقد التوزان!! حينها مدت أناملها لتمسح على عارضه برقة موجوعة: شأخبار فحوصك؟؟ همس بعتب رقيق وهو يتناول كفها من خده ليحتضنها بين كفيه: زين تذكرتي؟؟ ابتسمت بشفافية مغمورة بالدموع: أدري إنها زينة.. لأني سألت كاسرة بطريقة غير مباشرة.. وقلت لها إني خايفة تكون مخبي علي شيء.. وهي سألت كساب وطمنتني!! حينها ابتسم بشفافية أكثر: وليه ذا اللفة كلها؟؟ ترا السالفة كلها مسج أو تلفون حتى لو أنتي زعلانة عليّ.. همست بشجن: بس أنا كنت زعلانة واجد.. ولين الحين زعلانة!! أجابها بولع غامر: أراضيش باللي تبينه.. لو تبين عيوني الثنتين.. بس خلش جنبي.. وحلفتش بالله.. لو صار زعل بيننا .. وإن شاء الله عمره مايصير بيننا زعل.. بس لو صار.. حلفتش بالله ماتطلعين من بيتش.. خلش قدام عيوني.. ترا فيه فرق بين إنش تعاقبيني.. وبين إنش تذبحيني!! *********************************** " يا الله ياعبدالله.. أما أنت أمس وترتني صدق.. أول شيء تأخرت علي وحتى تلفون ماعندي أتطمن عليك!! " عبدالله بمودة: غصبا عني حبيبتي.. جوزاء بتساؤل: إلا أنت وين موديني من صبح كذا؟؟ عبدالله يتنهد بهدوء: عندي لش مفاجئتين وحدة حلوة وتجنن وبتطير عقلش من الوناسة.. والثانية بتزعلش شوي.. جوزاء بتوجس: عبدالله خوفتني.. عبدالله يحاول تهيئتها للموضوع وهو يهتف بهدوء تام: صدقيني مافيه شيء يخوف.. بس أنتي جمدي لي قلبش الله يرضي عليش.. لو علي ماكان ودي أقول لش الخبر الحلو ولا والشين.. بس أنا عارف إنه بتدرين بتدرين!! كله ولا تفكرين تولدين لي في الثامن.. طالبش ياقلبي!! جوزاء بدأ توجسها يزداد وهي تضع أسوأ الاحتمالات في رأسها.. وكل الاحتمالات تدور حول أهلها.. بما أن عبدالله معها الآن.. وحسن تركته خلفها عند أم صالح!! اختنق صوتها: أمي صاير لها شيء.. أو إبي أو أخواني؟؟ عبدالله بنبرة تطمين: ليش ذا الفال الشين؟؟ صدقيني إنهم كلهم طيبين وبخير!! جوزا تنظر حيث دخلت السيارة ويزداد اختناق صوتها: تقول لي طيبين وأنت موديني المستشفى.. عبدالله يشعر بالتمزق فعلا وهو يهتف بثقة ودودة: والله العظيم إنهم كلهم طيبين.. وبتشوفين بعينش... عشان كذا جبتش.. مابغيتش تروعين!! جوزاء بدأت تبكي: من اللي تعبان فيهم؟؟ من هو؟؟ عبدالله شد على كفها وهو يقف في الموقف ويهتف بثقة: انزلي بنفسش وتشوفينهم كلهم طيبين.. عمي بس تعب البارحة تعب بسيط وهذا هو طيب وبخير وبتشوفينه بعينش!! جوزاء نزلت باستعجال وهي تكاد تركض.. عبدالله شدها ليوقفها وهو يهتف بحزم: شوي شوي.. كانت تحاول التجلد وهي تريد أن تطير بينما عبدالله يمسك كفها بقوة.. حتى أوصلها إلى الطابق الخامس.. همس لها بحزم وهما مازالا عند الباب: شفتي هذا هو في غرفة عادية.. لا في العناية ولا الإنعاش.. سمي بسم الله.. وادخلي بالراحة.. لو شعاع مهيب هنا.. ناديني!! جوزاء هزت رأسها وهي تصر على أسنانها بقوة.. وتشعر بألم متعاظم في أسفل بطنها.. فتحت الباب ودخلت.. حين دخلت .. كانت أسرتها بكاملها متواجدة.. ووالدها نائم.. بدت كما لو كانت ستسقط وهي تبحث عن شيء تستند له.. شعاع وعالية قفزتا كلتاهما لتسنداها.. والغريب أن معهما ثالث رغم أنه وصل متأخرا!!.. حين أوصلوها بجوار والدتها.. ارتمت في حضن والدتها وهي تنتحب.. أم عبدالرحمن مسحت على رأسها بحنان: والله العظيم إنه طيب يأمش.. اذكري ربش!! حين التفتت لتتأكد من شيء غريب لمحته وظنت نفسها تتخيل.. وجدت نفسها لا تتخيل.. كان عبدالرحمن يقف جوارها مستندا لعصا وهو يهمس بقلق: أشلونش الحين؟؟ حين رأته واقفا.. شهقت بعنف وهي تستدير لتحتضن خصره وتنتحب بهستيرية.. عبدالله وصله صوت نحيبها وهو في الخارج.. لم يستطع أن يصبر وهو يطرق الباب بقوة.. البنات تأكدن وضع أغطيتهن وهن لا يعملن من الطارق بعد.. ليدخل عبدالله كالأعصار: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟ عالية تمسح دمعة فرت منها رغما عنها: لا تحاتي أم حسون... بس صرنا عايلة هنود على مستوى.. سيلنا دموع أكثر من أي فيلم هندي مر في التاريخ!! عبدالله وقف فوق رأسها وهو يهتف بقلق: أم حسن.. حاسة بشيء؟؟ شيء يوجعش؟؟ جوزاء لم ترد عليه وهي مازالت متعلقة بعبدالرحمن الذي كان يحتضنها بحنو ويهمس عبدالله بمودة: مافيها إلا العافية.. متاثرة شوي.. كانت متوقعة إنه أبو دم ثقيل ماعاده بماشي على أرجيله مرة ثانية!! ثم استدار عبدالرحمن ليوجه حديثه للجميع : ياجماعة الخير.. إبي لا يدري إني وقفت أو مشيت.. خايف عليه من الصدمة.. أنا بروحي بأقول له وبطريقتي!! ******************************** " يا الله وضوحي وش ذا الكسل؟؟ قومي!! " وضحى تفتح عينيها وهي تهمس بإرهاق: خاطري أقوم قدامك.. مهوب أنت كل مرة تقوم قبلي وتشوف شكلي وأنا صاحية من النوم.. ابتسم نايف وهو يمرر ظهر أنامله على خدها: تدرين أصلا أنا تقصدت أقوم قبلش عشان أشوف شكلش وأنتي نايمة ثم وأنتي تبطلين عيونش على وجهي.. شكله بيصير إدمان!! وضحى اعتدلت بخجل : سامحني.. بكرة إن شاء الله أنا بأقوم قبلك.. نايف بمرح: ليه حتى الإدمان ذا منعوه.. ترا مادرست إنه ممنوع في القانون.. ثم أردف بذات المرح: وش رأيش في جولتنا البارحة؟؟ وضحى برقة: تجنن.. بس بلاها نطول لين الفجر.. أخاف!! نايف بنبرة عتب: تخافين وأنتي معي؟؟ وبعدين يعني أنا باوديش الحواري اللي بعد غياب الشمس ماحد يمشي فيها..عشان تخافين.. كلها مناطق مليانة سياح!! وبعدين مافيه تيك المسافة بين الشانز وسكننا في سانت لازار في منطقة الأوبرا.. تدرين الفنادق أكثر قريب الشانز.. بس الشانز زحمة وعالم وقرف.. وأنا أبيش تشوفين باريس بعيون واحد من أهلها مهوب عيون سايح!! ثم أردف بمرح ونبرة مقصودة وهو يلمس شفتيها بطرف سبابته: ولو أنه حلو نرجع بدري عشان أشوف وجهش وأنتي تسولفين علي بدون نقاب!! عشان السوالف من بين ذا الشفايف ماينشبع منها!! *********************************** " أنا بروح أزور أبو عبدالرحمن وأشوف أخبار عمتش.. تروحين معي؟؟" كاسرة تنهدت: ما أقدر يمه.. اتصلت في عمتي والبنات.. وعمي فاضل باتصل له تلفون.. بس ما أقدر أروح له في المستشفى.. كساب بيعيي لو قلت له.. مزنة بحزم: خلاص أنا بروح.. لا تقعدين في البيت بروحش.. ولو تبين تقعدين خلش عند جدش وسكري البيان كلها.. حينها همست كاسرة بنبرة مقصودة: يمه استئذنتي عمي تروحين؟؟ مزنة بذات الحزم: تدرين زين إني ما أحب تكلميني بذا النبرة يابنت!! حينها ابتسمت كاسرة: خلش من النبرة.. المهم الجواب.. استئذنتي عمي؟؟ حينها أجابتها مزنة بصرامة : مهوب شغلش يا بنت بطني.. وعيب عليش تتدخلين بيني وبين عمش!! حينها همست كاسرة بتحكم: ذا كله يمه عشان خايفة إني أسألش ليه ما قلتي لي عن جية عمي البارحة وإنه اعتذر منش؟؟ مزنة بذات الصرامة: بعد مهوب شغلش... يوم أنتي جيتي عندي زعلانة على كساب.. مارضيتي حتى إني أتدخل بينش وبينه.. عشان تتدخلين بيني وبين إبيه الحين.. حينها همست كاسرة بشجن: يمه لا تقارنين... كساب مافكر يعتذر لي حتى.. ورجعني بدون مايعتذر لي.. لكن أنتي زايد آل كساب بكبره جاء لين عندش واعتذر.. يمه تكفين لا تضيعين عمي من يدش.. والحين بينكم طفل.. ماعليه.. خلي الخبال ويباس الرأس لي.. بس أنتي تكرمين!! مزنة تنهدت وهي تربت على خد صغيرتها: ماراح تفهمين يأمش.. كاسرة برجاء: فهميني زين!! مزنة تنهدت للمرة الثانية: يأمش انتهينا.. حينها كان الاتصال الذي ورد لهاتف مزنة هو من قاطع الحاح كاسرة.. مزنة شدت لها نفسا عميقا.. (لماذا يتصل؟؟ لماذا لم يكتفِ برسالة كما فعلت؟؟ ) فمزنة كانت قد أرسلت بالفعل رسالة لزايد تستأذنه في الذهاب لزيارة إبي عبدالرحمن.. وتأخر في الرد عليها!! ولها أكثر من نصف ساعة وهي ترتدي عباءتها وتنتظر رده!! تعلم أنه لن يرفض.. لذا استعدت للذهاب.. واستغربت تأخره في الرد.. مزنة تنهدت لترد بثقتها المعتادة: هلا أبو كساب!! كاسرة رقصت حاجبيها لوالدتها.. بينما مزنة أشاحت بوجهها وهي تستمع صوت زايد الواثق: أنا أتناش برا.. تعالي!! مزنة بصدمة وهي تقف لتبتعد بهاتفها: نعم؟؟ زايد أنت من جدك؟؟ زايد بحزم: إيه من جدي... أنتي تبين تروحين تزورين فاضل وأنا بعد.. وأنا ما أرضى تزورينه بروحش.. مزنة ستجن منه وهي تحاول أن تهمس بأكبر قدر من الهدوء: زايد الله يهداك إذا أنت مرخص لي..؟؟ رحت مع السواق والخدامة.. منت بمرخص لي؟؟ قعدت !!.. السالفة ماتحتاج تعقيد.. زايد بصرامة: والله مافيه حد معقدها غيرش.. الحين حن ما احنا متفقين إنه على الأقل قدام الناس شكلنا مايفشل.. الحين أنا على كل حال رايح أزوره.. نتقابل هناك يعني كن حن ربع؟؟ مزنة تنهدت وهي تضع هاتفها في حقيبتها وتستعد للخروج له.. وتهتف بصرامة قبل أن تقول كاسرة أي كلمة: أص ولا كلمة.. ما أبي أسمع تعليق واحد!! كفاية اللي مسويه فيني عمش الغالي!! حين ركبت جواره سلمت باختناق حاولت أن لا يبدو واضحا في صرامة صوتها.. ولكنه ظهر.. شعرت أن السيارة ضيقة جدا.. وأن جنبها يكاد يلتصق بجنب زايد رغم المسافة الفاصلة بينهما!! تشعر أنه يتلاعب بها.. كما لو كانت إحدى عرائس الماريونت التي تُحرك بالخيوط.. يقربها حينا ويبعدها حينا!! وهي الخاسرة الوحيدة في كل الأحوال.. رد عليها السلام بفخامة أصيلة وهو يردف بدفء عميق متجذر: هلا حبيبتي!! مزنة رغما عنها شهقت بعنف.. وهي تلتصق بباب السيارة.. بل وتفتحه دون أن تشعر رغم أن زايدا بدأ بتحريك سيارته.. زايد مد ذراعه ليشدها ناحيته بقوة وهو يهتف بغضب: أنتي شتسوين؟؟ مزنة استدارت نحوه بغضب أشد: إلا أنت اللي وش تسوي؟؟ زايد بغضب متزايد: وش سويت؟؟ مزنة صمتت.. لم ترد عليه.. فهي ممزقة تماما.. بل كلمة التمزق لا تتناسب حتى مع حالة التشرذم الشامح الذي تشعر به!! " أي رجل قاس هو هذا الرجل؟؟ بل أي قلب يحمل؟؟ كلمة انتظرتها مطولا وشح بها عليّ ثم يلقيها عليّ كشيء بلا قيمة بدون إحساس.. كما لو كانت فضلة يريد إسكاتي بها!! ليقول لي : أ ليس هذا ما تريدينه؟؟ ارضي به واصمتي!! " ومازاد إحساسها مرارة وقسوة أن زايد بدأ ينهمر في حديث عفوي.. كما لو أنه لم يحدث بينهما شيء مطلقا!!! كان يهتف بثقة باسمة: تدرين إنه طلعاتنا مع بعض شوي.. دايم متقابلين في البيت.. يبي لنا مع بعض أكثر.. نطلع نتغدى سوا.. ونجيب أغراض البيت سوا.. اشرايش نروح بكرة بدري (الكبرة) نجيب ميرة البيت.. مزنة تشعر أنها تريد أن تنفجر في البكاء فعلا.. (هل هذا الرجل خال من الإحساس فعلا؟؟!! ) هل اكتشف للتو أن ظهورهما سويا من البيت قليل بل شبه معدوم وهي لم تشتكي من ذلك مطلقا.. فهي بطبعها لا تخرج إلا لحاجة ضرورية وكان يكفيها رؤيته أمامها في البيت!! فأي لعبة سخيفة يلعبها الآن؟؟ زايد يستحثها للكلام: مزنة حبيبتي وش فيش ماتردين علي؟؟ مزنة همست بإرهاق: زايد لو سمحت.. بلاها حبيبتي ذي!! ابتسم زايد بفخامته المعتادة: زين وش فيها؟؟ أنتي حبيبتي.. مزنة همست بشعور قهر متزايد: ومن متى ذا الكلام؟؟ زايد بدفء محترف: من زمان وأنتي عارفة.. مزنة تنهدت: اللي أنا عارفته شيء ثاني.. فلو سمحت يأبو كساب.. خلنا في اللي احنا فيه... حن رايحين نزور ابو عبدالرحمن ونرجع وبس.. هتف بحزم يخفي خلفه رجاء عميقا: منتي براجعة معي لبيتش؟؟ مزنة بحزم موجوع: بيتي هو اللي أنت خذتني منه.. فارجوك احترمني يا أبو كساب.. أنا ماني ببزر عشان تغصبني!! ********************************* دخلت عليه وهو يلاعب زايد الصغير.. بينما والدتها كانت منشغلة في المطبخ... كانت تريد التراجع.. فهي في الفترة الأخيرة أصبحت تتحاشى مواجهته وحيدين.. تخشى أن يجر الحديث حديثا آخر تتهرب منه.. منصور حين رآها هتف بصوت عال مرح: حيا الله بنتي اللي ماعاد شفناها.. هذا وأنتي عندنا في البيت.. لا جا فهد وش بتسوين!! جميلة مالت على رأسه لتقبله وهي تهمس بابتسامة: توني شفتك اليوم الصبح..جعلني الأولة!! ابتسم منصور: وهذي تسمينها شوفة.. وأنا رايح بسرعة لشغلي!! جميلة مالت لتأخذ زايد من بين يديه حتى تلتهي به عن التوتر الذي بدأت تشعر به.. لكن منصور هتف بمودة: خليه.. مابعد شبعت من ذا السكني الصغير!! سبحان الله سميته زايد.. وفيه من زايد مواري واجد.. (مواري= علامات).. ابتسمت جميلة: يارب يطلع يشبه عمي زايد في كل شيء.. إلا الشكل عاد نبيه مثلك!! حينها ضحك منصور: يعني أنتي شايفتني شكل بس.. وشايفة زايد المضمون..؟؟ جميلة تفجر وجهها احمرارا لدرجة أنها كحت: والله العظيم ماقصدت ياعمي... ياربي... السموحة فديتك.. منصور مازال يضحك: وش فيش تروعتي كذا؟؟ أمزح معش يأبيش!! جميلة مازالت تشعر أنها تريد تبكي من شدة الحرج.. ولكن منصور أخرجها لاتجاه آخر وهو يهتف بمودة: ها شأخبار الاستعداد للجامعة..؟؟ جميلة بإحساسها بالحرج الذي تحاول الخروج منه: كل شيء تمام.. الدوام بعد أسبوع تقريبا.. وأنا اساسا رجعت قيدي وسجلت مواد من الفصل اللي فات.. منصور بعفوية: يعني بيكون دوامش قبل رجعة فهد؟؟ ( هذي هي السالفة اللي ما أبيها!!) حاولت أن تهمس بتلقائية: قبل رجعته بيومين تقريبا!! ثم أردف منصور بنبرة مقصودة: والوضع بينكم الحين أشلون؟؟ جميلة باستعجال: زين ياعمي.. زين!! منصور بحزم: يضايقش فهد بشيء؟؟؟ جميلة بذات الاستعجال: أبد.. مايقصر وحاطني فوق رأسه!! منصور نظر لها نظرة سابرة.. شعرت بالارتباك وبالحر.. كما لو أنها تجلس في فرن مشتعل.. وقفت وهي تهمس بذات النبرة المستعجلة: باروح أشوف أمي تبيني أساعدها في شيء!! بعد دقائق.. دخلت عفراء.. وهي تحمل بين يديها القهوة والشاي.. وتتبعها خادمة تحمل (الفوالة).. وضعتها وغادرت.. بينما عفراء جلست بجوار منصور الذي هتف لها بنبرة مقصودة وهو يقبل زايد الصغير: جميلة جاتش؟؟ عفراء بعفوية: لا... حينها هتف بذات النبرة المقصودة: أشلون الوضع بينها وبين فهد ولا تكذبين علي في شيء.. لأني عارف إنه فيه شيء مهوب طبيعي!! عفراء تنهدت: الوضع بينها وبين فهد.. شيء يخصها هي وفهد.. أنت سويت اللي في رأسك وزوجتهم... طالبتك الحين تخليهم يحلون مشاكلهم بنفسهم.. لأنك لو تدخلت بينهم بتخلي السالفة تكبر!! *********************************** " أنتي مارحتي لبيتش؟؟" كاسرة تغطي جدها الذي تمدد للتو وتلتفت لوالدتها بهدوء: وليش أروح؟؟ البيت فاضي وكساب في شغله.. وهنا قاعدة مع جدي ونسولف.. ثم أردفت باهتمام: عمي فاضل اشلونه؟؟ مزنة تنهدت: ماشفته.. كان عنده زوار ياجيل واجد.. قعدت مع عمتش في الاستراحة.. وتقول إنه أحسن بواجد.. يومين ثلاثة ويطلع إن شاء الله.. حينها ابتسمت كاسرة: والطريق شأخباره؟؟ كان حلو؟؟ قرصت مزنة خد كاسرة بلطف وهي تهمس بنبرة مقصودة: الطريق كان زحمة ويسلم عليش.. وخلي اللقافة منش.. وقومي فزي لبيتش.. رجالش أكيد على وصول.. حينها ردت كاسرة بنبرة مقصودة مشابهة: رجالي مهوب جاي ذا الحزة.. بس قولي إنش تبيغيني أروح للبيت عشان اللي وصلش الحين.. قاعد في البيت بريحاته ماعنده حد.. لا أنيس ولا ونيس.. يعد الطوف.. طوفة طوفة!! مزنة تنهدت وهي تميل على والدها لتتأكد من وضعية نومه: كاسرة للمرة الأخيرة أقول لش.. لا تتدخلين بيني وبين عمش.. ومالها لزوم ذا التعليقات.. ******************************** " حبيبتي ليش حاسش منتي مبسوطة؟؟ إذا المكان مهوب عاجبش رحنا مكان ثاني!!" سميرة تشير لتميم بتوتر: لا والله المكان يجنن.. وميونخ بكبرها تجنن.. بس أنا متوترة عشان نتايج الفحوص اللي سويناها.. ابتسم تميم: كلها كم يوم ونرجع وتطمنين إنه مافيه إلا العافية!! سميرة بشفافية موجوعة: تميم أنا خايفة يكون عندي مشكلة!! أمي كان عندها مشكلة من عقب ماجابتني لين حملت بصالح فجأة.. وأختي نجلا 3 سنين ماحملت وكانت تتعالج.. شد تميم على كفها بقوة ثم أشار بأريحية: اللي منا عنده مشكلة أنا وأنتي بيتعالج إن شاء الله.. ولو الله كاتب لنا رزق ماحد يقدر يمنعه.. ولو هو ماكتب لنا رزق ماحد يقدر يجيبه... *********************************** عبدالرحمن منذ أفاق أبوه وهو لم يتحرك من مقعده.. بل طلب منهم إحضار كرسيه من البيت.. وهاهو يطلب من أمجد أن يساعده لينتقل إليه ليقترب من والده.. سبحان الله.. يشعر بكراهية مريرة لهذا الكرسي الآن.. يشعر أنه يحرق جنبيه كما لو أنك تعود لسجنك باختيارك!! عبدالرحمن مد كفه ليمسح على ساعد والده بحنان: يبه فديتك.. أنت فيه شيء مضايقك.. قل لي.. كلهم راحوا الحين.. وبأقول لأمجد يطلع ينتظر برا.. أمجد من نفسه تحرك للخارج... لكن فاضلا أشار له أن يقف وهو يهمس بتثاقل مرهق: مافيه شيء أدسه.. عبدالجبار يطلبك البيحة!! عبدالرحمن زفر بيأس: يبه الله يبيح منه... شيبة في باكستان وقد له 16 سنة وهو لا هو حي ولا ميت.. ربي رحمه من العذاب.. فاضل بحزن عميق: يا أبيك الموت مامنه مهرب .. وعبدالجبار كنت أروح كل سنة لباكستان وأقول ذا السنة بأزور قبره.. بس ولده عبدالمؤمن الله يهداه فجعني... دق علي أول مادخلت منكم أتوضأ.. وقال لي إبيه مات.. استعذت بالله.. وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون..والله يرحمه.. قال لي مادريت أشلون مات؟؟ لقوا جثة أختي اللي مختفية من 16 سنة.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. الشيبة كانت روحه معلقة فيها.. كن أنفاسه متعلقة بشفقته إنه عاده بيشوفها.. مافي قلوبهم رحمة.. جابوا له اللي باقي من ثوبها اللي كان عليها.. آخر ثوب شافه عليها يوم أمست.. قد لها 16 سنة من يوم ماتت.. وهو كل يوم يترجاها بتعود له!! يوم شاف ثوبها.. شهق وودع.. إنا لله وإنا إليه راجعون!! عبدالرحمن بتأثر: إنا لله وإنا إليه راجعون.. وأنت يبه يعني ماخبرتك حساس كذا.. حاول عبدالرحمن أن يبتسم: ترى الرقة ماتليق عليك كلش!! يتنهد أبو عبدالرحمن: الله يجيرنا من قسوة القلب يأبيك.. والله يا أبيك كنت لا شفت وجهها كني أشوف وجه شعاع.. أكثر حد كنت أحاتيه يوم بطلت عيني شعاع.. خايف عليها تتعب وهي حامل.. ولا حتى عليها حال!! ******************************* " شأخبارش الحين ياقلبي!! خوفتيني عليش!!" شعاع تتنهد وهي تسند ظهرها لظهر السرير: مافيني شيء فديتك!! حتى روحة المستشفى اللي لزمت علي فيها ماكان لها داعي.. علي بعتب: أشلون مالها داعي.. والدكتورة عطتش إبرة مثبت وقالت لا تتحركين!! شعاع بإرهاق: أنا بس كنت تعبانة.. كم سالفة جات ورا بعض.. وبعدين تاثرت واجد إني أنا أكون أول حد يسأل عنه إبي أول مافتح عينه.. توقعت بيسأل عن عبدالرحمن!! علي احتضن كتفيها وهو يهمس بتأثر وقلق : الله يطول في عمره ويخليه لكم.. وطالبش ياقلبي ما تتحركين ذا اليومين كلش.. طالبش.. !!! حتى أنا بأقدم على إجازة وبأقعد عندش!! *********************************** " ماشاء الله كم صار لش قاعدة مع إبي؟؟ شكلكم من زمان!! " هزت كاسرة كتفيها وهي تهمس بنبرة مقصودة: كل واحد منا يسلي الثاني.. شنسوي.. ؟؟ هو خلته أمي بروحه.. وأنا خلاني ولده بروحي!! كساب بنبرة مقصودة شبيهة: لا تصيرين نصابة.. أنا قلت لش إني بأتأخر!! كاسرة جلست وهي تهمس بهدوء يخفي خلفه غيظا شاسعا: زين ولأنك تاخرت وبلغتني.. مايمنع إني أقول إنك خليتني.. كساب أنا ما أتدخل في شغلك ولا أبي أقيدك فيني بس الساعة صارت ثنتين.. وش الشركة اللي فاتحة لين ذا الحزة؟؟ يوم قلت لي بتتأخر حسبت حدك بيكون 11. حينها ربت على أرنبة أنفها بتلاعب: تغارين وإلا تشكين؟؟ كاسرة زفرت وهي تبتعد عن مدى يده: لا هذي ولا هذي.. أقول الله يعدي شهور حملي على خير.. ويجيني بيبي يلهيني!! عاود شدها ناحيته وهو يهتف بعتب مقصود: تبين حد يلهيش عني؟!! كاسرة تتنهد: مثل منت لاهي عني!! جلس وهو يشدها لتجلس جواره ويهمس بدفء وهو يمسح أناملها برفق دافئ: من هذا اللي يلهى عنش؟؟ ماجابته أمه.. بس كان عندنا عشاء مع رجال أعمال من برا.. وبعضهم ماوصلوا إلا 12 .. يا الله خلصنا العشا جيت على طول! ثم أردف وهو يبتسم: ها قولي لي.. تشكين وإلا تغارين؟؟ صمتت وهي تتحسس برقة -بكلتي يديها- الأثار المتبقية من إصابته الأخيرة على ظاهر يده.. استحثها لتجيب: ها جاوبيني .. الجواب مهم عندي!! رفعت يده إلى عذوبة شفتيها لتقبلها قبلة واحدة غاية في الرقة والدفء .. شعر بتثاقل في أنفاسه يشبه القرصات الحانية على غشاء قلبه.. فهي نادرا ماتعبر عن مشاعرها بهذه الطريقة.. همس بهذا التثاقل: وحدة بس يا البخيلة!! احتفظت بكفه بين كفيها وهي تجيب بشجن عميق: عمري ماشكيت فيك... بس الغيرة مهيب في يدي!! ***************************************** بعد يومين . . . " خذي غانم.. وروحي للاستراحة بأكلم الدكتور وأجيش عشان نروح للبيت" نجلاء باستغراب: وش نروح البيت؟؟ أبي أروح أشوف بنتي.. هذي هي في المستشفى اللي جنبنا.. صالح بتردد: خفت إنش ماتبين تشوفينها.. نجلاء بصدمة: من جدك أنت؟؟ ثم أردفت بعتب: صالح أنا ماني بمثلك.. المها بنتي.. مثل ماغانم ولدي.. وأنا زعلتي عليك مهوب على بنتي.... هي وش ذنبها؟؟ صالح يبتسم: يا شينكم يا النسوان إذا لقيتوا لكم شيء تذلون الرياجيل عليه!! ********************************* " الحمدلله على سلامتك يبه!! نورت بيتك!!" أبو عبدالرحمن يخطو للداخل بتثاقل وهو يهتف بإبتسامة: الله يسلمك يأبيك.. ولا يحرمني شوفتك داخل(ن) علي بدون ذا الكرسي.. عبدالرحمن بنبرة مقصودة: قريب يبه.. قريب!! أبو عبدالرحمن بفرحة مفاجئة: أ ربك صادق يأبيك؟؟ عبدالرحمن يبتسم وهو يقترب من والده: الدكتور يقول لي إنه متوقع إني أمشي قريب.. لأنه بديت أحركها بروحي!! أبو عبدالرحمن بشجن: يا الله رحمتك.. يا الله عونك.. لا تحرمني شوفته يمشي وشايل ولده.. ثم أردف بحماس فخم: نذر علي لله عز وجل.. يا اليوم اللي بتمشي فيه.. إن قد أمط سماط غدا وعشا لعمال الصناعية.. أسبوع كامل!! ************************************** بعد يومين آخرين . . " ها شأخبارش مع حضرة النقيب؟؟" جميلة تهز كتفيها: لحد الحين.. الأمن مستتب.. لا عاد اتصل ولا كلم.. مزون بنبرة مقصودة: وأكيد أنتي الحين متضايقة؟؟ جميلة باستنكار: وليش أتضايق؟؟ أتضايق إن ربي رحمني منه ومن غثاه.. مزون تنظر لجميلة نظرة مقصودة: جمول مهوب علي ذا الكلام!! مافيه وحدة يرضيها إن رجّالها يطنشها.. حتى لو كانت هي تبيه يطنشها!! جميلة تتهرب بشيء آخر: خلينا من حضرة النقيب ونروح لولد عمه الكابتن أبو عيون عسلية.. أنتي شأخبارش مع سبع البرمبة؟؟ مزون ابتسمت: غانم يجنن ومافيه مثله اثنين.. بس لو أنه يخف شوي من تحسسه من هلي.. ثم أردفت بشجن: غانم يبي يكون رقم واحد في حياتي.. وأحس إنه يتضايق من تعلقي في إبي واخواني.. عجزت أحاول أوضح له إنه شيء وهلي شيء.. ولكل واحد غلاه.. وهو توه أتعرف عليه.. لكن هلي علاقتي فيهم أساسا غير.. يقول لي: أنا فاهم.. أو يحسسني إنه فاهم.. بس أنا أحس بضيقته.. ابتسمت جميلة: كان ودي أنصح.. بس أنا عاد أفشل من بيقدم نصيحة زوجية.. إسألي أمي!! مزون ابتسمت: هذا شيء مايبي نصيحة.. يبي له وقت بس!! ************************************** " حبيبي تكفى.. ماعاد طقت شوفت ذا الكرسي قدامي!! " عبدالرحمن يمشي ذهابا وإيابا باستخدام عصاه وهو يهتف بثقة: هذا أنا عندش أتحرك بدونه.. بس برا ما أقدر.. خايف على إبي!! عالية برجاء: ومتى بتقول له؟؟ عبدالرحمن بثقة: هانت.. هذا أنا قاعد أمهد له شوي شوي!! ******************************** " خلاص حبيبتي .. بيرسلون النتايج لنا في الدوحة!! " سميرة تشعر أنها ستبكي فعلا.. فهي كانت تنتظر النتائج بفارغ الصبر.. بل ماعاد فيها صبر حتى!! يا الله تريد أن تكون أما.. وتريد شيئا يطمئن قلبها!! تميم يتنهد: تكفين سميرة بلاها ذا النظرة اللي فيها دموع.. سميرة بحزن: أنت قلت لي النتايج ما تأخذ حتى 3 أيام.. فليش تأخرت كذا؟؟ تميم بحنان: لا تحاتين ياقلبي بيرسلونها للدوحة.. ولو بغيتي سوينا غيرها.. الحين خلاص خلينا نستعد لطيارتنا.. ***************************************** كانت تجلس عند والدها الذي كان يصلي ضحاه.. والذي كان لا يعلم مطلقا أنها تنام عندهم.. بل كان يظنها تأتيه من بيت زايد.. ليأتيها اتصال منه.. تنهدت كما تفعل كل مرة يتصل بها.. فهو يتصل بها في اليوم عدة مرات.. كما لو كان يريد الاستمرار في تعذيبها.. لم يكن يهاتفها بهذه الكثافة حينما كانت عنده!! في كل مرة كانت تتمنى ألا ترد.. ولكنها تجد نفسها مجبرة على الرد.. جاءها صوته مستعجلا: مزنة لو سمحتي جهزي لي شنطة بأسافر أسبوع.. السفرة جات بسرعة وماعندي وقت أرجع أرتب شنطتي.. أبي أجي أخذها وأطلع بسرعة.. مزنة شعرت بالصداع ( هل هذا رجل طبيعي؟؟ وهل هما زوجان طبيعيان حتى يطلب منها هذا الأمر؟؟) مزنة صمتت.. حينها أكمل زايد بحزم: مزنة البيت فاضي.. رتبي لي الشنطة بس... وروحي.. اعتبريها مساعدة إنسانية لجاركم.. الطوفة وحدة وترا!! مزنة همست بنبرة ميتة: حاضر إن شاء الله.. " إلى أي مدى وصل امتهانه لي؟؟ إلى أي مدى؟؟ " تشعر أن كل خطوة تقودها لبيته.. كما لو كانت خطوة تقربها من قبرها.. وهي من تذهب للقبر بقدميها.. هي من تذهب بقدميها!! غلفت كل مشاعرها بكل البرود الكوني.. وهي تصعد للأعلى وتقترب من مكانه.. حيث أنفاسه.. وعبقه.. ودفئه.. وتجريحه.. حيث طردها من حياته!! الألم يزداد في قلبها إلى درجة عدم الاحتمال المطلق.. وهي تفتح الباب .. تستخرج حقيبته.. وتبدأ بوضع أغراضه بدقة آلية!! جمدت مشاعرها حتى لا تشعر بشيء وهي تتحسس ملابسه.. فرشاة شعره.. معجون أسنانه.. وترتب كل شيء بجمود.. وتنتهي بذات الجمود الموجع.. ماكادت تغلق الحقيبة وتريد أن ترفعها عن السرير حتى تنزلها على الأرض.. حتى وصلتها الصرخة الحازمة: والله ماتشيلينها.. أنتي صاحية!! مزنة انتفضت بجزع: متى جيت؟؟ زايد يقترب منها ويتنهد: توني جيت من دقايق وأنتي ولا حاسة بحد!! مزنة باختناق حقيقي: زايد أنت تلعب علي؟؟.. جايبني وأنت في البيت..؟؟ زايد رفع هاتفه أمام ناظرها وهو يهتف بحزم موجوع: مزنة... شوفي أنا متى اتصلت لش.. صار لي أكثر من ساعة.. أساسا توقعت ماراح ألقاش.. وبألقى الشنطة بس.. ويمكن ما ألقاها.. بس ربي يحبني.. عشان أشوفش قبل ما أروح... "معقولة ساعة كاملة أرتب شنطة ولا حسيت بنفسي!!" مزنة تأخرت للخلف وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: هذي شنطتك.. واسمح لي.. تميم بعد بيوصل الليلة!! زايد بنبرة مقصودة: زين إنه بيجي وأنا مسافر.. عشان تتأجل مواجهتش معه.. مزنة بذات نبرته المقصودة: أنا وولدي نعرف نتفاهم.. كانت تريد أن تغادر.. لولا أنه شد معصمها ليوقفها وهو يهمس بدفء: بتروحين كذا؟؟ مزنة شعرت أن الاختناق يعاودها: كذا أشلون؟؟ زايد بذات الدفء: بدون ماتسلمين علي.. مزنة باستعجال: تروح وترجع بالسلامة!! زايد بنبرة شديدة الدفء: هذي كان ممكن تقولينها لي في التلفون.. بس دام ربي خلاش تنتظريني.. فالسلام مايكون كذا!! مزنة بتوجس مرعب: أشلون يكون؟؟ هذه المرة مد يده ليتنزع برقعها وشيلتها معا.. وهو يهمس بوجع: خاطري بس أضمش مرة وحدة وأنا أتنفس شعرش وأقول لش وش كثر أنا أحبش!! مزنة ابتعدت عن مدى يده وهي تهمس بوجع حقيقي: تكفى يازايد لا تهيني أكثر من كذا.. ما أقدر أردك لو بغيت تسوي كذا.. بس كفاية علي إحساسي بالمهانة وأنا جاية بيتك بأرجيلي.. طالبتك ماتزيدها علي.. والله مافيني مايستحمل.. زايد تنهد بوجع مر وهو يمدها بشيلتها وبرقعها: روحي يامزنة.. روحي!! ************************************ بعد أسبوع . . مر الأسبوع ثقيلا بطيئا سريعا.. وهاهو زايد يعود في الغد مساء.. ومواجهتها لابنها تقترب... مازال لا يعلم بحملها إلا زايد وكاسرة.. ولكن بطنها بدأت تبرز قليلا.. والأمر بات مخجلا لها لأبعد حد.. وحتى بنتها ستصل غدا في الفجر.. وكأن كل المواجهات تتأجل لهذا الغد!!! " يمه مزنة وش تفكرين فيه؟؟ " مزنة بمودة: مافيه شيء يأمش؟؟ أنتي اللي قولي وش فيش؟؟ من يوم رجعتي من السفر وبالش مهوب رايق!! سميرة تميل لتقبل كتفها وتهمس بمرح اصطناعه أكثر من حقيقته: لا ياحلو.. أنتي اللي عشانش مشتاقة لعمو زايد.. عقلش يودي ويجيب!! سميرة تتنهد... مضى أسبوع على عودتهما.. وتميم كل يوم يقول لها أن الفحوص ستصل في الغد.. لولا إنشغالها بالتفكير في عملية غانم الصغير التي ستكون بعد يومين وخصوصا أن المها ستخرج في ذات الوقت!! وإلا كانت لتذهب وتجري فحوصا جديدة.. حتى ترتاح من التفكير!! ************************************ اليوم التالي . . . "نورتي بيتش ياقلبي سامحيني كان ودي نقعد بعد.. بس إجازتي خلصت أساسا بأنام ساعة بس وبأروح لدوامي!!" وضحى تنزل حقيبتها على التسريحة وتهمس برقة: النور نورك.. ولا تحاتي.. المهم شغلك.. لم يناما حتى صليا الفجر.. ووضحى تقوم بالكثير من الترتيب.. ومع ذلك لم تنسى وضع المنبه على وقت نهوض نايف لعمله لتقوم معه وتعد له إفطاره!! ولكن نايف صحا قبل أن تصحو قصدا وأقفل جرس هاتفها.. فهي مرهقة تماما عدا أنه يعلم أنه فور وصولهم.. فوجئت بدورتها الشهرية.. بالطبع لم تخبره.. لكن من هو مثله لا يحتاج للاخبار.. فهو عاش مع صبية لست سنوات!! لذا نهض بنفسه وتركها نائمة.. ولم يذهب حتى تأكد من وصول الخادمة التي أخبرته أن أمها سترسلها لها.. فهو لا يريد تركها وحيدة في البيت.. وضحى بقيت نائمة فعلا حتى انتصف النهار.. وفوجئت بطرقات قوية على باب غرفة نومها مباشرة... ********************************* " يمه فديتش.. لا تحاتين.. عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!" أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟ الولد هيستحمل عملية يعني؟؟ غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين.. مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع.. غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا.. أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟ غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها.. مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! ) بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!! ************************************ دخل إلى غرفته منذ لحظات.. لم يعلم ماذا يتوقع.. أ يتوقعها؟؟ أو يتوقع برودة غيابها؟؟ قد يكون لم يتصل بها مطلقا منذ فترة.. لكنها تعلم تماما بموعد عودته.. تصاعد الغضب والغيظ في روحه.. ليس لأنه لم يجدها فقط.. ولكن لأنه لا يستطيع اسكات لهيب الشوق المتصاعد في روحه.. تناول هاتفه ليتصل بعفراء... لن يتصل بها هي.. بعد السلامات المعتادة هتف باحترام: يمه وين جميلة؟؟ عفراء بحرج: السموحة يأمك.. كان لازم تبلغها بموعد رجعتك.. جميلة في الجامعة... وبتطلع الساعة 11.. سواقتي بتروح لها الحين.. فهد بحزم: لا تروح.. خلاص أنا بأجيبها.. #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وأربعة " يمه السيارة تأخرت علي؟؟ " عفراء باستغراب: يأمش فهد هو اللي جاش ومن زمان.. وأنا قلت له أي ممر... ماشفتي سيارته؟؟ جميلة شهقت بعنف وهي تتراجع خطوة للخلف.. ثم تعود لتلتصق بالزجاج.. لتراه فعلا جالسا بداخل سيارته التي يبدو إنها متوقفة منذ فترة ليست بالقصيرة.. لأنها كانت تلاحظ السيارات الواقفة في الممر.. ولكن تركيزها كان مع سيارة والدتها.. مازال هاتفها معلقا بأذنها ووالدتها تهتف بحزم: روحي مع رجالش.. وخلش مرة سنعة.. جميبة هزت رأسها كما لو أن والدتها تسمعها.. شعور عارم بالتوتر والتوجس.. يتخلل كل أنحاء جسدها قد تكون تكلمت معه على الهاتف بشيء من الجرأة والوقاحة.. لكنها ما أن رأته.. حتى شعرت أن عظامها ستذوب من الخوف والتوتر... " ياربي... أشلون نسيت موعد جيته؟؟ يمكن تناسيت.. مانسيت.. ياربي.. الحين معصب من كل صوب.. ما انتظرته في البيت.. وعقب نقعته في سيارته . وأنا وش دراني إنه برا؟؟ أعرف الغيب... ليش مادق علي؟؟" جميلة لو كان الأمر بيدها لم تكن لتخرج له.. فهي خائفة منه فعلا.. خائفة من حدته.. ومن قسوته.. ومن تهديده!! ولكنها ختاما خرجت وهي تقدم قدما وتؤخر أخرى.. هــو عرفها منذ خرجت من الباب البعيد.. وكأن الشمس أشرقت من هناك.. فهل هناك من يجهل شروق الشمس...؟؟ بدت دقات قلبه تتصاعد بعنف.. وهو يكره هذا الشعور الذي يحيله إلى مراهق عاجز عن السيطرة على خلجات نفسه!! ركبت جواره بتردد وهي تتمتم باختناق: الحمدلله على السلامة.. أجابها بسكون وهو يحاول ألا ينظر لها: الله يسلمش... كان قعدتي بعد شوي!! اجابته بذات النبرة المختنقة: أنت ما اتصلت علي.. ازدادت نبرته حدة: وأنتي ما كنتي عارفة إني بأجي اليوم؟؟ صمتت.. لم ترد عليه.. شعرت أنها إن قالت كلمة إضافية قد تبكي!! هو أيضا لم يصبر على ألا ينظر لها.. فهو لا يعرف كيف يتصرف خلافا لطبيعته.. كان ينظر ليديها العذبتين المشبوكتين في حضنها.. لا يعلم لِـمَ شعر بتأثر رقيق أنها ترتدي دبلته.. ولكن التأثر تحول لغضب وهو يصرخ بها: ممكن أعرف ليش ملونة أظافرش؟؟ جميلة انتفضت بجزع: عادي.. شوف أظافري مقصوصة للآخر واللون فاتح.. فهد بذات الغضب: والحين صارت القضية إن أظافرش قصيرة.. واللون فاتح.. ليش أساسا تحطينه.. ماعندكم دكاترة في الجامعة وعمال؟؟ جميلة زفرت بحرقة: فهد الله يهداك أنت جاي من المطار حاد سكاكينك علي..؟؟ أساسا أنا أقعد ورا.. لا شافني دكاترة ولا عمال.. بس خلاص أوعدك ما أحط في الجامعة ولا برا.. شيء ثاني؟؟ حينها كان هو من صمت.. فهو يعترف أنه جاء إليها وهو يشعر بالاستفزاز بعد مكالمتها الأخيرة.. لم يتوقع أنها ستجابهه بهذه المهادنة والرقة التي تذيب مفاصله.. تبادلا الصمت حتى دخلا باحة بيته.. حينها كانت من همست بجزع: ليش جايبني هنا؟؟ أجابها بحزم: وين تبين تروحين؟؟ جميلة باختناق: أبي أروح بيتنا.. فهد بذات الحزم وهو يفتح بابه: هذا بيتش.. خلصيني وانزلي!! جميلة تشعر إنها ستموت: زين بأروح أجيب ملابسي.. فهد باستغراب: تجيبين ملابسش... ؟!! عندش هنا ملابس تغطي آسيا وأفريقيا... وش تجيبين فوقهم؟؟ انزلي بس!! جميلة نزلت مجبرة.. فهي بالفعل لا تريد أن تكبر مشكلتهما.. وتعلم أنها لو بقيت في بيت أهلها بعد عودته.. فهذا سيكون بمثابة إعلان علني بوجود خلاف بينهما!! قد تكون قالت له أنها لا تريده.. وتريد أن تبقى في بيت أهلها.. لكنها تعلم أن هذا كلام غير منطقي.. وكانت تقوله لشدة غيظها منه!! ولكنها أيضا تشعر على كل حال أنها غير قادرة على تقبله.. وتشعر بوجود حاجز غريب بينهما!! نزلت بخجل.. وهي تسحب قدميها سحبا!! متوجهة لغرفة عمتها أم صالح.. هتف بحزم: وين بتروحين؟؟ جميلة بذات النبرة المختنقة: بأروح أسلم على عمتي.. أجابها بنبرة مقصودة: لا والله راعية واجب.. أمي وجوزا رايحين الجمعية يجيبون أغراض البيت.. عقبال ما تكفين أمي وتجيبنهم أنتي!! همست حينها بذات نبرته المقصودة: إن شاء الله.. إذا حسستني صدق إني مرتك..وهذا بيتي..!! مثل ماعبدالله محسس جوزا.. دائما لدغتها ناعمة حينما تريد!! أجابها بحزم غاضب: لا تقارنيني بغيري.. أظني صرتي تعرفين.. إن هذا سمي وناري!! جميلة تنهدت وهي تصعد للأعلى.. فوجئت أنه لم يتبعها وهي تتنفس الصعداء.. بينما هو توجه للمسجد ليلحق بصلاة الظهر!! جميلة بدأت بإزالة الصبغ عن أظافرها.. ثم فتحت خزانتها لتستخرج لها لباسا ترتديه بعد أن تستحم وتصلي.. في داخلها.. لا تشعر بأي رغبة لأن تتأنق لهذا المعقد..!! ولكنها لابد أن تتأنق بطبيعتها.. وخصوصا أنها ستنزل لتسلم على عمتها وجوزا وتتغدى معهما.. حمدت الله أنه لم يعد مباشرة.. فوجوده يثقل على نفسها بشكل مجهد فعلا.. لم يعد حتى عادت لغرفتها بعد الغداء.. كانت تجلس أمام المرآة.. تمشط شعرها.. بعد أن خلعت الدراعة التي ترتديها ولبست لباسا خفيفا.. يتكون من (ليقنز وتيشرت) من القطن.. فقط!! مهما كان لباسها بسيطا.. تبدو في عينيه شيئا مبهرا إلى أبعد حد..!! رؤيتها مجهدة لمشاعره وقلبه لأبعد حد!! دخل بسكون وسلم بسكون.. وجلس على طرف السرير خلفها مباشرة.. يراقبها بتمعن وهي تمشط شعرها بتوتر.. لأنها تعلم أنه يراقبها.. نهض ليتقدم نحوها.. انكمشت على نفسها قليلا وهو يميل عليها ليتناول المشط من يدها.. ويضعه على التسريحة لتتخلل أنامله خصلاتها الناعمة وهو يهمس بدفء: كأنه شعرش طايل شوي.. لا تطولينه.. يعجبني كذا!! ( وش اللي تغير؟؟ عقب ماهو منتف.. عاجبك!!) همست باختناق: بس أنا أحب الشعر الطويل.. وأبي أرجع أطوله!! هز كتفيه وهو يمسك بعضديها ليوقفها ثم يديرها ناحيته وهو يهمس بذات الدفء: براحتش.. حتى لو كنتي بدون شعر عاجبتني!! قربها منه برفق ليغمر وجهها بقبلات شفافة حانية بينما انكمشت هي رغما عنها.. همس في أذنها بعمق: طالبش.. بلاها ذا الحركة.. تحسسني وش كثر أنتي خايفة مني!! أنا ما أكرر غلطتي مرتين.. فلا تكررينها أنتي!! ***************************************** وضحى قفزت بجزع وهي تسمع الطرقات القوية على الباب.. لتتفاجأ بالباب يُفتح ونورة تدخل.. وضحى بقيت لدقيقة مذهولة (كيف دخلت هذه؟؟) لتشعر أنها ستبكي وهي تنتبه أنها تقف أمامها ببيجامة مكونة من (شورت وتوب بحمالتين رفيعتين) فقط!! أمها لم ترها مطلقا بهذا المنظر.. فكيف تراها هذه؟؟ قفزت لتختبئ داخل غرفة التبديل وهي تهمس باختناق حرجها المر: أم سعود دقيقة بس وأنزل لش!! نورة كانت مذهولة.. ولا تنكر أنها شعرت بالحرج.. فهي فوجئت بالأبواب مفتوحة.. ولا أحد في البيت.. لذا صعدت مسرعة لغرفة شقيقها!! نورة عادت للأسفل.. ففي الأسفل كانت تجلس رفيقة دربها سلطانة.. وهما في انتظار شقيقتين آخريين من شقيقاتهما.. سلطانة بقلق: لقيتي حد؟؟ نورة بتأفف: لقيت مرت أخيش متفسخة.. يا الله جيرنا من كشف الستر!! راقدة وهي مهيب لابسة شيء.. والبيبان كلها مفتحة.. لو أن اللي داخل عليها حرامي وش كان سوت؟؟ إيه ما ألومه أخيش يستخف.. ولا كلمناه يكلمنا بالقطارة!! سلطانة ضحكت: نورة الله يهداش.. عروس وش تبينها تلبس عند رجّالها؟؟ نورة بذات التأفف: والله إنكم جيل ماعاد في وجهه حيا ولا مستحى!! والاثنتان مستمرتان في حوارهما فوجئتا بالخادمة التي أحضرت لهما القهوة والشاي.. سلطانة باستغراب: من أنتي؟؟ الخادمة بعربيتها المكسورة: أنا خدامة ماما مزنة.. ماما يجيب هنا عشان بنية ودحه صغير.. سلطانة تلوي شفتيها: خدامة من الحين؟؟ وخدامتها قدامها بعد!! حن جايبين قهوة وفوالة روحي جيبيها.. الخادمة تبتسم: هذي قهوة مال أنتي ماما.. أنا يشوف أنته يجيب قهوة.. أنا يجيب بيالة فنجال بس.. نورة بغضب: وين كنتي مندسة يالسكنية.. ومخلية كل شيء مفتوح.. الخادمة مازالت تبتسم: ماما أنا قدام عين مال أنتي.. أنا كنت ينظف صالة.. حينها كانت وضحى تنزل.. ووجهها متفجر بالاحمرار.. عاجزة عن وضع عينها في أعينهما.. بعد انتهاء السلامات المعتادة..ووضحى تتولى مسئولية ضيافتهما.. همست نورة بحزم: وين نايف؟؟ وضحى باحترام: راح لشغله.. نورة بحزم لا يخلو من غضب: راح لشغله وأنتي راقدة وراه كنش فطيسه.. مهوب عيب عليش يأمش..؟!! هذا السنع؟؟ وضحى صُدمت تماما من هذا الهجوم غير المتوقع.. ابتلعت ريقها ومعه عبرة كانت ستقفز (والله ما أشمتهم فيني!!) هتفت بكل برود مغلف بالحزم مع ابتسامة رائقة: أنا مارقدت إلا عقب ماراح نايف لشغله.. أصلا مستحيل أقدر أرقد وهو قايم الله لا يخليني منه!! نورة وسلطانة تبادلتا النظرات معناها (صدق إنها ما تستحي!!) بينما وضحى جلست لترسل لنايف رسالة ترجوه أن سألته إحدى أخواته أن يأكد على كلامها.. فهي فعلا كانت تريد أن تنهض معه.. ولكنه من اطفأ جرسها!! *********************************** " يمه فديتش.. لا تحاتين.. عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!" أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟ الولد هيستحمل عملية يعني؟؟ غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين.. مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع.. غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا.. أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟ غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها.. مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! ) بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!! غانم يبتسم: لا يمه.. مايصير كذا.. لازم تدخلين في المود.. وتصير عيونش تولع قلوب.. تقولين سعاد حسني يوم شافت رشدي إباظه.. ونبيها بالمصري.. عشان حلاتها كذا!! حينها ابتسمت أم غانم: فشر رشدي إباظة يجي جنب راشد..!! ده مايجيش ظفره!! غانم مال على مزون بمرح: اسمعي الهياط بس!! مزون سألت ام غانم بمودة: يمه ياحلوه الكلام المصري من ثمش.. قولي لي كم صار لكم متزوجين أنتي وعمي؟!! ووين تزوجتوا؟؟ في مصر صح؟؟ أم غانم بإبتسامة شفافة: كملنا 31 سنة.. واتجوزنا هنا في قطر.. أنا أساسا كنت مقيمة هنا.. جيت هنا مع ماما وخالي.. وأنا تانية سانوي.. وكملت المدرسة هنا.. بس مادخلتش جامعة.. عشان ماما كانت ست كبيرة ومريضة.. وحتى خالي كان زيها.. وئرب على التقاعد.. مراته ماتت ئبل مانجي هنا وماكانش عندو ولاد.. والاتنين شايلين همي.. يحصل لهم حاجة ويسيبوني لوحدي.. خطبني مصريين كتير هنا.. بس أنا مابيعجبنيش العجب!! غانم يميل على اذن مزون باسما: العجب تراه أبو غانم!! أم غانم بغضب باسم: خلاص ئول انته الحكاية لمراتك.. مزون باستعجال ودود: يمه ماعليش منه.. كملي!! أم غانم أكملت ولكن هذه المرة انكسرت ابتسامتها: ماما ماتت بعد كم شهر واندفنت هنا.. عشان كده كان عندي إحساس إني لازم اتدفن مترح ما اتدفنت أمي!! تعبت كتير بعد ماما.. وخالي تعب معايا الله يرحمه!! بس بعد كده ئلت لازم أكون أئوى شوية عشانه.. هو هيلائيها منين!! في الوئت ده بالزبط كان غانم عاوز يتجوز وحدة بس مش من جماعتهم.. من ئبيلة تانية.. أبوه وأخوه أبو صالح ما رضيوش.. وهو كان شاب فاير وراسه ناشف.. فحلف إنه يتجوز وحدة من برا حدود الخليج كله!! ولو جيتي للحئ هو ئال لي إنه استغفر عن الحلف ودفع كفارة.. بس هو كان عاوز يئرص ودانهم.. أكملت حينها بابتسامة اتسعت: خالي كان معاه في الشغل.. فهو يحكي لخالي الحكاية.. فخالي ئال له إنه هو اللي هيجوزه وحدة من برا الخليج.. راشد كان عاجب خالي كتير.. بس خالي ماكنش في باله واحد خليجي خالص.. لحد ماماتت أمي.. واندفنت هنا وأنا مش راضية أسيب هنا ولا أنزل مصر حتى في الإجازات.. راشد اتحرج.. ئال له خالي ما تنحرجش.. أنتو هتشوفها زي ماشرع ربنا ئال.. بس راشد ما رضيش.. ئال وئتها ماكنش مقتنع خالص وعاوز يسكت خالي وبس.. خالي ئال لي الحكاية.. زعلت عليه خالص.. ئلت له أخرتها تعرضني على راجل وهو مايرضاش حتى.. ومن ئال لك إني عاوزة واحد قطري... شكلهم كِشر.. غانم ضحك: يمه أما على سالفة إنه شكلنا كِشر لازم نرفع عليش قضية!! مزون برجاء: تكفى غانم لا تقاطعها.. خربت اندماجي!! غانم بإبتسامة: لو تدرين عاد قطعت عليش عند (الماستر سين)!! أم غانم بتافف: أنته هتسكت ياله.. وإلا سيبني أئوم أبدل للولاد.. مزون برجاء: أنا بأبدل لهم.. بس كملي الحين فديتش يمه.. ابتسمت أم غانم: ئولي لجوزك الرغاي.. سيبينا منه.. بعدها بكم شهر كنت مع خالي في المستشفى عشان كان تعبان شوية.. وراشد كان جايب الست مامته الله يرحمها!! ضحكت أم غانم بخجل عفوي : الواد غانم مابيحبش الحكاية دي!! بس أنتي عارفة إنه زمان بنات السبعينات عاملين ازاي.. ومع كده أنا كنت بألبس طويل بس ماكنتش باتحجب.. راشد بيئول لي إنه حاول ما يبصش بس مائدرش.. أصلو كان فاكرني شبه خالي.. خالي كان أسمر وماكنش حلو خالص!! خالي لما سلم عليه أنا اتلحس مخي.. حلاوة إيه.. طول إيه.. شبه الواد فهد ابن أخوه خالد.. حينها لم يستطع غانم إلا أن ينفجر في الضحك: ماقلت لش.. ترا السالفة أول كان يشبهني.. الحين صار يشبه فهد.. انتظري عليه المرة الجاية بتقول لش شبه عبدالله.. مزون بتأفف رقيق: لو دارية كان خليتها تسولف علي وأنت برا بسلامتك.. خربت الجو مرة وحدة!! يمه تكفين كملي لي!! ضحكت أم غانم: هي كده كملت.. بس الواد ده نصاب.. عمري مائلت إن راشد شبهه... راشد أحلى منو بعشرين مرة!! طبعا أهل راشد ماكنوش راضيين بالجوازة خالص خالص.. بس المرة دي راشد عنّد وصمم.. وخدت وئت طويل لحد ما أهله تئبلوا فكرة جوزانا.. أول شيء ئاله راشد لخالي.. لازم تتغطى.. ضحكت: ئلت لخالي اللي هو عاوزة.. هأعمله..إن شاء الله يكون عاوز يحبسني في ئمئم!! والحمدلله عمري ماحسيت بالندم من أول دئيئة لحد دلوئتي ربنا مايحرمنيش منو ولا من طيبة ئلبو!! ضحكت: تدرون تعبت أحكي مصري... تعودت على الحكي المكسر!! غانم يضحك: شفتي القلوب يوم نطت من عيونها؟؟ مزون ضحكت: لا والله شفت العصافير اللي تطير حول رأسك.. وأنا أتمنى لو عمتي أم غانم تضربك بالمزهرية على رأسك من كثر ماتقاطعها!! ************************************* " إلا وش سالفة المسج بالتفصيل؟؟ خواتي وش سوو اليوم!! " وضحى بألم شفاف: خلوني في نص ثيابي يا نايف.. تخيل نورة دخلت على وأنا نايمة.. شافت لبسي.. أمي ماشافتني كذا!! وعقبه تقول لي أنتي ماتعرفين السنع... نايمة ونايف رايح لشغله!! وضحى كانت تحادثه بشفافية لأنها لا تستطيع أن تشتكي لسواه.. بل إنها لم تخبره بكل شيء.. فهم حين اكتمل عقد الشقيقات الأربع قالوا ماهو أكثر من ذلك.. حتى أمها وخادمتها التي أرسلتها.. لم تسلما من تعليقاتهما.. وهي وحيدة تتلقى الضربات من الأربعة.. وكلهن سيدات كبيرات في السن.. ولا تستطيع أن ترد عليهن احتراما لسنهن ومكانتهن.. ولكنهن لم يرحمنها مطلقا من تعليقاتهن وأسئلتهن واستفساراتهن حتى عن تفاصيل حياتها الخاصة مع شقيقهن.. ورغم أنها لم تخبره بكل ذلك.. نايف رد بتأفف: مهوب كنش مزودتها؟؟ وضحى بصدمة: أنا مزودتها؟!! نايف بذات التأفف: إيه مزودتها.. يعني المساكين تاركين بيوتهم وعيالهم من صبح عشان يجون يسلمون عليش ويقهونش.. أخرتها تشتكين منهم كذا.. ليش تشتكين؟؟ لأنش واجد متصلبة وماعندش أي مرونة.. وضحى بذات النبرة المصدومة: أنا ماعندي مرونة؟؟ نايف لا يريد فعلا أن يضايقها.. لكنه سبق أن حذرها في هذا الموضوع لذا هتف بتقصد: حتى لو كنت نسيت موضوع تميم.. لكنه كشف لي إنش ماعندش مرونة في التعامل مع المشاكل.. وش فيها لو جاملتي خواتي العجايز شوي وتحملتيهم..؟؟ وضحى شدت لها نفسا عميقا.. حتى لو قال أنه نسي... يبدو أن هذا الموضوع سيبقى حاجزا بينهما.. لأنه وضع له تصور مسبق لشخصيتها سيحبسها في إطاره.. لذا همست باختناق متردد: تميم مايدري عن شيء!! نايف نظر لها بدهشة: يدري عن ويش؟؟ وضحى انكمشت قليلا فهي تجهل بالفعل ماذا ستكون ردة فعله: مايدري عن المسجات.. أنا اللي أرسلتها من تلفونه ثم مسحتها!! نايف اتسعت عيناه بصدمة.. ثم شرق وكح .. ثم ....... انفجر بالضحك.. ضحك مطولا لدرجة أن عينيه دمعتا قبل أن يهتف بين ضحكاته: لا بصراحة غطيتي على عالية.. المفروض عالية تجي تأخذ عندش دروس في المقالب.. ذا كله صبيتي قلبي... وآخرتها الرسايل من عندش!! ****************************************** " ها ياحلوة.. وينش؟؟ عقب منتي ما تبين تروحين معه.. حتى تلفون توش تكلميني.. أنا مابغيت أدق وأصير عمة ثقيلة دم!! " جميلة بتأفف: يمه.. توه أفرج عني.. من عقب صلاة العصر.. واحنا طالعين.. تونا رجعنا.. وراح لأبيه في المجلس!! عفراء باستغراب: زين وحدة مطلعها رجالها.. ليه زعلانة؟؟ أعرفش تحبين الطلعات والتمشيات.. لا والمسكين توه جاي من السفر اليوم وطلعش على طول!! جميلة تزفر: يمه... دمه ثقيل على قلبي!! عفراء بغضب: والله ماحد دمه ثقيل غيرش.. يا بنت اعتدلي مع رجالش.. جميلة بيأس: والله يمه ماضايقته بشيء.. وكل ماقال لي شيء.. قلت لبيه وحاضر.. بس عاد أغصب نفسي أحبه وأتقبله.. مهوب بيدي!! عفراء تنهدت بعمق: الله يصلح حالش يأمش.. الله يصلح حالش!! *************************************** " ها يأمش شأخبار نايف معش؟؟" وضحى تزفر: يمه نايف يجنن وطيب وأخلاقه تجنن... بس يمه خواته ما ينطاقون.. وهو يموت عليهم.. يمه توه من أول يوم طفروني.. ما أدري اشلون باستحمل.. مزنة تنهدت: يأمش أنتي خذتي الرجّال وانتي عارفة إن خواته كذا!! مايصير الحين تاففين منهم.. هذولا بيصيرون عمات عيالش.. وكلش ولا قطع الرحم.. الرحم متعلقة بالعرش.. وتقول اللهم اقطع من قطعني.. وصل من وصلني!! وضحى ابتسمت: عاد يمه ماوصلت لقطع الرحم.. أعوذ بالله من غضب الله.. بس أنا يمه أبي طريقة أمسك العصا من النص.. وعجزت أفكر.. لأنهم ماشاء الله مايعطون الواحد مجال.. حادين بشكل!! ابتسمت مزنة بأمومة حازمة: تعاملي معهم بما يرضي الله.. وإن شاء الله مايصير إلا خير!! وضحى بمودة: زين يمه أنا أبي أسلم على عمي زايد.. بيتأخر..؟؟ كاسرة قالت إنها بتروح تنتظره في البيت.. وأنا نايف بيجيني الحين!! مزنة تنهدت: بيتاخر شوي يأمش.. روحي الحين وسلمي عليه بكرة!!! . . في الخارج.. فور أن ركبت وضحى مع نايف.. انفجر في الضحك.. وضحى بحرج: نايف حرام عليك.. مهوب كل ما تشوف وجهي تضحك.. ترا أنا في حوش بيت هلي.. بتسوي فيني كذا.. نزلت!! نايف يشد معصمها ناحيته وهو يغالب الضحك: وش تنزلين؟؟؟ خلاص بأسكت.. الله يقطع إبليسش يا الوضحي.. كل ماتذكرت حالتي وأنا أصب عرق وأنا قاعد في المجلس.. أموت على روحي من الضحك!! حينها ابتسمت وضحى: تستاهل.. عشانك واحد مغازلجي.. نايف يضحك: أما مغازلجي كثري منها.... أنا على قولت المثل... اللي ماعمره تبخر.. تبخر واحترق!! ثم أردف بتماسك: ها انبسطتي عند هلش..؟؟ وضحى بمودة: أكيد ولو أنه سميرة نفسيتها تعبانة عشان عملية ولد أختها بكرة.. وكاسرة ماطولت عندي.. راحت لبيتها عشان مزون بتجي وبينتظرون عمي زايد جاي من السفر!! نايف بنبرة واثقة: ترا حتى أمش ماعجبتني يوم نزلت أسلم عليها.. وضحى باستغراب: أشلون ماعجبتك؟؟ نايف هز كتفيه: شكلها تعبانة أو متضايقة.. وضحى بقلق: لا تروعني على أمي.. أنا شفتها عادية!! ابتسم نايف وهو يشد على كفها: عشان ما عندش سبع خوات.. لازم أول شيء تسوينه تطلين في عيون الوحدة منهم عشان تعرفين نفسيتها.. قبل تفتحين ثمش بكلمة!! ********************************** " يأبيك تبي تقوم تنسدح؟؟" عبدالرحمن بمودة غامرة: لا جعلني فداك.. تو الناس!! أبو عبد الرحمن باهتمام: بس أنت وراك دوام بكرة.. لازم تتريح!! عبدالرحمن باحترام: محاضراتي متأخرة أساسا!! حينها تذكر أبو عبدالرحمن شيئا: إلا أنت اليوم من اللي وداك دوامك؟؟ رجعت من عند طيوري لقيت سيارتك مهيب هنا.. والسواق قاعد مع المقهوي!! أسأله عنك قعد يمغمغ .. (يمغمغ= يهمهم بكلام غير مفهوم عند الارتباك) عبدالرحمن صمت شعر كما لو كان وقع بين المطرقة والسندان.. فهو اليوم لأول مرة يتهور.. ويقرر أن يقود سيارته بنفسه.. بقدر مابدت له العملية متعبة بقدر ما بدت ممتعة.. وليس على استعداد أن يعود مرة أخرى ليسوق به السائق.. وخصوصا أن اليوم كان تجربة.. ويريد أن يفاجئ عالية في الغد أن يذهب بها هو لعملها!! عبدالرحمن وجد له عذرا: جاني واحد من ربعي على تاكسي.. وهو اللي ساق السيارة.. ثم أردف بحذر: مع إنه يبه يمكن لو حاولت أسوق.. أسوق.. أرجيلي صارت حركتها أحسن.. والسواقة ما تبي إلا دوسة بسيطة على البنزين.. أبو عبدالرحمن بتحذير: لا يا ابيك لا تستعجل.. لين تمشي زين.. ثم أردف بامل: ولو أنك يا أبيك طولت.. قد لك أكثر من أسبوع وأنت تقول لي كل يوم بكرة!! وش رأيك تحاول قدامي شوي؟؟.. بأعاونك.. طالبك يا أبيك!! عبدالرحمن بمودة متجذرة: وليه تطلبني.. باحاول.. اشرايك تعطيني العصا اللي في كبت الدِلال..؟؟ اللي نساها قصيرنا عندنا!! (قصيرنا= جارنا) أبو عبدالرحمن قفز بلهفة.. وهو يتناول العصا ويعطيها لعبدالرحمن ثم يحاول إيقاف عبدالرحمن من ناحية.. وعبدالرحمن يمسك بالعصا بيده الأخرى.. عبدالرحمن أظهر صعوبة الوقوف عليه وهو يحاول لمرتين بفشل.. ثم يقف في الثالثة.. ويخطو خطوتين قصيرتين ثم يجلس.. وبهمس بإرهاق مصطنع: بس يبه كذا يكفي!! أبو عبدالرحمن كان يقف مذهولا عاجزا عن استيعاب كل هذه السعادة وهو يتمتم باختناق فعلي: اللهم لك الحمد والشكر.. اللهم لك الحمد والشكر.. ماعليه يا أبيك ماعليه.. اليوم خطوتين وبكرة عشر.. يا الله ما أكبر رحمتك.. ما اكبر رحمتك!!! ************************************* يعود ... إلى أميرته.. التي طالت ليالي اشتياقه لها حتى شعر أنها لا تريد الانقضاء!! كل شيء بدا له -بعيدا عنها- بلا رونق.. بلا حياة.. بلا ألوان!! وكأن بهجة الحياة ورونقها لا تغرد إلا على نغم خطواتها وحضورها العاصف في حناياه!! هكذا هو.. قلبه المستقيم الذي لا يعرف كيف يكون تزييف المشاعر أو تغطيتها أو تسميتها بغير مسمياتها!! قد يكون في البداية جهل ماهية المشاعر التي اقتحمت قلبه الذي بدأ يرتعش لرؤيتها. وخلاياه التي تذوب اشتياقا لرؤيتها.. قد يكون بعد ذلك قاوم هذه المشاعر حتى لا تستولي عليه.. ولكنها ما أن ظهرت وتحكمت.. حتى أظهرها كما يجب أن تظهر.. لأنها مشاعر يعجز عن إخفائها!! حين دخل.. كانت على الحاسوب تقوم ببعض البحث من أجل أحد مقرراتها.. ابتسم وهو يسلم عليها... ردت السلام!! فهد هتف بثقة: مطولة؟؟ أجابته بسكون: نص ساعة بس.. هتف بذات الثقة: على ما أسبح تكونين خلصتي!! خلي اللابتوب شغال.. بأوريش شيء.. ( ما ينفع تسبح لين أنام أنا!!) ورغم عدم رغبتها حتى بالجلوس معه ابتسمت: زين إن شاء الله!! حين خرج.. كانت بالفعل انتهت!! كان ينهي لباسه وهو يهتف لها بثقة ودودة: انبسطتي اليوم في الطلعة؟؟ هزت رأسها برقة: انبسطت..!! (رغم أنها لم تشعر بشيء عدا ثقل وجوده على أنفاسه!! رغم أنه حاول بذل كل جهده!!) تنهد: ماعليه أنا توني عليمي في سوالف الطلعات.. لاني اساسا ماني براعي طلعات!! بس ماهان علي أكون غايب ذا الوقت كله وعقب أحبسش في البيت بعد!! صمتت.. فهذه التعامل والتفكير الرقيق لا يتناسبان مطلقا مع تفكيرها في شخصية فهد.. كانت تنظر له وهو يتجه لفتح حقيبته الشخصية ثم يستخرج منها بطاقة ذاكرة ويطلب منها أن تضعها في الحاسوب وفتحتها... جميلة أدخلت البطاقة بحذر في الحاسوب.. دائما تتوجس من كل ماهو من ناحيته.. جلس جوارها وهو يسند ذراعه لكتفيها بطريقة حانية وتملكية في آن.. تناول الحاسوب منها هو.. بدت لها حركته عليه خبيرة بالفعل.. رغم أنها كانت تظنه لا يعرف أي شيء عن الحواسيب.. همست بتلقائية: تعرف له؟؟ ضحك: أعرف له؟؟؟ مهوب لذا الدرجة ترا..!! جميلة بخجل: ماقصدت..!! صمتت لأن أي شيء قد تقوله قد يبدو محرجا أكثر!! فهي بالفعل كانت تظنه لاعلاقة له بالتكنولوجيا كما لو كان يعيش متحجرا في عصر آخر!! كانت الذاكرة ممتلئة بالصور.. هتف فهد بحماس فخم: بأوريش صورنا في الدورة الأخيرة.. وصور لي بعد قديمة!! وصور قبل الكاميرات الرقمية بعد.. بس دخلتها فيه!! عشرات عشرات الصور.. كما لو كان يكشف لها تاريخه كله ويبسطه أمامها.. صوره وهو صغير مع والده وأشقائه في مناسبات ورحلات مختلفة.. صوره في الكلية.. صوره باللباس العسكري بأشكال مختلفة.. الكثير من الصور مع منصور!! بل هناك أكثر من صورة له مع زايد الصغير في مجلس منصور!!! ابتسمت بعفوية: شكلك يجنن في اللبس العسكري.. بس أحلى صور اللي مع زيود فديت قلبه!! ابتسم بفخامة: ماعليه نبلعها إن أبو منصور مقدم علينا!! يستاهل!! سألت بذات العفوية الرقيقة: تحب تصور؟؟ هز كتفيه: لا.. بس لا صورت.. أحب أحتفظ فيها.. أبي أوريها لعيالي.. ما تتخيلين أشلون انبسط لا شفت صورة لأبي هو صغير.. لأنه أنا ماعرفت إبي إلا وهو كذا... لحيته بيضاء وطويلة!! كان ينهمر بحديث عفوي.. ينبئ فعلا أن هذا رجل يحمل قلبا أشبه بقلب طفل.. أحاديثه كلها مصاغة بعفوية لا تخلو من فخامته الرجولية.. أحاديث لا تزييف فيها ولا حتى تحسين للحقائق!! كان قد أنزل الحاسوب جانبا.. وهاهو يحتضن أناملها بين كفيه.. يتحدث وأنامله تناجي أناملها.. وكأنه عاجز حتى عن الإفراج عن أناملها.. بينما هي عاجزة حتى عن محاولة تقبله!!!! ************************************** " هلا حبيبي.. غريبة ماقعدت عند أبيك شوي؟؟" علي يخلع غترته ويلقيها جانيا ويهتف بهدوء: واجهته في المجلس عقب ماجابه كساب من المطار.. بس هو راح داخل لمزون ومرت كساب.. وأنا ما أقدر أتاخر عليش وأنتي بروحش!! شعاع بخجل: والله كنت أبي أسلم عليه الليلة.. بس الوقت متأخر واستحيت أواجه كساب!! علي برفق حازم: خلاص بكرة لا رحت أنا للدوام.. روحي سلمي عليه.. شعاع بوجل رقيق: مسرع خلصت إجازتك؟؟ ابتسم علي: صار لي أكثر من أسبوع قاعد مقابلش.. وانتي الحين صرتي احسن بواجد.. ما أقدر أقعد من شغلي أكثر من كذا؟؟ ابتسمت برقة وهي تميل لتقبل كتفه: قلت لك قبل الوقت معك ماينحسب.. ثم أردفت بذات الرقة: زين بكرة لا سلمت عليك.. أبي أروح مع جوزاء.. بتسوي تلفزيون وعبدالله عنده شغل مهم.. وعقب بنروح نتطمن على ولد نجلا إن شاء الله يكون خلص عمليته!! ابتسم علي بلهفة: مهوب مشكلة.. بس أنتي متى بتسوين التلفزيون بعد؟؟ بأموت متشفق على شوفة أي شيء منه!! ابتسمت برقة: قريب إن شاء الله.. ********************************** هاهو يعود... لم يتوقع أنه قد يجدها.. ولكنه الإنسان.. دائما مثقل بالأمل.. لأنه إنسان!!! وجد مزون وكاسرة في انتظاره.. حتى مزون لم تستطع البقاء إلا قليلا.. لم يشبع حتى من ضمها لصدره.. فغانم كان ينتظرها خارجا.. والوقت أصبح متأخرا.. فاضطرت للذهاب.. وكاسرة جلست معه قليلا ثم اعتذرت ...واضطرت هي ايضا أن تصعد لكساب الذي كان هو من أحضره من المطار.. وهاهو يضطر للصعود .. لجناحه البارد الصقيعي.. يا الله..!! بقدر مابدت له رحلته طويلة ومُرة بعيدا عنها.. بقدر ماتبدو غرفته أكثر قسوة.. لأنه ماعاد يطيقها بعدها.. (الظاهر إني على كل حال لازم أروح لجناح ثاني!! ماني بمستحمل ذا القعدة... باستخف) . . . هي هناك... تعلم أنه عاد لبيته.. عودته نثرت يأسها وحزنها مضاعفا.. اشتاقت له كثيرا.. لا تستطيع أن تنكر ذلك!! " كم نحن مخلوقان غريبان!! كما هما ولدينا!! نعيب عليهما.. ونحن من أورثناهما الغرابة!!" أخرجها من أفكارها الطرقات على بابها.. شدت روبها على جسدها.. وفتحت الباب المغلق بنفسها.. كان تميم هو الطارق.. أشرق وجهها حين رأته.. قبل جبينها ثم أشار بمودة: يمه.. عمي مهوب جاي الليلة.. ليش مارحتي لبيتش؟؟ مزنة تشير بحزم تخفي خلفه توجسها: بلى.. بس هو جاي متأخر.. واتفقنا أرجع بكرة!! مزنة تنهدت.. لا تريد أن توتر ابنها.. وهي تعلم أنه متوتر مع زوجته مع أجل عملية غانم الصغير في الغد.. تريد أن تنتهي عمليته بخير أولا!! ثم تبحث لها عن عذر مناسب عجزت تبحث عنه ومازالت لم تجده!! تميم أشار برجاء: زين يمه أبي منش خدمة!! ابتسمت مزنة: آمرني فديتك!! تميم بذات الرجاء: أبيش بكرة تكونين مع سميرة.. العايلة كلها قلوبهم ماشاء الله ماي.. أنا بأكون موجود معها.. بس أنا مستحي من أختها.. وبأكون واقف بعيد.. أبي أتطمن إنه فيه حد قوي معها!! مزنة بحنان: بدون ماتقول يأمك.. أنا أساسا متفقة معها أروح معها المستشفى بكرة.. تميم أشار بصفاء باسم: الله لا يخلينا منـــ... بتر إشارته وعيناه تنقلبان بشكل مفاجئ وهما تتجهان لمكان في كتف والدته.. بجانب عنقها .. لأن طرف جيب الروب تعلق في دانتيل حمالات القميص العريضة لذا لم يغطيه!! ومزنة لم تنتبه!! مد يده ليشد جيبها.. بينما مزنة تأخرت بجزع.. وهي تشير بجزع أشد: وش فيك أمك؟؟ تميم جن تماما وعيناه تتحولان لجمرتان محمرتان وهو يشير بجنون مطبق: أنا اللي وش فيني؟؟ أنا اللي وش فيني؟؟ تميم يريد خلع روبها رغما عنها.. وهما تقريبا يتعاركان عليه.. لأن مزنة علمت السبب.. ولكن تميم ختاما كان هو أقوى منها ..وهو تقريبا يمزق روبها وينظر بقهر موجوع وغضب عارم للعلامات الواضحة على جسدها.. مكانان.. وخمس علامات في كل مكان .. علامة منفردة وأربع علامات متجاورة!! في كتفها من ناحية اليمين.. وعضدها من ناحية اليسار!! لم يتمنى في حياته كلها كلها كلها.. أن يكون لديه صوت مثل هذه اللحظة..!! لشدة شعوره بالقهر والغضب... تمنى أن يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى تتمزق حباله الصوتية من الصراخ!! " أ تُمد يدا على والدته وهو مازال يتنفس الهواء؟؟ إذن حياته كلها لا معنى لها!! هو لا معنى له!! " تميم أشار بجنون مطبق: والله ما أخليه.. والله لا أذبحه الليلة.. والله إن قد أذبحه!! يسوي فيش كذا يحسب ما وراش رجال.. يحسب ماوراش رجال!! تميم غادر ركضا.. بينما مزنة انتزعت جلال الصلاة لتلبسه فوق قميصها.. وهي تركض خلفه..و تتصل بزايد بجزع مرعوب: زايد ترا تميم جايكم للبيت وهو مايشوف من الزعل.. متحلف فيك.. تكفى سكر بابك عليك.. ولا تنزل له!! زايد بغضب: تبيني أندس من بزر أصغر من عيالي؟؟ يتحلف فيني ليه؟؟ وش مسوي له؟؟ مزنة كانت تبكي فعلا.. فهي تعلم أن تميما قد يؤذي زايد فعلا.. أما الاحتمال الأقرب فهو أن كسابا لو تدخل فهو من سيؤذي ابنها.. فهو لن يسمح له بمد يده على والده وهو يشاهد!! زايد أنهى الاتصال وهو يهتف بغضب: أنا انتظره تحت..خلني أشوف وش عنده.. ولا تحاتينه.. بأهديه!! مزنة كانت تركض بكل قوتها.. فهي تعلم أن زايد لن يستطيع التفاهم معه حتى.. ولأن تميم لم يسبق مطلقا أن زارها في بيتها لأنها على الدوام عندهم... فهو لم يعرف أين يتجه تماما.. لذا حينما وصلت كان للتو يلتحم مع زايد وهو يرفع زايد من جيبه دون أي تفاهم!! تميم فقد عقله تماما.. لم يفكر حتى أن هذا رجل أكبر منه سنا ولا يوازيه قوة.. فما رآه في والدته نحر روحه تماما.. وإحساسه بالقهر ألغى مابقي فيه من التفكير!! فجسد والدته كان مبقعا بأثار أظافر غارت في جسدها.. تركت أثرا بنيا واضحا لم يختفِ رغم مرور عشرة أيام.. رغم أنه في الأيام الأولى كان أسوأ بكثير.. بين اللون الأحمر ثم البنفسجي ثم الأزرق.. وهاهو خَفَت للون بني يوشك على الذهاب!! لذلك غيرت مزنة المفرش قبل ذهابها!! لأنه تلطخ ببقع من نقاط الدم التي نزلت من جسدها.. لم تستطع مطلقا أن تلوم زايد.. فهو في ليلتهما الأخيرة معا كان نائما ومتمسكا فيها بشدة.. كانت تريد أن تقوم للحمام.. ولم ترد إيقاظه.. فحاولت التخلص من يديه برفق.. فشد عليها بقوة أكبر لدرجة أن أظافره غاصت في لحمها كثيرا!! لذلك كان تأثرها منه لا حدود له.. ولا علاج له.. لأنها صمتت على كل هذا الألم الجسدي وهي تفسر ذلك بعدم قدرته على التخلي عنها حتى وهو نائم!! ولم تخبره بشيء وهي ترتدي ملابس مغلقة تماما.. وتغطي المفرش السفلي بالعلوي انتظارا لذهابه حتى تغيره.. كانت تعلم أنه لو علم بهذا الأمر سيجرحه ويؤذيه لأبعد حد.. لذا لم تخبره ولم تخبر سواه.. ثم بعد ذلك... يصفعها وبكل بساطة.. أنه لا يريد أي احتكاك بينهما!! لماذا إذن كان يمسك بها هكذا؟؟ لماذا؟؟ أ يتمسك بها بكل هذا التملك والوجع.. ثم لا يريد أي احتكاك بينهما!! فأي ألم حرث بمناجله روحها ذهابا وإيابا؟!! مزنة فور وصولها.. فرقت بينهما رغم صعوبة إبعاد تميم عن زايد وهو كالمجنون.. كان يريد أن يكسر الأيدي التي امتدت لوالدته!! مزنة أشارت لتميم بغضب: أنت اشفيك ماعندك تفكير.. اللي فيني مهوب من زايد..من كاسرة.. وإسألها !! تميم كما لو كان سُكب على رأسه ماء مثلجا وهو يتراجع بجزع كاسح مصدوم: من كاسرة؟!! مزنة بحزم: إيه من كاسرة.. أنت تدري إن كاسرة أحيانا تحلم بكوابيس!! ويوم كنتو مسافرين كانت نايمة عندي.. وسوت فيني كذا بدون ماتحس يوم قامت مفزوعة من الكابوس!! لأني كنت أبي أهديها وهي ماتبي تهدأ... وإسألها لو تبي!! (كانت مزنة متأكدة أنه لن يحرج كاسرة ويسألها عن ذلك!!) بينما تميم اسود وجهه تماما.. ماعاد قادرا على وضع عينه في عين زايد.. وهو يقترب ليقبل رأس زايد ثم يغادر دون أن يرفع بصره!! زايد كانت أنفاسه تعلو وتهبط من العصبية وهو يحاول السيطرة على أعصابه.. وينتظر أن تنتهي من حوارها الغريب مع ابنها.. ليتفاجأ بانتهائه هكذا.. بقبلة رأسه ثم رحيل تميم.. رغم أن تميما حين حضر كان كالمجنون تماما وعيناه محمرتان من شدة الغضب!! حين غادر تميم.. انهارت مزنة جالسة.. زايد جلس جوارها وهو يهمس بسكون : ممكن أعرف ليش ذا كله؟؟ مزنة بوجع عميق عميق عميق: تبي تدري ليش ذا كله؟؟ تعال في مجلس الحريم وأقول لك.. ما أقدر أقول هنا.. أخاف حد يشوفني.. زايد بأمل أعمق: وما ينفع تقولينه لي في غرفتنا؟؟ مزنة بوجع أشد وأكثر وحشية بدأ يختلط بوجعها الجسدي وهي تشعر بتقلصات موجعة في أسفل بطنها: لا ماينفع.. زايد غادر معها لمجلس الحريم.. وتوجس غريب ينتشر في روحه!! حــيــنــهـــا... خلعت جلال الصلاة عنها.. زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها.. وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب.. كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟ مزنة ببساطة موجوعة: أنت!! زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟ مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي.. وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!! وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!! زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها.. وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف: أنا مستحيل أكون طبيعي.. أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟ تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!! مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها: زايد... أنا أنزف!! #أنفاس_قطر# . . بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . نجمة لـ لامارا نجمة لـ شرقاوية عسل يا الله البارت 104 . قراءة ممتعة مقدما وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا . لا حول ولا قوة إلا بالله . . بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وأربعة " يمه السيارة تأخرت علي؟؟ " عفراء باستغراب: يأمش فهد هو اللي جاش ومن زمان.. وأنا قلت له أي ممر... ماشفتي سيارته؟؟ جميلة شهقت بعنف وهي تتراجع خطوة للخلف.. ثم تعود لتلتصق بالزجاج.. لتراه فعلا جالسا بداخل سيارته التي يبدو إنها متوقفة منذ فترة ليست بالقصيرة.. لأنها كانت تلاحظ السيارات الواقفة في الممر.. ولكن تركيزها كان مع سيارة والدتها.. مازال هاتفها معلقا بأذنها ووالدتها تهتف بحزم: روحي مع رجالش.. وخلش مرة سنعة.. جميبة هزت رأسها كما لو أن والدتها تسمعها.. شعور عارم بالتوتر والتوجس.. يتخلل كل أنحاء جسدها قد تكون تكلمت معه على الهاتف بشيء من الجرأة والوقاحة.. لكنها ما أن رأته.. حتى شعرت أن عظامها ستذوب من الخوف والتوتر... " ياربي... أشلون نسيت موعد جيته؟؟ يمكن تناسيت.. مانسيت.. ياربي.. الحين معصب من كل صوب.. ما انتظرته في البيت.. وعقب نقعته في سيارته . وأنا وش دراني إنه برا؟؟ أعرف الغيب... ليش مادق علي؟؟" جميلة لو كان الأمر بيدها لم تكن لتخرج له.. فهي خائفة منه فعلا.. خائفة من حدته.. ومن قسوته.. ومن تهديده!! ولكنها ختاما خرجت وهي تقدم قدما وتؤخر أخرى.. هــو عرفها منذ خرجت من الباب البعيد.. وكأن الشمس أشرقت من هناك.. فهل هناك من يجهل شروق الشمس...؟؟ بدت دقات قلبه تتصاعد بعنف.. وهو يكره هذا الشعور الذي يحيله إلى مراهق عاجز عن السيطرة على خلجات نفسه!! ركبت جواره بتردد وهي تتمتم باختناق: الحمدلله على السلامة.. أجابها بسكون وهو يحاول ألا ينظر لها: الله يسلمش... كان قعدتي بعد شوي!! اجابته بذات النبرة المختنقة: أنت ما اتصلت علي.. ازدادت نبرته حدة: وأنتي ما كنتي عارفة إني بأجي اليوم؟؟ صمتت.. لم ترد عليه.. شعرت أنها إن قالت كلمة إضافية قد تبكي!! هو أيضا لم يصبر على ألا ينظر لها.. فهو لا يعرف كيف يتصرف خلافا لطبيعته.. كان ينظر ليديها العذبتين المشبوكتين في حضنها.. لا يعلم لِـمَ شعر بتأثر رقيق أنها ترتدي دبلته.. ولكن التأثر تحول لغضب وهو يصرخ بها: ممكن أعرف ليش ملونة أظافرش؟؟ جميلة انتفضت بجزع: عادي.. شوف أظافري مقصوصة للآخر واللون فاتح.. فهد بذات الغضب: والحين صارت القضية إن أظافرش قصيرة.. واللون فاتح.. ليش أساسا تحطينه.. ماعندكم دكاترة في الجامعة وعمال؟؟ جميلة زفرت بحرقة: فهد الله يهداك أنت جاي من المطار حاد سكاكينك علي..؟؟ أساسا أنا أقعد ورا.. لا شافني دكاترة ولا عمال.. بس خلاص أوعدك ما أحط في الجامعة ولا برا.. شيء ثاني؟؟ حينها كان هو من صمت.. فهو يعترف أنه جاء إليها وهو يشعر بالاستفزاز بعد مكالمتها الأخيرة.. لم يتوقع أنها ستجابهه بهذه المهادنة والرقة التي تذيب مفاصله.. تبادلا الصمت حتى دخلا باحة بيته.. حينها كانت من همست بجزع: ليش جايبني هنا؟؟ أجابها بحزم: وين تبين تروحين؟؟ جميلة باختناق: أبي أروح بيتنا.. فهد بذات الحزم وهو يفتح بابه: هذا بيتش.. خلصيني وانزلي!! جميلة تشعر إنها ستموت: زين بأروح أجيب ملابسي.. فهد باستغراب: تجيبين ملابسش... ؟!! عندش هنا ملابس تغطي آسيا وأفريقيا... وش تجيبين فوقهم؟؟ انزلي بس!! جميلة نزلت مجبرة.. فهي بالفعل لا تريد أن تكبر مشكلتهما.. وتعلم أنها لو بقيت في بيت أهلها بعد عودته.. فهذا سيكون بمثابة إعلان علني بوجود خلاف بينهما!! قد تكون قالت له أنها لا تريده.. وتريد أن تبقى في بيت أهلها.. لكنها تعلم أن هذا كلام غير منطقي.. وكانت تقوله لشدة غيظها منه!! ولكنها أيضا تشعر على كل حال أنها غير قادرة على تقبله.. وتشعر بوجود حاجز غريب بينهما!! نزلت بخجل.. وهي تسحب قدميها سحبا!! متوجهة لغرفة عمتها أم صالح.. هتف بحزم: وين بتروحين؟؟ جميلة بذات النبرة المختنقة: بأروح أسلم على عمتي.. أجابها بنبرة مقصودة: لا والله راعية واجب.. أمي وجوزا رايحين الجمعية يجيبون أغراض البيت.. عقبال ما تكفين أمي وتجيبنهم أنتي!! همست حينها بذات نبرته المقصودة: إن شاء الله.. إذا حسستني صدق إني مرتك..وهذا بيتي..!! مثل ماعبدالله محسس جوزا.. دائما لدغتها ناعمة حينما تريد!! أجابها بحزم غاضب: لا تقارنيني بغيري.. أظني صرتي تعرفين.. إن هذا سمي وناري!! جميلة تنهدت وهي تصعد للأعلى.. فوجئت أنه لم يتبعها وهي تتنفس الصعداء.. بينما هو توجه للمسجد ليلحق بصلاة الظهر!! جميلة بدأت بإزالة الصبغ عن أظافرها.. ثم فتحت خزانتها لتستخرج لها لباسا ترتديه بعد أن تستحم وتصلي.. في داخلها.. لا تشعر بأي رغبة لأن تتأنق لهذا المعقد..!! ولكنها لابد أن تتأنق بطبيعتها.. وخصوصا أنها ستنزل لتسلم على عمتها وجوزا وتتغدى معهما.. حمدت الله أنه لم يعد مباشرة.. فوجوده يثقل على نفسها بشكل مجهد فعلا.. لم يعد حتى عادت لغرفتها بعد الغداء.. كانت تجلس أمام المرآة.. تمشط شعرها.. بعد أن خلعت الدراعة التي ترتديها ولبست لباسا خفيفا.. يتكون من (ليقنز وتيشرت) من القطن.. فقط!! مهما كان لباسها بسيطا.. تبدو في عينيه شيئا مبهرا إلى أبعد حد..!! رؤيتها مجهدة لمشاعره وقلبه لأبعد حد!! دخل بسكون وسلم بسكون.. وجلس على طرف السرير خلفها مباشرة.. يراقبها بتمعن وهي تمشط شعرها بتوتر.. لأنها تعلم أنه يراقبها.. نهض ليتقدم نحوها.. انكمشت على نفسها قليلا وهو يميل عليها ليتناول المشط من يدها.. ويضعه على التسريحة لتتخلل أنامله خصلاتها الناعمة وهو يهمس بدفء: كأنه شعرش طايل شوي.. لا تطولينه.. يعجبني كذا!! ( وش اللي تغير؟؟ عقب ماهو منتف.. عاجبك!!) همست باختناق: بس أنا أحب الشعر الطويل.. وأبي أرجع أطوله!! هز كتفيه وهو يمسك بعضديها ليوقفها ثم يديرها ناحيته وهو يهمس بذات الدفء: براحتش.. حتى لو كنتي بدون شعر عاجبتني!! قربها منه برفق ليغمر وجهها بقبلات شفافة حانية بينما انكمشت هي رغما عنها.. همس في أذنها بعمق: طالبش.. بلاها ذا الحركة.. تحسسني وش كثر أنتي خايفة مني!! أنا ما أكرر غلطتي مرتين.. فلا تكررينها أنتي!! ***************************************** وضحى قفزت بجزع وهي تسمع الطرقات القوية على الباب.. لتتفاجأ بالباب يُفتح ونورة تدخل.. وضحى بقيت لدقيقة مذهولة (كيف دخلت هذه؟؟) لتشعر أنها ستبكي وهي تنتبه أنها تقف أمامها ببيجامة مكونة من (شورت وتوب بحمالتين رفيعتين) فقط!! أمها لم ترها مطلقا بهذا المنظر.. فكيف تراها هذه؟؟ قفزت لتختبئ داخل غرفة التبديل وهي تهمس باختناق حرجها المر: أم سعود دقيقة بس وأنزل لش!! نورة كانت مذهولة.. ولا تنكر أنها شعرت بالحرج.. فهي فوجئت بالأبواب مفتوحة.. ولا أحد في البيت.. لذا صعدت مسرعة لغرفة شقيقها!! نورة عادت للأسفل.. ففي الأسفل كانت تجلس رفيقة دربها سلطانة.. وهما في انتظار شقيقتين آخريين من شقيقاتهما.. سلطانة بقلق: لقيتي حد؟؟ نورة بتأفف: لقيت مرت أخيش متفسخة.. يا الله جيرنا من كشف الستر!! راقدة وهي مهيب لابسة شيء.. والبيبان كلها مفتحة.. لو أن اللي داخل عليها حرامي وش كان سوت؟؟ إيه ما ألومه أخيش يستخف.. ولا كلمناه يكلمنا بالقطارة!! سلطانة ضحكت: نورة الله يهداش.. عروس وش تبينها تلبس عند رجّالها؟؟ نورة بذات التأفف: والله إنكم جيل ماعاد في وجهه حيا ولا مستحى!! والاثنتان مستمرتان في حوارهما فوجئتا بالخادمة التي أحضرت لهما القهوة والشاي.. سلطانة باستغراب: من أنتي؟؟ الخادمة بعربيتها المكسورة: أنا خدامة ماما مزنة.. ماما يجيب هنا عشان بنية ودحه صغير.. سلطانة تلوي شفتيها: خدامة من الحين؟؟ وخدامتها قدامها بعد!! حن جايبين قهوة وفوالة روحي جيبيها.. الخادمة تبتسم: هذي قهوة مال أنتي ماما.. أنا يشوف أنته يجيب قهوة.. أنا يجيب بيالة فنجال بس.. نورة بغضب: وين كنتي مندسة يالسكنية.. ومخلية كل شيء مفتوح.. الخادمة مازالت تبتسم: ماما أنا قدام عين مال أنتي.. أنا كنت ينظف صالة.. حينها كانت وضحى تنزل.. ووجهها متفجر بالاحمرار.. عاجزة عن وضع عينها في أعينهما.. بعد انتهاء السلامات المعتادة..ووضحى تتولى مسئولية ضيافتهما.. همست نورة بحزم: وين نايف؟؟ وضحى باحترام: راح لشغله.. نورة بحزم لا يخلو من غضب: راح لشغله وأنتي راقدة وراه كنش فطيسه.. مهوب عيب عليش يأمش..؟!! هذا السنع؟؟ وضحى صُدمت تماما من هذا الهجوم غير المتوقع.. ابتلعت ريقها ومعه عبرة كانت ستقفز (والله ما أشمتهم فيني!!) هتفت بكل برود مغلف بالحزم مع ابتسامة رائقة: أنا مارقدت إلا عقب ماراح نايف لشغله.. أصلا مستحيل أقدر أرقد وهو قايم الله لا يخليني منه!! نورة وسلطانة تبادلتا النظرات معناها (صدق إنها ما تستحي!!) بينما وضحى جلست لترسل لنايف رسالة ترجوه أن سألته إحدى أخواته أن يأكد على كلامها.. فهي فعلا كانت تريد أن تنهض معه.. ولكنه من اطفأ جرسها!! *********************************** " يمه فديتش.. لا تحاتين.. عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!" أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟ الولد هيستحمل عملية يعني؟؟ غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين.. مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع.. غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا.. أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟ غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها.. مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! ) بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!! غانم يبتسم: لا يمه.. مايصير كذا.. لازم تدخلين في المود.. وتصير عيونش تولع قلوب.. تقولين سعاد حسني يوم شافت رشدي إباظه.. ونبيها بالمصري.. عشان حلاتها كذا!! حينها ابتسمت أم غانم: فشر رشدي إباظة يجي جنب راشد..!! ده مايجيش ظفره!! غانم مال على مزون بمرح: اسمعي الهياط بس!! مزون سألت ام غانم بمودة: يمه ياحلوه الكلام المصري من ثمش.. قولي لي كم صار لكم متزوجين أنتي وعمي؟!! ووين تزوجتوا؟؟ في مصر صح؟؟ أم غانم بإبتسامة شفافة: كملنا 31 سنة.. واتجوزنا هنا في قطر.. أنا أساسا كنت مقيمة هنا.. جيت هنا مع ماما وخالي.. وأنا تانية سانوي.. وكملت المدرسة هنا.. بس مادخلتش جامعة.. عشان ماما كانت ست كبيرة ومريضة.. وحتى خالي كان زيها.. وئرب على التقاعد.. مراته ماتت ئبل مانجي هنا وماكانش عندو ولاد.. والاتنين شايلين همي.. يحصل لهم حاجة ويسيبوني لوحدي.. خطبني مصريين كتير هنا.. بس أنا مابيعجبنيش العجب!! غانم يميل على اذن مزون باسما: العجب تراه أبو غانم!! أم غانم بغضب باسم: خلاص ئول انته الحكاية لمراتك.. مزون باستعجال ودود: يمه ماعليش منه.. كملي!! أم غانم أكملت ولكن هذه المرة انكسرت ابتسامتها: ماما ماتت بعد كم شهر واندفنت هنا.. عشان كده كان عندي إحساس إني لازم اتدفن مترح ما اتدفنت أمي!! تعبت كتير بعد ماما.. وخالي تعب معايا الله يرحمه!! بس بعد كده ئلت لازم أكون أئوى شوية عشانه.. هو هيلائيها منين!! في الوئت ده بالزبط كان غانم عاوز يتجوز وحدة بس مش من جماعتهم.. من ئبيلة تانية.. أبوه وأخوه أبو صالح ما رضيوش.. وهو كان شاب فاير وراسه ناشف.. فحلف إنه يتجوز وحدة من برا حدود الخليج كله!! ولو جيتي للحئ هو ئال لي إنه استغفر عن الحلف ودفع كفارة.. بس هو كان عاوز يئرص ودانهم.. أكملت حينها بابتسامة اتسعت: خالي كان معاه في الشغل.. فهو يحكي لخالي الحكاية.. فخالي ئال له إنه هو اللي هيجوزه وحدة من برا الخليج.. راشد كان عاجب خالي كتير.. بس خالي ماكنش في باله واحد خليجي خالص.. لحد ماماتت أمي.. واندفنت هنا وأنا مش راضية أسيب هنا ولا أنزل مصر حتى في الإجازات.. راشد اتحرج.. ئال له خالي ما تنحرجش.. أنتو هتشوفها زي ماشرع ربنا ئال.. بس راشد ما رضيش.. ئال وئتها ماكنش مقتنع خالص وعاوز يسكت خالي وبس.. خالي ئال لي الحكاية.. زعلت عليه خالص.. ئلت له أخرتها تعرضني على راجل وهو مايرضاش حتى.. ومن ئال لك إني عاوزة واحد قطري... شكلهم كِشر.. غانم ضحك: يمه أما على سالفة إنه شكلنا كِشر لازم نرفع عليش قضية!! مزون برجاء: تكفى غانم لا تقاطعها.. خربت اندماجي!! غانم بإبتسامة: لو تدرين عاد قطعت عليش عند (الماستر سين)!! أم غانم بتافف: أنته هتسكت ياله.. وإلا سيبني أئوم أبدل للولاد.. مزون برجاء: أنا بأبدل لهم.. بس كملي الحين فديتش يمه.. ابتسمت أم غانم: ئولي لجوزك الرغاي.. سيبينا منه.. بعدها بكم شهر كنت مع خالي في المستشفى عشان كان تعبان شوية.. وراشد كان جايب الست مامته الله يرحمها!! ضحكت أم غانم بخجل عفوي : الواد غانم مابيحبش الحكاية دي!! بس أنتي عارفة إنه زمان بنات السبعينات عاملين ازاي.. ومع كده أنا كنت بألبس طويل بس ماكنتش باتحجب.. راشد بيئول لي إنه حاول ما يبصش بس مائدرش.. أصلو كان فاكرني شبه خالي.. خالي كان أسمر وماكنش حلو خالص!! خالي لما سلم عليه أنا اتلحس مخي.. حلاوة إيه.. طول إيه.. شبه الواد فهد ابن أخوه خالد.. حينها لم يستطع غانم إلا أن ينفجر في الضحك: ماقلت لش.. ترا السالفة أول كان يشبهني.. الحين صار يشبه فهد.. انتظري عليه المرة الجاية بتقول لش شبه عبدالله.. مزون بتأفف رقيق: لو دارية كان خليتها تسولف علي وأنت برا بسلامتك.. خربت الجو مرة وحدة!! يمه تكفين كملي لي!! ضحكت أم غانم: هي كده كملت.. بس الواد ده نصاب.. عمري مائلت إن راشد شبهه... راشد أحلى منو بعشرين مرة!! طبعا أهل راشد ماكنوش راضيين بالجوازة خالص خالص.. بس المرة دي راشد عنّد وصمم.. وخدت وئت طويل لحد ما أهله تئبلوا فكرة جوزانا.. أول شيء ئاله راشد لخالي.. لازم تتغطى.. ضحكت: ئلت لخالي اللي هو عاوزة.. هأعمله..إن شاء الله يكون عاوز يحبسني في ئمئم!! والحمدلله عمري ماحسيت بالندم من أول دئيئة لحد دلوئتي ربنا مايحرمنيش منو ولا من طيبة ئلبو!! ضحكت: تدرون تعبت أحكي مصري... تعودت على الحكي المكسر!! غانم يضحك: شفتي القلوب يوم نطت من عيونها؟؟ مزون ضحكت: لا والله شفت العصافير اللي تطير حول رأسك.. وأنا أتمنى لو عمتي أم غانم تضربك بالمزهرية على رأسك من كثر ماتقاطعها!! ************************************* " إلا وش سالفة المسج بالتفصيل؟؟ خواتي وش سوو اليوم!! " وضحى بألم شفاف: خلوني في نص ثيابي يا نايف.. تخيل نورة دخلت على وأنا نايمة.. شافت لبسي.. أمي ماشافتني كذا!! وعقبه تقول لي أنتي ماتعرفين السنع... نايمة ونايف رايح لشغله!! وضحى كانت تحادثه بشفافية لأنها لا تستطيع أن تشتكي لسواه.. بل إنها لم تخبره بكل شيء.. فهم حين اكتمل عقد الشقيقات الأربع قالوا ماهو أكثر من ذلك.. حتى أمها وخادمتها التي أرسلتها.. لم تسلما من تعليقاتهما.. وهي وحيدة تتلقى الضربات من الأربعة.. وكلهن سيدات كبيرات في السن.. ولا تستطيع أن ترد عليهن احتراما لسنهن ومكانتهن.. ولكنهن لم يرحمنها مطلقا من تعليقاتهن وأسئلتهن واستفساراتهن حتى عن تفاصيل حياتها الخاصة مع شقيقهن.. ورغم أنها لم تخبره بكل ذلك.. نايف رد بتأفف: مهوب كنش مزودتها؟؟ وضحى بصدمة: أنا مزودتها؟!! نايف بذات التأفف: إيه مزودتها.. يعني المساكين تاركين بيوتهم وعيالهم من صبح عشان يجون يسلمون عليش ويقهونش.. أخرتها تشتكين منهم كذا.. ليش تشتكين؟؟ لأنش واجد متصلبة وماعندش أي مرونة.. وضحى بذات النبرة المصدومة: أنا ماعندي مرونة؟؟ نايف لا يريد فعلا أن يضايقها.. لكنه سبق أن حذرها في هذا الموضوع لذا هتف بتقصد: حتى لو كنت نسيت موضوع تميم.. لكنه كشف لي إنش ماعندش مرونة في التعامل مع المشاكل.. وش فيها لو جاملتي خواتي العجايز شوي وتحملتيهم..؟؟ وضحى شدت لها نفسا عميقا.. حتى لو قال أنه نسي... يبدو أن هذا الموضوع سيبقى حاجزا بينهما.. لأنه وضع له تصور مسبق لشخصيتها سيحبسها في إطاره.. لذا همست باختناق متردد: تميم مايدري عن شيء!! نايف نظر لها بدهشة: يدري عن ويش؟؟ وضحى انكمشت قليلا فهي تجهل بالفعل ماذا ستكون ردة فعله: مايدري عن المسجات.. أنا اللي أرسلتها من تلفونه ثم مسحتها!! نايف اتسعت عيناه بصدمة.. ثم شرق وكح .. ثم ....... انفجر بالضحك.. ضحك مطولا لدرجة أن عينيه دمعتا قبل أن يهتف بين ضحكاته: لا بصراحة غطيتي على عالية.. المفروض عالية تجي تأخذ عندش دروس في المقالب.. ذا كله صبيتي قلبي... وآخرتها الرسايل من عندش!! ****************************************** " ها ياحلوة.. وينش؟؟ عقب منتي ما تبين تروحين معه.. حتى تلفون توش تكلميني.. أنا مابغيت أدق وأصير عمة ثقيلة دم!! " جميلة بتأفف: يمه.. توه أفرج عني.. من عقب صلاة العصر.. واحنا طالعين.. تونا رجعنا.. وراح لأبيه في المجلس!! عفراء باستغراب: زين وحدة مطلعها رجالها.. ليه زعلانة؟؟ أعرفش تحبين الطلعات والتمشيات.. لا والمسكين توه جاي من السفر اليوم وطلعش على طول!! جميلة تزفر: يمه... دمه ثقيل على قلبي!! عفراء بغضب: والله ماحد دمه ثقيل غيرش.. يا بنت اعتدلي مع رجالش.. جميلة بيأس: والله يمه ماضايقته بشيء.. وكل ماقال لي شيء.. قلت لبيه وحاضر.. بس عاد أغصب نفسي أحبه وأتقبله.. مهوب بيدي!! عفراء تنهدت بعمق: الله يصلح حالش يأمش.. الله يصلح حالش!! *************************************** " ها يأمش شأخبار نايف معش؟؟" وضحى تزفر: يمه نايف يجنن وطيب وأخلاقه تجنن... بس يمه خواته ما ينطاقون.. وهو يموت عليهم.. يمه توه من أول يوم طفروني.. ما أدري اشلون باستحمل.. مزنة تنهدت: يأمش أنتي خذتي الرجّال وانتي عارفة إن خواته كذا!! مايصير الحين تاففين منهم.. هذولا بيصيرون عمات عيالش.. وكلش ولا قطع الرحم.. الرحم متعلقة بالعرش.. وتقول اللهم اقطع من قطعني.. وصل من وصلني!! وضحى ابتسمت: عاد يمه ماوصلت لقطع الرحم.. أعوذ بالله من غضب الله.. بس أنا يمه أبي طريقة أمسك العصا من النص.. وعجزت أفكر.. لأنهم ماشاء الله مايعطون الواحد مجال.. حادين بشكل!! ابتسمت مزنة بأمومة حازمة: تعاملي معهم بما يرضي الله.. وإن شاء الله مايصير إلا خير!! وضحى بمودة: زين يمه أنا أبي أسلم على عمي زايد.. بيتأخر..؟؟ كاسرة قالت إنها بتروح تنتظره في البيت.. وأنا نايف بيجيني الحين!! مزنة تنهدت: بيتاخر شوي يأمش.. روحي الحين وسلمي عليه بكرة!!! . . في الخارج.. فور أن ركبت وضحى مع نايف.. انفجر في الضحك.. وضحى بحرج: نايف حرام عليك.. مهوب كل ما تشوف وجهي تضحك.. ترا أنا في حوش بيت هلي.. بتسوي فيني كذا.. نزلت!! نايف يشد معصمها ناحيته وهو يغالب الضحك: وش تنزلين؟؟؟ خلاص بأسكت.. الله يقطع إبليسش يا الوضحي.. كل ماتذكرت حالتي وأنا أصب عرق وأنا قاعد في المجلس.. أموت على روحي من الضحك!! حينها ابتسمت وضحى: تستاهل.. عشانك واحد مغازلجي.. نايف يضحك: أما مغازلجي كثري منها.... أنا على قولت المثل... اللي ماعمره تبخر.. تبخر واحترق!! ثم أردف بتماسك: ها انبسطتي عند هلش..؟؟ وضحى بمودة: أكيد ولو أنه سميرة نفسيتها تعبانة عشان عملية ولد أختها بكرة.. وكاسرة ماطولت عندي.. راحت لبيتها عشان مزون بتجي وبينتظرون عمي زايد جاي من السفر!! نايف بنبرة واثقة: ترا حتى أمش ماعجبتني يوم نزلت أسلم عليها.. وضحى باستغراب: أشلون ماعجبتك؟؟ نايف هز كتفيه: شكلها تعبانة أو متضايقة.. وضحى بقلق: لا تروعني على أمي.. أنا شفتها عادية!! ابتسم نايف وهو يشد على كفها: عشان ما عندش سبع خوات.. لازم أول شيء تسوينه تطلين في عيون الوحدة منهم عشان تعرفين نفسيتها.. قبل تفتحين ثمش بكلمة!! ********************************** " يأبيك تبي تقوم تنسدح؟؟" عبدالرحمن بمودة غامرة: لا جعلني فداك.. تو الناس!! أبو عبد الرحمن باهتمام: بس أنت وراك دوام بكرة.. لازم تتريح!! عبدالرحمن باحترام: محاضراتي متأخرة أساسا!! حينها تذكر أبو عبدالرحمن شيئا: إلا أنت اليوم من اللي وداك دوامك؟؟ رجعت من عند طيوري لقيت سيارتك مهيب هنا.. والسواق قاعد مع المقهوي!! أسأله عنك قعد يمغمغ .. (يمغمغ= يهمهم بكلام غير مفهوم عند الارتباك) عبدالرحمن صمت شعر كما لو كان وقع بين المطرقة والسندان.. فهو اليوم لأول مرة يتهور.. ويقرر أن يقود سيارته بنفسه.. بقدر مابدت له العملية متعبة بقدر ما بدت ممتعة.. وليس على استعداد أن يعود مرة أخرى ليسوق به السائق.. وخصوصا أن اليوم كان تجربة.. ويريد أن يفاجئ عالية في الغد أن يذهب بها هو لعملها!! عبدالرحمن وجد له عذرا: جاني واحد من ربعي على تاكسي.. وهو اللي ساق السيارة.. ثم أردف بحذر: مع إنه يبه يمكن لو حاولت أسوق.. أسوق.. أرجيلي صارت حركتها أحسن.. والسواقة ما تبي إلا دوسة بسيطة على البنزين.. أبو عبدالرحمن بتحذير: لا يا ابيك لا تستعجل.. لين تمشي زين.. ثم أردف بامل: ولو أنك يا أبيك طولت.. قد لك أكثر من أسبوع وأنت تقول لي كل يوم بكرة!! وش رأيك تحاول قدامي شوي؟؟.. بأعاونك.. طالبك يا أبيك!! عبدالرحمن بمودة متجذرة: وليه تطلبني.. باحاول.. اشرايك تعطيني العصا اللي في كبت الدِلال..؟؟ اللي نساها قصيرنا عندنا!! (قصيرنا= جارنا) أبو عبدالرحمن قفز بلهفة.. وهو يتناول العصا ويعطيها لعبدالرحمن ثم يحاول إيقاف عبدالرحمن من ناحية.. وعبدالرحمن يمسك بالعصا بيده الأخرى.. عبدالرحمن أظهر صعوبة الوقوف عليه وهو يحاول لمرتين بفشل.. ثم يقف في الثالثة.. ويخطو خطوتين قصيرتين ثم يجلس.. وبهمس بإرهاق مصطنع: بس يبه كذا يكفي!! أبو عبدالرحمن كان يقف مذهولا عاجزا عن استيعاب كل هذه السعادة وهو يتمتم باختناق فعلي: اللهم لك الحمد والشكر.. اللهم لك الحمد والشكر.. ماعليه يا أبيك ماعليه.. اليوم خطوتين وبكرة عشر.. يا الله ما أكبر رحمتك.. ما اكبر رحمتك!!! ************************************* يعود ... إلى أميرته.. التي طالت ليالي اشتياقه لها حتى شعر أنها لا تريد الانقضاء!! كل شيء بدا له -بعيدا عنها- بلا رونق.. بلا حياة.. بلا ألوان!! وكأن بهجة الحياة ورونقها لا تغرد إلا على نغم خطواتها وحضورها العاصف في حناياه!! هكذا هو.. قلبه المستقيم الذي لا يعرف كيف يكون تزييف المشاعر أو تغطيتها أو تسميتها بغير مسمياتها!! قد يكون في البداية جهل ماهية المشاعر التي اقتحمت قلبه الذي بدأ يرتعش لرؤيتها. وخلاياه التي تذوب اشتياقا لرؤيتها.. قد يكون بعد ذلك قاوم هذه المشاعر حتى لا تستولي عليه.. ولكنها ما أن ظهرت وتحكمت.. حتى أظهرها كما يجب أن تظهر.. لأنها مشاعر يعجز عن إخفائها!! حين دخل.. كانت على الحاسوب تقوم ببعض البحث من أجل أحد مقرراتها.. ابتسم وهو يسلم عليها... ردت السلام!! فهد هتف بثقة: مطولة؟؟ أجابته بسكون: نص ساعة بس.. هتف بذات الثقة: على ما أسبح تكونين خلصتي!! خلي اللابتوب شغال.. بأوريش شيء.. ( ما ينفع تسبح لين أنام أنا!!) ورغم عدم رغبتها حتى بالجلوس معه ابتسمت: زين إن شاء الله!! حين خرج.. كانت بالفعل انتهت!! كان ينهي لباسه وهو يهتف لها بثقة ودودة: انبسطتي اليوم في الطلعة؟؟ هزت رأسها برقة: انبسطت..!! (رغم أنها لم تشعر بشيء عدا ثقل وجوده على أنفاسه!! رغم أنه حاول بذل كل جهده!!) تنهد: ماعليه أنا توني عليمي في سوالف الطلعات.. لاني اساسا ماني براعي طلعات!! بس ماهان علي أكون غايب ذا الوقت كله وعقب أحبسش في البيت بعد!! صمتت.. فهذه التعامل والتفكير الرقيق لا يتناسبان مطلقا مع تفكيرها في شخصية فهد.. كانت تنظر له وهو يتجه لفتح حقيبته الشخصية ثم يستخرج منها بطاقة ذاكرة ويطلب منها أن تضعها في الحاسوب وفتحتها... جميلة أدخلت البطاقة بحذر في الحاسوب.. دائما تتوجس من كل ماهو من ناحيته.. جلس جوارها وهو يسند ذراعه لكتفيها بطريقة حانية وتملكية في آن.. تناول الحاسوب منها هو.. بدت لها حركته عليه خبيرة بالفعل.. رغم أنها كانت تظنه لا يعرف أي شيء عن الحواسيب.. همست بتلقائية: تعرف له؟؟ ضحك: أعرف له؟؟؟ مهوب لذا الدرجة ترا..!! جميلة بخجل: ماقصدت..!! صمتت لأن أي شيء قد تقوله قد يبدو محرجا أكثر!! فهي بالفعل كانت تظنه لاعلاقة له بالتكنولوجيا كما لو كان يعيش متحجرا في عصر آخر!! كانت الذاكرة ممتلئة بالصور.. هتف فهد بحماس فخم: بأوريش صورنا في الدورة الأخيرة.. وصور لي بعد قديمة!! وصور قبل الكاميرات الرقمية بعد.. بس دخلتها فيه!! عشرات عشرات الصور.. كما لو كان يكشف لها تاريخه كله ويبسطه أمامها.. صوره وهو صغير مع والده وأشقائه في مناسبات ورحلات مختلفة.. صوره في الكلية.. صوره باللباس العسكري بأشكال مختلفة.. الكثير من الصور مع منصور!! بل هناك أكثر من صورة له مع زايد الصغير في مجلس منصور!!! ابتسمت بعفوية: شكلك يجنن في اللبس العسكري.. بس أحلى صور اللي مع زيود فديت قلبه!! ابتسم بفخامة: ماعليه نبلعها إن أبو منصور مقدم علينا!! يستاهل!! سألت بذات العفوية الرقيقة: تحب تصور؟؟ هز كتفيه: لا.. بس لا صورت.. أحب أحتفظ فيها.. أبي أوريها لعيالي.. ما تتخيلين أشلون انبسط لا شفت صورة لأبي هو صغير.. لأنه أنا ماعرفت إبي إلا وهو كذا... لحيته بيضاء وطويلة!! كان ينهمر بحديث عفوي.. ينبئ فعلا أن هذا رجل يحمل قلبا أشبه بقلب طفل.. أحاديثه كلها مصاغة بعفوية لا تخلو من فخامته الرجولية.. أحاديث لا تزييف فيها ولا حتى تحسين للحقائق!! كان قد أنزل الحاسوب جانبا.. وهاهو يحتضن أناملها بين كفيه.. يتحدث وأنامله تناجي أناملها.. وكأنه عاجز حتى عن الإفراج عن أناملها.. بينما هي عاجزة حتى عن محاولة تقبله!!!! ************************************** " هلا حبيبي.. غريبة ماقعدت عند أبيك شوي؟؟" علي يخلع غترته ويلقيها جانيا ويهتف بهدوء: واجهته في المجلس عقب ماجابه كساب من المطار.. بس هو راح داخل لمزون ومرت كساب.. وأنا ما أقدر أتاخر عليش وأنتي بروحش!! شعاع بخجل: والله كنت أبي أسلم عليه الليلة.. بس الوقت متأخر واستحيت أواجه كساب!! علي برفق حازم: خلاص بكرة لا رحت أنا للدوام.. روحي سلمي عليه.. شعاع بوجل رقيق: مسرع خلصت إجازتك؟؟ ابتسم علي: صار لي أكثر من أسبوع قاعد مقابلش.. وانتي الحين صرتي احسن بواجد.. ما أقدر أقعد من شغلي أكثر من كذا؟؟ ابتسمت برقة وهي تميل لتقبل كتفه: قلت لك قبل الوقت معك ماينحسب.. ثم أردفت بذات الرقة: زين بكرة لا سلمت عليك.. أبي أروح مع جوزاء.. بتسوي تلفزيون وعبدالله عنده شغل مهم.. وعقب بنروح نتطمن على ولد نجلا إن شاء الله يكون خلص عمليته!! ابتسم علي بلهفة: مهوب مشكلة.. بس أنتي متى بتسوين التلفزيون بعد؟؟ بأموت متشفق على شوفة أي شيء منه!! ابتسمت برقة: قريب إن شاء الله.. ********************************** هاهو يعود... لم يتوقع أنه قد يجدها.. ولكنه الإنسان.. دائما مثقل بالأمل.. لأنه إنسان!!! وجد مزون وكاسرة في انتظاره.. حتى مزون لم تستطع البقاء إلا قليلا.. لم يشبع حتى من ضمها لصدره.. فغانم كان ينتظرها خارجا.. والوقت أصبح متأخرا.. فاضطرت للذهاب.. وكاسرة جلست معه قليلا ثم اعتذرت ...واضطرت هي ايضا أن تصعد لكساب الذي كان هو من أحضره من المطار.. وهاهو يضطر للصعود .. لجناحه البارد الصقيعي.. يا الله..!! بقدر مابدت له رحلته طويلة ومُرة بعيدا عنها.. بقدر ماتبدو غرفته أكثر قسوة.. لأنه ماعاد يطيقها بعدها.. (الظاهر إني على كل حال لازم أروح لجناح ثاني!! ماني بمستحمل ذا القعدة... باستخف) . . . هي هناك... تعلم أنه عاد لبيته.. عودته نثرت يأسها وحزنها مضاعفا.. اشتاقت له كثيرا.. لا تستطيع أن تنكر ذلك!! " كم نحن مخلوقان غريبان!! كما هما ولدينا!! نعيب عليهما.. ونحن من أورثناهما الغرابة!!" أخرجها من أفكارها الطرقات على بابها.. شدت روبها على جسدها.. وفتحت الباب المغلق بنفسها.. كان تميم هو الطارق.. أشرق وجهها حين رأته.. قبل جبينها ثم أشار بمودة: يمه.. عمي مهوب جاي الليلة.. ليش مارحتي لبيتش؟؟ مزنة تشير بحزم تخفي خلفه توجسها: بلى.. بس هو جاي متأخر.. واتفقنا أرجع بكرة!! مزنة تنهدت.. لا تريد أن توتر ابنها.. وهي تعلم أنه متوتر مع زوجته مع أجل عملية غانم الصغير في الغد.. تريد أن تنتهي عمليته بخير أولا!! ثم تبحث لها عن عذر مناسب عجزت تبحث عنه ومازالت لم تجده!! تميم أشار برجاء: زين يمه أبي منش خدمة!! ابتسمت مزنة: آمرني فديتك!! تميم بذات الرجاء: أبيش بكرة تكونين مع سميرة.. العايلة كلها قلوبهم ماشاء الله ماي.. أنا بأكون موجود معها.. بس أنا مستحي من أختها.. وبأكون واقف بعيد.. أبي أتطمن إنه فيه حد قوي معها!! مزنة بحنان: بدون ماتقول يأمك.. أنا أساسا متفقة معها أروح معها المستشفى بكرة.. تميم أشار بصفاء باسم: الله لا يخلينا منـــ... بتر إشارته وعيناه تنقلبان بشكل مفاجئ وهما تتجهان لمكان في كتف والدته.. بجانب عنقها .. لأن طرف جيب الروب تعلق في دانتيل حمالات القميص العريضة لذا لم يغطيه!! ومزنة لم تنتبه!! مد يده ليشد جيبها.. بينما مزنة تأخرت بجزع.. وهي تشير بجزع أشد: وش فيك أمك؟؟ تميم جن تماما وعيناه تتحولان لجمرتان محمرتان وهو يشير بجنون مطبق: أنا اللي وش فيني؟؟ أنا اللي وش فيني؟؟ تميم يريد خلع روبها رغما عنها.. وهما تقريبا يتعاركان عليه.. لأن مزنة علمت السبب.. ولكن تميم ختاما كان هو أقوى منها ..وهو تقريبا يمزق روبها وينظر بقهر موجوع وغضب عارم للعلامات الواضحة على جسدها.. مكانان.. وخمس علامات في كل مكان .. علامة منفردة وأربع علامات متجاورة!! في كتفها من ناحية اليمين.. وعضدها من ناحية اليسار!! لم يتمنى في حياته كلها كلها كلها.. أن يكون لديه صوت مثل هذه اللحظة..!! لشدة شعوره بالقهر والغضب... تمنى أن يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى تتمزق حباله الصوتية من الصراخ!! " أ تُمد يدا على والدته وهو مازال يتنفس الهواء؟؟ إذن حياته كلها لا معنى لها!! هو لا معنى له!! " تميم أشار بجنون مطبق: والله ما أخليه.. والله لا أذبحه الليلة.. والله إن قد أذبحه!! يسوي فيش كذا يحسب ما وراش رجال.. يحسب ماوراش رجال!! تميم غادر ركضا.. بينما مزنة انتزعت جلال الصلاة لتلبسه فوق قميصها.. وهي تركض خلفه..و تتصل بزايد بجزع مرعوب: زايد ترا تميم جايكم للبيت وهو مايشوف من الزعل.. متحلف فيك.. تكفى سكر بابك عليك.. ولا تنزل له!! زايد بغضب: تبيني أندس من بزر أصغر من عيالي؟؟ يتحلف فيني ليه؟؟ وش مسوي له؟؟ مزنة كانت تبكي فعلا.. فهي تعلم أن تميما قد يؤذي زايد فعلا.. أما الاحتمال الأقرب فهو أن كسابا لو تدخل فهو من سيؤذي ابنها.. فهو لن يسمح له بمد يده على والده وهو يشاهد!! زايد أنهى الاتصال وهو يهتف بغضب: أنا انتظره تحت..خلني أشوف وش عنده.. ولا تحاتينه.. بأهديه!! مزنة كانت تركض بكل قوتها.. فهي تعلم أن زايد لن يستطيع التفاهم معه حتى.. ولأن تميم لم يسبق مطلقا أن زارها في بيتها لأنها على الدوام عندهم... فهو لم يعرف أين يتجه تماما.. لذا حينما وصلت كان للتو يلتحم مع زايد وهو يرفع زايد من جيبه دون أي تفاهم!! تميم فقد عقله تماما.. لم يفكر حتى أن هذا رجل أكبر منه سنا ولا يوازيه قوة.. فما رآه في والدته نحر روحه تماما.. وإحساسه بالقهر ألغى مابقي فيه من التفكير!! فجسد والدته كان مبقعا بأثار أظافر غارت في جسدها.. تركت أثرا بنيا واضحا لم يختفِ رغم مرور عشرة أيام.. رغم أنه في الأيام الأولى كان أسوأ بكثير.. بين اللون الأحمر ثم البنفسجي ثم الأزرق.. وهاهو خَفَت للون بني يوشك على الذهاب!! لذلك غيرت مزنة المفرش قبل ذهابها!! لأنه تلطخ ببقع من نقاط الدم التي نزلت من جسدها.. لم تستطع مطلقا أن تلوم زايد.. فهو في ليلتهما الأخيرة معا كان نائما ومتمسكا فيها بشدة.. كانت تريد أن تقوم للحمام.. ولم ترد إيقاظه.. فحاولت التخلص من يديه برفق.. فشد عليها بقوة أكبر لدرجة أن أظافره غاصت في لحمها كثيرا!! لذلك كان تأثرها منه لا حدود له.. ولا علاج له.. لأنها صمتت على كل هذا الألم الجسدي وهي تفسر ذلك بعدم قدرته على التخلي عنها حتى وهو نائم!! ولم تخبره بشيء وهي ترتدي ملابس مغلقة تماما.. وتغطي المفرش السفلي بالعلوي انتظارا لذهابه حتى تغيره.. كانت تعلم أنه لو علم بهذا الأمر سيجرحه ويؤذيه لأبعد حد.. لذا لم تخبره ولم تخبر سواه.. ثم بعد ذلك... يصفعها وبكل بساطة.. أنه لا يريد أي احتكاك بينهما!! لماذا إذن كان يمسك بها هكذا؟؟ لماذا؟؟ أ يتمسك بها بكل هذا التملك والوجع.. ثم لا يريد أي احتكاك بينهما!! فأي ألم حرث بمناجله روحها ذهابا وإيابا؟!! مزنة فور وصولها.. فرقت بينهما رغم صعوبة إبعاد تميم عن زايد وهو كالمجنون.. كان يريد أن يكسر الأيدي التي امتدت لوالدته!! مزنة أشارت لتميم بغضب: أنت اشفيك ماعندك تفكير.. اللي فيني مهوب من زايد..من كاسرة.. وإسألها !! تميم كما لو كان سُكب على رأسه ماء مثلجا وهو يتراجع بجزع كاسح مصدوم: من كاسرة؟!! مزنة بحزم: إيه من كاسرة.. أنت تدري إن كاسرة أحيانا تحلم بكوابيس!! ويوم كنتو مسافرين كانت نايمة عندي.. وسوت فيني كذا بدون ماتحس يوم قامت مفزوعة من الكابوس!! لأني كنت أبي أهديها وهي ماتبي تهدأ... وإسألها لو تبي!! (كانت مزنة متأكدة أنه لن يحرج كاسرة ويسألها عن ذلك!!) بينما تميم اسود وجهه تماما.. ماعاد قادرا على وضع عينه في عين زايد.. وهو يقترب ليقبل رأس زايد ثم يغادر دون أن يرفع بصره!! زايد كانت أنفاسه تعلو وتهبط من العصبية وهو يحاول السيطرة على أعصابه.. وينتظر أن تنتهي من حوارها الغريب مع ابنها.. ليتفاجأ بانتهائه هكذا.. بقبلة رأسه ثم رحيل تميم.. رغم أن تميما حين حضر كان كالمجنون تماما وعيناه محمرتان من شدة الغضب!! حين غادر تميم.. انهارت مزنة جالسة.. زايد جلس جوارها وهو يهمس بسكون : ممكن أعرف ليش ذا كله؟؟ مزنة بوجع عميق عميق عميق: تبي تدري ليش ذا كله؟؟ تعال في مجلس الحريم وأقول لك.. ما أقدر أقول هنا.. أخاف حد يشوفني.. زايد بأمل أعمق: وما ينفع تقولينه لي في غرفتنا؟؟ مزنة بوجع أشد وأكثر وحشية بدأ يختلط بوجعها الجسدي وهي تشعر بتقلصات موجعة في أسفل بطنها: لا ماينفع.. زايد غادر معها لمجلس الحريم.. وتوجس غريب ينتشر في روحه!! حــيــنــهـــا... خلعت جلال الصلاة عنها.. زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها.. وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب.. كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟ مزنة ببساطة موجوعة: أنت!! زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟ مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي.. وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!! وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!! زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها.. وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف: أنا مستحيل أكون طبيعي.. أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟ تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!! مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها: زايد... أنا أنزف!! #أنفاس_قطر# . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وخمسة زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها.. وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب.. كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟ مزنة ببساطة موجوعة: أنت!! زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟ مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي.. وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!! وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!! زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها.. وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف: أنا مستحيل أكون طبيعي.. أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟ تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!! مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها: زايد... أنا أنزف!! زايد قفز وهو يصرخ بجزع لا حدود له: أشلون تنزفين؟؟ مزنة تضغط أسفل بطنها وتهمس بألم: أنا جيت ورا تميم أخب... زايد يصرخ بكل حرقة جوفه: وليه تخبين؟ يعني ماتدرين إنش حامل.. كان خليتيه يذبحني أحسن!! كان خليتيه يذبحني أحسن!! أنا أستاهل.. أستاهل!! كان يصرخ بحرقة حقيقية... لأول مرة يعجز عن السيطرة على نفسه بهذه الطريقة.. فمعرفته بمافعله بمزنة حتى لو كان عن غير قصد.. نــحـــــره..!! نحره من الوريد إلى الوريد.. بكل معنى الكلمة!! حاول أن يشد له نفسا.. شعر به مسموما مؤلما وهو يدخل لخلايا رئتيه ويمزقها: دقيقة وحدة بأروح أدعي كاسرة تجيب لش ثياب ونمشي.. مزنة شدت على معصمه برجاء: تكفى يازايد لا تفضحني في عيالي وعيالك أكثر من كذا!! روح لغرفة مزون جيب لي جلابية ضافية وعباة.. ثم همست بألم حقيقي: خلاص الجنين رايح رايح.. وشو له يدرون فيه.. أو حد يشوف شكلي وأنا كذا.. بأروح أنا وأنت بس.. زايد استدار نحوها بألم مرعوب بالغ الحدة والجزع: وش يروح؟؟ أذكري ربش.. اذكري ربش.. الحين بأجيش!! الحين.. ثواني بس.. ********************************** هاهو يقف في الخارج... ويشعر أنه يحترق بكل معنى الكلمة.. يكاد يترمد من شدة الاحتراق!! " لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنا السبب في كل شيء.. أنا السبب!! منذ البدايات كنت السبب!! طوال عمري كنت أتعذب من أجلها!! وحين أصبحت بين يدي عذبت نفسي وعذبتها!! (ينظر ليديه وأنامله!!) كم أتمنى لو استطعت أن أقص أناملي التي جرؤت على إيلامها!! كيف فعلت بها هذا؟؟ كيف؟؟ . أ تتألم من أجل علامات جسدية مؤقتة ستمضي بعد أيام.. وأنت تركت في روحها علامات ألم لن تمحيها الأيام؟؟ " يقتله القلق... وهم أدخلوها للداخل وتركوه في الخارج.. يبدو كما لو كان كل شيء يتآمر ليدمر أعصابه رويدا رويدا!! أ حقا يكتب عليه الله عز وجل ذهاب هذا الطفل الذي يشعر منذ الآن بلهفة موجعة لضمه لصدره..؟!! ربما كان طفل من مزنة حلما أكثر مما يستحق!! فهو يستحق العقاب.. ولا يستحق نعمة كهذه!! " ياربي عاقبني أنا.. مزنة وطفلها وش ذنبهم؟؟ الذنب ذنبي بروحي!! اللهم إني استغفرك وأتوب إليك!! يا الله الرحمة من عندك!! " الوقت يمضي.. ويمضي.. وأعصابه تكاد تفلت.. حينا يجلس وحينا يقف.. وحينا يسير في الممر بيأس موجع!! كل الخيالات والصور تبدو موجعة له.. وأعصابه ماعادت تحتمل!! يكثر الدعاء أن يحفظ الله مزنة والطفل كلاهما... فهذا الطفل لو ذهب سينقطع تماما كل ما يربطه مزنة وكأنه لم يوجد!! " يا الله رحمتك.. رحمتك الواسعة!! لا تردني وأنا على بابك.. موجوع ومهموم بس كلي أمل في رحمتك!!" خرجت الطبيبة ختاما!! زايد قفز ليتلقاها ووجهه يعبر عن سوء حاله.. سألها بلهفة: شأخبارها طمنيني!! الدكتورة بهدوء: الأم والجنين كلهم تعبانين شوي.. زايد زفر بقوة بعد اختناقه المطبق: يعني الجنين مانزل؟؟ الطبيبة بمهنية: لا مانزل.. الجنين ماعاد صغير.. في الأسبوع 13 الحين.. (الحمل يحسب من بداية آخر دورة شهرية) بس دقات قلبه ضعيفة جدا.. بصراحة أنا توقعت إنه ممكن يكون نزل.. لأن الأم كبيرة في السن وبذلت مجهود جسدي ونفسي كبير.. بس هي ماشاء الله عليها جسدها قوي.. وحافظ على الجنين!! لكن مادام النزف مستمر.. الخوف مستمر!! أنا عطيتها إبر تثبيت.. ولازم تظل نايمة على ظهرها لشهر على الأقل.. عندك مشكلة نجحز لها جناح.. وتظل عندنا في المستشفى؟!! زايد شد له نفسا عميقا.. نفس ارتياح بعد هذا الشد المضني: لا طبعا ماعندي مانع ... ثم أردف برجاء حازم: دكتورة لو سمحتي.. أبي أشوفها بنفسي خمس دقايق.. ثم أبي أسمع نبض الجنين بنفسي لو تكرمتي!! زايد دخل عليها.. كانت نائمة.. رؤيتها بهذا الضعف هزت قلبه هزا..!! جلس جوارها.. ورغم عنه وجد أنامله تتجه لتتحسس عضدها حيث تركت أنامله أثاره التي أدمت روحه بفيضان من دم وألم.. أي حب مؤلم هو هذا الحب!! أ يتمسك بها لهذه الدرجة المؤلمة وهو يقرر أن يتركها صباح الغد..؟؟ أ كان عقله الباطن يرفض بكل الوجع ماقرره عقله الواعي.. لذا كان يرفض إفلاتها؟؟ مال ليقبل عضدها بيأس حفر روحه روحا.. حينها فتحت عيناها بضعف.. همست باختناق وعبرتها تسد مسارب حنجرتها: راح الجنين؟؟ قبل أن يجيبها دخلت الدكتورة وهي تبتسم: ها نسمع؟؟ مزنة لم تفهم لماذا كانت تريد الدكتورة وضع الجهاز على بطنها.. فهي كانت منهارة من التعب ونائمة ولم تسمع النبض في المرة الأولى.. بل هي لم يسبق أن سمعت نبضه إطلاقا.. فهي لم تذهب لطبيبة حتى الآن لانشغالها بالكثير من الأشياء.. واكتفت بأقراص حمض الفوليك حين علمت بحملها.. حين سمعت صوت الدقات الضعيفة التي بالكاد تُسمع.. تزايدت أنفاسها ثقلا.. وبدأت دموعها تسيل بصمت مثقل بسعادة ما أقربها من الألم وما أشبهها به!! زايد مد يده ليمسح دموعها بألم حقيقي.. والطبيبة خرجت لتتركهما بحريتهما.. بينما زايد وقف ليقبل جبينها وهو يهمس قريبا من أذنها بوجعه وسعادته: شفتي رحمة ربي.. الله سبحانه ما يبي الرابط اللي بيننا ينقطع!! مزنة همست بصوت مبحوح وهي عاجزة عن النظر له.. فالتعقيد بينهما بات أكثر كثافة بكثير: أبي أروح للبيت!! زايد بجزع: وش تروحين؟؟ الدكتورة تقول شهر نايمة على ظهرش.. أنتي بتقعدين هنا في المستشفى.. مزنة بجزع أشد: ما أقدر أخلي إبي ذا كله.. مستحيل!! زايد برجاء: خلش أسبوع واحد بس في المستشفى لين يستقر حالش!! الدم أساسا ماوقف.. حينها همست بسكون: زايد لو سمحت روح.. وخل كاسرة تجيني.. وما أبي حد غيرها يدري إني هنا ذا الحين.. ****************************************** " فهد أنا تعبت من السهر.. أبي أنام!! وراي جامعة" فهد لا يريد أن يصمت عن الكلام ولا يريدها أن تصمت.. لم يشبع من حديثها ولا من رؤية عينيها ولا التواء شفتيها حين تتكلم!! همس بولع دافئ: يا النصابة محاضرتش الساعة 10 .. اسهري معي شوي.. ما تتخيلين وش كثر اشتقت لش!! حينها ابتسمت بشقاوة عفوية: وش كثر يعني!! حينها تمدد ليسند رأسه إلى فخذها وهو يتناول أناملها ويقبل رأس كل أصبع من أصابعها بدفء: كثر ماحلمت إني أحب كل أصبع من أصابعش خمسين ألف مرة في اليوم.. الإبهام خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس إبهامها) السبابة خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس سبابتها) الوسطى خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس وسطاها) البنصر خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس بنصرها) الخنصر خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس خنصرها) كل عبارة كان يلفظها ببطء دافئ متجذر.. يرافقها قبلة أكثر دفئا!! يتنفسها كما لو كان يتنفسها من أقصى خلايا روحه!! جميلة شدت يدها برفق من يده وهي تمسح على خصلات شعره بيأس.. بقدر ما أرهقت كلماته ولمساته قلبها الغض!! بقدر ماتجد نفسها عاجزة عن التجاوب معه أو تقبله كما يُفترض!! لا تعلم كيف يجتمع الشعورين في ذاتها.. تتأثر بلمساته وكلماته لأبعد حد... ومع ذلك تجد نفسها عاجزة عن التفاعل معه!! فهد صمت.. وهو يحتضن كفها قريب من قلبه.. همست جميلة من باب اللياقة: وش فيك كتمت؟؟ فهد هتف بسكون: ما كتمت... بس أحاتي ولد صالح بكرة وعمليته!! بأوديش الجامعة وعقبه بأمرهم شوي.. ولو أني مستحي عشان هل مرته كلهم هناك!! ابتسمت جميلة: تعرف تستحي؟؟ جديدة ذي!! ابتسم فهد: تخيلي إني أعرف!! ************************************* " أمي مزنة ما أدري ليش ماجات؟؟ هي قالت لي إنها بتجي معي!! أدق على تلفونها مسكر!!" تميم يشعر بحرج مريع مما حدث بالأمس.. عاجز عن معاودة وضع عينه في عين والدته أو زايد.. أشار باصطناع: أمي رجعت لبيتها البارحة... يمكن انشغلت.. أنا وأنتي بنروح.. وهذا أنا معش... أنا ما أكفي!! سميرة أشارت بشجن: تكفي ونص.. بس أنت كنت قلت لي إنك ماتقدر تقعد جنبي عشان مستحي من أختي ومرت غانم!! وبتوقف بعيد.. تميم تنهد: بأقعد أنا وأنتي على الطرف بعيد شوي بس عنهم!! سميرة بتأثر: الله لا يحرمني منك ياقلبي..!! *********************************** " يمه شا اللي صار؟؟" مزنة بسكون: تعبت في الليل واتصلت في زايد يوديني!! كاسرة بعدم تصديق: يمه تميم عندش في البيت.. تتصلين في عمي زايد وأنتي زعلانة عليه!!! مزنة همست بثقة قدر ما سمح لها إرهاقها المتزايد: تميم مايدري إني حامل واستحيت يدري بذا الطريقة وخصوصا إنه ولد نجلا عنده عملية اليوم.. وهو بروحه مبتلش مع مرته.. لقيت أهون الشرين إني أتصل في زايد!! بدا المبرر مقنعا لكاسرة إلى حد ما.. لذا أردفت باهتمام: زين أنا جايبة لش ملابس.. ماتبين أبدل لش ثيابش.. مزنة بإصرار: لا... بأبدل بروحي.. كاسرة بطبيعية: زين براحتش.. بس عمي زايد ينتظر برا.. يقول لا خلصتوا نادوني!! حينها همست مزنة بحزم مرهق: كاسرة لو سمحتي اطلعي لزايد وقولي له.. إني ما أبيه يجي يزورني.. وأنا لا طلعت من المستشفى رجعت بنفسي للبيت.. على الكلام اللي هو قاله لي أول مرة.. ينزل في جناح علي.. ومايحتك فيني ولا يكلمني!! كاسرة بصدمة: يمه وش ذا الكلام؟؟ مزنة تنهدت بذات الحزم المرهق الموجوع: انا تعبت أدور عذر أقوله لتميم وسميرة ليه أنا قاعدة عندهم في البيت.. ومالقيت!! ومهيب زينة في حقي.. حامل وفي عمري وطالعة من بيت رجّالها!! وأبي منش ترجعين ملابسي لغرفتي وقت مايروحون تميم وسميرة لشغلهم!! حينها همست كاسرة بحزم: الملابس بأرجعها.. بس الكلام اللي غيره قوليه لرجالش بنفسش.. اسمحي لي يمه.. ما أقدر أقول لعمي كذا!! مزنة تنهدت وكاسرة تصمم على رأيها.. وتتصل بزايد ثم تتوجه لغرفة الجلوس الملحقة وتغلق الباب بينها وبين والدتها.. زايد دخل.. الإرهاق باد عليه فعلا.. لم ينم منذ البارحة ولم يغير ملابسه حتى.. ولم يذهب لشركته.. مال ليقبل رأسها لكنها أشاحت بوجهها... الأمر بينهما بات معقدا لأبعد حد.. حتى من ناحيته.. بات عاجزا عن النظر لوجهها وهو يتخيل كيف غاصت أنامله القاسية في ليونة جسدها لدرجة أنه أدماها.. ثم لا تشتكي أبدا... بينما يخبرها هو بدم بارد أنه لا يريدها!! جلس قريبا منها وهو يهتف باهتمام: أشلونش الحين؟؟ أجابت بسكون: الحمدلله.. ثم أردفت بحزم تخفي خلفه اختناقا مرا: فيه عندي كلام أبي أقوله لك!! مزنة أخبرته بما تريد بشكل مقتضب موجوع حاد.. كانت تتألم أكثر منه بكثير.. بكـــثـــيـــر!!! كان وجهه خال من التعبيرات تماما.. وهي تتكلم.. وحين انتهت.. كانت صدمتها الحادة أنه هتف بحزم وهو يقف: وأنــــــا مـــوافـــق!! ثم غادرها... ************************************* " نجلا ياقلبي.. هدي أعصابش شوي.. مايصير اللي أنت مسويته في روحش!!" نجلاء بين طوفان دموعها تهمس باختناق: بأموت ياصالح.. بأموت.. حاسة قلبي مهوب بين جنوبي.. خايفة عليه.. خايفة ما يتحمل العملية!! صالح شد على كفها بحنو شديد: لا تحاتين إن شاء الله ربي ما يخيبنا.. ونطلعه هو وأخته من المستشفى في يوم واحد!! . . زاوية أخرى.. " غانم اقعد شوي.. حرقت أعصابك!!" غانم بتأفف قلق: تاخروا واجد.. وماحد حتى طلع يطمنا!! حينها همست مزون بتقصد وهي تريد إخراجه من جو التوتر قليلا وفي نفس الوقت توصل له رسالة: غانم لو قلت لك إنه ضرسي ذابحني وبأموت من الوجع.. وابي أروح للدكتور الحين.. بتوديني؟؟ غانم بحزم: اسمحي لي.. باقول لضرسش ينتظر شوي.. مايضره!! مزون همست بذات التقصد: طيب ولو أنا زعلت عليك عشانك ماوديتني.. وش تقول؟؟ غانم بذات الحزم: بأقول ماعندش سالفة.. لاني مستحيل أخلي أختي وهي في ذا الوضع!! حينها ابتسمت مزون بشفافية وهي تربت على فخذه: شفت إنه غلا الأهل مايتعارض مع غلا شريك الحياة.. أنت البارحة سحبتني من عند إبي ماحتى قعدت معه عشر دقايق وهو راجع من سفر عقب أسبوع.. وماقلت لك شيء.. ومع كذا أنت تأففت إنه اهتمامي في هلي مبالغ فيه بينما هذا هو الشيء الطبيعي بين الأهل! حينها ابتسم غانم بشجن متأثر وهو يربت على يدها التي تتمدد على فخذه... . . يحتضن كفها في كفه.. صــامــتــان.. صـامـتـــان..!! مكتفية بصمته وبقوة تدفق مشاعره.. لو خيروها الآن بين كل كلمات العالم وبين صمته.. لأختارت صمته بدون تردد!! فقوة صمته فاقت في تأثيرها عليها همسات العالم وصرخاته!! فما قيمة كلمات باردة لن توصل لها حتى نصف ماتشعر به الآن من تفاعله معها؟!! رغم قِصر المدة التي عرفت فيها غانم الصغير.. ولكن من أول مرة حملته فيها شعرت أن مشاعرها تذوب من أجله!! ربما لأنها هذه المرة حين حملته... حملته بروح مشفقة على طفل مثله!! ليس كأحساسها بخالد وعبدالعزيز.. مجرد خالة محبة!! هي الآن تشعر فيه بمشاعر أم!! ولذا مشاعرها من أجله بلغت أفصى غايات العمق والألم.. وهي تتخيل كيف ستكون الحياة خالية من هذا الكائن الصغير المبهج.. كانت تشد على كف تميم بقوة وهي تمتم بكلمات الدعاء.. تميم أشار لها بيد وحدة.. بماذا تتمتم.. لأنه يشعر بذبذبة خروج الكلمات من بين شفتيها المغطاة بالنقاب.. أشارت سميرة بوجع عميق وإيمان أعمق: أدعي ربي يخلي لنجلا ولدها.. وما يحرمني أشيل ولدنا بين إيدي !!!! . . " أم غانم الله يهداش.. أنتي مرة معش ضغط ذا البكاء كله مهوب زين لش.. شوفي عيونش أشلون تنفخت؟؟" أم غانم همست بصوت مبحوح من بين دموعها الصامتة: والدموع وش عازتها إلا ذا الحين؟؟ بنتي وعيالها حارقين قلبي.. أبو غانم بمؤازرة مثقلة بالإيمان: لا تحاتين.. ربي مهوب مخيبنا إن شاء الله.. الله عالم وش كثر دعيت له من قلبي اليوم من عقب صلاة الفجر لين الحين.. جعل الدعوة تصادف ساعة إجابة.. ********************************** " هاحبيبتي تأخرتي.. ما تبين تروحين للدوام؟؟" عالية باستعجال وهي ترد على هاتفها: لا فديتك.. أنت نسيت.. قلت لك البارحة بأروح لبيت هلي.. عشان عيال عمي راشد الصغار بيحطونهم أهلهم هناك.. وأنا واعدة أمهم أخلي بالي عليهم لين تخلص عملية غنومي بالسلامة.. وبعد عيال صالح هناك.. وما أبيهم يجننون أمي!! عبدالرحمن بمودة: زين يا الله أنا في السيارة.. عالية خرجت باستعجال وهي تتجه للمقعد الخلفي لتسمع صوت عبدالرحمن يحادثها بمرح: قدام يامدام.. أنا سواقش وتحت أمرش.. بس أنا سواق يحب عمته تقعد جنبه.. عالية شهقت بعنف وهي تغلق الباب الخلفي وتتجه للأمامي وتفتحه وتقف أمامه مذهولة لثوان لا تتحرك حتى عيناها.. عبدالرحمن بإبتسامة رائقة: يا الله يامدام.. دريول جنابش وراه محاضرات.. عالية انتفضت بخفة وهي تتمتم بكلمات متناثرة: عبدالرحمن من جدك.. تبي تسوق؟؟ عبدالرحمن برجاء: علوي قلبي اطلعي قبل يطلع إبي ويشوفني.. ترا أمس سقت ورحت لدوامي بروحي.. واليوم قلت بأسوي لش مفاجأة.. مادريت إنها بتكون مفاجأة كئيبة لش.. حينها همست عالية باختناق وهي تركب جواره وتغلق بابها: كئيبة؟؟ لولا إني خايفة تضحك علي.. وتقول هذي صارت هندية من قلب.. وإلا كان سويت لك سيول في السيارة.. عبدالرحمن شد كفها وهو يحرك السيارة ويهمس بولع حقيقي: يعني يا قلبي مافيه فرحة إلا بذا الدموع الغالية..؟؟ عالية تنظر له بانبهار والسيارة تخرج للشارع وتهمس بأنفاسها المبهورة المتصاعدة: لا صارت الفرحة أغلى من الدموع.. وش حيلة الواحد غير الدموع...!! ********************************** طال الانتظار.. والأعصاب أوشكت على التلف.. إن لم تكن تلفت!! فاطراف نجلاء بدأت ترتعش بحدة.. وصالح يحاول تهدئتها دون فائدة وهي تتفلت منه.. دموع سميرة باتت تنسكب بغزارة غير طبيعية.. وتميم قلبه يذوي مع كل دمعة تنزل من عينيها.. أم غانم أخذها أبو غانم للطوارئ القريبة لأن الضغط ارتفع معها لمستويات عالية.. وعادا دون أن يعرف أحد سبب ذهابهما.. غانم له أكثر من ساعتين ماعاد قادرا على الجلوس حتى!! حتى خرج الطبيب.. قطرات العرق مازالت تلتمع على جبينه.. والجميع ركضوا نحوه.. عدا مزون التي بقت في الزاوية خجلا من صالح.. وتميم الذي وقف في زاوية أخرى حرجا من نجلا.. ابتسم الطبيب.. وأخيرا ابتسامة: الحمدلله العملية ناجحة.. لتنهار نجلا بين يدي صالح وتسقط أرضا وهي تنتحب.. وأسرتها بكاملها تجتمع حولها.. والكل يتلقفها بالأحضان والتهاني والتهدئة.. ********************************* " كاسرة وين رحتي؟؟" كاسرة تحتضن هاتفها وتخرج بالهاتف من عند والدتها النائمة لغرفة الجلوس.. وتهمس بخفوت: كساب اتصلت لك ومارديت علي.. وعقب أرسلت لك إني باروح مع إبيك.. كساب بحزم: كنت في اجتماع.. والمسج وصلني.. السؤال هو وين رحتي مع إبي؟؟ كاسرة تنهدت: المستشفى الأهلي!! حينها تحولت نبرة الحزم لنبرة قلق عميق: ليش؟؟ حاسة بشيء؟؟ فيش شيء؟؟ كاسرة تنهدت: أمي هي اللي تعبانة.. تحولت نبرة القلق المثقلة باللهفة لنبرة قلق مختلط بالاهتمام وبالاحترام: ليش عسى ماشر؟؟ كاسرة بحذر: تعال هنا واقول لك!! كاسرة كانت قلقة من كيفية إخبار كساب بخبر حمل والدتها.. تجهل كيف ستكون ردة فعله.. لن يغضب بالتاكيد.. ولكنها تخشى أن يثور فيها لأنها لم تخبره قبلا.. وبشكل عام.. مطلقا لا تشعر بالذنب لأنها لم تخبره.. لأن هذا سر ائئتمنته عليها والدتها.. وكما حافظت على أسراره لابد أن تحافظ على أسرار سواه.. لكن الآن بما أن والدتها دخلت المستشفى.. سيبدأ الخبر بالانتشار.. وحقه الآن عليها أن يكون أول من يعلم!! لم يستغرق حتى نصف ساعة حتى وصلها.. أدخلته لغرفة الجلوس.. وتركت الباب مفتوحا.. بينها وبين والدتها حتى تسمعها لو صحت من نومها.. كساب جلس وهو يهمس بنبرة خافتة عامرة بالقلق: وش فيها عمتي؟؟ كاسرة صمتت لثوان ثم همست بسكون: حامل!! كساب اتسعت عيناه بذهول وبدا لدقيقة غير قادر على الاستيعاب: نعم؟؟ كاسرة بابتسامة لم تستطع منعها: سمعتني!! حينها لم يستطع إلا أن ينفجر في الضحك وهو يحاول كتم صوت ضحكاته حتى لا تصل للنائمة في الداخل.. كاسرة اتسعت ابتسامتها بعفوية وهي تراه يضحك هكذا.. بل لأول مرة تراه يضحك بهذه الطريقة.. كساب يحاول أن يتماسك من ضحكاته: بصراحة خبر الموسم.. كان ودي أكون من يبشر إبي.. وأشوف وجهه بس!! مهوب هينين الشيبان.. يبون يغطون علينا.. من جدش كاسرة؟؟ من جدش؟؟ لحد الحين ماني بمصدق!! كاسرة بابتسامة متسعة: ليه هم مسوين جريمة؟؟ إذا أنت شايف إبيك شيبه.. ترا أمي توها!! انطفئت ابتسامة كاسرة قليلا وهي تهمس: بس كساب جاوبني بصراحة.. وتراني ماراح ازعل.. أنت فرحان بالخبر وإلأ..؟؟ حينها مد كساب كفه ليحتضن كفها وهو يهتف بحزم رجولي صميم: وليش ما أفرح..؟؟ حتى لو شيبت أنا.. الأخوان عزوة... وإبي واجد تعب معنا... دفن شبابه كله علينا.. يحق له الحين يستانس وينبسط.. إلا قولي لعمتي.. نبي منها بعد اثنين ثانين.. نبيها تجيب ولدين وبنت مثل ماجابت أمي.. أنا بس تفاجأت بالخبر.. لأنه كان غير متوقع!! كاسرة بنبرة حذرة نوعا ما: ما أدري.. يمكن تكون من اللي يقولون.. اللي في سنهم المفروض يتفرغون لأحفادهم مهوب في طفل صغير يبتلشون فيه.. أو متى بيلحقون يربونه؟؟ كساب هز كتفيه بحزم: تدرين التفكير هذا أحسه أكثر تفكير متخلف وأناني في العالم.. لأنه أبيك وأمك ربوك ودللوك وخلاص... تبي الدلال اللي كان لك يروح لعيالك وحاسد فيه أخيك أو أختك الصغار..؟؟ زين أنت وين رحت يا الدبش العود؟؟ دلع عيالك بنفسك.. وخل الشيبان يستمتعون بولدهم الصغير.. ولا تحاتي.. بيجي ولدك نصيبه من الدلع من جدانهم لأنه هذي فطرة فيهم.. أما على العمر.. حد يدري متى يومه...؟؟ يمكن حن نودع قبلهم.. ياكثر اللي ماتوا وهم شباب وعيالهم ربوهم جدانهم.. وعاشوا لين زوجوهم وشافوا عيالهم!! تدرين كاسرة.. يمكن فيني عيوب كثيرة بس عمري ماكنت أناني بذا الطريقة عشان أفكر ذا التفكير.. حينها احتضنت كاسرة عضده لتقبل كتفه وهي تهمس بابتسامة شفافة: ياحلو التفكير الرايق ياناس!! صاير تقول تحف.. كساب احتضن ذراعها وهو يهمس بخبث باسم: بس عقب ماخذتش.. أعترف إني بديت أصير أناني... وأبيش حقي بروحي أنا وبس.. أفكر بطريقة جدية أغار من ولدي.. عشانه بيأخذش مني!! ابتسمت كاسرة بشفافية أكبر: أبي أدري من وين صاير تطلع مواهبك المدفونة.. كساب بنبرة استكانة تمثيلية: موجودة من زمان.. بس أنتي ما تعطيني مجال!! ثم أردف باهتمام وهو ينظر لساعته: عندي اجتماع بعد ساعة.. أبي أسلم على عمتي قبل أروح.. كاسرة برقة: بس هي نايمة الحين.. كساب بذات النبرة المهتمة: زين بأطل عليها بس.. مايصير وصلت لين هنا وما أطل عليها.. كاسرة بتردد: أخاف تزعل إنك شفت وجهها.. كساب يبتسم: عاد أمش على ذا التفكير.. تقولين عجوز عمرها 80 سنة.. مهوب وحدها توها في نص الاربعينات ومتعلمة.. كساب وقف وتوجه ناحيتها.. وكاسرة توجهت للداخل خلفه.. كساب كان يريد أن يميل ليقبل جبينها.. لولا أن كاسرة شدته برجاء خافت: تكفى كساب لا تقومها.. هي تعبانة كلش توها نامت... من فجر وهي صاحية.. كساب التفت وهو يهمس لكاسرة بخفوت محمل بنبرته اللئيمة: ما ألوم أبو كساب يستخف على أمش!! إذا أنتي عقب 20 سنة بتقعدين حلوة كذا.. وعد ما أتزوج عليش!! كاسرة قرصته في عضده وهي تهمس بمرح شفاف: تتزوج في عينك.. ما أرخص لك تتزوج ولا أبيح منك إلا لو كنت أنا مودعة الدنيا بكبرها!! **************************************** " نجلا فديتش اقعدي شوي!!" نجلا بنبرة حزن مثقلة بالألم المعنوي قبل الجسدي: تعبانة سميرة.. تعبانة.. الحليب تحجر في صدري.. وصدري ذابحني!! وياخوفي عيالي كلهم بيطلعون من المستشفى وأنا خلاص مافيني حليب!! سميرة بمؤازرة: روحي لمستشفى الولادة خلهم يشفطون لش الحليب.. أنا عند غنوم.. ولو إنه وقفتنا كذا عند القزاز مالها فايدة.. هم قايلين ماراح يسمحون لحد يدخل عليه لين يتجاوز 48 ساعة.. نجلا تنهدت: قلبي مهوب قاويني مخلية كل واحد منهم في مستشفى.. وارجع للبيت.. سميرة بتأثر: زين وعزوز وخويلد مالهم نصيب!! كانتا الاثنتان تتحاوران ولم ينتبها لمن كان يقترب.. كان صالح وبيده شيء صغير ملفوف.. نجلاء حين رأته شهقت بكل قوتها.. وهي تتهاوى فعلا لتسندها سميرة!! صالح ابتسم بأبوية شاسعة وهو يضع الصغيرة بين يديها ويهمس بحنان: اخذي بنتش وروحي البيت.. أنا بأقعد عند غانم.. نجلاء احتضنت الصغيرة وهي تنتحب بشكل مؤلم.. وتقبل بلهفة كل ماهو ظاهر من وجهها الصغير!! سميرة شدت الصغيرة برفق وهي تهمس من بين سيول دموعها الصامتة تأثرا لحال أختها: نجلا بس ذبحتيها.. مافيها حيل لذا الحبب كلها.. نجلاء ضمت عباءتها على صدرها بحرج وهي تهمس باختناق: سميرة خلينا نمشي.. ملابسي غرقت حليب من لما شفت إبيها جايبها!! ******************************************* " وضحى أنتي تبكين؟؟" وضحى تهمس في الهاتف باختناق وهي ترد على جزع كاسرة: أمي وينها؟؟ أتصل عليها تلفونها مسكر!! أبيها تجيني الحين أو أنتي تجيني.... لو نايف هنا كان جيتكم بنفسي.. بس نايف في الدوام.. كاسرة تهمس بثقة تخفي خلفها ارتباكها: أنا وأمي مانقدر الحين.. أنتي وش فيش؟؟ عسى ماشر!! وضحى بذات نبرة الاختناق: تخيلي كاسرة.. أنا رايحة للمطبخ أسوي حلا عشان سلطانة قالت لي إنها بتجي تتقهوى عندي!! تجيني الخدامة.. تقول سلطانة جاية عندها غرفة الغسيل تشوف غسيل ملابس نايف وكويها..زين وإلا لأ ؟؟ ليه يعني وش شايفتني؟؟ ما اعرف أرتب أغراض رجّالي.. بأموت كاسرة بأموت.. ما أقدر أقول شيء لانها ماواجهتني.. وما ابي أروح أقول لها ليه تروحين من وراي؟؟ كاسرة تنهدت: شوفي وضحى.. أنا ما أقدر أنصحش في ذا الموضوع... لانه لو هو أنا.. كان تصرفت تصرف يخلي نايف وخواته يقفون على رؤوسهم.. بس أمي حذرتني أنا بالذات ما أعطيش نصايح في ذا الموضوع.. فخذي عقب من رأس أمي!! وضحى تنهدت: خلاص كاسرة.. أنا بس كنت أبي أشتكي لا أنفجر.. انا بأتصرف.. بس أمي وينها؟؟ أبي أصبحها بالخير بس!! كاسرة شدت لها نفسا عميقا: اتصلي في نايف واستئذنيه تطلعين.. وأنا بأرسل لتميم رسالة يجيبش.. أبيش أنتي وتميم تجوني الحين!! . . . صامتان كلاهما منذ أبلغتهما كاسرة بالخبر.. وهي تحمد ربها أن والدتها نائمة حتى لا ترى ردة الفعل المبهمة لتميم ووضحى.. قد يكونان كلاهما مصدومان من الخبر... ولكن سبحان الله.. ظروف كل منهما الحالية.. هيأته لتقبل الخبر تماما.. وضحى.. الصغرى.. أصبحت ربة بيت.. مشغولة بمشاكلها الشخصية.. وهي منذ البداية من كانت أجبرت والدتها على هذا الزواج.. فهل تستنكر الآن أن ينتج عن الزواج الذي سعت له هي طفل؟؟ تميم.. ربما لو تلقى الخبر بالامس.. لكان أبدى امتعاضا ما منه.. ولكنه الآن متقبل له.. بل يدعو الله أن يحفظ هذا الجنين لأمه حتى لا يشعر بمزيد من الذنب!! فهو يشعر بإحساس ذنب شديد المرارة أنه هو السبب لما حدث والدته حتى لو لم يقل له أحدا ذلك.. بل وزادها بالتهجم على عمه بدون ذنب!!! فهو ربما برضاه عن الخبر يكفر عن ذنبه تجاه الاثنين كما يشعر به!! كاسرة همست وأشارت بحزم في ذات الوقت: وش فيكم ساكتين؟؟ حد منكم معترض؟؟ تميم هز كتفيه: ومن اللي يعترض على رزق رب العالمين.. بس الخبر صدمنا شوي!! وضحى لم تزد على أنها همست بتأثر: أمي عسى مهيب تعبانة الحين!! كاسرة تنهدت: تعبانة شوي.. تبي لها شوي راحة وتكون زينة إن شاء الله!! ********************************* " ليش تقعدينه في حضني؟؟ كنت أبي أقعده في حضن زايد!!" ابتسمت عفراء وهي تنظر لزايد جالسا في حضن والده المبتسم الذي يغمره بقبلاته الحانية: ابيه يطلع مثلك.. ابتسم منصور: يا بنت الحلال كان خليتينا نقعده في حضن زايد وإلا علي.. كود ما يجيه طبايعي الخايبة أنا وكساب!! لأنه كساب زايد قعده في حضني وأنا عمري 15 سنة.. عفراء بمودة غامرة: ياحظه لا طلع مثلك أنت وكساب!! (لدينا معتقد طريف.. أنه الطفل لا يقعد بشكل مستقيم حتى يكمل أربعة أشهر وزيادة.. حتى يصبح ظهره طويلا!!.. ثم حين يجلس إن كان صبيا ففي حضن رجل وإن كانت صبية ففي حضن امرأة.. ولا يكون الاختيار عشوائي.. بل يكونان من أهل الخير والكرم "والسنع" حتى يصبح الصغير يشبه من جلس في حضنه!! وهو مجرد معتقد قديم طريف.. ماعاد أحد يقوم به إلا على سبيل التكريم!! يعني حينما تجلس ابنك في حضن أحدهم لأول مرة تنبئه كم أنت تقدره وتحترمه!!) منصور يبتسم وهو يمدد زايد على في حضنه ويلاعبه: على طاري كساب أشوفه ذا الأيام النفسية فوق الريح.. والابتسامة 24 ساعة شاقة.. ابتسمت عفرا: فديت قلبه.. شكله استقر حاله.. عقب حمال مرته!! منصور بنبرة مقصودة: عقبال مايستقر حال عيالنا!! ويجيبون لنا عيال!! ضحكت عفرا برقة: أما أنت يامنصور الظاهر إنك شيبت.. ماعاد وراك سالفة غير فهد وجميلة. خلهم في حالهم وانسى منهم.. ضحك منصور وهو يحك رأسه بتفكير: أنسى منهم؟؟ صعبة ذي.. بس بأحاول.. ثم أردف بخبث: بأنسى منهم إذا جبتي لي ولد ثاني وإلا بنية.. عشان واحد ما يكفي يشغلني!! تدرين حتى اثنين مايكفون!! إذا جبتي أربعة فكيتهم مني ومن حنتي ونشبتي في حلوقهم!! ثم أردف برجاء باسم مغلف بحزمه الطبيعي: يا الله عفية على الشاطرة.. عمر زيود قرب على خمس شهور.. خلي المانع!! ضحكت عفراء بذات الرقة: بس منصور.. لا تحاول.. يعني قعدت وراي لين خليتيني قدمت تقاعد.. بس خلاص مهوب كل شيء ينفع فيه الـحَنة.. رفع منصور حاجبا وأنزل آخر وهو يهمس بخبث باسم : زين نشوف حنتي بتجيب نتيجة وإلا لأ !! ************************************ " ياربي عليش يانجلا!! صدق عرق خالي هريدي العاطفي ضارب عندش التوب!! " نجلا تحتضن صغيرتها بين ذراعيها ودموعها تسيل بغزارة وهي تهمس بصوت مبحوح تماما: ماتخيلت ياسميرة ولا حتى واحد في المية إنها ممكن ترضع من صدري.. صار لها شهر في الحضانة ويعطونها رضاعات.. ماتوقعت إنها ممكن تقبل صدري!! سميرة متأثرة بالفعل.. ومع ذلك تحاول التماسك من أجل نجلا: شفتي أشلون إحساسها فيش سبحان الله.. بس يا نجلا طالبتش.. شوفي أشلون عيون خالد وعزوز متعلقة فيش.. وكل ماشهقتي الثنين فزوا.. نجلا ناولت المها لسميرة.. ثم نهضت بنفسها لتجلس بين الأثنين وتحتضنهم بقوة حانية.. وتهمس لهم بحنان: تبون تروحون تلعبون وتتعشون عقب برا؟؟ الاثنان هزا رأسيهما بجذل طفولي.. ابتسمت نجلا بحنان غامر: خلاص أنا بأكلم غانم وهزاع اللي منهم فاضي بيوديكم.. والمرات الجاية بابا هو اللي بيوديكم.. ولا صاروا أخوانكم الصغار زينين أنا بأروح معكم بعد!! **************************************** " باركي لأبيش!!" مزون تهمس بابتسامة شفافة وهي تنظر لغانم الذي يلبس حتى يذهب بابناء شقيقته: أبارك له بويش.. بشرني!! خذ مشروع كبير؟؟ ابتسم كساب وهو يخفي توجسه من ردة فعلها على الخبر: كل مشاريع أبيش كبيرة اللهم لا حسد... شيء أحسن بعد؟؟ مزون بمرح: أمممممم صار وزير؟؟ ضحك كساب: يستاهل.. بس بعد لا!! مزون برجاء: كساب يا الله فديتك.. قل لي.. كان غانم ينظر لها ويبتسم وهو يرى كم ابتسامتها مشرقة لمجرد أنها تهاتف كساب (اللهم أوعدنا!!) لذا انطفئت ابتسامته ما أن رأى ابتسامتها انطفئت وصوت كساب المرح يصب في أذنها: بابا بيصير بابا للمرة الرابعة.. كساب صمت لثوان ينتظر ردها.. لكن الرد لم يصله.. لذا همس بقلق: مزون حبيبتي وش فيش؟؟ أجابته بتبلد: مافيني شيء بس مصدومة!! كساب تنهد: أنا كنت عارف إنش يمكن تضايقين من الخبر.. عشان كذا قلت أبلغش في التلفون ما أحب أشوفش متضايقة.. والشيء الثاني قلت يوصلش الخبر قبل ما تواجهين إبي.. عشان إبي يستاهل إنش تكونين فرحانة عشانه!! مزون بذات التبلد: بس أنا لا فرحانة ولا زعلانة!! غانم اقترب ليجلس جوارها.. شعر أن هناك شيء غير طبيعي يحصل!! كساب شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: أنتي الحين مرة متزوجة ولاهية في حياتش.. وبكرة بتحملين.. إذا جيتي فرحانة بحملش وقلتي لأبيش يبه أنا حامل.. وقال لش: خير.. لاني بفرحان ولا زعلان!! وش ردة فعلش؟؟ مزون تنهدت: أكيد بأحزن... وأخذ على خاطري!! كساب بحزم: وصلنا خير.. الإحساس اللي تكرهين إن إبيش يحسسش فيه.. لا تحسسينه فيه!! انتهى الاتصال مزون وضعت هاتفها جانبا ثم مالت لتضع رأسها على كتف غانم.. غانم احتضنها بحنو: عسى ماشر؟؟ مزون بذات النبرة المتبلدة: مرت إبي حامل.. غانم ابتسم: أفا يامزون.. عقب ماكنت ما أسمعش تقولين لها إلا عمتي مزنة.. ولا كلمتيها تقولين يمه... الحين صارت مرت أبيش بس!! والمرة تتصل فيش وتسأل عنش.. أكثر حتى ما أمي تتصل فيني!! مزون بذات النبرة المتبلدة: أنا ماني بزعلانة من عمتي.. أنا زعلانة من إبي!! حينها ضحك غانم: لا.. حالتش صعبة.. مزون زفرت: أدري حالتي صعبة.. وكلامي مهوب منطقي.. بس غصبا عني.. تخيل 23 سنة وأنا الحشاشة.. الحين يجي غيري.. أدري تفكير أناني.. بس غصبا عني!! غانم تنهد بابتسامة: أجل أختي سميرة وش تقول؟؟ 20 سنة وهي بروحها.. وعقبه يجي وراها 2 ورا بعض وهي موجودة في البيت وهي اللي ساعدت أمي فيهم.. لكن انتي خلاص.. صرتي عند رجال.. ومشغولة في حياة جديدة.. لو صار ذا الحمل وأنتي عندهم.. أدور لش عذر.. بس الحين لأ.. ثم أردف وهو يغمز: وين اللي اليوم الصبح عطتني محاضرة في العظم إن الواحد لازم مايكون أناني!! ويفكر في غيره مثل مايفكر في نفسه!! ************************************* في الليل . . أربع فتيات مجتمعات عندها... تشعر بالحرج أن تضع عينيها في أعينهن.. كلهن مبتسمات.. ويتبادلان الحوارات المرحة.. ولكنها تعلم أن كل واحدة منهن تخفي شعورا مبطنا بالألم!! أو لنكن أكثر تحديدا.. ثلاث من الفتيات الأربع!! فكاسرة منذ البداية تقبلت الخبر بأريحية!! وضحى تختزن شعورا غريبا بالاحتياج.. فهي فعلا تحتاج لأمها وقوتها في مواجهة ظروف حياتها الجديدة.. ولكن ربما كان هذا ختاما في مصلحتها.. فهي من يجب أن تجابه مشاكلها بنفسها.. وهي تعلم يقينا أنها غير عاجزة عن ذلك.. لكنها احتاجت للنصيحة الممزوجة بالخبرة التي لا يستغني عنها عاقل!! مزون تختزن شعورا غريبا بالغيرة.. قد تكون حدته خفت مع خفوت الصدمة.. ومع كلام كساب وغانم وحتى علي الذي هاتفها فور معرفته بالخبر!! اتصلت وباركت لوالدها وهي تظهر فرحها من أجله فقط.. ومع ذلك بدا لها في نبرته الحازمة المعتادة رائحة حزن عجزت في تفسيرها!! سميرة... حزن شفاف وسعادة شفافة.. كما هي تماما بشفافيتها!! سعيدة من أجل عمتها مزنة التي تحبها كأم وصديقة.. ولكنها حزينة من أجل نفسها... فحتى عمتها رزقها الله بالحمل... فمتى يرزقها الله عز وجل!! حين عادت مزنة للنوم.. خرجن الفتيات لغرفة الجلوس.. تنام كثيرا.. كما لو كانت تهرب بالنوم من شيء ما!! وضحى هتفت بمودة: كاسرة ترا أنا اللي بأنام عند أمي الليلة!! كاسرة برفض قاطع: لا والله ما تنامين عندها.. توش عروس مالش 3 أسابيع وتبين تخلين نايف؟؟ حينها هتفت سميرة بحزم: وقبل ماتكثرون الحلايف.. والله مايقعد عندها غيري لين تطلع من المستشفى.. وحدة منكم عروس والثانية حامل.. إلا لو أنتو منتو بعاديني بنتها مثلكم.. هذا شيء ثاني؟!! لم تترك لهن سميرة مجالا بهذا الكلام وكاسرة ترد عليها بمودة: أنتي بنتها مثلنا وأكثر.. بس عاد مهوب تقعدين عندها لين تطلع.. بنتبادل؟؟ سميرة برفض: لا.. لا تحاولين.. في الليل بأنام عندها.. الصبح بيمرني تميم يزورها.. تعالي معه.. واقعدي عندها وأنا بأروح لدوامي!! *************************************** " هاحبيبتي شأخبار موعدش اليوم؟؟ سامحيني بس تدرين عملية ولد صالح اليوم.. وأنا وإبي رحنا وقعدنا في صالة انتظار الرياجيل لين خلصت العملية.." جوزا بمودة: الحمدلله على سلامته.. تستاهلون سلامته أما موعدي..تمام.. وكل شيء زين.. وهانت.. كلها أسبوع وأدخل التاسع... عبدالله يبتسم: ياربي ما تتخيلين وش كثر متشفق على جية ذا الصغنون.. طبعا حبيبنا حسون ماحد فيه ينافسه.. بس هذا انتظرته يوم بيوم وأسبوع وبأسبوع وشهر بشهر.. رحت معش المواعيد.. وسمعت دقات قلبه وشفته يتحرك في بطنش.. واشترينا أغراضه كلها سوا.. خلاص مافيني صبر عشان أشوفه وأشيله!! حاس إني يوم ولادتش يمكن يصير لي من الشفقة.. جوزاء انتفضت بجزع رقيق: بسم الله على قلبك!! ثم أردفت بابتسامة حانية: على كثر ما تناقشنا عن ذا المولود كل ما نجي على اسمه.. تغير السالفة.. خلاص ماعاد فيه وقت.. خلنا نتفق على اسم!! لو بنت وش نسميها؟؟ عبدالله بإبتسامة حانية: سميها على كيفش.. الاسم اللي يعجبش!! ضحكت جوزا : لو علي كيفي على كيفي... بأسميها (صيته) على اسم أمي!! بس عشان ماحد من الجدات يزعل لا صافية ولا صيته.. وبنتي ما تتعقد من أسماء العجايز أبي أسميها ( الهنوف) عشاني أحب الأسماء اللي بأل التعريف.. عبدالله بمودة صافية: الهنوف الهنوف.. حلو.. جوزا بمودة مشابهة: ولو ولد؟؟ عبدالله صمت لم يرد عليها.. حينها احتضنت جوزا ذراعه وهي تسند خدها لعضده: حبيبي لو بغيت تسميه خالد ترا ما عندي مانع.. عبدالله تنهد وهو يمد يده الحرة ليربت على خدها: ولو سميته خالد.. بيرجع خالد؟؟ جوزاء برقة: بنسميه خالد على عمي!! عبدالله شد له نفسا عميقا وهتف بتنهيدة: ما أبي أسمي خالد.. إبي عارف غلاه بدون ما أسمي عليه!! وصالح سمى عليه.. وعقب أكيد فهد وهزاع... أنا مشتهي أسميه فهد على أخي فهد.. إلا لو أنتي تبين نسميه فاضل ماعندي مانع؟؟ جوزا تقبل عضده وتهمس بمودة : يستاهل فهد نسمي عليه.. فهد بن عبدالله.. ياحلو الاسم.. رزة وكشخة !!! ******************************** " فهد.. فهد.. !! " خرج وهو يجفف شعره بالمنشفة ويهتف بعفوية: نعم.. حبيبتي..!! هي كانت تقف على مقعد التسريحة وتناديه حين سمعت صوته بعد أن خرج من الحمام لغرفة الملابس... حتى تناوله أغراضا أخذتها من الأدراج العليا.. لا تعلم كيف اضطربت أعصابها وهو يرد عليها هكذا (حـبـيـبـتـي)!! ولأول مرة.. وبهكذا نبرة دافئة وعفوية إلى أقصى درجات الوجع!! لذا اهتزت وكادت تسقط عن المقعد .. لولا أنه في لحظتها أزال المنشفة عن وجهه.. ليفجع أنها تكاد تقع.. ويسارع لتلقيها بين ذراعيه وهو ينزلها للأرض كما لو كان يحمل طفلة!! ويصرخ فيها بغضب: أنتي خبلة.. وش مطلعش تالي ذا الليل.. تبين تكسرين أنتي وأبتلش فيش!! جميلة أزالت كفيه عن خصرها وهي تبتعد عنه وتهمس بعتب: يعني هذا اللي هامك... ما تبتلش فيني؟؟ فهد زفر وهو يقترب منها ويشدها.. ليجلس.. ثم يُجلسها على رجليه ويهتف بزفراته: عاد لا تدققين على كل مصطلح يطلع مني ترا بتتعبين.. تدرين إني ما أقصد.. أنا بس تروعت عليش ياقلبي!! جميلة صمتت.. بينما فهد احتضن خصرها بحنو وهو يهتف بإبتسامة: يا الله لا يصير دمش ثقيل.. ثقل الدم لايق علي.. بس عليش لأ.. لا تعلم مابها فعلا.. بقدر ما باتت تتأثر فعلا من كل كلمة عذبة يقولها.. وكل لمسة رقيقة يناجي بها حواسها.. بقدر ما تجد نفسها تتبلد وتعجز عن الرد شفويا وجسديا.. هاهي صامتة.. يداها متشابكتين في حضنها!! فهد باهتمام مثقل بالولع: جميلة وش فيش؟؟ متضايقة مني؟؟ خلاص الكلمة وسحبناها!! جميلة هزت رأسها وهي تقف وتهمس بحياد: لا والله فهد مافيني شيء... بس مرهقة شوي وأبي أنام!! ********************************* " يبه وش فيك جعلني فداك؟؟ هذا أنا قاعد انتظر كساب وعمي يروحون عشان أسألك.." زايد يلتفت لعلي ويهتف بحزم: مافيني شيء.. علي بعتب: تدس علي يبه؟؟ زايد نظر له نظرة سابرة وهتف بنبرة مقصودة: مثل مادسيت علي وقلت إن مرتك توحم.. وبلعتها أنا بمزاجي!! علي ابتسم: زين وكشفتني.. تزاعلت أنا وشعاع زعل بسيط.. ورجعت.. وما حبيت أشغلك بسالفتي لأني كنت حاسك متضايق.. بس الحين وش الي مضايقك؟؟ علي أردف بحذر وشيء معين يخطر بباله: تكون منت براضي بحمل عمتي؟!! زايد التفت له بحدة: ماعاد إلا ذا... لي أنا تقول ذا الكلام؟؟ علي بتراجع مهذب: يبه ماقصدت.. بس ماشفت فيه سبب مرتبط غير ذا!! زايد بحزم: لا يا أبيك غلطان.. وأنا مافيني شيء.. فلا تشغل بالك فيني.. علي صمت.. فهو أكثر من يعرف من والده.. ومادام قرر الكتمان فلن يستطيع أحد استخراج مكنوناته أبدا!! مرهق هذا الرجل.. مرهق حتى الثمالة!! نعم وافق مزنة على ماتريد.. لأنه وافق رغبته هو.. فربما أراد أن يعاقب نفسه بداية من أجل وسمية... لكنه الآن يريد أن يعاقب نفسه من أجل الاثنتين.. نفسه الصحيحة ترى أنها أجرمت في حق الاثنتين.. وهكذا يكون العقاب.. أن يحرم نفسه منها.. وهو يعذب نفسه برؤيتها أمامه...!! الأمر الآخر الذي لا يستطيع نسيانه.. هو أثار أنامله على جسدها.. مجرد تفكيره في الأمر يجعل الحسرات تأكل روحه.. حسرة خلف حسرة!! قد يفسره البعض محض حب تجاوز الحد.. وهو لم يقصد مطلقا أذيتها.. ولكنه ماعاد يأمن نفسه عليها.. يخشى عليها حتى من نفسه!! يخشى عليها من حبه الذي لعظمته وامتداده ماعاد قادرا على السيطرة عليه!! لذا لتنجو بنفسها منها.. ولينل هو عقابه بعيدا عن دفء موانئها!! ***************************************** " يه.. الحلو هنا؟؟ توقعت بتنامين عند أمش.. ليه ما قلتي لي أجيبش أولا؟؟ وليش ماقلتي لي إنش هنا كان جيت بدري ثانيا؟؟" كاسرة ابتسمت وهي تكتم صوت الأخبار التي كانت تسمعها: سميرة حلفت هي اللي تنام عند أمي.. وجيت مع تميم!! واتصلت لك تلفونك مسكر.. كساب يستخرج هاتفه من جيبه: يوه الشحن خلص.. وحن كنا نلعب بيلوت!! لو دريت إنش هنا كان جيت من بدري بدل ذا اللعبة الفاضية.. اللي حرقت أعصابي وحن الفريق الخسران بعد.. وأنا واحد أكره الخسارة!! قالها وهو يميل ليقبل خدها بتروي.. ثم يجلس جوارها.. همست برقة وهي تمد يدها لتحتضن أنامله: ومن خويك؟؟ عمك منصور كالعادة؟؟ زفر كساب بمرح رائق: لا والله ذا المرة إبي.. وعمي منصور كان مع علي.. وإبي عاد باله مع أمش مهوب معي في اللعبة!! ثم أردف باهتمام وهو يغمز بعينه: إلا الشباب المتزاعلين وش أخبارهم؟؟ ما راضاهم اللي صار؟؟ كاسرة أخبرته أن والدته ستعود ولكن وفق شرط معين أخبرت كساب به.. لأنه بالتأكيد سيلاحظ وجود والده في جناح علي في الأسفل.. لذا لابد أن يتهيأ للخبر.. كساب احتضن كاسرة وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها ويهمس بخبث شاسع: تدرين لو كملوا أسبوع عقب ما ترجع أمش وكل واحد منهم في جناح.. يكون إبي يبي كورس مكثف من عندي!! ويبي دعم لوجستي من ولده بعد!! ************************************* بعد يومين . . . "نجلا الله يهداش جايبتها للمستشفى ليه؟؟ كان خليتيها عند أمي وإلا أمش!! " نجلا تضمها لصدرها بجزع رقيق: ما أقدر ياصالح ما أقدر.. أصلا لاخليتها ودخلت الحمام حتى.. أحس إني مثل المقروصة لين أرجع لها!! صالح ضحك بحنان: وين اللي كانت بتموت من الغيرة من بنتها.. وماتبي غير ولدها.. ابتسمت نجلا بحنان أكبر.. وهي تميل على كف غانم الصغير تحتضنه برفق وتحتضن ابنتها بقوة أكبر بيدها الأخرى: خل ولدي يطلع.. وأقط بنتك عليك.. صالح مازال يضحك: ياخوفي تأخذين الاثنين وأنا أقعد أعد الطوف.. لأنهم بيشغلونش حتى تطلين في وجهي!! ************************************** " يمه الله يهداش.. أشلون تطلعين؟؟ توش مالش 3 أيام.. أنتظري لين تكملين الأسبوع!!" مزنة بإصرار: ما أقدر.. قلبي يغلي على إبي.. والدم خلاص وقف معي.. والإبر بأرجع أخذها في موعدها.. كاسرة بإصرار أكبر: بس يومين يمه.. يومين... جدي كل يوم أطل عليه طيب وبخير.. وضحى باهتمام: حتى أنا يمه كل يوم أمره.. والله إنه طيب.. يمه عليش ذنب في ذا النفس اللي بطنش.. لازم ترتاحين شوي.. مزنة تنهدت حينها وهي تتوجه بالسؤال المباشر لوضحى: زين قولي لي..شأخبارش مع خوات رجالش؟؟ وضحى ابتسمت ابتسامة أقرب للبكاء: هذا أنا أحاول أتصرف بدبلوماسية.. بس شكل الدبلوماسية مهيب نافعة.. كاسرة حينها همست بحدة: أنتي لازم تعرفين أشلون توقفينهم عند حدهم.. مهوب كل شيء يتدخلــــ ....... مزنة قاطعتها بصرامة: كاسرة أظني عطيتش قبل أمر صريح إنش ما تعطين وضحى نصايح في ذا الموضوع بالذات.. كاسرة بغضب: أنا مارضيت أقول كلمة إلا قدامش وإسأليها.. بس خلاص خليهم يركبون على ظهر بنتش.. وبكرة يقولون لها حتى أمش لا تروحين تزورينها... ويربون عيالها بدالها!! مزنة همست لوضحى بحنان حازم: يأمش شوي شوي.. لاتخلينهم يزودونها عليش..بس في نفس الوقت إياني وإياش تقللين احترام وحدة منهم.. مهما كان هذولا عجايز قبل مايكونون خوات رجالش!! وضحى هزت راسها بيأس: خير يمه.. خير!!! مزنة تنهدت وهي تتلفت حولها: سميرة وين راحت؟؟ صار لها ساعتين رايحة.. هذا كله تزور صديقتها.. اتصلي عليها وضحى شوفيها ليش تأخرت.. روعتني عليها الله يهداها.. وضحى باستغراب: أي صديقة تزور.. كل صديقاتها صديقاتي!! كاسرة هزت كتفيها: ما أدري أول ماجيت قالت لي هي تبي تروح تزور صديقة لها جايبة ولد البارحة.. وهما تتحاوران.. دخلت سميرة وهي تسلم.. فاجئتها وضحى بالسؤال: من اللي ولدت؟؟ ماخبرت حد من ربعنا حامل؟؟ سميرة تغمز لوضحى: غادة ولدت.. أنتي نسيتي؟؟ وضحى لم تنتبه بعد للغمزة: أي غادة؟؟ سميرة بتأفف غير ظاهر وهي تغمز لوضحى: غادة يالخبلة.. غادة!! وضحى انتبهت وهمست باصطناع: إيه غادة ياحليلها.. لازم أروح لها أنا بعد.. قد تكون مزنة لم تنتبه لأنها كانت على سريرها ولكن كاسرة لم تفتها الإشارات بل حتى ماقبل الإشارات.. لذا همست بتقصد: زين لا رحتوا كلكم لغادة.. اخذوني معكم أسلم عليها.. سميرة تنهدت.. يبدو أنها مجبرة على إخبار الاثنتين أين ذهبت.. وهو على العموم ليس بالامر الخطير.. وتعلم أن الاثنتين كتومتين لأبعد حد!! ******************************** " ها يا أبيك.. يا الله نروح.. خلني أدعي أمجد يقرب كرسيك!!" عبدالرحمن بتقصد يخفي خلفه توجسا وأملا وإيمانا تعاظمت كلها في نفسه: يبه المسجد قريب من البيت.. وخاطري أول مكان أطلع معك منه أمشي هو المسجد.. أبو عبدالرحمن شعر بتثاقل أنفاسه وهو يهمس بلهفة موجعة: أكيد يا أبيك تقدر..؟؟ عبدالرحمن يشعر بتأثر حقيقي.. فالجو كله يبدو غاية في الروحانية: عطني يدك وإن شاء الله بقدر... أبو عبدالرحمن مد يده ليوقف عبدالرحمن الذي كان على كل حال مازال يصلي على كرسي لصعوبة الانحناء عليه.. ولكنه كان قد بدأ بالوقوف منذ تحسنت حالته.. وهو يصلي خلف والده حتى لا يلاحظه!! عبدالرحمن بدأ يتحرك ببطء ومع كل حركة يقفز قلب أبي عبدالرحمن لحنجرته.. حتى خرجا من باب المسجد وأبو عبدالرحمن يمنع دموعا غالية من الانهمار!! وهو يتمتم بكثير من الحمد والشكر لله عز وجل!! كاد قلبه يتوقف فعلا من السعادة وهما يصلان لباب المجلس ويصرخ لأمجد بفرحة عارمة: ود عبدالرحمن داخل.. أنا رايح ذا الحين أتفق مع المطعم يمد السماط في الصناعية من الليلة!! ********************************************* " ها أم زايد وش أخبار مرت زايد؟؟" عفراء تركب جواره وتغلق بابها بسكون وهي تهمس بنبرة محايدة: زينة الحمدلله؟؟ سألها بشكل مباشر وصريح .. ووديّ: زعلانة عشانها حامل؟؟ عفراء بذات السكون : زعلانة لأ.. متضايقة؟؟ بعد لأ.. بس متأثرة.. وغصبا عني!! حينها هتف منصور بحزم: ترا يأم زايد رجّال غيري.. ممكن يزعل من تأثرش.. عفراء استدارت بجزع وهي تنسى موضوع مزنة : أفا يا أبو زايد.. ليه؟؟ منصور بذات الحزم: لاني شايفش قاعدة تغارين على زايد نيابة عن أختش اللي ماتت من 18 سنة.. يعني أنتي تبين تطابنين بدل قبر؟!! صمتت عفرا.. تعترف أنه أحرجها فعلا.. بل بالغ في إحراجها وبعبارة بسيطة وموجزة وحادة... منصور هتف بذات الحزم: أنا ما أقول إني ما أقدر تأثرش من غلاش عندي.. بس لا جيتي للحق ترا ذا التاثر كله مايدخل ذمة العقل بريال.. يعني لا أختش حية عشان تحس بالقهر.. ولا عيال أختش صغار عشان تحاتينهم.. ولا فلوس زايد شوي.. عشان تخافين عيال مزنة يشاركونهم في الورث.. وزايد من الحين كاتب لكل واحد من عيال أختش اللي يعيشه ملك.. يعني وش مبرر التأثر ذا..؟؟ جعلها تبدو سخيفة ومحدودة التفكير في عين نفسها بالفعل.. ومع ذلك هناك فعلا سبب حساس لتأثرها.. همست بهذا التأثر: يعني ما تشوف إنه كان يحب مزنة وأختي حية وتعرف بعد.. سبب يقهر ويوجع.. منصور بذات الحزم: يوجع ويقهر لو زايد جرح أختش في يوم بكلمة وحدة عشان مزنة أو غيرها وهو قاصد.. يوجع ويقهر لو أختش عادها حية.. بس أختش ماتت.. ماتت الله يرحمها.. ادعي لها بالرحمة وتصدقي عنها.. لأن هذا اللي هي محتاجته بس.. تأكدي إنش لو تخيرينها الحين وهي عند رب كريم.. بين تأثرش ذا السنين كلها.. وبين ريال واحد تصدقين به عنها... فهي بتختار الريال.. *************************************** بعد ثلاثة أيام . . تعود أخيرا لبيتها بعد أن مرت والدها أولا... بدت خطواتها بين ردهات البيت قاسية عليها.. والأقسى على روحها أنها لم تره منذ اشترطت عليه كيفية حياتهما معا!! لم يلاحظ أحد غيابه عن زيارتها... لأن الجميع كان يظن إنه يأتي في وقت عدم تواجده.. بينما هو لم يأتي أبدا!! وهاهي تعود لتنفذ الشرط المتوحش القاس على كليهما!! وكما كان موافقته على شرطها من أجلها.. فهي كان طلبها للشرط من أجله.. ومن أجـــلــه فـــقــــط!!!! تنهدت وهي تستند على يد كساب لتصعد.. كساب كان يريد أن يحملها.. لكنها حلفت ألا يفعل.. لذا كان يسندها وهو تقريبا لا يدع قدماها تلمسان الأرض.. وكاسرة تمشي خلفهما تحمل عباءتها .. حين أوصلها كساب لسريرها.. هتف بمودة: تبين شيء يمه؟؟ همست مزنة بمودة مشابهة: لا فديتك..!! كساب التفت لكاسرة بثقة: باتعشى في المجلس مع إبي وعمي وبأجي.. كاسرة هزت رأسها.. وهي تلتفت لأمها وتهمس بحنان: يا الله بجيب عشا وأتعشى انا وإياش.. مزنة تخلع برقعها وشيلتها وتضعها جوارها وهي تهمس بهدوء: ما ابي ماني بمشتهية.. كاسرة ابتسمت: إذا أنتي ما تبين تغذين أخي.. غذي حفيدش.. أنا جوعانة.. ولو ما تعشيتي ماني بمتعشية.. حينها همست مزنة بسكون موجع : زايد شأخباره؟؟ يأكل زين؟؟ كاسرة همست بسكون مشابه فهي تعرف مشاعر والدتها جيدا وتفهمها: الأيام اللي فاتت أنا مشغولة معش... بس أسأل الخدامة عنه.. تقول الصبح يطلع ماتريق.. ومايرجع إلا في الليل!! في الليل أسأله تعشيت تغديت؟؟ يقول لي الحمدلله.. وما يسأل إلا عن شيء واحد.. عنش.. وعن صحتش؟؟ وعن أكلش؟؟ مزنة صمتت.. الآلام تعاود حصار فؤادها بلا هوادة.. هل يهديها معاناته طوال ثلاثين عاما ؟؟ هاهي خلال أشهر باتت تشعر كما لو كانت تعاني معه منذ الأزل.. متخمة بألم بات يتسرب عبر خلايا جسدها التي امتلئت بقيح الوجع وتشربت به!! وهي صامتة.. لا تشتكي.. ولـــن تشتكي!! ***************************************** " وضحى الله يهداش.. ما أبي مشاكل بينش وبين خواتي!!" وضحى بصدمة: مشاكل؟؟ مشاكل ويش؟؟ أنا اشتكيت لك من شيء؟؟ نايف يتنهد وهو يشد كفها ليجلسها ويجلس جوارها: يا قلبي يا وضحى يا حبيبتي أنتي ما اشتكيتي بس هم يشتكون.. وتونا يا الله كملنا شهر من تزوجنا!! حينها همست وضحى بنبرة أقرب للحزن: وعشانهم هم اللي اشتكوا أكون أنا اللي غلطانة لأني ما اشتكيت ولا فتحت ثمي؟؟ نايف بدأ يشعر كما لو كان في دوامة فعلا.. ويشعر بالصداع من كل هذا.. زفر بيأس أقرب للغضب: أنا قلت لش خليش مرنة معهم.. عجايز وش يبون إلا الكلمة الطيبة؟!! وضحى زفرت بألم حقيقي: زين خلنا من سوالف واجد يوجعوني فيها.. وماقلت لك عنها شيء.. خلنا في الليلة.. وأسأل خواتك لو تبي.. هم عارفين زين إن امي بتطلع من المستشفى الليلة..وكنت علمتهم من قبل إني أبي أروح لها.. ومع كذا جاوو واقعدوا عندي وتعشوا عندي.. ومارحت لأمي ولا فتحت ثمي.. وأنا أرحب وأهلي.. أخرتها مستلمين أمي.. إنها عجوز وحامل وما تستحي على وجهها وليش ما كلت مانع.. أنا وش رديت؟؟ وش قلت؟؟ كل اللي قلته وبطريقة عادية.. هذي أختك فاطمة في سن أمي وحامل.. ليش ماكلت مانع.. وأختك الجازي اللي أكبر منها وأكبر من أمي توها جايبة بزر.. وهي جدة لخمس بزران.. هبوا فيني كلهم.. إني لساني طويل وما أحترم حد ولا أحشم اللي أكبر مني!! تخيل أنا بروحي وهم 3.. وكل وحدة منهم تقط كلمة أكبر من الثانية.. قل لي أنت.. وش تبيني أقول عشان أقوله؟؟ إيه حلال عليكم وحرام على أمي.. وقطعوا في لحم أمي وأنا أسمع عليكم بالعافية.. وضحى كانت تتكلم وصوتها يرتعش.. وهي تصل للختام انفجرت في البكاء.. رغم أنها لم تكن تريد أن تبكي مطلقا!! ولكن رغما عنها.. فقد احتملت خلال الأيام الماضية الكثير من تدخلهم في حياتها.. وهي تحاول بلباقة وذكاء أن توقفهم عند حدود معينة!! لكن أن يصل الأمر إلى تجريحها عن طريق والدتها وبهذه الطريقة المؤلمة.. فالأمر فاق الاحتمال!! نايف شدها بجزع ليحتضنها وهو يهمس بتهدئة حانية: خلاص حبيبتي.. خلاص.. امسحيها في وجهي يا بنت الحلال.. أنا مادريت إن السالفة كذا..!! خلاص أوعدش ذا المرة ما أسكت.. عمتي مالهم طريق عليها يتكلمون عليها وقدامش!! **************************************** " الحمدلله على سلامة أمش مزنة.. عشان ترتاحين شوي وتقرين عندي!! " سميرة تشير بإبتسامة شفافة تخفي خلفها ألما شاسعا: الله يسلمك!! تميم يلاحظ اليوم غرابة في تصرفاتها.. وهو يريد أن يخبرها بأمر مهم لذا أشار بحذر: ترا نتايج الفحوص وصلت قبل كم يوم.. بس أنا كنت أبي أمي تطلع من المستشفى عشان أقول لش!! #أنفاس_قطر# . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وستة " الحمدلله على سلامة أمش مزنة.. عشان ترتاحين شوي وتقرين عندي!! " سميرة تشير بإبتسامة شفافة تخفي خلفها ألما شاسعا: الله يسلمك!! تميم يلاحظ اليوم غرابة في تصرفاتها.. وهو يريد أن يخبرها بأمر مهم لذا أشار بحذر: ترا نتايج الفحوص وصلت قبل كم يوم.. بس أنا كنت أبي أمي تطلع من المستشفى عشان أقول لش!! سميرة كان يرتسم على وجهها الغموض وهي تسأله: وش تقول النتايج؟؟ تميم استغرب عدم لهفتها مع أنها كانت ستموت لتعرف.. ومع ذلك أجابها بحذر وملامح وجهه يرتسم عليها حزن مدروس: أنا عندي شوي مشاكل.. تستلزم إنه كلنا نعالج.. أنتي مافيش شيء بس لأنه مشكلتي عويصة شوي.. لازم أنتي بعد تأكلين علاج عشان الحمل يصير.. لا تحاتين حتى العلاج إن شاء الله ما يطول.. سميرة بذات الإشارة الغامضة: صحيح..؟؟ ياحرام يا تميم.. زين ولو قلت لك ما أبي أكل علاج.. أنا مالي ذنب إن العيب فيك.. عالج بروحك أو كيفك.. تميم شعر بالتوتر لم تعجبه إشارتها ولا نظرات عينيها.. أشار بحزم: لازم تأكلين علاج معي.. هذا حقي عليش!! سميرة حينها أشارت بحزم أشد: زين وليش ما يكون من حقي عليك إنك تطلقني.. دام فيك عيب... مهوب الشرع يقول كذا؟؟ تميم تراجع بحدة: أطلقش؟؟ أنتي صاحية؟؟ أقول لش مشكلتي لها علاج.. مستكثرة علي تستحمليني شوي لين أتعالج..؟؟ شوي بس.. سميرة تزداد ملامحها صرامة: زين أنا أبي أشوف النتايج بنفسي.. تميم ارتبك: بلغوني النتيجة بالتلفون!! سميرة بحدة: توك تقول إنها وصلت.. أشلون الحين بلغوك في التلفون.. وإلا قل إنك تبي تأخر علي الخبر وبس.. لين أزهق وما أقول وين الأوراق.. تميم مصدوم بالفعل ومجروح.. لم يتخيل أن ردة فعلها ستكون جارحة له هكذا!! لذا انصدم من انهيار الملامح الحازمة على وجهها فجأة.. وهي تنتحب بحدة وتنهار على الارض.. تميم نزل جوارها على الأرض ليحاول تهدئتها وهي تتعلق بعنقه وتنتحب.. دموعها أغرقت عنقه بلهيبها.. وأحرقت قلبه بمرارتها.. استغرقت وقتا طويلا قبل أن تهدأ.. ليبعدها عنه برفق ويمسح وجهها ثم يشير لها بيأس: ليه تبكين حبيبتي؟؟ لذا الدرجة مالي خاطر عندش وتبين تخليني؟؟ والله العظيم المشكلة لها علاج.. حينها أشارت سميرة بيأس موجع من بين شهقاتها: والمشكلة اللي تقول لها علاج عند من؟؟ تميم تراجع وهو يشير بحزم يخفي ارتباكه خلفه: عندي أنا!! سميرة بألم: أنت كنت عارف عن نتيجة الفحوصات وحن عادنا في ألمانيا.. بس ماكنت تبي تقول لي!! تميم بارتباك: مهوب صحيح!! سميرة بألم أعمق: إلا صحيح .. ليش يعني لذا الدرجة خايف ما استحمل الخبر تقوم تلزق العيب فيك!! تميم تراجع بصدمة: وش ذا الكلام؟؟ سميرة ممزقة تماما : لأنه هذا هو الصحيح.. العيب فيني ومهوب بسيط مثل ماتقول.. وعلاجه طويل وصعب.. تميم بصدمة أشد: من اللي قال لش؟؟.. أنتي لقيتي النتائج؟؟.. مستحيل.. أنا مخليها في خزنة مكتبي في الشغل.. سميرة تمسح أنفها المحمر لتشير بألم: سويت فحص ثاني في الأهلي يوم عمتي مرقدة هناك.. تميم شدها ليحتضنها بقوة.. كان يريد تجنيبها الألم الذي يعرف أنها تعانيه الآن.. لم يخبرها في البداية حتى لا تسأله عن الورق.. ثم احتار ماذا سيقول لها وكيف.. حتى توصل لهذه الكذبة غير المتقنة.. ولكنها كانت أفضل ماوجد.. شدها ليوقفها .. وأجلسها على الأريكة.. أشار لها بحنان غامر: اسمعيني عدل.. أنا وأنتي تونا صغار.. والعلم تطور واجد.. والمشكلة اللي معش حتى لو كانت صعبة شوي بس لها علاج.. ليه مسوية ذا المناحة ياقلبي؟؟ سميرة دموعها تأبى التوقف: وأنت وش ذنبك تجبر نفسك تعيش مع وحدة يمكن تكون عاقر!! ابتسم تميم وهو يمسح وجهها ثم أشار بذات الابتسامة الشفافة: مثل ذنبش إنش عايشة مع واحد أصم أبكم.. سميرة أمسكت بكفيه وثبتتهما في حضنه وهي تشير بغضب: ما أسمح لك تقول على نفسك ذنب!! تميم أشار بولع: وأنا ما أسمح لش تقولين على نفسش كذا.. أنا أحبش ياسميرة.. ولو خيروني بين الدنيا كلها وبينش.. كفتش بترجح.. يعني قبلتيني على عيبي وهو عيب ماله علاج.. ما تبيني أقبلش على عيب له علاج!! ************************************** " علوي حبيتي؟؟" عالية ترفع رأسها عن تقارير تعدها وتنظر لعبدالرحمن الذي أنزل حاسوبه جانبا وتهمس بمودة: آمر دحومي!! عبدالرحمن بمباشرة: أبي أسوي لش عرس.. عالية كحت ثم ضحكت: نعم؟؟ عرس؟؟ عبدالرحمن بجدية: إيه عرس.. عالية مازالت تضحك: نكتة الموسم ذي؟؟ عبدالرحمن بجدية أكبر: والله العظيم أتكلم من جدي.. خاطري أعوضش عن كل شيء.. وإحساسي بالذنب ذابحني.. لحد الحين ماني بقادر أتجاوز سالفة إني حرمتش فرحتش.. عالية وضعت أوراقها جانبا ثم نهضت لتجلس جواره وهي تشد على كفه وتهمس برقة: أنت واللي في بطني فرحتي.. عبدالرحمن تنهد: زين بنسويه شيء على الضيق.. حتى لو تبين أنا وأنتي بس.. تلبسين فستان أبيض.. تصورين.. شيء نحتفظ فيه ونوريه لعيالنا.. عالية ابتسمت: صدقني ياعبدالرحمن شيء ماله معنى.. يمكن فيه بنات فرحتهم باستعدادهم لعرسهم وتلبس فستان.. بس كلهم نفس الشيء.. لكن أنا كنت شيء مميز.. تدري عبدالرحمن حسيت إني بطلة قصة خرافية.. والبطل خطف البطلة.. قصتي هي اللي بأحكيها لعيالي.. مهيب صورة بليدة داخل ألبوم كنه فستان العيد.. عبدالرحمن ضحك بأسى: والله على البطل اللي خطف البطلة.. مكسح وعلى كرسيه.. ضحكت عالية: الحين قول مكسح على كيفك.. صارت ذكريات صدقني إنها رغم قسوتها حلوة.. أردفت بعمق: تجربتي معك بكل اللي صار فيها.. اختارها بدل مليون عرس.. تجي تقول لي عرس وفستان أبيض.. لكل شيء إحساسه في وقته!! ************************************* " يبه من جدك أنت موافق على خرابيط كل واحد منكم في جناح.. مرتك فوق وأنت تبي ترقد هنا بروحك؟؟" زايد هتف بحزم وهو يجلس على سرير علي الذي أصبح سريره: تبي ترقد عندي.. ماعندي مانع.. كساب بنبرة مقصودة: لا والله اسمح لي.. مرتي تنتظرني فوق.. وفيه وحدة فوق بعد راقدة بروحها خايفة ماعندها حد.. اكسب أجر فيها.. وخصوصا إنها تعبانة.. تبي من يوديها الحمام.. يعنـز لها.. زايد بحزم: بتنام عندها الخدامة.. أنا ملزم عليها.. ولولا إني ذال إنك تنتحر وإلا كان خليت كاسرة تنام عندها.. كاسرة بالفعل استأذنت كساب أن تنام عند أمها وهو أذن لها.. ولكن مزنة حلفت ألا تنام عندها.. وقالت أنها ليست بحاجة لها في وجود الخادمة معها.. لذا هتف كساب بنبرته اللئيمة: وأنا وش ذنبي في زعلكم.. ماصدقت الجو يروق بيني وبين مرتي.. عقبالكم.. زايد شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: اسمعني زين.. عشانك معنا في البيت.. وداري إنه بيننا خلاف.. ما يعطيك الحق تتدخل بيننا.. آخر مرة أسمح لك تتكلم في ذا الموضوع... وياويلك أخوانك يدرون به.. كساب هز كتفيه وهتف بحزم مشابه: بكيفك.. خلكم عايشين الدور البايخ الله يهنيكم.. كساب حين وصل للأعلى.. همست له كاسرة بلهفة: وش سويت معه؟؟ كساب هز كتفيه بحزم: نفس اللي سويتيه مع أمش.. كاسرة بخيبة أمل: أمي مافي أذنها ماي.. (يعني مصممة على رأيها!!) كساب بحزم: وهو مثلها.. خلاص خليهم على ذا الحال.. لين ينضجهم الشوق.. ثم أردف بإبتسامة: وعقبه تلاقين إبي مثلي يتعربش على الدرايش!! ثم أردف بخبث: وأنتي وش سويتي عشان أمش تسوي مثله..؟؟ ضحكت كاسرة برقة: تسوي روحها زعلانة من علبشته على الدرايش وهي اللي خلت الدريشة مفتوحة.. ضحك كساب: يا النصابة مافتحتي لي الدرايش.. إلا كل يوم مسكرتها.. وأنا البرد يلفحني وأنا أحاول فيها لين أفتحها.. *************************************** اليوم التالي . . يجلس على مائدة الإفطار.. معه كساب وكاسرة.. عيناه تبحثان عنها بوجع.. ربما كانت أكثر مرة يلتهم فيها فطورا في حياته.. كان يأكل ببطء حتى لا ينتبها أنه ينتظر شيئا ما.. حتى غادر كساب وكاسرة لعملهما.. ما أن غادرا حتى بادر بسؤال الخادمة بنبرة حازمة تخفي خلفها لهفة موجعة: مدام مزنة وين؟؟ الخادمة بعفوية: راحت بابا كبير قبل شوي.. زايد بتأفف خافت: وأنا قاعد حارس الفطور أحسبها بتجي.. ثم أردف باهتمام: ماكلت فطور..؟؟ الخادمة باحترام: أنا كلام مدام يبي فطور.. هي كلام أكل سوا بابا كبير.. زايد تنهد .. يريد أن يراها فقط.. لا يطلب الكثير.. يريد الاطمئنان على وضعها.. فهل هذا كثير؟؟ ************************************ " حبيبي أنا آسفة لو كنت أحرجتك مع خواتك!!" نايف يتنهد: لا أحرجتيني ولا شيء.. هي كلمة حق وقلتها.. وهم فعلا قالوا إنهم قالوا الكلام اللي قلتيه.. نايف يشعر بصداع فعلي.. فحوار حاد دار بينه وبين شقيقاته.. فهن اعترفن أنهن من بدأن فعلا وأنهن قلن ماذكرته زوجته .. ولكنهن مهما يكن سيدات كبيرات.. وهن يتوقعن منها الاحترام لأنها في سن بناتهن.. ولا يرضين أن ترد عليهن بهذه الطريقة الندية.. نايف لا يعرف فعلا كيف يتصرف معهن.. لكنه مبدئيا قال لهن بكل مودة واحترام : يعني مرتي وأهلها ما يستحقون تحترمونهم عشاني.. وإلا أنا مالي قدر عندكم.. لأنه لو لو لي قدر عندكم وإلا تحيوني مثل ما تقولون.. ماكان ضايقتوا مرتي بذا الطريقة... لأني أنا اللي عايش معها.. ولو هي تضايقت أنا بأتضايق.. معنى كذا إنكم تبون تضايقوني أنا من البداية!! أخواته صمتن.. لكنه يعلم أنهن غير راضيات .. وسكتن على مضض!! "الله يعدي كل شيء على خير!! " *************************************** بعد أسبوعين.. . . " جميلة.. أنتي زعلانة علي؟؟" جميلة انتفضت بجزع رقيق: لا والله.. ليش تقول كذا؟؟ فهد تنهد ثم هتف بحزم: مهوب أنا اللي أقول.. تصرفاتش اللي تقول.. جميلة بيأس: ليه أنا وش سويت؟؟ فهد همس بيأس أشد قسوة.. فهو عاشق يشعر أنه لا يلاقي مايوازي عشقه: جميلة كملت أكثر من 3 أسابيع من يوم رجعت.. وأنا ما باقي في قواميس الدنيا كلام حلو ماقلته.. وأنتي بصراحة باردة معي بشكل موجعني.. جميلة بيأس مختلط بالحزن: ليه وش اللي قصرت فيه؟؟ فهد تنهد بوجع: أدري ماقصرتي بشيء لا في حقي ولا في اهتمامش بأغراضي وملابسي.. ولا حتى في احترامش لهلي.. وأدري إني أكون متطلب لو طالبتش بشيء أكثر.. بس اللي يحب ما يبي من حبيبه يعامله كأنه مجرد واجب يسويه على أكمل وجه وخلاص.. جميلة أنا أحبش فوق ما تتخيلين.. وأنتي صرتي عارفة ذا الشيء زين!! ما أقدر أجبرش تحبيني غصبا عنش.. بس على الأقل أبي أحس إنه فيه أي مشاعر في قلبش لي.. مودة على الأقل!! ثم أردف بسخرية موجوعة: صرت أحس إنش تستانسين يوم أتأخر.. كأنه وجودي ثقيل على قلبش.. جميلة تشعر بحرج فعلي.. أ لهذه الدرجة مشاعرها واضحة له؟؟ رغم أنها تحرص ألا تظهر.. همست باصطناع: فهد حرام عليك.. صدقني أفكارك هذي كلها غلط.. هز كتفيه بذات السخرية المرة: إيه غلط!! فور انتهاءه من عبارته تصاعدت طرقات حادة على باب جناحهما.. جميلة انتفضت بجزع.. بينما فهد توجه ليفتح ليعود لها بعد دقيقة وهو يهمس باستعجال ويرتدي ملابسه: بسرعة جميلة بدلي والبسي عباتش.. مرت عبدالله بتولد.. وهو مايبي يقول لأمي ولا أمها يروعهم .. وأختي وأختها حوامل.. ويبي وحدة تدخل معها للولادة.. *************************************** " فهد يا أخيك ما تقدر تكلم مرتك تطمنا.. أعصابي مهيب مستحملة!! " فهد بحزم: عبدالله اصطلب شوي.. قلت لك قبل تلفونها مسكر.. وأنا قايل لها لو صار أي شيء تطلع وتطمنا.. شوف حالتك.. ما باقي إلا تبكي!! عبدالله زفر: تدري فهد ترا ماني بناقصك الله يرحم والديك!! فهد جالس في مقعده ينظر لعبدالله الذي لم يجلس حتى.. رغم مرور أكثر من 3 ساعات على وصولهم.. يروح ويأتي.. وهو حينا يزفر.. وحينا ينظر للساعة.. وحينا يتمتم بالدعاء.. "أ يُكتب لي أن أشعر أنا بهذا التوتر اللذيذ والانتظار الشهي في يوم من الأيام؟؟ قد أكون ألوم عبدالله ظاهرا.. لكن قد يكون ما أشعر به هو محض غيرة صافية.. يحبها وتحبه بجنون.. والكل يعلم ذلك!! ينتظران مولودا يتوج هذا الحب والسعادة.. وأنا كل ما أنتظره أن تشعر بي فقط!! لا أنتظر مولودا أعلم أنه قد لا يأتي مع ما مرت به من ظروف من صحية.. أنتظر إحساسا فقط.. محض إحساس!! " بعد دقائق رن هاتف فهد.. فهد خرج من استراحة الرجال للممر.. عبدالله لم يستطع الصبر حتى وهو يخرج خلف فهد.. سيجن من قلقه على جوزا ورعبه من أجلها.. جميلة حين رأت عبدالله مع فهد ابتسمت بشفافية وهي تهمس باحترام رفيع: مبروك يا أبو حسن جالك ولد يجنن.. يشبه حسون.. عبدالله بأنفاس ذاهبة.. كان يشهق: المهم جوزا.. جوزا أشلونها؟؟ ابتسمت جميلة بتاثر: جوزاء طيبة.. وولادتها كانت من أحسن وأسهل مايكون ماشاء الله.. حينها تنفس عبدالله بارتياح وهو يزفر بسعادة محلقة: الحمدلله الحمدلله.. فهد ابتسم: ألف مبروك يأبو حسن.. على البركة الرجّال.. عبدالله احتضن فهد وهو يهتف بسعادته الغامرة: ترا الرجّال اسمه فهد عليك!! ********************************* اليوم التالي . . . " كذا يام حسن تسمون الولد على فهيدان وأنا اللي قاعد حارس حسون في البيت عقب ماكدرتوا نومي.. ما تسمون علي!! يعني عشان فهيدان ترس لكم الغرفة ورد وحلويات..؟! لو سميتو علي كان جبت لكم وردتين من الزرع اللي على الكورنيش.. وقوطي رهش من سوق واقف !!" جوزا تهمس بإبتسامة أخوية من خلف جلالها الذي يغطي وجهها: ماعليه يا ابو خالد السموحة ذا المرة.. جهز لنا الوردتين وقوطي الرهش حق ولادتي الجاية إن شاء الله!! هزاع يميل على كتف أمه مقبلا: شهدتي يمه؟؟ مهوب يكذبون علي.. ترا الولد الجاي حقي وباسمي.. كيفي فيه عقب.. إن شاء الله أقلصه في الجيب!! ضحكت أم صالح: شكلهم يأمك بيدعون ماعاد يجيهم إلا بنات.. هزاع بتأفف: أفا يأم صويلح كذا.. تشتمين الأعادي فينا.. عالية تضحك: الأعادي هذي مقصود فيها أنا؟!! هزاع بمرح: أنتي قلتيها مهوب أنا... ماتبين لش أنتي بعد وردتين وقوطي رهش؟؟ عالية بإبتسامة مرحة: لا يأختك.. الله الغني... عادني ابي ولدي.. دور لك خروف تقلصه في جيبك!! ثم أردفت بذات الابتسامة: يا الله قوم بسلامتك... لمتى وأنت مبلط.. عبدالله راح وأنت قاعد.. هزاع يعدل غترته فوق رأسه ويهمس بمرح: القعدة عند الوالد تونس... عيشة وفلة حجاج.. عالية بمرح: خلني لين أولد وأتنفس وأجي عندكم وتشبع عيشة يا الدب.. قوم خالاتي بيجون الحين.. قلنا لك ألف مرة.. وعبدالله استحى على وجهه وراح وأنت السحا ماتعرفه..!! هزاع بحماس: يا سلام خالاتي جايين.. وهذا المطلوب.. خالتي الجازي بتجيب عصيدة؟؟ أموت على عصيدتها.. عالية تشده لتوقفه: خلاص قوم.. عط أم حسن مجال تتنفس.. وخالاتي بناتهم معهم بتقعد معهم بعد؟؟ هزاع بتأفف مازح: واخيه على كذا بنات.. هذولا تسمينهم بنات..؟؟ اللي مهيب النوري هي الوحيدة اللي تنبلع لا صار معها ماي بس.. وإلا الباقيات أنا أحلى منهم.. أردف بمرح وهو يقف ويتجه لسرير فهد الصغير ويضع فيه ظرفا: أنا بأروح عشان خاطر أم حسن بس تأخذ راحتها!! *********************************** " لو أدري خالاتش هنا كان أجلت زيارتي شوي.." عالية تبتسم وهي تميل على أذن وضحى بخفوت: اللي يسمعش مايقول إنهم كل يوم طابين عليش في البيت.. وضحى بإبتسامة.. فشر اليلية مايضحك: ماعليه في البيت الفضايح ملمومة.. أخاف الحين يقطون كلمة مالها سنع ويحرجوني قدامكم.. عالية بتحدي: خلهم يقطون.. واعرفي أشلون تردون عليهم!! ثم أردفت في أذنها: خالاتي احترميهم بس عرفيهم حدعم.. هم صحيح ماراح يخلون قط الحكي بس ترا الوضع بيكون أخف عليش بواجد.. شوفي الحين.. ماعاد يوجعون جوزا بالحكي مثل أول.. لأنها ردها جاهز عليهم.. ترد كلمة جامدة وباحترام.. جميلة مايقولون لها شيء لأنهم خايفين من فهد يشرشحهم.. وفهد في الحق ماعنده يمه ارحميني!! وسرعان ماحضر ماتخشى منه وضحى.. إذا هتفت نورة بصوت عالي: ها وضحى وأنتي ماسويتي شيء..؟؟ عالية كانت من ردت باستظراف مصطنع: سوت قهوة وشاهي وهذي هي جابتها معها.. وجابت لنا سلة ذا الشكولت الفخمة الذوق اللي يخلي غاليها.. نورة بحدة: ما سألتش يا بنت صافية..!! كم مرة قلت لش اللقافة شينة.. أنا أسأل مرت أخي.. أم صالح كانت هذه المرة من ردت بحدة: وبنت صافية وش فيش حاطتها على رأسش..؟؟ وخلي مرت نايف منش.. البنية توها مالها شهر ونص معرسة.. لو صار شيء بتدرين به!! نورة بغضب: إنش اللي مقوية رأس بنتش.. ماكني بأختش الكبيرة وأكبر خالاتها.. ترد الكلمة بكلمة!! صافية ردت بغضب مشابه: على رأسي وأنتي دارية.. بس مافيه داعي تحرجين الوضيحى.. توها تقول ياهادي!! الاثنتان سكتتا.. مع همسات شقيقاتهما المتواجدات..(بس الله يهداكم) وضحى مالت على أذن على عالية بحرج: شفتي الإحراج.. وخالتي أم صالح تمشكلت مع أختها بسبتي.. عالية باستغراب: صحيح أمي أحيانا ترد عليها.. بس لا استفزوها صدق.. بس الحين توها خالتي نورة تسوي تحمية مابعد نزلت الملعب.. غريبة حدة أمي!! أم صالح تتنهد في داخلها.. لم تكن تريد الرد على نورة.. ولكن نايف رجاها بشدة أنه في حال تواجدها.. ألا تسمح لشقيقاتها الأخريات بمضايقة وضحى!! وأن تخبره بالذي يحدث!! فهو متعب من هذا الأمر ويريدها أن تساعده.. وهي تدخلت هذه المرة من أجله!! لم يطلب من عالية.. لأن عالية سيبقى لها حدود تلتزمها.. وهن سيغضبن منها.. لكن صافية يعلم يقينا اتفاق شقيقاتها على معزتها!! ************************************** " يا الله يا ام حسن.. صحيح ماطولتي في الولادة.. بس مرت علي ذا الثلاث ساعات كنها ثلاث سنين!!" جوزا شدت على أنامل عبدالله التي تحتضن كفها وهي تهمس بتأثر: الله لا يحرمني منك.. الحمدلله على عطاه يوم عطانا.. ابتسم عبدالله بمرح وهو يقف ويميل على الصغير ليقبله: عقبال ما تجيبين لنا بنوتة.. خلاص مانبي عيال.. عشان ما ينشب لنا هزاع بالوردتين وقوطي الرهش.. ضحكت جوزا: ياحليله هزاع.. يستاهل نسمي عليه.. هو أكثر واحد خاطره وسيع على البزران هو الوحيد اللي يستحمل ولدي وعيال صالح لا تجمعوا عليه!! وبعدين يا أخي أخاف أجيب بنت يجيك حالة أخيك صالح.. عبدالله يعود ليجلس جوارها على السرير ويحتضن كتفيها بولع باسم: لا صالح انعدل حاله الحمدلله.. وأنا الحمدلله حالي معدول من زمان!! ************************************ " ياحليله أخيك عبدالله.. مابعد شفت رجال جنتل وحساس كذا.. لدرجة إنه يحلف ماحد يبات عند مرته غيره!! " فهد ابتسم: ولا يهمش.. لا ولدتي.. والله مايمسي عندش حد غيري.. دام بتمدحينا.. جميلة همست بانكسار: فهد أنت تعايرني عشان عارف إني عندي مشكلة في الحمل..؟؟ فهد بجزع رجولي حقيقي وهو يشد كفيها: والله العظيم ولا خطر ببالي.. أنا كنت أمزح معش بس!! جميلة شدت كفيها من يديه وهي تهمس بذات الانكسار: وإلا تقصد.. عادي!! فهد تنهد وهو يشدها ليحتضنها ويهمس في أذنها بوجع رجولي خالص: ياشينه الواحد لا درا بغلاه.. ويدور اللي يوجع مغليه!! مايوجعني كثر ذا النظرة والنبرة!! **************************************** بعد أربعة أشهر . . . " الحين يمه من أكبر.. فهودي وإلا غنوم؟؟" نجلا تبتسم وتجيب ابنها خالد: غنوم أكبر بحوالي شهرين يأمك.. خالد بتأفف طفولي: زين ليش فهودي أكبر من غنوم؟؟ جوزا انفجرت بالضحك: نجلا.. كنه ولدش يتنظل ولدي؟!! عالية تضحك وهي تشد خالد وتحتضنه وفقا ما يسمح لها بطنها المتضخم بعد أن دخلت شهرها السابع: هذا يا حبيب عمتك.. عشان أمك جابت فيران.. مهوب بزران.. فلا تقارنهم بالبزران العاديين.. جميلة تضحك وهي تشد خالد ناحيتها وتحتضنه برقة حانية: حرام عليش عالية.. صدق ما عندش إحساس.. تقولين للبزر كذا؟!! ثم أردفت بحنان شفاف: حبيبي خلود.. غنوم ومهاوي كانوا تعبانين شوي.. كل ما يكبرون كل ما يصيرون أكبر!! خالد يمد أنامله الصغيرة ويشد لفات شعر جميلة اللولبية التي طالت قليلا لتصل إلى كتفيها.. ويهمس بطفولته الشفافة: خالتي جميلة لا جبتي أنتي وعمي فهد بنت.. أنا بأتزوجها.. عشان بتصير حلوة مثلش!! عالية تضحك: الولد هذا خربان.. أكيد هزاع مخربه!! نجلا تضحك: لا والله لا تتهمون هزاع ظلم.. هذا صالح قلبه أخضر.. يقول لهم اللي من عمانكم بيجيب بنت حلوة بنأخذها.. والشينة بنخليها لعيال عبدالله!! جوزا بمرح: يا سلام عليكم.. واحنا يعني مسمين على فهد ببلاش.. بنت فهد لنا.. وأنتو خذوا بنت غانم اللي سميتوا عليه.. هذي مزون حامل.. جميلة سكتت.. مشاعر متضادة اخترقت روحها.. قد تكون لا تريد أن تحمل.. وتحمد الله أن حملها تأخر.. فمشاعرها تجاه فهد مازالت تعاني البرود والضبابية والجمود رغم محاولاتها لتغيير مشاعرها تجاه شيء أكثر إيجابية.. ولكنها على الجانب الآخر.. لا تنكر رغبتها لتصبح أم.. فمهما يكن هذه رغبة مغروسة في كل أنثى.. أخرجها من أفكارها اتصال من فهد يطلب منها أن تحضر له.. استغربت.. (هل يكونون قد انتهوا من غداء يوم الجمعة المعتاد؟؟) جميلة استاذنت لتخرج مع مجموعة من التعليقات غالبها من عالية.. حين وصلت للأعلى.. وجدت فهد قد فتح حقيبته على السرير.. همست باستغراب: بتسافر مكان؟؟ فهد باستغراب أكبر: بأسافر؟؟ قايل لش قبل كم يوم إني الجمعة بأسافر عندي دورة أسبوع في الامارات!! ثم أردف بتذكر يائس: إيه نسيت... أكيد كنتي منتي بمنتبهة معي كالعادة!! جميلة تحاول بحرج أن تتذكر.. فلا تستطيع.. والمأساة أنه محق.. فهو في أحيان كثيرة يندفع في الكلام.. لتسرح هي ولا تركز في شيء مما يقوله لشعورها بالتأفف من كثرة حديثه.. وهي لا تريد أن تبدو أمامه غير مهتمة ..فتسرح..!! جميلة أجابته بإصطناع: إيه تذكرت.. سامحني.. كان لازم أرتب شنطتك قبل.. صمت وهو يجلس جانبا.. مطرزا بحزن شفاف.. يعلم أنها لم تتذكر.. بل يعلم ماهو أكثر من ذلك ألما... يعلم أنها لولا شعورها بالخجل وإلا لا كانت انفجرت أمامه الآن من الضحك لشدة سعادتها أنه يفرج عنها أخيرا!! والمأساة أنه كان محقا أيضا.. فجميلة كانت تغالب ابتسامتها حتى لا تظهر.. فهي فعلا سعيدة أنها أخيرا ستأخذ مساحة من الحرية بعيدا عنه.. فطوال الأشهر الماضية.. كان عمله له طبيعة معينة.. فلم يكن يتغير.. بل في وقت ثابت صباحا كدوام الموظفين.. لذا لم يسمح لها أن تبات عند أمها ولا لليلة واحدة.. وهو ملتصق بها بطريقة كانت تثير ضيقها.. ومع ذلك تحاول أن تظهر رضاها الذي كان يعلم أنه ليس أكثر من رضى مصطنع.. وهو يقول لنفسه: " (كثر الدق يفك اللحام) لو سمحت لها أن تبتعد عني.. ستعتاد.. أريدها أن تعتاد على وجودي في حياتها.. أريدها ان تشعر في قربي .. ببعض مما أشعر به في قربها.. أريدها أن تشعر أي لهيب يحرقني وهي في حضني.. بينما هي تتسربل بالصقيع الذي أحاول يائسا ألا يصل لعمق روحي!!" جميلة أنهت الحقيبة وأغلقتها.. وقف ليقترب منها وهو يهتف بسكون: تبين أوديش هلش الحين؟؟ همست برقة: لا.. بأتغدى مع أمي صافية والبنات.. وأرتب مكاني.. والعصر بأخي أمي ترسل سواقتها لي!!! تروح وترجع بالسلامة.. هتف بذات السكون: من قلبش ذا الدعوة؟؟ جميلة همست بغضب عذب: فهد وش ذا الكلام؟؟ فهد هز كتفيه وهو يتناول الحقيبة وينزلها أرضا: أحسه عادي عندش لو رحت.. وما رجعت!! جميلة بذات الغضب الرقيق: إحساسك هذا أسخف إحساس ولا له معنى..!! فهد شدها ليحتضنها بقوة.. رغم أن عظامها آلمتها لشدة احتضانه لها ولكنها لم تقل شيء وهو ينهي احتضانه لها بقبلة على أذنها.. وهو يهمس في داخل أذنها بوجع يختفي في طيات حزم صوته: اللي موجعني إنه إحساس صدق وأنتي عارفة إني عارف!! جميلة صمتت.. ماذا لديها لتضيفه وهو يحمل حقيبته ويهتف بحزم: أنا حطيت في حسابش فلوس زيادة من أمس.. سلمي لي على عمتي وخلي بالش من نفسش!! جميلة همست برقة: زين طمني عنك أول ما توصل!! أجابها بسكون: ما أقدر أكلمش... بيأخذون تلفوناتنا أول مانطلع الطيارة.. بأرجع السبت الجاي إن شاء الله.. لن يأخذوا هواتفهم.. لكنه قرر أن يريحها فعلا منه.. ويريح نفسه من لهفته التي يعلم أنها لن يجد مقابلا لها إلا البرود أو اهتمام مصطنع سيؤلمه أكثر من برودها.. وما يؤلمه أكثر وأكثر أنه يعلم أنها لن تكلف نفسها أن تتصل بهاتفه حتى.. لتعلم هل هو محق أو لا...!!! ما أن أغلق الباب خلفه حتى تنفست جميلة بعمق.. وهي تشير بيدها علامة (yes) وتهمس بسعادة: يس.. يس.. يس.. وأخيرا.. أجازة لي.. حتى المكالمات رحمني منها.. ما بغى يفارق ويفك مني شوي.. كنت خلاص بانفجر من ثقل وجوده على قلبي.. *************************************** يتحسس بطنها المتكور بحنانه الخاص وهو يهمس بنبرة حنانه الخاصة أيضا: مهوب كن بطنش صغير... بطن عمتي أكبر!! ابتسمت كاسرة وهي تضع يدها فوق يده برقة: أنا في السابع وأمي في الثامن.. يا أخي خل غيرك هو اللي يراقب بطن أمي.. كساب ابتسم: غيري راقب لين أحولت عيونه.. شوفيه بس لا مرت عليه يحط نفسه مهوب منتبه وهو ماباقي إلا ينط من مكانه.. حركات عاجنينها وخابزينها.. كاسرة تنهدت: والله طولوا واجد وحالهم مايسر.. والمشكلة رأسهم يابس اثنينهم.. كساب بثقة: خلينا منهم.. تعبونا معهم كنهم بزران.. أنا عندي اقتراح.. اشرايش أروح أنا وأنتي للمزرعة يومين.. الجو الحين يجنن.. وخاطري اقعد انا وانتي بروحنا لا شغل ولا دوشة.. كاسرة بتردد: وأمي أخليها بروحها؟؟ ثم أردفت بابتسامة لا تخلو من خبث: أخاف عليها من إبيك.. وهم بروحهم في البيت.. كساب بابتسامة محملة بالخبث: ياحرام مساكين.. قاعدين بريحاتهم لا أنيس ولا ونيس.. والشوق ذبّاح.. والشيطان شاطر!! و.......... كاسرة احتضنت رأسه وهي تضحك برقة: بس كساب الله يقطع ابليسك!! اسند رأسه لصدرها وصمت.. مكتفيا بسماع دقات قلبها وأناملها تعبر خصلاته بحنان.. طوال الأشهر الماضية.. تبادلا سعادة صافية حقيقية.. لا يخلو الأمر من مشاحناتهما المعتادة وحدة شخصياتهما.. ولكن كل منهما بدأ بتقبل ذلك كجزء من بهارات الحياة.. كاسرة تمرر أناملها بين خصلاته بولع حقيقي.. قد يكون مطلقا لم يقل لها أنه (يحبها ) ككلمة.. ولكنها ماعادت بحاجة لسماعها لتعلم كم يحبها!! أصبحت تعلم يقينا أن الحب ليس مجرد كلمة تُقال.. بل هو موقف ومسؤولية وإحساس.. وكلها منحها إياها كساب.. كما منحته هي إياها.. تنهدت وهي تشعر بالندم على كل لحظة أضاعتها في انتظار هذه الكلمة وكساب أمامها وبين يديها.. شدت رأسه لتحتضنه بقوة أكبر.. (أنت أكبر من كلمات الحب التي قيلت والتي لم تُقال!!) لا تنكر أنها تتمنى سماعها من بين شفتيه.. لأنها تشعر أنها ستنفجر لتقولها له.. تشعر أنها من بين شفتيه ستكون كقنبلة لا مثيل لقوتها بين حناياها.. ستفجر كل مشاعرها المكبوتة.. والتي تحاول إظهارها وتجد نفسها عاجزة ولا تعلم السبب.. **************************************** كم هو محق ابنه اللئيم..!! يراقبها بوجع.. بل بما هو أشد من الوجع!! يراقب تغيراتها بدقة.. بطنها التي تكبر.. وهو يشعر أنه سيذوي لمجرد أن يتحسسها بيدها!! تتحاشى أن تتصادف معه.. وقد يمر يومين أو ثلاثة لا يراها.. يشعر حينها أنه أوشك على أن ينضج تماما.. ويحاول أن يصتادها حينها بأي طريقة.. يرابط في الصالة السفلية قريبا من الدرج وهو يدعي مشاهدة الأخبار!! أو يذهب لزيارة والدها في غرفته!! حينا تنجح محاولاته وأحيانا تفشل.. وكل ما يناله منها حديث رسمي مقتضب.. والمؤلم أكثر من كل شيء!! والجارح لأبعد مدى!! أنه لم يرى وجهها منذ آخر مرة رآها في المستشفى!! فهي تنزل وتصعد ببرقعها على وجهها كعادتها!! سيموت ليرى ابتسامتها فقط!! وما يؤلمه أيضا.. (ويا لا كثرة مابات يؤلمه..!!) أنه منذ أشهر.. منذ تحسنت حالتها الصحية.. وهو يعلم أنها من ترتب جناحه وملابسه.. يعرف لمساتها.. يشعر بها!! حين يدخل.. يكاد يقسم أنها كانت هنا قبل ثوان... فمازالت رائحة عبقها تعطر الجو.. وتعتصر قلبه بلا رحمة.. حاول جاهدا أيضا أن يصتادها ولو لمرة واحدة في جناحه.. فقد يرى وجهها حينها.. ولكنه في هذا الأمر لم ينجح ولا لمرة واحدة!! منذ ماحدث بينهما في المرة الأخيرة وهو يراجع طبيبا نفسيا.. الطبيب يقول له منذ عدة أسابيع أنه ماعاد فيه ما يستدعي الزيارة!! فكل ماهنالك أنه رجل عاشق عجز عن السيطرة على مشاعره وأظهر عقله الباطن هذه المشاعر سواء بمناداته له أو بإمساكه القوي له.. كل ما يحتاجه هو تقنية السيطرة على مشاعره وتوجيهها التوجيه الصحيح.. فهو كان يناديها واستمر في منادتها لأنه لم يخبرها بمشاعره كما يجب!! لو أنه لم يسكت عن إخبارها بمشاعره بعد أيام من زواجهما.. لكان كبت السنوات كله ليخفف رويدا رويدا.. لتتحول مشاعره لاتجاه إيجابي.. لكنه عاود كتم مشاعره.. لذا استمر في مناداتها كما كان.. وحين شعر أنه ماعاد قادرا على مزيد من الكتمان ومشاعره تتحول نحوها لاتجاه أكثر قوة وتجذرا هو كان يرفضه.. كان تمسكه بها بهذه الطريقة لدرجة أن تغوص أنامله في جسدها!! هكذا فسر له الطبيب حاله.. وعلمه على تقنية السيطرة على المشاعر.. ولكنه مازال يخشى عليها هي من مشاعره التي يشعر بها تتضخم كل يوم أضعافا مضاعفة عن اليوم الذي قبله.. يخشى عليها من حبه.. الذي يخشى أن يكون خطرا عليها!! *************************************** اليوم التالي . . " جميلة يأمش.. وجهش كلش مهوب زين من صبح..؟؟ جميلة بإرهاق: مارقدت من أمس يمه.. تعبانة باموت أبي أرقد.. تكفين يمه.. خلني أكل بنادول نايت .. عفراء بإصرار غاضب: أنا حالفة عليش من زمان إن ذا البنادول ماعاد يطب حلقش!! جميلة بإرهاق عميق: يمه صرنا عقب الظهر وأنا مارقدت.. أنا ما أصلي.. خلني أكل بنادول وأنام.. تكفين يمه.. عفراء برفض: إذا فيش نوم بترقدين بدون حبوب.. ثم أردفت عفرا بإبتسامة: ترا ذا الطبع أنتي خذتيه مني.. أنا عقب ما تعودت على النوم جنب منصور.. اليوم اللي عنده زام في الليل ما أقدر أنام!! جميلة بحرج جازع: يمه وش دخل؟؟ ضحكت عفرا: وش دخل؟؟ كل السالفة إنش مشتاقة لفهد وعشان كذا منتي بقادرة تنامين.. لا تعبتي بتنامين!! وماوراش شي.. حن في إجازة الربيع ذا الحين.. جميلة زفرت بغضب: غلطانة يمه.. أساسا أنا أبيه يفك مني شوي عشان أرتاح.. عفراء بإبتسامة عذبة: على أمش ياجمول؟! الحين انتي البارحة أو قبل البارحة.. أو الشهر اللي فات..جاش ذا الأرق؟؟ جميلة تحاول أن تتذكر.. وتتمنى أن تكون شعرت بهذا الأرق.. تعتصر ذاكرتها.. فلا تجد شيئا.. ما تتذكره أن فهدا يمد ذراعه لها.. لتضع رأسها على كتفه..وتدفن وجهها في عنقه.. وهو يهمس لها بدفء موجع بالكثير من الكلمات التي تعي بعضها ولا تعي البعض الآخر لأنها تكون غرقت في النوم!! جميلة زفرت وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: زين عمي منصور ماقال لش إن فهد كلمه..؟؟ عفراء هزت رأسها بلا.. وهي تتلقى بإبتسامة حنونة زايد الذي بدأ يخطو خطواته الأولى منذ أيام!! ************************************ تعبر أمامه بتوتر.. وهي عائدة للتو من بيت ابنها.. وتعلم أنه لا يوجد في البيت سواهما بعد ذهاب كاسرة وكساب منذ الصباح للمزرعة.. لأول مرة يخلو عليهما البيت منذ عودتها من المستشفى!! حتى لو سافر كساب لعمل.. فكاسرة موجودة معها.. ولا تستطيع أن تبقى في بيت ابنها وهم يعلمون أن زايدا في البيت!! همست بالسلام وهي تعبر من أمامه متجهة للأعلى!! رد عليها السلام وهو يهتف بحزم قبل أن تهرب: زين تعالي اقعدي معي شوي.. أنا ما تعشيت.. وخاطري أشوف حد قدامي وأنا أكل!! توترت بشدة.. فهي لا تضطر للجلوس معه إلا في وجود مزون أو شعاع.. وكلاهما يمثلان الطبيعية رغم أنهما يجلسان متباعدين.. وعلى كل حال لم تجلس معه وحيدة مطلقا!! وهــــي في غيابه الحقيقي/ وجوده الظاهري متوترة.. ويائسة.. ومرهقة.. تعبر شهور حملها الثقيلة وحيدة.. تئن طوال الليل من الألم .. وأقصى ما تحلم به هو يده تشد عليها كلما اعتصرتها الآلام!!! تدعي أنها بخير أمام الجميع بلا استثناء.. رغم أن حملها منهك جدا.. لا تكاد تتنفس من الثقل الذي تشعر به.. وتعاني من الزلال.. وقدماها منتفختان على الدوام..والمشي بات أشبه بمأساة لها.. ومع ذلك تمشي.. وتمشي.. وهي تقوم بمهامها للجميع دون أن تشتكي.. بنتا لجابر.. وأما لأبنائها وأبناء زايد.. ولسميرة ونايف معهم.. وربة لبيت زايد وهي تهتم بترتيب أغراضه وعزائم ضيوفه.. هي كل شيء..... إلا امـــرأة.... تفتقد لشريك حياتها ووجوده جوارها إلى حد الوجع المضني!!! وقفت أمامه دون تجلس.. وصحن العشاء الليلي الخفيف مغطى أمامه منذ وقت طويل.. همست بسكون: العشا شكله برد.. خلني أسوي لك غيره.. أجابها بثقة: هو أساسا بارد.. سلطة وسندوتش وعصير.. بأكل الحين بس اقعدي.. جلست.. وهي ترخي ثوبها الطويل على قدميها حتى تخفيها.. حينما يجلس شخصان وحيدان.. ملاحظة كل منهما للآخر تقفز للذروة..لأن تركيز كل منهما على الآخر فكيف بمن هما في حالهما؟؟ كل منهما سيموت ليحضى بنظرة من الآخر!! خشيت فعلا أن يرى قدميها.. ولو كان معهما أحد ثالث ربما لم تكن لتخشى أن يلاحظ.. وهو أيضا.. بدت له حركتها في إخفاء قدميها غير عفوية إطلاقا.. لذا هتف بحزم مباشر: مزنة رجلش وش فيها؟؟ مزنة همست بحزم مشابه: مافيها شيء؟؟ زايد بذات الحزم: زين ليش تدسينها؟؟ ردت بذات المستوى الذي لا يتذبذب من الحزم: مادسيتها.. واسمح لي.. تبي تتعشى أو أقوم أروح لغرفتي؟؟ زايد بأمر صريح: خلني أشوفها.. مزنة وقفت وهي تهتف بثقة: اسمح لي.. أجابها بنبرة حادة أقرب للغضب: تعصيني؟؟ قلت لش خلني أشوف رجلش.. تنفذين.. واقعدي أنا ماقلت لش قومي!! مزنة تنهدت وهي تجلس: زايد هذا مهوب أسلوب تكلمني فيه.. زايد شد له نفسا عميقا.. يتمنى لو قال الكثير.. وبأسلوب مختلف.. مختلف..!! هتف بمهادنة راقية: الله يهداش أقول لش أبي أشوف رجلش.. تعاندين.. مزنة تنهدت بيأس: ما أبيك تشوفها.. من حقي تحترم رغبتي... زايد بإصرار: ومن حقي تطيعين أمري.. قالها وهو يقف ليجلس جوارها ويرفع طرف ثوبها بنفسه.. ليكشف عن ساقيها وقدميها.. مزنة تمنت أن تمنعه.. فالموقف كله محرج ومؤثر وموجع.. لأول مرة يجلس جوارها منذ أشهر.. ليتصرف هذا التصرف!! وتعم أنها لو حاولت منعه سيعاند أكثر.. وهي مرهقة تماما نفسيا جسديا!! تتمنى لو كانت لبست حذاء رياضيا كما كانت تفعل طوال الفترة الماضية حتى لا يلاحظ أحدا ساقيها.. لكنها اليوم تهورت ولبست صندلا.. لأن كل شيء بات يضايقها فيها.. وهي تعلم أن لا أحد في بيت تميم إلا والدها.. لأن تميم دعا وضحى وسميرة للعشاء خارجا الليلة!! زايد حين رأى قدميها .. تراجع بجزع وهو يكاد يئن..يئن فعلا!! يكاد يقسم أن صندلها الذي تلبسه أكبر بخمس مقاسات عن مقاسها السابق.. كان شكل قدميها مرعبا..كانتا متضخمتان.. وخطوط الصندل تغوص فيها بشكل واضح.. وساقاها متضخمتان بشكل أكبر والضربات واضحة فيهما لأن من يعاني من الزلال.. أي ضربة حتى لو كانت بسيطة تترك أثرا واضحا!! همست بسكون موجوع: ارتحت الحين؟؟ بينما زايد هتف برعب مثقل بالرجولة: أنتي صاحية؟؟ تدرين إنش المفروض ما تمشين كلش.. أشلون وأنتي أساسا ما تقعدين على حيلش؟؟ مزنة تنهدت: خلاص هانت.. بأدخل شهري قريب.. زايد يشعر أنه لشدة الألم يريد أن يبكي فعلا.. أ تكون تعاني هكذا.. وهي تعبر أمامه بخطاها الثقيلة.. وهو لا يشعر بها حتى!! هتف بحزم موجوع: والكلى عندش أشلونها؟؟ مزنة هي من تريد أن تبكي فعلا الآن.. تأثرها يقفز للذروة وهي تحاول أن تجيب بثبات: زينة..!! أجابها بغضب حقيقي: كذابة.. مستحيل يكون الزلال معش كذا.. ومايكون متعب الكلى.. تنهدت مزنة بيأس: تعب وقتي.. بيروح لا ولدت.. زايد غضبه يتزايد ويتزايد: والبهايم اللي عايشين معنا.. مايشوفون حالتش.. أشلون ساكتين ومخلينش طالعة نازلة الدرج وأرجيلش كذا ؟؟ وإلا عادي.. كل واحد ماهمه إلا نفسه؟؟ مزنة بسكون: الزلال في أرجيلي بس.. وأنا على طول لابسة جوتي رياضة.. ماحد يدري.. كل واحد مشغول بهمه.. ليش أشغلهم بنفسي بعد؟؟ يا الله .. أتكون تعاني كل هذا؟؟ وهو لا يخفف عنها حتى بكلمة .. والكل لاه عنها هكذا!! زايد هتف بحزم بالغ: خلاص.. فوق والله ماعاد تطلعين.. بتنامين تحت.. مزنة بحزع حقيقي: وين تبيني أنام؟؟ زايد تأفف: لا تخافين ما أبيش تنامين عندي.. الجناح اللي جنبي فاضي.. من الليلة بتنامين فيه.. مزنة تنهدت.. تعلم أنه لن يتراجع مادام قد حلف: زين خلني لين بكرة.. لين أجيب أغراضي.. زايد بصرامة: أنا حلفت وانتهينا.. الليلة أنا بأجيب لش اللي تحتاجينه.. ومن بكرة الخدامات ينزلون أغراضش.. والله ما تحطين يدش في شيء.. مزنة حرجها يتزايد: زايد الله يهداك منت بعارف تجيب لي أغراضي.. بأطلع أجيبها وبأنزل.. زايد تنهد بحزم أشبه بتنهيدة الوجع: تراني كنت معش في غرفة وحدة لشهور.. يعني مالحقت أنسى وش تستخدمين.. وش تلبسين.. " ليتكِ تعلمين كم استعدت في ذاكرتي كل عاداتك اليومية كشريط لا أمل من إعادته وتكراره..!! حتى حفظت كل شيء كمقرر سيمتحنونني فيه!! أنا الآن أكثر معرفة مما مضى!!" مزنة لا تنكر تأثرها المتعاظم.. ففي خضم كل هذا الإرهاق.. يكون الإنسان بحاجة للمسة حانية مهما يكن.. فكيف واللمسة الحانية منه؟؟ كيف استطاع اكتشاف كل آلامها من أول جلسة معها.. بينما الجميع يمرون عليها وكأنهم لا يبصرونها!! قد يكون أبنائها مهتمون لأبعد حد بها.. لا تنكر.. لكن لا أحد منهم لاحظ ما تخفيه!! لا أحد منهم كلف نفسه أن يفتش خلف ماتخفيه أمه القوية التي يريدها قوية على الدوام.. لكن هــــو بحث عن ضعف الأنثى فيها... ووجـــده!! صعد بالفعل وأحضر أغراضها ووضعها في كيس.. وهي مازالت تجلس في الصالة السفلية ممزقة بين حرجها وتأثرها.. هتف لها بحزم: عطيني يدش أقومش.. مزنة بحرج: زايد الله يهداك أنا جاية من عند إبي أمشي مافيني شي.. تبي تمشيني ذا الخطوتين!! زايد تنهد.. قد تكون محقة.. ربما هو يبحث عن أي سبب ليلمسها!! ليشعر بملمس أناملها بين أنامله من جديد.. أو ربما هو فعلا يشعر بالذنب تجاه تركه لها تعاني كل هذا دون أن يبدي أي اهتمام بها!! ************************************** " ها يامش الساعة صارت تسع.. ماتبين تنامين؟؟" جميلة بنبرة مرهقة تماما: مافيني نوم.. منصور بنبرة رجولية حنونة: خلها لين تعشى وعقبه تنام.. جميلة تتجه بالحوار لمنصور وهي تهمس بخجل: يبه فديتك.. فهد كلمك؟؟ منصور بأبوية: لا يأبيش.. كلميه.. خلصوا تدريب أكيد من زمان.. جميلة شعرت بتشوش ما.. كيف يقول لها أن تهاتفه وهاتفه ليس معه.. همست بحذر: أخاف تلفونه مهوب معه!! ابتسم منصور: دام طلع من التدريب أكيد معه.. وين بيروح؟؟ ليه أنتي ما كلمتيه تطمنين عليه البارحة؟؟ جميلة بحرج: بلى كلمته.. بس اليوم ماكلمته!! جميلة حملت هاتفها وخرجت.. " معقولة يكذب علي وماخذوا تلفونه؟؟ زين ليش؟؟ ليش يافهد؟؟" جميلة تنهدت وهي تتصل بعمتها أم صالح.. بعد السلامات المعتادة همست بطبيعية: يمه فهد كلمش الليلة لأني أكلمه تلفونه مسكر؟؟ أم صالح بعفوية حنونة: توه مكلمني من شوي فديته.. جميلة سألت بحذر وهي تشعر بتوجس عميق من الإجابة : كلمش من تلفونه؟؟ أو تلفون ثاني..؟؟ أم صالح تستطيع أن تقرأ قليلا وإن كانت لا تكتب.. وهي تحفظ الأرقام والاسماء المخزنة في هاتفها.. فجرت الإجابة تأثرا عميقا في نفس جميلة وهي تسمع جواب أم صالح القاطع: من تلفونه يأمش.. جميلة ألقت الهاتف جوارها وهي تنفجر في بكاء غير مفهوم.. بكت بعمق شفاف.. كما لو كانت تكتم وجعا عميقا منذ زمن وتشعر الآن برغبة في تحريره!! لم يخرجها من دوامة البكاء سوى رنين هاتفها.. لم تكن تشعر برغبة لسماع صوت أي أحد أو الرد على أي اتصال سوى اتصال شخص واحد.. تريد أن تفرغ فيه غضبها الذي تشعر به الآن.. تريده أن يتصل فيها الآن لتصرخ فيه وتعاتبه وتسبه.. تركت الرقم الذي لم تعرفه يرن حتى انقطع!! ثم انتفضت بجزع وشيء مرعب وجارح يخطر ببالها.. "الخاين النذل الخسيس يمكن أساسا ما يكون عنده دورة ويمكن أساسا ماراح الامارات!! الله أعلم وين راح؟؟ ووش يسوي؟؟ الخاين.. والله لأسود عيشتك.. والله لأسود عيشتك!!" تناولت الهاتف من فورها لتتصل بفهد بأنامل مرتجفة.. وغضب عارم يجتاح روحها.. فور تناولها للهاتف... وردها اتصال من ذات الرقم الغريب.. فتحت الاتصال دون أن تقصد.. لتتفاجئ بالصوت الرجولي غير الغريب أبدا وهي تهمس بصدمة كاسحة: خــــلــــيــــفـــــة؟؟!!! ************************************** " كاسرة.. تعالي بس.. حن جايين هنا عشان تقعدين في المطبخ؟؟" كاسرة بمودة: بأسوي لك عشا بس.. كساب بمودة أعمق: العشا تلاقين الطباخ سواه أساسا.. وأنا ما أبي عشا.. شوفتش قدامي مثل الحلى اللي عقب العشا.. خبرتي حد يتعشا عقب ما يأكل الحلى ؟!! ابتسمت برقة: لا ماخبرت.. مثل إني ماخبرت إنه حد يشبع من كلام.. ومع كذا أنا شبعت مع أني كنت جوعانة.. ابتسم كساب وهو يشدها لتجلس جواره: بنتعشى بس بعد شوي لو مهوب عشاننا... عشان ولدنا مايموت من الجوع.. ثم أردف باهتمام: إلا أنتي ماقلتي لي.. عجبتش المزرعة عقب التغييرات اللي سويتها فيها؟؟ كاسرة احتضنت عضده برقة وهي تهمس بعفوية حانية: تجنن والله.. أصلا أنت كل اللي تسويه يجنن.. ليتك بس تدري وش كثر.................. بترت عبارتها شعرت لثقل ما ستقول أنها عاجزة عن إخراجه كما تشعر به.. بينما هو شعر لحظتها كما لو أن دقات قلبه توقفت انتظارا لما ستقوله.. أنفاسه أصبحت ثقيلة لأبعد حد وهو يهمس بهذا الثقل كما لو أن خروج الكلمات يمزق حنجرته: وش كثر ويش؟؟ ليه سكتي؟؟ همست بإبتسامة تخفي خلفها أنفاسها اللاهثة المتقطعة: وش كثر خاطري أسمع منك سالفة دخلتك السجن واللي صار عقبها؟؟ كساب بإصرار موجوع ( أحقا كانت ستقولها؟!!) : لا ماكانت كذا.. أنا متأكد.. همست كاسرة بابتسامة عذبة مثقلة بالولع: إذا قلت لي السالفة.. كملت لك العبارة اللي أنت صرت عارف تاليها.. حينها ابتسم كساب بأمل شفاف: وعد.. اسمع الجملة كاملة.. لو قلت لش السالفة كاملة.. بس تجمدين لي قلبش.. ابتسمت بحماس: قلبي حديد وجامد.. والجملة تبيها مقدم قلناها.. شد كفها بولع حقيقي: خليها في الآخر عشان الكلام يجر كلام أكبر!! وخلينا في سالفتي أخلص منها ومن همها.. وعشان تفهمينها عدل.. لازم نرجع بالزمن ورا خمس سنين ونص بالضبط... #أنفاس_قطر# . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وسبعة تناولت الهاتف من فورها لتتصل بفهد بأنامل مرتجفة.. وغضب عارم يجتاح روحها.. فور تناولها للهاتف... وردها اتصال من ذات الرقم الغريب.. فتحت الاتصال دون أن تقصد.. لتتفاجئ بالصوت الرجولي غير الغريب أبدا وهي تهمس بصدمة كاسحة: خــــلــــيــــفـــــة؟؟!!! صوته وردها مرتبكا محرجا بعيدا: مساج الله بالخير جميلة... ردت بارتباك أكبر: هلا خليفة.. فيه شيء؟؟ عمي أحمد فيه شيء؟؟ خليفة ارتبك أكثر..وأكثر... وكثير مما يريد قوله يتسرب من خياله... ( أ حقا هذا صوتها؟؟ لماذا يبدو لي مختلفا؟؟ خاليا من نغمته الحلوة.. بل أقرب للبلادة!! ) خليفة يجمع كل حزمه رغم ارتباكه: أنا صار لي 3 شهور أنتظر ذا اللحظة.. حسبت لها يوم بيوم وشهر بشهر.. جميلة تشعر باستغراب عظيم وبضيق أعظم.. تتمنى لو انتهى هذا الاتصال بسرعة.. تشعر أنها تخون فهد بتلقيها لهذا الاتصال والسماح لصوت خليفة بدخول أذنها وهي تعلم غيرة فهد الشديدة وتضايقه من مجرد اسمه.. بل شعرت بإحساس غريب وهي تسمع صوت خليفة بعد مرور كل هذا الوقت.. أن زخم حضور خليفة السابق في روحها يتضاءل ويتضاءل.. وهي تراه باهتا تماما أمام إشعاع فهد وألقه في روحها.. كما لو أنك أطفأت مصباحا فجأة... ثم أشعلت مصباحا آخر فورا.. همست بهذا الضيق والاستغراب: وليش 3 شهور بالضبط؟؟ خليفة ارتبك أكثر.. وأفكاره تتشوش تماما... يتمنى لو أنه لم يتصل.. بدت له هذه المرأة غريبة.. باردة.. جافة.. وخالية تماما مما كان يفتنه فيها!! (وش كان عاجبني فيها؟؟!!) يشعر لأول مرة برغبة عارمة أن يترك كل هذا ليتوجه ليدفن وجهه بين كفي زوجته ويغمرهما بقبلاته.. وهو يعلم أنها تنتظر مولودهما الأول بين لحظة وأخرى بعد أنهت شهرها التاسع تقريبا.. وتوجهت لتقضي أيامها الأخيرة عند أهلها.. بعد أن يأست أنها قد تثير في نفسه التفاعل الذي تتمناه.. بينما هي تكاد تقتل نفسها لتحصل منه على مجرد ابتسامة رضا.. يضن بها عليها وهو يتسربل ببرود غريب رغما.. رغم أنه يحاول أن يبدي لها طيب تعامله ردا على طيب تعاملها.. ولكنه كان يحلق في عالم آخر بعيدا عنها.. وهي احتملت من أجله كل شيء!! حرر عنقه من أزراره العلوية.. وهو يشعر بالاختناق والكلمات تجف على شفتيه.. وجميلة همست بذات الضيق والحرج: خليفة فيه شيء؟؟ أو اسمح لي أسكر.. خليفة باختناق: أنا كنت أنتظرج تخلصين عدتج.. عشان يكون لي حق أكلمج.. جميلة بصدمة: عدة؟؟ أي عدة؟؟ خليفة بحرج أشد: سمعت إنج تطلقتي قبل 3 شهور.. جميلة باستنكار: تطلقت؟؟ من اللي قال ذا الخرابيط.. عمي أحمد قال لك كذا..؟؟ خليفة حرجه تزايد وتزايد: لا.. وحدة من خالاتي قالته.. وأنا حفظت الوقت واستحيت أسأل عن التفاصيل.. جميلة تنهدت وهي تهمس بحزم: غلطان أنا ما تطلقت.. ولولا حشمتك كنت سكرت التلفون لأني ما أرضى أكلم رجّال غريب من ورا رجالي.. خليفة حينها ابتسم..ابتسامة شاسعة... شعور غريب بالحرية والانطلاق اخترم روحه من أقصاها إلى أقصاها.. كان يظنها طُلقت بسببه.. وخطرت بباله عشرات الأفكار التي حالت بينه وبين زوجته.. ثلاثة أشهر وهو ينتظر شيئا لا معنى له..!! وشهور قبلها يبكي حلما فر من يديه... حلم لم يكن يوما له.. يبتسم لأنه الآن حر.. يبتسم لأنه لو لم يكلمها لكان بقي أعمى طوال عمره من أجل شيء لا يستحق... كم يبدو لنا الشيء عظيما لأنه بعيد.. ولم نحصل عليه.. بينما ماهو بين أيدينا هو الأعظم والأجمل.. قد تكون جميلة حلما جميلا.. تعب من أجله وتمناه.. وزاد من حسرته أنه لم يستطع الوصول له.. لكن زوجته كانت حقيقة واقعة.. واقع ناضج.. وصله دون تعب... لذا لم يتحمس له.. لم يفكر ببساطة أن زوجته كانت مكافأة له على أيام الشقاء التي قضاها مع جميلة.. وكم من الأشياء العظيمة تكون بين أيدينا... وتضيع.. لأننا لا نعرف قيمتها.. سعيد لأنه عرف قيمتها قبل أن يفوت الآوان..!! هتف بذات الابتسامة: أنا بس حبيت أقول لج.. إنج بنت عمي وعلى رأسي.. وتأكدي دوم إن وراج أخوان.. وأنا يوم طلقتج.. طلقتج لأني كنت مجروح وايد من تصرفج معاي.. ما قصدت أقلل من قدرج ولا قيمتج وادري إني غلطان وأنا آسف سامحيني.. كان لازم أقول هالكلمتين عشان أقدر أعيش مع زوجتي بدون ما أحس بالذنب.. زوجتي مرة مافي مثلها.. بس لاني حاس بالذنب من ناحيتج ماقدرت أقول لها وش كثر هي نادرة..!! وش كثر أنا أحبها..!! وش كثر أنا سعيد إنها بتيب لي ولد أو بنت تعطيهم من طبايعها الرايقة وقلبها الطيب وروحها الحلوة..!! ابتسمت جميلة ابتسامة شاسعة بشفافية: أنت متصل لي عشان تتغزل بزوجتك؟؟ كلمها وقول لها ذا الكلام كله.. خليفة ضحك.. وضحك.. وضحك.. : الحين بأروح بنفسي وأقول لها ذا الكلام وأكثر.. لم يكن مطلقا هذا هو الكلام الذي خطط ليقوله لجميلة.. كان هناك كلام مختلف.. تبخر كله حالما سمع همسات جميلة.. وقبل أن يعلم أنها ليست مطلقة حتى.. وصورة زوجته تتضخم وتتضخم لتحتتل هي كل الذاكرة وأكثر.. جميلة همست بشجن: وقبل ما تسكر ودامك كلمتني بنفسك.. خلني أقول لك.. إنك أنت رجّال مافيه مثلك.. والله يهنيك مع مرتك.. وأنه جميلك فوق رأسي طول عمري.. وإني لو شكرتك ألف مرة ما وفيتك حقك... وأنا يوم مارضيت أرجع معك من المطار.. ماعفتك.. لكن كنت أبيك أعطيك حرية الخيار بس.. وسبحان الله هذا أنت لقيت نصيبك وأنا لقيت نصيبي.. لأنه نصيبنا عمره ماكان مابعض..!! انتهى الاتصال... وجميلة اختلطت شفافية دموعها بابتسامتها.. إحساس خيالي بالحرية والانطلاق والرحابة.. تشعر به.. لا تعلم.. لو لم يهاتفها خليفة كيف كانت ستبقى على عمى بصيرتها.. وكأن الأمرين يجتمعان ليزيلا الغمة من أمامها... سفر فهد.. واتصال خليفة... فلو أن خليفة اتصل وفهد كان موجود لا تعلم كيف كان من الممكن أن تكون النتائج.. ولو أن فهدا سافر.. وخليفة لم يتصل.. لربما بقي إحساسها بخليفة يكدر علاقتها بفهد.. فهل لابد لنا من هزة لتفيقنا من الغيبوبة؟؟!! جميلة تنهدت من أفكارها وهي تمسح دموعها وتتنهد بعمق.. تتنفس أنفاسا مثقلة بعبق حرية مختلف تماما.. لتعود وتتذكر المهمة المعلقة.. فـــــــــهـــــــد..!! تشعر الآن أنها ستجن من إحساس لذيذ اســمــه (الـغـيـرة )!! وكل شيء يبدو واضحا أمامها لدرجة صفاء الصورة المذهل.. قلبها يُعتصر.. يعتصر من كل شيء!! وأكثر شيء يعتصر قلبها.. اشتياقها له.. مشتاقة له كأنه غائب من عامين وليس من يومين... وكأنها باشتياقها له تريد أن تعوضه عن برودها معه لليالي متطاولة!!!! جمعت كل شجاعتها.. واتصلت.. حينها كان فهد يتعشى مع مجموعة من زملائه في مطعم.. حين رأى اسمها يضيء الشاشة.. كادت الملعقة تسقط من يده.. وهو يضع الهاتف على الصامت.. وينتظر قليلا ليتماسك!! بينما هي اتصلت عدة مرات ولم يرد عليها.. كادت تجن وهي تحاول دون رد عليها.. هو ماعاد قادرا على أن يتناول لقمة واحدة .. ثم استأذن وخرج للشارع ليكلم بحريته.. " غريبة.. وش عندها متصلة؟؟ لا تكون غلطانة الأخت بس!! " حالما وصلها اتصال منه.. تصاعدت دقات قلبها بعنف.. إحساس جديد آخر تختبره لأول مرة!! هذه اللهفة... والأنفاس المبهورة.. والدقات المتصاعدة!! فتحت الهاتف لتجيب فورا بحزم مقصود يخفي اختلاج أنفاسها: يعني تلفونك معك؟؟ ماخذوه منك؟؟ أجابها ببساطة أقرب للسخرية: هذا أنتي يوم فكرتي تتصلين لقيتيه معي.. جميلة بغضب: وليش قلت لي إنهم بيأخذونه.. وش عندك ما تبيني أعرفه؟؟ فهد يشعر باستغراب حقيقي (وش عندها ذي): نعم؟؟ وش عندي يعني؟؟ جميلة بذات النبرة المشتعلة: أنت أدرى؟؟ ثم أردفت بإصرارها المشتعل:وينك الحين ووش تسوي؟؟ أجابها ببساطة: في مطعم.. أتعشى.. سألته بحدة: ومن اللي معك؟؟ نهرها بحزم: نعم؟؟ تسألين من معي؟؟ مالش شغل... جميلة انفجرت: الرجال اللي يكذب على مرته كذا.. يكون عنده شيء داسه.. كنه سواد وجهه!! فهد صرخ فيها بغضب: أص ولا كلمة... إني ولد إبي.. أنا تقولين لي كذا؟؟ زين ياجميلة دواش عندي لا رجعت.. حينها انفجرت تبكي بهستيرية: زين ارجع.. ارجع وسوي فيني اللي تبيه بس ارجع.. ارجع الحين.. فهد لم يفهم نبرة الوجع والاشتياق في صوتها!! أو ربما لم يصدقها !!.. أو لم يستوعبها..!! فكل مافهمه أنها تتحداه.. وكأنها تقول (كن فيك خير ارجع وسو اللي تبي) هتف بغضب حقيقي: كلها كم يوم وأرجع.. وأقص لسانش اللي يبي له قص!! أغلق هو الهاتف في وجهها.. وألقت هي هاتفها جوارها وهي مستمرة في النحيب.. بلا توقف.. بلا توقف!!! ************************************* " ها وضحى أوديش لبيتش.. وإلا تروحين معي لبيتنا وتكملين السهرة معنا لين يجيش نايف" وضحى تشير بمودة: أبي بيتي فديتك.. الساعة صارت 11..و نايف معزوم على العشاء عند رياجيل.. وأكيد على وصول!! أبي أكون قبله في البيت... وضحى نزلت لتتفاجأ بوجود نايف ومعه شقيقتيه نورة وسلطانة.. سلمت عليهم.. ثم جلست جوار نايف وهي تهمس في أذنه بمودة: ليش ماقلت لي إنهم هنا.. كان رجعت بدري.. نايف همس بمودة باسمة: هم اهجموا علي وأنا كنت بأروح للعشاء.. قلت دام طلعتي خربتي ليش أخرب طلعتش.. تونا تعشينا.. وهذا أنا معهم .. وش يبون بعد؟؟ ولكن لم يكن رأيه كرأيهن.. إذ همست نورة بنبرة أقرب للغضب: والله يأمش ماخبرت المرة تلوب بين البيوت ورجالها قاعد يحرس البيت.. (تلوب= تدور بالمعنى السلبي لوبة= اسم لمن لا تقر في بيتها) وضحى تنهدت بعمق وهي تشد لها نفسا عميقا وتحاول أن تتحامل على نفسها: أنا طلعت مع أخي ومرته.. ونايف كان بيطلع وراي.. لأنه معزوم على عشا.. لو دريت انكم بتجون ماكان رحت.. حينها سألت سلطانة بفضول: مرت أخيش ماحملت..؟؟ وضحى شدت نفسا آخر: لا.. الله يجيب خير من عنده.. حينها هتفت نورة بمباشرتها القاسية: الظاهر أخوانش كلهم عندهم مشاكل.. كاسرة ماحملت إلا عقب سنة.. وذا تميم كملت مرته سنة ونص ماحملت.. وأنتي قدش بتكملين ست شهور.. وضحى ابتلعت عبرتها بالفعل.. قد يكون موضوع الحمل لا يشغلها حاليا لا هي ولا نايف.. فما زال الوقت مبكرا.. لكن هذا التجريح الجامع جرحها بالفعل.. والأسوأ أنها كانت تنتظر من نايف تحركا ما.. لم تكن تريد أن ترد عليهم في وجوده.. قررت أن تصمت حتى ترى ردة فعله.. وهو لم ينطق بحرف.. ووقت الرد فات.. وخصوصا أن نورة عاودت الاستئناف بذات المباشرة الحادة: اللي أنا مستغربته بنت آل ليث اللي كنها زبدة وش مصبرها على أخيش..؟؟ أطرم ولا فيه عيال... حينها انفجرت وضحى فعلا وهي تقفز واقفة وترتعش: لا.. لين هنا وبس.. حتى أخي.. لحقتوه بالحكي.. انتهينا.. أنا طالعة من ذا البيت اللي رجالي ماعرف يحشمني فيه.. من يوم خذته وأنا حاشمتكم من حشمتي له.. وأنتو ما حشتموني عشانه.. وليش تحشموني وهو أساسا ماحشمني!! وخلا كل وحدة منكم تمد لسانها علي وش طوله!! نايف أخيرا نطق بتمزق: وضحى عيب عليش.. وضحى انفجرت بغضب أشد: الحين طلع لك لسان.. الحين حكيت.. اشبع بخواتك وخلهم يشبعون فيك.. أنت أساسا ماتبي لك مرة.. تبي لك بقرة.. تأكل علف وتهز رأسها وهي ساكتة.. أنا خلصت من ذا الدور... شبعت من دور البقرة.. دور لك بقرة غيري.. سلطانة بذهول توجه الحوار لشقيقها: أنت بتسكت وهي تسبك كذا..؟؟ وضحى ماعادت تسمح لأحد أن يتكلم وهي متفجرة تماما: وش تبين بعد؟؟ يضربني قدامكم عشان ترتاحون؟؟ قلت لش أنا طالعة.. باخلي لكم الجمل بما حمل.. اشبعوا في أخيكم.. لأنه أنا مالي رجّال في ذا البيت.. الرجال هو اللي نزلني هنا.. وراح.. والحين بيرجع يأخذني.. وضحى أنهت عبارتها وخرجت فعلا وهي ترسل رسالة لتميم أن يعود ليأخذها فورا بدون تأخير.. لأنها ستنتظره في الشارع.. نايف للتو يفوق من الغيبوبة.. كان يريد الركض خلفها... لولا أن نورة حلفت بصرامة: والله لا تطلع وراها إني ماعاد أرفع برقعي لك..(يعني أهجرك من السلام).. وأن لساني ما عاد يخاطب لسانك.. خل بنت مزنة.. خلها... مثل ماطلعت بروحها.. بترجع بروحها وهي ماتشوف الدرب!!! نايف ينظر نحو الباب بتمزق حقيقي: نورة الله يهداش.. عيب في حقي أخلي مرتي تطلع ذا الحزة من بيتها.. بأوصلها بيت أهلها بس.. استغفري يأخيش.. طالبش.. نورة بصرامة أشد: أنا حلفت خلاص.. وكنك فجرتني؟؟.. والله ماعاد أعرفك.. لا أنت أخي ولا أعرفك.. واشبع حزتها ببنت مزنة!! ************************************** هاهما وصلا مكانها الجديد منذ بعض الوقت.. وهي جلست على المقعد.. بينما مازال هو واقفا.. هتف زايد بحزم: منتي بمبدلة ملابسش؟؟ مزنة بحرج: زايد الله يهداك.. إذا طلعت بدلت.. زايد بإصرار: باقعد هنا لين تنامين.. عاجز عن الاقتراب.. لكنه أيضا عاجز عن الابتعاد.. يريد أن يرى وجهها.. كيف أثرت فيه علائم البعد؟؟ هل حفرت فيه علائم الشوق كوجهه؟؟ يريد أن يشعر برائحتها قريبة.. يراها خارج إطارها الرسمي الذي تسربلت به طوال الأشهر الماضية.. تتنهد هـــي بيأس وهي تراه قريبا هكذا.. وحيدان.. وكل ماحولها يضغط عليها لتتقبل قربه الذي يعرضه.. ولكنها تخشى أن تقبل هذا القرب.. فيعود هو لدوامة الذنب التي تعلم أنها تخنق روحه الطاهرة.. سيعذب نفسه ويعذبها.. وعذابها لا يهمها.. فقد اعتادت الألم.. ولكنها لن تحتمل رؤية ألمه مرة أخرى.. وهو يرجوها أن تتركه لأنه يتعذب في قربها... زايد تنهد بصرامة: مزنة لا تصيرين عنيدة كذا.. أبي أتاكد إنش تمددتي قبل أروح.. وإنش ماتبين شيء.. عاجبش حالتش؟؟ كانت مزنة على وشك الرد.. لولا الاتصال الذي وردها!! ******************************************** " كاسرة.. تعالي بس.. حن جايين هنا عشان تقعدين في المطبخ؟؟" كاسرة بمودة: بأسوي لك عشا بس.. كساب بمودة أعمق: العشا تلاقين الطباخ سواه أساسا.. وأنا ما أبي عشا.. شوفتش قدامي مثل الحلى اللي عقب العشا.. خبرتي حد يتعشا عقب ما يأكل الحلى ؟!! ابتسمت برقة: لا ماخبرت.. مثل إني ماخبرت إنه حد يشبع من كلام.. ومع كذا أنا شبعت مع أني كنت جوعانة.. ابتسم كساب وهو يشدها لتجلس جواره: بنتعشى بس بعد شوي لو مهوب عشاننا... عشان ولدنا مايموت من الجوع.. ثم أردف باهتمام: إلا أنتي ماقلتي لي.. عجبتش المزرعة عقب التغييرات اللي سويتها فيها؟؟ كاسرة احتضنت عضده برقة وهي تهمس بعفوية حانية: تجنن والله.. أصلا أنت كل اللي تسويه يجنن.. ليتك بس تدري وش كثر.................. بترت عبارتها شعرت لثقل ما ستقول أنها عاجزة عن إخراجه كما تشعر به.. بينما هو شعر لحظتها كما لو أن دقات قلبه توقفت انتظارا لما ستقوله.. أنفاسه أصبحت ثقيلة لأبعد حد وهو يهمس بهذا الثقل كما لو أن خروج الكلمات يمزق حنجرته: وش كثر ويش؟؟ ليه سكتي؟؟ همست بإبتسامة تخفي خلفها أنفاسها اللاهثة المتقطعة: وش كثر خاطري أسمع منك سالفة دخلتك السجن واللي صار عقبها؟؟ كساب بإصرار موجوع ( أحقا كانت ستقولها؟!!) : لا ماكانت كذا.. أنا متأكد.. همست كاسرة بابتسامة عذبة مثقلة بالولع: إذا قلت لي السالفة.. كملت لك العبارة اللي أنت صرت عارف تاليها.. حينها ابتسم كساب بأمل شفاف: وعد.. اسمع الجملة كاملة.. لو قلت لش السالفة كاملة.. بس تجمدين لي قلبش.. ابتسمت بحماس: قلبي حديد وجامد.. والجملة تبيها مقدم قلناها.. شد كفها بولع حقيقي: خليها في الآخر عشان الكلام يجر كلام أكبر!! وخلينا في سالفتي أخلص منها ومن همها.. وعشان تفهمينها عدل.. لازم نرجع بالزمن ورا خمس سنين ونص بالضبط... تراجعت نبرته لتتحول لشيء غامض.. خليط من وجع ومرارة وذكريات قاسية: نرجع لأيام ماخلصت مزون الثانوية... أذكر زين تيك الأيام.. ماكنت أنام .. سهران معها وهي تدرس.. حفظت دروسها من كثر ماكنت أسمع لها.. خليت شغلي وكنت أقعد على باب المدرسة من يوم أوصلها لين تطلع علي.. عشان أشيك معها على إجاباتها.. كنت حاس كأني اللي أمتحن.. من كثر ماكنت أحاتيها.. وعقب ماخلصت... حسيت الأيام ماتمشي وأنا أنتظر نتيجتها.. يوم طلعت نتيجتها فرحت فيها أكثر من فرحتي أنا يوم خلصت ثانوية وجامعة ألف مرة.. أسألها وين تبين تدخلين؟؟ تقول لي طيران.. حسبتها تمزح.. بس هي صممت وإبي قوى رأسها.. حاولت فيها بكل طريقة.. حتى قلت لها بأروح معها أي مكان في العالم عشان تدرس شيء ثاني.. كنت مستعد أوقف حياتي كلها عشانها.. وهي ماهان عليها ترد على رجاي أنا وعلي!! مع إن ذا السالفة انتهت.. بس حتى تذكرها يوجعني.. ما تخيلين وش كثر ترجيتها.. ماباقي إلا أبكي قدامها.. وهي مارحمتني.. ما تخيلت إن مزون اللي أغلى علي من روحي ممكن تسوي فيني كذا.. مزون ماكانت أختي.. كانت بنتي.. من يوم دخلت صف أول ماكان حد يدرسها غيري.. كنت أعرف أسماء مدرساتها وصديقاتها وكل شيئ يخصها مهما كان صغير!! كسرتني هي وإبي كسرة شينة.. شينة..!! صرت حتى قعدة المجالس أتجنبها.. أظن الكل يتكلم عنا.. وعن أختي اللي دخلت طيران!! وعقبه تجنبت الكل.. دخلت نادي رفع أثقال.. كنت أقعد فيه من الصبح لين الليل.. ما أطلع إلا للمسجد.. أبي شيء أفرغ فيه حرتي وابردها.. وحرتي عيت تبرد.. عيت تبرد.. عقبه قررت أهج برا الدوحة.. سجلت ماجستير ادارة أعمال في أمريكا.. كنت أبي شيء يشغلني عن التفكير والقهر.. لا أستخف.. دراسة الماجستير كانت سهلة علي واجد.. دوام صبح قصير ومقررات سهلة.. كنت أبي شيء يشغلني أكثر.. فدخلت هناك نادي رياضي.. كنت أقعد فيه من يوم أطلع من الجامعة الظهر تقريبا.. وما أطلع منه لين يسكرونه.. كانت طاقة القهر تخليني ما أكل ولا أمل.. خلال 3 شهور بنيت عضلات يبي له الواحد سنة عشان يبنيها.. كان فيه واحد يتدرب معي.. ويراقبني بدقة... والأكيد طبعا إنه سوى تحريات عني.. في يوم قرب مني.. قال لي النادي ذا ما يناسبك.. قدراتك تفوقه بواجد.. أدلك على مكان أحسن هو اللي بتقدر تفرغ فيه طاقتك.. سألته وين مكانه؟؟ قال لي أنا بأوديك.. بس تراه مكان غالي واجد.. مهوب الكل يقدر على قيمته... وفعلا وداني مكان.. تخيلي يتبع من؟؟ الجيش الأمريكي... طبعا هو غير مصرح إنه يتبع الجيش الأمريكي.. بس أي غبي بيفهم إنه التقنيات والامكانيات ذي لهم... مكان تتدرب فيه وممكن تأخذ شهادة مدرب جيش لو قدرت توصل لين الأخير... بس أنا لأني ماني بعسكري الشهادة ذي ماتفيدني!! بس أنا حسيت بالإغراء والمغامرة... مكان مثل ذا هو اللي بيشغلني فعلا.. تدرين إن الجيش الأمريكي هو اللي مدرب المرتزقة والإرهابيين المنتشرين في العالم.. أي حد يشوفون عنده إمكانيات.. يجيبونه عشان يتدرب.. ويصير له ملف عندهم.. ويأخذون منه مبلغ مهول فعلا... المهم تدربت عندهم أربع شهور لين خلصت الماستر اللي كان كله سبع شهور.. كنت أروح عندهم من عقب الجامعة لين الفجر.. أتدرب 14 ساعة متواصلة... فخلصت في فترة قياسية كل متطلبات البرنامج.. ما تتخيلين أيش اللي سووه فينا في ذا التدريب..؟؟ كان معاي عيال ناس أغنياء جابتهم هنا البطرة والرغبة في المغامرة.. شفتهم قدامي يبكون مثل البزران.. وفيه اللي شفته يطيح من فوق الجبال ويتقطع.. وفيه اللي مايعرف يفتح المظلة ويتكسر.. وطبعا كل واحد منا موقع إنه المسئول الوحيد عن نفسه!! بس كله يهون يهون.. قدام اللي شفته عقب.. كاسرة بدأت دقات قلبها تتصاعد بعنف وريقها يجف أكثر وأكثر وهي تسأل بتوتر: وش اللي صار عقب..؟؟ هتف بسكون موجع والذكريات تستغرقه للبعيد: قالوا اللي يبي شهادة مدرب جيش معتمدة من الطراز الأول.. يسوي الاختبار الأخير.. والاختبار إنه يدخل أخطر سجن في أمريكا لمدة ست شهور.. لو قدر يهرب من السجن قبل الست شهور.. يأخذ الشهادة.. ولو استحمل الست شهور بدون ما يستخف أو يصير له شيء هناك.. هم بيطلعونه ويعطونه شهادته العادية!! زفر بحرقة ومرارة: أغبى قرار اتخذته في حياته.. وافقت أدخل.. حسبتها مغامرة ماراح تتكرر.. وقلت لأبي إني بأطلع تخييم فوق الجبال ويمكن أطول شهور وما أقدر أتصل!! من أول مادخلت وشفتهم جايين بيحطون لي الوسم.. صحت.. (خلاص ما أبي.. طلعوني.. أنا ماني ببهيمة تحطون علي رقم..) لكن ماحد عبرني.. كل يوم كنت أصيح طلعوني أنا ماني بمسجون.. وخلاص ما ابي.. مهوب لأني خايف من السجن.. لكن لأني ماني بقادر أستحمل اللي أسمعه.. تخيلي المسجون اللي معي في غرفتي يتفاخر إنه اغتصب 20 طفل وذبحهم.. ما استحملت.. ما استحملت...ضربته لحد ماكسرت وجهه.. ولا حد حاسبني.. يبونا نصير وحوش صدق.. لولا الصلاة وإلا كان استخفيت.. وتخيلي الله يسامحني إني كنت أصلي ووجهي أحيانا مهوب صوب القبلة لأني كنت أصلي في الزاوية ظهري لطوفة وجنبي لطوفة.. عشان ماحد يباغتني من وراي.. ولو كان معي حد في الغرفة سجدت وركعت بعيوني بس.. لأني عارف إنهم ينتظرون مني لحظة غفلة وحدة.. ناس الإجرام صار يمشي في دمهم.. يذبحون لمجرد المتعة!! وتخافين على نفسش من اللي أبشع من الذبح.. وأنتي فاهمتني.. كنت قاعد في ذاك السجن عيوني في قمة رأسي.. أرقد عين مفتوحة وعين مسكرة.. عشان كذا لحد الحين ماقدرت أتجاوز ذا المرحلة.. نومي ما أرتاح فيه.. واللي بيحركني وأنا نايم ممكن أكسر يده.. و ياكثر اللي تهاديت معهم في السجن.. واللي كسرتهم.. ومافيه محاسب.. لحد ماصاروا المساجين يتجنبوني .. كنت طول اليوم أتدرب.. وأدور في السجن.. أحاول أدرس المخارج والمداخل.. وأدرس مناوبات الحراسة.. وأصنع لي أدوات وأدسها.. وأنا على ذا الحال خمس شهور.. لحد ماعرفت الطريقة اللي ممكن أهرب فيها.. استغليت فترة تغيير المناوبات وقت ماكان المساجين راقدين.. وهربت مع فتحة تهوية كانت تطلع على جبل.. تقطعت إيدي وأرجيلي وأنا أنزل الجبل بدون معدات.. كساب لم ينتبه إلى أن كاسرة بدأت دموعها تسيل بغزارة لشدة انشغاله بحكايته وهو يتنهد: حسيت إني ورطت نفسي في سالفة كبيرة.. طلعت من السجن للسفارة... وبلغتهم كل شيء بالتفصيل.. حسيت إني لو ماسويت كذا.. يمكن أجي أرجع للدوحة ألقى اسمي على البلاك لست.. لقيت السفارة أصلا مشغولة تدور لي.. لأن إبي جنن الخارجية في الدوحة.. والخارجية جننوا السفارة.. السفارة كانوا يبون يتأكدون من اللي انا قلته.. لكن قبل ما يتحركون أي حركة.. كانت وزارة الداخلية والدفاع والأف بي أي كلها تتصل تسأل عني.. وأنهم مهتمين يبون يعرفون أشلون هربت بالتفصيل.. أنا بداية.. رفضت أقول لهم.. من القهر اللي في قلبي عليهم.. بس السفارة طلبوا مني أعطيهم المخطط كامل.. لأنه السجن ذا فيه أخطر مساجين ولو حد منهم تبع طريقي وهرب بتكون مشكلة كبيرة.. عطيتهم المخطط وعطوني الشهادة اللي ماكرهت شيء كثرها.. رجعت للدوحة.. و ماخلوني أرجع لهلي على طول.. قعدت في التحقيقات أسبوعين وهم يتأكدون من كل شيء قلته.. وعقبها عرضوا علي أني أسوي مهام للدولة.. ولأني ماني بعسكري كنت أسويها بشكل سري.. وكنت مخلي لهم تلفون خاص بهم.. ما أسكره لا ليل ولا نهار ولا أخلي حد يقرب منه.. عشان التواصل بيننا عن طريقه.. دربت في الجيش.. وسويت مهام انقاذ.. وخذت دورات في كل شيء يطري على بالش.. وسويت الدورات هذي هنا.. وشاركت في الكوارث اللي كان تروح لها وفود قطرية.. شفت خلال أربع سنين اللي ماشافه حد.. عرفت معنى الموت والحسرة والخسارة.. شفت الناس قدامي يموتون وما أقدر أسوي شيء.. شفت اللي تحدهم الكوارث يأكلون لحم الميتين عشان يعيشون.. أشياء عمرش ماراح تقرين عنها في كتاب أو تشوفينها في تلفزيون.. شفت أشلون قسوة الحياة والإنسان تحول الإنسان لوحش مايرحم............... كان مازال سيتكلم لولا سماعه للشهقات المتصاعدة: بس كساب بس.. كان وجهها غارقا في الدموع.. وهو لم ينتبه لنفسه كيف استغرق في الحديث وهو يحرر ذاته أخيرا من كل ثقلها... يشعر أمامها ومعها بالحرية من كل شيء!! استدار نحوها بجزع وهو يهتف بتهدئة: خلاص كاسرة خلاص.. أنا آسف يا بنت الحلال.. آسف كانت تشهق بعنف ودموعها لا تتوقف عن السيلان وهي تتخيل بشاعة كل مامر به.. تتخيل بشاعة الحياة وقسوتها التي حُكم بها عليه. كانت تمسك ببطنها بقوة: كساب.. باولد.. بأولد!! كساب قفز برعب وقلبه يقفز لحنجرته: أشلون تولدين وأنتي في السابع.. يتهيأ لش.. غلطانة أكيد.. كاسرة بدأت تنتحب بعنف.. فالألام بدأت تداهمها منذ بداية الحكاية قبل أكثر من ساعتين.. منذ شعرت بتأثره بما فعلته به مزون.. وكأنه لشدة تأثرها تأثر جسدها كله معها: والله العظيم باولد.. بأولد.. أبي أمي.. تكفى كلم أمي.. كساب قفز ليحضر عباءتها وهو يسب نفسه بأقسى العبارات.. يلفها بعباءتها ليحملها وهو يهتف بجزع حقيقي: الحين بأكلمها تجينا في المستشفى.. الحين.. هدي.. هدي.. كان يهدئها وهو غير قادر على أن يهدأ.. ركض بها نحو سيارته.. وهو يتصل بعمته.. ويخبرها.. مزنة صرخت برعب: أشلون تولد وهي في السابع.. تو الناس.. يمكن إنها مهيب فاهمة.. وش عرفها هي في الولادة!! عطني إياها.. كساب أعطى كاسرة الهاتف وهو يقود بأقصى سرعته... كانت كاسرة تبكي ووالدتها تحاول تهدئتها: يمه بأموت.. بأموت.. ماني بخايفة على نفسي.. خايفة على ولدي!!! كساب حين سمعها تقول ذلك شعر أنه هو من سيموت فعلا... وهو يزيد سرعة سيارته بطريقة جنونية.. ومزنة تهدئها بيأس: يأمش اذكري ربش.. وخذي نفس... وش حاسة فيه؟؟ كاسرة تشهق: ما أدري يمه.. ما أدري.. بطني يتقطع من الوجع.. نفس آلام الدورة بس أقوى.. والحين أحس الكرسي تحتي غرق ماي... مزنة قفزت من مكانها وهي تهتف برعب: عطيني كساب.. كساب تناول الهاتف برعب ومزنة تصرخ في أذنه برعبها: لا تخليها تمشي حتى خطوة وحدة.. أنا الحين باتصل في المستشفى يجهزون سرير النقل عند الباب.. الماي نزل عليها وخطر عليها وعلى الجنين.. أنا أنتظركم عند باب المستشفى... لا تتأخرون طالبتك يأمك.. كساب ألقى هاتفه خلفه بعنف.. وهو يبحث عن كفها بلهفة ليشد عليها.. كما لو أن حياته تتوقف على أطراف هذا الأنامل.. هتف باختناق: هدي.. كاسرة.. هدي.. بسم الله عليش.. ماعليش إلا العافية.. دقايق ونكون في المستشفى.. كان يشعر أنه سيبكي من القهر.. قد يكون شعر بالكثير من القهر طوال حياته.. ولكن لا شيء يشبه هذا القهر..!! فحياة زوجته وابنه على المحك ولا يستطيع أن يفعل شيئا.. يتمنى لو كان يستطيع أن يطير.. فالطريق طويلة.. وحتى لو قاد بأقصى سرعة لن يصل قبل 40 دقيقة.. كانت تعتصر أنامله بقوة وهي تشهق: بأموت ياكساب.. باموت..وأنا ماشفت ولدي.. كساب يصر على أسنانه حتى شعر بالألم فيهما: استهدي بالله.. وش ذا الكلام.. أنتي والولد ماعليكم شر.. وش كثر نسوان ولدوا في السابع وعيالهم طبيعين ومافيهم شيء.. تحاول أن تتماسك وهي تشد لها نفسا عميقا وتزفر بقوة.. وهي تهمس من بين صرير أسنانها: كساب لو صار لي شيء.. امنتك بالله.. أمي هي اللي تربي ولدي تحت عينك.. كساب يشعر أن روحه تذوي وتتأكل كشمعة أحرقها اللهيب.. وهو يهتف بصرامة موجوعة: ولدنا أنا وأنتي بنربيه.. وما أبي أسمع ذا الكلام!! فاهمة!! الطريق طويل.. طويل... لا يريد أن ينتهي... وهو يشد على كفها بقوة كما لو أنها المرة الاخيرة التي يمسكها فيها.. يُكثر من الدعاء.. والرجاء.. وهو يسمع شهقاتها التي باتت تكتمها... والتي تخترق روحه بوجعها.. تشد أنفاسها وتزفرها بقوة.. بودها لو تقول له الكثير من الكلام..الذي لم تمنحها الحياة الفرصة لقوله.. ولكن هل للكلمات معنى الآن؟؟ كلماتها لن تفعل شيئا إلا أن تؤلمه.. وتعلم أنه الآن يتألم بما يكفي!! لكنها لابد أن تقول شيئا يريحه.. حتى لا يشعر مطلقا بأي ذنب قد يؤرق حياته فيما بعد.. همست بسكون استغربه.. بينما كانت دموعها تسيل بصمت وهي تحاول أن تتناسى آلامها التي تمزقها: كساب أنا عمري ماندمت على دقيقة عشتها معك.. أنا ندمانة على الدقايق اللي ماعشتها معك!! ولو رجع فيني الزمن ألف مرة.. كل مرة باختارك.. وأختار الحياة معك.. كساب قفز قلبه لحنجرته وهو يهمس بصوت مبحوح ممزق: وش لازمة ذا الكلام الغريب؟؟ شدت أنامله أكثر وهي تمسكها بيديها الاثنتين وتعتصرها كما يعتصرها الألم: ماله لازمة على قولتك بس أنا حبيت أقوله لك.. كان يريد أن يقول هو شيئا ولكن مايريد قوله يحتاج سنوات وسنوات ليخبرها به.. لن تكفيه الثوان المتبقية وهو يدخل لداخل بوابة المستشفى.. ويرى والده ومزنة يقفان فعلا هناك.. وبجوارهما طاقم الإسعاف.. أوقف سيارته بشكل عرضي وعجلات السيارة تصر بصوت مسموع.. قفز بسرعة ليحملها هو.. وهو ينتزع غطاء سرير النقل الذي أسرعوا به نحو السيارة.. ويلفها به.. لم يرد أن يحملها سواه.. تعلقت بعنقه بضعف وشهقاتها تصبح أكثر ضعفا.. كاد يجن وهو وهو يرى مقعد السيارة مبقعا بالدم.. كان يتلوى من الأنين و يشعر أن أحشائه تتقطع من الألم.. وهو ينزلها على السرير.. و تهمس هـــي بضعف شديد في أذنه في (لحظة التماس الأخيرة) بينهما: أحـــــــبــــــك.. كان يريد أن يصرخ لها ( وأنا أكثر) !! لكن طاقم الإسعاف سحبوها منه بسرعة وهو يركضون بها للداخل.. ومزنة وزايد يركضان خلفهم.. بينما هو وقف لثوان عاجزا عن السيطرة على ارتعاشات جسده.. وأنفاسه المزفورة بحرقة.. ليشد نفسه ويدخل راكضا هو أيضا.. ويجد والده فقط.. هتف بهمسات مبتورة: وينها؟؟ وينها؟؟ والده يربت على كتفه بمؤازرة حانية: دخلوها داخل.. لا تحاتي.. أمها معها.. ووش كثر بزران يجون في السابع.. وهم وأماتهم بخير وسلامة.. صمت.. ابتلعه الصمت في بئر لا قرار لها.. وهو يتأخر ليلتصق بالحائط.. لا يريد كلمات مؤازرة باردة.. لا يريد أن يهدئه أحد.. يريدها هي فقط أن تخرج له سليمة..!! لا يريد أن يقول له أحد ( لا تقلق ).. لأن ما يشعر به ليس مجرد قلق.. بل روحه تتمزق يأسا ورعبا ووجعا.. شيء في داخله ينبئه أن هذا الوجع الذي يمزق كل مافيه..هو وجع أعمق من مجرد انتظار ساعات.. وجع سنوات .. أو قرون.. قـــــــرون !! قــــــرون!! فهذا الوجع لا حد له.. لا حد له!! شرّح روحه تشريحا!! عبر كل خلية في جسده بمناجله آلاف المرات... يشعر أنه عاجز عن التنفس .. وهو يسند جبينه للحائط.. لم ينتبه حتى أنه لا غترة فوق رأسه.. وهو يهرع بكاسرة للمستشفى بثوبه الذي عليه!! والده يقترب منه ويهتف له برفق: كساب يا أبيك روح البيت.. اسبح وبدل ثيابك.. هذا أنا موجود عندهم.. والنسوان يبطون في الولادة.. لم يرد على والده حتى.. فالصمت ابتلع روحه في سوداويته.. يستحيل أن يبتعد عن المكان وهو مازال لم يطمئن عليها.. روحـــه هنا.. فمن يستطيع أن يبتعد عن روحه؟؟ الوقت يمضي بطيئا.. بطيئا.. بطيئا..!!! ساعتان فقط.. ساعتان روحه تناجي روحها بيأس.. وأنفاسه تضيق وتضيق.. وتضيق!!! يريد أن يمزق رئتيه عله يستطيع التنفس.. فلا يستطيع... أن يفتح صدره وأضلاعه ليجلب نسمة هواء واحدة.. فلا يستطيع!! حتى خرجت الطبيبة وجهها مسود كسواد اللحظات التي يمر بها وهي تسأل بتأثر: وين زوج كاسرة ناصر؟؟ كساب استدار نحوها بعنف حاد.. لم يقل شيئا وهو يقترب منها.. ووالده خلفه.. وهي لم تحتج أن يخبرها من هو... فوجهه أنبأها..!! والوجع في عينيه أنبأها..!! ورعشة شفتيه أنبأتها..!! وهي تهمس بذات التأثر: أنا ما أعرف شنو أقول لك.. بس والله العظيم حاولنا جهدنا ننقذها.. بس أنتو وصلتوا متأخرين كثير..!! #أنفاس_قطر# . . . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاصل إعلآني ^_^ / .. جميع الحقوق محفوظة لدى : || شبكة ومنتديـآت ***** الثقــآفيـة || .. شبكة روايتي الثقافية : .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثمانية ماعاد يسمع شيئا.. وهو يخرج راكضا.. يركض كما لو أنه يحترق والنار مازالت تشتعل في جسده.. وتذيب جلده بلهيبها.. قبل أن يتوقف على باب المستشفى وهو يركع على ركبتيه.. ويتقيأ ويتقيأ ويتقيأ.. يعلم أنه لن يبكي.. فمثله عاجز عن البكاء..!! يتقيأ حسرته.. فلا تنتهي!! يتقيأ وجعه.. فلا ينتهي!! يتقيأ روحه... فلا يجدها!! فروحه ذهبت معها.. وهو محض جسد لا روح فيه!! رحلت دون أن يراها.. رحلت دون أن يخبرها كم يحبها.. رحلت دون أن يخبرها أن أنفاسها ما كانت تمده بعبق الحياة ومعناها!! رحلت دون أن يقول لها أن الحياة بعدها لا تستحق أن تُعاش!! رحلت وهو لم يشبع بعد من ضمها لصدره.. رحلت دون أن يخبرها كم من المخططات فكر فيها ليقوما بها سويا.. مخططات لم تكن الحياة كلها لتكفيها.. فلماذا رحلت قبل أن ينفذا شيئا منها حتى؟؟ كان مستمرا في التقيء.. والتقيء.. حتى بدأ يتقيأ دما.. دم قلبه.. شرايينه الممزقة!! خلاياه التي تهاوت!! " لو استطعت.. لتقيأت كبريائي الذي حال بيني وبينك!! لو استطعت.. لتقيأت قسوتي التي أبعدتكِ عني!! لو استعت.. لتقيأت الحياة كلها التي ماعاد لها معنى بعدك!! كنت أعلم أنكِ نعمة أكثر مما أستحق.. رجل بقسوتي وسواد قلبي.. لا يستحق معجزة مثلكِ!! أعلم أني لا أستحق أن تبقي من أجلي.. لكن لماذا ترحلين وتتركين صغيرنا يتيما؟؟ لا تبقي من أجلي.. ابقي من أجله.. من أجله هو!! فأي تربية سأربيه أنا؟؟ وأنا رجل أثخنتني الجراح وقسوة التجارب.. كنت للتو بدأت أعالج جراحي من أجلكِ.. فإذا بك تطعنيني بالجرح الذي لن يُشفى جراحي بعدكِ لا شفاء لها.. لا شفاء لها!!! " أسرع نحوه المسعفون يريدون إسعافه.. انتزع نفسه منهم بقسوة.. وهو يعاود الركض.. ثم يعاود الانكفاء على ركبتيه والتقيء.. قريبا من سور المستشفى.. لا يعلم حتى أين سيارته أو أين مكانها؟؟ يوقف أحد المارة سيارته.. وينزل لإسعافه.. ثم يحمله معه خارج المستشفى.. ********************************* اليوم التالي ليلا.. . . " يمه كساب وينه؟؟ ليه ماجاء لين الحين.. عطيني التلفون أنا بأكلمه بنفسي!!" مزنة تتنهد بحزن عميق وهي تمسح على شعرها: بيأتي يأمش.. بيأتي.. مازالت دموعها تسيل بدون توقف.. لدرجة أن عينيها تورمتا من البكاء.. همست بصوتها المبحوح تماما: يمه تكفين عطيني التلفون.. خلني أكلمه.. أبيه يجيني الحين.. مزنة تحاول تهدئتها فهي لم تتوقف عن السؤال عنه مطلقا منذ فجيعتها بالخبر.. وكأن وجوده هو ما سيبعث القوة في روحها... همست بثقة مصطنعة: قلت لش يأمش كلمته وبيجي.. ارتاحي الحين.. مزنة أشارت للممرضة أن تعطيها إبرة منومة.. فهي تعبت من وعدها بحضوره.. وهم لا يعلمون أين هو حتى.. بعد أن ترك سيارته في المستشفى.. وهاتفه بداخلها.. . . عودة لليلة الماضية . . كانت الطبيبة توجه حوارها لكساب بتأثر: أنا ما أعرف شنو أقول لك.. بس والله العظيم حاولنا جهدنا ننقذها.. بس أنتو وصلتو متأخرين كثير..!! لا تعلم ماذا حدث له وهو يركض ويتركها مازالت تتكلم: كانت البنت خلاص اختنقت من قلة الأكسجين.. سبحان الله على صغر حجمها بس عمري في حياتي ماشفت مولودة أحلى منها.. كأنها ما تنتمي للأرض.. لازم تكون عصفورة من عصافير الجنة!! زايد اقترب منها وهو ينظر لظهر كساب المغادر ركضا باستغراب.. ويسألها باهتمام: والأم أشلونها؟؟ الطبيبة بذات التأثر: الأم منهارة بصراحة.. لأنه من أول مانزلت الطفلة وهي تصيح تبي تشوفها.. سمعت الممرضات يقولون الجنين ميت.. انهارت أكثر.. كنت أبي أبلغ الأب عشان يمتص الصدمة.. ويدخل يهديها شوي لما نطلعها الاستراحة.. بس مبدئيا وضع الأم كويس.. وممكن لو حبت.. تحمل بعد شهر شهرين.. لأن هذي ولادة مش تسقيط.. والله يعوض عليكم بطفل سليم تقر عيون أبوه وأمه فيه!! لا يعلم لِـمَ كانت الأفكار السلبية هي ما تركزت في رأسه.. شعر أن حبا متعاظما كحبه لها.. لا يكتب له الحياة.. شعر أن الله عز وجل يريد أن يعاقبه ويحرمه منها لكثرة ما أرتكب من أخطاء.. شعر أن الله عز وجل يريد أن يتنزعها منه لأنه لم يعرف قيمتها.. لدرجة أنه شح عليها بكلمة واحدة كان يعلم جيدا لهفتها لها.. وحين قالتها هي له.. شعر أنها تودعه بها.. شعر أنها كلمة الوداع بينهما.. وما أكد له ذلك كله أن الطبيبة قالت (لم نستطع إنقاذها) وليس (إنقاذه) وهو يعلم أن مافي بطنها هو صبي.. فهو ذهب معها بنفسه إلى موعد (التلفزيون) وهكذا أخبرتهما الطبيبة.. لذا لم يشك للحظة واحدة أن الراحلة المقصودة هي كاسرة.. روحـــه... ولا أحد سواها.. عقابا له أنه لا يعرف قيمة شيء حتى يفقده !! وما أقسى هذا العقاب..!! ما أقساه!! فأنت حينما تعاقب شخصا.. تعاقبه حتى لا يكرر خطئه!! لا تعاقبه لتأخذ روحه!! . . . " يمه.. مايصير مخليتها راقدة على طول كذا.. وكل ماصحت ساعتين خليتيهم يعطونها منوم!! " مزنة تنهدت بروحها الممزقة وهي ترد على وضحى: وش تبين أسوي يعني.. كل ما صحت رجعت تبكي على بنتها.. وتسأل عن كساب!! على الأقل خلي كساب لين يجي.. يمكن يقدر يهديها.. وضحى تمسح دموعها وتهمس بسكون: والبنت متى بيدفنونها؟؟ مزنة اختنقت بعبرتها حين تذكرت رؤيتها للصغيرة البالغة الصغر: زايد يدور لكساب.. كان يبيه يحضر دفنها والصلاة عليها.. لو مالقاه لين بكرة بيدفنها.. وضحى تنهدت باختناق حقيقي: يمه صدقيني أحسن يدفنها بدون مايشوفها إبيها... أنا وتميم حالتنا حالة عقب ماشفناها.. أشلون إبيها وأمها؟؟ خلها تندفن قبل ما تقول كاسرة إنها تبي تشوفها بعد... والله يعوض عليهم إن شاء الله.. ويجعلها حجاب لهم من النار!! ثم تنهدت وهي تردف بألم: يمه لو ولدوها قيصري.. ماكان ممكن تعيش البنت؟؟ يمكن عشانها جابتها طبيعي انخنقت.. تنهدت مزنة بإيمان: يأمش اللي الله كاتبة مامنه مفر.. كاسرة يوم وصلت كان نبض البنت متوقف خلاص.. ورأسها صار في أسفل الحوض.. ماخذت حتى وقت جهزوها للولادة إلا البنت نازلة.. ياقلب أمها وش كثر تعذبت بنيتي.. بكرية ومالحقت حتى تأخذ أي نوع من المهدئات.. لا أكسجين ولا إبرة الفخذ حتى.. وضحى تقف لتطل عليها.. تطبع قبلة على جبينها وتهمس في أذنها من قرب بوجع عميق: الله رحمته واسعة.. واللي مثلش ما يكسرها اختبار مثل ذا!! أردفت بإبتسامة موجوعة: قومي ياقلب أختش.. شوفيني سمعت نصيحتش.. خليت البيت لنايف وخواته.. قومي عشان تقولين (عفية على أختي).. شدي حيلش وقومي..ترا الدنيا ماتسوى من غيرش.. ********************************* " تميم حبيبي.. استهدي بالله.. هذي أختك طيبة... والله سبحانه له حكمة في كل شيء!!" تميم يشير وهو يتنهد بوجع: كاسرة خاطري واجد أختي.. سنة كاملة وهي تنتظر ذا الحمل.. وعقبه تموت البنت ماحتى شافتها.. سميرة بحزن: يمكن الله يبغي لها الخير.. عشان ماتشوفها وتتعلق فيها.. لله عز وجل حكمة في كل شيء!! تميم بتأثر متزايد: حارقة قلبي كاسرة.. الله يعوض عليها باللي يسر قلبها.. ************************************* يلقي غترته جواره وهو يسند ظهره بإرهاق للمقعد بعد أن أطل على كاسرة ويهتف بإرهاق موجوع: مزنة الله يهداش.. ليه مهوب أنتي اللي بلغتينا الخبر.. على الأقل كنتي لمحتي لي.. وأنا مهدت للولد.. الحين الولد هج.. ماخليت مكان مادورته أنا وعلي ومنصور.. وحتى موظفين شركتي كلهم.. ومالقيناه.. مزنة بإرهاق متزايد مغلف بالحزن: زايد من جدك.. أخلي بنتي وهي تبكي ومنهارة وأطلع عشان أبلغكم..؟؟ كاسرة كانت بتموت في يدي وهي تصيح خلوني أشوف بنتي.. كانت تحسبها ولد.. ويوم درت إنها بنت تأثرت زيادة.. خفت يصير لبنتي شيء الله يصبر قلبها.. أصلا الدكتورة ماطلعت عليكم إلا عقب ما يأست تهديها.. زايد تنهد بحزن: الله يصبر قلبها ويعوض عليها.. توهم صغار.. والدكتورة تقول وضعها زين.. وهي مؤمنة وعارفة قضاء ربي وقدرته!!! مزنة صمتت.. فماباتت تعانيه أكثر من طاقتها بكثير.. تشعر أنها توشك على الانهيار فعلا.. وهي تستنزف كل طاقاتها الجسدية والنفسية!! زايد هتف لها بحزم وهو يتذكر: مزنة ارفعي أرجيلش قدامش.. مزنة بحرج: زايد مافيها شيء؟؟ زايد تنهد: منحرجة مني؟؟ قمت أروح لبيت.. صمتت مزنة.. تعلم أنها تحتاجه لجوارها فعلا.. لكن لشدى استغراقها في مأساة ابنتها عاجزة حتى عن طلب المعونة... ولكنها تعلم أنها لو رفضت تنفيذ أمره.. معنى ذلك أنها تقول له ضمنيا أنها تريده أن يغادر.. لذا استدارت قليلا لتمدد ساقيها أماما على الأريكة وهي تغطيها بعباءتها.. لولا أن زايد فاجأها بوقوفه وهو ينتزع العباءة عن ساقيها ليهتف بغضب حقيقي وهو يرى ساقيها وقدميها المتورمتين بشكل مأساوي: كنت عارف إنها بتكون كذا.. أنتي ما ترحمين نفسش شوي.. حرام عليش اللي تسوينه في نفسش.. ليش ماخليتي وضحى تقعد عند أختها ورحتي للبيت.. مزنة تنهدت وهي تشد العباءة من يده بحرج لتغطي قدميها: ما أقدر أخلي كاسرة.. ما أقدر.. مستحيل أرتاح لين ترتاح هي.. زايد تنهد وهو يعود لمقعده ويهتف بحزم: خلاص أنا قاعد عندش الليلة.. وياويلش تنزلين أرجيلش من مكانها.. اللي تبينه أنا بأسويه.. مزنة تنهدت بحرج عميق (ليتني خليت وضحى تقعد عندي بدل ما أحلف عليها تروح.. الحين وش السواة؟؟) *********************************** " مزون حبيبتي مايصير اللي أنتي مسويته في نفسش؟؟ أنتي بروحش تعبانة.. اتقي اللي في اللي في بطنش!! يعني البنت هذي حتى ماعاشت عشان تحزنين عليها كذا!!" كان يمسح دموعها بأنامله وهو يتمدد جوارها مسندا ظهره لظهر الحائط.. بينما رأسها مسند للمخدة التي تضع رأسها عليه..وتنظر في الزاوية لباقة الورد الضخمة التي بدأت تذبل ومع ذلك لم تخرجها.. همست باختناق عبراتها وسيول عينيها: ياقلبي ياكساب.. ماتخيلت إنه ممكن يتأثر كذا عشان بنته ماتت.. لدرجة إنه ماحد يدري وينه.. دامني ماشفته قدامي وضميته لصدري..مستحيل أرتاح.. أو تجف دمعتي!! ياقلبي وش كثر كان فرحان يوم درا إني حامل.. يعني مستكثر علي ذا الحين أتأثر معه.. ياقلبي يأخيي.. مالحق يفرح هو ومرته..!! غانم يصمت وهو يمسح شعرها.. ففي الختام هي محقة.. ففرحة شقيقها بحملها جعلته يخجل من فرحته هو.. وهو ينظر مثلها لباقة الورد الضخمة التي توسطتها هدية ثمينة جدا.. مع سلة خاصة من الشكولاته وصلا كلاهما من كساب فور معرفته بخبر حملها... تنهد بعد دقيقة صمت وهو يهتف بحزم: أوعدش بكرة أدور مرة ثانية.. وين بيروح؟؟ وبأسال عنه في المطار.. لو كان طلع برا الدوحة.. حتى لو طلع عن طريق البر.. بيكون واضح في الكمبيوترات عندنا في المطار.. غانم يشعر باستغراب عميق.. يعني حدوث أمر كهذا .. وفاة ابنته.. ليس بالأمر الذي قد يهز رجلا مؤمنا ككساب.. لدرجة أنه يهرب ويختفي بهذه الطريقة!! ********************************** صباح اليوم التالي . . " مِن مَن الورد ذا يأمش؟؟" تنهدت وضحى وهي تعيد البطاقة لمكانها بعد أن قرأت الاسم: من نايف يمه.. مزنة تنهدت بسكون: عادش منتي براضية تردين على تلفوناته..؟؟ وضحى بألم عميق: لا أبي أرد على تلفوناته ولا أشوفه.. موجوعة منه واجد.. واجد يمه.. تخيلي يمه قعدت في حوش بيته أكثر من 5 دقايق وأنا عيني على الباب.. أقول ماني بهاينة عليه..!! مستحيل يخليني أطلع في ذا الليل!!.. بيلحقني الحين..!! كسر نفسي يمه.. كسر نفسي.. مزنة تنهدت: يأمش المسكين كل شوي يدق عليش.. كلميه.. أكيد يبي يعتذر لش.. وضحى بألم: ما أبيه يعتذر لي وما أبي شيء منه.. يمه فيه شيء ينفع فيه الاعتذار.. وشيء ما ينفع.. وياكثر ماسمعت منه آسف وامسحيها في وجهي.. مابقى في وجهه مكان أمسح فيه.. بالفعل نايف أرسل لها الكثير من رسائل الاعتذار الهاتفية.. ثم طلب من عالية أن تكلمها.. حين رأى رفضها الرد على اتصالاته.. ************************************* " ها عالية.. وش قالت لش وضحى؟؟" عالية نظرت بحدة إلى خالها الذي كان يستجوبها بلهفة.. وهمست بذات الحدة: أنا بصراحة ماكنت أبي أكلمها.. بس من غلاك عندي.. أولا وضع أختها مايسمح كلش بكلام مثل ذا.. ثاني شيء لأنه لو أنا مكانها.. كان كسرت البيت فوق رأسك أنت وخواتك ثم طلعت!! نايف بتأفف حازم: عالية ترا مهيب ناقصتش.. خلصيني.. عالية هزت كتفيها: طبعا مارضت حتى أفتح ثمي في الموضوع.. نايف بخيبة أمل: تقولينها وأنتي مبسوطة بعد؟؟ عالية تنهدت: وليش انبسط.. بس بصراحة غلطتك عليها مالها دوا.. ثم أردفت بنبرة أقرب للغضب: خلنا من إنك خليت خالتي نورة تجرح فيها وفي أهلها وأنت قاعد مثلك مثل الكرسي.. بس عيب عليك مخلي مرتك طالعة في نص الليل للشارع.. ولا تقول لي خالتي نورة حلفت.. لأنه الرجال ماترده حلوفة النسوان من المراجل!! نايف قاطعها بغضب: تراش مسختيها.. عيب عليش.. عالية بغضب مشابه: الحين أنا اللي عيب علي.. تخيل إن إبي يدري بسواتك.. والله يا أقل شيء يسويه إنه يطردك من مجلسه.. وأزيدك من الشعر بيت.. سميرة بنت عمي تقول إن رجالها مصمم إنها ماعاد ترجع لك.. يقول اللي مايحافظ على أخته ما يستاهلها.. وهو خذها من بيت رجّال مهوب من الشارع.. سميرة تقول إن تميم مستوجع واجد.. إنه جا ولقاها واقفة في الحوش قريب من باب الشارع... يعني لو أنك على الأقل وقفت معها لين يجي أخيها.. أو حلفت أنت توديها.. كان غلطتك ممكن تنبلع.. بس الحين.. خبز خبزتيه يا الرفلا اكليه... عجزت أقول لك لازم تحط حد لخالاتي.. بس أنت كنت مبسوط بالوضع.. خلاص اشرب.. نايف تنهد بيأس حقيقي.. حياته كاملة تنهار أمامه.. وليس في يده أي حل.. فماذا يفعل؟؟ ماذا يفعل؟؟ ************************************** "دفنتوها خلاص؟؟" علي يلقي غترته جانبا ويهمس بتأثر: دفناها.. جعلها تكون حجاب لأبيها وأمها من النار.. شعاع تمسح دمعة تأثر: ياقلبي ياكاسرة.. الله يعينها ويواجرها.. أنا وأنا حملت على طول.. لو يصير للبيبي حقي شيء بعيد الشر بأستخف.. أشلون هي .. وهي ماحملت إلا عقب سنة.. ويوم قربت خلاص.. يطلب الله أمانته.. علي يتنهد وهو يربت على كفها: الله له حكمة من كل شيء.. مهوب حارق قلبي الحين كثر أخي اللي ما أدري وين راح.. ماخليت مكان مادورت فيه.. لا هو في مستشفيات ولا سجون.. ولا طلع برا الدوحة.. وين راح؟؟ بأستخف.. بأستخف.. ثم أردف بتهيدة شاسعة: باتسبح وأرجع أدور له.. شعاع بتأثر رقيق: حبيبي أنت من أمس ما نمت ولا قعدت دقيقة في البيت وأنت تدور له.. علي يتجه للحمام وهو يهتف بحزم: ولاني بنايم لين ألاقيه.. تدرين وش اللي موجعني؟؟ إني مابعد احتجت كساب ومالقيته جنبي.. والحين يومه محتاجني ماقدرت أكون جنبه!! حين خرج علي من الحمام.. همست شعاع وهي تناوله ملابسه: ترا تلفونك دق كم مرة.. لا يعلم لما شعر بتوتر مفاجئ وهو يركض نحو هاتفه.. حين وجد أن الاتصال من العامل المسئول عن المزرعة.. تزايد توتره ولهفته وهو يتصل باستعجال... شعاع توترت معه لتوتره وهي تقترب منه وتسمعه يصرخ في الهاتف: أشلون يكون عندكم وأنا سألتك بدل المرة ألف وتقول لي إنه مارجع عليكم.. ........................ متأكد إنه نايم؟؟ ................... أنا جاي الحين.. لا تحركونه ولا تقومونه.. شعاع بتوتر ولهفة: لقوا كساب..؟؟ علي يرتدي ملابسه باستعجال وهو حتى لا يعلم كيف ارتداها ويهتف باستعجال مغلف بجزع ورعب حقيقين..: عمال المزرعة لقوه نايم في غرفتي أنا.. يوم جاو يرتبون.. لأنهم أمس مارتبوا.. وماشافوه دخل.. ولا كان فيه سيارة.. يقولون إنه نايم.. والسرير عليه بقع دم.. الله يستر الله يستر.. لا تقولين لحد شيء.. لحد ما أروح بنفسي وأشوف السالفة.. . . . علي لا يعلم كيف وصل إلى المزرعة حتى... وهو يقفز من سيارته ويتركها تعمل.. ويركض نحو غرفته ليجد عمال المزرعة كلهم يتجمهرون على بابها.. طلب منهم جميعا المغادرة.. وبقي معه فقط المسئول عن المزرعة.. حين دخل.. كان كساب فعلا نائما.. والمرعب أنه كان هناك بقع دم لا يعلم من أين أتت.. وهو يدقق النظر في جسده فلا يجد إصابات.. اقترب منه ليجد أن هناك دم متخثر على أطراف فمه.. علي اقترب منه ليهتف له برفق قلق قبل أن يهزه: كساب.. كساب قوم يا أخيك.. فعلي يعلم جيدا أن كساب لا يحب أن يحركه أحد وهو نائم قبل أن يكلمه.. كساب انتفض بجزع وهو يقفز بتحفز ويمسح وجهه: بسم الله الرحمن الرحيم.. أعوذ با الله من الشيطان الرجيم.. علي بقلق: كساب الدم ذا من وين جاي؟؟ كساب عاجز عن النظر لأي وجه وهو يهتف بنبرة ميتة: يمكن من ثمي.. لأني البارحة زعت دم.. علي برعب حقيقي: زعت دم... قوم.. قوم نروح للمستشفى.. كساب رد عليه بقسوة: ما أبي أروح للمستشفى.. ثم أردف بنبرة ميتة تماما بالكاد استطاع إخراجها: أبي أروح أدفنها.. علي بتردد: دفناها خلاص.. كساب هتف بذهول: دفنتوها بدون ما أشوفها؟؟.. توها ماتت قبل الفجر.. تدفنوها بذا السرعة بدون ما أشوفها..؟؟ ثم بدأ يصرخ بشكل هستيري: تدفنونها ليه؟؟ ليه؟؟ ليه؟؟ علي يحاول تهدئته: كساب أنت مختفي من فجر أمس.. وإكرام الميت دفنه.. ولكن كساب لم يهدأ وهو يصرخ بكل هستيرية الكون: مالحد منكم حق يدفنها.. أنا بس اللي لي الحق.. أشلون هان عليكم تنزلونها في القبر..؟؟ أشلون هان عليكم توسدونها القاع؟؟ من اللي نزلها؟؟ من اللي كشف عن وجهها؟؟ من آخر من شافها؟؟ حرام عليكم.. حرام عليكم.. ليه تسوون فيني كذا..؟؟ ماحتى خليتوا لي شيء أتذكره منها!! علي يصرخ فيه بحزم: بس كساب.. تراك مزودها.. الحين فيه اللي محتاجك أكثر.. اسبح وأمش معي.. يا الله.. ما أضيق الدنيا في عينيه..!! أ حتى جسدها اختفى من وجه الأرض قبل أن يراها ولو لمرة واحدة..؟؟ هتف بتبلد: الولد أشلونه؟؟ علي بعدم فهم: أي ولد؟؟ كساب بذات التبلد: ولدي!! علي يحاول أن يفهم ويجمع الصور.. لتتضح الصورة بشكل مفاجئ في عينه.. هتف علي بنبرة مقصودة: الولد زين.. في الحضانة.. ماتبي تشوفه؟؟ كساب تنهد بألم شاسع: أكيد أبي أشوفه.. وش بقى لي من ريحتها غيره.. ثم أردف بالم أشد: تكفى علي جيب لي ملابس من حجرتي.. ما أقدر أدخلها عقبها.. " يا الله.. ما اكبر ألمك يا أخي!! لأول مرة أراك تصرخ بإحساسك بالألم بهذه الطريقة!!" علي قرر ألا يخبر كساب.. لأنه لا يعلم كيف ستكون ردة فعله.. هذا الذي نام لأكثر من يوم وهو يظن أنه نام لساعات.. وتقيأ دما.. وكأن جسده يتصرف نيابة عنه.. لأنه عاجز عن البكاء.. حين خرج من المستشفى فجر أمس.. لم يفكر أن يذهب إلى أي مكان إلا للمزرعة.. آخر مكان جمعهما سويا.. كان يريد أن يهدأ قليلا.. لم يستطع أن يدخل لغرفتهما.. لذا توجه لغرفة علي.. لا يعلم كيف نام كل هذا الوقت.. هل كان جسده يرفض أن يصحو بعدها؟؟ أو هي رحمة الله به الذي أراد أن يرحمه من كل هذا الضغط؟؟ يتنهد بوجع وهو يدخل للحمام ليستحم.. وهو يبصق دمـــــا..!! " فمثلها لا يُبكى بمجرد ماء بارد.. دموع تنسكب من العين.. بل تُبكى بدم ملتهب يُبصق من القلب" فأي عشق هذا الذي أورثه هذا الرجل لابنائه؟؟ يستند على جدران الحمام بضعف.. يشعر أنه بالفعل ماعاد يريد أن ينظر حتى للحياة من بعدها.. ولكنه يبقى رجلا قويا.. في إيمانه.. قبل كيانه!! يعلم أن هذا اختبار رب العالمين له.. لابد أن يصبر من أجل ابنه على الأقل.. " ولكن من أين أتي بالصبر؟؟ من أين أتي به؟؟ وحالي معها كما قال الشاعر: يامن صورت لي الدنيا كقصيدة شعر....... وزرعت جراحك في قلبي وأخذت الصبر جرح فقدها في قلبي لا قرار له.. والصبر أخذته معها.. أخذته معها..!! كل شيء أخذته معها.. ما أبقت لي شيئا.. ماذا بقي من الدنيا بعدك ياكاسرة!! الدنيا باهتة.. والسماء اختفت نجومها.. والهواء بعدكِ بات ثقيلا يدخل لصدري كالخناجر.. أقسم أني عرفت قيمتكِ أقسم أني حفظت الدرس.. فهل تعودين لي الآن؟؟ هل تعودين؟؟ سأقول لكِ أحبكِ ألف مرة في كل دقيقة.. سأقول لكِ أنني كنت غبيا لأني لم أصرخ لكِ بها كل ليلة حتى أصيبك بالصداع!! أريد أن نسافر لمكان بعيد.. فقد وعدتكِ منذ أشهر طويلة أن نسافر.. أعلم أني تأخرت كثيرا لأفي بوعدي.. فلماذا ترحلين وتتركين وعدي معلقا..؟؟ كنت اريد أن ارى الدنيا بعينيك.. وتريها بعيني... فأي عيون سترى الدنيا من بعدك؟؟ لو كنت أعلم أن الدنيا ستكون شحيحة بكِ هكذا.. لو كنت أعلم فقط!!" طرقات علي تتصاعد على باب الحمام بقلق: كساب وش فيك تأخرت؟؟ كساب يصحو من غيبوبته والماء ينسكب بغزارة حرقته فوق رأسه هتف بتبلد: دقيقة وأجيك.. حين خرج كساب هتف بذات التبلد الذي يغلف فيه مشاعره: خلني أصلي الصلوات اللي فاتتني ونمشي.. . . . يخرجان خارج المزرعة وعلي يسأل بنبرة مقصودة: وين تبينا نروح أول؟؟ كساب بحزم: قبرها.. علي برجاء: زين خلنا نأجل زيارة القبر شوي.. بأوديك المستشفى أول.. كساب بحزم أشد: قلت لك ودني قبرها.. ماتبي توديني نزلني هنا وبألاقي اللي يوديني مثل مالقيت اللي جابني.. علي باستسلام: إن شاء الله.. بأوديك!! حين أصبحا قريبين من المقبرة.. همس كساب بإجهاد: ما أقدر.. ما أقدر.. خلنا نرجع ماني بمستعد.. بدت الدنيا سوداء تماما في عينيه.. ما أن شعر باقترابه من رائحة الموت الذي انتزعها منه.. لن يحتمل رؤية التراب يحول بينه وبينها.. لن يحتمل رؤية قبرها وهو يعلم أن ظلمته احتوت جسدها.. يخشى أن يتصرف تصرفا يكدر راحتها في قبرها.. ولكن هو كيف يرتاح؟؟ كيف يرتاح؟؟ حين بدأ علي يبتعد عن المقبرة مرة أخرى.. شعر أن قلبه يقفز من بين جنبيه وعيناه تتابعان بألم سور المقبرة: بأرجع.. صدقيني بأرجع.. بس عطيني وقت أقدر أستوعب الخسارة اللي ما أظن إني في يوم من الأيام بأقدر أستوعبها.. خسارتش أكبر من قدرتي على الاحتمال.. أكبر بواجد!! يقتربان من المستشفى.. يرسل علي رسالة لمزنة يخبرها أنه وجد كسابا.. وأنه يريد من الجميع أن يتركوها لوحدها وينسحبوا لغرفة الجلوس.. كان علي يعلم أن الاثنين مثقلان بالجرح.. ومن حقهما أن يعالجا جراحهما بنفسيهما دون أعين تراقب!! كساب كان يتبع علي دون إحساس.. كما لو كان جثة تتحرك.. " ماذا بقي لي سواك يا بني ؟؟ أرجوك لا ترحل أنت أيضا.. أريدك أن تكون تشبهها.. أرجوك أن يكون لك التماعة عينيها أو ابتسامة شفتيها.." حين وقفا عند باب غرفة كاسرة.. هتف علي لكساب: ادخل.. كساب انتبه من غيبوبته التي بات يغرق فيها كثيرا: بس هذي مهيب الحضانة.. علي يتنهد: أنت ادخل الحين وبتشوف بنفسك.. كساب دخل بخطوات مترددة.. وعلي تأكد من إغلاق الباب خلفه.. ثم توجه لانتظار الطابق.. مازال عاجزا عن الاستيعاب.. هناك سرير وهناك من ينام على السرير.. (وش السالفة؟؟) شعر بتثاقل أنفاسه وهو يقترب من النائم... يقسم أن رائحتها قريبة.. قريبة جدا!! (الظاهر إني استخفيت!!) اقترب أكثر وهو يشعر بتزايد إجهاده.. يشعر كما لو كان يصعد لقمة جبل.. والهواء لشدة نقائه وكثافته بدأ يؤلمه بعد اختناق صدره .. يصعد القمة مع اقترابه من السرير.. أضلاعه تؤلمه أكثر وأكثر.. شهق بحدة وهو يراها ممدة على سريرها نائمة بسكون.. استند على حافة السرير حتى لا يسقط.. وهو ينظر لها كالمجنون.. "حلم.. أحلم أنا.. أكيد أحلم.. بس الحلم ما يكون حلو كذا.. لأمه مافيه حلم يقدر يصورها.. هي أكثر من كل الأحلام وأجمل!!" مال برفق وهو يستند على حافة السرير بثقل.. مال ليتنفس عبق رائحتها من قرب.. (هي.. هي.. هي!!) مد أنامله المرتعشة ليتحسسها ( مافيه غيرها.. لا لمسته حسيت أناملي ترتعش مع رعشة قلبي!!) كان يريد أن يتنزعها من سريرها انتزاعا بدون تفكير ليضمها لصدره بكل قوته ليدخلها بين ضلوعه ويخفيها هناك.. لولا أنه بقي في رأسه بعضا من عقل ينبئه أنها للتو أنجبت.. وأي حركة غير محسوبة ستؤلمها.. شعر أن جسده منهك منهك تماما.. وهو ينهار على المقعد قريبا منها.. ينظر لها بيأس ولهفة.. " يا الله يا ربي ما أوسع رحمتك!! ما أوسع رحمتك!" لا يعلم كم مضى له من الوقت وعيناه تلتهمان تفاصيلها الساكنة.. رؤيتها تبعث في روحه جرح السعادة.. جرح لا يعلمه إلا من عرفه!! قبل أن يجرؤ أن يمد يده ليمسك بيدها.. كان يريد أن يقبل أناملها قبلة رقيقة.. قبلة واحدة فقط.. فإذا به بغمرها بعشرات القبلات المبللة باليأس والسعادة.. لم يخرجه من فوضى المشاعر التي اجتاحته.. إلا أنة ضعيفة صدرت عنها.. حينها أفلتها وهو يقفز ليقف قريبا منها.. همست بضعف دون أن تفتح عينيها: يمه.. كساب جاء..؟؟ كان الجواب هو شفتيه اللتين لم تجدا طريقة للتعبير عن حزنه عليها سوى ببصقهما دما.. لتنفثا في روحها الحياة الآن.. كاسرة شهقت وهي تفتح عينيها لتطوق عنقه بذراعيه وهي مازالت ممدة.. أفلت شفتيها.. ليلصق خده بخدها وهو يرفعها برفق.. انتحبت بشفافية وهي تغرق عنقه بدموعها: وين كنت ذا كله؟؟ أنت تعاقبني عشان بنتنا ماتت بدل ما تكون جنبي.. كساب عاجز عن التفكير لا يستوعب أي شيء سوى أنها بين يديه الآن.. وهو من كان يظن أنه لن يحتضن سوى مرارة الأيام بعدها.. همس في أذنها بكل وجع العالم: أحبش وأحبش وأحبش وسامحيني على على كل شيء.. على كل شيء.. سوي فيني اللي تبين بس تكفين لا تفكرين تخليني مرة ثانية!! *********************************** " يمه كساب وين راح؟؟" مزنة همست بإبتسامة متأثرة: أكيد قريب يأمش.. راح عشان النسوان اللي جاوو يسلمون عليش.. وأكيد بيرجع.. مازالت عاجزة عن تخفيف فيض دموعها التي تأبى التوقف وهي تهمس بصوتها المبحوح الممزق: تكفين يمه كلميه يجي.. تشعر في غيابه كما لو كانت محض طفلة فقدت أنامل والدها في خضم زحام كبير.. ولن تشعر بالأمان حتى تعود للاطباق على أنامله.. حينها ستسكن روحها من القلق والخوف والجزع.. همست مزنة بحنان: باتصل له يأمش.. مع إني ما أدري تلفونه معه وإلا لا.. قبل أن تتصل مزنة كان هو من يتصل يسأل هل مازال عندهم زائرات.. ويخبرهما أن معه مفاجأة.. مزنة أنزلت نقابها ووضعت عباءتها على رأسها.. لتخرج وترى.. حين رأت مفاجأة كساب ابتسمت بشفافية وهي تفتح الباب على اتساعه.. دخلا مع باب غرفة الجلسة ليتوجها لكاسرة التي كانت ترفع ظهرها قليلا.. حين رأت القادم تزايدت دموعها وهي تحاول النزول لتقف.. هتف لها كساب بحزم: والله ما تنزلين أنا بجيبه عندش.. اقترب الجد وهو يستند لكف كساب.. ويحاول أن يتبين ما أمامه ويهمس بتأثر عميق: وينش يأبيش؟؟ كان الرد على جوابه أن كاسرة طوقت خصره وهي تقبل كتفه بتأثر عميق حين أوقفها كساب جوار سريرها.. احتضن رأسها بحنان وهو يهمس بذات تأثره الرقيق المتجذر كجذور شخصيته وهو يشعر بتبلل كتفه من دموعها: ياويل حالي من ذا الدموع كلها.. اذكري الله يأبيش.. الله يأخذ ويعوض بأكثر منه وأحسن.. قبل ما تجيني مزنة.. مات علي خمسة ماحد منهم كمل شهر.. ولو يخيروني بينهم كلهم وبين مزنة.. ما تخيرت حد عليها.. همست كاسرة باختناق: الحمدلله على كل حال يبه.. ما نعترض على عطاه.. بس الوجع غصبا عني.. كان كساب ينظر للمشهد.. ويشعر أن الألم يغوص في ثنايا روحه مع إحساسه بالندم من أجله.. تأثرها يهز أعماقه.. لا يعرف كيف يستطيع التعويض عليها إلا بمشاعره المنهمرة من أجلها.. وهو يبحث عن كل ماقد يرضيها أو يسعدها!! ********************************************* " أشلون كاسرة الحين؟؟" تميم يشير بهدوء: الحمدلله أحسن.. بكرة الصبح بتطلع من المستشفى إن شاء الله.. ابتسم فاضل: ماتبي تمرن جنحان طيورك..؟؟ خاست من القعاد في مركز الطيور.. ابتسم تميم: نمرنها هنا في الدوحة ماعليه.. بس قنص ذا السنة ما أقدر.. ثم أردف بإشارة غامضة: عندي شغل..ما أقدر أخليه.. تنهد فاضل بإبتسامة شاسعة: والله حتى أنا ماودي أطلع من الدوحة ذا السنة.. خايف مرت عبدالرحمن تولد وأنا ماني بهنا.. ذا البنات ماعاد مسكوا غرانهم في بطونهم شوي.. وأنا من شفقتي عليه ما أبي حد يشله قدامي!! ابتسمت أم عبدالرحمن التي كانت تقطع للاثنين صحنا من الفاكهة وهي تخاطب أبا عبدالرحمن: خاطري أدري أشلون تسولفون.. على أنه ولد أخي أنا.. أشياء واجد ما أعرف أقولها لها.. ولا أفهم عليه.. ابتسم أبو عبدالرحمن: طول العشرة خلته يفهم علي ولو أني داري إن إشاراتي كلها غلط.. أشار أبو عبدالرحمن لتميم بشيء.. فاتسعت ابتسامة وهو يشير برفض قاطع.. أم عبدالرحمن ضحكت: والله أنك منت بخالي.. إشارتك ماجازت لي.. ضحك أبو عبدالرحمن: أقول له عمتك تقول تدور لي بنية مزيونة من هل الكمبيوترات اللي يجونك.. كود نجدد الصبا.. ابتسمت أم عبدالرحمن بغيظ رقيق.. يبقى موضوعا مهما كبرت المرأة تشعر بالغيظ منه: ومابه من صبي مزيون بعد عشان إذا خليتك أنت وبنيتك المزيونة.. أبو عبدالرحمن ضاحكا: أفا يا الصيتي.. اللي خربت الدعوى.. يا بنت الحلال.. ما أبي إلا أنتي وحسن الخاتمة.. ************************************** اليوم التالي . . يدخلون أربعتهم للبيت.. كساب يحمل كاسرة التي تفجر وجهها احمرارا وهي تحاول اقناعه بإنزالها وهو يرفض بإصرار: بسش حنة.. ماني بمنزلش إلا على سريرش.. أردف بوجع: لو علي اصلا ماخليتش تبعدين من حضني دقيقة.. بينما زايد يهتف بصوت عال وبمودة غامرة: الحمدلله على سلامتش يابيش.. نورتي بيتش.. مزنة باستعجال تتجه لجناحها الذي أصبح في الأسفل: كساب يأمك جيبها عندي.. كساب برفض قاطع وهو مازال يحملها: اسمحي لي يمه.. كاسرة بتقعد عندي.. مزنة باستغراب: يأمك مايصير.. كاسرة تبي من يراعيها.. ونفاس.. مايصير تقعد عندك.. كساب بإصرار حازم: ماعلي من ذا الكلام كله.. كاسرة بتقعد عندي.. كاسرة ستموت من الحرج وهي تهمس في أذنه: كساب خلاص نزلني.. كساب بخفوت: بس اسكتي.. ماني بمنزلش الحين.. مزنة تتنهد: يأمك ما أقدر أطلع فوق.. أشلون تقعدها فوق بروحها.. مزنة تشعر بالحرج أن تخبرهم أن زايدا حلف عليها ألا تصعد للأعلى مرة أخرى.. حينها هتف كساب بخبثه الذي لا يستطيع تركه: خلاص روحي اقعدي مع شيبتش في جناحه.. وعطينا جناحش.. مزنة صمتت بحرج بالغ.. ليهتف زايد الذي لا يرضى أن يشعرها أحد بالحرج: خلاص خذوا جناحي أنا.. أنا اللي بأطلع فوق.. مزنة لم تستطع إلا أن تنظر له بامتنان وكساب يتجه بكاسرة لجناح والده ويهتف بنبرة مقصودة: كثر الله خيرك يبه.. من يومك جنتل.. خصوصا لا حضرت عمتي مزنة في السالفة.. حين أنزلها كساب على سريرها.. همست بذبولها الذي يلازمها منذ ولادها: كساب الله يهداك أحرجتني واجد.. كساب هز كتفيه بثقة: وين الإحراج؟؟ ماشفته!! كاسرة تاخرت قليلا بألم لتضع مخدة خلف ظهرها وهي تهمس بألم حقيقي: ياشينه إحساس الألم وما في يدي شيء ينسيني الوجع.. كساب جلس على طرف السرير قريبا منها وهو يمسح خدها: اذكري الله .. ربي بيعوض علينا إن شاء الله.. سالت دموعها بصمت مجروح وهي تتحسس ثديها بحرقة: تدري إن صدري فيه حليب.. همس كساب بندم عميق: أنا آسف.. كله مني!! أنا السبب أنا وسالفتي اللي كنها وجهي.. وضعت كاسرة أطراف أناملها على شفتيه: لا تقول كذا.. هذا اللي كتبه رب العالمين لنا.. وماحد يعترض على اللي ربي يكتبه.. اقترب ليحتضنها برفق وهو يهمس بحنان: سامحيني حبيبتي.. ما تخيلين وش كثر ندمان على أشياء واجد.. همست كاسرة بألم: كان لازم نخسر ذا الخسارة.. عشان اسمع ذا الكلمة..؟؟ همس وهو يغمر شعرها بقبلاته: فيني ذا الطبع الخايب على قولت إبي.. ما أعرف قيمة الشيء لين أخسره.. والحمدلله إني ما خسرتش.. ما تتخيلين وش اللي صار فيني... أنا كنت باستخف يوم تخيلت الشمس بتشرق علي من غير شوفة وجهش!! ويمكن ياقلبي إن الله سبحانه يبي يطوي صفحة من حياتنا ونبدأ صفحة جديدة.. نجيب طفل قلت لش قبل ما تحملين فيه ألف مرة أحبش واحبش واحبش.. ************************************* " قرت عينش يمه برجعة كساب!!" عفراء تبتسم ابتسامة باهتة: وعقبال ما تقر عينش بشوفة فهد.. جميلة تنهدت وهي تتذكر موعد عودة فهد الذي يقترب مه تزايد اشتياقها له حتى ماعاد في الاحتمال.. وهي تخجل أن تتصل به.. فيصرخ بها.. أو يقول لها كلمة تؤلمها.. تنهدت جميلة بحنان: زين يمه دام كساب رجع.. ليش متضايقة كذا؟؟ عفراء بتأثر: متضايقة عشانه هو ومرته.. من حزني عشانهم مافرحت بحملي.. جميلة اتسعت عينيها وهي تنظر لوالدتها بذهول قبل أن تقفز بصدمة حماسية: نعم؟؟ حامل يمه..؟؟ وليش ماقلتي لي..؟؟ تنهدت عفرا: توني دريت البارحة.. وما كان لي خلق أقول شيء.. جميلة تترقص بحماس طفولي: ومتى قطيتي المانع؟؟ ماقلتي لي.. عفراء هزت كتفيها: صار لي فترة.. منصور جنني من كثر ما يحن.. وأنا استحيت من كثر ما أرده.. قلت خلاص زيود كبر.. وأنا مهوب من صغري عشان أجل أكثر من كذا.. جميلة بذات حماسها الطفولي: وبما أنه عمي منصور من البارحة وهو في الزام.. معناتها مابعد درى.. ابسمت عفرا وهي تشد زايد صغيرها في حضنها وتغمره بقبلاتها: لا مابعد درا.. بأقول له لا جا.. جميلة برجاء حار: تكفين يمه.. أنا أبشره.. تكفين.. ابتسمت عفراء: هذا هو على وصول... بشريه.. ما أن أنهت عفراء كلمتها حتى كان سلام منصور المجلجل يغمر المكان بفخامته وهو يدخل بلباسه العسكري.. ردتا عليه السلام.. وهو يجلس ويشير لزايد الصغير أن يأتي له وهو يهمس بأبوية حانية: تعال يامجند.. عط القائد بوسة كبر رأسك .. عفراء أدارت زايد نحو والده وهي تنظر بابتسامة حانية له ولجميلة التي تبدو كما لو كانت تقلى على النار.. منصور تلقى زايد الذي كان يمشي نحوه بخطواته غير المتزنة.. وهو يمد له يديه الطويلتين ليتلقاه قبل أن يصله كما لو أنه أشفق عليه من طول المسافة التي كانت خطوتين وهو يهتف بإبتسامة حانية: الولد هذا ذيب.. حتى مشيته مشية ذيب.. حينها همست جميلة بإبتسامة شاسعة: وماتبي لك مع الذيب ذيب ثاني؟؟ منصور استدار نحوها وهو يهتف بصدمة سعيدة: أنتي حامل؟؟ ضحكت جميلة: لو أنا حامل.. الذيب بيصير حق آل ليث.. ضحك منصور: لا ولدش أنتي وفهد حقي بروحي.. جميلة غمزت عينها بشقاوة: دور لك ذيب ثاني.. أقرب بواجد.. حينها أجلس منصور زايد جواره وهو ينظر لعفراء بإبتسامة شاسعة.. بينما كانت تخفض عينيها بخجلها العفوي الرقيق: يعني الذيب حقنا؟؟ الحمدلله حنتي جابت نتيجة والذيب مايهرول عبث.. أردف بفخامة وهو يقف: جمول .. عادي أحب أمش قدامش لأني مافيني صبر..؟؟ جميلة قفزت بخجل وهي تلتقط أخاها وتهرب به: لا مهوب عادي.. خلني أروح وكيفكم.. منصور وقف أمام عفراء ليشدها ويوقفها.. أحتضن وجهها بين كفيه ليغمره بقبلاته وهو يهمس بخفوت: ألف مبروك ياقلبي.. همست برقة: الله يبارك فيك.. أردف وهو يبعدها قليلا لينظر لوجهها: تدرين إن فرحتي بحملش هذا أكبر.. ابتسمت: وش معنى؟؟ أردف بفخامة: لأنه حملش بزايد عاده حسرة بقلبي.. أول شيء ماعرفت الخبر بطريقة أرضتني.. وثاني شيء ماكنت معش في حملش خطوة بخطوة.. الحين هذا أبي أستمتع معش فيه بكل لحظة أنا وأنتي وزايد.. ********************************* " بسم الله عليش ياقلبي.. بسم الله عليش!!" شدها برفق ليحتضنها بخفة حتى لا يؤلمها وهو يسمع صرخاتها الموجوعة التي دلت على كابوس كانت تحلم به.. مالت بشكل جانبي لتدفن وجهها في صدره وهي تنتحب بخفوت.. مسح على شعرها وهو يقرأ عليها الكثير من الآيات ليهدئها.. ثم أردف بحنان بعد أن هدأت قليلا: سلامات ياقلبي.. سلامات.. وش فيش..؟؟ همست كاسرة باختناق وهي تدفن وجهها أكثر في صدره : كابوس قديم.. توني أفهمه.. أو يمكن عمري مافهمته.. همس كساب بذات الحنان العذب: إذا شيء شين لا تقولينه.. كاسرة عاودت التمدد وكساب يساعدها أن تتمدد حتى لا تؤلم نفسها وهمست بخفوت موجوع وهي تنظر لوجهه وهو يتمدد نصف تمدد ويستند على كفه لينظر لها: من عقب مامات أبي.. يجيني حلم غريب.. إنه بيدي بنت صغيرة.. أنا ضامتها بكل قوتي.. كأن روحي متعلقة فيها.. وبعدين يجي حد ويأخذها غصبا عني.. كل ماصارت ذا اللحظة أفز من نومي أصيح كأنه حد نزع قلبي من مكانه.. عشان كذا كنت واجد أصك على أختي وضحى.. كنت أخاف عليها تكون البنت اللي بيأخذونها مني.. وأحيانا كنت أقول هذي أنا.. حد ينزع روحي من بين إيدي.. عقب ماخذتك.. سبحان الله.. ماعاد جاتني ذا الأحلام.. ما رجعت لي إلا فترة زعلتنا.. ويوم حملت.. كنت متوترة ما أبي بنت.. على كثر ماني مشتهية يكون بكري بنت.. ويوم دريت إن اللي بطني ولد تريحت.. وهذي هي بنتي راحت.. كساب مد أنامله ليمسح دموعها المتناثرة بشفافية وهو يهمس لها بعمق: خلاص الكوابيس راحت.. وربي بيعوضنا ببنت ثانية.. وإن شاء الله تكون بكرنا بنت مثل ما تبين.. وطالبش ماتحاتين شيء وأنا جنبش.. الدنيا تصير في عيني أضيق من فتحة الأبرة لا شفتش ضايقة كذا!! هاهو تشاركهما في الحزن وإحساس الفقد يطهرهما تماما.. مخلوقان مثقلان بالوجع والتأزر.. والعشق الذي أنضجته نار الفجيعة.. فلا شيء يقرب البشر ويصهر الخلافات ويجعلها لا قيمة لها.. مثل الــــحــــزن!! **************************************** اليوم التالي . . " ياعمي طالبك تساعدك.. تميم ماحتى رضى يقابلني.. وش اللي يرضيكم أنا حاضر له.. لاني بأول واحد ولا آخر واحد يغلط على مرته.. وأنا معترف إني غلطان.. وحقها علي.. وحاضر أراضيها باللي هي تبيه" زايد ينظر له بعتب عميق لا يخلو من غضب: يأبيك.. الرجال لاخذ بنات أما يحشمهم.. وإلا ترا بيوت أهلهم مهيب عاجزة منهم.. تنهد نايف بحزم: وبنت ناصر لها القدر والحشيمة.. لكن ياعمي من أول زعلة بتصير بيننا.. بتقوون رأسها علي..؟؟ عطوني فرصة وحدة بس.. إن رجعت عليكم زعلانة مرة ثانية.. حقكم كلكم برقبتي.. خلاص وش عاد تبون أقول أكثر.. اعتذار مابقى حد ماتعذرت منه.. وأوعدها ماعاد يصير إلا اللي يرضيها.. أنا لا كابرت على الغلط.. ولا أصريت عليه.. على الأقل خلوني أتكلم معها.. أنت إبينا كلنا.. بأكلمها قدامك.. تنهد زايد بحزم: أنا بأقول لها.. لكن ماني بغاصبها.. لأنه حقها أقول لها.. لكن أنتو أجعتوها وأجعتونا معها.. ولولا غلاك وأني شايفك متحسف.. وإلا والله لا يكون تصرفي شيء ثاني مايرضيك.. ************************************ " يه عقب ماهو مستر كساب طافش طول اليوم وأنتي تدورين وراه في السكيك.. ماعاد فارق شوي نشوفش.. اليوم كله مبلط عندش.. ماوراه دوام الأخ؟؟" كاسرة تنظر لسميرة بإبتسامة ذابلة: حرام عليش سمور.. والله إني طلعته بالغصب عشانش.. قلت له سميرة اتصلت كم مرة تبي تجي.. تدرين وش يقول؟؟ يقول ماوراها رجال المفروض تفرغ له.. ضحكت سميرة بمرح: قولي له رجّالي طافش مني كالعادة.. الله يبارك في سوق الكمبيوترات المزدهر.. عقبال مايزدهر سوق العقارات وتفك شوي بعد.. وضحى تدور بكاسات العصير على المتواجدات بينما مزون تهمس بإبتسامة: عاد حدش سمور.. كله ولا كساب يلحقه الحكي.. سميرة بمرحها المعتاد: احترمي بنت عم رجالش قبل ألتش كفين.. كيفي أنا ورجّال حماتي.. على قولت خالي هريدي: ياداخل بين البصلة وئشرتها.. ماينوبك منها غير ريحتها.. مزون بإبتسامة وهي توجه حوارها لمزنة: يمه قولي لمرت ولدش قبل أتوثم فيها..؟؟ سميرة تنفذ عن ذراعيها بحركة تمثيلية: تكلمي على قدش يابنت.. دنا بنت أخت هريدي والأجر على الله.. مزنة همست بإرهاق: مزون يأمش.. شاخبارش الحين عقب التعب اللي جاش..؟؟ همست مزون بمودة: طيبة.. يوم شفت كساب.. طبت والشر راح.. همست مزنة بذات الإرهاق: الله الله في نفسش.. تبين أروح معش الدكتورة؟؟ ابتسمت مزون بتأثر: والله يمه أنتي اللي تبين لش دكتورة.. شكلش منتهية من التعب.. ابتسمت مزنة بإرهاقها ذاته: هانت خلاص.. الله يهون من عنده!! وضحى همست وهي تميل على أذن أمها: يمه فديتش قومي انسدحي شوي.. هذا أنا عند كاسرة.. لين يجي كساب.. كانت مزنة فعلا تريد أن تنهض لتتمدد.. لولا أن هاتفها رن.. تحادثت على هاتفها بخفوت لدقيقة.. ثم التفتت لوضحى وهمست بأمر: وضحى روحي لعمش أبو كساب في مجلس الحريم.. وضحى ابتلعت ريقها.. كانت تعلم أن هذا الطلب قادم.. لكنها تعلم أن إنشغال زايد الفترة الماضية لابد منعه.. تنهدت وهي تهز رأسها بغصة : إن شاء الله.. بينما سميرة ترقص حاجبيها: جاك الموت ياتارك الصلاة.. مزون تضحك: إبي الموت يا الخايسة.. ضحكت سميرة: إلا وضيحى تارك الصلاة.. قصدي تارك نايف.. يا الله استلئي وعدك ياحلوة.. وضحى تأكدت من لبس نقابها.. خشية ان تصادف كساب.. ثم توجهت لمجلس الحريم.. دخلت بسكون وأغلطت الباب خلفها.. ثم رفعت نقابها فوق رأسها لتتوجه لزايد وتقبل رأسه وتجلس قريبا منه بسكون.. هتف زايد بنبرته الأبوية الخاصة: أشلونش يأبيش؟؟ همست وضحى بخجل: لاقدك طيب أنا طيبة.. زايد بحنان فخم: جعلش طيبة وبخير.. ثم أردف بحزم: فيه ناس يبون يشوفونش يأبيش.. وضحى ارتعشت بخفة وهي تهمس باختناق: وأنا ما أبي أشوفهم.. تنهد زايد: يا أبيش ماحد بغاصبش على شيء.. ونايف غلط عليش غلطة كبيرة... بس هو تعذر لين قال بس.. ويقول جاهز للي يرضيش.. ويبي يكلمش.. عطيه فرصة ثانية.. اسمعيه بس.. وضحى باختناق: يبه هذا أمر وإلا أقتراح..؟؟ كانك تأمرني.. نفذت ولا لي حق أفتح ثمي.. وتبيني أشوفه الحين شفته.. لكن كنه اقتراح.. اسمح لي فديتك.. جرحي منه ماطاب عشان أشوفه.. ابتسم زايد: الله يكبر قدر يأبيش.. لا بالله هذي مجرد رسالة وصلتها لش منه.. فكري براحتش.. وخلني أقول لش الكلمة اللي باقولها لمزون لو هي جاتني زعلانة.. مثلش مثلها.. وكلكم بناتي.. المرة لا جاها رجّالها نادم بذا الطريقة.. تعطيه فرصة ثانية.. عشان تكسبه.. ترا ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابين.. ******************************************** " يا الله ياقلبي تجهزي للسفر خلال أسبوع!!" جوزاء تنظر لعبدالله باستغراب: أي سفر؟؟ ابتسم عبدالله: عشان تكملين دراستش.. مسرع نسيتي!! خلاص الدراسة بتبدأ بعد عشرة أيام.. وأنا جهزت كل شيء.. جوزاء بصدمة: ماقلت لي.. ابتسم عبدالله برجولة صافية: تقدرين تقولين إنها مفاجأة.. ولو أنه ماعاد هي بمفاجأة لاني من زمان قايل لش.. لولا حادث عبدالرحمن ثم فهودي الصغير وإلا كان رحنا من السنة اللي فاتت.. الحين فهودي صار عمره 4 شهور.. خلاص خلنا نروح.. قبل يكبرون العيال وتصير السالفة أصعب.. والمدة كلها فصل واحد.. وش كثر تعبت لين قدرت أدبرها ماتكون أطول.. جوزاء بدأت تشعر بالتوتر المختلط بالتاثر: ياربي وعيالي وش أسوي فيهم.. عبدالله بحنان: بناخذ خدامة أمي الكبيرة.. صار لها عندنا 15 سنة.. مرة ثقة.. وبعدين ترا كل السالفة تروحين 3 مرات في الأسبوع مدة ساعتين بس.. جوزاء ماعادت قادرة الجلوس.. وهي تقاوم انهمار دموعها: صدق عبدالله صدق بأروح أدرس؟؟ عبدالله شدها ليجلسها ويشد على أناملها بتأثر عميق: صدق ونص.. عساني بس أقدر أكفر عن اللي سويته فيش.. جوزاء أسندت رأسها لكتفه وهي تهمس باختناق: الله لا يحرمني منك.. ويقدرني أسعدك وأرضيك مثل منت محسسني برضا ربي علي!! قاطع جوهما الخاص دخول حسن الصغير عليهما وهو ينظر لأمه ثم يهتف بغضب: بابا وس سويت؟؟ ليه ماما تبكي؟؟ ضحك عبدالله وهو يشده ليحتضنه: إخس يا العصبي... ترا مهوب أنت اللي سمي فهد هدي أعصابك شوي.. ماما فرحانة..و عاد يا أبيك النسوان ماينعرف لهم.. يستانسون يبكون.. يحزنون يبكون.. ***************************************** " يمه أبي أروح لبيتي.." عفراء بابتسامة: فهد بيجي بكرة.. وش فيش مستعجلة كذا؟؟ جميلة بخجل رقيق: أبي أرتب المكان قبل يجي.. عشان أتفرغ لنفسي بكرة.. ابتسمت عفرا: تطورات ياجمول.. الله يديم نعمة العقل عليش.. تبين حد من الخدامات يروح معش؟؟ جميلة بحماس رقيق: لا فديتش.. مايحتاج.. ولو احتجت.. خدامات البيت موجودين.. تنهدت وهي تقف لتجهز أغراضها للمغادرة.. " النذل اشتقت له واجد.. وهو حتى تلفون مادق.. وش ذا القلب اللي عنده يمه منه؟؟ قلب بعير ماينسى!! " ********************************* " ها حبيب القلب مازولا وش أخباره؟؟ عاد مرته طافشة منه؟؟" عالية ضحكت وهي تطوق عنق عبدالرحمن المشغول كالعادة بين تحضير دروسه ومع ذلك لا يترك دقيقة واحدة قد يقضيها معها.. قبلت خده وهي تهمس بمرح: مازولا يقول فكه من شرك يا تنكة السمن.. حاط دوبك دوبه... بدل ما تقنع بنت خالك ترجع له.. ضحك عبدالرحمن: أفهم من هذا ضمنا إنه خالش نايف بما إنه مازولا فهو خفيف على القلب وخالي من الكريسترول.. وأنا دسم على القلب وصاروخ كريسترول.. عالية بمرح: وليش ماتقول نويف سامج ومافيه نكهة.. وأنت كل النكهة.. عبدالرحمن يضع يده على قلبه: وأخيرا انصفني الزمن بمدحة من عندش.. اللهم دمها نعمة واحفظها من الزوال.. حواراتهما المرحة والعميقة والمهتمة عن كل شيء وحول كل شيء لا تتوقف.. قبل أن يضع عبدالرحمن كل أوراقه جانبه ويمد ذراعه ليحتضن كتفيها ويهتف باهتمام: قريب بتدخلين الثامن ما تبين تأخذين إجازة ترتاحين؟؟ ابتسمت عالية وهي تسند رأسها لكتفه.. وتعبث بأنامله: تو الناس فديتك.. أبي أخلي إجازتي عقب إجازة الوضع.. لين يصير عمر البيبي 4 شهور.. ضحك عبدالرحمن: مافيه حد يعد لحملش مثل إبي الله يعطيه العافية.. لدرجة إنه حتى القنص ذا السنة ماراح ولا هو برايح.. خايف تولدين وهو مهوب هنا.. ابتسمت عالية بشجن ودود: الله لا يخلينا منه.. ثم أردفت بمرح: ولا يهمه بأقطه عليه وخله يبزيه على كيفه.. **************************************** " نجلا حبيبتي.. وش رأيش نروح لدبي؟؟ باقي من عطلة العيال أسبوع.." نجلا بتردد: لا صالح تكفى ما أقدر مع الاثنين الصغار.. تنهد صالح وهو يحتضن غانم الصغير الذي يجلس على ساقيه: حبيبتي حرام عشان خاطر عزوز وخويلد.. صار لهم أكثر من سنة ماطلعوا برا الدوحة.. وبيرجعون للمدرسة ماغيروا جو.. نجلا بذات التردد: أخاف على غنوم ومهاوي حد منهم يمرض وإلا يتغير عليهم الجو.. ابتسم صالح: بسش يالوسواسية.. حرام عليش صاكة عليهم وصاكة على نفسش معهم.. يا الله يا بنت الحلال.. خلينا نسافر الحين.. نرجع قبل مايسافر عبدالله وهله عشان نواجههم.. ************************************* اليوم التالي . . توترها تصاعد للذروة.. أعادت ترتيب كل شيء عدة مرات.. نظرت لنفسها في المرآة آلاف المرات.. عدلت لباسها وأحمر شفافها لمرات ماعادت تذكرها.. وكأنها تبحث عن شيء تفرغ فيها توترها.. وهذا التوتر لا ينزاح ولا ينجلي.. تنظر للساعة.. (كأنه تأخر!!) ماعادت تستطيع الجلوس حتى.. وهي تروح وتجيء وتنظر عبر النافذة.. حتى رأت سيارة هزاع تتوقف في الباحة.. تراجعت بعنف وهي تلتصق بالحائط.. فهي تعلم أن هزاع هو من ذهب لإحضاره من المطار.. تصاعدت دقات قلبها... وشعرت بريقها جافا تماما.. جلست وهي تحاول السيطرة على ارتعاشها دون جدوى.. وضعت أناملها على جبينها (الظاهر إني مسخنة!! جسمي مولع وارتعش.. أكيد مريضة!!) قضت وقتا طويلا وهي مازالت تنتظر.. ارتعاشها يتزايد ومعه حرارة جسدها.. (أكيد مريضة.. خلني أنام قبل يجي.. لو عصب علي بأقول له أنا مريضة!! وش أسوي؟؟ حد أقوى من المرض؟؟ هو أساسا معصب معصب.. لقاني صاحية وإلا نايمة.. يمكن يرحمني لا شافني مريضة!!) جلست على طرف السرير لتخلع كعبها الأسود العالي.. وكانت ستنفذ مخططها فورا.. وتندس في الفراش قبل أن يأتي!! لولا الباب الذي فُتح فجأة.. قفزت واقفة وهي تدعك أناملها بحدة.. وقف أمام الباب لثوان كتمثال صامت.. قبل أن يغلقه.. يعترف أنه مصدوم.. فهو ماكان يظن أنه سيجدها بعد أن هددها بمعاقبتها في الهاتف.. كان يظن أنه ستكون في بيت أهلها.. وقد تتخذ تهديده سببا لتتركه أو لتماطل في العودة إليه!! لكن أن يجدها أمامه دون أن يتوقع.. بل بهذه الصورة الموغلة في البهاء والحسن والإبهار.. كان أكثر من احتماله بكثير.. حاول أن يحرر عنقه من ازراره بفشل.. فهو لم يكن يرتدي ثوبا.. بل كان يرتدي بدلته العسكرية الخاصة بالتشريفات بأزرارها القاسية.. كانت ترتدي فستانا قصيرا فخما خليطا من اللونين التركواز والأسود.. كل مافيها ينطق بالأناقة والفخامة والحسن الموجع.. بدءا من كعبها الاسود لساقيها المصقولتين لفستانها الاستثنائي.. لنحرها المشرق.. لشعرها... شعرها؟؟؟.. بقصته القديمة التي رأها فيها أول مرة.. اللئيمة الصغيرة.. في كل مرة يعود من سفره متحفزا ضدها.. لتصدمه بسحب تحفزه كله كالسحر!! همس بثقل وهو يفتح فمه أخيرا: قصيتي شعرش؟؟ ردت عليه باختناق دون أن ترفع بصرها: قصيته عشانك.. عشانك قلت إن قصتي القديمة كانت تعجبك.. همس بذات الثقل: ذا الكلام قلته يمكن قبل خمس شهور.. شدت نفسا مختنقا: توني فهمته.. اقترب منها أكثر لترفع عيناها بوجل نحوه... تعلقت عيناها به.. لأول مرة تراه وسيما هكذا.. أو ربما لأنها نظرت له بعين مختلفة هذه المرة.. همست باختناقها ذاته: ليش تأخرت؟؟.. أنتظرك من زمان.. هتف بذات نبرته الثقيلة: كان لازم نأخذ صور في المطار للدفعة كلها مع القادة.. بكرة بتطلع في الجرايد.. عشان كذا لبست بدلة التشريفات.. وتأخرت.. همست بذات النبرة المختنقة: تعشى؟؟ هز رأسه رفضا وهو يهمس بإجهاد: ما أبي.. وبسش تكفين.. تراجعت بوجل وهي تكاد تبكي: والله ماسويت شيء.. مد يده ليمسح شفتيها بولع: بسش تعضين في شفايفش.. ذبحتيني.. من أول مادخلت وأنتي مرتبكة وتعضين في شفايفش وتدعكين في أصابعش.. بسش.. همست بخجل عميق: ماقصدت.. شدها ليحتضنها بقوة حانية وهو يهمس بولع موجوع: أدري ماتقصدين.. واللي ذابحني إنش ماتقصدين.. وياكثر ماتذبحيني وأنتي ماتقصدين.. انتفض بعنف وهو يشعر بقبلاتها على ذقنه وطرف خده وعنقه (بسم الله الرحمن الرحيم.. هذي اش فيها؟؟ استخفت؟؟) لتنتفض روحه برعشات أعمق وهي تسكب همساتها الرقيقة قريبا من أذنه: اشتقت لك يا الظالم.. اشتقت لك.. أسبوع كامل ماتكلمني إلا مرة وحدة عشان تعصب علي وتسكر في وجهي.. حرام عليك كنت بأموت من شوقي لك.. فهد أبعدها عنه بجزع وهو يضع يده على جبينها: مريضة أنتي؟؟ همست باختناق مبلل بالعبرات والدموع وهي تتناول كفه عن جبينها وتغمره بقبلاتها: الظاهر كذا.. عاود شدها بقوة أكبر بين أحضانه وهو يهمس برجاء عميق: زين.. طالبش خلش مريضة كذا على طول!! . . . " فهد.. فهد.. قوم حبيبي.. وش ذا الكسل اللي عندك؟؟ الظهر قرب يأذن.. بالعادة ماتنام لذا الحزة حتى في الإجازات" تنهد بعمق وهو مازال مغمض العينين: أخاف أفتح عيني..يكون ذا كله حلم.. وبعدين انجلط.. جميلة انحنت عليه بجزع رقيق: بسم الله على قلبك.. ثم انحنت أكثر لتغمر وجهه بقبلاتها الشقية الرقيقة: هذي قرصة عشان نصحيك من الحلم.. حينها فتح عينيه بنعاس وهو يهمس بصوت ناعس مبتسم: اقرصيني مرة ثانية.. عشان مابعد صحيت من الحلم.. قرصت خده وهي تهمس بمرح: دمك عسل.. وهذي قرصة.. قوم يا الله.. شدها ليمنعها من المغادرة وهو يعيدها لحضنه ويهمس بابتسامة: القرصة هذي بايخة.. وخاطري أدري وش صار وأنا مسافر غيرش كذا.. لو هو سفرتي.. سافرت كل يومين أسبوع.. مادمت بأرجع ألاقيش كذا.. جميلة برجاء عذب: لا طالبتك.. بلاها السفرات وأنا وأوعدك أقعد كذا على طول.. ثم أردفت بابتسامة: بالعكس لو سافرت مرة ثانية.. بترجع بتلاقيني رجعت مثل أول.. فهد ضحك: لا خلاص.. حرمنا.. بأبلط هنا في الدوحة.. ******************************* بعد أكثر من أسبوع.. . . " ها يا الخال... عاد مرتك طامح؟؟" نايف بتأفف: ترا ذا المصطلح السخيف اللي كنه وجهك ماعاد حد يقوله.. هزاع يهز كتفيه بمرح: والله مهوب أنا اللي اخترعته.. سامع خواتك يقولونه.. يضحك ضحكة مجلجلة: (مرت أخينا طامح..) خربوا بينك وبين المدام وعقبه يتمسخرون عليك!! نايف بغضب: هزيع تلايط!! هزاع يرفع حاجبا وينزل آخر: إيه علي انفش ريشك.. وعند خالتي النوري تنافض.. على قولت الشاعر: أسد عليَّ وفي الحروب نعامة.. نايف وقف وهو يضع نقود الحساب على الطاولة ويهتف بغضب: الشرهة على اللي وافق يطلع معك.. هزاع أمسك بكفه وهو يهتف بحزم: اقعد ياخال اقعد.. كمل قهوتك.. نايف جلس وهو يدفع فنجانه بحدة فتنسكب بعض قطراته داخل الصحن وعلى الطاولة.. هزاع ضحك: إخس يالخال.. كني شفت نفس الحركة سواها أميتاب باتشان.. مع ميري بنت راجو.. تنهد نايف بعمق: هزاع واللي يرحم شيبانك ارحمني من ملاغتك.. أنا ماكنت أبي أطلع معك.. بس أنت قلت تبيني ضروري.. خلصني!! حينها نظر هزاع لنايف نظرة مباشرة: صحيح مرتك طلبت الطلاق..؟؟ نايف بصدمة حقيقية قفز وكلماته تتناثر: لا.. من اللي قال كذا..؟؟ حينها شعر هزاع كما لو كان سُكب على راسه ماء باردا (أنا وش دخلني؟؟ ياشين اللقافة..!! يعني بلفيت إني باواسيه أنا ووجهي!! ) هزاع هتف بارتباك: ماحد قال لي.. أنا بس كنت أظن كذا؟؟ نايف أمسك معصم هزاع بقوة: هزيع خلصني.. الكلام ذا مهوب من عندك.. هزاع زفر (دامني تورطت.. هو مصيرة عارف عارف): سمعت أمي تقوله لعالية.. عشان أمي راحت تبي تراضيها بس هي قالت إنها تبي الطلاق.. نايف قفز ليغادر مسرعا.. وهو يتجه دون تفكير لأم صالح! . . . " صافية ليش ماعلمتيني؟؟" أم صالح بأسى: ياختك ما دريت أشلون أقول لك.. قلت لعالية تقول لك.. وبعدين الكلام أخذ وعطا.. أنا قايلة لمزنة تحاول فيها.. بس مزنة اللي فيها مكفيها.. موجوعة عشان سواتك أنت وخواتك في بنتها.. ومستوجعة عشان ضنا بنيتها الثانية اللي راح.. وبروحها تعبانة من الحمل.. نايف بأسى: الحين هم خواتي بروحي.. مهوب خواتش معي.. أم صالح تنهدت بحزن: ياقلبي يأخيي فديتك.. صحيح خواتي وخواتك وعلى رأسي.. بس أنت غلطان يامك.. عجزت أدمح زلتك ولا هيب بمدموحة.. الحين وش استفدت؟؟ أنت داري إني حاولت في نورة سلطانة يروحون معي يطيبون خاطر البنية بكلمة.. مهوب لازم يتأسفون.. كلمة تطييب خاطر... سلطانة مسكينة تبي تروح بس خايفة من نورة... تقول لا سمحت لها نورة راحت.. ونورة حلفت ماتروح.. الحين قل لي وش بينفعونك... تبي تطلق مرتك؟؟ نايف يحزع: لا تكفين صافية.. كله ولا ذا الطاري.. أراضيها باللي هي تبيه.. بس طاري الطلاق لأ.. تكفين يأخيش.. أنتي أمي واختي.. من لي غيرش.. تكفين.. أدري الناس كلهم يعزونش.. ساعديني.. أنا أبي مرتي.. ومستحيل أطلقها لو حتى انطبقت السماء على الأرض.. وبعد ما اقدر أزعل خواتي عشانها.. هذولا عبارت أمي.. واللي مافيه خير لهله مافيه خير لمرته.. أم صالح تنهدت وهي تقف: عطني يومين وأرجع أحاكيهم مرة ثانية.. كان نايف سيخرج لولا أن هزاع دخل خلفه يبحث عنه وهو يشعر بالذنب لأنه كان من أبلغه الخبر.. هتف بهذا الندم الرقيق المغلف بابتسامته: سامحني ياخال.. أنا حسبتك تدري.. تنهد نايف : أنت وش ذنبك؟؟ العلم كان لازم يوصلني على كل حال.. تنهد هزاع بمرحه المعتاد: تدري ياخال وش الشيء الوحيد اللي ممكن ينفعك.. إنك تكون خال جدع.. وبنت آل سيف تكون حامل.. عقبها بترجع غصبا عنها.. تدري بنات اليومين ذي حساسات.. مهوب مثل عجايز أول عادي عندها تتطلق وهي وراها سبع بزران.. والقاع تربيهم على قولتها.. الحين البنت تقول: لا بعتين يتعكد ولدي ماعنده بابا.. وربعه كلهم عندهم بابا.. كانت ضحكة هزاع تنطلق مجلجلة وهو سعيد بنكتته.. بينما نايف يرد عليه بتافف: زينك ساكت بس.. وش عرفك أنت؟؟ ماتعرف كوعك من بوعك.. ***************************************** " ها سوسو هانم.. متى بتشرفينا في الدوام؟؟" كاسرة تنهدت: مهوب قريب.. فاطمة بتردد: أنتي عارفة إنه إجازتش أسبوعين بس.. وهذي خلصت وأنا طلبت لش أسبوع زيادة.. لأنه الشهرين مايعطونها إلا بشهادة ميلاد الطفل.. والحين أنتي عبارة إجازة طبية.. كاسرة بثقة: بأقدم على إجازة بلا راتب.. مالي خلق دوام.. وبعدين كساب ملزم يبينا نسافر.. تنهدت بيأس وهي تهمس بعفوية: فديت قلبه يحاول ينسيني بأي طريقة.. جعل يومي قبل يومه.. فاطمة أمسكت قلبها بألم تمثيلي: آه ياقلبي.. ما أستحمل.. الحمدلله ربي أحياني لذي اللحظة.. الحين مستعدة أموت وأنا مرتاحة.. كاسرة ابتسمت لأول مرة منذ وفاة ابنتها: بس يا الخبلة.. همست فاطمة بمرح وهي تغلق عينيها: وابتسامة بعد... وأخيرا أنا ودعت خلاص... الله الله في عيالي.. وقولي لأبيهم.. لا يتزوج علي طلعت من قبري وسودت عيشته.. ********************************** " وضحى ليش تفشليني كذا في أم صالح؟ المرة جاية تراضيش تقولين أبي الطلاق.." وضحى تسيل دموعها بصمت: هي اللي زعلتني عشان تراضيني..؟؟ تنهدت مزنة: واللي زعلش راضاش بدل المرة ألف.. المسكين كم مرة يروح ويجي على زايد.. لكن ماحد ميبس رأسش إلا أخيش.. وضحى باختناق: عشان تميم مهوب راضي لي بالمذلة.. مزنة بحزم: وين المذلة؟؟ اللي أشوفه أنكم ذليتوا طوايف المسكين.. يأمش خلاص.. رجالش وجا لين عندنا وتعذر.. ووعدنا مايصير إلا اللي يرضيش.. خلاص مالنا طريقة عليه.. ارجعي وشوفي هو بيكون قد كلمته وإلا لأ.. ثم أردفت مزنة بتقصد: إلا لو كنتي ماتحبين نايف نفسه.. وعايفته.. وماصدقتي تلاقين لش سبب عشان تطفشين وتطلبين الطلاق.. وضحى بجزع: أنا يمه!! أردفت بيأس: لو أني ما أحبه.. ماكان تأثرت كذا.. مزنة بحزم: واللي تحب رجالها تطلب الطلاق منه..؟؟ وضحى بذات النبرة اليائسة: لاصار يمه اللي بيننا أخرته بيجيب الكره.. خلنا نتفارق وحن بيننا المودة.. يمه هو مستحيل يحط لخواته حد.. وأنا ما أقدر ألومه.. خواته كل وحدة منهم بمكانة أمه.. ومن اللي بيبدي مرته على أمه إلا واحد مافيه خير.. وانا أدري نايف إنه فيه خير.. وقلبه طيب واجد.. بيقعد طول عمره متقطع بيننا يعني؟!! وخواته مستحيل يغيرون طبايعهم عقب ذا العمر!! وش أسوي يعني؟؟ أعيش حياتي كلها كذا.. تعبت يمه!! تعبت!! **************************************** " خالد فديتك جعلني الأولة.. طالبتك!!" أبو صالح التفت بوقاره المعهود وهو يهتف بأريحيته الجليلة: أفا عليش يام صالح.. أنتي تامرين ماتطلبين.. أم صالح تنهدت باحترام جزيل: طالبتك تحاكي زايد آل كساب وتوسط عندهم.. عشان ترجع مرت نايف له.. تنهد أبو صالح بعمق وهو يهتف بنبرة مقصودة: ونايف ليه ماحاكاني؟؟ بدل ماهو قد له كم يوم ماشفته.. أم صالح بحرج ودود: مستحي منك.. وهو والله ماقال لي أحاكيك.. بس أنا قلبي حارقني عليه.. مرته طالبة الطلاق ومصممة عليه.. ولو جيت للحق كلام البنية كان موزون.. قالت أنا ما ألوم نايف وأدري إنه خواته مثل أماته.. بس أنا ما أقدر أعيش حياتي كلها كذا.. وأنا حتى ماقدرت أقول له كذا.. ما أبي أحزنه.. أبو صالح وقف وهو يهتف بحزم بالغ: وأنا ما أنتظرتش لين تقولين لي.. ولا زعلت عليه إنه ماقال لي.. أنا تصرفت.. بس ماني برايح احاكي زايد.. زايد ماله دعوة.. لأنه زيتنا في مكبتنا.. المشكلة من عندنا حن.. مهوب من عندهم!! ********************************** " حبيبي ليش مارحت لأبيك في المجلس.. سمعت إنه طالبكم كلكم؟؟" ابتسم فهد وهو يزيل كتابها من حضنها ويضع رأسه في حضنها: تبين الفكة مني..؟؟ ابتسمت وهي تميل على جبينه لتقبله وتحاول أن تقلد طريقته في الكلام: ياشين الواحد لا درا بغلاه.. ويدور اللي يوجع مغليه.. ثم أردفت بشقاوة رقيقة: تدري إني ما أبي إلا قعدتك جنبي.. بس استغربت إنه عمي يبيك وما تروح.. تنهد فهد وهو يتناول أناملها بين أنامله: أنا عارف إبي وش يبي.. وهو أساسا مايبيني.. بس كان يبيني حاضر.. وأنا أخاف لو حضرت وصارت فيه حدة في الكلام.. أو حد قال لأبي شيء .. أعصب.. وأخربها بدل ما تنحل.. ************************************** " غريبة إبي وش عنده.. مسوي اجتماع قمة لرياجيل خالاتي!! " صالح يبتسم وهو يميل على أذن هزاع: الله أعلم.. بس كني حاسس باللي يصير.. عشان كذا حرصت أجي.. قلت لازم أشوف بنفسي.. ضحك هزاع بخفوت: إيه أكيد مايطلعك من عند شواذيك إلا الشديد القوي وأنت قاعد تبزيهم أكثر من أمهم.. ضحك صالح: يا الكذوب.. اللي يسمعك مايقول إني محضر عندكم هنا كل يوم.. هزاع بمرح: توقيع حضور وانصراف فقط.. رفع عتب!! أسكت حوارهما صوت أبي صالح الجهوري الحازم: أبو سعود.. التفت أبو سعود (زوج نورة) برزانة نحو أبي صالح: سم طال عمرك.. أبو صالح بنبرة حازمة: أنت عاجز(ن) من مرتك؟؟ أبو سعود انتفض بغضب: إني ولد إبي.. لي أنا تقول ذا الحكي؟؟ وش جاك من مرتي؟؟ أبو صالح بذات الحزم: الحكي لك وللحى الغانمة.. أنا أكبركم ونسوانكم عدة خواتي.. وحن كلنا ربينا نايف.. تربى في بيوتنا كلنا مع عيالنا وعدته عدتهم.. هو عاجبكم سنع نسوانكم في مرته..؟؟ بنية(ن) يتيمة لا غلطت عليهم ولا طولت لسانها على حد منهم.. هم اللي جايينها في بيتها تالي الليل.. وعقبه تحلف أم سعود على نايف ماحتى يوديها ويخلونها تطلع تيك الحزة من بيتها.. حد منكم يرضى ذا الشيء على بنته؟؟ يعني عشان نايف من حشمته لخواته ماقدر يقول شيء.. منتو بمسنعين نسوانكم؟؟ وإلا بتفكونهم وذا في حلوق خلق الله!! اللي منكم عاجز من مرته يوليني إياها اكوفنها بالعقال شوي.. لين تعرف إن الله حق وتقر في بيتها وتكف شرها عن الناس.. بو سعود وقف بغضب: ماحنا بعاجزين من نسواننا ولا نبي حد يربيهم بدالنا.. ووالله إني مادريت بذا كله.. ويوم نايف مستاذي ليه ما علمني أسنع أخته.. بس ذا وجهي كنها زيد فتحت حلقها عنده وإلا عند غيره.. العجوز تقر في بيتها.. تذكر ربها.. وتبزي عيال عيالها... وتقول يا الله حسن الخاتمة.. ************************************ " يابو سعود الله يهداك.. وش فيك علي؟؟ مابعد عصبت علي من يوم عرفتك كثر اليوم؟؟" أبو سعود وسط ثورته العارمة: عاجبش سواتش.. تصغريني في المجلس وقدام الرياجيل.. أنا اللي عمري كله ما أداني سوالف النسوان ولا اتسمع لها.. توصلني لين بيتي.. نورة بمهادنة: اذكر ربك.. أنا ماسويت شيء يزعلك مني؟؟ أبو سعود بغضب: يعني أبو صالح بيكذب عليش؟؟ بيكذب عليش؟؟ نورة بتراجع: محشوم أبو صالح.. بس أنا مابغيت إلا صالح أخي إللي كنه ولدي.. أبو سعود بحزم غاضب: وصالحه في اللي أنتي سويتيه؟؟ علم(ن) ياصلش ويتعداش.. ذا الساعة تركبين تروحين تعذرين لبنت ناصر آل سيف.. ولا عاد تفتحين ثمش عندها وإلا عند غيرها إلا بالزينة.. وإلا قصيت لسانش.. ترا كنش ماحشمتي عمرش.. خليتش تحشمينه غصب.. نورة بجزع: نذر علي ما أفتح ثمي.. بس طالبتك الروحة لبنت مزنة لا.. تبيني أنزل روحي لبنية أصغر من بناتي؟؟ ترضاها علي؟!! أبو سعود بحزم: اركبي يامرة.. أنتي اللي رضيتيها لروحش يوم صغرتي روحش لذا السوالف اللي مهيب قدرش.. ************************************* " بس يأبيش شكرت" مزون تناولت فنجان القهوة من عمها وأنزلته وهي تهمس لغانم برقة: أصب لك.. أشار لها بعينيه برجاء (إلا أبيش تجين تقعدين جنبي!!) فهي كانت تسكب القهوة وهي جالسة على الأرض وهو يخشى أن يتعبها الجلوس على الأرض وهي حامل.. أم غانم ابتسمت: قومي يأمش اقعدي جنب رجالش احولت عيونه.. القهوة ذي بتطلع من بطوننا اليوم!! ابتسمت مزون بخجل وهي تقف ولكنها تجلس بعيدا عن غانم قليلا لشدة إحساسها بالحرج لأن عمتها لاحظت.. ابتسم غانم: عاد يمه على قوة الملاحظة اللي عندش.. فشلتينا.. وماخليتي عجوزي تقعد عندي.. منتي بملاحظة إن شيبتش صابغ لحيته.. ومشاويره كاثرة!! وجهي الرادار عليه!! أم غانم صرت عينيها وهي تنظر لأبي غانم الذي هتف ضاحكا: تهبى يا الكذوب.. أنا صابغ لحيتي.. ومشاويري كاثرة يامحراك الشر؟؟ أم غانم ابتسمت وهي تهمس بنبرة مقصودة: إلا الظاهر يأمك عشان عوارضك بادي الشيب يكثر فيها.. صرت تحس إن أبيك صابغ لحيته.. لا تقارن نفسك براشد تتعب.. حينها همست مزون بخبث رقيق: حرام عليش يمه.. أنا ماكنت أبي أقول له أصدمه.. غانم قفز بعفوية لينظر للمرآة: أنا طالع في عوارضي شيب؟؟ تراجع وهو يجلس بجوار والده ويهمس بمرح: خلني جنبك يبه.. البنت وعمتها سوو حزب عليّ.. ******************************** " وضحى.. نورة أخت رجالش هنا.. وتبيش" وضحى قفزت بحرج وكلماتها تتناثر: نعم؟؟ نورة هنا.. وين أمي؟؟ سميرة باستعجال: وش عرفني؟؟ تبين أتصل فيها؟؟ وضحى تنهدت بتوتر: لا خلاص روحي للعجوز قهويها وأنا بجيش الحين.. وضحى أبدلت ملابسها.. ونزلت بخطوات مترددة.. مازالت غير متأكدة ماذا تريد نورة.. فالاعتذار بدا لها شيئا بعيدا جدا عن طبيعة نورة.. ربما تريدها أن تعود بطريقتها الحادة وكأنها تريد تسيير الكون.. حين وصلت لمجلس الحريم.. كانت نورة تريد أن تقف.. لولا أن وضحى حلفت عليها وهي تنحني وتقبل رأسها وتجلس بعيدا عنها.. وسميرة تتولى مسئولية سكب القهوة وتترقب ماسيحدث بفضولها المرح.. نورة صمتت لثوان.. ثم أردفت باختناق.. فالأمر كان صعبا عليها.. ولولا قسم زوجها عليها كان يستحيل أن تفعله تحت أي ظرف من الظروف: وضحى يأمش لا تحملين نايف غلطتي.. هو كان يبي يطلع وراش بس أنا حلفت عليه.. وأنا يأمش......... وضحى قاطعتها بأريحية لم يهن عليها أن تجعلها تذل نفسها باعتذار وهي سيدة بهذا العمر: والله ماعاد تقولين شيء ولا تعذرين.. كفاية جيتش لين هنا.. الله يكبر قدرش!! نورة تنهدت بارتياح أنها رحمتها من الاعتذار الثقيل.. وهي تهمس بتأثر: زين ارجعي لبيتش.. ونذر علي أنا وخواتي اللي أنا أكبرهم.. ماعاد نضايقش في بيتش.. تنهدت وضحى: مشكلتي أنا ونايف حن نحلها.. ********************************* " تعشيت ياقلبي؟؟" كساب جلس جوارها وهو يهمس بابتسامة ولع: أنتي اللي قلبي وروحي وعيوني.. يا أنا كنت بأموت عشان أسمع ذا الكلمة منش.. ابتسمت كاسرة برقة: لو قلتها كان أنا قلتها.. أنا كنت أبي منك تلميح الله دخيلك يا البخيل.. ضحك كساب وهو يحتضن كتفيها: أصلا كنت أحسب إنش ماتعرفين تقولينها أساسا.. ثم أردف بابتسامة شجن: يوم سمعتش تقولينها حق زيود التوتو.. قلبي وقف.. كان ودي أخذه وأسويه كورة وأشوته مع الدريشة.. هذاك اليوم تعبان وكل شيء فيني ينزف.. وبأموت أبي قربش.. وأنتي قاعدة قدامي تتحببين فيه.. وتغزلين في مفاتن القرد الصغير.. وحتى بكلمة ماعبرتيني.. تنهدت كاسرة وهي تحتضن خصره: ياربي ياكساب لا تذكرني.. لو تدري بس وش كثر كنت أتعذب من بعدك وقربك.. ابتسم بخبث: تحبيني؟؟ ابتسمت بعذوبة: اللي يسأل سؤال وهو عارف جوابه.. يكون خبيث ترا.. كساب بابتسامة شاسعة: وأنا معترف إني إب الخبث وأمه.. قولي لي.. همست كاسرة بشجن عميق وهي تسند خدها لدقات قلبه: من كثر ما أحبك.. أحس أني انولدت وأنا أحبك.. أحاول أتذكر متى أول مرة حسيت بحبك.. ألقاها أول مرة شافتك عيوني.. وأنت داخل علي في مكتبي نافخ ريشك.. قلبي وقف.. وحسيت الهوا ماعاد تحرك وأنا أقول هذا إنسان وإلا أنا أتخيل.. شدها كساب لحضنه بشكل أقوى وهو يهمس بعمق مذهل: الأكيد إني أحبش أكثر.. ثم أفلتها برقة ليتناول أناملها ويضعها على عارضه العلامة الصغيرة المختبئة تحت شعيرات عارضه وهو يردف بذات العمق: من يوم ماخليتي علامتش هنا.. وأنتي في قلبي شيء ماقدرت أطلعه ولا أنساه!! ******************************** " نويف البشارة.. أختك نورة حنت عليك غصبا عنها ببركات أبو سعود.. وراحت لوضحى وخذت بخاطرها.. يا الله انقز عند مرتك.. لو مارجعت لك.. تكون أصلا عايفة خشتك" قلب نايف توقف وهو يهمس لعالية بإجهاد: وليش ماحد ماقال لي.. ليش؟؟ عالية تضحك: هذا أنا قلت لك يالمشفوح.. روح طير.. والله الله في الركادة.. نايف شعر بتثاقل أنفاسه وهو يتصل برقمها بأنامل مرتعشة رغما عنه.. تعب لكثرة ما اتصل وهي لا ترد عليه.. فهل سترد عليه هذه المرة..؟؟ رنة.. رنتان.. ثلاث.. ثم جاءه صوتها الذي أضناه الاشتياق له : هلا همس بعتب: أكثر من أسبوعين يا الظالمة.. حتى بكلمة مارديتي علي.. وإلا عشان دارية بغلاش.. تنهدت وضحى بعتب أعمق: الغالية مايخلونها تطلع من بيتها تالي الليل ماكن لها قيمة.. تنهد نايف بعمق: عاتبيني كثر ماتبين بس في بيتنا.. همست وضحى باختناق: عطني ساعة وتعال.. هتف لها برجاء شفاف: مهوب واجد ساعة.. أنتي حتى ملابسش كلها في بيتنا.. وش تبين بالساعة؟؟ عشر دقايق وأكون عندش.. وضحى لا تنكر أن رجاءه دفع في روحها ثقة محلقة ولكنها همست برجاء أعمق: طالبتك نايف.. لازم ساعة.. بأروح أسلم على أمي وأختي وعمي.. وبعدين تميم برا وراجع الحين.. بعد ساعة.. تنزل بخطوات خجولة.. وهاهو ينتظرها في الصالة السفلية وابتسم بشجن وهو يشير لها: مقتنعة بالرجعة؟؟ هزت رأسها وهي تشير له بشجن مشابهة: لو ماني بمقتنعة مارجعت.. احتضنها تميم بحنان غامر ثم أفلتها ليشير لها برجولة خالصة: طالبش طلبة.. إنش ماتسمحين لأحد يضايقش وإلا يدوس لش على طرف وأنا رأسي يشم الهوا.. وضحى تطاولت على أطراف أصابعها لتنزل رأسه وتقبله ثم تغادر.. . . . " مادريت إن قلبش قاسي كذا؟؟" تنهدت وضحى وهي تستوي جالسة في مقعدها بعد تحرك السيارة: ومن اللي قسى قلبي؟؟ مهوب فعايلك؟؟ تنهد نايف وهو يشد أناملها بقوة حانية: خلاص يا بنت الحلال.. طلعت عيني على ذا السالفة.. إن شاء الله كل شيء انحل.. يمكن فيه أشياء ماقدرت أتصرف فيها.. لأن التصرف خارج عن قدرتي.. بس الحين تدخل فيها اللي له الحل والربط.. وإن شاء الله مايصير إلا الي يرضيش.. ومافيه حياة تخلى من المشاكل.. تنهدت وضحى بشجن: المشاكل مهيب المشكلة.. المشكلة لو مالقيتك جنبي يوم تصير المشكلة.. نايف شد على أناملها أكثر وهو يهتف بعمق: وضحى.. تدرين زين وش كثر أحبش.. أنا ماحسيت في الاستقرار في حياتي إلا معش.. حرام عليش تفكرين تخليني مرة ثانية... والله العظيم حالتي حالة عقبش.. إذا شفتي البيت دريتي.. ابتسمت وضحى: عفست لي البيت صح؟؟ ضحك: وش أسوي؟؟ عزابي.. واستحيت الخدامة تقعد معي.. رجعتها لبيتكم.. تنهدت وضحى بألم: تدري إني يوم شفتها.. آجعني قلبي.. أقول ياقلبي نايف.. الحين من بيغسل له من بيطبخ له.. ابتسم بمرح: ما أبي غسل ولا طبيخ.. أبيش أنتي وبس.. ودامني كنت على بالش الله يبشرش بالخير.. ثم أردف باهتمام: تبين نجيب شيء قبل نرجع البيت.. همست وضحى بتردد: أبي الصيدلية.. نايف باستغراب: ليه عسى ماشر..؟؟ وضحى بذات التردد: أبي تيست حمل.. حينها انفجر نايف في ضحك هستيري: والله منت بهين ياهزاع.. قال لي مهيب راجعة كون كنها حامل.. وأنا أقول له إنك ماتفهم شيء.. طلع ماحد متيس غيري.. وضحى بخجل: حرام عليك نايف.. أنا أساسا كل شهر أسوي تيست كل ما تأخرت الدورة لو يوم واحد.. وأنت عارف ذا الشيء زين والحين متأخرة يومين.. مهوب من اللازم إني حامل.. نايف بذات الضحك هستيري: لا ذا المرة إن شاء الله تصيب.. عشان الولد ذا خارق.. دام قال حامل.. خلاص حامل!! ********************************** بعد عدة أيام . . . " أشلونش يأبيش؟؟" مزون تميل لتقبل رأس والدها ثم تجلس جواره وهي تحتضن ذراعه وتهمس بمودة غامرة: طيبة فديتك.. لمس بطنها بحنان مصفى: الحمل متعبش يأبيش؟؟ همست بذات المودة وهي تحتضن كفه الممدة على بطنها: لا فديتك.. نفسه خفيفة مثل أبيه.. ابتسم زايد: الله يديم المودة.. ثم أردف باهتمام: وش مخططاتش عقب ماخلصتي دراسة.. مزون ببساطة: ما أدري مابعد قررت.. زايد بنبرة رجل الأعمال المتحفز البارع: أنا عندي لش مشروع بيعجبش ويناسبش ويناسب ظروفش.. (شركة وساطة نسائية إسلامية) بتشتغل على خطين.. الحين في السوق وش كثر فيه سيدات أعمال.. ووش كثر فيه حريم عندهم فلوس يبون يشتغلون بيزنس وماعندهم خبرة أو ماعندهم وقت.. الشركة بيكون فيها وسطاء كلهم بنات بيشتغلون لهم في الاسهم الاسلامية.. والسالفة كلها بالتلفون والكمبيوتر وأنتي عارفة.. وبنعين شباب هم اللي يكونون في مقر البورصة.. هذا الخط الأول.. الثاني إنه الشركة بتسوي دراسات جدوى لأي وحدة تبي تسوي مشروع.. وتخلص لها كل التراخيص لحد مايقوم المشروع.. وراح يكون مقر الشركة وديكورتها معبرة عن خصوصية المرأة وأناقتها.. برا بنحط سيكورتي رجال وداخل حريم.. ومايدخله إلا نسوان.. وأنا بأعطيش موظفة من عندي تكون المديرة.. وحدة متمرسة جدا ومعها دكتوراة اقتصاد.. وصار لها تشتغل عندي 8 سنين.. يعني أنا اللي أضمنها لش.. يعني أنتي تعالي بس وقت ماتبين ووقت مايكون غانم في رحلاته... يعني دوام حر ومرن.. مزون كانت تنظر لانثيال والدها المحترف بانبهار حقيقي.. بقيت لدقيقة صامتة ثم أردفت بتأثر: الله لا يحرمني منك.. بس لازم أخذ رأي غانم قبل أي شيء.. ابتسم زايد: أكيد لازم تأخذين رأيه ويكون موافق.. ومبدئيا مافيه داعي إنه يتحسس لأنه الفلوس بتكون من عندش.. لو احتجتي من عندي.. بيكون سلف.. سلف بس.. قالها وهو يحتضها بأبوية حانية ويضحك بفخامته الخاصة... ********************************** " تميم حبيبي.. غريبة إنك قاعد لين ذا الحزة.. منت برايح للدوام؟؟" أشار بابتسامة مقصودة: خلصت دوامي الصبح ورجعت معش.. سميرة باستغراب: ودوام المسا؟؟ تميم بذات الابتسامة المقصودة: المسا كله لش.. إلا لو احتاجوني لشيء طارئ.. خلاص دوامي بيكون صبح وبس.. سميرة تراجعت بحزن: أنت سويت كذا.. عشان تجاملني في سالفة إني ما أحمل.. مد يده ليحتضن كفها ثم يرفعها لشفتيه مقبلا بكل ولع ومودة.. ثم أفلتها ليشير بأريحية: غلطانة.. أنا سويت كذا عشان أتفرغ لش ولعيالنا اللي بيجون.. وأنا من قبل سالفة الحمل ذي كلها.. كنت أقول لش.. أبي أرتب وضعي.. وأنا فعلا كنت أتراسل مع واحد كان يشتغل عندي هو اللي ثقة.. بس رجع لبلاده.. وكنت أنتظره يخلص عقده .. وتوه خلصه من أسبوع وجا.. تبين تأكدين..روحي افتحي ايميلي وشوفي رسايلي معه وتاريخها.. بتلاقينها من قبل سفرتنا لألمانيا.. ************************************ " هلا علي.. تعشيت؟؟" علي يجلس وهو يهمس لها بنبرتها التي لا تكون إلا لها: تعشيت ياقلب علي.. تعالي اقعدي جنبي وبس.. ابتسمت برقة وهي تجلس جواره: تعشيت مع عمي..؟؟ ابتسم وهو يحتضنها ويغمرها صدغها بقبلاته: تعشيت مع عمش.. وعمش شكله باله مهوب معي.. كنه يبيني أقوم.. وأنا فهمت السالفة وسويت نفسي جنتلمان ورحت.. ضحكت شعاع برقتها الدائمة: ياقلبي ياعمي أكيد يحاتي خالتي مزنة.. خلاص دخلت الشهر التاسع.. وهي مسكينة تعبانة كلش.. ************************************* " حبيبي هذا كله تطفي سيارتك؟؟ قلت لي أنا في الباركينغ أطفي سيارتي.. وخذت لك ربع ساعة.." كساب يلقي غترته وهو يضحك: وش أسوي أخروني قصرانا.. مراهقين سنة 75.. كاسرة ابتسمت: لو أن الله يفكهم من عيونك كان هم بخير وسلامة.. حاط دوبك دوبهم.. وش سوو ذا المرة؟؟ كساب يجلس ويشدها ليجلسها في حضنه وهو مازال يضحك: صدق لا قالوا شر البلية مايضحك.. تخيلي زايد آل كساب.. البزنس مان المعروف.. والرجال اللي تنهز له المجالس.. واقف على باب غرفة أمش ربع ساعة مثل اللي غرقان في كوب ماي.. يشاور روحه أدخل وإلا ما أدخل.. وأنا يوم شفته.. قعدت واقف بعيد ما أبي أدخل وأحرجه.. ابتسمت كاسرة وهي تطوق عنقه وتسند خدها لرأسه وتهمس باهتمام: والزبدة دخل وإلا مادخل؟؟ كساب غمز بخبث وهو يشدها برفق ليحتضنها: أفا عليش.. لو مادخل.. والله ثم والله لأسحبه على الدرج.. وأدخله عندها وأسكر الباب عليهم.. وما أبطله إلا الصبح وبكيفهم!! همست كاسرة بشجن وهي تقبل جبينه برقة مثقلة بالشجن: كساب.. عقب 30 سنة.. لو الله عطانا عمر... بتحبني كثر ما إبيك يحب أمي؟؟ همس بعمق أزلي وهو يشدها ليقرب أذنها من شفتيه يغمرها بقبلاته ودفء همساته: أكثر بكثير.. بـــكــــثـــــيــــر!! بــــــــــــكـــــــثــــــيـــر!! ******************************************** مازال واقفا أمام الباب منذ أكثر من ربع ساعة.. يتنهد بعمق.. اليوم كله لم يستطع رؤيتها.. أضناه الشوق حتى منتهاه.. وأنضجه القلق حتى غايته... وهو يعلم أنها دخلت الشهر التاسع أخيرا.. لا يعلم إن كان يحق له اقتحام خلوتها بهذه الطريقة.. دون استئذان!! " يحق لي كل شيء.. كل شيء!! هي كلها حق لي وحدي!! أي جرم ارتكبته حين أريد الاطمئنان عليها فقط!! فقط الاطمئنان!!" تنهد بعمق.. وهو يفتح الباب ليدلف.. ليس خائفا مطلقا.. فمثله لا يعرف الخوف.. ولكن لها في جوانحه هيبة المحب.. وأي هيبة هذه الهيبة؟؟ أي هيبة؟؟ هيبة لا يعرفها إلا رجل مثله.. قضى حياته كلها ناسكا في محراب هواها.. تفتح (صباه) على وقع خطاها.. تخطوها فوق شغاف قلبه.. لاهية لا تعلم ماذا فعلت بعيني الجار المتيم التي ماعادت تبصر سواها.. وكأن الحياة لا اسم لها سوى اسمها.. والفجر يطلع لينير بهجة صباها.. والشمس تشرق من بين التماعة خصلاتها!! حرير (بخنقها) المطرز حين كان يطير من نسمة هواء شقية.. كان قلبه يسابقه ليطير معه.. عله حين يحط يحط مثله ليلامس حرير بشرتها.. ولكن قلبه كان يطير ويطير ولا يحط سوى بحسرات النظرات تناجيها من بعيد.. ازدهرت (رجولته) حرقة لاهبة وهو ينظر لكل رجل كانت له قبله.. ينظر له باحتراق روحه التي كواها السهد وكأنه يخاطبه: "هل لامست شفتيها التي لا أعرف ملمسها؟؟ هل سمحت لنفسك أن تتنفس عطرها الذي أضناني التفكير فيه؟؟ كيف جرؤت أن تمد يدك لربيع جسدها؟؟ كيف تطاولت على شمسي لتخبئها عن ناظريّ؟ هل تعلم أني ماعدت أبصر الشمس بعدها؟؟ الشمس بعدها باتت مختلفة.. باهتة.. خالية من السحر!! يا الله ما أقسى الحياة التي شحت بها عليّ ومنحتها لسواي!!" وهاهو يحط على شواطئ (كهولته) وهي بين يديه.. نعمة لفرط ما استكثرها على نفسه.. أبعدها عن موانيه.. يتذكر الآن كل لحظة مرت من الأشهر الشحيحة التي ارتوت فيها روحه من قربها.. وكم كانت شحيحة..!! فهو مازال لم يرتوِ.. ولن يرتوي..!! حكاية عشق جديدة نسجها بجذور ضاربة في عمق التاريخ.. على أساس مغرق في القوة والمتانة.. حكاية تاريخه بمجمله حطت على أعتابه.. هكذا كانت مزنة.. مـــــزنــــــة!! تاريحه الذي ماعرف له تاريخ سواه!! عشقه الذي تجدد في كل أوان.. روحه التي ماعرف روحا غيرها من صباه حتى الآن.. أفلا يشعر في حضرة كل هذا التاريخ بهيبة أشبه بهيبة الملوك؟! هكذا كان يشعر وهو يقترب منها بخطوات هادئة قوية كما لو كان يحفرها على تاريخه من جديد.. كانت الأضواء خافتة كأضواء ليلة سحرية خالدة.. نور أكثر إضاءة يشتعل قريبا منها.. كما لو كان يضعها في بؤرة الصورة.. وهــــي نــائــمـــة.. شعرها السرمدي.. حكاية عشقه التي لا تخفت... مسكوب على جداول مخدتها.. وهي تنام على جنبها لتوليه وجهها.. وكأنها تعلم أنه قادم.. وأنه موجوع بالشوق.. ومكلوم بالفقد!! وقف لدقيقة صامتا... وكأنه يقول (الصمت في حرم الجمال جمال) " هل هناك من يفلت معجزة أرضية كهذه سوى أحمق مثلي؟!!" شد له نفسا عميقا ليجده يتلجلج في صدره بعنف.. عاجز عن سحبه كما يجب.. "فمن يستطيع التنفس في حضرتها؟!!" حتى إرهاق الحمل وقسوة مامرت به رغم انطباعه على تفاصيل وجهها.. لم يزدها في عينيه إلا حسنا ماعاد قادرا للوصول إلى ذروته حتى!! " يا الله كم اشتقت لرؤية وجهك!! تنفس أنفاسك من قرب.. الاحتراق بقربك ذلك الاحتراق الذي يطهر الروح لسموه وعمقه!!" شد مقعد التسريحة ليجلس قريبا منها.. ملاصقا لها.. لحظات مرت.. وهو يمسح بناظريه صفحة وجهها ببطء شديد.. كما لو أنه يريد الاستمتاع بكل جزء من الثانية تعبر فيه عيناه تفاصيلها الأثيرة.. وكأنه لا يريد للحظة أن تنقضي لشدة بهائها ووطأتها على قلبه.. ارتعشت شفتيها بخفة.. ليرتعش قلبه بعنف.. كان يريد أن يمد يده ليلمس ورد شفتيها.. ولكنه نهر أنامله بقسوة.. لم يرد أن يكدر عليها نومها.. أو ربما خشي من ردة فعل تأخذه من هذه العوالم السماوية.. لم يخرجه من هذه العوالم إلا همسة رقيقة ندت من بين شفتيها بخفوت: زايــــــد!! انتفض بولعه الخاص وهو يهتف بعفوية قارصة موجعة: لــــبـــيـــــه!! حينها فتحت عينيها وهي تحاول الاعتدال بصعوبة لشعورها بالثقل.. مد ذراعه ليسندها وهي تهمس بخفوت أقرب للحرج: كنت أحسب نفسي أحلم وأنا أشم عطرك قريب كذا!! أسندها حتى جلست.. ولكنه لم يستطع إزالة ذراعه من خلفها.. رغم أنه حاول.. ولكنه لم يستطع.. لم يستطع.. كان سيموت ليلمسها من جديد.. فكيف يبتعد الآن؟؟ جلس جوارها..وذراعه مازالت خلفها.. لحظات طويلة مرت.. ثقيلة.. موجعة.. محلقة!! وكل منهما إحساسه بالآخر يؤلمه في أعمق نقطة في الروح!! كم مر عليهما وهما في منفاهما الاختياري..كل منهما بعيد عن شطآن الآخر؟!! كان زايد هو أول من قطع الصمت وهو يهمس باهتمام رجولته الخاصة: وينش اليوم ماشفتش كلش؟؟ صمتت.. إحساسها بالألم والاحتياج يضعفها لأقصى حد.. أعاد السؤال عليها.. همست بسكون: رحت الصبح كان عندي موعد.. ومسكتني الدكتورة عندها عشان تركب علي مغذي عشان ارتفاع الزلال.. وكانت تبيني أبات الليلة هناك بس أنا مارضيت.. عاجز حتى عن أن يصرخ بها.. وحرقته تتزايد في روحه وهو يهمس بسكون موجوع: وأكيد ماقلتي لأحد كالعادة؟؟ وأي حد يكلمش تتعذرين له ألف عذر؟؟ همست بألم: وش تبيني أسوي زين؟؟ رد عليها بألم أعمق: لا تسوين شيء.. احرقي قلبي وبس!! عادا لتبادلا الصمت لثوان قبل أن يهتف هو بإجهاد: مزنة مهوب كفاية كذا؟؟ والله العظيم كفاية.. وأكثر من كفاية!! ردت عليه بشجن مثقل بالالم: يمكن كفاية عندي .. بس أخاف مهوب كفاية عندك!! زايد حينها حرك ذراعه التي خلف ظهرها ليحتضنها به وهو يصدر أنينا خافتا مثقلا بالوجع.. ما أن شعر برأسها بين ضلوعه: دريتي الحين إنه كفاية..!! همست برجاء عميق وهي تقيد كفيها.. كل كف بالأخرى: زايد ضربتين في الرأس توجع.. ماراح استحمل منك ضربة ثانية.. ماراح استحمل إحساسك بالذنب.. ولا أنك تعاقبني بذنب غيري.. أوعدك لو جبت بنية أسميها (وسمية) كان ذا الشيء بيريحك.. بس تكفى مافيني للوجيعة.. احتضنها زايد بعمق أكبر.. لتجد أن مقاومتها تتفكك كتفكك عظامها المرتعشة بين خلاياه.. وهي تحتضن خصره بكلتا ذراعيها وتقبل صدره بوجع بللته بدموعها وانينها!! بينما زايد يهمس بعمق كوني.. عمقه الرجولي المختلف الذي امتد من الأمس لليوم: ما أبيش تسمين وسمية.. ما راح أغلط نفس الغلطة مرتين.. أمس.. جرحت وسمية وأنا ما أدري يوم سميت بنتها باسمش!! مستحيل اليوم.. أجرحش وأنا أدري وأخليش تسمين بنتش باسمها!! بنتنا أو ولدنا بنسميهم اسم جديد.. خلاص مانبي ظلال الأمس اللي غطت اليوم.. أنا وأنتي وعيالنا كلهم نبي نفتح صفحة جديدة لـــبــكـــرة!!! #أنفاس_قطر# . . . . تمت بحمدلله أيام (بين الأمس واليوم) ولياليها.. دعاء ختم المجلس: " سبحانك اللهم وبحمدك... أشهد أن لا إله إلا أنت ... أستغفرك وأتوب إليك" . تبقى بين الأمس واليوم كما كانت حصرية في ***** هذا احنا خلصنا.. ومثل ماقلت لكم لا مشهد ناقص ولا زايد.. فيه ناس لو سمعت كلامهم كان خلصت من زمان.. وناس لو سمعت كلامهم كان قعدت معكم لسنة قدام بعد :) وحلات الشيء ينتهي مثل ماهو مخطط له تمام <== على الأقل من وجهة نظر محدثتكم الهذارة :) . . وما انتهينا نهاية مأساوية ولا حزينة.. لسبب وحيد اللي يعرفني زين كان بيعرفه إنه أنا قلت لكم قبل إني أكتب بروح قارئة.. وأنا كقارئة فعلا أكره النهايات الحزينة... كم قصص عجبتني ولما وصلت نهايتها ندمت إني قريتها.. لأنها حرقت قلبي على الأخير.. وأنا مثلكم أقرأ لأبحث عن فسحة من الأمل.. نعم الحزن مطلوب لتنقية الروح.. ولكن ليس لإتعاسها.. قد يرى البعض أن الكاتب الاستثنائي لايهتم بهذه الأمور.. ولكن أنا لا أرى في هذا استثنائية بل أراه نوع من التعقيد.. ولو هو الاستثنائية فأنا متنازلة عن هذا المسمى.. لماذا أتعب نفسي في رواية لعام كامل وأعطيها من روحي ووقتي وكياني وأخذ من وقت آلاف القراء حتى أجعلهم يكرهونها في النهاية.. هل سأسعد بقصة ستموت في خيال قراءها؟؟ هذا رد على حكاية النهايات الحزينة :) . ودام تكلمنا عن النهايات.. فعندنا نجمة كبيرة معلقة من زمان لـ(حنين الذكرى) لأنها توقعت إني بأنهي القصة في تاريخ 7/3/2011 وهذا فعلا كان مخططي.. بس توقفي أيام أحداث مصر هو اللي عرقل المخطط:) ودام تكلمنا عن النجوم.. فيه كم نجمة معلقة.. (وضيحة) أول من توقع ومن زمان إنه كاسرة بتتعب لما يحكي لها كساب كل التفاصيل.. (إرادة) توقعت جميلة تقص شعرها عشان فهد.. (الحياة) قالت مستحيل زايد يسمي وسمية.. قلبي يوجعني وأنا أوزع آخر النجمات... كل وحدة بتمر على ذا الأسطر وأنا ماذكرت اسمها معلق لها في قلبي الآف النجمات.. . أمنيتي وطلبي الأخير منكم إن كل من سيمر على هذه الأسطر.. يترك لنا ولو كلمة واحدة يودعنا بها.. حتى اللي تابعونا بصمت طيلة الأشهر الماضية.. ألا تستحق منكم (بين الأمس واليوم) أن تقولوا وداعا لها؟؟ وخصوصا أنها كما قلت لكم آخر عمل لي.. كما أظن!! لا أريد إغضابكم.. ولكن هذا هو فعلا إحساسي.. أريد استراحة محارب طويلة جدا جدا جدا جدا.. سأنقطع فيها عن الانترنت وعن عوالم الكتابة.. ولأني وعدتكم أني لو وجدت مايستحق العودة سأعود.. فأنا عند وعدي.. ولكن حتى ذلك الحين أمامي الآف المشروعات المؤجلة!! ولكل شيء مرحلته وزمنه.. وأرجو منكم دائما أن تذكروني بالكلمة الطيبة وبدعواتكم الخالصة أن يهديني الله إلى مايحب ويرضى... ويوفقني لمرضاته.. ويصلح ويحفظ أطفالي كلهم حتى القادمين منهم! يعز علي فراقكم فوق ما تتخيلون.. موجوعة حتى الثمالة وحتى النخاع <== كما كنت أقول عن شخصياتي حتى أصبحت هذه المصطلحات مرادفة لهم.. سأفتقد لجمعتنا الدافئة ومشاعركم الأدفأ.. والله أني في هذه اللحظات كما يقول المتنبي: يامن يعز علينا أن نفارقهم..... وجداننا كل شيء بعدكم عدم ماعاد للحديث مجال.. :( رُفعت الأقلام وجفت الصحف.. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه سبحانك اللهم وبحمدك... أشهد أن لا إله إلا أنت... أستغفرك وأتوب إليك . أنفاسكم أنفاس قطر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ